صفحات سوريةغسان المفلح

الاسدية وباء سورية../ غسان المفلح

 

 

ذكر السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن، مايكل أورين، في مذكراته التي ستُنشر الشهر الجاري، أن “إسرائيل” ساعدت الرئيسَ الأميركي السابق باراك أوباما، بشكل سري، في تجنّب قصف سورية في عام 2013، وذلك عقب تجاوز بشار الأسد الخط الأميركي الأحمر، يومَ استخدم السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري.

وقالت صحيفة (بلومبوغ) إن كتاب أورين يتطرق إلى طرح وزير الاستخبارات الإسرائيلي حينذاك يوفال شتاينيتز خطة، تقتضي تخلي النظام السوري عن أسلحته الكيماوية لصالح موسكو، موضحة أن أوباما باركَ الخطة المطروحة. وتابع إن “مساعدةَ شتاينتز ونيتنياهو قامت بالإعداد لدبلوماسيةٍ، سمحت لأوباما بالتراجع عن موقفه بشأن الضربات الجوية”.

لم يعد هنالك وضوحا اكثر من ذلك في ان أوباما ونتنياهو هما حماة الأسد. لكن ما لم يفهمه مثقفينا ومعارضتنا، هو التالي: عندما تتخذ دولة كبيرة كاميركا قرارا بحماية الأسد، فهذا يعني ببساطة، ان لا احد قادرا على الإطاحة به. بعد زيارة روبرت فورد لحماة في مطلع الثورة، ورؤية التظاهرات التي استقبلته، بعدها باشهر قليلة كان الموقف الأمريكي واضحا. يمكن تلخيصه بالتالي” لا يموت الديب حتى يفنى نصف الغنم”.

الموقف الإسرائيلي كان أكثر وضوحا، الأسد رجلنا في سورية. هذا لايعني انه لا إمكانية للوصول إلى تقاطعات مع الموقف الأمريكي او حتى الإسرائيلي من قبل المعارضة، لكن هذه تحتاج لقراءة مغايرة للفعل السياسي وللخطاب السياسي.

المفارقة في سورية دونا عن بلدان الربيع العربي، هي التالية: أن الأسد الاب أسس لنظامه إسرائيليا وامريكيا على طريقة قطع الطريق على اية معارضة ممكنة. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإنه بالمقابل قدم لكل من أمريكا وإسرائيل ما تعجز المعارضة عن تقديمه. بعضنا يعتبرها خيانة.

لن ادخل في هذه المفاهيم الان. سواء كانت خيانة ام غير خيانة، لكنها فعلا قطع الطريق على اية معارضة. حتى لو كانت على المقاس الذي يرغبه الناس. بمعنى أننا امام حالة استثنائية في تاريخ المنطقة. مثال ربما يعلمنا الكثير: كل اعلام الاسدية والممانعة والمقاومة والإيراني كان يصنف نظام مبارك بأنه عميل لإسرائيل! اتضحت الصورة لاحقا ان إسرائيل هذه وامريكا استغنيا عن مبارك واجبراه على الاستقالة. لكن الثورة السورية أوضحت ان الاسدية هي المبتغى النموذج الغعلي لاي نظام تريده إسرائيل وامريكا على حدود إسرائيل في سورية. فلا المعارضة الديمقراطية مطلوبة ولا النماذج الاسلاموية مطلوبة.

مطلوب بسطار فكان السيسي نموذج مشوه وتهريجي عن الاسدية. نستنتج ببساطة أيضا: أن إسرائيل وامريكا لاتريدان أي نموذج ديمقراطي في دول الطوق. هذا سر بقاء الأسد في السلطة حتى اللحظة رغم كل جرائمه. لا الطيران الروسي ولا الجحافل الملالية الإيرانية، دافعت عنه بمعزل عن الرضا والموافقة الإسرائيلية- الامريكية. الملاحظ في هذا السياق أيضا نقطة لابد من تسجيلها هنا: مقارنة بين نظام مبارك ونظام السيسي نجد فاجعة على مستويين: تراجع الحريات والحقوق من جهة، والفرق بين نموذج السيسي التهريجي وبين نموذج مبارك كرجل دولة بغض النظر عن قضايا اخرى.

مشهد النظام العربي الحاكم يشبه مشهد ترامب الاستعراضي، مع الفارق ان ترامب في دولة ديمقراطية والبقية في دول فاشلة وسلطات قمعية ومجرمة ومفلسة أخلاقيا ووطنيا. توضحت هذه الصورة الآن في الخلاف الخليجي. مدى استخفاف النظام العربي بجماهيره. من هزيل لآخر. نعود إلى سورية. بعد اتفاق ترامب وبوتين في هامبورغ على هامش قمة العشرين، وقيام منطقة خفض توتر وهدنة في الجنوب السوري، خرج بعض المعارضين ببيان هزيل يتحدث عن احتلالات روسية وايرانية وامريكية وخلافه دون تمييز!!

ما لفت نظري في الأسماء الموقعة على البيان المذكور والذي يرفض الاتفاق، هو وجود اسم الدكتور برهان غليون. اعرف حساسية الدكتور برهان من قضية الخارج والداخل والسيادة.

لكن بالمقابل لا يجب ان يكون خطابا واحدا يجمع الروسي مع الأمريكي والإيراني مع الأردني. وكأننا نقدم خدمة مجانية للاسد. دون ان نقدم بديلا للوضع في المنطقة الجنوبية، او حتى في الثورة. هذا اذ لم نقل ان بعض الأسماء ومن بينها الدكتور برهان تتحمل مسؤولية ما وصلت اليه أوضاع المعارضة السورية، دون ان تقوم بمراجعة لادائها. المثقف يتكلم بما يشاء لكن السياسي عليه ان يأخذ بعين الاعتبار كثير من المتطلبات عندما يتفوه بأي كلمة.

خاصة في بحر الدم هذا. مشكلة المعارضة الفعلية أنها لم تؤسس تراكميا لخطاب يخاطب الغرب. بل بقيت تتعامل مع الغرب إما بدونية او بتقية والاهم بعدمية رافضة كحال البيان الاخير. لا اقصد بالطبع الاخوان المسلمين بل اقصد ذلك التيار الذي يدعي اليسارية والعلمانية، الاخوان لهم باع طويل في العلاقة مع الغرب يعرفهم ويعرفونه.  بالطبع أداء الاخوان كان سيئا في الثورة. لكن هذا ليس مفاجأ.

مهمتنا شبه مستحيلة كما كتبت في اول الثورة. لكن لا احد كان وارد ان يسمع. الاسدية نظام إقليمي برعاية دولية. هي الوباء وكل الجهود يجب ان توظف من اجل ذلك بعيدا عن مانشيتات المثقفين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى