صفحات سورية

الانشقاقات عن هيئة التنسيق الوطنية دليل على الأزمة الطاحنة: متى يحسم التيار القومي في سورية موقفه من الصراع الدائر؟


عروبة بركات’

 لعل أكثر التصريحات التي أثارت جدلاً بين القوى الوطنية السورية خلال الشهرين الأخيرين كانت تصريحات الشخصيات الرئيسية في هيئة التنسيق الوطنية. ولا نقصد هنا تصريحات رؤساء الأحزاب السياسية التقليدية فحسب بل تلك الشخصيات الوطنية التي انضوت تحت مظلة الهيئة.

ولم تثر تلك التصريحات التي تتناقض في مجملها مع بيانات الهيئة، الجدل في اوساط كوادر تلك الأحزاب والمناصرين لها فحسب بل انتقلت إلى الشارع الذي رفع شعارات ترفض الهيئة وموقفها وأفكارها. بل تذهب بعيداً إلى حد تخوينها واتهامها بالعمل على دعم النظام واثارة الفتنة والفرقة بين صفوف المعارضة وتقويض أسس وثوابت الثورة التي دفعت الجماهير ثمنها من دماء وأرواح وحريات أبنائها.

ولعل أكثر ما يثير الجدل والاستغراب في مواقف شخصيات الهيئة أن معظمها قد قضى سنينا طويلة من حياته في غياهب سجون النظام دفاعاً عن مطالب تقل كثيراً عن مطالب الجماهير الثائرة في سورية. وأنه عانى من التضييق والتهميش والابعاد أكثر بكثير من عشرات الآلاف من الشباب الثائر في شوارع مدن سورية وقراها. وان ثورة بمثل هذا الزخم والقوة والتصميم تشكل واقعاً يفوق أكثر أحلامنا ثورية وانتفاضاً. فما الذي جعل تلك الشخصيات تخفض من سقف مطالبها لتقوض مطالب الثورة، وتحدث شرخاً يتسلل منه النظام بكل بساطة ودهاء ليكيل الاتهامات للمعارضة بالتفتت والتشرذم.. ثم ما هو ذلك الوعي الثوري والسياسي الذي منح بموجبه لعدونا فرصة إخراجنا من معادلة المواجهة وتحويلنا إلى صف الحلفاء.. ألم يستخدم بشار الأسد فكرنا السياسي أداة ليوصف صراعه مع الشعب بأنه صراع بين الإسلاميين والقومية العلمانية؟ أسئلة عديدة كثيراً ما تناولتها نقاشات ولقاءات القوميين والعروبيين وكوادر أحزاب الهيئة ومؤيديهم. وجعل حالة الاحباط واليأس تستولي على الثوار المؤدلجين ضمن تيارات الهيئة وأحزابها. بل ذهب بعض النشطاء الوطنيين المخلصين إلى كتابة بيانات ورسائل لقيادة الهيئة تطالبها بالالتزام بالبيانات الرئيسية لها وعدم التصريح خارج سياق وحدة صف الهيئة والمعارضة بشكل عام، والأهم أن لا تنخفض باطروحاتها السياسية عن سقف مطالب الشارع المنتفض والمتظاهرين الشجعان الذين سطروا بدمائهم وأرواحهم أعظم ملاحم البطولة والشجاعة في مواجهة النظام.

إلا أن تجاهل قيادة الهيئة لرسائل الاحتجاج ولمطالب أعضائها واحراجهم بمواقف وتصريحات تصادر حقهم في الانتماء للثورة ولحراكها الشعبي ومطالبها المشروعة التي تعبر عن مطالب كل سوري حر يريد لوطنه الانعتاق من قيود العبودية لنظام استمرأ قمعه ومصادرة حريته وكرامته وحتى قتله، جعل من ضرورة حسم الموقف أمراً لا يقبل التأجيل والمماطلة ولا يقبل المساومة والمهادنة. فالدماء التي تسيل هي دماؤنا والأرواح التي تزهق هي أرواحنا والوطن الذي ينتهك هو وطننا والمستقبل الذي يصادر هو مستقبل أبنائنا. لم يعد هنالك من مجال أو حرج من المواجهة لتحديد الموقف الذي تمت مصادرته لتيار سياسي ناضل طويلاً ليحقق لشعبه ووطنه العزة والكرامة، ولم يعد من مجال للمهادنة على حلول ورؤى لا تستجيب بشكل كامل وواضح لرؤية الشعب الذي هو المعلم الأول. ليس هنالك من مجال لنلتف على المطالب ونقول نريد اسقاط النظام القمعي الاستبدادي وليس اسقاط النظام بكافة أركانه وشخصياته. وليس من مجال للقول أن الحماية الدولية للمدنيين الذين يتساقطون بالعشرات هو استنجاد بالأجنبي وليس أن النظام الذي يستبيح دمائنا بغزارة منقطعة المثيل هو استدعاء للأجنبي للتدخل بكل وسائل الخراب الممكنة. لم يعد من مجال للقول أنه للحفاظ على سلمية الثورة علينا أن نتنكر لأبنائنا الجنود والضباط الذين يفضلون الموت على اطاعة أوامر قيادتهم في قتل المواطنين الأبرياء. ولم يعد ممكناً القبول بالحوار مع نظام أوغل في قتل الشعب وفي سفك دمائه، ونقدم له على طبق من فضة طوق نجاة. فمن يعتقد أن النظام المجرم الذي يحكم دمشق لنصف قرن بقبضة من حديد ونار، يمكن أن يتنازل عن سلطته وسطوته بالحوار وبانتقال سلمي للسلطة، يكون واهماً أشد الوهم. لذلك لم يكن أمامنا إلا أن نحسم موقفنا المحسوم مسبقاً ونعلن عن تأسيس تجمع الحرية والكرامة الذي يرفض أي حوار مع النظام ويطالب باسقاطه كاملاً وبدون استثناء، ويعتبر الخيار السلمي للثورة لايجرم من حمل السلاح ودافع عن نفسه وشرفه وعرضه، وأن جيشنا الحر هو الجيش الوطني السوري الحقيقي لإلتزامه بمهامه الأصلية وهي حماية الوطن والمواطنين وليس الدفاع عن مجرمين وعصابات تحكم بلادنا وتستقوي علينا بأموالنا المنهوبة من قوت أبنائنا. وأن من يهدد يتقسيم سورية لايمكن أن يكون نظاماً وطنياً، بل ليس أكثر من عصابة مافيوية تريد حرق البلاد والعباد إن لم يرضخوا لسطوتها وفسادها. وأن تحرير سورية من نظام الأسد هي الخطوة الأولى الصحيحة نحو تحرير الجولان وكامل الأراضي العربية المغتصبة.

‘ كاتبة من سورية تقيم في الامارات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى