صفحات العالم

التدخل البري السعودي في سورية –تحليلات ومقالات-

التدخل البري السعودي في سوريا/ عبد الرحمن الراشد

تصريح مثير للمتحدث والمستشار العسكري لوزير الدفاع، العميد أحمد عسيري، عن استعداد الرياض للقتال في سوريا برًا أثار الكثير من التساؤلات، فهل هو تبدل في السياسة الخارجية؟ ولماذا نقاتل في أرض بعيدة؟ ولماذا نقاتل مع التحالف الدولي؟ وإذا كانت هناك الرغبة فلماذا لا نقاتل نظام الأسد الأكثر إجرامًا؟

القتال برًا في سوريا يبدو أنه توجه جديد، كونها المرة الأولى التي يطرح فيها الحديث بمبادرة من الجانب السعودي، وبشكل صريح، أن هناك استعدادًا للمشاركة في الحرب البرية لمقاتلة تنظيم داعش في سوريا. في السابق، كانت هناك إيماءات عن استعداد السعودية للمشاركة دون تحديد طبيعة المهام. لكن القتال في سوريا قائم، فالسعودية منذ العام الماضي عضو في التحالف الدولي الذي يقاتل جوًا التنظيمات الإرهابية في سوريا.

أما لماذا القتال ضمن التحالف الدولي؟ فمن بين الأسباب، قانوني. على السعودية إما أن تحصل على موافقة من نظام الأسد في سوريا، كما تفعل روسيا اليوم، وهو أمر مستحيل أن تطلبه الرياض ومستبعد أن توافق عليه دمشق، أو تأذن به الأمم المتحدة، كما يحدث حاليًا في اليمن، حيث تحارب القوات السعودية بموافقة من مجلس الأمن. لهذا يمنحها التحالف الدولي الغطاء الشرعي، ويمثل منظومة متكاملة من ثلاث عشرة دولة.

أما ما الذي يهم السعودية حتى تقاتل «داعش» في سوريا، فإنها مثل الكثير من الدول، تعرف أن التنظيم سيستهدفها في مرحلة لاحقة. ويعتقد أن الكثير من السعوديين المغرر بهم، بالمئات، يقاتلون هناك، وقد حاول بعضهم العودة وتنفيذ عمليات إرهابية داخل السعودية. كما أن أدبيات «داعش» صريحة في معاداة السعودية واستهدافها، كما كانت تفعل «القاعدة» من قبل.

والسؤال الأكثر إحراجًا، لماذا نحارب «داعش» ونترك نظام الأسد الذي ارتكب أكبر جرائم قتل وتدمير في تاريخ المنطقة؟ أولاً السعودية ليست دولة مجاورة لسوريا، بل يفصلها عنها العراق والأردن. وثانيًا، لا تستطيع القتال هناك دون تفويض دولي وإلا اعتبر عملاً عدوانيًا، وله تبعات خطيرة. هذه تركيا حاليًا ومنذ فترة تقاتل «داعش» داخل العراق وسوريا، لكنها لا تقاتل النظام السوري رغم غضبها منه منذ بداية الأزمة قبل خمس سنوات. ولتركيا أطول حدود مع سوريا، وتملك واحدًا من أكبر جيوش العالم، سبعمائة ألف جندي محترف، ويصل إلى مليون فرد مع احتساب الاحتياط، ومع هذا تركيا ملتزمة بالقوانين الدولية، فلا تتدخل عسكريًا.

مقاتلة «داعش»، عمل سياسي لا عسكري فقط. ستلغي ذريعة الروس والإيرانيين التي جعلوها لهم حجة لتدمير المعارضة السورية الوطنية، التي لا علاقة لها بالجماعات المتطرفة والمقاتلين الأجانب، بل إن إضعاف «داعش» بالقضاء على معظم مقاتليه، سيعزز وضع المقاومة السورية التي طالما استهدفها المتطرفون وقوات نظام الأسد وحلفاؤه، كما نرى الوضع في محافظة درعا جنوبًا، حيث ينشط حلفاء النظام السوري في ضرب «الجيش الحر» تحت أكذوبة أنهم تنظيمات متطرفة.

وعند وضع تصريح العميد عسيري في إطاره، يبدو واضحًا أن السعودية مستعدة للدخول إلى سوريا بشرطين؛ توفر إرادة دولية، وضمن منظومة عسكرية كبيرة.

*نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”

 

 

موقف الدوحة «الحذر» بين الرياض وطهران

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

نشرت صحيفة «المونيتور» مقالا تحليليا للكاتب «جورجيو كافييرو»، تناول خلاله معالم السياسة الخارجية القطرية في ظل التصعيد القائم بين السعودية وإيران.

ورصد المقال ارتفاع درجات الحرارة الطائفية في الشرق الأوسط، وتزايد التنافس الجيوسياسي السعودي الإيراني في أعقاب إعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر»، والذي يدفع زعماء الدول العربية الخليجية في كثير من الأحيان إلى استدعاء مفهوم الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي. ووفقا للكاتب، فإن التحليل الأعمق يكشف أن معظم الإجراءات الدبلوماسية التي اتخذتها الممالك الصغيرة في شبه الجزيرة العربية ضد طهران في يناير/كانون الثاني الماضي كانت حذرة ومحسوبة وتهدف في نهاية المطاف إلى تعزيز المصالح الوطنية لكل دولة، وليس التأكيد على التضامن بين دول مجلس التعاون الخليجي.

وأشار الكاتب إلى أن قطر، التي استدعت سفيرها في 6 يناير/كانون ثان، ولكنها لم تقطع علاقاتها مع طهران، هي مثال على ذلك. ففي حين أشارت اللفتة الدبلوماسية التي اتخذتها الدوحة ضد طهران إلى تضامن مع المملكة العربية السعودية، فإن محدودية هذه الخطوة لا تزال تشير إلى أن الدوحة تواصل توخي الحذر في تعاملها مع التنافس الجيوسياسي بين السعودية وطهران. حيث يبدو أن القطريين يسعون إلى الالتزام بأجندتهم التقليدية للسياسة الخارجية باللعب خارج نطاق الأجندات المتعارضة للقوتين الكبيرتين بهدف الحفاظ على مصالحهم الخاصة، وفقا للصحيفة.

وأشارت الصحيفة إلى أنه، في عهد الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (1995-2013)، تعمقت العلاقات القطرية الإيرانية بشكل كبير. وقد أسهمت علاقة الدوحة مع طهران بالإضافة إلى دعمها لجماعة الإخوان المسلمين والدور المؤثر الذي تقوم به قناة الجزيرة القطرية في إغضاب المملكة العربية السعودية، والتي طالما اتهمت الدوحة بمتابعة مصالحها الخاصة على حساب الأمن الجماعي لدول مجلس التعاون. ويرصد الكاتب أن المملكة العربية السعودية قد اعتادت النظر إلى قطر باعتبارها شوكة في جانبها، وعلى أنها، على الرغم من صغر حجمها، تمثل تحديا لموقف الرياض باعتبارها مرتكزا للنظام الجيوسياسي في منطقة الخليج. مشيرا إلى أنه بعد اندلاع الربيع العربي في جميع أنحاء المنطقة في عام 2011، فإن العديد من المحللين قد أشاروا إلى التنافس القطري السعودي. في ذلك الوقت، كانت الدوحة والرياض تتنافسان من أجل ملء الفراغ السياسي في دول مثل مصر وسوريا، على أساس رؤى متباينة لمستقبل العالم العربي السني.

ووفقا للمقال فإنه، وعلى الرغم من أن تنامي العلاقات القطرية الإيرانية قد ساهم في إذكاء التوتر بين الدوحة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فقد كان من المنطقي بالنسبة إلى دولة قطر أن تسعى إلى تحقيق علاقة تعاونية على نحو متزايد مع طهران، بالنظر إلى المصالح الاستراتيجية للإمارات وطموحاتها. إضافة إلى أن هناك تاريخ مضطرب من العلاقات بين القطريين والسعوديين ينطوي على النزاعات الحدودية والتدخل المزعوم للرياض في سياسة القصر داخل الدوحة طوال فترة التسعينيات، ما دفع قطر إلى تشكيل أولوياتها الخاصة بعيدا عن المدار الجيوسياسي للرياض.

ووفقا للكاتب، فإن العلاقات العميقة مع إيران تعد وسيلة لتحقيق هذا الاستقلال. الأقلية الشيعية الصغيرة في قطر، والتي حافظت تاريخيا علاقات إيجابية مع الأغلبية السنية، لم تكن أبدا معرضة لنفوذ إيراني كبير. ونتيجة لذلك، فإن المسؤولين في الدوحة، على عكس نظرائهم في الرياض والمنامة، لم يشعروا بالتهديد من قبل ثورة شيعية محتملة مستوحاة من الثورة الإيرانية في قطر.

ووفقا للمقال، فإنه، على النقيض من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فإن قطر غالبا ما ينظر إليها كجزء من الحل بالنسبة إلى معضلات الأمن الإقليمي. على سبيل المثال، في عام 2010، وقعت الدوحة اتفاقا ثنائيا مع طهران يهدف إلى مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون الأمني. في وقت سابق قبل أربع سنوات، فقد كانت قطر هي العضو الوحيد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي قام بالتصويت ضد القرار 1696، الذي دعا إيران الى وقف برنامج تخصيب اليورانيوم.

وأشار الكاتب إلى أن العلاقات الاقتصادية مع إيران تمثل أيضا عاملا مهما في حسابات الدوحة الاستراتيجية. مع اشتراكها مع إيران في حقل جنوب بارس (أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم)، فإن القيادة القطرية كانت لديها دوافع لمعالجة المشاكل في العلاقات العربية الإيرانية عن طريق الحوار بدلا من العداء. حيث إن أي نزاع عسكري في الخليج يضم إيران يهدد جهود تطوير حقل جنوب بارس بين كل من الدوحة وطهران. وبالتالي، لم يكن من المفاجئ أنه بعد توصل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا إلى اتفاق نووي مع طهران، فقد سارع وزير خارجية قطر إلى الترحيب بالصفقة مؤكدا أنها سوف تجعل الشرق الأوسط أكثر أمانا، وفقا للكاتب.

وأشار المقال إلى الأزمة التي شهدتها قطر بعد أن استدعت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة سفرائها من الدوحة. جاءت هذه الأزمة بفعل التوترات المذكورة آنفا بين قطر وهذه الدول الخليجية، والتي اتهمت الدوحة بالتدخل في شؤونها الداخلية. قامت المملكة العربية السعودية بتهديد قطر بالتعرض إلى حصار بري وبحري. ويشير الكاتب إلى أنه، ومع إدراكه أن قطر قد دفعت ثمنا كبيرا للسياسة الخارجية المثيرة للجدل لوالده، فقد قام أمير قطر الشاب، الذي ورث العرش في عام 2013 بعد تنازل والده، بجهود كبيرة لإصلاح العلاقات القطرية السعودية. وبحلول نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014، كانت دول مجلس التعاون الخليجي الثلاثة قد أعادت سفراءها إلى الدوحة.

وقد ساهم التوافق بين قطر والمملكة العربية السعودية بخصوص الأزمات في كل من سوريا واليمن في التخفيف التوتر بين البلدين. جاء ذلك بالإضافة إلى توجه العاهل السعودي الجديد الملك «سلمان بن عبد العزيز» إلى تخفيف لهجة المملكة تجاه جماعة الإخوان المسلمين، حيث بدأ ينظر إلى المجموعة الإسلامية بوصفها حليفا مفيدا إلى حد ما في حملته لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. لهذا السبب، فقد نظر «سلمان» إلى قيام قطر وتركيا بدعم جماعة الإخوان المسلمين بدرجة من القلق أقل بكثير مقارنة بسلفه الراحل.

وأشار المقال إلى أنه، وفي هذه المرحلة الحساسة، تبدو الدوحة عازمة على تحقيق أكبر توازن ممكن يمكن قطر من جني كل الفوائد الممكنة من وجود علاقة تعاونية على نحو متزايد مع إيران، وفي الوقت نفسه، نزع فتيل التوتر مع المملكة العربية السعودية. وقد ظهر هذا التوازن بوضوح إلى المشهد في أعقاب قيام مئات من الإيرانيين بنهب السفارة السعودية في طهران. قامت قطر باستدعاء سفيرها في إيران كبادرة للتضامن مع المملكة العربية السعودية. ولكن لم تحذ حذو البحرين والسودان بقطع العلاقات بشكل كامل. وقد كانت قطر أيضا هي الدولة الأخيرة ضمن دول مجلس التعاون الخليجي التي سارعت في اتخاذ خطوات ضد طهران، كما أن قدوم الإعلان من قسم العلاقات الأسيوية في وزارة الشؤون الخارجية، وليس من العائلة المالكة، يؤكد كيف يجيد القطريون استخدام بطاقاتهم. ولم يغب في المعادلة حقيقة أن في ديسمبر/كانون أول الماضي، اتخذت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق أسرى من أعضاء العائلة المالكة في قطر، الأمر الذي دفع الدوحة إلى تجنب الإفراط في استعداء إيران.

ووفقا للمقال، فإنه بينما يتصاعد العداء بين الرياض وطهران، مسببا المزيد من التوترات الطائفية في منطقة الشرق الأوسط، ليصل إلى أعلى مستوياته منذ الحرب بين إيران والعراق، فإن الأعضاء الأصغر سنا بين دول مجلس التعاون الخليجي مثل قطر يواصلون الشعور بحرارة هذا التصعيد. ويبقى أن نرى إلى أي مدى يمكن أن تستمر قطر في موازنة علاقاتها مع المملكة العربية السعودية إلى جانب مصالحها مع إيران من دون أن تلجأ إلى اختيار أحد الجانبين، وبخاصة في الوقت الذي تواصل فيه قطر الانضمام إلى السعوديين في شن حروب بالوكالة ضد إيران في سوريا واليمن، وفي الوقت نفسه تسعى إلى تعزيز الحوار مع إيران بعد رفع العقوبات والتعاون في قطاعات الطاقة.

المصدر | المونيتور

 

 

 

ثلاثة ملامح رئيسة للسياسة الخارجية السعودية/ بدر الراشد

تأخذ معالم السياسة الخارجية السعودية بالتشكّل على وقع التطورات الإقليمية، وبغرض مواجهة النكبات التي تعاني منها المنطقة.

ويمكن قراءة ما يحدث في أروقة السياسة السعودية، من خلال تتبع مبادرات المملكة في المنطقة خلال العام 2015، وبعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز سدّة الحكم، خصوصاً في ظل غياب أي منظرين ظاهرين للسياسة السعودية الخارجية، على عكس ما يحدث في دول أخرى.

أولى ملامح السياسة الخارجية السعودية، أنّها باتت أقل تعويلاً على الولايات المتحدة الأميركية، إن كان في حفظ أمن المنطقة، أو في تحقيق مصالحها على المدى البعيد. ظهر هذا التباعد بصورة واضحة، بعد تغيب الملك سلمان عن اجتماع كامب ديفيد في مايو/أيار 2015، والذي أوضح فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما ملامح سياسته للقادة الخليجيين، ونصحهم بالتركيز على شؤونهم الداخلية. ما عدّه مراقبون على نطاق واسع، خطاباً استفزازياً، يتجاهل مخاوف الخليجيين من التدخلات الإيرانية في المنطقة.

يتجلّى عدم تعويل الرياض على واشنطن، من خلال ثلاث نقاط رئيسية، الأولى: استقبال الرياض الحذر للاتفاق النووي مع إيران، باعتباره اتفاقاً أراده الأميركيون بأي ثمن، مقابل تشكيك الرياض بأن يكون للاتفاق أثر على أعمال طهران العدوانية في المنطقة. بل على العكس، تعتقد الرياض أن رفع العقوبات عن إيران بدون تسوية سياسية تحدّ من تدخلاتها في الشؤون العربية، قد يؤدي إلى تدخل إيراني أكثر، من خلال زيادة قدراتها على تجنيد ودعم ميلشياتها في العراق وسورية ولبنان.

النقطة الثانية، تتعلق بالتدخل السعودي المباشر في اليمن، من خلال بناء التحالف العربي. الولايات المتحدة لم ترفض هذا التدخل، بحسب مراقبين، لكنها لم تؤيده أو تقف معه بالشكل المتوقع من حليف.

النقطة الثالثة التي تدل على تباين المواقف بين الرياض وواشنطن، ترتبط بتمسك الأولى بمواقفها من الثورة السورية، وإصرارها على رحيل رأس النظام، بشار الأسد، وفق تسوية تبعد دمشق عن طهران. هذا الإصرار لم يكن خطابياً، بل ترجمته الرياض على شكل دعم سياسي للمعارضة السورية، حتى أصبحت تتحدث من الرياض بعد اجتماعات تشكيل هيئة المفاوضات العليا، واستمرار الدعم العسكري للمعارضة المسلحة، مما يعني أن الرياض لن تقبل حلاً أميركياً يحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، دون رحيل الأسد. وعوضاً عن أن تمضي الرياض مع الإرادة الأميركية التي ترفع شعار «الإرهاب أولاً» اختارات التلويح بورقة «الأسد أولاً\».

ثاني ملامح تغير السياسة الخارجية السعودية، يتجلى في إعادة الرياض الاعتبار لمحيطها الخليجي والعربي لدعم سياساتها. ويظهر هذا بشكل واضح من خلال محاولة عزل إيران إقليمياً، عبر بناء توافق خليجي وعربي ضد إيران، إثر قطع الرياض لعلاقتها الدبلوماسية مع طهران، بعد الاعتداءات على المقرّات الدبلوماسية السعودية. وإن كان هذا العزل الإقليمي جاء متأخراً، ولم يعد ورقة رابحة في مواجهة إيران، بعد رفع العقوبات الدولية، وانفتاح إيران على الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا، ولكن تبقى خطوة إيجابية، وإن تقلصت آثارها.

ردّ الرياض الاعتبار إلى المحيط الإقليمي، لم يكن محصوراً في المحيط العربي، بل شمل تركيا، والتي تعد ورقة رابحة للرياض، في مواجهة الهيمنة الإيرانية على العراق وسورية. فلعب التوافق السعودي – التركي – القطري، دوراً مهماً على الساحة السورية. كما تحاول الرياض أن تستميل أنقرة في صفها، في المواجهة الإقليمية ضد طهران.

أنقرة، التي لا تفضل أن تنحاز في صراع يمكن قراءته طائفياً، أو الدخول في تحالف «سني» ضد محور «شيعي»، لن تتسامح أيضاً مع الفوضى التي خلقتها طهران على حدودها مع العراق وسورية؛ فالمليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً، قد تستخدم كورقة ضغط على تركيا، ما لم تقم بخطوات استباقية، لإعادة تشكيل تحالفاتها في المنطقة.

وتحاول السعودية اليوم المضي خطوة إضافية في سبيل التحالف مع تركيا، من خلال الضغط من أجل مصالحة تركية – مصرية، تراها السعودية ضرورية لتنسيق جهود دول المنطقة ضدّ إيران. ورغم أن كل التسريبات حتى اللحظة تدل على أن مصالحة من هذا النوع ليست منتظرة في القريب العاجل، إلا أن مجرد السعي لتطبيع العلاقات التركية المصرية، يعني أن هناك إمكانية، لتخفيف حدة الخلاف.

ثالت ملامح السياسة الخارجية السعودية، تمكن قراءته من خلال استخدام المملكة للقوة العسكرية المباشرة وغير المباشرة للتأثير في الأوضاع الإقليمية، وهو ما لم تفعله الرياض لعقود. إذ إن تدخل الرياض المباشر في اليمن من خلال التحالف العربي، وغير المباشر في سورية من خلال دعم المعارضة عسكرياً وسياسياً، تدلّ على سياسة خارجية سعودية أقل تحفظاً، وأكثر ديناميكية.

لسنوات طوال، تم انتقاد الرياض، بسبب تركيزها على بناء قوة عسكرية كبيرة، دون أن تستخدمها في سياستها الخارجية، أو تلوح باستخدامها على الأقل، اليوم يبدو أن هذا شيء من الماضي.

تبدو أجندة الرياض السياسية اليوم في المنطقة أكثر وضوحاً من أي وقت مضى؛ فهي لا تطلب إقصاء الحوثيين من المشهد السياسي في اليمن، غير أنّها ترفض تكرار تجربة حزب الله اللبناني، باعتباره فصيلاً مسلحاً مؤثراً في الساحة السياسية، لذا ترغب بأن يكون الحوثي طرفاً سياسياً، غير مسلّح، كأي حزب سياسي.

في سورية، لا تريد الرياض تكرار خطأ الولايات المتحدة في العراق، من خلال حل مؤسسات الدولة السورية، المدنية والعسكرية، لذا تحرص على مقررات جنيف 1، والتي تدعم رحيل الأسد وكبار معاونيه، مقابل بقاء مؤسسات الدولة، وإعادة بناء النظام السياسي في سورية من خلال مرحلة انتقالية، لا تقصي أحداً من المشهد السياسي.

وتدعم الرياض كذلك نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، والذي تعتقد الرياض بأن وجوده ضمانة لمنع انهيار الدولة المصرية. الأمر الذي لا تحتمله السعودية، على الرغم من أن مصر لم تلعب دوراً فاعلاً في الملفات الإقليمية التي تشتبك معها الرياض، خصوصاً مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. فمصر، والتي تعد جزءاً من التحالف العربي في اليمن، احتفظت بموقف غامض من نظام بشار الأسد، إذ إنها لم تقف ضده بشكل واضح. بل على العكس، تمكن قراءة السياسة المصرية كمتعاطفة مع نظام دمشق.

في إطار كل ما يحدث من متغيرات، تمكن قراءة التقارب السعودي – التركي كأهم رافعة لسياسات الرياض في المنطقة، فتركيا تدعم سياسات السعودية في سورية واليمن، الملفات الأكثر سخونة التي تحاول الرياض إنهاءها لصالحها، على أن تكون سورية، نقطة انطلاق لمواجهة أكبر مع إيران في المستقبل، خصوصاً في العراق. وتحاول الرياض أن تستعيد دورها في بلاد الرافدين، بعد تجاهله لسنوات، من خلال إعادة فتح سفارتها في بغداد، وتسمية سفير، هو ثامر السبهان، يبدو أنه يتبنى سياسات راديكالية، إذ بدأ مشواره الدبلوماسي في العراق، من خلال انتقاده الحاد لمليشيات «الحشد الشعبي»، متهماً إياها بارتكاب جرائم طائفية.

العربي الجديد

 

 

 

تدخل تركي- سعودي؟/ محمد ابرهيم

تحدث مسؤولون روس عن استعدادات تركية لتدخل برّي في سوريا، بعد اتهامات تقول إن المدفعية التركية تشارك في قصف مواقع النظام من خلف الحدود. واعلن مسؤول عسكري سعودي ان بلاده مستعدة للتدخل في سوريا بقوات برية في اطار التحالف الدولي، وذلك بعدما ثبت ان الغطاء الجوّي بدون قوات برية يبقى عاجزا عن قلب الموازين العسكرية.

ثبت ذلك في سوريا والعراق بعدما استطاعت قوات النظام السوري وحلفائه استثمار الغطاء الجوي الروسي لتسجيل مكتسبات ارضية باتت تهدد بطرد المعارضة من الخط الممتد من درعا الى حلب؛ وكذلك استطاعت قوات الجيش العراقي مدعومة بالميليشيات المذهبية من تحقيق انتصارات ميدانية على قوات “داعش”.

ابدت الولايات المتحدة اهتمامها بالعرض السعودي ولم تقلق للأنباء عن استعدادات تركية للتدخل في سوريا، في ما يشير الى احتمال اننا امام بدايات الرد الأميركي على الاندفاعة الروسية في سوريا. ويصعب الحديث طبعا عن تواطؤ اميركي- روسي مسبق تتكشف بنوده عن تقاسم لسوريا بين خط النظام المغطى روسيا والمتمثل بغرب سوريا، وخط الائتلاف الدولي المغطى اميركيا والمتمثل بشرق سوريا. ذلك ان الاندفاعة الروسية في سوريا كانت نتيجة بروز تردد الرئيس الأميركي أكثر من مرة في تأمين التغطية الجوية للحلف الاقليمي المعادي لنظام الأسد، والراعي للمعارضة المسلحة قبل ان يطغى عليها انفلاش “داعش” واهمية دور “النصرة”. لقد استثمر الرئيس الروسي الفراغ في القيادة الأميركية، وكان ذلك امتدادا للمواجهة التي بادر اليها في اوكرانيا، وليس نتيجة لتفاهم ضمني مع الأميركيين.

اليوم وبعدما باتت اندفاعة النظام السوري تهدد بحسم عسكري للحرب السورية، وفي موازاة التقدم الذي يسجله النظام العراقي على حساب “داعش”، تظهر علائم هزيمة استراتيجية لأحد طرفي الصراع المذهبي في المشرق العربي، مما يجعل الولايات المتحدة، عمليا، في موقع المتواطئ مع معركة إعادة وصل “الهلال الشيعي”.

إدارة أوباما التي اكتفت بدور إدارة الصراع المذهبي في المنطقة، بعدما اطمأنت الى تجميد البرنامج النووي الإيراني، يصعب ان تذهب في هذه الادارة الى حد السماح لأحد طرفي هذا الصراع بالانتصار. لذلك وفي موازاة المكتسبات التي حققها المعسكر الروسي- الايراني يمكن توقع رعاية اميركية لتدخل عسكري تركي- سعودي مباشر يشكل حاجزا بين سوريا والعراق، اي يكرّس كسر “الهلال”، وذلك على حساب “داعش”. وكما اكتسب التدخل الروسي شرعيته من شعارمحاربة الارهاب يستطيع الائتلاف الدولي ان يرعى التدخل في المقلب الآخر لسوريا تحت الشعار نفسه.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى