صفحات العالم

الاستراتيجيات السعودية في الحرب السورية

خلفية

منذ اندلاع الربيع العربي، طرأت تقلبات عديدة في موازين قوى اللاعبين الاقليميين، صعدت وسقطت قوى وتحالفات كالاسلام السياسي و ‘مشروع النهضة’ للاخوان المسلمين والذي كان شعاره ‘الاسلام هو الحل’. المشروع الذي روجت له ومولته تركيا وقطر وفشل. اضافة الى ذلك عملت ايران في اثناء التقليات في العالم العربي بنشاط على حماية وتعزيز المحور الشيعي. وقد جندت الى هذا المحور رئيس الوزراء العراقي، المالكي، وفعلت فروعها لمساعدة نظام الاسد على البقاء قوة القدس (من ايران)، الشبيحة (قوات الاسد) وحزب الله (من لبنان) وذلك لتعطيل وصد، أولا الثوار وفي مرحلة لاحقة المحافل الاسلامية السنية، التي سيطرت على قوى المعارضة.

ضعضعة الاستقرار في المنطقة سواء من جانب ‘القوى الشيعية’ العاملة ضد هياكل الدول، سواء في الحروب الطائفية بين السنة والشيعة أم على خلفية التخوف من استعداد الولايات المتحدة لدعم حلفائها في المنطقة في يوم الاختبار، تركت دول الخليج أمام معضلة من حيث مجال العمل والمناورة لديها. في ضوء ذلك اتخذت السعودية والكويت سياسة دعم لمنظمات المعارضة الاسلامية التي تقاتل ضد الاسد والمالكي ونصرالله. وبالتدريج تطور لدى السعوديين الفهم بان عليهم أن يطوروا اذرع تأثير الى المجال الاقليمي وان ‘لقوة الضرر’ (وليس لقوى البناء) يوجد دور متعاظم في تصميم وجه الشرق الاوسط. وذلك من اجل اقامة محور مضاد سني يتحدى ويحطم المحور الشيعي.

‘خطة بندر’ للاسرة المالكة السعودية

بندر بن سلطان، رئيس المخابرات السعودية والذي شغل على مدى سنوات طويلة منصب السفير السعودي في الولايات المتحدة، مسؤول اليوم عن تصميم السياسة والاستراتيجية للمملكة في المسألة الايرانية. السعودية التي ترى في ايران وفي المحور الشيعي تهديدا وجوديا تعمل على عدة مستويات وقنوات موازية كي تكبح بل وتمنع تطلعات ايران في تحقيق هيمنة اقليمية. بعد سنة من اندلاع الثورة في سوريا والانزلاق الى حرب اهلية، اتخذ لدى السعوديين قرار استراتيجي وفي اساسه الفهم بان على المملكة بان تعمل بكل الوسائل اللازمة من أجل منع انتصار الاسد وايران. ولهذا الغرض فقد وضعت خطة العمل المسماة في الشبكات الاجتماعية ‘خطة بندر’، والتي تتضمن ثلاثة عناصر:

1- تأسيس حركات معارضة، كتائب وجماعات ثوار من انتاج سعودي. بمعنى، ائتلافات، كتائب، والوية اقيمت، مولت وزودت من السعودية (الجيش السوري الحر استبدل بالجبهة الاسلامية وسليم ادريس استبدل بزعيم سعودي يسمى زهران، قائد جيش الاسلام.

2- ادخال عملاء ومقاتلين سعوديين الى صفوف منظمات القاعدة القائمة (اقيمت كتائب عبدالله عزام، وهي منظمة متفرعة عن القاعدة في لبنان وعلى رأسها يقف الجهادي السعودي، ماجد بن محمد المجيد.

3- التأثير على جهات جهادية لم يتسللوا اليها بعد، بواسطة نقل مضامين عبر وسائل الاعلام الجديدة وفي مواقع الانترنت. اقيمت قيادتا تنسيق وتدريب واحدة في اربد في الاردن والثانية في الطائف في السعودية، مهمتهما تنسيق الاعمال ونقل الاموال والسلاح من دول الخليج الى منظمات المعارضة المختلفة التي تقاتل في سوريا. بعد سنتين من تفعيل خطة بندر لمساعدة القتال في سوريا، فان تقدير السعوديين هو أن غاية الخطة لم تتحقق، في ضوء الوضع الراهن الذي يقف فيه المعسكران الواحد أمام الاخر في مثابة ‘معركة الخنادق’ ودون حسم.

مشروع ‘المعاقل’ ـــ ‘القاعدة’ وفروعها

بالتوازي مع خطة بندر التي لم تنجح حتى الان في تحقيق الحسم بين المحور السني والمحور الشيعي وتثيبت قوة منظمات المعارضة السورية، بدأ الشيوخ الوهابيون والسلفيون وكذا متبرعون خاصون في السعودية وفي الكويت بتجنيد وتمويل المقاتلين ومنظمات الجهاد المتطرفة في سوريا، ولبنان وفي العراق. وبدأت النتائج تصل بظهور قيادات لمنظمة القاعدة وفروعها على طول ‘الهلال الشيعي’. الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة، اللتان – فضلا عن القواعد في سوريا – بنتا قيادات في طرابلس وصيدا في لبنان وفي محافظة الانبار (الرمادي والفلوجة) في العراق. وبينما يصل المقاتلون من عدة دول عربية واوروبية ومعظم التمويل وكذا التوجيهات والارشادات الدينية تأتي من السعودية والكويت.

من الخطاب في الشبكات الاجتماعية ومن متابعة الدعاة الوهابيين والسلفيين مثل د. جمعان الحربش (الكويت)، د. شافي العجمي (الكويت)، سلمان العوده (السعودية)، احمد الشغيري (السعودية)، د. عوض القرني (السعودية)، عدنان العرعور (سوريا) ود. محمد العريفي (السعودية)، تتضح العلاقة الوثيقة بين منظمة القاعدة وفروعها والحركات الجهادية ـ السلفية لاولئك الدعاة أنفسهم. وفي كل مواعظهم في اليوتيوب يدعون الى حرب الجهاد ضد الحركات والزعماء الشيعة، الذي يسمونهم ‘الكفار’، ويسمى حزب الله ‘حزب الشيطان’، ورئيس الوزراء العراقي المالكي يسمى الكافر، والعلويون يسمون ‘الصفويين’ والاسد يسمى ‘ابن الموت’. وهم يطلبون من جمهور متابعيهم (الذي يبلغ نحو 5 حتى 7 مليون في التويتر والفيسبوك) التجند الى حرب الجهاد. كما أنهم يقيمون دوائر تسمى ‘الديوانية’ حيث يجند المال لارساله الى الكتائب في الميدان. ويصور الميدانيون في اليوتيوب مقاطع توثق شهداؤهم والتهاني والشكر للمتبرعين الخاصين ممن يبعثون باموالهم.

يبدو أن الاسرة المالكة السعودية، ان لم تكن داعمة مباشرة فتغض النظر عن نشاط الدعاة والمعارضة الوهابية وذلك لاستخلاص الارباح في المدى الزمني القصير في صراعها ضد المحور الشيعي وللايضاح للعالم وللمحيط الاقليمي، دون الاعلان عن ذلك، بان للسعودية قدرة على احداث سياقات سلبية تجبي في المستقبل ثمنا من كل اللاعبين المشاركين.

في بداية العام 2014 تقف اسرائيل امام تحدٍ نامٍ. فبسبب ضعف الدول القومية، تستولي منظمات وقوى جهادية سلفية على معاقل في الدول المجاورة لاسرائيل (الجهاد الاسلامي في غزة، أنصار بيت المقدس في سيناء، بما في ذلك الاعمال في مدن القناة والقاهرة، الجبهة السلفية وقيادة الجبهة الاسلامية السورية في الاردن، داعش وجبهة النصرة في سوريا، كتائب عبد الله عزام، قيادة النصرة والحركة السلفية ـ في لبنان). وتعمل هذه القوى على ثلاث مراحل: الاولى ـ الصراع ضد المحور الشيعي وبهدف اسقاط نظام الاسد؛ الثانية ـ اسقاط الزعماء السنة العلمانيين واقامة خلافة اسلامية؛ والثالثة ـ الانشغال بالغرب وباسرائيل. وشهدت دولة اسرائيل على مدى السنين ميول تعزز قوى الجهاد العالمي وفي ظل ذلك منظمة القاعدة. ولما لم تكن اسرائيل حتى الان في بؤرة العمل والتآمر من هذه الجماعات (باستثناء محاولات عمليات قليلة في عمق اسرائيل) والتي عملت اساسا في الدوائر البعيدة، وانطلاقا من التقدير بان هذا ليس تهديدا وجوديا، فانها فضلت ان تقف جانبا لتشاهد السياقات المتطورة، تعزز عناصر الدفاع من الداخل وتسمح للاخرين، ولا سيما الولايات المتحدة بالمواجهة المباشرة مع خلايا القاعدة.

مطلوب تفكير وتقويم متجدد

للتهديد وآثاره على اسرائيل

بسبب تعاظم ضعف الدول وتآكل النجاعة السلطوية، الى جانب تسلل عناصر الجهاد والقاعدة الى الفراغ وبناء ‘معاقل’ بجوار حدودنا، تتحدى استقرار مصر، والاردن، ولبنان والسلطة الفلسطينية. في ظل كل ذلك يطرح سؤال مركزي: هل امتناع اسرائيل عن العمل في الحاضر يؤدي الى تثبيت محافل الجهاد العالمي والقاعدة قرب حدودها ونشوء تهديد حقيقي على دولة اسرائيل في المستقبل؟ اضافة الى ذلك، اذا كانت اسرائيل تسعى الى الاستقرار والحفاظ على علاقات السلام مع مصر والاردن، فان عليها أن تفحص هل ‘الوقوف جانبا’، عدم التدخل في السياقات الاقليمية والامتناع عن العمل ضد معاقل القاعدة، التي كانت حتى الان هي السياسة الصحيحة، تفترض تغييرا من أجل منع النتائج السلبية لتوسيع دوائر الفوضى في المناطق وانفجارها نحو اسرائيل.

اودي ديكل واوريت بارلوف

نظرة عليا 19/2/2014

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى