صفحات العالم

الانتخابات الاسرائيلية –مجموعة مقالات-

 

 

 

النفخ الإسرائيلي في النزاع السوري/ حسن شامي

من مصادفات زمننا الحافل بالوقائع الصاخبة والتوقعات الخاطئة أن تتزامن الانتخابات الإسرائيلية مع دخول الثورة – الأزمة السورية عامها الخامس. وكان انتهاء العام الرابع على المذبحة السورية المفتوحة مناسبة لمراجعة تستخلص دروس سنوات الجمر السوري الحارق. وبالفعل حفلت وسائل الإعلام العربي وشبكات التواصل بقراءات متنوعة ومختلفة لمداخل ومخارج المسألة السورية المستعصية على أي حل سياسي حتى الآن.

من الطبيعي جداً أن تتفاوت شحنات النقد والنقد الذاتي في أدبيات المراجعين وخلاصاتهم، خصوصاً في أوساط المعارضة لنظام بشار الأسد. على أن بعض المعلقين والدعاة الإسرائيليين لم يبخلوا بتقديم هدايا مسمومة لقطاع معين من المعارضة المدنية السورية. فخلال التغطية الإخبارية المباشرة للانتخابات الإسرائيلية، تحدث مراسل قناة فرانس 24 بالعربية من مقر حزب ليكود، حيث كان جمهور الناشطين والمؤيدين ينتظر كلمة زعيم الحزب الفائز بنيامين نتانياهو. واستصرح المراسل أحد المتحدثين باسم ليكود، وهو من أصل عربي واسمه مندي الصفدي، حول صحة الكلام عن تهنئة المعارضة السورية نتانياهو بالفوز. فرد الصفدي قائلاً أن هذه التهنئة طبيعية لأن ليكود وحكومة نتانياهو قدما مساعدات إنسانية للمعارضة، واستقبلت إسرائيل مئات الجرحى الذين تلقوا العلاج. وعندما سئل الصفدي عن أي معارضة يتحدث، قال أنهم من الليبراليين مشدداً، على طريقة النفي الإنكاري ورفع الشبهات، على أنهم من غير الإسلاميين. وعندما سأله المراسل عمن يقصد بالليبراليين أجاب المتحدث الليكودي بكلمة واحدة جاءت غريبة في بابها: اليسار.

لم يغب عن بال المتحدث العربي باسم ليكود أن يهاجم أعضاء القائمة العربية المشتركة وناخبيها بدعوى أنهم لا يحققون مصلحة الكتلة العربية في إسرائيل، وإن كانوا اليوم يشكلون القوة النيابية الثالثة في الكنيست. كما لم يفته التشديد على أن فوز نتانياهو وحزبه تحقق خلافاً للتقديرات واستطلاعات الرأي، وعلى رغم أنف إدارات دولية كبرى لم تتوانَ عن ممارسة الضغوط لإسقاط نتانياهو.

وهذا ما أكده الأخير في كلمته إلى ناخبي حزبه حين أشار إلى حصول فوزه الانتخابي، على رغم إرادة «قوى كبرى»، غامزاً بالتأكيد من قناة الإدارة الأميركية الحالية ورئيسها أوباما. وليس سراً أن العلاقات الأميركية – الإسرائيلية تشهد مقداراً من التدهور، كان خطاب نتانياهو في الكونغرس قبل أسبوعين تقريباً أحد فصوله البارزة. وفي هذا المعنى، جاء خطاب الكونغرس كجزء من الحملة الانتخابية الداخلية في إسرائيل وكوجه من وجوه الانقسام الحزبي في أميركا نفسها. ويكشف هذا عن أن الحدود بين الداخل الوطني والخارج الدولي، في ما يتعلق بالعلاقات الأميركية – الإسرائيلية، تبدو مطاطة ومتحركة.

في خلفية الاضطراب الحالي في العلاقات بين إدارة أوباما وحكومة نتانياهو، نجد بالتأكيد الخلاف حول مسائل التفاوض مع الفلسطينيين ومستقبل عملية السلام. على أن هذا الموضوع، على أهميته، يأتي في المرتبة الثانية فيما يحتل التفاوض مع إيران في شأن ملفها النووي، وتزايد الحديث عن إمكانية فعلية للتوصل إلى اتفاق، المرتبة الأولى في سلم الخلافات بين إدارتين تضع كل منهما قدماً في حقل نشاط الأخرى. ويظهر هذا بوضوح في التعليقات الأميركية الرسمية الأولى على فوز نتانياهو. فقد أعلنت الإدارة الأميركية، من جهة، عن تمسكها بحل الدولتين كصيغة لإنهاء النزاع في الشرق الأوسط، ما يشكل رداً على حديث نتانياهو عن استحالة نشوء دولة فلسطينية في عهده وجعل هذه الاستحالة عنوان حملته الانتخابية. وأعلنت الإدارة الأميركية، من جهة أخرى، عن أن فوز ليكود لن يكون له أي تأثير في المفاوضات مع إيران.

من المعلوم أن التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني سيصحبه بالضرورة تفاهم على عدد من الملفات الإقليمية. التفاهم لا يعني التطابق ولا التواطؤ، كما يحسب الدعاة وأصحاب التقويمات الجاهزة والمريحة، بل تثبيت قواعد للخصومة والاشتباك وضبط النزاعات. وفي هذا السياق تتخذ المسألة السورية، بعد أربع سنوات من التشرذم والتذرر والقتل والدمار، وجه نزاع إقليمي ودولي يطغى على البعد الداخلي ويستتبعه جاعلاً من أطراف النزاع أدوات في صراع يتعدى الوطنية السورية ويضرب حظوظ إعادة بنائها كنصاب سياسي مستقل.

لا غرابة في هذا الإطار أن تسعى الدولة العبرية إلى انتزاع موقع لها للتأثير في شروط أي تسوية سياسية للأزمة السورية وللتأثير في مفاعيلها الإقليمية، خصوصاً ما يتعلق بالنفوذ الإيراني. ولئن عملت الإدارة الأميركية على لجم التدخل الإسرائيلي في غير ملف إقليمي خوفاً من تبدل المزاج الشعبي، مع التشديد على الشراكة وتطابق الأهداف الاستراتيجية، فإن حكومة نتانياهو التوسعية والاستيطانية بوضوح ترى في هذا اللجم تحجيماً غير مقبول. ومع أن حكومة نتانياهو حرصت على خفض صوتها قدر المستطاع في ما يخص سورية، فإن مسؤولي الدولة وقادتها لم يترددوا في أكثر من مناسبة في التشديد على التموضع الإقليمي لإسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني والحض على توريط العالم في حل عسكري للقضاء على البرنامج النووي الإيراني.

لا يمنع هذا من أن يكون كلام المتحدث العربي باسم ليكود عن مساعدة إسرائيلية للمعارضة السورية غير الإسلامية، ولما وصفه تحديداً باليسار، حافلاً بالتلفيق والتضخيم والنفخ في النزاعات. ومن الواضح أن هذا الكلام الدعوي يوظف استياء المعارضة السورية من تصريح كيري حول التفاوض مع الأسد لرفع سقف الخلاف مع إدارة أوباما حول مسائل أخرى في مقدمها النووي الإيراني. نتوقع أن يحصل تكذيب من جانب المحسوبين على اليسار السوري المعارض، خصوصاً أن الوسط اليساري هذا، على ضعف تمثيله وتآكل قاعدته، يبقى المجال الحاضن سوسيولوجياً لتشكل مثقفين وكتاب وأدباء وإعلاميين، وبعضهم لا يرقى الشك إلى نزاهتهم الفكرية واستقلاليتهم النقدية، بغض النظر عن مدى صوابية آرائهم.

الحصيلة الكارثية لأربع سنوات من النزاع الدموي، كما وثقها المرصد السوري لحقوق الإنسان تصلح كقاعدة لمراجعة نقدية، ضرورية وقاسية في آن. فقد سقط 66 ألف مدني و80 ألفاً من قوات النظام و66 ألفاً من مقاتلي المعارضة. أرقام النزوح داخل سورية وخارجها، إضافة إلى حجم الدمار والكلفة الفلكية لإعادة الإعمار وضياع أجيال كاملة تكفي لتشخيص الجحيم السوري. ستبقى هذه الأرقام محل تأويلات جامحة جموح الثأر.

الحياة

 

 

فلسطين وسورية: العدالة وحدها لا تكفي/ حسام عيتاني

يشكو قسطنطين زريق في كتابه «نحن والتاريخ» (1959)، من أن النكبة الفلسطينية لم تحظَ باهتمام العالم، وأنها مرت به من دون أن تخلّف أثراً، بل يذهب الى لوم «الجماعات» التي ينزل بها الظلم فلا تشعر به ولا تنهض لرفعه. بعد عشرة أعوام من صدور الكتاب، كانت القضية الفلسطينية قد احتلّت موقعاً رئيسياً على ساحة الأحداث العالمية.

انكفأ الاهتمام بفلسطين مجدداً والبحث عن حلّ لقضيتها استطراداً، بعد هزيمة الانتفاضة الثانية وبعد نجاح إسرائيل في إلحاق التصدّي للأعمال الفلسطينية المسلّحة بالحرب على الإرهاب التي أطلقتها هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وبعدما أخفقت الفصائل الفلسطينية التي أصرت على متابعة العمليات الانتحارية، في رؤية التغير الجذري في الموقف والمناخ الدوليين بعد «غزوة مانهاتن». فشنّت إسرائيل عملية «السور الواقي» في 2002 وسط لا مبالاة دولية شبه كاملة.

منذ ذلك الحين، لم تنجح القضية الفلسطينية في استعادة مكانتها، على رغم التحسّن الكبير الذي شهدته في الأوساط الأكاديمية والسياسية بجهد حثيث من الفلسطينيين في الخارج ومن أصدقاء قضيّتهم، والذي أفضى الى حركة المقاطعة للجامعات الإسرائيلية، والى تصويت عدد وازن من البرلمانات الأوروبية على الاعتراف بدولة فلسطين. يضاف الى ذلك، عدد من النجاحات الديبلوماسية والانضمام الى منظمات دولية، والتقدّم نحو ملاحقة إسرائيل قضائياً أمام المحكمة الجنائية الدولية. بيد أن شيئاً ما انكسر في القضية، ولا يبدو أن ثمة إمكاناً لترميمه، وأن بوناً شاسعاً يفصل بين هذه الخطوات وبين إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

أما دورات العنف التي يتعرّض لها قطاع غزة منذ 2008، وتدميره منهجياً، وسقوط آلاف القتلى والجرحى على أيدي الجيش الإسرائيلي، فلم تؤدِّ الى أي حل سياسي لوضعه ولا لرفع الحصار عنه ولا حتى الى تقريب وجهات النظر الفلسطينية حيال المصالحة بين «فتح» و «حماس».

صار التدمير والقتل الدوريان شيئاً «لا سياسياً». ظاهرة من ظواهر الطبيعة أو آفة تضرب القطاع لأسباب داخلية إسرائيلية أو فلسطينية، فيما يقف العالم لا مبالياً او عاجزاً، لا فرق.

في الحملة الانتخابية الإسرائيلية الأخيرة، بلغ غياب القضية الفلسطينية مستوى جديداً في خطورته. والى جانب تجاهل المتنافسين البارزين للموضوع، وحجبه عن النقاش المتمحور حول المسائل الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، أضاف مرشح الليكود بنيامين نتانياهو الى الطنبور وتراً بإعلانه أنه لن يسمح بقيام الدولة الفلسطينية إذا جرى انتخابه رئيساً للوزراء للفترة المقبلة. صُنِّف هذا القول في إطار الدعاية الانتخابية، من جانب من يرى أن كل كلام انتخابي مجرد أكاذيب، فيما لو صحّ ذلك لما كان أحد يتوجه الى صناديق الاقتراع في العالم. في الواقع، إن تعهد نتانياهو جدي ويعكس المناخ العام الإسرائيلي الذي منحه فرصة جديدة لتشكيل حكومة تحول دون قيام دولة فلسطينية. كما أنها المرة الاولى منذ اتفاقية أوسلو، يدرج مسؤول إسرائيلي عدم السماح بقيام الدولة في دعايته الانتخابية من دون أن يربطها بشرط من نوع الحفاظ على أمن إسرائيل أو أن تكون الدولة منزوعة السلاح أو ما شاكل.

بالعودة الى كلام قسطنطين زريق، تتعين ملاحظة أن القضية الفلسطينية مرت منذ النكبة حتى أواسط الستينات، بنوع من «البيات الشتوي» حيث انحصر الاهتمام بها بالشأن الإنساني وإدارة أحوال اللاجئين، فيما كان النشاط السياسي الفلسطيني يقتصر على بعض الخلايا في بلدان الشتات. ولم تكن هناك منظمة تحرير ولا فصائل مسلّحة أو سياسية.

بكلمات ثانية، لم تكتسب القضية أهميتها من عدالتها ولا من معاناة الشعب الفلسطيني ومأساته، بل من إدراجها ضمن الحرب الباردة وبسبب إدراك أنظمة الديكتاتوريات العسكرية العربية الناشئة حينذاك أهميتها كذريعة لإرجاء أي تغيير ديموقراطي أو إصلاح جدي بل لقمع كل حراك شعبي أو مطلبي مهما كان. وكان من البديهي أن يلتقط الفلسطينيون هذه اللحظة ويدفعوا بقضيتهم عبر كل الوسائل، مع علمهم الدقيق بخلفيات المواقف العربية والدولية.

يصحّ هذا الكلام على تراجع الموقع الذي تحتله الثورة السورية اليوم من اهتمام العالم. لم يطرأ تبدّل في قيمة الثورة الإنسانية والأخلاقية وحق الشعب السوري في التخلّص من حكم ديكتاتوري دموي. ولم يتوقف السوريون عن التعبير عن توقهم الى الانعتاق من ربقة هذا النظام وطغيانه. لكن ذلك لم يحل دون أمرين: الأول، تغير مسار الثورة تغيراً تبدو معه على نقيض الشعارات التي بدأت بها، بظهور التنظيمات المتطرفة كقوى رئيسية في الثورة، والثاني افتقارها الى القدرة على وضع نفسها ضمن مصالح العالم.

ما جرى كان ملاحظة النظام وحليفيه في إيران وروسيا، إمكان استغلال سورية كعامل ضغط في صراعاتهم الجارية، عبر الملف النووي الإيراني والعلاقات الغربية بموسكو (في شأن مشكلة الدرع الصاروخي ثم بإزاء الأزمة الأوكرانية)، واستفادة النظام من شعار الحرب على الإرهاب لإظهار نفسه كشريك مقبول. المحاولات المقابلة والتي تصدرتها تركيا، كانت أقل كفاءة بما لا يقاس حيث يصعب العثور على «قضية» حقيقية تدعو أنقرة وغيرها الى تسويق موقفها أمام العالم، الذي رأى أن مصالحه تتقاطع مع نظام بشار الأسد وحلفائه، وليس مع مأساة الشعب السوري.

«ما من شيء شخصي» – على ما يقال في مثل هذه المواقف- فالعالم لا يهمل الثورة السورية لموقف سلبي مسبق اتخذه من السوريين. بل إن المحاولات الجارية للانفتاح على النظام، والعالم أول من يعرف آثامه، تدخل في باب تحقيق المصالح الآنية وتقديمها على الاعتبارات الأخلاقية. المـــسألة، من وجهة نظر الثورة، في القدرة على المزاوجة بين مصالح الخارج والداخل. وهذا ما لا يظهر في الأفق.

الحياة

 

 

 

 

الرؤية «الثقافوية»: لسنا وحدنا/ حسام عيتاني

يصب الكاتب الاسرائيلي جدعون ليفي غضبه على مواطنيه الذين اقترعوا لمصلحة اليمين في الانتخابات الأخيرة ويدعو في مقال له في «هاآرتس» (18/3/15) الى ما لا يقل عن «استبدال الأمة» التي تصوت في كل مرة ضد السلام مع الفلسطينيين.

فبعد كل الخواء الذي طغى على حكم بنيامين نتانياهو والفضائح التي كشفت وافتعال التوتر وزرع الخوف والقلق، يعود الاسرائيليون الى انتخابه، ما يرى فيه ليفي علامة على ان شيئاً ما تحطم على نحو لا يمكن اصلاحه. ويستنج ان «الشعب الاسرائيلي يستحق نتانياهو وهذا يستحق ذاك».

الدعاية والتحريض والخداع هي أسلحة رئيس الوزراء المعاد انتخابه في إرساء أسس نظام الفصل العنصري والاحتلال الذي سيستمر خمسين عاماً اضافية، برأي ليفي.

ثمة ما يدعو الى الانتباه في هذا الكلام. ليس في إدانته لخيارات الناخبين الاسرائيليين، بل في لقائه مع كلام مشابه قاله مثقفون وكتّاب عرب بحق الثورات في بلدانهم: استبدال الشعب وتغييره وإحالة كل النكبات التي تحل هنا وهناك الى الأثر «الثقافي» المتمثل في الدعاية والتحريض.

وقبل ليفي ونظرائه العرب، كتب المسرحي والشاعر الالماني برتولد بريخت قصيدة ساخرة من القيادة الشيوعية في ألمانيا الشرقية السابقة التي خاب أملها من الشعب ودعت الى استبداله. ربما يكون موقف بريخت الهازئ من حكّام بلده ما زال صالحاً كمدخل لتفنيد آراء الكتّاب الذين يدعون الى استبدال الشعب وتغييره معتمدين المقاربات «الثقافوية».

فعلى غرار الكتّاب العرب، يرفع ليفي من أهمية العمل التعبوي والدعوي الارادي لقوى اليمين الاسرائيلي، ويجعل منه العامل المقرر في رسم سياسات الحاضر والمستقبل، متجاهلاً العوامل الأكثر واقعية مثل تركيبة المجتمع الاسرائيلي والاستقلال الاقتصادي الذي يتيح لاسرائيل الابتعاد عن الضغوط الاميركية واجتراح سياسة خاصة بها تقوم على فكرة «الماسادا» (القلعة المحاصرة) التي لا يثق من في داخلها بأحد من الخارج.

المثقفون العرب الذين نددوا بالثورات التي تعصف بالمنطقة وألقوا عليها تبعات الفوضى التي تجتاحها، استندوا كذلك الى ما رأوه من دور حاسم للمكون الثقافي عند الطبقات الشعبية التي تميل فطرياً – بحسب رأيهم – الى التطرف الديني من دون أن يتمكن هؤلاء المثقفون من رؤية العوامل العميقة التي جعلت هذا الميل، اذا صح وجوده، نتيجة معطيات تاريخية قديمة وجديدة يرتبط أحدثها بأنظمة الاستبداد والظلم الهائل الذي ميز عمليات توزيع الثروة وبناء دول العصبيات الطائفية المسلحة.

«تغيير الشعب» يلتقي عند المثقفين هؤلاء كما عند ليفي وشيوعيي المانيا الشرقية، بعمى كامل يمنع النظر الى النظام السياسي وتركيبته الاقتصادية والاجتماعية وتحالفاته في الداخل والخارج وممارساته وادارته للشؤون العامة، وهي التي تفضي مجتمعة ومنفصلة إلى التحضير للاضطراب كما حصل في الثورات العربية أو الى إبقاء الوضع على حاله كما حصل في الانتخابات النيابية الاسرائيلية.

وإذا نقلت كلمات الصحافي الاسرائيلي الى حيز الكلام العربي، لظهر من يزيد عليه أن الأجدى إبدال ما في العقول قبل إبدال الانظمة والحكومات، وأن الشعوب «سيئة» لعطب فيها وكل ما تقوم به يدلل على تخلفها. ويمكن بعد ذلك العودة الى الاستكانة «الثقافية» الهانئة، في ما يرقى الى الخيانة الموصوفة لمهمة المثقف ودوره.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى