صفحات العالم

الانذار البارزاني/ امين قمورية

 

 

 

بعد حسم الحرب على “داعش” يصعب الرهان على عودة الامور الى سابق عهدها في الاقليم المكتوي بالنيران. فمشاركة القوى المحلية في القتال تحجب حجم التدخلات الخارجية بالوكالة وخطورتها. الدول الكبرى لها مصالحها والاستراتيجيات، وهي ليست هيئات اغاثة وجمعيات خيرية تقدم المال والسلاح وينتهي دورها بدحر الارهاب.

وبينما تدفع ايران حلفاءها العراقيين الى اطراف الموصل وتلعفر لتأمين التواصل الجغرافي بين طهران والحدود السورية، اعلن مسعود بارزاني بالفم الملآن ان ما حررته البشمركة من “داعش” في نينوى هو جزء من أراضي اقليم كردستان الذي ما انفك يطالب باستفتاء على استقلاله. والتصريح ليس عابراً بقدر ما هو تعبير عن سياسة واضحة المقاصد عندما تسكت المدافع. وفي مثل هذه الحروب تسقط التفاهمات السابقة ويترك للسلاح رسم الحدود. والخطورة ليست في حق الاكراد بتقرير مصيرهم، بل بانتزاع أراض للآخرين وتغيير هويتها وضمها الى مشروع الدولة الكردية المتشددة.

وفي المقلب الاخر من الحدود، تطلق واشنطن يد روسيا في حلب وادلب، لكنها في الوقت نفسه تحفز الاكراد على السير نحو الرقة لقطع الطريق على الاتراك والجيش السوري نحو عاصمة “داعش” ، وتغض النظر هي وموسكو عن تمدد أصدقاء انقرة غرب الفرات. وهكذا بينما “ينظف” الجيش السوري مدعوماً من الروس والايرانيين الكانتون المسمى “سوريا المفيدة”، يستعد الاكراد لملء الفراغ الذي يخلفه “داعش” في الشمال الشرقي لسوريا، في حين يفصل المربع التركي غرب الفرات بين الجيش السوري والاكراد، ليرتسم في شمال سوريا ما يشبه الكانتونات الثلاثة شبه المستقلة. ووصول ترامب الى البيت الابيض وتصريحاته المتقلبة عقّدت الامور عوض تسهيلها، فالتأرجح الاميركي بين الانعزال وفرض الهيمنة يشجع دول على التقدم لملء الفراغ ويحفز دولاً أخرى على البحث عن ركائز جديدة لتأمين أمنها الذاتي بعدما طالبها الرئيس الاميركي المنتخب بثمن باهظ للحماية.

خرائط التقسيم في الأدراج، وبعضها منشور ومعلن، كأنها تنتظر الصفقات الأخيرة وفق حقائق السلاح في الميدان. الفيديراليات مرجحة وإنشاء دول جديدة غير مستبعد، والانخراط في حروب عرقية ومذهبية قائم وقد يمتد لأزمان طويلة. وكل الدول في الاقليم بيوتها من زجاج وقابلة للتفتيت، لذا تبدو تركيا مضطربة وتخاف من أكرادها وتسعى الى بناء خطوط دفاعها في الموصل والرقة، ولذا تبعد ايران نار الفتنة عن داخلها برميها لدى الآخرين خلف حدودها، ولذا يساور القلق دول الخليج بعد المؤشرات الترامبية المسمومة وقانون “جاستا”، ولذا أيضاً عين مصر على اقتصادها المهترئ وقلبها على سيناء التي تواصل تمردها.

ولأن أي بلد في الاقليم لا يملك ما يضمن سلامته، فان لعبة التفكيك عندما تنطلق لا يعرف أحد أين ولا كيف تتوقف.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى