خولة دنياصفحات سورية

الانتفاضة السورية – ترابطات لابد منها

 


خولة دنيا

الانتفاضة السورية هل هي مستقلة عما يحيط بها ومنفصلة عن المكون الأساسي لها (أي الشعب السوري) بكل تلاوينه ومشاكله وتعقيداته التي ورثها من سنوات الاستبداد والركود؟

يتعامل الكثر مع الانتفاضة وكأنها كائن مستقل، هش، يخشى عليه من العطب إذا تم الكلام عنه أو المس به، أو انتقاده، أو مدحه. وأن وظيفة الجميع هي فقط دعمه والوقوف وراءه وعدم نقده خشية كسره.

اليوم بعد أكثر من 100 يوم على هذه الانتفاضة الرائعة ترانا جميعاً معتزين بما وصلت إليه، وبالنتائج التي تحققت، وبالإصرار الذي شد انتباه العالم إلى قدرة الشعب السوري على الاستمرار والتصدي لأعتى أجهزة القمع والاستبداد من مخلفات الماضي.

ولكن هذا لا يعني أنني لا نستطيع الكلام وإنما الوقوف في خلف المشهد… الجميع جزء من هذا الحدث السوري العظيم، والجميع مشارك بأشكال مختلفة، وإن كان قدر الشباب أن يكونوا في مقدمة أي حراك لأنهم شعلة هذا الحراك ومحركه، فإن قدر سورية أن تعيش وتتنفس وتنام وتصحو بجميع أبنائها على وقع هذا الحراك… سورية ككل بكل مواطنيها داخلها وخارجها، ومعها الكثر ممن تحتل هذه الانتفاضة قلبه ووجدانه.

هناك علاقات يجب رؤيتها ونقدها إن كنا نعتبر أنسنا جزءاً من هذا الحراك:

1- علاقة الانتفاضة بالشارع: أي بالناس والحرص يجب أن يكون شديداً على بقاء وصون هذه العلاقة، ولا يخفى عنا النضج الذي تحقق  حتى الآن في الرؤية والتنسيق والارتقاء بالوعي والخطاب الذي شهدته الانتفاضة خلال الأشهر الماضية. كما يجب أن لا ننسى أن الشارع هو حاضنة ومنبت الحراك والداعم له ويتمثل بكل المؤيدين للانتفاضة والداعمين لها إن كان بالقول أو بالعمل، أو بالمشاركة المباشرة أو غير مباشرة، وأرى أن العلاقة بين الانفاضة والشارع هي علاقة تكامل فلولا  الحاضن لما استطاعت الانتفاضة الاستمرار بهذا الزخم ولولا الانتفاضة لما رأينا رمي الخوف ورواسب الماضي عن الشارع

2- العلاقة بين الانتفاضة والمعارضة التاريخية في سورية: كثر يتعاملون مع الانتفاضة على أنها مجرد حركة شباب يجب ان نقف موقف المساند لهم ولحراكهم، ولكن هل هي بالفعل ثورة شباب  فحسب أم ثورة شعب، وليس للمعارضة السورية على مدار الأربعين سنة الماضية أي دور في تجزرها والارتقاء في مفاهيمها ودعمها ومساندتها وتطوير خطابها وإنضاجه؟

وهل يمكن فصل مايحصل اليوم من حراك وانتفاضة عما عانى ويعاني منه الشعب لاسوري على مدار عقود، وعما قدمته المعارضة من تضحيات على مر السنوات.. هذه المعارضة التي تعرضت لكل أشكال التنكيل والقمع والسجن والنفي، وهي معارضة استطاعت أن تعبر عن نفسها خلال سنوات الصمت من خلال حزاب سرية تارة وأحزاب حاولت أن تكون علنية وحراك تحت الأرض وفوق الأرض، ودفعت دوما ثمن موقفها غالياً. وهي اليوم تشارك بكل الأشكال الممكنة في هذا الحراك إن لم يكن بشكل مباشر  فبشكل غير مباشر كداعم ومساند وناصح، ولا يمكن إنكار مافعلته بهذا الصدد وماقدمته للشباب وحركتهم على صيد إنضاج الحراك والارتقاء به.

3- العلاقة بين الانتفاضة والنظام: هي علاقة اتخذت مسارها تدريجياً وبشكل طبيعي نحو إسقاط النظام وعدم القبول بالحلول الوسط، أو بالحلول التي تلتف على الانتفاضة وتسكتها. وبهذا المعنى استطاعت الانتفاضة أن تحقق خلال ثلاثة أشهر انتصارات مهمة على هذا الصعيد. فما كان مقبولاً في  البداية لم يعد مقبولاً بعد شهر، وماكان  مقبولاً قبل شهر لم يعد مقبولاً اليوم بأي شكل من الأشكال.. وهذا يدلل على إصرار الانتفاضة وزخمها الذي اكتسبته من حراك الشارع ودعمه ومن النضج الذي طورته بمساندة حراك المعارضة بشخصياتها وأحزابها (الذي لم يكن على قدر المسؤولية في الفترة الأولى تحديداً). وهذه العلاقة مع النظام هي علاقة انفصال بدون شك وقطيعة لا يمكن إصلاحها بأي حلول ترقيعية من أي طرف.

 

4- العلاقة بين الانتفاضة والخارج: والمقصود بالخارج هنا أي موقف الدول والمؤسسات  والمنظمات الدولية، ولقد حققت الانتفاضة انجازات مهمة كذلك على هذا الصعيد. وإن لم تصل بعد إلى مرحلة مهمة  من عدم الاعتراف بالنظام السوري وإفقاده شرعيته الدولية.

فعلى الرغم من المجازر الفظيعة التي قام بها النظام، وحلوله الأمنية إلا أن رهاناً ما عليه مازال مستمراً لدى الدول الكبرى في العالم، وبالتالي أصحاب القرار في المنظمات الدولية.

والانتفاضة استطاعت إيصال صوتها وإرساء مصداقيتها عالمياً وهذا ما قطفت ثماره في المواقف الدولية وخاصة مواقف المنظمات الإنسانية، ولكن على صعيد السياسة وبسبب من غياب الخطاب الجامع للمعارضين وعدم إيجاد ممثلين للحراك، يبدو أن الثقة مازالت لم تزعزع تماماً تجاه النظام والمراهنات عليه تلفظ أنفاسها الأخيرة الآن، وهو ماكلف الانتفاضة مزيداً من الأثمان على صعيد القمع والإرهاب،

هذه الترابطات مهمة لحد الآن ويجب التعامل معها جميعاً كي لا نقع في فخ عزل الانتفاضة عن مسارها المؤثر من خلال تركها مؤرجهة تتخبط في خيارتها أو تتعب حتى تصوغ هذه الخيارات. وهو مايجب أن تساعد في إنجازه قوى المعارضة نفسها الفاعلة منها والراكدة، في الداخل والخارج… بالنهاية الانتفاضة هي انتفاضة شعب لنيل حريته والكل مشارك والكل يجب أن يقوم بدوره حتى نصل لمرحلة تحقيق الإنجاز الذي سعى إليه الجميع:

إسقاط النظام ورموزه وبناء سورية الحرة المدنية الديمقراطية

 

27-6-2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى