راتب شعبوصفحات مميزة

البيان والتبيين في كلام الجهاديين: راتب شعبو

راتب شعبو

كل ما أظهره كادر الكاميرا في اللقاء الذي أجراه الصحفي “المخضرم” تيسير علوني مع حسان عبود قائد “أحرار الشام”، وعرض على قناة الجزيرة في 8/6/2013، هو أريكتان مرتجلتان متقابلتان واسعتان أكثر مما تستلزم راحة الجالس، وبينهما مسافة أبعد من المسافة المناسبة لمقابلة، وسط جذوع أشجار صنوبر. يتربع الصحفي في أريكة وبيده قلم ودفتر، بينما يتربع “القائد” في الأخرى وإلى جواره رشاش متوسط تزينه جديلة طويلة من الرصاص المنضود.كادر يوحي بأن الصحفي الذي تجشم مشقة الوصول إلى “مرابط” هؤلاء المسلحين في غابات قصية إنما يتعب كي يريح فضول المشاهد فيكشف خفايا ويجلو الغموض. غير أنه  لم يكن في هذا اللقاء الذي استمر حوالي الساعة ما يرضي شوق السوريين لمعرفة شيء واضح ودقيق عن هذه الجماعات التي تَعِد بقيادتهم وفق “منهجها القويم”، والتي تكاثرت بسرعة لافتة واحتلت موقعاً مهماً في السياق السوري حتى راحت تطرح نفسها بديلاً، أو الأصح أنها راحت تطرح نفسها على أنها “البديل”.

كان وجه الصحفي بلحيته البيضاء الخفيفة المهملة، التي لا يبدو أنها تنطوي على رمز عقائدي ما، بقدر ما تماشي موضة دارجة، فاتراً. وكان يطرح أسئلته دونما شهية، وكأنها ليست أسئلته. لم يكن “العلوني” في أسلوبه وفي مضمون أسئلته ومتابعتها على المستوى الذي ينتظره المشاهد من صحفي بمستواه. لم يتابع أسئلته كي يحصل على إجابات شافية، لم يلامس مناطق محرجة ويستفز “القائد” ليخرج ما في باطنه وليظهر حدود “شريعته”، رضي بإجابات لا تحمل إجابات، وسكت عن اضطرابات جلية في الردود، بما يمكن أن يوحي لمشاهد سيء النية أن هذا الصحفي ليس إلا جزء من ماكينة إعلامية خاصة بالجماعة.

أما “القائد” فهو بحسب ما تشير ملامحه وسواد لحيته وشعره، في أوائل الثلاثينات من عمره، بلباس أفغاني ولكن دون غطاء على الرأس، وبملامح راضية ومطمئنة. يعطي أجوبة قطعية تنسجم مع منظر سبطانة الرشاش الممدودة إلى جواره (على عادة المجاهدين). يتكلم بلغة فصحى وبمفردات تميز الجهاديين كما يتميز أصحاب كل مهنة بمفردات خاصة بهم. لا أدري لماذا تشعر أن اللغة العربية تنكمش وتقل مفرداتها حين يتكلم بها هؤلاء الجهاديون. هل تتحجب هي الأخرى فلا يظهر منها إلا مفردات محددة خالية من الإيحاء؟

“لدينا نظام رباني شرعه لخلقه وعباده، وهو استخلفنا في هذه الأرض لنعمرها .. وهذا حق لنا”. يقول قائد أحرار الشام. وهل يمكن الاستعانة بمصادر تشريع أخرى؟ يسأل الصحفي. “شريعة الله كاملة” يجيب الرجل.

–                     ما موقفكم من الديموقراطية؟

–                     الديمقراطية سيف مسلط من الغرب على رقاب القوى التي يريدون تغييبها.

–                     وما هو شكل الحكم بالنسبة لكم، رئاسي، برلماني أم ..؟

–                     شكل حكم خاص بالدولة الاسلامية.

–                     وما هي آليات اختيار الحاكم؟

–                     هناك آليات متنوعة في الدولة الإسلامية لاختيار الحاكم.

–                     ما هو موقفكم من الانتخابات؟

–                     نبين موقفنا في منشوراتنا لاحقاً.

–                     ما هو موقفكم من جبهة النصرة؟

–                     نتفق معهم في نقاط ونختلف في نقاط، نتفق معهم في تكتيكات عسكرية ونختلف معهم في أخرى، لهم طريقتهم ولنا طريقتنا.

–                     ماذا عن حرية التعبير؟

–                     ارجع إلى كتب التراث لترى كم كان الناس يتمتعون بحرية التعبير في الدولة الإسلامية.

–                     وعن حرية المعتقد؟

–                     عاش اليهود والنصارى في كنف الدولة الإسلامية ودوفع عنهم لمئات السنين.

–                     وعن حرية تشكيل الأحزاب؟

–                     إن في الدولة الإسلامية حرية لتشكيل الأحزاب أكثر بكثير مما يتخيلون ومما يروج له أعداء الإسلام.

وبعد كل هذا “البيان والتبيين” ينتقل الصحفي إلى الموضوع السياسي المباشر. الموقف من الهياكل السياسية المعارضة. هيئة التنسيق: عميلة للنظام. الائتلاف الوطني مرتهن للخارج، لا يمثلنا ولم نستشر به مع أننا رقم ليس بالهين.

 ثم يسأل الصحفي ماذا يطلب “أحرار الشام” من النظام كي يوافقوا على التفاوض معه في ظل مآسي الناس المتزايدة وحدود قدرة الناس على الاحتمال وطول أمد الصراع فيما يبدو، وما الموقف من مؤتمر جنيف الثاني. “لا أنصاف حلول لدينا”، يجيب الرجل.

لكن السؤال: هل استشار “القائد” وأخوته الناسَ في خياراتهم القتالية ومواقفهم القطعية، ولاسيما أن هؤلاء الناس هم المادة التي تلوكها رحى الحرب التي تشكل جماعته وأمثالها أحد قطبيها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى