أنور بدرصفحات سورية

‘البلاد’ في ميزان الإعلام السوري مشروع خاسر تجارياً وسياسياً


أنور بدر

قد يشكك البعض في مستقبل الصراع الدائر في سورية، لكنني لا أعتقد بوجود عاقل يماري بأن النظام السوري خسر معركته الإعلامية على الصعيدين الداخلي والخارجي، حتى أن المسؤولين السوريين اعترفوا مكرهين ولأكثر من مرة بأن أداء الإعلام السوري لم يكن موفقا، وبأنه أحد أسباب ومكامن الخلل في جبهتهم، وليس أدل على ذلك من فوضى المناقلات التي تجتاح الساحة الإعلامية بشكل مستمر، ولأتفه الأسباب أحياناً، أو بدون سبب.

وربما يفسر هذا الشيء لجوء النظام للاستعانة بجهابذة الإعلام اللبناني للدفاع عن مواقفه وتسويق روايته الأمنية بخصوص العصابات المسلحة والفضائيات المغرضة، وفي مواجهة سيل الفيديوهات التي تصور عمليات القتل والعسف بحق المتظاهرين العزل والمظاهرات المطالبة بإسقاط النظام وصولا إلى الاستعانة بشركات الدعاية والعلاقات العامة في المجال الخارجي.

لكن النظام الذي يكابر على هزيمته وجد نفسه مدفوعا لتجديد أدواته الإعلامية باستمرار، وخارج إطار المناقلات التي أشرنا إليها سابقا، ولكن التجديد هذه المرة يأتي على طريقة ‘التاجر المفلس حين يلجأ لدفاتره القديمة’، فها هو يخرج علينا قبيل أعياد الميلاد ورأس السنة بصحيفة ‘البلاد’ التي صدر العدد صفر منها بتاريخ الأحد 18 كانون الأول/ ديسمبر، وعددها الأول حمله لنا ‘بابا نويل’ بتاريخ 25 كانون الأول/ ديسمبر، لتتابع هذه ‘البلاد’ انطلاقتها صباح كل أحد من العام الجديد تحت ترويسة ‘الرأي الحر في المنبر الحر’، فما هي هذه ‘البلاد’ التي هطلت علينا مؤخراً مدججة بذلك الشعار؟ وماذا حملت إلينا من جديد؟

المفاجأة الأولى أن المطبوعة الجديدة جاءت باسم د.تركي صقر كصاحب امتياز ورئيس للتحرير، وهو الذي شغل منصب رئيس تحرير جريدة ‘البعث’ لعقدين من الزمن بدأت عام 1982 ولم تتوقف إلا مع اكتشاف الخارجية السورية ضرورة الاستعانة به لتطوير ودعم سلك الدبلوماسية السورية، فكانت محطته الأولى في طهران، ومن يعرف طبيعة وخصوصية العلاقات السورية الإيرانية فإنه يدرك أهمية تلك السفارة وأهمية السفير أيضا، إلا أن حادثا طارئا من خارج السياقات الدبلوماسية عطل على الدكتور صقر سفارته في طهران، الحادث بكل بساطة كان سرقة السفارة السورية هناك، لكن السلطات الإيرانية وبناءً على تحريات الحرس السوري المعني بحراسة السفارات الأجنبية، أعلنت بتاريخ 08 آب/ أغسطس 2002 أنها ألقت القبض على لص شن عملية سرقة على السفارة السورية في طهران في الثاني والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، مضيفة أن السرقة كانت داخلية، وان المتهم هو احد موظفي السفارة، لكن السفير السوري تركي صقر تدخل لإطلاق سراح المتهم، وترحيله إلى سورية.

إذا علمنا أن مجموع المبالغ المسروقة من السفارة بالدولار و’التومان’ الإيراني وصلت إلى 84 ألف دولار إضافة إلى شيكات سياحية من الخزانة الفولاذية للسفارة، نتساءل حول غياب التحقيق السوري بهذه القضية الجنائية، إضافة لعلامات استفهام أخرى تركها سحب السفير الصقر من طهران، والذي أمضى قرابة أربع سنوات من النقاهة في سورية ضمن طاقم إعلامي خاص، قبل أن يعاد إلى سلك الدبلوماسية بتاريخ 12/ 03/ 2006، ولكن هذه المرة كانت محطته في الخرطوم التي اكتسبت أهميتها في ذلك التاريخ الذي سبق انعقاد القمة العربية فيها، لكن بعد ذلك منح السيد السفير علاوة دبلوماسية باعتماده سفيرا غير مقيم لدى اريتريا في حزيران/ يونيو 2007 واستمر في منصبيه إلى أن صدر مرسوم نقله نهاية العام المنصرم إلى الإدارة المركزية في وزارة الخارجية السورية بدمشق.

وإن كانت هذه الخطوة تسبق عادة إحالة الدبلوماسيين السوريين للتقاعد بعدما بلغ السيد تركي صقر الخامسة والستين من العمر، فإن السيد السفير الذي أنهى سفارته في الخرطوم بعام تقسيمها إلى دويلتين، استفادة من هذا الوقت المستقطع في العاصمة السورية دمشق لترتيب إصدار صحيفته ‘البلاد’.

فإذا علمنا أن الدكتور تركي صقر حصل على الشهادة الثانوية 1964 وعلى شهادة أهلية التعليم 1966 قبل أن يبدأ حياته المهنية في سلك التعليم معلماً ثم مدرساً بين عامي 1966-1972م، حيث حصل على الإجازة في الحقوق من جامعة حلب سنة 1970، كما حصل أثناء وجوده في رئاسة تحرير ‘البعث’ على شهادة الدكتوراة في ‘القانون الدستوري’ من موسكو عام 1985 ليصبح عضوا في المكتب التنفيذي لاتحاد الصحافيين كما هو عضو في اتحاد الكتاب العرب وجمعية البحوث والدراسات في دمشق، ويتحف المكتبة العربية ببعض من أمهات الكتب في القانون والإعلام والسياسة لن أذكر منها إلا كتاب ‘القانون ووسائل الإعلام’ فقط لارتباطه بموضوعنا.

وهذا يقودنا إلى المفاجأة الثانية في صحيفة ‘البلاد’ التي أشارت في ترويستها التعريفية على الصفحة الأولى ومنذ العدد ‘صفر’ وحتى العدد الثالث بأنها ‘مرخصة بقرار مجلس الوزراء رقم /79/ م/ و تاريخ 5/ 10/ 2005 ‘ أي أن السيد السفير بدأ مشروعه الإعلامي في فترة نقاهته بدمشق، ما بين سفارتي طهران والخرطوم، لكن هذا المشروع لم ير النور إلا بعد ست سنوات ونيف على أخذ الترخيص، وهو خرق لقانون المطبوعات رقم 50 لعام 2001 الذي حصل الدكتور صقر على الترخيص وفق تعليماته، ويدرك مؤلف كتاب’القانون ووسائل الإعلام’ أن القانون آنف الذكر ينص في المادة /22/ منه على أنه:

‘تلغى الرخصة بقرار صادر عن رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير في الحالات التالية:

أولا- إذا لم تصدر المطبوعة الدورية بصورة مستمرة مدة ثلاثة أشهر بعد منح الرخصة.

ثانيا- إذا لم يصدر من المطبوعة خلال ثلاثة أشهر متوالية ثلثا الأعداد الاعتيادية التي تصدر من المطبوعات المماثلة.

ثالثا- إذا صدر بحق المطبوعة حكمان جزائيان خلال سنة واحدة.

رابعا- إذا ثبت على أحد المسؤولين فيها إحدى الجريمتين المنصوص عليهما في المادة / 55 / من هذا المرسوم التشريعي’.

وبالتالي نجد أن ترخيص هذه المطبوعة يعتبر لاغيا وفق البندين الأول والثاني من المادة /22 / من القانون الذي منح الترخيص بموجبه. مع علمنا أن ذلك القانون قد جبه المرسوم التشريعي رقم 108 لعام 2011 الخاص بالإعلام والذي حددت المادة (42) منه:

أ- على صاحب المطبوعة الدورية أن يبدأ بإصدار المطبوعة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ منح الترخيص ويعد الترخيص ملغى حكماً بعد مضي هذه المدة دون صدور المطبوعة.

وعلى ذلك نجد أن صدور هذه المطبوعة الجديدة يشكل خرقا لقانون المطبوعات القديم ولقانون الإعلام الجديد، من حيث أن صاحب الترخيص ورئيس التحرير هو أحد فقهاء القانون الدستوري وواضع كتاب ‘القانون ووسائل الإعلام’.

لكن السؤال الحقيقي بعيدا عن إشكالية الترخيص يكمن في البحث عن مبررات إصدار هذه الصحيفة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد حقيقة، فهي لا تمتلك المشروعية المالية أو الربحية، لأن أي مشروع إعلامي حاليا في سورية يعتبر مشروعا خاسرا، ونلاحظ أن سعر هذه ‘البلاد’ كان 20 ليرة سورية في العدد الأول، وقد جرى تخفيضه إلى 15 ليرة سورية في العدد الثاني، مقابل خمس ليرات فقط كثمن للصحف الرسمية الثلاث ومن ضمنها ‘البعث’ طبعا، مع الإشارة لكون ‘البلاد’ لم تتضمن أي إعلان تجاري حتى تاريخه، ولكن يمكن القول انها تشكل إعلانا سياسيا كبيرا يتكون من 16 صفحة لصالح النظام، الذي قد يبادر إلى تمويل أو دفع تكاليف هكذا مشروع.

وفي هذه الحالة يتساءل المرء عن جدوى هذا الإعلان السياسي إن صحّ التعبير؟ وبلغة أدق: ماذا يمكن أن يقدم د. تركي صقر في مطبوعة ‘البلاد’ الجديدة أكثر مما قدمه خلال عقدين من الإنجازات الإعلامية حين كان رئيسا لتحرير صحيفة ‘البعث’؟ وهل يمكن اعتبار ‘البلاد’ مشروعا خاسرا بالمعنى التجاري السياسي إعلاميا؟

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى