صفحات العالم

الانقلاب السوري الناعم


جمعة عكاش

أفضت أزمات بلدان الربيع العربي، إلى نهاية مختلفة للأنظمة الحاكمة، فزين العابدين “تونس” هرب إلى السعودية، ومبارك “مصر” يحاكم كمجرم، والقذافي “ليبيا” قتل، وعلي صالح “اليمن” تنحى، في حين بقي بشار الأسد “سوريا” في الواجهة ينتظر نهايته الحتمية بالسقوط وفق سيناريو يصعب التكهن به، رغم أن الخيارات تقلصت بشدة.

فمع إخفاق المبادرة العربية تم دفن أحد الحلول السلمية للمعضلة السورية، و بدا أن الخيارات الكثيرة انكمشت في خيار لا ثاني له وهو التدخل الدولي، وأي مخرج آخر للأزمة لن يعدو أن يكون أكثر من “مفاجأة”، بين الحل السلمي الـ”مدفون” و الآخر العسكري الذي يتبلور تدريجيا. هناك “طريق ثانٍ” لحل الأزمة يمر من داخل أروقة القصر الرئاسي، ومقار المخابرات والأمن والعسكر في سوريا.

الطريق الثاني يقود إلى “انقلاب ناعم” يقوم به إما أفراد من “العائلة أو الطائفة الحاكمة” أو كبار السياسيين والعسكريين من داخل النظام نفسه، بعضهم متقاعد وآخرون على رأس عملهم، الهدف من الانقلاب سيكون إيجاد مخرج آمن للأسد وعائلته ونظامه من الوحل الذي غاصوا فيه حتى “بلاعيمهم” نتيجة تعاطيهم الهمجي مع الثورة الشعبية.

ووفق ما يتضح ويتبلور من مؤشرات قادمة من دمشق ستشكل هذه الحركة طوق النجاة الأخير للنظام، وربما للسوريين جميعاً، فقد تجنبهم حرباً أهلية أو تدخلاً عسكرياً دولياً مباشراً، ولهذا السبب قد يكون مقبولاً من شرائح مجتمعية متعددة، وحتى من بعض أطراف المعارضة التي تتفق جميعها على إبعاد شبح التدخل العسكري.

وما يؤكد ويقدم أهميةً لهذه المعلومات، اللقاءُ السري الأخير لبشار الأسد مع ما يسمى بـ”المبادرة الوطنية الديمقراطية”، التي أسسها حكوميون واقتصاديون وعسكريون ورجال أمن ومخابرات مخضرمون متقاعدون ومستمرون في عملهم للبحث في المبادئ العامة للمبادرة و الاطلاع على مدى أهلية تحولها إلى برنامج عمل للمرحلة.

والمبادرة تقتضي إصلاحات جذرية حقيقة فورية مثل إلغاء حال الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين, وتشكيل لجان حقيقية لصياغة مشاريع قوانين للإعلام والأحزاب والانتخاب,و صياغة دستور جديد, وتأليف هيئة للحوار, والسماح بعقد مؤتمر للمعارضة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ومحاسبة كل من ارتكب اعمال عنف وقتل ضد المدنيين المتظاهرين، واعتبار الضحايا شهداء، والاعتذار لأهلهم ، و وقف التحريض الإعلامي، والسماح لكل السياسيين المهجرين قسراً بالعودة، والإنتقال السلمي إلى نظام ديمقراطي.

ومن المشاركين فيها محمد سلمان وهو وزير سابق، و مروان حبش، وزير وعضو قيادة قطرية سابق، ومحمود الجيوش، محامي، وزير سابق، عضو المؤتمر القومي العربي، وجورجيت عطية، كاتبة و صاحبة دار نشر. وآخرون يدعمهم كمال يقال القوة المتقاعدة في الجيش والمخابرات السورية.

هذه المبادرة يدرسها النظام وقد يحاول تسويقها عبر تفعيلها على الأرض ببعض الخطوات المباشرة، و أيضا عبر طرحها كمبادرة تتقدم بها مراكز قوى قد تكون دولة إقليمية أو عالمية أو منظمة عالمية مثلاً.

وهناك إمكانية كما قلت لقبول هذه المبادرة لأن النظام أقفل جميع الأبواب وفتح باب الحرب الأهلية التي روج لها باستمرار حتى يضع السوريين أمام خيارين إما هذه المبادرة، وإما تلك الحرب من مبدأ “علي وعلى أعدائي”.

في السابق كان السوريون يراهنون على انقلابين الأول يقوده قيادات من الجيش ، وثبت انه رهان خاسر، وانقلاب آخر وهو انقلاب المجموعة السياسية التي استبعدت تماماً من خلية إدارة الأزمة السورية، لاسيما نائب الرئيس فاروق الشرع، و مستشارته بثينة شعبان، و أخيرا وزير الخارجية وليد المعلم، ويبدو أن تجميد النظام لهذا التيار في مرحلة مبكرة أوتي أوكله.

وهنا يجب إدراك ان النظام السوري لن يترك إدارة الأزمة في يد غيره، لا السوريين ولا القوة الدولية، وأنه سيظل يديرها وفق ذهنيته وعقليته فإما أن تلتقي معه القوى المعارضة والمجتمع الدولي في نقطة ما حين يريد أن ينقذ نفسه، أو لن يكون هناك إلا الصدام المباشر كمخرج وحيد وقاس لحل الأزمة.

في الحقيقة يقف السوريون اليوم أمام خيارين أحلاهما مر: “الإنقلاب الناعم” لإسقاط النظام على مراحل، وله ما له وعليه ما عليه، وثانيهما فتح الجبهات العسكرية لإسقاط النظام دفعة واحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى