صفحات الناس

الاستثمار في مستقبل سوريا.. من سيرث الاقتصاد السوري المتداعي بفعل الحرب؟

 

ترجمة وتحرير شادي خليفة – الخليج الجديد

تركت 6 أعوام من الصراع في سوريا اقتصاد البلاد في حالةٍ يرثى لها. ومنذ عام 2010، تقلّص الناتج المحلي الإجمالي في البلاد إلى النصف. وقد دمّرت الحرب سكّان سوريا، حيث قتلت أكثر من 440 ألفًا وهجّرت أكثر من 6 ملايين إلى خارج البلاد، وهي خسارة من شأنها أن تشلّ البلاد لفترة طويلة بعد توقّف القتال. وتقول التقديرات أنّ 60% من سكّان سوريا، أو ما تبقى منها، عاطلين عن العمل، ومن الصعب قول كم من السوريين يعملون في مهنٍ ضعيفة.

وعلى الرغم من أنّ الحكومة قد دخلت العام الجديد بميزة نسبية على المعارضة، حيث استعادت مدينة حلب، لكنّ تراجعها المالي يقوّض بسط سيطرتها على كامل البلاد. وعندما يحين الوقت أخيرًا لبدء التقاط القطع، لن تكون الحكومة في دمشق قادرة على الشروع في مهمتها الشاقة المتمثّلة في إعادة الإعمار وحدها. بدأت العديد من الدول بالفعل مدّ يد العون للمساعدة في إعادة بناء الدولة الممزّقة، بعضها أكثر استراتيجية من الآخرين.

بداية مشؤومة

عندما زلّت قدم البلاد في الحرب الأهلية عام 2011، كانت بالفعل تعاني من مشاكل اقتصادية. وأضرّت ظروف الجفاف القطاع الزراعي في البلاد، الأمر الذي أدّى إلى انتقال السوريّين الذين يسكنون الريف بأعدادٍ كبيرة إلى المناطق الحضرية. وعلاوة على ذلك، كان الاقتصاد السوري قد استفاق للتو من فترة التحرّر الاقتصادي التي بدأها الرئيس «بشار الأسد» حين تولّى منصبه عام 2000. وعلى الرغم من أنّ الإصلاحات المصرفية قد حفّزت النمو الاقتصادي، ارتدّ هذا التقدّم في خلال عامٍ واحدٍ من اندلاع الحرب بفعل العقوبات التي وقّعتها الحكومات الأجنبية على البنك المركزي السوري والقطاع المصرفي في البلاد. وانكمش الناتج الاقتصادي بأكثر من 40% بحلول عام 2013. ومع تراجع تدفّقاتها النقدية، اضطرت دمشق إلى خفض دعم المواد الغذائية والوقود والكهرباء والمياه تدريجيًا. وبحلول عام 2015، كانت احتياطيات سوريا قد انخفضت، كما ورد، إلى 1 مليار دولار فقط، وهو ما يكفي فقط شهر واحد من الواردات تقريبًا.

وكان العام الماضي أكثر سوءًا بالنسبة للاقتصاد السوري. وارتفعت تكاليف الغاز الطبيعي والمياه في 2016، لاسيما في العاصمة، على الرغم من أنّ مؤشّرات التكاليف الأخرى مثل الإيجار أو الضرائب بقيت أقلّ قليلًا أو ثابتة. وفي الوقت نفسه، ارتفعت تكلفة الغذاء بنسبة 99% مقارنةً بالعام السابق. وعلى رأس ذلك، دمّر القصف والغارات الجوية البنية التحتية في أنحاء البلاد، الأمر الذي تسبّب في نقص الماء والكهرباء. وهذا لا يبشّر بالخير للأسد. فقد يبدأ التدهور الاقتصادي الحاد في البلاد إلى تقويض الثقة في الحكومة، حتّى بين أكثر داعمي «الأسد» ولاءً.

ومنذ فقدت الحكومة قدرتها على توفير الخدمات الأساسية لشعبها، أخذ السوريون توفير ضروريات الحياة على عاتقهم. وفي الأراضي التي يسيطر عليها المتمرّدون مثل إدلب، عملت الفصائل المتنافسة على توفير الغذاء والمياه والكهرباء للسكّان المحلّيين. نتيجةً لذلك، ضعفت سلطة دمشق في أنحاء البلاد، حتّى الأراضي التي لا تزال تحت سيطرتها فنيًا.

انتصارات جوفاء

في نهاية عام 2016، ادّعت الحكومة السورية تحقيقها أعظم انتصاراتها في الحرب الأهلية عندما انتزعت مدينة حلب من سيطرة الثوّار. لكنّه كان انتصارًا أجوفًا، مثل غالبية الانتصارات العديدة لدمشق في استعادة الأراضي. وقد دمّرت الحرب أجزاءً عديدة من مدينة حلب، التي كانت يومًا ما أكثر مدن البلاد سكّانًا، والعاصمة الاقتصادية للبلاد كذلك.

يقدّر الدمّار الذي حلّ بالمدينة بين 100 إلى 200 مليون دولار، ولا تزال الأحياء المحيطة بها منطقة حربٍ نشطة مع عدّة جبهات. وحتّى الآن، تعمل الحكومة السورية على إصلاح البنية التحتية للمياه والكهرباء، التي تورّطت قوّاتها في تدميرها، العملية التي قد تستغرق شهورًا إن لم يكن سنوات لإتمامها. وفي الوقت نفسه، ستظل الصناعة في حلب في حالة جمود.

علاوة على ذلك، لم تقدّم انتصارات الحكومة على الثوّار شيئًا يذكر لتخفيف النقص الغذائي في البلاد. ولا تزال (الدولة الإسلامية) حاضرة في شرق سوريا، التي كانت سلّة خبز البلاد سابقًا. إضافةً إلى ذلك، لم تعد الحكومة قادرة على الاعتماد على الإنتاج الزراعي الوفير في الركن الشمالي الغربي للبلاد، لأنّ الأكراد السوريّين يسيطرون على المنطقة، ويأملون في إقامة منطقة تتمتّع بحكم شبه ذاتي. وعلى الرغم من أنّ المنطقة لا تزال تحت سيطرة الحكومة المركزية اسميًا، تفقد دمشق النفوذ هناك بشكلٍ متزايد.

والبلاد على شفا أزمة قمحٍ أيضًا. وقد لا تكون الحكومة قادرة إلّا على الوفاء بشراء ثلاث كمية القمح التي خطّطت لشرائها في يناير/كانون الثاني. وفي الواقع، منعت أزمة السيولة دمشق من إنهاء اللمسات الأخيرة من صفقة شحنة القمح التي تحتاجها بشدّة بمليون طن من روسيا بخصم 20%. لم يكن عرض روسيا كريمًا للغاية، نظرًا لأنّ روسيا ما زالت تحاول التخلّص من فائض محصول القمح الذي حقّق رقمًا قياسيًا العام الماضي. لكن لا يزال العرض إشارة على مصلحة روسيا في مساعدة الحكومة السورية في الوقوف على قدميها، لكن تفتقد دمشق للأموال للاستفادة من ذلك.

إيران: حليف للثراء أو للفقر

لكنّ روسيا ليست القوّة الأجنبية الوحيدة التي تسعى لمدّ يد العون لسوريا. وسواء في حالة الثراء أو الفقر، لدى دمشق حليفٌ مخلص في إيران. وقد وقّعت الدولتان مؤخّرًا عددًا من صفقات الفوسفات والاتّصالات والنفط والغاز الطبيعي والزراعة، تمّت جميعها للبدء بتحريك الاقتصاد الراكد ولتأمين عمولات محتملة للشركات الإيرانية. وقد مدّدت طهران أيضًا ائتمانًا قدّر بـ 6 مليارات إلى 10 مليارات دولار خلال مسار الصراع، الأمر الذي يتيح لدمشق الاستمرار في دفع الرواتب الحكومية، وتمويل حربها، والحفاظ على تشغيل الخدمات الأساسية.

وتعتبر المساعدة المالية الإيرانية استثمارًا، وليست من باب الإحسان. فإيران ترى الأموال التي تضخّها في سوريا وثيقة تأمين لنفوذها المتواصل مع دمشق، بغض النظر عن المسؤول. وستضمن هذه العلاقات الاقتصادية لإيران نفوذًا أكبر على سوريا أكثر حتّى من العراق. وعلى عكس دمشق، التي عزلتها العديد من البلدان على مدار الحرب الأهلية، دخلت بغداد مرحلة إعادة الإعمار بعد عملية تحرير العراق مع عدد من شركاء التحالف، بما في ذلك الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة والاتّحاد الأوروبي. وتفتقر حكومة «الأسد» للدعم حتّى بين أقوى الدول في منطقة الشرق الأوسط، ما يترك لها القليل من الشركاء الأجانب قد يرغبون في إعادة البناء، ما يعطي إيران نفوذًا كبيرًا.

وبالطبع تعمل إيران للاستفادة أيضًا اقتصاديًا من صفقاتها. وتنوي طهران أن تعرض خدماتها عن طريق الشركات المملوكة للدولة من أجل إعادة إعمار سوريا. وعندما يحين الوقت، ستكون إيران هي الشريك المفضّل لسوريا لجهود إعادة الإعمار، على الرغم من العلاقات الاقتصادية الأعمق التي كانت مع دول مثل تركيا وقطر والسعودية قبل اندلاع النزاع. وستساعد شركات المقاولات الإيرانية بلادها للبقاء على رأس منتجي الحديد وثاني أكبر منتج للصلب في الشرق الأوسط. ومع ذلك، سيكون تمويل إعادة إعمار سوريا مخادعًا، لأنّ سوريا لن يكون لديها الاحتياطيات النقدية للدفع مقابل ذلك.

الاصطفاف وراء إيران

بإغراق مئات الملايين من الدولارات في سوريا منذ بدء الحرب الأهلية، أثبتت إيران القيمة التي تضعها للبلاد كحليفٍ استراتيجي وممر لوكيلها العسكري الأهم، حزب الله. ويشير تركيز طهران أيضًا على اتفاقات الاستثمار إلى أنّها تعتقد أنّ الحرب ستنتهي قريبًا. وحتّى ذلك الوقت، ستستثمر إيران في سوريا بقدر الحاجة لتحقيق الاستقرار في البلاد وحماية مصالحها. ومع التحسّن البطيء في اقتصادها بفضل الثبات النسبي لأسعار النفط وتخفيف العقوبات الاقتصادية، قد تضاعف من دعمها.

وفي الوقت نفسه، تتجهّز دول أخرى للاستفادة من إعادة الإعمار في سوريا في نهاية المطاف. وقد وقّعت مصر اتّفاقًا لزيادة استثماراتها هناك، وتأمل لبنان أن تكون مركزًا لعبور الأموال والخامات اللازمة لإعادة الإعمار في الطريق إلى سوريا. لكنّ إيران قد أكّدت على أنّها ستكون على رأس قائمة الشركاء حين تبدأ الحكومة استراتفور

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى