صفحات سورية

الانتفاضة في سوريا والاصطفاف الطائفي في الشرق العربي


عواد احمد صالح

سالت احد الاصدقاء عاد للتو من سوريا عن مشاهداته حول طبيعة الانتفاضة السورية فقال لي انة شاهد مجموعة قليلة من شباب وشابات “الفيس بوك “في اللاذفية وهؤلاء يضمون اتجاهات مختلفة يسارية وليبرالية وغير مسيسة اما الغالبية العظمى من المشاركين في ” الثورة ” ضد نظام بشار الاسد فهم على الاغلب الاخوان المسلمين وتيارات سلفية سنية مختلفة مدعومة من تركيا وحزب اردغوان العدالة والتنمية الاسلامي وطبعا ايضا من الغرب .

ان نظام البعث في سوريا قد هيأ الارضية المناسبة منذ اكثر من ثلاتين عاما لنمو التيارات الدينية الاخوانية والسلفية وذلك بدعم البنية التحتية للدين والمدارس الدينية كما فعل نظام صدام في العراق وقد ذكر لي احد الاصدقاء انه يوجد في سوريا 1200 معهد باسم معهد الاسد لتحفيظ القران … وقد شاهدت في مدينة حلب عام 2007 النساء المحجبات يذهبن الى الجوامع . ولا ننسى ان سوريا كانت المصدر الرئيس للإرهابيين الوافدين الى العراق بعد عام 2003 بحجة محاربة الاحتلال وقد لعبوا دورا كبيرا في مسلسل العنف والقتل المجاني الذي ذاق ويلاته ومرارته العراقيون من مختلف الطبقات الاجتماعية .

ان النظام السوري من وجهة نظر الصراع الطبقي يعيش ازمة اقتصادية خانقة فهو اضافة الى كونه شكلا من اشكال النظام الديكتاتوري البونابرتي البرجوازي المغلق فان قطاعات هامة من البرجوازية التي نمت في كنف النظام وكنزت الثروات الهائلة تحت يافطة “الايديولوجيا القومية الحاكمة” او تحت ستار الدين تريد اليوم التحرر من قيود رأسمالية الدولة الخانقة والانتقال الى نظام الليبرالية الاقتصادية واقتصاد السوق الحر بمضامين اسلامية وطائفية من الناحية السياسية طبعا .

الليبراليون العلمانيون في سوريا شريحة صغيرة انبثقت سياسيا في اوساط الانتلجنسيا..المثقفين واساتذة الجامعات وبعض المهاجرين ،وتأثيرها السياسي محدود جدا. وسط بحر من الطائفية الدينية التي مدت جذورها في ابرز المدن السورية الكبرى حلب وحمص وحماه ودرعا وجسر الشغور وغيرها واما اليسار فهو اقلية وذو تأثير محدود جدا اطراف منه مؤيدة للنظام واطراف اخرى معارضة تمثل المعارضة الجذرية وعلى صعيد المعارضة السورية في الخارج لايوجد تأثير يذكر لليسار في اوساط المعارضة التي يشكل الاخوان والطائفية السلفية السنية والقومية الكردية غالبيتها المؤثرة .

ومع التحول الطبقي الذي احدثه النظام في البنية الاجتماعية والاقتصادية اضحت الغالبية العظمى من الجماهير في سوريا تعيش حالة الفقر والكفاف والتهميش والبطالة فقد تحول الاقتصاد السوري الى اقتصاد استهلاكي يعتمد على السياحة والتجارة ونمت برجوازية مثرية في القطاع الخاص الذي يملك وسائل انتاج محلية مما خلق بونا شاسعا بين النظام وبين الجماهير وقد بهت لون “الايديولوجيا القومية التقدمية” للبعث الحاكم بمرور الزمن وتبدل الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتغيرات السياسية في الشرق الاوسط … ونتيجة ايضا لاثراء قسم الاوساط الحزبية الحاكمة وصار بين النظرية والواقع شرخ كبير الى حد التناقض ولم تعد تلقى قبول واهتمام الجماهير التي انحرفت انظارها نتيجة المعاناة والفقر الى جانب الايديولوجيا الدينية بمختلف منوعاتها .

لقد خصم صديقي الذي اشرت الية في بداية هذا المقال وهو يساري الوضع بقوله ان بلدان الشرق الاوسط مستقطبة طائفيا وان القوى الخارجية تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوربي تدفع باسم “الاصلاحات الديمقراطية “الصراع الطائفي للطفو المباشر الى سطح الاحداث لصالح الفئات والطبقات التي تمثل مصالحها واجندتها .

***************

ارجو ان لايفهم اي احد انني ضد التغيير في سوريا لكننا ينبغي لنا كماركسيين ان نفهم افق السيرورة المستقبلية لمسار “التغييروالثورة” في سوريا وفقا لما يجري على ارض الواقع ووفقا للايدولوجيا السائدة اليوم

ثمة سؤال يطرح نفسه علينا اليوم وهو لو افترضنا ان التغيير حصل في سوريا غدا فمن هو الرابح الاول؟؟…الجواب : بالتأكيد هو القوى الطائفية السنية والاخوان المسلمين وقوى اخرى شبيهة بالقوى التي جاءت مع الاحتلال في العراق وسيمثل النظام الجديد خسارة للمدنية وحرية المراة والمظاهر شبه العلمانية الحضارية التي تعيشها سوريا اليوم . وستسارع الدول الغربية الى دعم النظام الجديد في سوريا تحت يافطة “الاصلاحات ” باموال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وذلك لفتح السوق السوري الذي يعتمد اساسا على الانتاج المحلي امام الرساميل والبضائع والاخلاقيات الرأسمالية وتدمير ” الاقتصاد الوطني ” وربط سوريا كليا بعجلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي وفي سبيل احتواء اي امكانية لتطور ” الثورة السورية ” الى ثورة اجتماعية تصب في صالح الطبقات الكادحة ومعادية للامبريالية اي ثورة اشتراكية تمثل مصالح العمال الاشتراكيين والتحررين وعموم محرومي المجتمع والمهمشين والفقراء. هل هذه الامكانية موجودة حاليا…؟؟؟ بالطبع انها غير موجودة بسبب عدم وجود قوى سياسية يسارية وشيوعية مؤهلة لقيادة التغيير والحلول محل النظام الحالي …ثمة من يقول دع التغيير يحصل وسندفع الى اقصى ما يمكن بامكانية تحول الوضع في سوريا الى وضع ثوري باتجاه تحقيق مصالح العمال والكادحين وكل القوى الاشتراكية والشيوعية . ولكن انظروا هذه الامكانية ضمن المدى المنظور غير موجودة ولا تزال في ضمير الغيب كما هي في مصر وتونس ( في مصر توجد قوى اشتراكية فعالة ولكنها لم تتحول بعد الى قوة اجتماعية وجماهيرية )على اهمية وعظمة الثورتين التونسية والمصرية .

لو كان لدينا حزب ماركسي ثوري محكم التنظيم ومنضبط وجماهيري وقيادة ثورية ، حزب يمتلك قاعدة اجتماعية عريضة وتأثير مباشر في اوساط العمال الفعالين ،او في اسوأ الاحوال لوكانت هناك قوى ليبرالية وديمقراطية علمانية فعالة وتمتلك ثقلا سياسيا، كنا سنتفائل بمستقبل التغيير في سوريا وبقية بلدان المنطقة لكن هذا العامل المهم والحاسم غير موجود اليوم وبدلا منه تتجه انظار الغالبية العظمى من الجماهير الى الاستقطاب الطائفي وتتهيأ للصراع من اجل المسك بدفة الحكم باسم تصورات نكوصية ومظلوميات كل يدعيها لنفسه سيكون هناك صراع ضاري في سوريا بعد التغيير بين السنة والدروز والعلويين والتركمان والاكراد والمسيحيين صراع دموي سيذهب خلاله المئات من الناس الى قبور جماعية او يهجرون ويهاجرون الى بلدان اخرى باسم الحرية والديمقراطية المزعومة على الطريقة – الامريكية – العراقية…وسيقول الاسلاميون السنة ان السلطة كانت مغتصبة من قبل العلويين وهم يعزفون على هذا الوتر اليوم هذا اذا علمنا ان نظام البعث في سوريا بصرف النظر عن سيرورته الحالية من الناحية الاقتصادية ، كان قد ترك بصمات مهمة على طريق التطور والحداثة والعصرنة خلال المراحل التي حكم فيها سوريا .وانه بالقطع ليس نظاما طائفيا حتى لو كان هناك توجة من هذا القبيل لدى اطراف معينة داخله لكنها لاتملك تأثيرا واضحا في الواقع السياسي والاجتماعي في سوريا .

انا لا ادافع عن النظام السوري الحالي ابدا فهو نظام ديكتاتوري ومخابراتي مغلق لكن يجب ان نتاول الوضع في سوريا في اطار واقعي وموضوعي واعتقد رغم ذلك ان التغيير في سوريا سيحصل والمسألة فقط مسألة وقت .. واتمنى على النظام ان يستوعب الدروس من ثورات وانتفاضات المنطقة ويقوم بالاصلاح والانفتاح وان يتبنى التغيير الجذري لصالح تحسين حياة الجماهير في سوريا وخاصة الطبقات الكادحة وان يقر بالتعددية والحرية السياسية الكاملة ..وهو سيجد حتما بعد تجربة التطورات الاخيرة والعنف ان لا مناص من التغيير والاصلاح فيما لو اعطي الوقت الكافي هذا فيما يدفع الغرب وتركيا والدول الخليجية الموالية للغرب وامريكا بمايسمى ” المعارضة السورية ” الى عدم التفاوض مع النظام والاصرار على شعار اسقاطه .

ان الخطأ القاتل الذي وقعت فية الانظمة التي حكمت باسم الايديولوجيا القومية العربية انها جاملت الدين كثيرا وهيأت الارضية المناسبة لنمو الدين السياسي مما خلق في غياب البدائل السياسية الاخرى اجيال جديدة مؤدلجة دينيا ومشحونة طائفيا او مذهبيا وفق مذاهب دينية معينة وهي اليوم في مقدمة القوى الداعية للتغيير وهذا ماحصل في العراق ومصر وتونس ومايحصل في اليمن وسوريا وما كان ممكنا ان يحصل في البحرين ايضا.

سيقول البعض من الدوغمائيين ان التحولات الجارية في سوريا وفي الشرق الاوسط تمثل انكسار الحلقات الضعيفة في النظام الرأسمالي عموما وهذه قضية محتومة ولا مناص منها ولكن انظروا الى التمظهرات السياسية التي تنتج عن هذا الانكسار انها رجعية ونكوصية ومتخلفة جوهريا … ومدعومة سياسيا واعلاميا وماديا من دول الغرب فرنسا والمانيا والولايات المتحدة ليس حبا بشعوب المنطقة وحريتها ولكن بهدف اغراق شعوب المنطقة في الفوضى السياسية والامنية واعادة النفوذ والهيمنة عليها وايضا وايضا بهدف دفع القوى المتخلفة والرجعية الى سدة الحكم لكي تقوم بتصفية جميع المظاهر المدنية والعصرية التي حققها الشعب السوري عبر سنين طويلة من النضال ضد التخلف والجهل والتبعية ….وسيقول الغرب بعد ذلك وحسب مفهومه عن “النسبية الثقافية” انظروا هذه شعوب مرتبطة بالماضي وغيرجديرة بالتطور والدول الامبريالية تعرف جيدا ان اعادة انتاج الظاهرة الدينية سياسيا وتأجيج الصراعات المذهبية افضل عوامل الانحطاط والنكوص والتخلف وهي افضل من التدخل العسكري المباشر ، وبعد ذلك لابد من القول ان الوعي الاجتماعي للغالبية العظمى من الجماهير في العالم العربي عموما وعي ساذج ونكوصي ومرتبط بالخرافة والجهل ويستلهم المثال والنموذج من ذلك الماضي المتخلف والبائس .

لقد صنعت تلك الانظمة القومية العربية التي كانت تسمى (تقدمية ) ومنها نظام البعث في سوريا حفاري قبرها بأيديها كما يقول ماركس عن الرأسمالية اي انها هي التي صنعت ووسعت ونمت التيارات الدينية وكان سبب احتمائها بالدين هوالخوف المرضي من الشيوعية واليسار اضافة الى سيرورة التحولات الاقتصادية (نظام رأسمالية الدولة المغلق ) الذي اصبح غير قابل للاستمرار والحياة في ظل التحولات الجديدة في العالم في عصر العولمة والليبرالية الجديدة .

ولو اجرينا مقارنة على سبيل المزحة بين نظام بشار الاسد “الدكتاتوري ” المغلق سياسيا والنظام “الديمقراطي ” الطائفي القومي المليشياتي في العراق الذي يتوفر فيه قدر كبير من الحرية السياسية وحرية التعبير والنقد وقدر اكبر من الفوضى السياسية والامنية والانحطاط الاجتماعي والثقافي لوجدنا ان النظام في سوريا افضل في جميع الجوانب عدا الجانب السياسي .

على النظام في سوريا ان يدرك ان لا افق امامه سوى الاصلاح والتغيير الذي ينبغي ان يبدأ بتحسين حياة الطبقات الكادحة الشعبية وعلى راسها العمال والفقراء وكل محرومي المجتمع والسعي لتخفيف الفوارق الطبقية وتحقيق العدالة الاجتماعية واهم شيء اطلاق الحريات العامة السياسية حرية التنظيم والتظاهر والاضراب بشكل سلمي واطلاق حرية العمل السياسي بشكل تام للجميع واجراء انتخابات في اقرب وقت والا فان الجماهير المحتجة والمنتفضة لن ترضى بغير اسقاط النظام ولا احد يمكن ان يتكهن ويتفائل بحصول تغيير ديمقراطي حقيقي في سوريا يمكن الجماهير من استعادة حقوقها المسلوبة فالقوى الرجعية والنكوصية الطائفية وبما تمتلكه من وسائل ايديولوجية وسياسية ودعم مالي من دول الخليج والغرب تتهيأ للانقضاض على السلطة واغراق المجتمع السوري بالتناحرات الطائفية والمذهبية والقومية في سياق سيناريو اسود جديد والاجهاز على المكتسبات العصرية والحداثية التي حققها المجمتع السوري عبر مراحل طويلة من النضال .

ملاحظة : كتب هذا المقال في 23-6-211 ولم ينشر في اي مكان واجريت عليه تعديلات اساسية في 6-2-2012 بعد الفيتو الصيني والروسي في مجلس الامن لصالح النظام في سوريا .

عواد احمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى