صفحات العالم

البحث عن عصابة

 


خالد صاغية

الأيادي الخارجيّة… الإسلاميّون… إسرائيل… عصابات… وحتّى جرذان… نعوت ومفردات غرف منها الحكّام العرب كما يشاؤون في وصفهم لبدايات الانتفاضات الشعبيّة في بلدانهم. لكنّ استخدامها سرعان ما أعطى مفعولاً معاكساً، إذ امتلأت الساحات بالمواطنين الأفراد الذين يعلنون على الملأ هويّتهم الوطنيّة، العربيّة، المدنيّة. غير أنّ النظام السوري، على ما يبدو، مصرّ على استخدام المفردات نفسها لوصف ما يجري في درعا. كأنّه لم يشهد ما جرى في مصر وتونس، وما يجري في ليبيا واليمن والبحرين.

يقال إنّ سوريا ليست مصر أو تونس. هذا صحيح. فالأرجح أنّ ما من بلد عربيّ يمكنه أن يكون مصر أو تونس بعد ما حدث في ليبيا واليمن والبحرين. فبخلاف سقوط نظامَيْ مبارك وبن علي، أعادت انتفاضات البلدان الأخرى تذكيرنا بالتشقّقات الأهليّة والبنيات القَبليّة والطائفيّة، فضلاً عن النفط. وهذا كلّه ممّا لا يجعل التغيير واحداً ومتشابهاً في تلك البلدان التي باتت العروبة فيها لا تعني إلا عدوى الحريّة.

إلا أنّ مشهد «الشعب» الواحد الذي ظهر في ميدان التحرير، وعاد ليظهر «شعوباً» في أمكنة أخرى، لا يلغي حقيقة أنّ أيّ حاكم عربي ـــــ سواء استمرّ أو لم يستمرّ ـــــ لا يمكنه أن يتصرّف بعد اليوم كما لو أنّ مواطنيه غائبون عن الوعي أو غير موجودين. فالعالم العربي اليوم عنوانه واحد: الخبز، الحرية، والكرامة. وحتّى لا يساء الفهم مرّة أخرى، الكرامة هنا ليست في مواجهة العدوّ الخارجيّ حصراً، بل أيضاً ـــــ وأساساً ـــــ في مواجهة الشرطيّ ورجل الاستخبارات وأفراد الحاشية.

ما زالت أبعاد ما جرى في درعا غير واضحة. لكنّ ما نعرفه هو أنّ النظام في سوريا، بالطريقة التي تعاطى فيها مع أحداث درعا، لا يبدو كمن يعطي نفسه فرصة جديدة للإصلاح. فهل يعقل أن يجري تقديم قصّة «العصابة المسلّحة» والمشهد السينمائي الرديء بشأن الفلوس والبنادق المصطفّة جنباً إلى جنب، على أنّه رواية رسميّة؟ وهل يعقل القبول بسفك الدماء بعدما أقدمت مجموعة من التلامذة الصغار على كتابة شعارات على الجدران؟

مصدر رسميّ صرّح بأنّ «قوى الأمن تواصل ملاحقة العصابة المسلّحة التي تروّع المدنيّين وتقوم بعمليات قتل وسرقة وحرق المنشآت العامة والخاصة في درعا». كلّ ما يتمنّاه المرء هو القبض على تلك «العصابة» فعلاً. وفي الانتظار، فإنّ الشام جميلة، وهي تستحقّ الخبز والحرية والكرامة.

 

الأخبار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى