صفحات الناسلقمان ديركي

البطل المطلق/ لقمان ديركي

 

 

 

تدخل إلى البيت فتجد صورة للجدّ في صدر البيت. إنه مؤسس هذه العائلة العظيمة التي أنت في بيتها الآن. إنه الكبير وإياك بالتالي أن تستخف بأمره فهو سيبقى مع صورته هذه على الجدار. ومهما حدث من ظروف فإن أمر صورته على الجدار محسوم ولن يتغير.

وعلى الجدار الثاني هناك صورة للعم الكبير وهو وريث الجد مؤسس هذه العائلة وبالتالي فإن إحترامه مطلوب لأنه عمل وكدح مع الجد حتى صارلهذه العائلة شأن بالإضافة إلى أنه شقيق صاحب البيت وحاميه عند الحاجة والإضطرار.

على المرآة، سترى صور المفضلين من الإخوة. وعادة ما يكونوا ناجحين تماماً ولا توجد نقاط سوداء في تاريخهم الشخصي. شقيقك الكبير هو المفضل دائماً لأنه الذي يحل مقام الوالد. فهو يمسك بزمام الأمور في العمل والعائلة بعد الوالد. وبالطبع فأنت لا تنسى كم مرة ضربك وضرب إخوتك وكم مرة شحطك من الشوارع إلى البيت بأمر من الوالد. إنه عصا الوالد ويده الطويلة فترى صورته مبتسماً على المرآة وترى صور أولاده وهم في غاية السعادة والخوف.

ثم ترى صورة شقيقك المثقف الخريج الجامعي وقد رفع رأس العائلة لانها تخلصت بشهادته الجامعية من تهمة التخلّف. إنه الأخ المتعلم المثقف الذي  أصبح طبيباً أو مهندساً أو ـ في أضعف الإيمان ـ محامياً. إنه مسكين لا رأي له ومجبر على الإدلاء برأيه على الرغم من أنه لا رأي له. بل إن رأيه لا يقدم ولا يؤخر. فيتفوه بما يطلبه منه الأخ الاكبر أو الوالد ولكن بطريقته المثقفة المتعلمة فينال الإعجاب والمال والهدايا من الوالد والشقيق الكبير.

وعلى المرآة نفسها أو تحت زجاج طاولة الزينة ستجد صور زوجة هذا الأخ الجميلة والأنيقة وصور أطفاله اللطيفين النظيفين المهذبين المتعلمين أبناء المتعلمين. وبين الصور ستشاهد صورة الاخت المسافرة والمتزوجة في الخليج أو في أميركا. كما ستشاهد صوراً لأطفالها أمام برج إيفل أو عند تمثال الحرية. بالإضافة إلى صورها الشرعية الغرامية مع زوجها على شاطئ البحر.

وتبقى أنت الذي بلا صور على جدران بيت أهلك. أنت المغضوب عليه. الفاشل المارق المتمرد على تقاليد العائلة. غير المرغوب فيك. عندما يأتي الضيوف المهمون يحاولون بشتى الوسائل إبعادك ورميك في الغرف الخلفية أو حجبك عن الانظار. فأنت “بلوعة” العيلة. أنت مصدر البلاء والمشاكل. أنت الذي لا تعرف مصلحتك. أنت الذي لم تضع يدك بيد عائلتك فبقيت هكذا فاشلاً. فقط لأنك قلت مرة ماذا تريد. فقط لأنك رفضت مرة أن تفعل ما لا يعجبك. فقط لأنك بلا مرجعية في حياتك سوى نفسك.

لهذه الأسباب جميعاً أنتَ المنبوذ.. أنت الضال.. أنت الفاشل.. وأنت حديث العائلة يومياً. أنت موضوعهم الدائم. ولكن دون أن يعلقوا صورك على الجدران. وحتى في غرفة النوم يتم الحديث عنك. هناك في تلك الغرفة التي لا توجد فيها سوى صورة والدك وبجانبه أمك بكامل عتادها الأنثوي.هنا هو البطل المطلق والنجم الوحيد.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى