صفحات سوريةفايز ساره

التحدي السوري في تركيا!/ فايز سارة

 

 

 

حدثت في الآونة الأخيرة تطورات متباينة تتصل بالوجود السوري في تركيا. من بينها، كان الأهم هو تحركّات ضدّ سوريين في عدد من المدن التركية، تجلّت بتظاهرات واعتداءات على ممتلكات وأشخاص سوريين، وممارسات ذات طابع عنصري. استتبعت تلك التحركات تحركات سورية – تركية مضادة، اتخذت بصورة عامة طابعاً إيجابياً من الجانبين، هدفت في المقام الأول إلى محاصرة تلك التحركّات وتهدئة الوضع من جهة، وإلى توجّه تركي لإعادة تنظيم وجود السوريين الذين اقترب عددهم من مليون ونصف المليون، منهم نحو سبعين ألفاً في اسطنبول وحدها وفق تقديرات تركية.

وبطبيعة الحال، فإن هذه التحركات وما أعقبها، لم تكن خارج التوقعات، بل هي تطورات عادية في سياق ما أفرزته حركة الوافدين السوريين وانتشارهم في تركيا، ولاسيما في مدن وقرى تجاور الحدود مع سوريا أو قريبة منها مثل غازي عنتاب أو في اسطنبول كبرى المدن ومركزها الرئيس. وقد شكل هذا الوجود ضغطاً على بعض الخدمات والسلع، فارتفع أجار المساكن والمحال التجارية، وأثّر على أجور العمالة في قطاعات، منها الخدمات والصناعة والأعمال الزراعية، التي استوعبت عمالاً سوريين وخبرات، كانت أجورهم أرخص من أقرانهم الأتراك. كما أظهر الوجود السوري تبايناً في عادات وتقاليد وطرق عيش واهتمامات بين السوريين والأتراك، وتركت العلاقات المباشرة بعضاً من سلبيات التعامل، رغم أن أكثر العلاقات كانت إيجابية الطابع بين الجانبين.

غير أن الأهم في ما حدث، أنه لم يكن بعيداً عن الاستغلال السياسي من قبل أطراف سورية وتركية لها أجندات وغايات، جعلت من الوجود السوري في تركيا وسيلة لأهداف، لا تتصل بهم بصورة مباشرة. ففي المقام الأول ثمة أطراف سورية أبرزها عملاء نظام الأسد والجماعات المتطرفة، ترغب في نشر فوضى وقلاقل، تستفيد منها لتمرير مشروعاتها في سوريا عبر الأراضي التركية، وثمة أطراف تركية، ومنها جماعات سياسية معارضة، تسعى لجعل الوجود السوري أداة في صراعها مع السلطة الحاكمة خاصة على أبواب معركة الرئاسة المقبلة.

ويفتح ما حدث الأبواب نحو تدخلات سورية – تركية لمعالجة تداعيات ما حصل بصورة تتجاوز الإجراءات التي تمت، والتي يمكن القول أنها ذات طابع إسعافي. فبعد التصريحات التركية الرسمية والشعبية بنبذ التطرف والعنصرية، ورفض العنف ضد وافدين سوريين، وتأكيد أخوة الأتراك للوافدين، وجمع العاطلين عن العمل والهامشيين من المدن، وأخذهم إلى المخيمات، وكلها قوبلت بترحيب سوري رغم بعض حذر من بعض الأوساط، التي باتت تتخوف من تطورات أكثر سلبية على الوجود السوري في تركيا.

وتطرح الوقائع والتخوفات والإجراءات الإسعافية ضرورة الذهاب إلى إجراءات ذات طابع استراتيجي مستقبلي تركي- سوري، يقوم فيه الأتراك بتوسيع هامش تحرك السوريين بفعالياتهم الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والثقافية، ليلعبوا دوراً اكثر فعالية في تلبية احتياجات الوافدين للعمل وللحصول على خدمات تلبي احتياجاتهم، دون أن تؤدي إلى استقرارهم بصورة نهائية في تركيا، ومن شأن ذلك أن يقيم توازناً داخلياً في صفوف الوافدين من جهة، ويفتح أفقاً على علاقات مستقبلية أفضل من جهة ثانية. ويترتّب على الطرف السوري التفاعل بصورة إيجابية مع الإجراءات التركية، واستيعاب المضمون الإيجابي لهذه الإجراءات، والمضي نحو انفتاح واسع باتجاه الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع التركي، ولجم كل المظاهر العنصرية وتفاعلاتها في الأوساط السورية، كما يحتاج الأمر إقامة توافق واسع مع القانون ومجموعة العادات والتقاليد السائدة في المجتمع التركي واحترامها.

وما يشجع المضي على هذا الطريق، تأكيد استمرار السياسة الإيجابية التركية في المستويين الرسمي والشعبي، والتي تقابل بموقف إيجابي في أوساط الوافدين، مقترناً بعمل جاد تتزايد تعبيراته سعياً نحو تنظيم التجمعات السورية في المناطق التركية لخلق مرجعيات محلية للوافدين من جهة، وإيجاد هياكل وأوعية ترسم وتنظّم العلاقات السورية– التركية في الوقت الحالي وللمستقبل من جهة ثانية، ويمكن لهذا الجهد المساعدة في لجم ما يمكن من تحرّكات سلبية تأتي من جانب تركي أو سوري على نحو ما حدث في السابق، إضافة إلى أنه يخلق أطراً، تفتح نحو علاقات أكثر إيجابية في الواقع والمستقبل، ولن ننتظر طويلاً حتى تظهر نتائج ما يجري التداول به والعمل عليه في أوساط السوريين بتركيا.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى