صفحات العالم

الانتفاضة السورية… الوضع ينقلب تدريجاً ضد بشار الأسد

 


The Economist

في بداية حكم حزب البعث، خلال الستينيات، كان المسؤولون في معظمهم ريفيين وكانوا يسعون إلى حشد دعم القرويين لمصلحة حزب البعث، لكن الأسد تجاهل هذه الخلفية وفضّل التركيز على سكان المدن، بمن فيهم التجار ورجال الدين، وفي المقابل، عاش القرويون في ظروف سيئة بسبب الجفاف واستفحال البطالة والفساد والمضايقات من موظفي الدولة.

منذ شهر، توقع مراقبو الوضع في سورية أن تنجح حملة القمع الوحشية التي يقودها النظام في كبح حركة المعارضة، على الرغم من تراجع شرعية الرئيس بشار الأسد بشكل هائل، لكن بدأت التحليلات العامة تتغير الآن، فبدل انحسار موجة التحركات، أخذ نطاق الاحتجاجات يتسع ويزداد زخمها، وبعد أن بدأت هذه التحركات في الجنوب ثم انتشرت في المدن الساحلية مثل بانياس، سرعان ما وصلت إلى حمص، ثالث أكبر مدينة سورية، وإلى المقاطعات المحيطة بها.

في الآونة الأخيرة، وصلت هذه التحركات إلى حماة، رابع أكبر مدينة في البلد، وهي مشهورة بالانتفاضة التي شهدتها في عام 1982، حين قُتل 20 ألف شخص في عهد حافظ الأسد، والد الرئيس الراهن، وبعد أن بدأت الاحتجاجات في المناطق الريفية، سرعان ما اجتاحت الاضطرابات المدن في جميع أنحاء البلاد. وبدأت حصيلة القتلى، الذين تخطى عددهم الألف ومئتي شخص، ترتفع بنسبة هائلة، وفي 3 يونيو، انتشرت أنباء عن مقتل حوالي 70 شخصاً على الأقل في مدينة حماة وحدها.

تتعلق إحدى المسائل الأساسية بمعرفة ما إذا كانت مظاهر الثورة ستنتشر في العاصمة دمشق وفي حلب، ثاني أكبر مدينة في سورية، بعد أن كانتا تنعمان بالهدوء نسبياً، أما المسألة المهمة الأخرى، فتتعلق بما إذا كانت قوى الأمن، التي بُني النظام عليها حين استولى الأسد الأب على الحكم في عام 1970، ستحافظ على ولائها للنظام. في حال بدأ عناصر الجيش الذين يشغلون المناصب المتوسطة والأقل رتبة وينتمون أساساً إلى الأغلبية السنّية في سورية- يشكل السنّة 75% من الشعب- بالانقلاب ضد كبار المسؤولين العسكريين المنتمين إلى الأقلية العلوية (تبلغ نسبة العلويين 10% في سورية، وتنتمي عائلة الأسد إلى هذه الفئة)، فقد يبدأ النظام بالانهيار.

تشير أحداث الخامس من يونيو في بلدة جسر الشغور، بالقرب من الحدود الشمالية الغربية مع تركيا، إلى تغير الأوضاع  بذلك الاتجاه.

يصعب التأكيد على ما سيحصل هناك بشكل دقيق بسبب منع المراسلين المستقلين من دخول سورية، وقد بلغ أداء وسائل الإعلام المحلية الرسمية أقصى درجات التزييف، لكن غالباً ما تعرض وسائل الإعلام المحلية أحداثاً معينة وتقدم دلائل، عن غير قصد، على فداحة حجمها، ثم تبدأ بإعادة ترتيب الوقائع، وفي ما يخص حوادث جسر الشغور، أعلنت وسائل الإعلام في البداية أن 20 عنصراً من قوى الأمن قُتلوا في كمين من تنفيذ “عصابات مسلحة”. ثم خلال ساعة من الوقت، ارتفع العدد إلى 120 قتيلاً، فأعلنت اتخاذ خطوات “حاسمة” كجزء من واجبات الدولة لحماية المواطنين. لا شك أن حصيلة القتلى مرتفعة.

لكن لم تتضح بعد هوية القاتل ولا هوية القتلى… تفيض النظريات في هذا المجال؛ يقول السكان إن الناس كانوا يحاربون رداً على مقتل 40 مدنياً على الأقل بسبب اعتداءات بالمروحيات والدبابات خلال نهاية الأسبوع، فقد كانت الدبابات تحتشد بأعداد هائلة حول المدينة، لكن استنتجت بعض المصادر المطلعة في سورية أن عدد القتلى من قوى الأمن مبالغ فيه في محاولةٍ لدفع الناس إلى دعم النظام، وأن معظم الضحايا قُتلوا خلال اشتباكات بين الشرطة والجيش أو داخل صفوف بعض وحدات قوى الأمن بعد أن حاول عناصرها الانشقاق عن النظام أو الانضمام إلى الثورة؛ يُفترض أن يكون الاحتمالان الأخيران أكثر ما يخيف الأسد.

شكل سقوط القتلى في حماة، يوم الجمعة 3 يونيو، أزمة بحد ذاتها، فقد نزل الآلاف إلى الشوارع، ولكنهم قوبلوا بإطلاق نار كثيف. وتستمر موجة الاضطرابات بالانتشار في مناطق جديدة، وتسود حالة من السخط العارم في إدلب، المحافظة المحيطة بجسر الشغور، ولا يزال الوضع يغلي في حمص، وبدأت الاضطرابات تتسلل أيضاً إلى دير الزور، في أقصى الشرق، كذلك، نزل آلاف المحتجين إلى الشوارع، فقد عمدت قوى الأمن إلى حرق حقولهم، ويشعر الناس بالرعب من أن يحين دورهم على لائحة ضحايا الحملة القمعية الحاصلة.

تتجه الأنظار الآن نحو دمشق وحلب، إذ كانت الانتفاضة في السابق أكثر عنفاً في المناطق الريفية، وفي بداية حكم حزب البعث، خلال الستينيات، كان المسؤولون في معظمهم ريفيين وكانوا يسعون إلى حشد دعم القرويين لمصلحة حزب البعث، لكن الأسد تجاهل هذه الخلفية وفضّل التركيز على سكان المدن، بمن فيهم التجار ورجال الدين، في المقابل، عاش القرويون في ظروف سيئة بسبب الجفاف واستفحال البطالة والفساد والمضايقات من موظفي الدولة.

لم تشهد دمشق يوماً وضعاً هادئاً بمعنى الكلمة، فقد وقعت احتجاجات غاضبة في كفر سوسة، وهي مستمرة في منطقة الميدان، وهما حيّان يقعان في قلب المدينة، كما حصلت تحركات احتجاجية صغيرة عدة، وقد تكون حلب آخر مدينة ستشهد نزول سكانها إلى الشوارع بأعداد كبيرة، فهي واجهت سابقاً حملة قمعية ضد الإسلاميين خلال الثمانينيات ولا تزال تشهد انتشاراً واسعاً لعناصر الشرطة، لكن الاضطرابات بدأت تصل إليها أيضاً.

في أنحاء سورية، يتزايد عدد رجال الدين الذين يعلنون دعمهم للمحتجين، وقد ينضم إليهم عدد إضافي من الأقليات السورية مثل المسيحيين الذين كانوا يعتمدون على الأسد للحصول على الحماية. وحتى مئات آلاف الفلسطينيين الذين يسكنون في سورية قد ينقلبون ضده.

في 6 يونيو، حصلت اشتباكات في مخيم اليرموك، أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين، وفي هذا الإطار، يقول محلل مخضرم في دمشق: “نحن نتجه إلى مرحلة مفصلية، إذ ستتحرك الجماعات التي تنتظر تغيراً في ميزان القوى”. نقلت قناة “الجزيرة” أن عضواً من عائلة طلاس، وهي قبيلة سنيّة كانت مقربة من الرئيس، انشق عن النظام، بما يتناقض مع معلومات النظام الذي يقول إن الجيش يحارب متمردين مسلحين.

في البداية، ترددت الحكومات الغربية، بما فيها الحكومة الأميركية، في مطالبة الأسد بالتنحي، على أمل أن يتمكن من فرض الإصلاحات وضمان انفتاح سورية على العالم، غير أن استعماله للقوة الوحشية بطريقة استثنائية أدى إلى إضعاف موقف كلّ من أراد دعمه، فأعلنت الحكومة الفرنسية أن حكمه أصبح “غير شرعي”، وتتصاعد اللهجة المستعملة في مسودة القرار الذي تعده بريطانيا وفرنسا في الأمم المتحدة، فلا يزال الروس والصينيون مترددين بتمرير قرار بهذا الاتجاه، ولكنهما قد تفكران بخيار الامتناع عن التصويت، كما فعلتا في القرار الخاص بليبيا، في حال بدأ الأسد بفقدان سيطرته على الوضع… باختصار، يبدو الأسد أكثر ضعفاً على جميع الجبهات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى