صفحات الرأي

التحالف مع الشيطان.. اليسار الغربي وإشكالية دعم النظام السوري/ فرح عصام

 

 

ليست الحرب السورية مأساة وحسب. إنها جريمة مترامية الأبعاد. ومن الواضح من الملام في ذلك.

أولا، النظام السوري، الذي قابل مطالب المحتجين بالعدالة الاجتماعية والديمقراطية سنة 2011 بالرصاص وزنازين التعذيب، وحينما فشل ذلك، وبدأ المحتجون بمطالبة بشار الأسد بالتخلي عن الحكم، قرر أن بأنّه لن يتردد في إراقة الدماء في سبيل البقاء في السلطة.

ثانيًا، النظام الإيراني، الذي وظف قواته العسكرية وميليشياته لإبقاء الحكومة الأسدية في السلطة وإطالة أمد الحرب، في وقت كان الثوار فيه في ازدياد واستنزفت فيه موارد النظام في مواجهة الانتفاضة الشعبية.

ثالثًا، روسيا. مع أن بوتين وفر الدعم الخارجي للأسد، إلا أنه لم يتدخل عسكريا حتى سبتمبر أيلول من العام الفائت.  تحت وطأة إدراك روسيا أن النظام على وشك الانهيار، وقد مثل التدخل فرصة لتستعرض روسيا قوة سلاحها الجوي الضاربة على المدن المحررة كحلب. وتأكيد جون كيري بأن خطة روسيا في حلب هي ذاتها التي استخدمت في غروزني سنة 1999، حينما دمر سلاح الجو الروسي المدينة بأكملها للتخلص من الثوار، قد يكون محله، وإن كان منافقًا.

الإمبريالية الغربية

ولدينا الغرب. الذي لا يمكننا إلا أن نلومه، لكن ليس للأسباب التي يزعمها كثيرون. كالسردية المهيمنة لدى اليسار الغربي بأن الولايات المتحدة وحلفائها قد دفعوا باستراتيجية ” لتغيير النظام” في سوريا وأنهم مسؤولون عن دعم مقاومة الأسد.

في الحقيقة، العكس هو الصحيح،  حيث برغم التعبير، في العديد من المناسبات، عن التعاطف مع الثوار والعداء للأسد، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تدخر جهدًا عند أي مرحلة لعرقلة إزاحة الأسد.

حيث منع ضباط الاستخبارات الأمريكية في تركيا، الموجودون بالاسم فقط لتمرير مساعدات عسكرية، تدفق الأسلحة الثقيلة تحديدا إلى الثوار، في عدد من المناسبات. كما أن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية كانت أساسية في الرفض الأمريكي تزويد المعارضة بأسلحة مضادة للطيران من السعودية.

وبرغم مجادلة شخصيات بارزة في الإدارة الأمريكية بشأن الأهمية الاستراتيجية لدعم إزاحة الأسد، إلا أن الرأي السائد حتى الآن، والسياسة الفعلية التي اتبعتها إدارة أوباما، متفقون على ضرورة بقاء الأسد في السلطة.

بعد انهيار الهدنة في أيلول سبتمبر، تجدد الحديث عن إمكانية رفع الحظر الأمريكي تزويد المعارضة بصواريخ أرض- جو  سعودية، لكن هذه الخطط كانت على الرف مجددا بحلول منتصف تشرين الأول أكتوبر.

وقد وسم هذا الأسلوب الحرب. فبينما كانت روسيا تتدخل بشكل حاسم في الدفاع عن نظام الأسد، كانت وعود الولايات المتحدة ”بدعم” الثوار قد فشلت مرارًا في أن تصير ملموسة، أو أنها كانت مقيدة ببعض الشروط (كالإصرار على أن يقتصر دور المعارضة، على محاربة داعش عوض النظام، مقابل التسليح) بحيث لا تقدم الأسلحة أي عون في مواجهة النظام.

لا تعكس هذه العرقلة انعدام الكفاءة السياسية وحسب. إلا أنها تعكس أيضًا حقيقة افتقار الولايات المتحدة لدافعية سياسية واضحة في سوريا، في الوقت الذي اعتبر فيه بوتين أن دفاعه عن النظام سيعمق التأثير الروسي في البلاد، مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تكن إعجابا خاصا للأسد، بالأخص وأن أواصر النظام مع روسيا قد تعمقت على مدار الحرب. لكنّها ترفض انتصارًا حاسمًا للثوار بنفس الدرجة. تحديدًا بسبب – على عكس ما يؤكده العديد من مناصري الأسد –  قلّة الشواهد التي تعد باستفادة الولايات المتحدة الأمريكية من الإطاحة بنظام الأسد.

مسؤولية اليسار الغربي

إنَّ انقسامات اليسار الغربي بشأن الموقف الواجب اتخاذه من الحرب السورية كانت مريرةً وواسعة النطاق. وكان صلب المشكلة يكمن في تردد الكثير من اليساريين، أو في بعض الحالات رفضهم القاطع، القبول بشرعية الحراك الثوري الذي اندلع سنة 2011.

وفي أقصى طرف من هذا الرفض يقبع أمثال الأكاديمي في جامعة سيدني تيم آندرسن ((Tim Anderson، الذين يعتبرون نظام الأسد حكومة علمانية، اشتراكية هي جزء من ” محور المقاومة” المعادي للصهيونية والإمبريالية الغربية، وعليه ينبغي الدفاع عنه بأي ثمن.

بالنسبة لهؤلاء، لا يعدو الحراك الثوري أكثر من كونه مؤامرة للاستخبارات الأمريكية منذ يومه الأول، أما جرائم النظام الموثقة ضد الشعب مفبركة ومفتعلة من قبل الإمبرياليين وأتباعهم.

أعاد أندرسن التصريح بهذا الموقف الثابت في مقابلة أجراها مؤخرًا، حيث جادل بأن”الحرب على سوريا لم تكن يومًا حربا أهلية، وإن أقلية ضئيلة من السوريين من شارك فيها، وباعت وطنها لحلف الناتو، وملوك الخليج الفارسي.”

إنّ القوى الرئيسية التي تقف ضد سوريا منذ العام 2011 كانت واشنطن وحلفائها الإقليميين، السعوديين والقطريين، وتركيا وإسرائيل، بالإضافة إلى داعمين آخرين أمثال الأردن، وكندا وبريطانيا وفرنسا.

بحسب أندرسن، الجرائم التي ارتكبها النظام كانت عمليات ”راية مزيفة” – أكاذيب افتعلتها المعارضة. على سبيل المثال، بحسب أندرسن وزملائه، هجوم سنة 2013 على الغوطة بغاز السارين، الذي قتل قرابة 1500 شخصًا، كانت قد نفذته المعارضة للظفر بالتعاطف الدولي، يتجاهل أندرسن وأمثاله التاريخ الطويل من تعاون نظام الأسد (الأب والابن) مع إسرائيل لحفظ السلام، وتعاون بشار الأسد مع جورج بوش خلال ” الحرب على الإرهاب”، والتي كانت خلالها سوريا إحدى الوجهات الرئيسية ” للتسليم”، حيث أرسلت الولايات المتحدة سجناءها للتعذيب الوحشي.

غير أكثر من يدافعون عن الأسد هم أولئك اليساريون الذين يعلمون بعض أو الكثير من جرائم النظام لكنهم مع ذلك يعتقدون أن الولايات المتحدة لا تزال الطرف الأكثر شرًا في الصراع السوري، و/أو أنَّ الواجب الأسمى لليساريين في الغرب هو معارضة حكومات بلادهم فيما يتعلق بسوريا.

وأشد المتطرفين من بين هؤلاء هم صحافيون أمثال باتريك كوكبيرن ((Patrick Cockburn، سيمور هيرش (Seymore Hersh) وروبرت فسك ) (Robert Fisk. الذين يرددون خطاب النظام مع الاعتراف ببعض أسوء فظاعاته. كوكبيرن على سبيل المثال، يجادل بأنه ينبغي على الغرب تشكيل تحالف عسكري مع الأسد وقواته المجرمة لمحاربة المتطرفين الجهاديين.

ومن بين هؤلاء أيضًا، أمثال قيادات حراك تحالف أوقفوا الحرب (STWC)في بريطانيا، الذين يعارضون القصف الروسي لكنهم ” غير منحازين أو أن لديهم موقفا واحدًا من الصراع ككل” مؤكدين أن تركيز اليسار الغربي ينبغي أن ينصب على معارضة الإمبريالية الغربية وحسب.

عادة ما يبرر هؤلاء موقفهم بالرجوع إلى الاشتراكي الألماني كارل ليبكنخت( Karl Liebkneckt)، وهو بطل رمزي للحراك الثوري المعارض للحرب العالمية الأولى، والذي عرف بعبارة ”العدو الرئيسي يقبع داخل الوطن”.

إن المشكلة – حينما يتعلق الأمر بالرجوع لاقتباسات الموتى بهدف استخدامها في النقاشات المعاصرة – هي السياق. فحينما قال ليبكنخت أن العدو هو حكومته لا القوى الإمبريالية، لم يكن وحسب يؤكد على صراع المصالح بين العمال الألمان وحاكميهم، وإنما يصرح أيضا بالتضامن مع عمال روسيا، وبريطانيا والقوى الأخرى التي كانت ألمانيا بصدد شن الحرب عليها. ولأضيف على ذلك، حينما اندلعت الثورة الروسية ضد القيصر سنة 1917، لم يتردد ليبكنخت في دعمها لثانية، على الرغم من أن الحكومة الألمانية كانت مستفيدةً أيضًا من هذه الثورة على المدى القصير، وبالتالي لم يمنعه استفادة حكومته من الثورة البلشفية من التضامن مع عمال روسيا والثوار.

كيف يقاس ذلك على الحاضر؟ إن كانت بريطانيا في حالة حرب مع روسيا، ستكون عبارة” العدو الرئيسي يقبع داخل الوطن” جيدة لليسار البريطاني الذي يحارب حكومته، عبارة لا تعري وحسب مصالح الطبقات المتصارعة في المجتمع البريطاني ولكنها ستؤدي أيضا إلى تضامن عمال بريطانيا مع عمال روسيا ضد البروبجندا الجينغوية لحكّام بلادهم. في السياق السوري، مع ذلك، يجري توظيفها بطريقة تقول لمن يقاومون الأسد ”عدوّكم ليس عدونا. ولأنكم لا تحاربون حكومتنا مثلما نحاربها، لا تهمنا قضيتكم.”

وإحدى النتائج المترتبة على هذا، ستكون بالطبع، في أنها تؤدي للاعتقاد بأن الحكومات الغربية مثل بريطانيا، والولايات المتحدة وأستراليا، هي العدو الرئيسي للشعب السوري. لكن مشكلة هذه الادعاءات أنها تفتقر للدقة. حيث ليس ثمة أدنى شك، بأن الموت والدمار الذي أنزلته الولايات المتحدة بسوريا لا يرقى بأي حال إلى جرائم نظام الأسد وحلفائه من الروس والإيرانيين. لقد وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 9,524 إنسان، وما نسبته 42% منهم مدنيون، وهذه الأرقام فقط بعد القصف الجوي الروسي ما بين 30 أيلول 2015 و7 تشرين الأول 2016.

يقول كريس وودز( Chris woods) من مجموعة رصد تدعى إيروورز Airwars))، ”إنّ معدلات ضحايا الروس على الأرجح تفوق ضحايا قوات التحالف بمعدل 8 إلى 1”. ناهيك عن أن النظام الذي يسانده الروس هو المسؤول عن الغالبية العظمى من القتلى في سوريا منذ العام 2011.

ليس ثمة شك أن الولايات المتحدة مسؤولة عن العديد من الفظاعات في البلاد – بحسب المنظمة، قد تسبب التحالف الذي تقوده أمريكا في مقتل نحو 900 مدنيا على مدى 26 شهرًا من القصف. لكن المنطق المدعو ”معاداة الإمبريالية” يعمد إلى الحديث عن فظاعات القوى الغربية ويغفل عن الموت والدمار الهائلين الذين تسبب بهما النظام وحلفاؤه، والذين تعتبرهم الغالبية العظمى من السوريين العدو الرئيسي.

وبالنظر إلى صعوبة الادعاء بأن القوى الغربية الآن هي التهديد الأعظم للشعب السوري عوض سلاح الجو الروسي، يتمثل النهج الآخر الذي يتبعه المدافعون عن ”معاداة الإمبريالية” في التنبؤ ضمن تحليلاتهم بما ستفعله القوى الغربية في المستقبل (من غزو، إلى شن حرب على روسيا/الأسد وهلمّ جرًا.) إن ذلك لا يبالغ في تطورات محتملة كهذه وحسب، بل إنه يغض الطرف أيضًا عن التدخل الإمبريالي الصارخ لروسيا في سوريا.

في الأسابيع الأخيرة ارتبك موقف معارضي الحرب من اليسار البريطاني بعد حملة شوفينية مناهضة لروسيا أطلقتها فئة من حزب المحافظين. ودعمها خصوم رئيس حزب العمال جيريمي كوربين داخل حزبه. كانت هذه الحملة بعد حملة سابقة نادت بتدخل بريطاني دعمه حزب المحافظين والعمال اليمينيين لاستغلاله في محاولة إضعاف قيادة كوربين.

لكن العنصر الأقبح في هذه الحملة الأخيرة كان نداء وزير الخارجية المحافظ بوريس جونسون Boris Johnson)) لاحتجاجات رافضة للحرب خارج مبنى السفارة الروسية. وقد تعرض تحالف أوقفوا الحرب للهجوم في البرلمان والإعلام لرفضه دعم الاحتجاج.

كان تجمع أوقفوا الحرب محقا في ادعائه أن احتجاجات المحافظين وأتباع بلير”ضد الحرب” هي  في الحقيقة نداءات ” لشن الحرب” من أجل الدفع بالقوات العسكرية البريطانية للاشتباك مع روسيا. لكن إصرار أوقفوا الحرب على أولوية معارضة أي حروب قد تشنها بريطانيا وقو ى إمبريالية أخرى لم تجد طريقها لبناء جدال محكم ضد جونسون – وهكذا نوع من النفاق.

وقد لخص المشكلة، “كريس ناينهام Chris Nineham”. هو ممثل عن أوقفوا الحرب عرف من خلال مقابلته واسعة الانتشار مع البي بي سي، حينما تحدته المذيعة لقول السبب الذي جعل تحالف أوقفوا الحرب يحجم عن الاحتجاج ضد القصف الروسي خارج مبنى السفارة الروسية، ليكتفي بالقول بأن الروس لن يصغوا لمناشداتهم.

لكن الرفض المؤثر بحق، كان لإيمون ماكّان (Eamonn McCann)، عضو مفوضية الشعب شمال إيرلندا. عندما استنكر الحرب الروسية على سوريا بعنف، وتطرق للنفاق المقزز لأولئك العاملين في المؤسستين السياسية والإعلامية والذين ذرفوا دموع التماسيح على حلب، لكنهم هتفوا لتدخلات الولايات المتحدة في اليمن والعراق، ووفروا الغطاء العسكري والسياسي لديكتاتوريات رجعية كالملكية السعودية الغارقة في حروب معاداة الثورات التي تشن في أرجاء المنطقة.

ليس ثمة شكّ بأن الشرق الأوسط بحاجة لجدال محكم ضد التدخلات الإمبريالية. فالهجوم المدعوم من أمريكا على الموصل، في العراق، حيث ستمطر الولايات المتحدة وحلفاؤها المدينة المأهولة بالسكّان بالموت. وتوفر الغطاء العسكري والدعم للقوات الطائفية الشيعية المجرمة بقدر داعش، هو في حيز التنفيذ سلفا، وبالكاد نسمع صوت معارضة له في عواصم العالم الغربي.

لكن مع هذا التناقض في التعامل مع الحكومات العسكرية في دول العالم غير الغربي، سيكون من الصعب على اليسار بناء جدال محكم ضد الحروب الإمبريالية الغربية. والأكثر أهمية، أنه لا يمكن لليسار التضامن مع الصراعات في العالم العربي إن كان معيار دعم النضالات التقدمية أو ردود الأفعال المعارضة للأنظمة الاستبدادية مستندًا إلى تدخل الحكومات الغربية من عدمه.

مشكلة تدويل القضية السورية

على مدى السنوات الأخيرة القليلة، ظهرت فئات واسعة من النشطاء والكتاب عن اليسار الإنجلوساكسوني الذين صمموا على مناشدة التضامن مع الثورة السورية ومواجهة الجدالات التي همشت التضامن السوري في الغرب.

وقد كان هذا تطورًا إيجابيا ومهما. إنما في السنوات الأخيرة تحديدًا، تطورت سطور هذا الجدال ضمن معسكر التضامن بحيث ألحقت الضرر لا باليسار وحسب، وإنما بقضية التضامن مع الثورة السورية.

أولى هذه الأضرار كان التذرع بأن الثورة السورية هي الخط الفاصل للسياسات الحديثة، والتي ينبغي الحكم على كل شيء في ضوئها. إذن لم يعد النزاع متعلقًا بكون الثورة السورية حاسمة للشعب السوري. وإنما أيضا لمستقبل الثورات العربية على المقياس الأوسع وحتى لليسار العالمي ككل. مايكل كاراديس(Michael Karadjis  )، هو أحد أبرز المدافعين عن الثورة السورية ضمن اليسار الأسترالي، وقد جادل بأن الثورة السورية هي النضال المعرف لهذا العصر. قد يكون محقا. لكن هذا لا يعني (وهو ما لا يؤكده كاراديس) أن من الممكن رؤية كل صراع من منظار جدالات الحرب السورية.

ترسخ هذا الرأي، لسوء الحظ، في عدد من الحالات. على سبيل المثال، دعم بعض المتضامنين مع الثورة السورية هيلاري كلينتون ضد مرشحة الخضر جل ستين (jill Stein) (وفي بعض الحالات سابقًا ضد ساندرز) على أساس أن كلينتون عبرت عن معارضة لنظام الأسد ولم تمانع بالتدخل العسكري مثلما فعل اليسار الأمريكي من خلال ساندرز وستين.

وفي موضع آخر، يكتب كلاي كيبورن(Clay Claiborne ) في مدونته التي تحتوي العديد من المقالات الممتازة في الدفاع عن الثورة السورية،”لا يعني هذا أن موقف هيلاري كلينتون أشد تعاطفًا من موقف [جيل ستين]، لكن من حيث كونه سلوكًا عمليا بحتًا، كلينتون محقة في الاعتقاد بحقيقة أن أي حل لا يتضمن الإطاحة بنظام الأسد لن ينجح أبدًا في تحقيق السلام في سوريا.”

وهذه حالة قصوى من التحديق في التفاصيل والإغفال عن الصورة الكبرى. فكلينتون هي محبوبة جناح المحافظين الجدد في المؤسسة العسكرية الأمريكية. إنها تؤيد السياسات العسكرية الأمريكية العدوانية كتلك التي دمرت العراق، وعلى الفور، عقدت تحالفا مع نظام الأسد أثناء حربها على الإرهاب. سياساتها الإمبريالية المفرطة ليس لها علاقة بالتضامن مع نضال الشعب السوري من أجل الديمقراطية.

أما فيما يتعلق بستين وساندرز،صحيح أن بعض تصريحاتهم تعكس نقاشات يعتمد عليها نظام الأسد. لكن هذا، في جانب كبير منه، هو ببساطة انعكاس للإجماع على وجود حرب تشنها الولايات المتحدة على اليسار.

في مقال بالغ الفائدة، تقترح اليسارية الأمريكية لويس برويست((Louise Proycet، أن موقف الخضر اليوم مشابه لموقف الحزب الاشتراكي الأمريكي سنة 1930، زمن محاكمات موسكو،إذ بينما كان الحزب الاشتراكي الأمريكي ستالينيا في غالبيته، اعتبر اليسار المعادي للستالينية أن من الخطأ تحقير الحزب بسبب ستالينيته. من جهة، دافع الاشتراكيون عن الفظاعات التي ارتكبها النظام الستاليني؛ ومن جهة أخرى، في السياق الأمريكي، مثّل الوجود الاشتراكي جزءًا بالغ الأهمية من الصراع مع رؤساء العمل والطبقة الحاكمة. قد لا يمكن التغاضي عن دعمهم للستالينية، ولكن لا يمكننا أيضا التغاضي دورهم في نضال الطبقة الأهلية.

مهما اعتقدت أن الثورة السورية تعرّف جدالات العالم السياسي اليوم، فإنه سيكون من الصعب الجدل بأنها أكثر أهمية من سؤال الستالينية بالنسبة لليسار سنة 1937. مع أن عناصر اليسار الثوري المناوئ للستالينية- أو بعضهم على الأقل – تمكنوا من إيجاد توازن بين ضرورة التصدي الجاد للستالينية وبين الحاجة للتوحد مع أولئك الذين أرادوا محاربة الطبقة الحاكمة وأحزابها في بلدان مختلفة.

ينطبق الجدال ذاته على البريطانيين الذين استنكروا ارتباط كوربين بتحالف أوقفوا الحرب (على سبيل المثال سام حمد(Sam Hamad)، الذي أعلن أنه ”غير متأثر إطلاقا” بالتحدي المفروض مؤخرًا على زعيم حزب العمال). لكن مهما قلت عن نهج تحالف أوقفوا الحرب بشأن سوريا، تظل حقيقة أن ثمة قائدًا في حزب العمال مرتبط بالمنظمة المسؤولة عن مظاهرات الملايين ضد رئيس وزراء حزب العمال السابق، توني بلير، حقيقة بالغة الأهمية.

صحيح أن الأمور كانت لتكون أفضل لو أن كوربين أدلى بتصريحات حاسمة حيال الحرب السورية. غير أن حقيقة أنه لم يفعل ذلك مؤشر على فشل اليسار بشكل عام لا فشله هو.  ما يهم في الوقت الحالي، أن ثمة رئيس حزب عمال متحالف مع حركة مناهضة للحرب. لكن التحدي في ذلك السياق يكمن في تغيير موقف الحركة من سوريا، لا أن نشجب سلوك أول رئيس لحزب العمال من أجيال، إن لم يكن منذ الأزل، يتحالف مع أولئك المناهضين للإمبريالية البريطانية.

نداءات بالتدخل الغربي

منذ بداية الثورة السورية، كان هناك من استنكروا نداءات من داخل سوريا بتقديم المؤازرة العسكرية سواء كانت من أمريكا أو الدول العربية وقد وجدوا فيها إثباتا على نظرية المؤامرة. وقد جادلت ضد ذلك سنة 2012، حين كتبت: ” إن من الخطأ على الثوار السوريين المطالبة، وإن أمكن القول القبول، بأسلحة من الإمبرياليين، أو حلفاء الإمبرياليين، أو أي أحد آخر؟ بالطبع لا. لديهم كل حق للقيام بكل ما يلزم للدفاع عن أنفسهم من آلة التقتيل الأسدية”.

وحقيقة أن الولايات المتحدة قد قدمت ما يقرب صفرا من الأسلحة لقوات الثوار، ومنعتهم على نحو فعال من الحصول على الأسلحة الثقيلة من مصادر أخرى، هي إحدى الأسباب لبقاء النظام حتى اللحظة.

لكن مطالبة الولايات المتحدة رفع الحظر عن الأسلحة من أجل الثوار شيء. ومطالبتها هي وبريطانيا، كما يفعل بعض المناصرين للثورة السورية، بفرض منطقة حظر طيران قد تتسبب في اندلاع صراع يمتد إلى حرب أوسع، هو شيء آخر. إن هكذا نداءات متفهمة تمامًا في ضوء الرعب الأسدي/الروسي، لكنها في غير محلها.

إن غيرت الولايات المتحدة سياستها وأخذت هكذا خطوة بالحسبان، فإنه لن يكون بغرض حفظ الأرواح في حلب أو أي مكان آخر. عوض ذلك فإنه سيمثل محاولة كبرى لتوكيد القوة الأمريكية الإمبريالية في المنطقة بعد تقلص النفوذ الأمريكي بشكل ملحوظ منذ حرب العراق.

التدخل الأمريكي المباشر سيكون كارثيا للمدنيين في سوريا وللثورة أيضا. لم تعد الولايات المتحدة مهتمة بالديمقراطية أو العدالة الاجتماعية على حساب علاقتها مع روسيا، وهذا ما يشهد له تعاونها السابق مع نظام الأسد.

المستقبل:

على الصعيد الدولي، حركة معارضة الحرب في انحسار. كذلك هو التضامن الدولي مع ما تبقى من الثوار العرب. يحق لتحالف أوقفوا الحرب في بريطانيا الفخر لأنه أبقى حركة مناهضة الحرب حية حينما فشل كثر – بمن فيهم نحن في أستراليا – في فعل ذلك.

لكن الحقيقة أن وهج حركات مناهضة الحرب التي ولدت إثر حرب العراق سنة 2003 قد انحسر قبل وقت طويل. لقد ناضل اليسار المعادي للإمبريالية منذ ذلك الحين، ولا أكثر من نضالهم مع نتائج ثورات الربيع العربي، الذي مزق الصيغ القديمة التي وضعت المؤامرات الإمبريالية حجر أساس للسياسات وتجاهلت إمكانية أن تمتلك الشعوب العربية مصيرها.

لكي يتوهج اليسار في المستقبل، علينا التضامن مع الحركات المقموعة في العالم العربي (وما وراءه)، وفي نفس الوقت تشكيل التحالفات الضرورية في الغرب لترحل حكومات الأقليات التي تحكم بلدانا بتمثيل 1%. ” مناهضة الإمبريالية” القديمة التي استهدفت الغرب وحسب لن تقوم بذلك. ولن تفعل ذلك أيضا السياسات التي تخضع المسائل الداخلية في الغرب لامتحانات كشف للسياسات الدوليةـ أو التي تسمح بأن يتحول العداء لروسيا إلى اتفاق مع الإمبريالية الغربية.

ميدان

https://redflag.org.au/node/5559

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى