صفحات سورية

التحول الجديّ لطبخة التسويات السياسية للأزمة السورية

 

علي الرشيد

بناء على التطورات المتسارعة والإشارات المتزامنة التي حدثت في الأيام القليلة الماضية، يمكن القول إن الأزمة السورية قد بدأت الدخول الجدي في معترك بارز التفاوض بحثا عن حل سياسي، بين النظام السوري وداعميه من جهة، والمعارضة السورية والدول الإقليمية والدولية التي تؤيد حراكها.

 

فماهي أهم هذه الإشارات والجهات الصادرة عنها، وما أسباب التحول والرسائل أرسلت في إطارها، وإلى أيّ مدى يمكن أن تفضي إلى حلّ لهذه الأزمة السورية، بعد مواجهة النظام الدموية والشرسة لثورة شعبه التي مضى عليها ما يزيد على عشرين شهرا.

أهم هذه الإشارات والمواقف والتصريحات صدرت عن ثلاث جهات هي: النظام السوري وداعميه (النظامان الروسي والإيراني” خلال فترة متقاربة جدا:

ـ نائب وزير الخارجية الروسي ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف: “الحكومة السورية تفقد سيطرتها على البلاد أكثر فأكثر، ولا يجوز استبعاد احتمال انتصار المعارضة”، رغم أن الروس حاولوا التنصل من هذا التصريح.

ـ نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في مقابلة معه: “ليس صحيحاً على الإطلاق أن بإمكان كل المعارضات أن تحسم المعركة على أساس إسقاط النظام إلا إذا كان هدفها إدخال البلاد في فوضى ودوامة عنف لا نهاية لها. ولا أرى أن ما تقوم به قوات الأمن ووحدات الجيش سيحقق حسماً”

“ربما لم نكن من قبل نستمع جيداً أو نقبل بملاحظات حول ضرورة التغيير السريع. لكننا نتعلم من تجربتنا ومن تجارب الآخرين. وندرك اليوم أن التغيير أمر مفروغ منه. إذا لم تأخذ السلطة زمام المبادرة لتحقيقه مع الآخرين فإن التغيير سيحصل بإملاءات أحادية منهم”.

“إنجاز التسوية التاريخية للأزمة السورية قد يمهد الطريق لتحقيق مناخ دولي يعالج قضايا هامة أخرى بالطرق السياسية وليس بالمواجهة العسكرية”.

ـ معارض سوري شيوعي (فاتح جاموس) يجري التلفزيون السوري الرسمي حوارا غير مسبوق معه منذ خمسين عاما، انتقد فيه ممارسات النظام واستبداده وقمعه بشكل صريح.

ـ روسيا تطلب لقاء عاجلا مع الائتلاف الوطني، وإيران تطرح مبادرة من ستة بنود لحل القضية السورية.

أما أسباب التحول من موقف” سننتصر “إلى موقف ” لا أحد سينتصر أو يمكنه الحسم”، والرغبة في التفاهم مع المعارضة والبحث عن التسويات السياسية، فهي واضحة وتأتي في سياق رغبة الأسد وداعميه في البحث عن حل ومخرج سياسيين لورطتهم بعد أن تيقنوا أن الكفة تميل بقوة لصالح الثوار خصوصا في حلب ودمشق، وأن انهيار النظام بات وشيكا بعد الانتصارات العسكرية القوية والمتلاحقة للجيش الحر، رغم الدعم الكبير الذي لقيه من قبل موسكو وطهران على مستوى المال والسلاح والدبلوماسية.

يبدو أن فرص الحل السياسي للأزمة السورية عبر بوابة القوى الإقليمية والدولية ستحظى بالدعم وستكون لها حظوظا معقولة من التحقق، وذلك لعدة أسباب:

ـ التقاء رغبات الروس والإيرانيين ومعهم الصينيون وقوى حليفة لهم ـ بعد التطور الأخير في مواقفهم ـ مع الرغبة الأمريكية والغربية التي كانت تبحث عن حل سياسي للأزمة وتنأى عن أي تدخل عسكري في سوريا، وحجتها المعلنة عدم الإخلال باستقرار المنطقة، الذي قد ينتج عن وقوع فوضى محتملة أو الانزلاق إلى حرب أهلية، وحجتها المضمرة ضمان أمن إسرائيل، وإيجاد تسوية وفق منطق ‘لا غالب ولا مغلوب”، وعدم تمكين الثورة السورية من تحقيق نصر كامل، والتخويف من الجماعات الجهادية ودخول سوريا والمنطقة بسببها في أتون التطرف الإسلامي، رغبة في عدم تمكين الإسلاميين من الوصول إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع في مرحلة ما بعد سقوط النظام كما حصل في مصر وتونس.

ـ ضعف المعارضة السورية وعدم تجانس مواقف مكوناتها، وتشرذم مواقفها، وغياب الثقة فيما بينها، ووجود هوة بينها وبين الحراك الثوري والعسكري الداخلي، وعدم قدرتها على اتخاذ القرارات الحاسمة خصوصا في ظل (ائتلاف المعارضة) الجديد.

لكن يبقى أن من سيكون له دور حاسم ومهم في تحديد المصير النهائي لهذه التسويات، بما في ذلك الرفض، أو التدخل في تفاصيلها الفنية هو سرعة الحسم الذي يمكن أن يحققه الثوار على الأرض، قبل نضج طبخة هذه التسويات، وذلك على ضوء الانتصارات المتلاحقة التي يحققونها في الأسابيع الأخيرة، ووقوفهم صفا واحدا أمام الشروط قد تفرضها الأجندات الدولية والإقليمية، والتي قد لا تصب في مصلحة الثورة، وتناغم مواقف معارضة الخارج (ائتلاف المعارضة والمجلس الوطني السوري) مع الحراك الثوري الداخلي إزاء ذلك.

(صحفي سوري)

الشرق القطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى