صفحات العالم

الاعلام الاميركي لا يخادع

 

ساطع نور الدين

   البحث عن سوريا وأزمتها في العناوين الرئيسية للإعلام الاميركي ما زال شاقا. لا لتقصير او تدبير مسبق من جانب الزملاء الاميركيين، بل بكل بساطة لان الرأي العام الأميركي غير مهتم وغير معني بالحصول على المزيد من المعلومات والتحليلات والآراء التي سبق للصحف ومحطات التلفزيون والإذاعة ومواقع الإنترنت الاميركية ان تنافست على جمعها وتفوقت في تقديمها من بلدان اقل شأنا من سوريا، وأقل خطورة وبشاعة من حربها الراهنة.

  بعد نحو عامين على المذبحة الكبرى التي تشهدها سوريا، والتي تكاد تتخطى أسوأ مذابح القرن الماضي، ما زالت وسائل الإعلام البريطانية والفرنسية والأوروبية عموما هي الأهم والآوفى والأشمل والأدق في تغطية الاخبار السورية بالمقارنة مع نظيرتها الأميركية التي دأبت لا سيما في الفترة الأخيرة من عمر الثورة السورية على نشر أخبار وتعليقات وتقديرات نادرة جدا وهي في غالبيتها الساحقة مناهضة لتلك الثورة او على الأقل سلبية تجاهها.. هذا فضلا عن أنها تفتقر الى ابسط المعايير المهنية والإنسانية في تعاملها مع الحدث السوري وانتقائها لحوادث او جنايات يمكن ان تحصل في اي بلد في العالم ليس فيه ثورة، وتقدمها بصفتها حدث اليوم او خلاصته الإخبارية، في الوقت الذي تكون فيه بقية وسائل الإعلام الكبرى تسلط الضوء على ما يهز المشاعر ويحرك الضمائر فعلا، مثل بورصة القتلى والجرحى والنازحين التي حطمت الأرقام القياسية.

  لم يعد الإعلام الاميركي مصدرا رئيسيا او حتى مهما للخبر السوري على نحو ما كان في ثورات عربية سابقة او في حروب أهلية ماضية: الكسل والخمول ليس واردا او مطروحا بالنسبة الى المؤسسات الاعلامية الاميركية الرائدة، ولا طبعا التآمر على الثورة السورية، على نحو ما يردد كثيرون من المعارضين السوريين. ثمة ترتيب جديد للأولويات الأميركية تفرضه اهتمامات الجمهور الاميركي.. ولا تقع سوريا في صدارتها، وربما لن تقع ابدا.

  يمكن ان يضاف الى ذلك الكثير من المبررات السياسية التي تجعل المسألة السورية قضية نخبة أميركية متخصصة اكثر مما هي قضية الجمهور العام، منها الإرهاب الإسلامي الذي أجفل الأميركيين وجعلهم يترددون حتى عن مقاربة تلك الأزمة، ومنها طبعا العامل الإسرائيلي الذي زادهم ترددا، ومنها أخيرا مبرر جوهري يسقط دوما من الحساب وهو ان تلك الازمة تدور داخل معسكر الخصوم وهي بمثابة استنزاف يومي باهظ الكلفة لإيران وتفكيك حتمي لمحورها الذي كان يبدو قبل سنوات قليلة خلت انه مشروع إمبراطوري ينافس اميركا ويتحدى الغرب ويفرض سيطرته على العالم الإسلامي من أقصاه الى أقصاه.

  وحسب هذا القياس فهي أزمة تدور في قلب ذلك المحور الخصم، الذي يشمل أيضاً روسيا والصين.. التفرج عليها من بعيد متعة أميركية مغرية، أما تغذيتها والحؤول دون حسمها بطريقة او باخرى، فهو مكسب ما بعده مكسب لأميركا ومصالحها وحلفائها.. بغض النظر عن الكلفة البشرية الباهظة، التي يمكن حجبها وراء بعض المساعدات المالية او الغذائية او الطبية التي تمنح بين الحين والاخر الى المعارضين او النازحين السوريين، وآخرها ما قررته واشنطن وبعدها الاتحاد الأوروبي في الساعات القليلة الماضية.

  حتى مؤتمر روما لاصدقاء الشعب السوري، الذي انعقد الخميس وكان اول إطلالة دولية بارزة لوزير الخارجية الأميركية  الجديد جون كيري سقط من العناوين الرئيسية للإعلام الاميركي، الذي كاد يكتفي بالإعلان عن تقديم تلك المساعدات غير القتالية والإشارة الى أنها لا تخرق موازين القوى في الداخل السوري، ولا تخل بتوازن المواقف مع روسيا والصين وربما ايضا إيران..

  كان الأعلام الاميركي منسجما مع نفسه.. بعكس الإعلام العربي او الأوروبي الذي قرر عن سابق تصور وتصميم ان يتعامل مع مؤتمر روما باعتباره تظاهرة اميركية خاصة، وفرصة مهمة لقياس لتحولات الموقف الاميركي، وتجاهل حقيقة مهنية جوهرية هي ان الحدث السوري كان ولا يزال يصنع في داخل سوريا، وهو ما يعرفه الزملاء الاميركيون اكثر من غيرهم.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى