خورشيد دليصفحات سورية

الانتخابات التركية… المعركة الفاصلة/ خورشيد دلي

 

 

ستكون الانتخابات البرلمانية المبكرة، والتي تنتظم غداً الأول من نوفمبر/تشرين الثاني في تركيا، حاسمة ومصيرية لمستقبل حكم حزب العدالة والتنمية، وكذلك لحزب الشعوب الديمقراطي الذي حقق انتصارا كبيراً في الانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو/حزيران الماضي، بحصوله على نحو 13% من الأصوات، إذ سترسم نتائج هذه الانتخابات المعالم السياسية لتركيا في المرحلة المقبلة.

لا يختلف المشهد الانتخابي الحالي كثيراً عن الانتخابات السابقة، فهناك أربعة أحزاب أساسية تتنافس على انتزاع أكبر قدر من الأصوات، “العدالة والتنمية” يطمح إلى نيل الأغلبية البرلمانية، لكي يتمكن وحده من تشكيل الحكومة، بوصفها حكومة تحقق الاستقرار، كما قال الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو مراراً، بينما يطمح حزب الشعب الجمهوري إلى تحسين موقعه، مستفيداً من الحرب الجارية بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، متطلعا إلى إنهاء هيمنة حكم حزب العدالة والتنمية، فيما حزب الشعوب الديمقراطي يطمح إلى تجاوز العتبة الانتخابية من جديد، فمعركته الحالية معركة إثبات الذات، والتأكيد على صوابية نهجه السياسي في طرح نفسه حزباً مناصراً للشعوب المظلومة والطبقات المهمشة، في حين تبدو معركة حزب الحركة القومية تدور حول كيفية الحفاظ على أصواته في الانتخابات السابقة.

تعطي استطلاعات الرأي التي جرت قبل الانتخابات تقريباً الأصوات نفسها التي حصلت عليها الأحزاب الأربعة في الانتخابات السابقة. وعليه، فإن المعركة الحالية هي معركة الحصول على الأصوات التي تعرف بأصوات الأمانة أو الفردية، والتي تقدر بين 14% و18% من الأصوات. ولعل لهذا الأمر علاقة بالوضع الأمني المتفجر، خصوصاً في ظل اتهام حكومة حزب العدالة والتنمية حزب الشعوب بأنه يأخذ أوامره من حزب العمال الكردستاني، ويتحمل جزءاً من المسؤولية الأمنية عن الوضع المتفجر. ولعل هذا اتهام مدروس من حزب العدالة والتنمية، هدفه التأثير على الرصيد السياسي والانتخابي لحزب الشعوب، سواء في الأوساط التركية القومية واليسارية، أو في الأوساط الكردية الإسلامية التي صوتت في الانتخابات السابقة لحزب الشعوب، فثمة تحليلات تركية ترى أن من أهم نتائج هذه الحرب ذهاب قسم من أصوات اليسار التي صوتت لحزب الشعوب إلى حزب الشعب الجمهوري الذي تعطيه استطلاعات الرأي نسباً أكبر بقليل مما حصل عليه في الانتخابات السابقة، وكذلك يرى هؤلاء أن أصوات الأوساط الكردية الإسلامية التي أعطيت، في السابق، لحزب الشعوب، ستعود من جديد إلى حزب العدالة والتنمية، خصوصاً بعد أن رشح الأخير أشخاصاً كرداً معروفين وأقوياء، من أمثال بشير أتالاي، للانتخابات في المناطق الكردية. لكن، في مقابل احتمال خسارة حزب الشعوب هذه الأصوات، فإنه قد يستفيد من الوضع الأمني المتفجر في مستويين.

الأول: أظهرت التفجيرات الدموية في أنقرة وسروج، ومن قبل في ديار بكر، الحزب مستهدفاً

“ثمة تحليلات تركية ترى أن من أهم نتائج الحرب ضد الكردستاني ذهاب قسم من أصوات اليسار التي صوتت لحزب الشعوب إلى حزب الشعب الجمهوري” ومظلوماً، وقد تجلب المزيد من التعاطف الشعبي معه، خصوصاً من جيل الشباب الطامح للتغيير، ويعيش بعيداً عن العقد القومية، والأطر الأيديولوجية الضيقة. والثاني: أن العصبية القومية التركية التي برزت بقوة مع تجدد الحرب مع الكردستاني، لا بد أن تقابلها عصبية قومية كردية، ستستجد في صناديق الاقتراع، على شكل تصويت على الهوية والانتماء القومي الكردي، خصوصاً وأن زعيم الحزب، صلاح الدين ديمرداش، وبقية قادة حزب الشعوب، عرفوا كيف يستغلوا هذا الأمر، بالإصرار على زيارة المناطق التي فرضت السلطات التركية حظر التجوال عليها، إلى درجة أن بعض هذه القيادات دخلت في صدام مع قوات الأمن التي حاولت منعهم من الوصول إلى هذه المناطق، لاسيما بلدة جيزرة التي شهدت مواجهات دامية. وعليه، فإن تحليلات التي ترى أن مواقف حزب الشعوب الداعمة لحزب العمال الكردستاني قد تلحق به خسارةً، أو تحرمه من تخطي العتبة الانتخابية، قد لا تكون دقيقة، فهو، في هذه الحالة، يعمل على الصوت الكردي الذي بات يستنهض قومياً، ليس على أساس انتخابي فقط، وإنما على أساس سياسي وقومي، خصوصاً في ظل ما تشهده المناطق الكردية السورية من تطورات، بعد إلحاق تل أبيض بالإدارة الذاتية، ومن قبل ما جرى في كوباني، حيث باتت هذه الأحداث جزءاً من الوعي السياسي لكرد تركيا، كما أن خطوة حزب العمال الكردستاني بوقف الحرب من طرف واحد تصب باتجاه دعم حزب الشعوب في الانتخابات.

بعيداً عن أرقام استطلاعات الرأي، تبدو تركيا مع الانتخابات البرلمانية أمام مشهدين متناقضين. الأول، احتمال فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية بسيطة، أي النصف زائدا واحداً، أي 276 مقعداً، ما يخوله تشكيل حكومة بمفرده، وهذا ما يطمح إليه الحزب، لتمرير دستور جديد في البرلمان، والدفع باتجاه تنفيذ أجندة أردوغان، المتمثلة بالانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي.

الثاني، تكرار المشهد الانتخابي السابق، ولو بفارق بسيط في الأصوات، ما يعني العودة إلى تشكيل حكومة ائتلافية، فشل حزب العدالة والتنمية في تشكيلها، عقب الانتخابات السابقة. ومثل هذا السيناريو يعني نهاية الأردوغانية السياسية، بعد نحو 13 عاماً من حكم “العدالة والتنمية”، وهو ما سيكون له تأثيرات، ليس في الداخل التركي فحسب، وإنما في الجوار التركي أيضأ، بعدما انخرطت تركيا في أحداث المنطقة، وتحولت إلى لاعب إقليمي.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى