صفحات مميزة

التدخل الروسي في سورية: آثاره وتداعياته –مجموعة مقالات لكتاب عرب-

 

 

 

 

تفاهم بوتين – أوباما يكفي لفرض التسوية في سورية؟/ جورج سمعان

قطعت روسيا نصف الطريق في التفاهم مع الولايات المتحدة. التنسيق العسكري في سورية بات واقعاً لا عودة عنه. لا يريد أحد من الطرفين مواجهة غير محسوبة. وتقرر القمة اليوم بين الرئيس باراك أوباما وفلاديمير بوتين آفاق التفاهم السياسي وحدوده. وأياً كانت النتائج بات في جعبة الرئيس الروسي الكثير. ولن يكون بمقدور نظيره الأميركي أن يواصل تجاهله سواء في رسم النظام الإقليمي للشرق الأوسط، أو في تحديد معالم النظام الدولي. لن يقتصر الأمر على بكين وواشنطن لتقررا مصير أزمات عدة. ولن تكون الصين وحدها الخصم المنافس لأميركا. روسيا شريك أساس، إن لم يكن بطاقتها الاقتصادية فبقوتها العسكرية وشبكة علاقاتها الواسعة. وفرض تدخلها العسكري في سورية واقعاً جديداً على جميع المعنيين بأزمة هذا البلد. من إسرائيل وتركيا وإيران إلى مجموع الدول التي تشكل التحالف الدولي لمحاربة «الدولة الإسلامية». قواعد اللعبة تبدلت سياسياً وعسكرياً. لذا، لم يكن أمام كل هؤلاء الأطراف سوى المسارعة إلى التنسيق معها. والوقوف على خاطرها. وعجلت هي في الانتشار على طول الخريطة الأميركية والغربية عموماً في المنطقة. من السودان إلى اليمن والعراق مروراً بمصر ولبنان وحتى بعض دول الخليج، انتهاء بمنافسة الانتشار الأطلسي في البحر المتوسط، عبر تعزيز حضورها قواتها على السواحل السورية، جواً وبحراً وبراً، وبناء قواعد ثابتة في بلاد الشام.

التدخل العسكري الروسي، وأزمة اللاجئين إلى أوروبا أبعدا أزمة أوكرانيا عن المشهد الكبير. سورية ستكون الحدث الأبرز في الجمعية العامة للأمم المتحدة. لن يكتفي الرئيس بوتين بالاستدارة السياسية المتدرجة للمعنيين بأزمة سورية، وملاقاتهم إياه في منتصف الطريق. لن يكتفي بقبولهم المبدئي ببقاء الرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية. سيطرح على الرئيس أوباما، وفي كلمته أمام الجمعية العامة عناوين استراتيجيته. يريد طي صفحة النموذج الليبي، والعراقي وقبلهما الأفغاني، أي إعادة الاعتبار لمبدأ عدم التدخل الخارجي لإسقاط أي نظام وتبديله. علماً أنه لم يقصر هو في التدخل من دون مظلة دولية في جورجيا وأوكرانيا! أي أنه سيطرح دور مجلس الأمن والمنظمة الدولية، أي دور الكبار وتفاهمهم على إدارة الأزمات العالمية وتســويتها، وليس فقط في ســـورية. ويـــريد أيضاً أن يشرح تفاصيل خطته لمحاربة «داعش». وإذا لاقى ميله إلى قوننة دولية للتدخل في سورية والعراق يمكن عند ذلك قيام تحالف واحد في الحرب على الإرهاب … وإلا فإنـــه سيطلق تحــالفاً مع طهران وبغـــداد ودمشق، موازياً للتــحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. والنتيجة في أي حال ستكون واحدة ما دام التنسيق العسكري قائماً بين البلدين. وأكد وزير الدفاع الأميركي أن مجالات التعاون متاحة شرط ألا تشمل العمليات الروسية كل خصوم النظام السوري. والواقع أن روسيا من منطلق جيوسياسي ترى إلى نفسها معنية أكثر من أميركا في مواجهة الإرهاب في مناطق لا تبعد كثيراً من حدودها. وفي مطاردة أكثر من ثلاثة آلاف جهادي من مواطني الاتحاد الروسي، إضافة إلى مجموعات من جمهوريات آسيا الوسطى. ولا تمانع «نظرياً» في ضم جهودها إلى التحالف الذي تقوده أميركا، على حد ما صرح مسؤول في خارجيتها شرط موافقة مجلس الأمن، لكنها «لن تنضم إلى عملية غير شرعية».

الواقع الجديد الذي فرضته موسكو في سورية جعلها قوة رئيسة في أي بحث لتسوية سياسية في هذا البلد، بل جعلها ربما قوة لا غنى عنها في تقرير خريطة النظام الإقليمي. حدت من حرية الحركة الإسرائيلية في سورية. وطوت نهائياً صفحة المشاريع التركية على حدودها الجنوبية. وضمنت إلى حد سكوت العرب الذين يريحهم إمساك روسيا بمصير بلاد الشام ومستقبلها بدل أن تظل حكراً على إيران. أبعد من ذلك إن تدخلها العسكري لدعم الجيش السوري عدة وعتاداً وتدريباً يعيد الاعتبار إلى هذه المؤسسة التي شارفت على الانهيار، وكادت الميليشيات وقوات «الدفاع الوطني» أن تهمشها وتطغى على دورها. وهو ما يترك رضًى واسعاً في صفوف هذه المؤسسة التي يعول عليها كثيرون في أي تسوية سياسية، وفي الحفاظ على ما بقي من مؤسسات الدولة. مثلما يترك في أوساط مكونات كثيرة يساورها قلق عميق من ثقل اليد الإيرانية، ارتياحاً وإن حذراً على قاعدة «أهون الشرين»!

يبقى السؤال الكبير عن التسوية السياسية التي تحوكها روسيا لحل أزمة سورية. الأميركيون رددوا في الفترة الأخيرة مقولة الدور الإيجابي الكبير الذي لعبته موسكو في الملف النووي الإيراني وإبرام الاتفاق بين طهران وعواصم الدول الست. ولم ينسوا ملاقاتها لهم في إرغام دمشق على تدمير أسلحتها الكيماوية وانضوائها في المنظمة الدولية لحظر هذه الأسلحة. كأنهم يتوقعون منها تدخلاً سياسياً فاعلاً لتسوية أزمة سورية، بالتوازي مع الحرب على «داعش». والواقع أن دوائر روسية كانت تتحدث من ثلاثة أشهر عن تطورات جذرية في مسار الأزمة نهاية هذه السنة. ولا حاجة هنا إلى التذكير بنشاط ديبلوماسيتها في الأشهر الأخيرة في اتجاه كل اللاعبين المعنيين، ودفعها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى تفعيل مهمته. وتساور أطراف في المعارضة السورية شكوك عميقة في أن واشنطن ليست بعيدة مما تنسجه موسكو. ولم يفاجئها تدخلها العسكري. وربما كانت على تفاهم واتفاق ضمنيين على وجوب فرض الحل على كل الأطراف المعنية. يبقى الخلاف على حدود هذا التدخل الميداني وعلى المرحلة التي يقتضيها بقاء الرئيس الأسد في السلطة، وعلى طبيعة المرحلة الانتقالية ومدى تأثيره فيها، وهل تؤدي إلى تفكيك النظام القائم نحو تغيير فعلي أم تقتصر على الرأس وإعادة تأهيل الهياكل الأخرى.

الخطة التي يحملها الرئيس بوتين في جعبته، ومدى تجاوب القادة الغربيين معها سيجيبان عن كثير من الأسئلة. مثلما أن الانخراط الميداني لقواته سيرسم حدود اللعبة وقواعدها الجديدة. فهل تستطيع هذه القوات تحقيق ما عجز عنه التحالف الدولي في الحرب على «داعش»، على رغم مشاركة الجيش العراقي والكرد وميليشيات كثيرة؟ أم إن في أولى مهمات هذا التدخل استعادة إدلب التي خسرها النظام أمام «الجيش الحر» وفصائل إسلامية متعددة بينها «جبهة النصرة»؟ هذه المحافظة تشكل تهديداً مباشراً للعمق الرئيس للساحل السوري، عمق النظام وخزان مقاتليه. كما أن الأميركيين كانوا أول من خاطب الأتراك مبدين انزعاجهم من هذا التطور. ومحذرين من مواصلة الحملة خوفاً من مفاجآت لا يرغبون في الوصول إليها. مثلما كانوا ولا يزالون يضغطون لوقف الحملات التي تقودها «جبهة الجنوب» على درعا والمناطق القريبة من جنوب دمشق. إذا استعاد النظام إدلب ومناطق أخرى، يمكن عندئذ موسكو أن تدفع باتجاه تنفيذ خطتها السياسية. ولا يبقى على الأطراف الإقليميين سوى إرغام من تطاولهم أيديهم من فصائل على القبول، خصوصاً تركيا التي يقيم معظم «الائتلاف الوطني» في ظهرانيها.

حتى الآن، يبدو أن روسيا التي طوت صفحة أوكرانيا، بعد جورجيا، ترغب في وقف النزف العسكري والاقتصادي في هذا البلد. وبعض من أهداف تدخلها في سورية ممارسة ضغط على أوروبا وأميركا لرفع العقوبات والحصار الاقتصادي. من هذا المنطلق، لا يمكن أن تجازف بفتح ساحة استنزاف أخرى في بلاد الشام. أبعد من ذلك، إن ما حققته حتى الآن في تمددها فوق خريطة كانت من «ممتلكات» الغرب لا يمكن أن يهضمه خصومها ما لم تقدم هي الأخرى ثمناً لمجاراتها في أي تسوية لأزمة سورية. تقدمت في اليمن نحو أهل الخليج في القرار 2216، ولا بد لها من أن تقدم في بلاد الشام. لا يمكنها أن تجازف بما بنت مع القاهرة وعمان، وبما تنسج مع أهل الخليج وتركيا. ولا يمكنها باختصار أن تضع نفسها بمواجهة أهل السنّة في سورية، بل بمواجهة الأكثرية في العالم العربي الواسع. كما أنها لا ترغب بالتأكيد في انخراط لا حدود له في حرب قد تستعر مع بدء عملياتها. فهل تلاقي هؤلاء جميعاً وإدارة الرئيس أوباما وشركاءه الأوروبيين في ضمان رحيل الأسد بعد المرحلة الانتقالية التي قد تمتد سنتين مثلاً؟ أي أن تضمن عدم ترشحه في انتخابات رئاسية مبكرة. لقد عاد إليها ما بقي من المؤسسة العسكرية التي لا تخفي انزعاجها من «تغول» الميليشيات على دورها ومستقبلها وترتاب من دور إيران. يمكنها الاعتماد على هذه المؤسسة في فرض الحلول وفي ترسيخ حضورها ومصالحها في هذا البلد.

أياً كانت عناصر الخطة الروسية لا بد لها من أن تأخذ في الاعتبار موازين القوى على الأرض. فإلى الفصائل المقاتلة في أكثرية المناطق السورية، لا يمكن تجاهل الحضور الميداني لإيران وميليشياتها. وهذه لا تميل إلى هذه الخطة، ولا إلى الأهداف القريبة والبعيدة لموسكو. والسؤال هل يستطيع العسكر الروسي اختراق المجموعات المسلحة بوعود وضمانات وأدوار إذا واكبته أطياف معارضة مرغمة على تنازلات في مسار التسوية وعناوينها؟ الثابت أن لا إيران ستقبل بتآكل دورها وحضورها ولا السوريون سيرضون بأقل من التغيير الشامل لأسس النظام بعد كل هذه التضحيات. هل يكفي الاتفاق أو التفاهم بين موسكو وواشنطن؟

الحياة

 

 

 

 

روسيا بين الساحل السوري والأمم المتحدة/ زيـاد مـاجد

نشرت روسيا قواتٍ عسكرية على الساحل السوري، ونفّذ طيرانها طلعات استكشاف عدّة فوق الأراضي السورية. وربطت موسكو الأمر باتّفاقات دفاعٍ سابقة وبخطّة تطوير ميناء طرطوس الى قاعدة عسكرية متعدّدة الاستخدامات بحلول العام 2020.

الولايات المتّحدة ردّت بخجل على التطوّر العسكري الاستراتيجي هذا، واكتفت حتى الآن باستنكاره، وكذا فعل الاتحاد الأوروبي المُشتبك مع الروس اقتصادياً بسبب أوكرانيا.

أما تركيا ودول الخليج العربي التي حاولت أكثر من مرّة إبعاد موسكو عن طهران في ما خصّ الشأن السوري فلم تبلور ردّاً بعد، وليس واضحاً ما إذا كانت قادرةً على بلورة ردٍّ موحَّدٍ أصلاً.

في الوقت عينه، توالت المبادرات الدولية حول سوريا، وتحوّل اجتماع الأمم المتّحدة الى حلبة تصريحات وتصريحات مضادة. ويمكن في هذا الصدد تسجيل ملاحظتين.

الأولى أن المواقف الدولية لم تتبدّل كثيراً رغم كل الإشاعات والمزاعم. فروسيا وإيران تتمسّكان بالأسد لمرحلة إنتقالية. والولايات المتّحدة الأميركية وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر تريد المرحلة تلك من دونه مع عبارات جديدة تُستخدم في نيويورك تسِمه بـ”مجرم الحرب” و”الطاغية” و”قاتل شعبه” و”السبب الأول في جذب الجهاديّين” و”المسؤول عن الإرهاب”، في حين تراجعت بريطانيا عن لغةٍ كانت أقرب الى لغة المبعوث الأممي دي مستورا الذي يقول ببقاء الأسد مؤقّتاً بصلاحيات بروتوكولية، لتُعلن بدورها عن ضرورة رحيل الأخير.

وهذا يعني أن الالتباسات والخلافات التي تلت مؤتمرَي جنيف الأوّل والثاني ما زالت مستمرّة، وأن لا لغة أو مواقف اليومَ يمكن اعتبارها حاسمة.

والثانية أن بعض التصريحات والتسريبات الإعلامية الأممية والبريطانية تجعل كل بحثٍ عن تطبيع مع الأسد فاقد الصلاحية والمعنى. فأن تُصرّح كارلا دل بونتي عضو مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتّحدة بأنها “ترى الأسد سائراً على خطى ميلوسيفيتش”، وأن تتحدّث أكثر من صحيفة بريطانية عن وجود ملفّ قانوني مدعّم بالإثباتات والشهادات يُدين المسؤولين السوريّين وأوّلهم الأسد لارتكابهم جرائم حرب، ففي الأمر ما يتخطّى الاستهلاك الإعلامي، نحو شكلٍ من أشكال الضغط القانوني والسياسي الذي يحاصر التطبيع مع “الرئيس السوري” ويُبقي سيف القضاء الدولي مسلّطاً ضده، منتظراً إرادة سياسية (ما زالت مُعلّقة) لاستخدامه.

انطلاقاً من كلّ ذلك، وبالعودة الى الانتشار العسكري الروسي في سوريا، يمكن الحديث عن سعي موسكو لخلق واقع ميداني برسائل متعدّدة يستبق أي تطوّر دولي مُحتمل.

الرسالة الأولى أن روسيا لن تسمح بسقوط الأسد عسكرياً، وفي ذلك اعتراف باحتمال هذا السقوط رغم كل الدعم الإيراني المباشر وعبر الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية الذي أبقاه حيّاً حتى اللحظة.

الرسالة الثانية سعي روسي لحجز موقع أساسي، بالقوة، في أي مرحلة إنتقالية قد تقتضي التضحية سياسياً بالأسد.

الرسالة الثالثة، طمأنة إسرائيل ولعب لدور الضامن الوسيط بينها وبين إيران بحيث لا يكون استمرار تدفّق مقاتلي حزب الله ومعهم باقي المقاتلين الشيعة والضباط الإيرانيين مدعاة قلقٍ لتل أبيب إذ تتعهّد روسيا لها بأنهم معنيون حصراً بالدفاع عن الأسد في دمشق وأن لا تبدّل سيطرأ على اتفاقية الهدنة المعمول بها منذ العام 1974 في الجولان.

ويجوز إضافة رسالة رابعة مفادها أن موسكو لا ترغب في تحوّل الميليشيات الشيعية الإيرانية الى القوّة الأولى بدل بقايا جيش النظام، لذلك تسعى لتعويم الأخير في جبهات قتال مثلّث اللاذقية إدلب حماه حيث يتعرّض للهزائم المهينة الواحدة بعد الأخرى على يد “جيش الفتح”. وهذا يعني أن الهدف العسكري الفعلي للروس إن قرّروا تنفيذ اعتداءات ميدانية قد يكون “جيش الفتح” نفسه بمكوّناته المختلفة، بما قد يطرح مجموعة تحدّيات، لها مبحثٌ آخر.

في الخلاصة أن روسيا تُحاول التقدّم على سائر الأطراف المنخرطة مباشرةً أو على نحو غير مباشر في الصراع السوري. وهي تستهلّ في ذلك مرحلةً لا جديد سياسياً فيها بعدُ، بل المزيد من شدّ الحبال في انتظار سلّة التسويات أو المزيد من التصعيد.

موقع لبنان ناو

 

 

 

زيارة نتنياهو موسكو: لجنة عسكرية مشتركة للتنسيق في سورية

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

ما إن قرّرت روسيا رفع مستوى دعمها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والذي بلغ حدّ التدخل العسكري المباشر، حتى طلبت إسرائيل عقد لقاء على أعلى مستوى مع القيادة الروسية، بغرض التنسيق العسكري بين الطرفين في سورية. واستجابت روسيا لهذا الطلب على الفور، وحُدِّد موعدٌ لزيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، موسكو في الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول 2015. رافق نتنياهو خلال الزيارة، وهي الخامسة له منذ تولّيه رئاسة الحكومة قبل ست سنوات، وفدٌ عسكري كبير، شمل رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، هرتسي هاليفي، ورئيس هيئة الأمن القومي، يوسي كوهين، والسكرتير العسكري للحكومة، أليعيزر طوليدانو.

ومثّل التنسيق بين إسرائيل وروسيا بشأن تطورات الأوضاع في سورية، في ضوء تصعيد الوجود العسكري الروسي فيها، الموضوع الرئيس للزيارة. وإلى جانب المحادثات التي ضمّت نتنياهو وبوتين أكثر من ساعتين، عقد رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي اجتماعاً مع نظيره الروسي، فاليري غراسموف، وبحث معه تبعات زيادة الوجود العسكري الروسي على إسرائيل. واتفق رئيسَا أركان الجيشين، الروسي والإسرائيلي، على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة، برئاسة نائبيهما للتنسيق بين الجيشين، لا سيّما في المجالات الجوية والبحرية والإلكترونية، لمنع أيّ خطأ في التقديرات، أو سوء فهم قد يؤدي إلى احتكاك غير مقصود بين قوات الطرفين، خصوصاً في ما يتعلق بنشاط سلاح الجو الإسرائيلي في سورية. وبعد مشاورات بين الجانبين الروسي والإسرائيلي، تقرَّر عقد الاجتماع الأول للجنة في الخامس من أكتوبر/تشرين أول 2015.

“استجابت روسيا، في العقدين الماضيين، لطلبات إسرائيل والولايات المتحدة بعدم تزويد سورية بأسلحة روسية “كاسرة” للتفوق العسكري الإسرائيلي”

الموقف الإسرائيلي من التصعيد الروسي

على الرغم من عدم وضوح حجم القوات العسكرية التي أرسلتها روسيا، أو تنوي أن ترسلها، إلى سورية، ونوعيتها، بصورة نهائية. وعلى الرغم من عدم وضوح الأهداف الحقيقية البعيدة لروسيا من هذه الخطوة، عدّت إسرائيل زيادة مستوى التدخّل العسكري الروسي في سورية أمراً مهماً، يمكن أن يخدم أهدافها وسياساتها. فالتدخّل الروسي، وفقًا للرؤية والتحليلات الإسرائيلية، سيمنع سقوط نظام بشار الأسد ويطيل أمد الحرب، ويجعل منطقة الساحل التي يطلق عليها الإسرائيليون “سورية الصغرى” منطقة نفوذ روسية تحت حكم بشار الأسد، ما يزيد من تشظي سورية، واحتمالات تقسيمها إلى مناطق نفوذ مختلفة. وينسجم هذا كلّه مع سياسات إسرائيل ومواقفها التي بلورتها منذ تفجّر الثورة في سورية، وهي إطالة أمد الحرب في سورية أطول فترة ممكنة، من أجل إضعاف سورية، الدولة والشعب والجيش، إلى أقصى درجة ممكنة، وإبقاء نظام بشار الأسد في الحكم، ولكن ضعيفًا، لكي يبقى هناك عنوان رسمي يجري التفاهم معه.

أمّا المحاذير الإسرائيلية، فترتبط ارتباطاً مباشراً بمدى قدرة إسرائيل على الاستمرار في فرض خطوطها الحمراء التي حددتها، منذ بداية الصراع في سورية، مع الأخذ في الحسبان الزيادة الملحوظة في حجم الوجود العسكري الروسي في سورية.

منذ انطلاق الثورة في سورية، حددت إسرائيل خطوطاً حمراء لنظام بشار الأسد، إذا ما جرى اختراقها تتدخل إسرائيل عسكرياً؛ وهي: عدم نقل أسلحة ثقيلة من سورية إلى حزب الله ومنظمات أخرى في لبنان، ويشمل ذلك السلاح الكيماوي ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة وصواريخ أرض- بحر متطورة وصواريخ أرض – أرض بعيدة المدى. وشملت الخطوط الحمراء، أيضاً، رفض إسرائيل وجود قوات تابعة لحزب الله وإيران في المنطقة المتاخمة لحدود الجولان السوري الذي تحتلّه إسرائيل؛ في حين رحّبت إسرائيل بتدخّل قوات حزب الله والقوات الإيرانية في الحرب، لمصلحة النظام في المناطق الأخرى من سورية، لاعتقادها أنّ هذا التدخّل يخدم هدفها، في إطالة أمد الحرب في سورية، وفي تأجيج الصراع الطائفي فيها وفي المنطقة، وفي استنزاف كلٍ من حزب الله وإيران ومختلف أطراف الصراع. وفي سياق سياسة الخطوط الحمراء هذه، استباحت إسرائيل الأراضي السورية، وشنّت منذ بداية 2013 أكثر من عشرة اعتداءات جوية على أهداف عسكرية، شملت مناطق دمشق واللاذقية، لم تتلق أيّ ردٍ عليها.

أهداف الزيارة

سعى نتنياهو، في الزيارة، إلى التوصل إلى تفاهم مع روسيا بخصوص جملة من القضايا، وهي: الحفاظ على حرية التحرك العسكري الإسرائيلي في سورية، في ضوء انتشار القوات العسكرية الروسية في الساحل السوري ومناطق أخرى، والتنسيق بين الطرفين لمنع وقوع صدام غير مقصود بين الجيشين، الإسرائيلي والروسي، وطلب مساعدة روسيا لمنع نقل أسلحة متطورة من أيّ منطقة سوريّة إلى حزب الله في لبنان، ومنع وجود قوات من حزب الله وإيران في المنطقة الجنوبية من سورية المحاذية هضبة الجولان، وضمان ألّا يهدد وجود قوات من حزب الله وإيران في سورية أمن إسرائيل، وإعادة تأكيد التفاهمات السابقة بين إسرائيل وروسيا بخصوص عدم تزويد النظام السوري بأسلحة روسية حديثة، من شأنها أن تمسّ بالتفوق الإسرائيلي، أو تشوّش عليه، وفي مقدمتها منظومات الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات.

وتأكيدًا لذلك كله، أشار نتنياهو، في كلمتيه قبل لقائه بوتين وبعده، إلى ضرورة التنسيق بين إسرائيل وروسيا تجاه الوضع في سورية، وأكّد أنّ “ثمة أهمية بالغة للغاية لمنع أيّ سوء فهم بين الطرفين”. وقال إنّ إسرائيل تعمل لمنع تحويل أسلحة متطورة من الأراضي السوريّة إلى حزب الله، وأنّها تعمل ضد محاولات إيران وحزب الله فتح جبهة ضد إسرائيل في الجولان، وأكّد على المضيّ في العمل لتحقيق هذه الأهداف، وأنّ زيادة القوات العسكرية الروسية في سورية، في الأسابيع الأخيرة، لا تؤثّر في ذلك. ولكي لا يترك مجالًا للشكّ، أضاف نتنياهو أنّه اصطحب معه وفداً عسكرياً رفيع المستوى، ليوضح للقيادة الروسية سياسة إسرائيل الأمنية والعسكرية في سورية، تفادياً لحدوث سوء تفاهم. أمّا بوتين، فقد أكّد أنّ العمليات التي قامت بها روسيا في الشرق الأوسط اتسمت دوماً بالمسؤولية. وأضاف “نحن نعي أنّه يجري إطلاق قذائف صاروخية على إسرائيل، ونحن نستنكر هذه الاعتداءات”. وأردف، إنّ الجيش السوري لا يستطيع فتح جبهة في الجولان “ومع ذلك، أتفهّم قلقكم”. جاءت هذه التصريحات لتؤكد حرص بوتين على العلاقات مع إسرائيل التي مثّلت محطته الخارجية الأولى، بعد عودته إلى سدة الرئاسة في مايو/أيار 2012. كما أنّ إسرائيل كانت، في مواقفها من الثورات العربية عموماً، أقرب إلى مواقف روسيا منها إلى موقف الولايات المتحدة. وقد ساد تفاهم كامل بينهما في هذا الشأن.

“إسرائيل كانت، في مواقفها من الثورات العربية عموماً، أقرب إلى مواقف روسيا منها إلى موقف الولايات المتحدة. وقد ساد تفاهم كامل بينهما في هذا الشأن”

خاتمة

استجابت روسيا، في العقدين الماضيين، لطلبات إسرائيل والولايات المتحدة بعدم تزويد سورية بأسلحة روسية “كاسرة” للتفوق العسكري الإسرائيلي. وفي زيارته إلى موسكو، أخيراً، سعى نتنياهو إلى التأكّد من أنّ الأسلحة الروسية التي وصلت إلى سورية، في الشهر الأخير، لن تستخدم لإعاقة حرية العمل التي غدا سلاح الجو الإسرائيلي يمتلكها، في الأجواء السوريّة، بما في ذلك في منطقة الساحل السوري. كما سعى نتنياهو إلى الحصول على التزام روسي بالعمل لمنع نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان من أيّ منطقة في سورية، ومنع أيّ نشاط عسكري ضد إسرائيل، انطلاقًا من الأراضي السوريّة. ويبدو أنّ نتنياهو حصل على استجابة روسية لكلّ هذه الطلبات، ولطلب إسرائيل تنسيق الطرفين نشاطهما العسكري في سورية، بإنشاء اللجنة العسكرية المشتركة. وهي خطوة مهمة في تطوير ما أصبح يمكن تسميتها الشراكة الروسية الإسرائيلية التي تأسست في عهد بوتين.

العربي الجديد

 

 

محور “المقاومة” الجديد ينسّق مع إسرائيل!؟/ موناليزا فريحة

وسَّعت موسكو تحالفها المفترض ضد “الدولة الاسلامية” من سوريا وايران و”حزب الله”، الى العراق. بعد نقلها مقاتلات وطائرات شحن ووحدات سكنية لألفي جندي الى اللاذقية، أعلنت انشاء خلية لتبادل المعلومات الاستخبارية مع بغداد، وذلك طبعا بالتنسيق مع طهران ودمشق.

محور موسكو- طهران – بغداد – دمشق – “حزب الله” يقدم نفسه على أنه القوة الوحيدة المستعدة لمحاربة “الدولة الاسلامية”، وتاليا يسعى الى تقويض الجهود الخجولة للائتلاف الدولي الذي تقوده واشنطن، وتهميشه في هذه الحرب. وعلى غموض أهدافه البعيدة المدى، تبدو الخطوات المباشرة لموسكو أكثر ثقة من خطة “الحرق البطيء” التي يعتمدها الغرب في سوريا تحديدا. ففي خطابه امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كما بعد لقائه الرئيس الأميركي باراك اوباما، أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحديد حلفائه كما اعدائه. تمسك بالرئيس السوري حليفا في المعركة ضد الارهاب، معتبرا أن الجيش النظامي هو القوة الوحيدة القادرة على محاربة “داعش” والمقاتلين الآخرين الذين صنفهم جميعهم في الخانة نفسها. ولمّح الى التعاون مع العراق من خلال المساعدة “التقنية” التي يقدمها لها ولسوريا لمواجهة “داعش”.

وفي المقابل، كرر أوباما التزامه “الانساني” ضد اعدائه من “الطغاة” كالاسد الذي يلقي براميل متفجرة ويقتل الاطفال، الى “داعش” القوة الارهابية. لكنّ الرئيس الاميركي الذي أبدى استعداده للعمل مع اي دولة، حتى روسيا وايران التي كان يستثنيها سابقا، لم يأت ، ولو تلميحا، على ذكر اي حليف له في معركته ضد أعدائه، ولا أورد اية ملامح لخطة محتملة لوضع حد لمعاناة الشعب السوري، في ما عدا زيادة عدد اللاجئين الذين ستستقبلهم أميركا!. مرة أخرى ينكشف عدم تماسك الاستراتيجية الاميركية لمواجهة “داعش” والنظام السوري. الغارات الجوية التي يشنها الائتلاف، ومعه أعضاؤه الجدد، لم تنجح في اضعاف التنظيم. وجهود “البنتاغون” لتجهيز قوة برية تواجه التنظيم المتشدد أخفقت. ولا شك في أن موافقة بغداد على التنسيق مع موسكو في الاستخبارات يشتت أكثر جهود واشنطن من غير أن يحسم بالضرورة فاعلية المحور الآخر في هذه المعركة الصعبة.

وهكذا، تخطو موسكو بثقة واستراتيجية واضحة في سوريا على خلاف واشنطن التي لا تزال تظهر ترددا في مواجهة “داعش” كما في بلورة خطة حل سياسي للنزاع. وبإرسالها تعزيزات الى المنطقة وإرسائها أسس محور جديد، توجه موسكو رسالة الى دول المنطقة بأنها حليف ذو صدقية في المعركة ولاعب رئيسي في الحرب كما في اي مشروع سلام لسوريا. وهي لا تنسى أن تطمئن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بموافقتها على اقامة “قناة لتبادل المعلومات” مع اسرائيل في ما يتعلق بالوضع في سوريا، بما في ذلك “نشاط القوات الإيرانية قرب خط وقف النار في هضبة الجولان”، استنادا الى تقارير اعلامية اسرائيلية.

النهار

 

 

 

حتى لو جاءت روسيا كلها الى اللاذقية/ حسان حيدر

لم يخجل الرئيس الروسي، وهو في حضرة قادة العالم وممثليهم في نيويورك، من مجافاة الحقيقة جهاراً عندما قال أن بشار الأسد هو الوحيد الذي يقاتل «داعش» في سورية ويجب دعمه. ولم يخرج الرئيس الأميركي الذي واصل «معارضته» اضطلاع الأسد بدور في مستقبل البلد الممزق عن نطاق الكلام المكرور من دون اي تغيير عملي محتمل على الأرض. فكلاهما يراوغ، وكلاهما يعرف ان مأساة السوريين لا تشغله، بل همه تسجيل مكاسب على حساب الآخر أو في داخل بلده، أياً كانت الأعداد الهائلة للقتلى والجرحى والمهجرين او الحجم غير المتخيل للدمار.

قال بوتين: «علينا ان نعترف بأن لا أحد سوى القوات المسلحة للرئيس (السوري) يقاتل فعلياً الدولة الإسلامية»، وان «عدم التعاون مع الجهة السورية التي تكافح الإرهاب وجهاً لوجه سيكون خطأ فادحاً». لكن باستثناء بضع غارات ليوم واحد ربما لم تصب أي هدف، أعلن الطيران السوري شنها على مدينة الرقة، معقل «داعش»، بالتزامن مع بدء وصول التعزيزات الروسية الى سورية، لم يحدث أن وقعت معارك فعلية بين الجيش النظامي والمتطرفين، وانتهت معظم «المواجهات» بينهما الى انسحاب جنود الأسد وإخلاء مواقعهم للتنظيم، وخصوصاً آبار النفط التي تساعد في تمويله.

وادعى الرئيس الروسي انه يرسل قواته الى سورية لأنه يريد «محاربة الإرهاب»، لكن الغارات الأولى التي شنها طيرانه استهدفت ريف حمص الشمالي، حيث تنتشر اساساً وحدات من «الجيش السوري الحر» وليس قوات «داعش».

نظرياً، اختلف اوباما وبوتين حول دور الرئيس السوري في مستقبل سورية، لكنهما توافقا قبل ذلك على ضرورة مشاركته في المرحلة الانتقالية. وعملياً، ارسلت موسكو طائرات وسفناً وذخائر وجنوداً الى سورية، فيما مني البرنامج الاميركي لتدريب مقاتلين سوريين يعدّون بالعشرات بفشل فادح، ولم ولن تقدم واشنطن الى أي طرف سوري معارض ما يمكن ان يشكل توازناً مع الدعم الروسي المتعاظم.

ولا يعني التراشق الخطابي سوى ان موسكو وواشنطن لم تتفقا بعد على تفاصيل تسوية متفق عليها تحدد الخطوات الإجرائية ومداها الزمني، وان الخلافات بين الدولتين الكبريين في هذا الإطار مرتبطة برسم حدود نفوذ كل منهما في العالم، على رغم التفاوت الكبير في قدراتهما.

وعندما يعلن أوباما بعد ذلك ان المعركة ضد «داعش» ستطول وتشهد انتكاسات ونجاحات، وان الانتصار على التنظيم يتطلب «زعيماً جديداً» في سورية، إنما يقر بأن الحرب السورية ستستمر حتى اشعار آخر وان الأسد سيبقى في السلطة طالما ان مسار المعركة مع البغدادي لم يحسم بعد.

بوتين يعتبر ان من حقه وراثة الأميركي المنسحب من الشرق الاوسط، وأوباما يرى انه طالما قرر الانسحاب فلماذا يشغل نفسه بمن سيحل مكانه في المستنقع الدائم. لكن كليهما جرد القضية السورية من بعدها الانساني وحولها الى مجرد ورقة على طاولة المقايضات.

غير ان «القيصر» نجح عبر ارسال تعزيزات الى سورية في تحويل الانظار عن الوضع في أوكرانيا. إذ كان العالم كله ينتظر ماذا سيقول عن سورية وما سيعلنه من خطوات بخصوصها، وما اذا كان سيتفق مع واشنطن على حل، وركزت وسائل الاعلام الاميركية والدولية كل اهتمامها على الانشاءات التي يبنيها على الساحل السوري، فأعفت بوتين من العبء الأوكراني.

لكن اياً تكن «الانتصارات» التي يحققها بوتين في «الكباش» مع الاميركيين، فإن دروس «التجربة الأفغانية»، عندما خرج اسلافه السوفيات مهزومين، لا تزال ماثلة. والجيوش البديلة التي لجأ اليها نظام بشار بعد تفكك جيشه، لم تنفعه. استقدم «الحرس الثوري» الايراني و«فيالق» الشيعة العراقيين والافغان و«حزب الله» اللبناني، ولم يستطع تعديل المعركة لمصلحته ولا ثني المعارضة عن تصميمها. ولن يكون مصير الاستعانة بالجيش الروسي مختلفاً، فالشعب السوري الذي انتفض على أربعين عاماً من الإذلال اليومي سيظل يقاتل عائلة الأسد ونظامها الى ان يقصيهما، حتى لو جاءت روسيا كلها الى اللاذقية.

الحياة

 

 

 

 

 

أهداف اللعبة العسكرية الروسية في سورية/ لينا الخطيب

أكدت التقارير الأخيرة أن موسكو أرسلت معدات إلى سورية لبناء قاعدة عسكرية في اللاذقية تحت ذريعة محاربة انتشار تنظيم «الدولة الإسلامية». وبعد فترة وجيزة من وصول هذه المساعدات، ناشد وزير الخارجية الروسي المجتمع الدولي الموافقة على انضمام الحكومة السورية في الكفاح ضد «داعش».

ولكن زيادة المساعدات العسكرية ليست مجرد عملية بسيطة لتمكين نظام بشار الأسد ضد «داعش». بل هي خطوة سياسية تهدف إلى حماية مصالح روسيا الحالية والمستقبلية في سورية بغض النظرعن مصير الأسد نفسه.

في حين أن بعضهم يعتبر أن الدافع لدعم موسكو نظام الأسد هو تأمين المصالح الإستراتيجية التي تدور حول وجود قاعدة بحرية روسية في طرطوس، فإن مصلحة روسيا في سورية هي جيوسياسية وليست جغرافية. فهناك بلدان أخرى في أنحاء البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تستخدمها روسيا كمنفذ إلى البحر عبر سورية. تهدف موسكو أن يكون لها موطئ قدم سياسي في الشرق الأوسط.

روسيا أيضاً تستخدم الصراع السوري كمنصّة للضغط على خصومها السياسيين في الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة. هذا العداء تجاه الغرب تبلور منذ شعرت روسيا بالإذلال بعد تصويتها في مجلس الأمن الدولي لدعم تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا في عام 2011، والذي اعتبرته موسكو خدعة من قبل الغرب للتخلّص من نظام معمر القذافي على رغم رفض روسيا مبدأ تغيير النظام.

في حين لا يزيد أهمية عن المواجهة بين روسيا والغرب في شأن أوكرانيا، جاء الصراع السوري أداة أخرى لثأر روسيا. فعدم وجود إستراتيجية شاملة لإنهاء الصراع السوري من قبل الولايات المتحدة وحلفائها مهّد الطريق لموسكو لمواصلة الاستفادة من هذا الفراغ سياسياً وإستراتيجياً.

على المستوى السياسي، عدم توصل المجتمع الدولي لإيجاد إطار لحل الأزمة سمح لروسيا بمحاولة تقديم نفسها كمنقذ سورية، فأعلنت موسكو نيّتها التوصل إلى تسوية سياسية للصراع. جهود روسيا حتى الآن لم تكن جديّة ولا مثمرة. فالمحادثات التي استضافتها بين النظام وما سمته جماعات «المعارضة» جذبت فقط المعارضة الموالية للحكومة، وبالتالي، فهي حتى الآن كانت تكتيكاً لإضاعة الوقت في غياب سياسة غربية في شأن حل الصراع.

على المستوى الإستراتيجي، استفادت روسيا من تركيز الغرب على استخدام الضربات العسكرية كأسلوب مفضّل لمحاربة انتشار «داعش»، لأن هذا الأخير لا يمكن القضاء عليه من خلال العمل العسكري وحده. وقد أتاح استمرار وجود «داعش» والخوف العالمي من توسعه إلى روسيا اعتبار تدخلها في سورية كوسيلة للوقوف في وجه هذا التهديد.

ولكن إذا كانت روسيا تعتبر «داعش» تهديداً مصيرياً، فلا بد من التساؤل عن سبب عدم استجابة موسكو طلبات القوة الجوية السورية المتكرّرة بإرسال قطع الغيار للطائرات المقاتلة في المطار العسكري بالقرب من تدمر في الفترة التي شهدت تمدّد «داعش» في تلك المنطقة. كما أنه يطرح سؤال لماذا لم تكن روسيا أكثر حسماً في العمل مع الجيش السوري للتصدي للألوية الشيشانية داخل «داعش»، والتي تستخدم سورية كساحة تدريب لتنفيذ نشاطات لاحقة داخل روسيا.

على رغم أن الكتائب الشيشانية هي مدعاة للقلق بالنسبة إلى روسيا، فهي ليست حتى الآن تهديداً كبيراً بما فيه الكفاية لتحفيز زيادة مشاركتها في الأزمة السورية. هذا يدل على أنه بالنسبة إلى روسيا، إيجابيات وجود «داعش» تفوق السلبيات. هناك عنصران إيجابيان لوجود «داعش». الأول هو إضعاف المعارضة السورية، حيث يواصل التنظيم الهجوم في المقام الأول على المعارضة السورية وليس النظام. والثاني هو تقسيم المعارضة السورية، حيث أن الجهات المعنية الإقليمية تحاول مكافحة «داعش» من خلال تمكين مجموعات مختلفة من المتمرّدين السوريين، من الجماعات الإسلامية في الشمال إلى المعارضة المعتدلة في الجنوب، وهذه المجموعات هي بدورها في منافسة مع بعضها بعضاً.

لكن هذه الفائدة قد تنتفي إذا بدأ «داعش» يشكل خطراً حقيقياً على الأراضي الروسية. وفي الوقت نفسه، ترى روسيا جلياً أنه حتى مع زيادة الدعم العسكري، لا يمكن نظام الأسد كسب الحرب. ولذلك، فإن السبب وراء إرسال موسكو المعدات العسكرية في هذا الوقت إلى منطقة الساحل، معقل النظام، يتلخّص بالدافع السياسي والتخطيط للمستقبل.

توقيت إرسال هذه المساعدات مهم. بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة لجلب المعارضة والنظام للاتفاق على إجراءات تهدف إلى إرساء الثقة المتبادلة، مثل اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية التي لم تتحقّق، يوسّع مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية، ستيفان دي ميستورا، محادثاته الثنائية والمتعددة الأطراف مع شخصيات النظام والمعارضة على حد سواء وكذلك مع الجهات الدولية في الصراع السوري. وزادت المحادثات مع الاستعداد لبدء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبينما لا يوجد اتفاق حول سورية في الأفق حتى الآن، فقد أظهر المبعوث جديّة في محاولة إيجاد تسوية للصراع.

وقد تزامن نشاط دي ميستورا مع إبرام الاتفاق النووي الإيراني. في حين أن إيران ليست مستعدّة للتحرّك في مناقشات مع الغرب على سورية حتى الآن، فإن الاتفاق النووي يمهّد الطريق لمثل هذه المحادثات في المستقبل. ولذلك، فالمساعدات العسكرية الروسية هي أداة وقائية تهدف إلى الضغط على خصوم موسكو السياسيين خلال أي مفاوضات مستقبلية حول النزاع السوري من أجل منحها صوتاً مهماً في التسوية. كما أنها تمهد الطريق لروسيا كي تقدم خريطة طريق للتسوية بعد ضمان مصالحها.

فشكل التسوية يهم روسيا أكثر من الأسد. على رغم أن روسيا لا تزال تعبّر عن دعمها بشار الأسد، فهي أكثر اهتماماً بضمان النفوذ على الحكومة الانتقالية السورية مستقبلاً بغض النظر عن مصير الأسد نفسه.

اليوم يستفيد بشار الأسد من المساعدات الروسية للجيش لأنه عيّن الموالين كنقطة الوصل بين الجيش السوري وموسكو، والذين من خلالهم يتم رسم العقود العسكرية وتوزيع المساعدات. لكن الجيش السوري لن ينهار مع انتهاء دور بشار الأسد، لأن الجيش يضم عدداً من الضباط العلويين الذين لديهم القدرة على الحفاظ على ما تبقى من مؤسسة الدولة هذه.

هؤلاء الضباط لديهم علاقة قوية مع روسيا، وهم موجودون في معاقل النظام في منطقة الساحل ودمشق. لذا موسكو ليست رهينة لشخص بشار الأسد، كما أنها غير ملتزمة حدود الدولة السورية كما هي عليه حالياً. ما يهم موسكو أكثر هو وجود موطئ قدم سياسي في بلاد الشام من خلال ضمان وجود حليف في المنطقة بغض النظر عما يحدث لبشار الأسد أو للخريطة السورية.

إن إرسال المساعدات إلى اللاذقية وليس إلى تدمر يشير إلى أن روسيا سوف تكون راضية عن سيناريو تتقلص فيه الدولة السورية إلى إقليم تحت سيطرة حليف عسكري ويقطنه العلويون والأقليات الأخرى كما الموالون لروسيا من الطائفة السنية. في الواقع، إن النزوح الجماعي للاجئين والمهاجرين السنة من سورية يسهل لروسيا التحكم بمثل هذا الإقليم.

على هذا النحو، ليس المقصود من أي مساعدات للجيش السوري تمكين النظام من استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، بل هي تخدم تعزيز علاقات موسكو مع هذه المؤسسة العسكرية. إن كان لا بد من التضحية ببشار الأسد كجزء من المفاوضات المقبلة حول النزاع السوري، أو إذا أصبح موضوع الانقلاب من الداخل، فإن دعم الجيش السوري سوف يحافظ على نفوذ روسيا في سورية. هذا الحفاظ ليس فقط لأن الجيش قد يلعب دوراً سياسياً في التسوية، ولكن أيضاً لأن أي حكومة انتقالية بعد الأسد ستوحّد وتمكّن الجيش السوري.

وبالتالي، زيادة المساعدات العسكرية الروسية هي تحرك سياسي بصير يمكّن موسكو من الحفاظ على مصالحها بغض النظر عن شكل تسوية الصراع السوري، وربما تكون الخطوة الأولى نحو محاولة روسيا «امتلاك» حلّ للأزمة في غياب المبادرة من قبل المجتمع الدولي.

 

 

* كاتبة لبنانية

الحياة

 

 

 

فليبدأ بوتين بمنع الأسد من استخدام البراميل المتفجّرة/ عبدالوهاب بدرخان

عندما يلتقي الرئيسان الأميركي والروسي فليس هناك ما يمكن أن يطمئن شعب الدولة الثالثة التي يتحادثان بشأنها. للدولتين الكبريين تاريخ من السمعة الدموية تشهد عليه فييتنام وأفغانستان، واللائحة تطول بين حروب مباشرة وأخرى بالوكالة. وكان الهدف في لقاء نيويورك أن يتفق الاثنان على قواعد جديدة للعبتهما في سورية، منطلقَين من أنهما كانا دائماً متفاهمين، غير أن فلاديمير بوتين برهن امتلاك استراتيجية واضحة عرف كيف يحافظ عليها ويقوّيها طوال أعوام، وهي مضادة تماماً لـ «اللا – استراتيجية» التي اتّبعها باراك أوباما ويواجه اليوم نتائجها. ففي المجمل كان الروسي «شفافاً» في وقوفه إلى جانب نظام وحشي حتى لو تطلّب الأمر إرسال قوات إلى الأرض، وكان الأميركي مخاتلاً في ادعاء دعم الشعب السوري وقد بلغت الكذبة أوجها في مسألة تدريب معارضين معتدلين.

لا مشكلة لبوتين مع إجرام بشار الأسد، وليس لـ «سفّاح الشيشان» أن يلوم أي سفّاح آخر على أعماله، حتى أن «القيصر» الروسي وجد سبيلاً غير متوقّع لإثبات «عظمتـ» ه بدفع عواصم الغرب جميعاً إلى الانقلاب على مواقفها التي كانت تطالب بـ «رحيل الأسد» أو تنحّيه. فالجميع يقول الآن أن المشكلة هي إرهاب «داعش»، كأنه أصل الصراع السوري وبدايته، لذلك أمكن الروس أن يغيّروا معادلات كثيرة في سورية بينها تلك التي اعتمدها «التحالف الدولي ضد الإرهاب» بمحاربة «داعش» من دون محاربة النظام لتصبح «محاربة داعش بالتعاون مع الأسد». وفي ذلك تطبيق حرفي واستجابة «عالمية» لم يتوقعها الأسد نفسه لاستراتيجته التي حوّلت قتله شعبه إلى «قضية إرهاب». وإذ ساهم ظهور «دواعش» وتدفق المهاجرين في زعزعة السياسات الأوروبية الداخلية لمكافحة الإرهاب والهجرة فقد صار «الحل الروسي» أكثر نجاعةً بالنسبة إلى الأوروبيين من انتظار تردّد أميركي لا يبادر ولا يتيح لغيره أن يبادر.

بعدما جرّب الأميركيون إدارة الصراع السوري بميوعة صار واضحاً أنها كانت متقصَّدة، فهم لم يشاؤوا التدخل ولم يشاؤوا أن يتدخل آخرون، متغاضين عن التدخل الإيراني، ها هم يحاولون الإيحاء بأن انتقال تلك الإدارة إلى الروس إنما تتمّ بإرادتهم وشروطهم، ولا يتطلّب سوى شيء من التنسيق. غير أن بوتين بذل الكثير لتأكيد أنه لم ولن يعمل وكيلاً للولايات المتحدة، فكلما زادت ضغطها – الإعلامي – لخلع الأسد ازداد بوتين تمسّكاً به، وحتى عندما صارح بعض زواره بإمكان التخلص من رأس النظام السوري فقد عنى أن ذلك يحصل عندما تنتفي حاجة موسكو إليه وتجد بديلاً منه وعندما يُعرض عليها الثمن المناسب. هذا الثمن هو ما انتظره بوتين من واشنطن منذ أعوام، وما يُفترض أن يكون سمع شيئاً عنه من أوباما. بالطبع، لدى الأخير ما يعرضه لكن «القيصر» لن يقنع بأي صفقة طالما أن الغرب أكّد حاجته إليه.

عشية لقاء أوباما – بوتين كان وزراء الدفاع الأساسيّون في دول حلف الأطلسي لا تختلف عن تلك التي يطرحها السوري العادي: كيف نفسّر تدخل روسيا في سورية، هل هو لحماية مصالحها على الساحل، أم لدعم النظام في الصراع الداخلي، أم لمحاربة «داعش»، أم لتعزيز موقعها في أي مفاوضات مقبلة؟ فلا الـ «ناتو» ولا أحد يعرف بالضبط ما هي نيات روسيا فيما كانت هذه تعلن إنشاء «تنسيق استخباري مع إيران والعراق والنظام السوري». أي أن موسكو باشرت بإقامة حلفها الخاص للراغبين في مشاركتها «الحرب على داعش» التي باتت عنواناً لـ «تشريع» كل تدخّل. وأنهى بوتين حملته الديبلوماسية بمقابلة مع قناة «سي بي إس» الأميركية وضع فيها الرأي العام الدولي أمام معادلة «إما الأسد أو داعش»، متيقناً بأن الخيار سيكون لمصلحته.

كيف يمكن العمل مع الأسد؟ سؤال تواجهه الإدارة الأميركية وكل الحكومات الغربية، لا لأنها تهجس بطموحات الشعب السوري بل لاقتناعها بأنها إزاء أمر واقع لم تشأ أن تتوقعه، لكنه طرق أبوابها واقتحم حدودها عبر المهاجرين، وإزاء تطوّر لم تتحسّب له بخيارات يمكن أن تساوم عليها، فلا هي ساعدت المعارضة السورية على بناء كيان تمثيلي متماسك، ولا قبلت بإسقاط النظام عسكرياً خشية البديل الإسلامي، ولا مكّنت المعارضين المقاتلين من الحؤول دون تسرّب الإرهاب أو تسريبه إلى سورية، ولا خاضت حرباً مجدية على الإرهاب، وإذ عنت مجموعة السلبيات عجزها عن القرار لم يتبقَّ لها سوى أن تحصد نتائج تهاونها وتقول نعم للدور الروسي.

غير أن «القبول» بالأسد لن يكون خياراً مطلقاً من دون شروط وضوابط. هذا ما يبدو أن واشنطن تريد حسمه مع موسكو. فبالنسبة إلى محاربة الإرهاب اعتمد «التحالف الدولي» قاعدتين أساسيتين: أولاً، التركيز على ضرب «داعش» من دون التعرّض لقوات الأسد. ثانياً، استبعاد التعاون مع النظام لأسباب عدة منها علاقة بعض أجهزته بـ «داعش» والصفة الفئوية – المذهبية لقواته واستغلاله المؤكّد للحرب على الإرهاب كي يضرب معارضيه… ويتمثّل الإشكال الحالي في أن بوتين يعتبر تعزيز نظام الأسد ممراً ضرورياً للقضاء على «داعش» متجاهلاً التداعيات على الصراع الداخلي، علماً أنه لم يسبق أن قال كلمة واحدة منصفة في حق الشعب السوري.

ولعل مجرّد حديث الرئيسين الروسي والإيراني عن القبول الغربي بـ «بقاء الأسد» باعتباره انتصاراً لهما «مقابل التفرّغ لمحاربة الإرهاب» (حسن روحاني) يعني أن نظام القتلة بات هو الآخر موعوداً بالانتصار على الشعب السوري، بتزكية مريبة من رئيس إيراني «إصلاحي» (!) ومن رئيس روسي يعلن أن بلاده «لا تقدم المساعدة إلا للكيانات الحكومية المشروعة» والدليل، مثلاً، ما يفعله مع الانفصاليين في أوكرانيا.

وبالنسبة إلى «العملية الانتقالية» فإن واشنطن وحلفاءها يريدونها أن تكون: أولاً مستندة إلى حل سياسي حقيقي مبني على تنازلات جوهرية من جانب النظام بمعنى أن يتضح فيه مصير الأسد والصلاحيات الفعلية لهيئة الحكم الانتقالي، وأن تكون ثانياً متزامنة مع بدء العمليات العسكرية المباشرة لتحرير مناطق الشمال الشرقي من سيطرة «داعش»… وثمة فارق كبير هنا بين التصورين الغربي والروسي، فالأول يريد الحصول على بداية تغيير إيجابي وجوهري في مسار الأزمة، وعلى تعاون فاعل من جانب السكان، لذا يسعى إلى إبقاء المطالبة بـ «رحيل الأسد» على الطاولة. أما الثاني فلا يرى سوى النظام ولا يعرف غيره، ويفضّل منهج النظام وإيران (الإرهاب أولاً ثم البحث في حل سياسي) أي الحسم العسكري ضد المعارضة ثم الحسم – وليس الحل – السياسي. وفيما حدد الروسي لنفسه هدفين هما: 1) «إنقاذ الدولة السورية» ردّاً على من يقول أنه جاء لـ «إنقاذ الاسد» و2) الاعتماد على «الجيش الشرعي النظامي» ردّاً على من يسأله كيف سيحارب «داعش»، وهو يبدو بهذين الشعارين كمن لا يعرف الواقع، فالجيش و «الدولة» يعانيان من كونهما أصبحا جهازين «أسديين» وليسا «وطنيَين».

لا مجال للأوهام، فالقمّة بين أوباما وبوتين هي بين متشابهَين، وليست مواجهة بين الخير والشرّ. والفارق الضئيل بين أميركا وروسيا في سورية ليس مبدئياً، ولا يُترجم بأن أميركا أقرب إلى الشعب أو بأن روسيا صانعة سلام، أي أنه لا يتيح الوثوق بأي منهما، فهما تبحثان عن «صفقة» توفّق بين مصالحهما لمصلحتها، على رغم الصراع المفتوح بينهما. ثمة أسئلة ثلاثة يمكن أن توضح طبيعة تفكير الروسي وبواطن دوره، ولا يُتوقّع أن يكون أوباما طرحه على بوتين: 1) اتفقنا معاً على تصفية مخزون السلاح الكيماوي لدى الأسد، لكنه أخفى بعضه ويواصل استخدامه فهل تمنعه طالما أنك تفعل كل شيء وفقاً للقانون الدولي كما تقول، 2) البراميل المتفجرة هي الاختراع الروسي الأكثر فتكاً بالمدنيين فهل تريد وإذا أردت هل تستطيع إلزام الأسد بوقف استخدامها، 3) نحن متفقون على ضرورة الحل السياسي، فهل أنت مقتنع فعلاً بإمكان إنجازه بوجود الأسد، وهل تضمن أنه لن يخرّبه؟

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

 

حرب بوتين السورية/ زهير قصيباتي

مَنْ يكسب ومَنْ يخسر في سورية؟

الحلف الرباعي الروسي- الإيراني- العراقي- السوري، في مواجهة «فشل» التحالف الدولي في القضاء على «داعش»، أو حتى وقف تمدُّده، وخطره في تجنيد عشرات الآلاف من كل بقاع الأرض.

هذا ما علَّمنا إياه سيد الكرملين الذي غاب عن الأمم المتحدة عشر سنين، وعاد «مدافعاً» عنها في مواجهة «قلة أدب» أميركية في التعامل مع المنظمة الدولية.

الوجه الأول للدرس روسي يتحصّن بما يسمّيه شرعية دولية ليطعن في أهداف التحالف والغايات الأميركية، والوجه الثاني إيراني يطمئن العرب الى أنه جاهز لتعليمهم الديموقراطية في سورية واليمن، مثلما فعل في العراق! وإذا كان حضور الرئيس فلاديمير بوتين الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حقق نجاحاً في كسر عزلة موسكو، فإنه في كلمته وخلال لقائه الرئيس باراك أوباما، أعطى ما يكفي من الإشارات الى تصادم واسع مع الأميركي، حول أولويات أي محاولة جدية لإنهاء سفك الدماء في سورية.

لوّح أوباما ووزير الخارجية الأميركي جون كيري بجزرة «غامضة»، كي تبادر موسكو وطهران الى الضغط على نظام الرئيس بشار الأسد، ليوقف القصف بالبراميل المتفجّرة. ربما لم يعد النظام في حاجة إليها، بعد الجسر الجوي الروسي الى اللاذقية، وتزويده عتاداً، يمكّنه من الصمود، في مواجهة الفصائل المعارضة المسلحة وسواها.

يتمسك سيد الكرملين بما يسمّيه معايير القانون الدولي، من دون أن يبرر دفاعه عن نظام يستخدم كل الوسائل في مواجهة خصومه، رغم سقوط أكثر من 240 ألف ضحية. لا يرى بوتين وسيلة لإلحاق هزيمة بـ «داعش» إلا عبر دعم الأسد، ولا يرى أوباما وسيلة للخلاص من سرطان التنظيم إلا بعد رحيل الرئيس السوري. وأما ما فعلته واشنطن بكشف فشل برنامجها لتدريب المعارضة «المعتدلة»، فلم يكن من شأنه إلا أن يخدم المحور الروسي- الإيراني ليدل إلى فشل استراتيجية التحالف مع «أبو بكر البغدادي».

على عكس التوقّعات المتفائلة بمجرد لقاء بين قطب في العالم متهم بالتفرُّد ثم التلكُّؤ والتفرُّج، وقطب يثأر لكرامته، ولو على حساب شعوب أخرى، أجّجت قمة التسعين دقيقة الصراع بين القوى الكبرى في التحالف الدولي ضد «داعش»- ومعظمها لا يقبل التعايش مع بقاء الأسد- والمحور الرباعي الذي ترعاه موسكو تحت غطاء تنسيق استخباراتي، ومركز معلومات لتحليل نيات البغدادي. وإذ قطع بوتين شوطاً طويلاً في تحدي «البطة العرجاء» الأميركية، بعد إرساله مقاتلات حربية وبعض سفن الأسطول الروسي إلى ما يُعتقد أنه «قلب الكيان العلوي» الذي سيدافع عنه سيد الكرملين، ناور أيضاً على ملعب مجلس الأمن. في الظاهر يريد نيل شرعية دولية لقتال تنظيم «وحشي» قلَبَ كل المعادلات في المنطقة، ويهدّد كابوسه آسيا الوسطى، وفي الواقع لن يخدع أحداً بادعاء الدفاع عن وحدة سورية «فردوس الديموقراطية» والتعددية، الذي ينتظر ليتعلم المزيد من الديموقراطية، على الطريقة الإيرانية.

ألا يعيش العراقيون بأمان، في ظل «عدالة» التحالف الشيعي، وفي رعاية قاسم سليماني ومستشاريه؟

قد ينجح بوتين بعد أولى الضربات الجوية الروسية قرب حمص، في الترويج لتدخُّله في سورية بذريعة أنه أوْلى أيضاً بمحاربة «داعش» الذي استقطب آلافاً من القوقاز والشيشان، وإذا عادوا إلى آسيا الوسطى باتوا على حدود القيصر. إذاً، فلتكن سورية «محرقة» لهؤلاء، لا بأس، ولا شأن للشرق والغرب بعدد السوريين الذين ينتظرهم الموت، وهذه المرة بطائرات روسية… إلا إذا كان بوتين يخبّئ مفاجأة كبرى من نوع سلاح تكنولوجي، يرشد المقاتلات في الجو، فتُميِّز بين مَنْ هو من أتباع البغدادي، ومَنْ يناصر «القاعدة» أو «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «الإخوان».

صَمَتَ الكرملين طويلاً عن كل المجازر في سورية، وهو يقتنص الآن اللحظة المريرة للبيت الأبيض. حتى لو فشل- وهو سيفشل على الأرجح- في انتزاع قرار دولي يعلم الغرب أنه سوف يستغله في تأهيل النظام السوري، سيتذرّع بطلب من «حكومة شرعية» في دمشق، لنجدتها عسكرياً.

النكتة الإيرانية السوداء حول نموذج الديموقراطية، لا تكتمل إلا بمزحة بوتين عن الشعب السوري وقراره في اختيار قيادته… ولو واصلت حرب إبادته، بحمام البراميل «الزاجلة». وبين توبيخ روسي لأوباما والرئيس فرنسوا هولاند، وتظاهُر طهران بأنها ما زالت تملك بعض أوراق الصراع في سورية، لا يمكن شعب المأساة أن يتفاءل بفصل أخير، قريباً.

… ولا يمكن المنطقة أن تحلم أيضاً بأن يالطا باتت على مسافة قصيرة.

الحياة

 

 

 

 

الروس قادمون، الروس قادمون/ هشام ملحم

عندما التقى فلاديمير بوتين نظيره الأميركي باراك أوباما الاثنين، تحدث بوتين باسم التجمع الرباعي الجديد: روسيا، سوريا، إيران والعراق. اللقاء، وهو الأول منذ سنتين للرئيسين، جاء بعد أسابيع من الحشود العسكرية الروسية في محيط مدينة اللاذقية، الأمر الذي لم يغيّر طبيعة السجال حول الحرب في سوريا وما هو الحل الأفضل لها فحسب، بل غيّر أيضاً الأوضاع الميدانية. والتدخل العسكري الروسي في سوريا، هو ثاني تدخل عسكري كبير يبادر إليه بوتين خلال 18 شهرا، بعد احتلاله وضمه شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. وفي خطابه في الأمم المتحدة، لم يتحدث بوتين فقط عن صون “سيادة” سوريا بل عن التزامه إبقاء بشار الأسد في السلطة، زاعماً ان الخطر الحقيقي والآني في سوريا هو “داعش” والقوى الاسلامية المعارضة، والتي ينظر بوتين اليها كلها على انها إرهابية.

 

ويسعى بوتين من خلال هذا الطرح إلى تغيير طبيعة النقاش في شأن الحرب في سوريا من خلال استغلال مخاوف الغرب من خطر داعش، وهو الخطر الذي تحول حديثاً الى هاجس غربي، ذلك ان هناك تركيزاً كبيراً على دور “الجهاديين الأجانب” بمن فيهم القادمون من مجتمعات غربية. ويقول بوتين لأميركا وحلفائها الأوروبيين: اذا اردتم القضاء على “داعش” عليكم التنسيق مع التجمع الرباعي الجديد. وفق هذا التقويم السوريالي للواقع السوري، يتحول خطر نظام الأسد (المسؤول الحقيقي والأبرز عن تحويل سوريا الى مقبرة جماعية وتهجير أكثر من أربعة ملايين سوري، واقتلاع ثمانية ملايين منهم) الى خطر ثانوي في الخلفية. هذا التشويه لحقيقة الحرب في سوريا بدأ يجد من يقبله في الغرب، إذ رأينا مستشارة المانيا انغيلا ميركل تدعو علناً الى التفاوض مع نظام الأسد، ومناوئاً لنظام الأسد مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحتى وزير الخارجية الأميركية جون كيري يتحدثان عن التعايش مع الأسد ليس فقط كمشارك في العملية الانتقالية (وفقاً لاتفاق جنيف) ولكن ابداء المرونة حيال التفاوض في شأن طول المرحلة الانتقالية.

طرح الخيارات على انها فقط بين نظام الأسد من جهة او “داعش” و”النصرة” من جهة أخرى هو تزوير وتشويه للخيارات الحقيقية. الذين يدّعون ان مواجهة “داعش” بصفته الخطر الآني والمميت يقولون لنا عملياً ان الأسد سوف يبقى في الحكم الى ما لانهاية. الحقيقة التي لا تقبل التأويل هي ان نظام الأسد هو المسؤول عن قتل اكثر من 95 في المئة من السوريين وتهجيرهم. هذا ما تؤكده اكثرية اللاجئين. الأسد هو الجاذب الرئيسي للجهاديين الدمويين. التخلص من وحشية “داعش” يبدأ بالتخلص من البربرية الأبشع لنظام الأسد.

النهار

 

 

 

بوتين يحشد لدعم الدولة العلوية؟/ راجح الخوري

سوريا المدمرة التي تقطر دماً لم تعد مكاناً ملائماً لا للأوهام التي أشاعها خطاب فلاديمير بوتين في الامم المتحدة ولا للمعجزات التي سبق لوليد المعلم ان تحدث عنها عندما زار موسكو قبل أشهر، على الأقل لأننا امام أزمة دامية مستعرة منذ خمسة اعوام تقريباً تحطمت فيها حسابات ورهانات كثيرة .

 

بوتين على الخطى التي اعلنها أوباما منذ البداية فهو لن يقاتل على الارض، صحيح انه أرسل ألفي عسكري الى طرطوس واللاذقية وفق تقارير واشنطن، لكن هؤلاء يسهرون على المقاتلات وشبكات الصواريخ المضادة للطائرات، لكأن “داعش” يملك سلاحاً جوياً!

وهو ايضاً على خطى أوباما المعيبة والخبيثة في تعاميه عن المذابح وتردده في دعم المعارضة، ما وضع السوريين أمام خيار قاتل “إما الديكتاتورية وإما الإرهاب”، عندما يتحدث عن أمرين فيهما الكثير من الخبث والعيب، اولاً عندما يعلن ان ليس في سوريا معارضة بل هناك نظام الاسد والإرهاب الذي يقاتله، بما يعني انه يضع السوريين مباشرة أمام الخيار بين ديكتاتورية النظام وإرهاب “داعش”، وثانياً عندما يعتبر ان الاسد وحده يختزل في شخصه الدولة والشعب السوري!

والدليل ان العالم يدعو منذ ثلاثة أعوام الى حل سياسي على قاعدة تشكيل حكومة انتقالية تستبعد الاسد وتحافظ على ما تبقى من هياكل الدولة، بما يساعد على تزخيم الحرب ضد “داعش”، وليس سراً ان كيري سبق له ان كاشف لافروف بضرورة إيجاد مخرج آمن للأسد، لكن إصرار بوتين على بقائه يحبط الحل السياسي منذ بداية الازمة!

عندما عقد مؤتمر “جنيف -1” في حزيران 2012 كان عدد القتلى لا يتجاوز 50 الفاً، والآن هناك ما يقارب الـ 250 الفاً، وكان عدد اللاجئين لا يزيد على خمسمئة الف وهناك الآن اكثر من 11 مليوناً أي نصف الشعب السوري الذي يدأب بوتين على القول إنه وحده يقرر مصير الاسد، في حين ان الاسد وحده هو الذي يقرر المصير البائس للشعب السوري.

بوتين لن ينزل الى الارض لأنه لا يريد افغانستان سورية، ويعرف ان عديد جيش الاسد كان أكثر من نصف مليون ويقاتل بدعم من موسكو وبمشاركة ميدانية من ايران وأذرعها العسكرية، وكانت النتيجة ان الاسد اعترف بأنه يعاني نقصاً في عديد جيشه ويبرر انسحاباته الى المناطق العلوية، فهل يظن بوتين انه بشحن المزيد من الاسلحة يمكن ان يحسم المعركة؟

وإذا كان يعتبر ان المعركة تحتاج الى تحالف دولي لمواجهة الإرهابيين الذين يشبهون النازية فعلاً، ويعرف جيداً ان عقدة واحدة تعرقل قيام هذا التحالف هي تمسكه بالاسد، فهل نصدق انه يريد حلاً ام أنه يحشد في طرطوس لحماية الدولة العلوية … مجرد سؤال!

النهار

 

 

 

 

عدوان روسي؟/ علي حماده

في بدء التدخل الروسي في سوريا، وبدلا من “داعش”، استهدفت غارات المقاتلات الروسية مناطق ومواقع تحت سيطرة الفصائل السورية المعارضة بما يتناقض مع الذريعة التي قدمها الرئيس فلاديمير بوتين لتدخله العسكري المباشر. ومن الواضح ان المعركة التي يخوضها بوتين هناك تستهدف اول ما تستهدف انقاذ نظام بشار الاسد من الانهيار، وخصوصا بعدما حقق الثوار نجاحات في مناطق الشمال السوري، اهمها في محافظة ادلب على تخوم الساحل السوري حيث نقطة ارتكاز النظام، ومحافظة حماه التي تربط بين الساحل وحمص ودمشق. من الواضح ان التدخل الروسي يأتي في محاولة روسية لملء الفراغ الذي خلفته سياسة الادارة الاميركية الحالية وقلب المعادلة لمصلحة “الحلف الرباعي” الذي يضم الى روسيا كلا من ايران، العراق ونظام بشار في سوريا. ومن المتوقع ان يحقق بوتين نجاحات، وان موقتة، ما دام اوباما يكتفي بمواقف لفظية معارضة لبقاء الاسد، ورفضه المستمر لرفع مستوى تسليح الفصائل المعارضة برفع الحظر عن تزويدها سلاحاً متطوراً مضاداً للطائرات بهدف تحييد سلاح الطيران الاسدي. والان وبعدما دخل سلاح الطيران الروسي مباشرة على الخط لمحاربة الثورة السورية، سيكون من شبه المستحيل ان يغير اوباما قراره برفع الحظر عن الصواريخ المضادة للطائرات، مخافة ان يعتبر الروس ان اميركا تدخل على خط مواجهة مباشرة.

 

لم يكن لبوتين ان يقدم على خطوته الحالية لو لم يدرك ان ادارة اوباما محجمة عن اي تدخل جدي يسرع في انهاء الصراع في سوريا بإسقاط بشار الاسد، وادخال البلاد في مرحلة ما بعد النظام والاحتلال الايراني. اننا نقف اليوم بإزاء عدوانين ايراني وروسي على سوريا، فيما تعلن الكنيسة الروسية ان روسيا تخوض اليوم حربا مقدسة بما يذكر ويا للاسف بنداءات الحملات الصليبية قبل ألف عام، والتي أدخلت المشرق في قرنين من الحروب الدموية.

ان التدخل الروسي هو بنظر ملايين من المسلمين والعرب في المنطقة عدوان موصوف، ولا يجوز التقليل من اهميته وخطورته على مستقبل المنطقة. و كما ادخل الاتحاد السوفياتي السابق منطقة وسط اسيا في عهد حروب لم تنته حتى اليوم بغزوه افغانستان، فإن التدخل المباشر في سوريا تحت شعارات “الحرب المقدسة” سيطيل عمر الصراع في سوريا، من دون ان يقضي على “داعش”، الذريعة التي يقدمها الرئيس بوتين، ومحاولة حسم الصراع في سوريا لمصلحة محور “الحلف الرباعي”.

ان الثورة السورية بفصائلها كافة مدعوة الى الاتحاد في مواجهة “الحلف الرباعي”، كما ان الدول الداعمة للثورة مدعوة الى تكثيف دعمها لها، وكسر الحظر الاميركي المفروض على السلاح النوعي، ولا سيما أن سياسة الرئيس الاميركي الرخوة والمتخبطة والمتواطئة ضد حلم السوريين بالحرية هي السبب الاول لاطالة عمر المجزرة الحاصلة في بلاد الشام. ان مسؤولية اوباما عن حمام الدم السوري اكبر واعمق من احلام بوتين وخامنئي الامبراطورية.

النهار

 

 

 

 

عندما يصير الأسد ابناً للدب/ وائل قنديل

تحارب روسيا في سورية، من أجل داعش أولاً، ثم الأسد ثانياً، أو من أجل الاثنين معاً، إذ لا داعش من دون الأسد، ولا أسد من دون داعش.

ميدانياً، وحسب المتاح عن الضربات الروسية في سورية، أمس، فإن المستهدف لم يكن تنظيم الدولة، بل ثورة الشعب، فالطيران الروسي حدد أهدافه جيداً: مواقع المعارضة السورية المسلحة، وخزان البشر في المناطق المستهدفة، بحيث تكون المحصلة دفع أعداد أكبر من المواطنين السوريين للنزوح والهجرة، وفي الوقت نفسه، إيقاف التقدم الذي تحققه المعارضة على حساب النظام الآيل للسقوط، فيما يبقى بشار الأسد، وتنظيم الدولة، بمنأى عن المواجهة.

لم يأت الروس إلى الأراضي السورية للحرب على الإرهاب، بل للإجهاز على الثورة السورية، وانتشال الأسد. جاءوا ممتلئين بالرغبة في الانتقام والثأر من الذين أخرجوهم من معادلة الحرب في ليبيا.

معلوم، منذ عام 2011، أن موسكو وبكين هما الأكثر عداء للربيع العربي، ومن ثم هما الأحرص من غيرهما على تثبيت أقدام الأنظمة الاستبدادية التي تواجه خطر السقوط أمام رياح الثورات الشعبية. لذا، ليس غريباً أن تفتتح روسيا عملياتها العسكرية في سورية بقصف مواقع الجيش الحر، واستهداف المدنيين. وفي هذا، يجدر التذكير بدراسةٍ وضعها مدير معهد كارينغي للشرق الأوسط، بول سالم، في عام 2011، عن التغيير في العالم العربي، ذهبت إلى نتيجة مفادها بأنه “ما تزال روسيا والصين عموماً مناوئتين للربيع العربي وأنصاره، بالأخص أنّهما تخوفتا من انتشار الاحتجاجات المؤيّدة للديمقراطية إلى بلدانهما. في الواقع، وصلت إرهاصات الربيع العربي إلى روسيا، في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2011، عندما تعرّض حزب رئيس الوزراء بوتين إلى تراجع قوي في نتائج الانتخابات، واندلعت تظاهرات واسعة النطاق في موسكو ومدن أخرى، احتجاجاً على تزوير الانتخابات. من جانبها، قامت الصين بحملة قمع صارمة منذ الأيام الأولى للربيع العربي، وحظرت عبارة “ثورة الياسمين” و”الربيع العربي”، و”مصر” و”ميدان التحرير”، من محرّكات البحث على الإنترنت.

لا يمكن التغاضي، أيضاً، عن أن موسكو تشعر بالمرارة، لأنها خرجت خالية الوفاض من المعضلة الليبية التي انفرد بالتحكم في صيرورتها كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعد دخولهما، وحدهما، تحت مظلة جامعة الدول العربية، لحسم الأمر ومساعدة قوات المعارضة في اقتلاع معمر القذافي، رجل موسكو، من الحكم، وكان أقصى ما استطاعت روسيا والصين عمله أنهما امتنعتا عن التصويت على قرار فرض منطقة حظر طيران على ليبيا.

تحاول روسيا، الآن، في سورية تعويض ما خسرته في ليبيا، غير أن دمشق 2015 ليست طرابلس 2011، فالوضع على الأرض في سورية بات أكثر تعقيداً، وامتداداً، على نحو ينذر بالانزلاق إلى مستنقع حرب شاملة، تغذيها عوامل طائفية وعرقية وإقليمية ودولية، يمثل فيها نظام بشار الحلقة الأضعف، كونه يفقد السيطرة يومياً على مساحات، لصالح تنظيم الدولة من جانب، والمعارضة السورية المسلحة من جانب آخر.

غير أن الأخطر من هذا كله أن التدخل الروسي الفج في القتال من شأنه أن ينضج محصول الغلو والتطرف قبل الأوان في المنطقة العربية، ويمنح دعماً هائلاً لمفرخات داعش الموجودة في كل مدينة عربية، ويستدعي مخزوناً من الغضب العنيف لدى قطاعات واسعة من الجمهور العربي، تعايش ظلماً فادحاً وازدواجية معايير صارخة، يمارسها النظام الدولي كل يوم، الأمر الذي يوفر البيئة المواتية لاستقطاب موجات من الانتحاريين والجهاديين.

يدفع العالم الآن الثمن الباهظ لإطلاق قوى الاستبداد القديمة والثورات المضادة، لالتهام الربيع العربي، بما أسفر عنه من نتائج، كان أهمها وأبرزها إدماج القوى الإسلامية الراديكالية في ممارسة لعبة الديمقراطية، ثم فجأة تواطأ الجميع على هذا المنجز الهائل، وأشعلوا النار في الربيع، فاحترق مبدأ الانتخاب، وسيلة للمنافسة السياسية، وقيل للكافة بأوضح العبارات: البقاء للأكثر تسليحاً.. فعادوا مسلحين.

إن التكفيريين الأخطر والأسوأ هم الذين دفعوا الناس إلى الكفر بفكرة التغيير السياسي، بالوسائل والأدوات الديمقراطية المحترمة. وبهذا المعيار، سيبقى الروس والأميركيون والأوروبيون الآباء الروحيين لكل تنظيمات العنف التي ولدت ونمت في حضاناتهم.

العربي الجديد

 

 

 

سوريا بين بوتين وأوباما!/ ليونيد بيرشيدسكي

عادة ما يكون أفضل طريق لحل الصراعات هو ذلك الذي يكون منطقياً أكثر من غيره، وليس الذي يبدو جذاباً وعاطفياً. بهذا المعيار، يمكن القول إن الرئيس الروسي بوتين قد تمكن من التغلب على نظيره الأميركي أوباما في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي، وإن فحوى ما قاله الزعيمان خلال الجلسة يوحي بأنه ستكون هناك، على الأرجح، تسوية ما بشأن سوريا.

 

في خطابيهما وجه كل رئيس اللوم للآخر: فمن المؤكد أن أوباما كان يشير إلى استحواذ هاجس المنظمات الغربية غير الحكومية على بوتين، الذي ينظر إلى تلك المنظمات على أنها أدوات لتغيير النظام، عندما قال: «إن الذي يكشف الفساد، ويرفع من سقف توقعات الناس عبر العالم، ليس المؤامرة من جانب المنظمات الحكومية المدعومة من قبل أميركا، وإنما التكنولوجيا، ووسائط التواصل الاجتماعي، والرغبة التي لا يمكن الحد منها لدى الناس في كل مكان، الذين يرغبون في اختيار الكيفية التي يُحكَمون بها».

 

 

 

بوتين، من جانبه، كان يقصد أوباما بالتأكيد عندما أشار إلى العنف والعواقب الإنسانية الوخيمة التي تلت «الربيع العربي» بقوله: «هذا يستدعي توجيه سؤال للذين خلقوا هذا الموقف، وهو: هل تفهمون حقاً ما الذي ارتكبتموه؟

كان بوتين يشير أيضاً إلى جهود الولايات المتحدة، للتفاوض على اتفاقيات تجارية جديدة مع أوروبا والدول المطلة على المحيط الهادئ، خارج إطار منظمة التجارة العالمية، عندما تحدث عن «الشراكات الاقتصادية المغلقة والحصرية التي يتم التفاوض عليها في الخفاء».

 

ومن الواضح أن كلا الزعيمين كانا بحاجة إلى التنفيس عن مشاعرهما قبل أن يلتقيا وجهاً لوجه. ومن حيث الجوهر، يمكن القول إن أوباما أظهر الجانب الأضعف؛ حيث اكتفى بالتأكيد على رفضه الاستجابة للمنطق الذي يتم بمقتضاه دعم الأنظمة المكروهة «مثل نظام الطاغية بشار الأسد الذي يسقط البراميل المتفجرة لقتل الأطفال الأبرياء»، من أجل محاربة الإرهاب.

 

ومع ذلك فإن أوباما لوح بخيار التسوية عندما قال إن الولايات المتحدة راغبة في العمل مع روسيا وإيران من أجل فترة انتقالية، بعيداً عن الأسد، ونحو انتخاب زعيم جديد، وتشكيل حكومة وحدة تعترف بضرورة إيجاد نهاية لهذه الفوضى العارمة.

 

بيد أن ذلك لا يرقى كثيراً إلى مستوى الخطة. فأوباما، حتى لو حاول، لن يستطيع تسمية الأشخاص أو القوى التي يمكن أن تنتقل إليها السلطة من الأسد. فما يوصف بـ«المقاومة البناءة» المدعومة من قبل الولايات المتحدة، أظهرت ضعفها بدرجة لا تسمح لها بالصمود ضد الأسد أو «داعش»، وتمكينها الآن بالكاد يمكن أن ينهي الصراع.

 

لهذا قال أوباما: «هذا العمل سيستغرق وقتاً فليست هناك إجابات سهلة في سوريا».. وهي رسالة لا يريد سماعها اللاجئون السوريون الذين يتكدسون في المخيمات في العديد من الدول، ويخاطرون بحياتهم من أجل الوصول إلى أوروبا؛ كما أنها رسالة لا معنى لها بالنسبة لحكومات الدول المضطرة للتعامل مع موجات طالبي اللجوء السوريين، خصوصاً وأن الولايات المتحدة لم تقدم أي جهد في هذا الخصوص.

 

أما الميزة التي انطوى عليها خطاب بوتين فهي كونه عرض خطة واضحة كما يتبين من قوله: «لقد حان الوقت أخيراً كي نعترف أنه بخلاف القوات الحكومية التابعة للرئيس الأسد، والميليشيات الكردية، ليس هناك من يقوم بمحاربة داعش في سوريا».

 

والرسالة التي يوجهها بوتين من خلال ذلك تتلخص في وصفة بسيطة: ادعموا الأسد، وساندوا الحكومة القائمة في العراق من أجل هزيمة «داعش». وبالإضافة إلى بساطة هذه الوصفة، فالشيء الجيد هو أنها لا تتعارض مع دعوة أوباما لإجراء «انتقال مُدار» في سوريا.

 

ونظراً لأن مقاربة بوتين تبدو معقولة، فإن القادة الغربيين بدأوا يدعون إلى دور روسي أكبر في حل الأزمة السورية. ولو لم يكن أوباما مستعداً لبحث ذلك الأمر -الدور الروسي- لما استغرق اجتماعه مع بوتين 90 دقيقة كاملة.

 

ورغم أن الاجتماع بدأ بإشارة أوباما إلى العدوان الروسي على أوكرانيا، إلا أن معظمه قد خصص للأزمة السورية؛ ومع أنه لم يتم تحقيق اختراق خلال الاجتماع، إلا أن الجانبين أكدا على ضرورة التواصل بين قواتهما العسكرية في المنطقة لمنع أي صدام غير مقصود على الأراضي السورية، وهو ما يعني أن الحوار قد بدأ بالفعل.

 

السعي لمثل هذه التسوية التي يبدو أنها تبدأ الآن، هو في حد ذاته تغيير مرحب به، من جانب هؤلاء الذين تعرضوا لخطر الموت أو التهجير في السنوات التي كان فيها خيار التسوية غير مطروح على الطاولة.

كاتب روسي مقيم في برلين

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

 

 

 

 

 

 

 

المفاوضات الغربية الروسية حول سورية/ رندة تقي الدين

لم يغير فرنسوا هولاند موقفه من ضرورة رحيل بشار الأسد في إطار حل سياسي لسورية. فرغم اللغط الذي أثير حول أن فرنسا أبدت بعض المرونة بالنسبة إلى احتمال أن يكون الأسد جزءاً من الحل، أكد هولاند في كل المناسبات أن الأسد المسؤول عن قتل شعبه وتهجيره بالملايين ونشر الفوضى في بلده وفتح الباب لـ «داعش» لا يمكنه أن يفاوض الذين قاتلهم.

وبدد باراك اوباما أمس في نيويورك الشكوك حول الموقف الأميركي من بقاء الأسد عندما أكد موقفاً مشابهاً للموقف الفرنسي. وكانت القناعة قبل خطاب اوباما أن الولايات المتحدة ستتساهل مع روسيا في موضوع بقاء الأسد من أجل بدء المفاوضات مع النظام. ولكن خطاب اوباما أثبت أنه يدرك أن الأسد هو سبب ما انتهت إليه الأوضاع في سورية وهو المسؤول عن قتل شعبه بالكيماوي وبالبراميل. في حين أن الشعب السوري كان في البداية يتظاهر سلمياً. وبدا الشرخ بين روسيا والولايات المتحدة وفرنسا في القمة عندما ألقى فلاديمير بوتين خطابه مدافعاً عن الأسد والنظام السوري. ولكن الغرب مصر على التحاور مع روسيا. فأوباما عقد اجتماعاً مع بوتين دام ٩٠ دقيقة حول اوكرانيا وسورية. وكان الخلاف والتباين حول سورية وبقاء الأسد عميقاً. والإدارة الأميركية تتخوف من التعزيزات العسكرية الروسية في سورية وأنها تعقد الأمور ولكنها تريد الاستمرار في التفاوض مع بوتين. وهولاند يستعد لاستقبال بوتين بعد ظهر يوم الجمعة، في إطار المحادثات الرباعية حول اوكرانيا التي تشارك فيها المستشارة الألمانية انغيلا مركل وسيتحاور معه حول سورية.

إن العلاقة الاوروبية الروسية وخصوصاً الفرنسية الروسية أفضل من العلاقة الأميركية الروسية لأنها أقل توتراً. فقد ظهر ذلك عندما ألغت فرنسا صفقة حاملتي الطائرات «ميسترال» إلى روسيا بسبب العقوبات وتمت تسوية قضية الأموال التي دفعتها روسيا لشراء هذه الناقلات التي اشتراها الرئيس عبدالفتاح السيسي لمصر. إن التحاور بين فرنسا وروسيا وألمانيا قد يكون مفيداً بالنسبة للقضية السورية ولكن بوتين لن يسلم بهذه السهولة لاوباما حول سورية لأنه يدرك الآن أنه المسيطر في سورية. فهو يريد العودة إلى هيمنة الاتحاد السوفياتي على جزء من الشرق الأوسط. وكان هذا حلمه منذ بداية عهده. وها هو يعزز قواته العسكرية في سورية ويجازف بإدخال روسيا في مستنقع قد يصبح مثل أفغانستان. فهناك آلاف من مقاتلي الشيشان يحاربون إلى جانب «داعش». والتعزيزات العسكرية الروسية لن تمنع حدوث عمليات إرهابية ضد الروس في سورية. وروسيا في شبه منافسة مع إيران على الأرض السورية. فإيران تريد السيطرة على سورية ولبنان عبر «حزب الله» وروسيا تريد البقاء في سورية لأنها الباب الوحيد المتبقي لها في الشرق الأوسط، لذا تتمسك بالأسد. فلعبة الدول تنهك شعباً وتهجره في سبيل عائلة الأسد التي لم تكن لها شرعية للحكم بعكس ما يقول بوتين. فحافظ الأسد استولى على الحكم بانقلاب عسكري ونجله بالوراثة. فشرعية النظام التي تحدث عنها بوتين هي بدعة روسية كما فعل عندما وضع ميدفيديف مكانه في رئاسة الدولة لفترة وجيزة.

إن الحل في سورية في مثل هذه الظروف لا يمكن أن يكون سياسياً. فالحرب السورية ستطول ومأساة الشعب السوري معها، طالما بقي الأسد من جانب و «داعش» من جانب آخر. وخراب الدول المجاورة نتيجة هذه الحرب وتفاقم مشكلة اللاجئين أيضاً. وفي الوقت نفسه، ظروف المعارضة السورية الوطنية بالغة الصعوبة. فهي منقسمة ووحدها فرنسا ورئيسها هولاند يهتمان بها. فقد التقى هولاند رئيس «الائتلاف» السوري خالد خوجة ووفد المعارضة، في حين أن حتى وزير الخارجية الأميركي جون كيري لم يهتم بلقائهم وأوكل ذلك إلى نائب له. واوباما منذ أن التقى وفداً من «الائتلاف» في بداية تشكيله، لم يكن معجباً بهم ولم يشجعهم بسبب انقساماتهم التي تفاقمت لاحقاً. وربما كان على المعارضة المعتدلة أن تغير أداءها لتلعب دوراً أهم. ولكن الأحداث في سورية تحتاج إلى حسم عسكري من مقاتلين يريدون تحرير بلدهم من الأسد و «داعش». ولكن الأمور بالغة الصعوبة، فكيف تتمكن المعارضة المعتدلة من الحسم العسكري وهي تواجه قوات النظام و «داعش» وروسيا وإيران و «حزب الله» وهي شبه متروكة دولياً؟ فالمأزق كبير والحسم العسكري خطير والحل السياسي غير وارد حالياً إلى أن يحدث خرق في مفاوضات بوتين مع الغرب.

الحياة

 

 

روسيا زائد تحالف الشراكة في سورية/ أحمد جابر

مما يصح قوله، نفي المفاجأة عن الخطوة الروسية الأخيرة، ومما يجب قوله، أن التمهيد للنقلة العسكرية الروسية تراكمت مقدماته منذ التلعثم السياسي الدولي الأول الذي ظل سمة غالبة على سياسة الولايات المتحدة الأميركية، فكان ذلك كفيلاً بحجب كل سياسة تدخلية وازنة إلى جانب الاعتراض السوري، الذي صار فصائل اعتراضات لاحقاً، وكان التلعثم محفزاً لداعمي النظام وللنظام ذاته، فأدلى الجميع ببياناتهم القمعية الفصيحة.

روسيا اليوم تكرس حقها بالمطالبة بحصة نفوذ في سورية بعد أن لامست حدود الحصص ترسيماً آنياً على أرض الواقع، قد لا تبدل في صورته كثيراً، أو على نحو دراماتيكي ريش الترسيم النهائي وأقلامه. اختيار عنوان تعزيز التدخل في سورية والدخول المكثف على خطوطه، لا يخرج على العنوان الذي بات «قميص عثمان» كل الفاعلين في الشأن السوري، هكذا ضمن الروسي، ويضمن حتى إشعار آخر شرعية النشاط القتالي المباشر تحت لواء مقاتلة الإرهاب الناشط فوق الأرض السورية، وفي طليعته تنظيم الدولة الاسلامية «داعش»، الذي نما برعاية التخلي السياسي العام، وبمؤازرة النظام المقفل والعصي على كل إصلاح.

وما أثير من كلام خجول على ألسنة بعض مسؤولي قوى التحالف الدولي، لا يتعدى تسجيل الموقف الذي تبدو غايته الأولى رسم حدود «الاندفاعة» الروسية، وهو بذلك بعيد عن مسألة رفض الدور مثلما هو بعيد عن مساءلته أو عدم تحبيذه. راية التحالف في الموضوع الإرهابي وارفة الظل إلى المدى الذي يحيط بقامة القوات الروسية وبمدى طيران طائراتها.

إذاً، ومن خارج الاستنكار أو الحيرة أو الترحيب، جاء الروسي ليجلس إلى الطاولة كضيف وصلته دعوة موضوعية، أي من طريق غير مباشر فرضت التطورات العامة مساره حتى صار مباشراً. من العادي، عند افتتاح الكلام بالتصريح، أن يعلن الروسي أنه هنا لدعم النظام السوري الذي ما زال موجوداً في الميدان وفي مؤسسات الحكم التي ما زالت شرعية. لا يحيد التصريح الروسي عن الجادة عندما يصنف النظام ورأسه كطرف من أطراف الحوار حول المسألة السورية، بل إن كل ما يفعله هو التأكيد على عدم قدرة أي من أطراف الصراع على حسم وجهة الميدان في صالحه، حسماً واضحاً بيناً لا لبس فيه. حالة عدم القدرة يتقاسمها أهل الفعل في الداخل، وأهل الدعم من الخارج، ولأن الأمر كذلك فلا حرج لدى الروسي اذا ما اعتبر البعض أن ما تبقى من جيش نظامي سوري صار أقرب إلى الميليشيا لناحية العديد والممارسة والانتهاكات، لكنه ما زال الميليشيا الأفضل تنظيماً، والتي تخضع لتراتبية انضباط وولاء لا لبس فيها.

وضعية النظام بحالته الأهلية، جعلته من جهة فاقداً للأهمية الوطنية، أي لمسؤوليته عن عموم الأرض وعموم الشعب، وجعلته من جهة أخرى رهينة المانحين والداعمين الذين بات وجود النظام، أو رأسه بالأحرى، ضرورة سياسية لهم، وبات الوجود فقط هو كل ما يرجوه النظام من هؤلاء المانحين والداعمين. مصلحة ظرفية مشتركة تجمع بين النظام وداعميه إلى أمد قد لا يطول طويلاً، لكن الطريق اليه معبد بالتقلبات والتفاهمات وتبادل الرسائل … والودائع أيضاً.

على أكثر من قراءة صار النظام السوري، ممثلاً برأسه وبالخلية الضيقة المتحكمة به، وديعة لدى أكثر من طرف داعم. يتوزع الداعمون على درجات ومستويات، والتصنيف المعتمد لكل منهم لدى التحالف الدولي الذي يحارب الإرهاب، يساعد على تفسير التأثير والنفوذ المستقبلي لكل طرف داعم على حدة. لعل الروسي لا يستثير حساسية سورية ولا حساسية عربية ولا توجساً غربياً. الروسي اليوم ليس الاتحاد السوفياتي، أي ليس الاشتراكية ولا الشيوعية، والعصر ليس عصر الحرب الباردة التي شهدت صراع الأفكار والسباق إلى السيطرة على مناطق النفوذ، بل لعل الأقرب إلى الواقع أن ما يحصل هو نوع من «العولمة العسكرية» التي يتخلى ضمنها البلد الأكثر تطوراً عن تصنيع بعض المنتجات، فيعهد بها لغيره، وعليه ربما يعهد التحالف الدولي إلى شريك يسعى إلى حصة في العولمة العسكرية، مع ما يلحقها من ميزات اقتصادية وسياسية تفاضلية، وهذا الأمر يلقى رغبة وحماسة لدى الروسي الذي ما زال يتمسك، ربما بالحنين الى لعب دور الدولة العظمى.

لا تتحدث روسيا العربية. لا تعمل روسيا بواحد من أحكام المذاهب الخمسة الكبرى. لهذا وذاك، لا تستطيع روسيا أن تكون داخلاً ضمن الدواخل العربية. هذا الامر الأخير تستطيعه إيران، لذلك قد نجد التحالف مفتوحاً ولو مداورة للشريك الروسي، وقد يظل غير مفتوح في شكل واسع أمام الطامح الإيراني، وقد يلقى الهوى الروسي هوى لدى أبناء الضاد، أولئك الذين لم تساعدهم طهران على تجاوز «صعوبة تعلم» اللغة الفارسية. من يدري؟!

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

أوباما وبوتين وعقدة الأسد!/ راجح الخوري

بوتين في الامم المتحدة، وليس من الواضح كيف اتفقا على “العمل من أجل التغلب على الخلافات القائمة”، على ما قال بوتين بعد اجتماعهما.

عندما أعلن جون كيري بعد محادثاته مع سيرغي لافروف أن الاسد يمكن ان يبقى لمرحلة انتقالية، بدت واشنطن كأنها تردح وراء المانيا وبريطانيا وحتى تركيا في موضوع بقاء الاسد مرحلياً، وهو ما مثّل قشرة الموز الروسية التي ألقيت تحت اقدام الديبلوماسية الدولية، في حين كان بوتين ينفّذ إنزالاً عسكرياً في طرطوس واللاذقية، بما أحرج اوباما وأظهره متوارياً ومرتبكاً أمام الهجمة الروسية في سوريا التي تشغل العالم وتشكل العنوان الاول في دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

لهذا كان من الواضح ان أوباما الذي تحدث مدة 45 دقيقة، لم يكتف بتعمّد تصحيح الصورة عبر تشديده على ان “الاسد طاغية يقصف شعبه بالبراميل المتفجرة ويقتل الأطفال ولا مكان له في المرحلة الانتقالية”، بل وجّه إدانة الى الذين يؤيدونه على قاعدة المفاضلة بين الديكتاتورية والإرهاب!

وفي حين كرر بوتين ان الشعب السوري وليس أوباما او هولاند هو من يقرر مصير الاسد [نصف الشعب السوري في المقابر والبحار واللجوء] تمسك أوباما بالقول ان لا استقرار في سوريا مع بقاء الاسد.

على رغم الحديث عن تفاهم على التنسيق بين الجيشين الروسي والاميركي في الفضاء السوري، ليس من الواضح معنى الإشارة الى ان روسيا يمكن ان تنضم الى الائتلاف الدولي لضرب الإرهاب وهي التي تدعو الى تحالف جديد يضم ايران والعراق والنظام السوري.

نقطة خلاف جوهرية أخرى برزت عندما أنكر بوتين صراحة وجود معارضة سورية معتدلة، معتبراً ان ليس في الساحة سوى جيش الاسد والإرهابيين الذين يقاتلهم، مشيراً الى ان الذين دربتهم اميركا انضموا الى الإرهابيين مع أسلحتهم.

الإجماع على ضرورة اجتثاث “داعش” والإرهابيين يحتاج الى تنظيم، فعندما يقول أوباما إنه مستعد للعمل مع كل الدول بما فيها روسيا وايران لحل الازمة السورية “ولكن لا يمكن العودة الى الوضع الذي كان قائماً قبل الحرب” بما يعني خروج الاسد، ويرد بوتين بأن عدم التعاون مع الاسد خطأ فادح، يصير من غير المفهوم كيف يتحدث بوتين عن حصول اتفاق للتغلب على هذه الخلافات العميقة!

الثابت الوحيد ان بوتين قفز من المسرح السوري لاعباً كبيراً وألقى كرة النار في وجه الامم المتحدة التي هضمت ابتلاعه القرم ومهاجمته اوكرانيا، والأخطر انه يدعم الأسد حتى إعلان الدولة العلوية فهو لن يقاتل “داعش” على الأرض وقتاله الجوي ليس أفضل من قتال الاميركيين .

النهار

 

بوتين الواضح جداً…/ محمد كريشان

ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للإعلام الأمريكي هذه الأيام أهم بكثير ربما مما قاله من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة. كان صريحا وواضحا للغاية وهو يتحدث لقناة «سي بي سي» حين قال «أنا أساند الأســد».. وحين سئل عمّا إذا كانت مشاركة بلاده في التحالف ضد «الدولة الإسلامية» هي محاولة لإنعاش النظام السوري والإبقاء عليه خاصة أنه يخسر الحرب على الأرض، لم يتردد في الرد بلا لبس: «هذا صحيح».

لم يقل الرجل ما إذا كان استشار الشعب السوري في تدخله هذا مع النظام وهو القائل في نفس المقابلة إن «على الدول التي تريد إسقاط الأسد أن تستشير الشعب السوري لأنه الوحيد الذي يقرر من يحكمه وكيف يُحكم ومن يتولى أموره»، لكنه أوضح في المقابل أن بلاده «لن تشارك في أي حرب برية في سوريا أو في أي دولة أخرى، وليس لدينا أي برنامج بهذا الشأن في الوقت الحاضر، لكننا ننظر في زيادة التنسيق مع الرئيس الأسد وحلفائنا في دول أخرى»، مذكّرا بأن «هناك أكثر من 2000 مقاتل من روسيا ودول الإتحاد السوفياتي السابق موجودون على الأراضي السورية وهناك خشية من عودتهم إلينا، وعوض انتظار عودتهم فإننا نساعد الأسد في محاربتهم».

وخلص بوتين بقطعية صارمة إلى أنه «ليس هناك أي حل آخر في سوريا سوى تقوية الحكومة الشرعية هناك في حربها على الإرهاب» داعيا بالتوازي إلى «إلزام النظام على المشاركة في حوار (كيف؟!) مع المعارضة العقلانية (كيف صنّـفها كذلك؟!) والبدء بإجراء إصلاحات» (ما طبيعتها وهل الأسد مستعد لها؟!!).

هذا الكلام الذي قاله بوتين وإن كرر فيه ما تقوله بلاده دائما لكنه قاله هذه المرة بصراحة ووضوح أكبرين، وهو ما تفتقر إليه القيادة الأمريكية التي تردد الكلام ونقيضه، بميوعة غريبة أحيانا وبصرامة لا أحد ينظر إليها بجدية في أحيان أخرى. أثار كلام بوتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي غيرها من المناسبات الإعلامية هذه الأيام الكثير من التعليقات، بين مرحب ومنتقد حسب موقف كل واحد مما يجري في سوريا.

المنتقدون كثر والانتقاء مما قالوه ليس سهلا، لكن من المفيد التوقف عند ما صرح به مسؤولان سابقان من المعسكر الأمريكي المتنافس مع الروسي بخصوص كيفية معالجة الملف السوري هما وزير دفاع وسفير في موسكو. الأول يفهم الرهانات العسكرية والثاني مطلع على خلفيات القرار الروسي وكيفية اتخاذه والأهم كلاهما متخلص من التحفظ الذي كان يفرضه عليه المنصب.

يقول ويليام كوهين وزير الدفاع السابق (1997-2001) إن «بوتين كان بمنتهى الوضوح في إصراره على دعم النظام في دمشق، فهو نظام حليف ولن يتخلى عنه، ومهما يكن من أمر فإن الحقيقة هي أن دولا خليجية ودولا في حلف الناتو بدأت تقتنع على نحو متزايد بأن الحل في سوريا بيد بوتين وليس بيد الولايات المتحدة».

ويضيف كوهين أن بوتين وضع نظيره الأمريكي باراك أوباما في موقف صعب من خلال زيادة الدعم العسكري للنظام في سوريا وما يتضمنه هذا الدعم من نشر لطائرات قتالية ودروع ثقيلة ومنظومات صاروخية مضادة للطائرات، معتبرا أن هذا الأمر «غيّر قواعد اللعبة عندما يتعلق الأمر بالخيارات الأمريكية في سوريا، وبالتالي فإن أوباما بات يتعين عليه اتخاذ قرار إما بالعمل مع روسيا وإيران أو الاستمرار بسياساته الحالية، وهي سياسة فاشلة حتى الآن».

وخلص كوهين إلى أنه «ليس هناك دعم للإرهاب أكبر من دعم بوتين للأسد ومساعدته على إلقاء البراميل المتفجرة من الجو على المدنيين الأبرياء، فهذا عمل إرهابي وبوتين يؤيده ويقدم الدعم العسكري للنظام الذي يمارسه» معتبرا أنه «إذا كان بوتين معنيا بالحل في سوريا بسبب اشتراك عدد كبير من المقاتلين الإسلاميين الروس في القتال ضد الأسد وخشيته من عودتهم إلى روسيا مستقبلا عليه أن يدرك أن الحل النهائي لن يتحقق إلا برحيل الأسد».

أما السفير الأمريكي السابق لدى روسيا ما يكل ماكفول ( ترك منصبه في فبراير 2014) فيرى «إن حجة بوتين اليوم هي ذاتها التي قالها منذ 4 سنوات وهي مساندة الأسد من أجل إحلال الاستقرار في سوريا بينما نجد اليوم وبعد مرور هذه الفترة أن داعش باتت موجودة في سوريا».

ويضيف «أنه من الصعب تكوين تحالف ضد داعش مالم يبدأ بوتين بالتفكير في إعادة النظر في استراتيجيته» مؤكدا أنه «وإن كان لدينا مصلحة مشتركة في محاربة داعش لكن لا أظن أن الاستراتيجية الروسية هي التي ستقف بقية دول العالم خلفها».

وبين التصورين الأمريكي والروسي، ومن يصطف وراءهما، تستمر مأساة السوريين حتى إشعار آخر…

٭ كاتب وإعلامي تونسي

القدس العربي

 

 

 

الروس في بغداد أيضًا!/ عبد الرحمن الراشد

منذ أشهر والكرملين يسير في طريق مستقيم باتجاه سوريا والعراق، وسرّع من خطواته عقب توقيع الغرب الاتفاق النووي مع إيران الذي ينهي العقوبات الدولية عليها. أما لماذا، فأمر بقي مجهولاً لولا أن التطورات الأخيرة تقدم صورة أوضح لبناء عسكري كبير للروس والإيرانيين في سوريا والعراق.

ويمكن أن نرصد تسلسل النشاط الروسي في بلاد الرافدين منذ تصريحات موسكو عن الديون المستحقة على دمشق، تلتها الدعوة إلى مفاوضات سورية – سورية في موسكو حاولت فرض حل سياسي يبقى فيه بشار الأسد رئيسًا. وجرّبت أن تفرضه على المعارضة السورية التي رفضت الضغوط وعادت غاضبة. ثم تطور الأمر بشحن روسيا سلاحًا إلى سوريا زاعمة أنها مبيعات عسكرية أبرمت سابقًا مع حكومة الأسد. لم تدم الرواية سوى بضعة أسابيع حتى ظهرت مواصفات مختلفة للشحنات المنقولة جوًا وبحرًا، فيها مساكن جاهزة، مع توسيع المطارات. برّرتها موسكو بأنها منشآت لفريق تدريب واستشاريين روس. ثم اكتشف قبل نحو أسبوعين أن عدد طلبات عبور الرحلات العسكرية الروسية في الأجواء باتجاه سوريا كبير جدًا بما يوحي بأنه عتاد للجيش الروسي. وبعد أن ملأ الفيل الغرفة، ولم يعد يفيد النفي صدر أول اعتراف روسي، نعم نحن نرسل قوة قتالية لمساعدة حكومة سوريا على محاربة «داعش» وبقية الإرهابيين. وتتالت صور الأقمار الصناعية لمطار باسل الأسد في اللاذقية، وطرطوس، ودمشق تظهر فيها مقاتلات «سوخوي»، ودبابات «T – 90s» وطائرات هليكوبتر هجومية، ومنظومة صواريخ. وبين الدهشة والتوتر في واشنطن استمر المسؤولون الأميركيون يتحدثون بسذاجة عن إمكانية التعاون مع الروس لمحاربة «داعش». وفي الأسبوع الماضي، ورغم الشكوك في نيات الروس قدّم الأميركيون تنازلاً خطيرًا، معلنين عن قبولهم بحل سياسي روسي «الأسد رئيسًا، مع وعد بأن يتخلى عن الحكم في المستقبل».

القصة لم تنتهِ بعد، فقد اتضح أن المخابرات الروسية افتتحت مكتبًا لها في قلب العاصمة العراقية أيضًا، في المنطقة الخضراء في المبنى المقابل لمبنى وزارة الدفاع!

صُدم الأميركيون، كمن اكتشف خيانة زوجية. وجدوا أن الروس دخلوا العراق أيضًا، لا سوريا! ومن أجل تبرير خيانتها الحليف الأميركي، بالسماح للروس بالعمل في مناطق نفوذ استراتيجية أميركية، اعترفت الحكومة العراقية أنها وافقت على أن تشارك الحكومتين الإيرانية والروسية معلوماتها الاستخبارية عن «داعش»!

لا ننسى أن البيت الأبيض يردد منذ عامين أنه لا يهتم بسوريا، لأنه لا يراها ذات قيمة استراتيجية بخلاف العراق، وأن اهتمامه بسوريا استجابة لحالة إنسانية محضة. وهذا يكشف عن أن الإدارة الحالية لم تتعلّم الدرس الذي تعلّمته إدارة جورج دبليو بوش متأخرة، أن سوريا هي مصدر الخطر الرئيسي على العراق، وكانت وراء هزيمتها. فقد كانت سوريا مقر تجمع مقاتلي «القاعدة»، وما يسمى المقاومة العراقية، وصارت الممر الذي عبروا منه إلى العراق بعد عام 2004. أثبتت تلك السنوات أنه لا يمكن حكم العراق دون تأمين سوريا، ولهذا يقاتل الإيرانيون هناك، لأنهم يعلمون أن من يحكم دمشق يستطيع أن يهدد أو يحمي بغداد.

في تصوري أن الروس لم يتحركوا باتجاه سوريا ثم العراق إلا بعد أن أصبحت حليفتهم إيران خارج الصندوق، أي بعد أن توقيع الاتفاق النووي وإنهاء العقوبات الدولية عليها. ويبدو أن الإيرانيين نجحوا في التغرير بالمفاوضين الأميركيين، بإقناعهم بأن وقف برنامجهم النووي، المتعثر أصلاً، مكسب يستحق كل هذه التنازلات الغربية، بما في ذلك السكوت عن نشاطاتهم وتدخلهم العسكري في العراق وسوريا. والروس قرروا التقدم سريعًا إلى الأمام، وتثبيت وجودهم في بلاد الرافدين.

ولا يوجد لدى إيران، وبالطبع ولا يهم روسيا، نية لحل المأساة الإنسانية للشعبين السوري والعراقي. لأن كل هم الدولتين هو تثبيت حكم الأسد، الذي أصبح مجرد واجهة للنظام الإيراني، وإكمال الهيمنة على العراق. محاربة «داعش» أصبحت مشكلة غربية، ومظلة لمنح الشرعية للقوات الإيرانية وميليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية للوجود العسكري بحجة التعاون مع التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، لمحاربة الإرهاب، الذي مهد لهم الطريق للاستيلاء على بلدين مهمين في الصراع الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

سوريا.. الآن عرفنا خطة بوتين!/ طارق الحميد

بعد طول ترقب، وتكهنات، عرفنا ملخص تفاصيل خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، وأسباب إرساله قوات عسكرية إلى هناك، وملخص خطة بوتين أن ليس لديه من الأساس أي خطة واضحة للحل، وإنما محاولة لاستغلال الفراغ، واقتناص فرصة تخدم أهدافا ذاتية.

ما يحدث يقول لنا إن الروس تأكدوا أن ليس لدى الغرب، وعلى رأسه أميركا، خطة واضحة وجادة، واستشعر الروس أن بشار الأسد يقترب من السقوط جديا، وباتت قواته منهارة، حيث فشلت إيران في إنقاذه مما دفع الروس إلى التدخل، وتحت غطاء مكافحة الإرهاب، الذي وجدت فيه موسكو فرصة سانحة لكسر عزلتها، وفرض نفسها كطرف فاعل من خلال امتلاك مفاتيح مهمة في المنطقة، وتحديدا في سوريا التي تخولهم إطلالة ونفوذا على العراق، وكذلك بالصراع العربي الإسرائيلي، خصوصا أن الأسد تحت العهدة الروسية الآن، مما يعني أنه بات لموسكو الآن حدود مع إسرائيل، وحزب الله.

ورغم كل هذا النفوذ الظاهر فالأكيد هو أن ليس لدى الروس خطة، وبالتالي فليس بمقدورهم تحقيق نجاحات حقيقية، ربما بعض المكاسب السريعة، وأبرزها إرباك الحلفاء ضد الأسد، إلا أنه لا مكاسب سهلة. وبعد خطاب الرئيس بوتين بالتجمع السنوي لزعماء العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد لقائه الرئيس الأميركي، وقول بوتين إن بلاده لن ترسل قوات برية إلى سوريا، يصح القول، وباطمئنان، إنه ليس لدى الروس خطة، وإنما أهداف ذاتية للرئيس، ولم ينجح الروس حتى في تبريرها. والحقيقة أن عدم وجود خطة عربية، أو غربية، واضحة هو ما شجع بوتين على إرسال قوات إلى سوريا ليس بمقدورها إنقاذ الأسد، ولا إعادة تأهيله.

وليس بمقدور التدخل الروسي أيضًا إعادة سوريا إلى ما كانت عليه، وكان أوباما محقا حين قال إنه لا يمكن أن تعود الساعة إلى الوراء، وبعد ما حدث بسوريا، وبالطبع فإن مشكلة أوباما أيضًا أن ليس لديه خطة، خصوصا عندما بدا أوباما يناقض نفسه وهو يؤكد على التزام بلاده بفرض النظام بسوريا، واصفا ما يحدث فيها بأنه «ليس مجرد شأن داخلي، وإنما معاناة إنسانية تؤثر علينا جميعا، وعندما تقطع جماعة إرهابية رؤوس الأبرياء وتستعبد النساء فإن هذا ليس مشكلة أمنية داخلية، وإنما اعتداء على البشرية جمعاء»، وهذا تحديدا ما كان يقوله العقلاء طوال الأعوام الأربع الماضية، وكانت إدارة أوباما تماطل، وتتجاهل!

وعليه فإن الحل الأمثل للرد على الخطوة الروسية بإرسال قوات إلى سوريا، ومحاولة لخبطة الأوراق هناك، هو الشروع في تنفيذ المقترح التركي، الذي قال الرئيس الفرنسي إن بلاده ستبحثه مع شركائها، والمتمثل بإقامة منطقة حظر طيران شمال سوريا. حينها سيأتي الجميع إلى طاولة التفاوض، وتتحرك عجلة الحلول الجادة، فأفضل رد على عدم وجود خطة روسية جادة هو وضع خطة، والشروع في تنفيذها فورا، وهذا الدرس الذي يفترض أن يكون الجميع قد تعلمه في الأزمة السورية.

الشرق الأوسط

 

 

 

خلفيات دخول بوتين الحرب في سوريا/ توفيق المديني ()

لا يوجد أدنى شك في عقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تعتبر المستهدفة الأولى من قبل الإرهاب الدولي المرتكز على الجماعات الإسلامية المتشددة، وبسبب المخاوف من دور آت للإسلاميين، وعلى خلفية الحساسية الخاصة من التيارات الإسلامية التي ارتبطت في شكل مباشر أو غير مباشر في الوضع الداخلي في روسيا، إبان حربها على التطرف والنزعات الانفصالية في شمال القوقاز. وواضح أن التيارات التي بدأت معتدلة في هذه المنطقة أخذت تنحو نحو التطرف الديني لاحقاً.

أضف إلى ذلك أن النجاحات العسكرية التي حققتها المعارضة السورية خلال الشهور الممتدة من ربيع العام الجاري وحتى الصيف الماضي، والتي شكلت تهديداً جدياً لبقاء النظام السوري، جعلت الرئيس فلاديمير بوتين يعتبر أن بقاء الدولة السورية وعدم انهيارها، مسألة حياة أو موت لروسيا، إنّها قضية وجود لروسيا التي تعتقد أنّ خروجها من سوريا خروج من كلّ المنطقة العربية. وفضلاُ عن ذلك، فإن الاستقرار في سوريا يعزز الاستقرار في المناطق الجنوبية من روسيا ذات الأغلبية السكانية المسلمة. فبعد سقوط نظام معمر القذافي في خريف 2011، شعرت موسكو بأنها أُخِذَت على حين غرة. وجعل الشعور بـ»الخيانة» في القضية الليبية موسكو ترفض بشدة أي شكل للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا، وهذا تحديداً ما دفعها إلى استخدام حق النقض (الفيتو) إلى جانب الصين ضد كل مشروع قرار مجلس الأمن الذي حمل إدانة شديدة لاستخدام العنف المفرط من جانب النظام، في الوقت ذاته، حرصت موسكو على اتخاذ موقف أكثر أمناً بالنسبة إلى مصالحها، في ما يتعلق بالتطورات الدراماتيكية في سوريا.

ترى موسكو في الأزمة في سورية باباً لاجتراح المبادرات وهي تتقاسم الرؤى عينها مع الدولة السورية: محاربة الإرهاب وهزيمته هما المدخلان الحقيقيان لإيجاد تسوية سياسية للأزمة، مع التأكيد على أن دور الجيش السوري والرئيس الأسد يعتبر جوهريا في هذه العملية. وهذا يعني أيضا ترك مصير الرئيس السوري لفترة تالية بعد القضاء على تنظيم «داعش». وكذلك تدرك روسيا أنّ من يسيطر على سوريا يسيطر على الممر الإستراتيجي لجلّ الشرق الأوسط وبالتالي يتحكم ويسيطر على كلّ أوراسيا العظمى وآسيا الوسطى. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد دعا منذ أكثر من شهرين، إلى العمل من أجل بناء تحالف إقليمي دولي حقيقي لمكافحة الإرهاب. تحالف يجمع الدول العربية والإقليمية على أن تكون الدولة السورية والجيش العربي السوري جزءاً من هذا التحالف ولا سيما بعد فشل «التحالف» الذي بنته الولايات المتحدة لـ»مكافحة داعش«.. الدعوة لم تلقَ تجاوباً، واكتفى الغرب بغارات تستهدف «داعش» في العراق، وتتمدد بخفر إلى بعض مواقع «الدولة الإسلامية» في سوريا.

من هنا جاءت دعوة الرئيس بوتين إلى تشكيل تحالف عسكري روسي إيراني في الشرق الأوسط، من أجل «محاربة تنظسم داعش»، يضم في تكوينه الحكم في العراق، والحكم في سوريا، وبطبيعة الحال ميليشيات حزب الله، وفي الأغلب سيسحب هذا التحالف ليضم الصين ضمنيا أو عمليا وما نراه الآن هو الإعلان العملي الأولي عنه ولهذا هرع نتنياهو إلى موسكو على نحو عاجل- ومن بعد سيعلن هذا الحلف في صورة وتشكيله أوسع .إذ تؤكد مؤشرات أخرى موازية أن الولايات المتحدة ستجلس في مقاعد المتفرج السعيد بتلك التطورات باعتبارها أوضاعا تفتح باب جهنم على إيران وروسيا في الإقليم من جهة وعلى كل الدول الأخرى في الجانب المضاد، بما لا يتطلب من الولايات المتحدة سوى البحث عن مصالحها دون مجهود يذكر.

تعتبر الأزمة السورية بالنسبة إلى الرئيس بوتين، والنخبة الروسية «ورقة مهمة» في الصراع الدولي ومولد النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب أو متعدد المراكز العالمية للنفوذ والتأثير. وينعكس هذا في مواقف بعض رموز النخبة السياسية في روسيا. فزعيم حركة «أوراسيا الروسية»، الكسندر دوغين، يعتبر أن الولايات المتحدة تحاول التأسيس لشرق أوسط جديد انطلاقا من مصالحها عبر نشر الفوضى الخلاقة . ويقول دوغين «إن مصالح روسيا تكمن في السعي إلى بناء عالم متعدد الاقطاب بغض النظر عن مصالح واشنطن». ويرى أن تخلي روسيا عن الاسد سيعني أنها تكتب بنفسها شهادة وفاتها ووفاة العالم المتعدد الاقطاب». ويشدد ايغور بانارين، أستاذ علم السياسة في جامعة موسكو، على أن دعم موسكو للرئيس السوري يؤكد أنها لا تتخلى عن حلفائها، ويطالب بضرورة توسيع مناطق النفوذ الروسية حول العالم. من جانبه، يُطالب الصحافي الروسي، ماكسيم شيفشينكو، القيادة الروسية بالوقوف إلى جانب النظام السوري والاستمرار في دعم بشار الأسد وعدم تأييد الغرب في مساعيه لإسقاط النظام السوري. ويرى أن إسقاط النظام في سوريا سيعني انتقال الحرب مباشرة الى الحدود الروسية، معتبرا أن دفاع موسكو عن النظام السوري هو دفاع عن روسيا نفسها. ويعتقد المحلل السياسي المعروف، إيفان سافرانتشوك، أن الأزمة السورية وضعت الدول التي تدعم الأسد وتلك التي تطالب برحيله في موقف لا تحسد عليه. ويقول «إن ـ روسيا لا تريد أن تنتقل عدوى التطرف الديني من سوريا إلى منطقة شمال القوقاز أو إلى آسيا الوسطى».

الحضور العسكري الروسي في سوريا ليس جديداً، وتعزيزه ليس غريباً. ولهذا السبب بالذات دخلت روسيا جديا في الحرب في سوريا، وهو ما يشكل انقلاب حقيقي في موازين القوى بوجودها العسكري المعلن والمتزايد على الساحل السوري، بعدما جعلت التوازنات الإقليمية السائدة في الشهور الأخيرة هباءً منثوراً. فالأحداث الأخيرة تظهر أن روسيا عززت تواجدها العسكري في اللاذقية بشكل كبير، حيث كشف مسؤولون أميركيون أنها نشرت 30 مقاتلة جوية، وقاذفة من طراز سوخوي 24 وسوخوي 25 وسوخوي 30، وصلت بالفعل إلى سوريا، إضافةً إلى مروحيات وعربات مدرعة وطائرات من دون طيار وسوى ذلك، كما أن السفن الروسية التي تنقل الذخيرة والعتاد والمحروقات لم تنقطع عن الرسو في الموانئ السورية آتيةً من الموانئ الروسية في البحر الأسود. وبالفعل بدأت روسيا عمليات استطلاع بطائرات من دون طيار فوق سوريا. وانطلاقا من الأخطار المحدقة بسوريا، بسبب الحرب الطاحنة التي تدور رحاها منذ خمس سنوات على الأراضي السورية، ترفض روسيا فرض أي تغييرات في بنية الدولة السورية، أو دستورها، أو التركيبة الديموغرافية لها بل حرصت موسكو على أن يمر دعمها الأخير عبر تدعيم مؤسسات الدولة السورية، وعلى رأسها الجيش العربي السوري، إيماناً منها أن الهدف الرئيس من الحرب الدائرة هي تفكيك الدولة السورية، وتقسيمها على أسس طائفية ومذهبية وعرقية. والحال تدعم روسيا بقاء الدولة السورية وليس دفعها للتشظي.

في زمن الحرب الباردة كانت العلاقات السورية – الروسية متطورة جدا، إذ إن كلاً من البلدين سوريا والاتحاد السوفييتي كان بحاجة إلى الآخر. كانت تلك إحدى حقائق السياسات الجيوبوليتيكية في منطقة الشرق الأوسط، التي أسست لها معاهدة الصداقة والتعاون الموقعة في عام 1980 بين الزعيمين الراحلين حافظ الأسد وليونيد بريجينيف. وكانت كل صفقة صواريخ تبرمها سوريا مع الاتحاد السوفييتي تثير أزمة إقليمية ودولية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، بخاصة بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام، 1982 واستعادة الأسد الأب زمام الأمور في لبنان من خلال إسقاط اتفاقية 17 أيار/ مايو، 1983 والصراع السوري – الأميركي الذي انتهي برحيل قوات المارينز الأميركية والقوات المتعددة من لبنان عام، 1984 وسطوع نجم سوريا في فضاء السياسة الإقليمية والدولية كلاعب أساسي في معادلات الشرق الأوسط.

وفي أعقاب انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول، 1991 تحولت السياسة الخارجية الروسية، وعلى مدى عقد التسعينات من القرن الماضي تقريبا، توافقا واستجابة مع المواقف الأميركية، وانسحبت روسيا من بعض المواقع التي كان وجودها فيها يمثل نوعا من التحدي الموجه للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل على حد سواء، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط.

ومن جهة ثانية هناك رغبة روسيا المستاءة من استراتيجية التطويق والحصار المفروضة عليها من جانب أميركا عبر دخول معظم بلدان أوروبا الشرقية في منظمة الحلف الأطلسي، وهو ما دفعها أخيرا إلى خوض الحرب في القوقازلاستعادة مجالها الحيوي في جورجيا، وعبرإعادة تفعيل الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، واستعادة موقعها على الصعيد الدولي، حيث تشكل سوريا في هذا الإطار بوابة مهمة إلى المنطقة بالنسبة لموسكو لما لها من دور وتأثير إقليمي يقرّبه الجميع .

من هنا يشكل اللقاء السوري – الروسي فرصة لنهج بوتين الاستراتيجي، الذي يجسد نهجا قوميا روسيا، فالرئيس الأسد يشاطر الموقف الروسي من أزمة القوقاز. وكانت سوريا شريكة لروسيا في التحول التاريخي لاستعادة التوازن المفقود في العلاقات الدولية. فأثناء «عملية أوسيتيا»سنة 2008 اتجه الرئيس الأسد فوراً إلى سوتشي للإعراب عن تضامنه مع الرئيس ميدفيديف أثناء الحمى الأميركية حول جورجيا وأوسيتيا، وأعلن الرئيس السوري بشار الأسد، استعداد دمشق للقبول بنشر منظومة صواريخ روسية على الأراضي السورية، ردّاً على نشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا، معتبراً أن الحرب الأخيرة في القوقاز كشفت الدور الإسرائيلي والأميركي، ليفتح بذلك باب التعاون العسكري بين دمشق وموسكو على مصراعيه ومن دون أي عراقيل.

لقد باتت موسكو ترى أن بوابة العبور إلى المياه الدافئة وعالم البحار المفتوحة وصولا إلى أوروبا وآسيا واحتلال موقع مهم في خريطة الشرق الأوسط، تمر عبر سوريا وصولا إلى المنطقة العربية والخليج العربي وتركيا وإيران. ويعني ذلك أن تتحدى روسيا النظام الدولي أحادي القطبية، عبر خلق موانع جيو – سياسية في مناطق جغرافية مختلفة لموازنة الضغوط الأميركية عليها في جوارها الجغرافي المباشر. ومن شأن التحصن والتمكن من اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري أن يؤمن لروسيا إطلالة ممتازة على شرق البحر الأبيض المتوسط، وموقعاً لا يبارى في التأثير على موازين القوى بالمشرق العربي والمنطقة.

() كاتب من تونس

المستقبل

 

 

 

حصان بوتين في سوريا.. ليس حصاناً/ خيرالله خيرالله

ليس معروفاً بعد هل في الإمكان انقاذ ما بقي من سوريا. الثابت الوحيد، إلى جانب أن البلد صار تحت وصايات عدّة، أنّه لم يعد في الإمكان إنقاذ النظام العلوي الذي لجأ أخيراً إلى تسليم قسم من الساحل السوري إلى الجيش الروسي. هل تلك هي الورقة الأخيرة للنظام الذي يقف على رأسه بشّار الأسد؟

يذكّر الوجود العسكري لروسيا في اللاذقية وطرطوس ومحيطهما بالوجود السوفياتي في مصر الذي زاد بعد هزيمة حرب الأيام الستة في العام 1967. لم ينته ذلك الوجود وقتذاك، إلّا بالقرار الشجاع الذي اتخذه الرئيس الراحل أنور السادات في العام 1972، وذلك في اثناء الإعداد لحرب تشرين/اكتوبر 1973. مهّدت تلك الحرب، من وجهة نظر مصر، لتحريك الوضع السياسي في المنطقة وصولاً إلى اتفاقي كامب ديفيد في خريف 1978 ثم معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية في آذار/مارس 1979. تلك المعاهدة التي لم يفهم معناها ويستوعب أبعادها النظامان البعثيان في العراق وسوريا. الملفت أنّ النظام في العراق كان مرتبطاً بمعاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفياتي منذ العام 1972، في حين أن النظام السوري لم يجد حاجة إلى مثل هذه المعاهدة إلّا بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع اسرائيل وبداية ظهور إشارات إلى توتّر داخلي، ذي طابع مذهبي وطائفي، في سوريا نفسها، بما يهدّد النظام الأقلّوي لحافظ الأسد.

أدرك أنور السادات باكراً معنى الوجود العسكري السوفياتي في مصر وخطورته. أدرك خصوصا أنّه لن يستطيع شنّ حرب من أي نوع كان على اسرائيل في ظل هذا الوجود، فكان قراره بطرد الخبراء العسكريين السوفيات الذين لم يكن لديهم من هدف سوى تكريس حال اللاحرب واللاسلم التي صبّت دائماً في مصلحة اسرائيل التي تسلّحت دائماً بمرور الوقت لفرض أمر واقع على الأرض، أكان ذلك في الضفّة الغربية المحتلة أو في الجولان.

كانت هذه الحال، حال اللاحرب واللاسلم، في أساس وجود النظام السوري. كانت فلسفة الحكم لدى حافظ الأسد منذ حرب العام 1967 التي لعب دوراً أساسياً في جرّ مصر إليها، عندما كان وزيراً للدفاع. كانت تلك الفلسفة القاسم المشترك الدائم بينه وبين اسرائيل.

متى استعرضنا السياسة التي اعتمدتها موسكو في المنطقة العربية، وحتّى في مناطق الجوار العربي، نجد أن الكرملين لم يستطع يوماً لعب دور إيجابي على أي صعد كان. كان السلاح السوفياتي والروسي الذي رافقه إرسال خبراء عسكريين في كلّ وقت في خدمة أمرين. الأوّل تشجيع الأنظمة على قمع شعوبها، والآخر ضمان عدم حصول أيّ تفوق على إسرائيل التي كانت إلى ما قبل فترة قصيرة رأس الحربة للسياسة الأميركية في المنطقة.

ثمّة من سيقول إنّ الاتحاد السوفياتي دعم القضية الفلسطينية. هذا الكلام غير صحيح بأيّ شكل. الصحيح، إلى حدّ كبير أنّ الاتحاد السوفياتي قدّم كلّ ما يستطيع من أجل بقاء الفلسطينيين في أسر الشعارات التي رفعوها وكي يغرقوا في أسر بيروت وأزقتها ووحول الحروب الداخلية التي عادت على لبنان بالويلات. لم يقف الكرملين في أيّ يوم موقفاً يستشفّ منه أنّه يعمل من أجل كسر الحلقة المغلقة التي بقيت القضية الفلسطينية تدور فيها في ظلّ الحرب الباردة التي انتهت في تشرين الثاني من العام 1989، عندما سقط حائط برلين.

ما الذي يمكن توقّعه الآن من التدخل الروسي في سوريا، وهو تدخّل بدأ يأخذ في الأسابيع القليلة الماضية منحى جديداً؟ الجواب أنّ لا هدف آخر لموسكو سوى تمديد الحروب المختلفة الدائرة على الأرض السورية. ولكن، إذا كان من جديد، فهذا الجديد هو التنسيق مع ايران واسرائيل في هذا الشأن. الهدف أن لا تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام. في كلّ مكان تدخّلت فيه موسكو عسكرياً وسياسياً في المنطقة، نجد الخراب. ماذا كانت نتيجة الوجود العسكري السوفياتي في الصومال أيّام محمّد سياد بري؟ ماذا كانت نتيجة الدعم السوفياتي لمنغيستو هايلي مريام في أثيوبيا في مرحلة لاحقة؟

هل هناك من يريد أن يتذكّر الدور السلبي للاتحاد السوفياتي في مجال دعم التحولات الكارثية التي شهدها اليمن الجنوبي منذ استقلاله في العام 1967 وحتّى انهيار النظام في مطلع العام 1986 إثر الأحداث المأسوية المعروفة بـ»أحداث الثالث عشر من يناير» التي انتهت بإبعاد علي ناصر محمّد عن السلطة؟

في تاريخ التعاطي مع سوريا، لم يأت الإتحاد السوفياتي، الذي ورثته روسيا الاتّحادية، بجديد في العام 2015. في العام 1958، ابان الوحدة المصرية – السورية، نكّل نظام عبد الناصر، عن طريق الضابط السوري عبدالحميد السرّاج بالشيوعيين السوريين. دفع الشيوعيون اللبنانيون أيضاً ثمن هذا التنكيل. جثة الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، التي أذابها السرّاج بالأسيد، خير دليل على المدى الذي بلغه هذا التنكيل الذي انحازت موسكو إلى جانبه.

التاريخ يكرّر نفسه في كلّ مكان من المنطقة. الجديد في عهد فلاديمير بوتين هو أن الكرملين يلعب الدور المعهود منه أن يلعبه مع آخرين في دعم نظام مرفوض من شعبه.

كلّ ما يستطيع عمله من خلال هذا التدخل الذي لا أفق سياسياً له والذي يبرّره بالحرب على «داعش»، هو اطالة عمر نظام ميّت لم يرد يوماً استعادة أرضه المحتلة منذ ثمانية وأربعين عاماً، بل اعتبر دائماً أن الانتصار على لبنان وشعبه بديل من الانتصار على اسرائيل. لن يوفّق بوتين حيث فشل أسلافه. حنينه إلى استعادة عظمة روسيا سيظلّ حنيناً، على الرغم من ان لروسيا مصالح في الساحل السوري مرتبطة بالغاز أوّلاً وأخيراً.

لا يمكن للسياسة الروسية في سوريا ان تنجح، على الرغم من الدعمين الإيراني والإسرائيلي، والتواطؤ التركي. لا يمكن لهذه السياسة النجاح في ظلّ الضعف الذي يعاني منه الاقتصاد الروسي، خصوصا أنّ اسعار النفط والغاز مستمرة في الهبوط. تكمن نقطة الضعف الكبرى لدى بوتين في أنّه بنى آلة عسكرية كبيرة على قاعدة اقتصادية بالغة الهشاشة. لم يستطع تطوير اقتصاد بلاده وإخراجه، ولو جزئياً، من أسر عائدات النفط والغاز.

الأهمّ من ذلك كلّه، أن حصانه في سوريا ليس حصاناً، حتّى لو كان هذا الحصان دمية ايرانية… في حين أنّ كلّ ما يهمّ اسرائيل، اضافة إلى تحييد صواريخ «حزب الله» الإيرانية طبعاً، هو التأكّد من أنّه لن يكون في سوريا من يرفع صوته ويطالب بالجولان يوماً.

المستقبل

 

 

 

 

التفوق السياسي الروسي في سوريا/ عبد الستار قاسم

لم يتوقف الدعم الروسي للنظام السوري منذ بداية الأحداث في سوريا، ولم تتوقف روسيا عن تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي للنظام، واستعملت حق النقض في مجلس الأمن دفاعا عنه. ومن الصعب أن نتصور صمود النظام طيلة هذه الفترة بدون الدعم الروسي والإيراني، كما من الصعب أن نتخيل صمود المعارضة والمسلحين لولا الدعم العربي والتركي والغربي. لكن روسيا كانت حذرة في لهجتها، وبقيت تمارس دعمها بهدوء وبدون ضجيج وتهديد، وأثبتت حضورها القوي على الساحة عسكريا ودبلوماسيا.

روسيا تصعد الآن من إجراءاتها ونشاطاتها في دعم النظام السوري تحت مظلة الحرب على الإرهاب، وهي بذلك تنفث الحياة في الدبلوماسية الغربية التي تفيق تدريجيا على فشلها في سوريا لتبدأ التفكير من جديد في حل يعيد الهدوء إلى سوريا وربما إلى العراق أيضا.

ويبدو أن حسابات روسيا فيما يتعلق بالشأن السوري أكثر علمية ودقة من الحسابات الغربية لأنها متعقلة وليست منجرفة في تيار من العداوات والأحقاد. حسابات روسيا لم تكن عشوائية أو ارتجالية، ولم تكن مندفعة وراء نزوات عربية وأحقاد عربية داخلية، وبقيت متميزة بالروية إلى أن قدر الروس أن الظروف أصبحت سانحة لتصدر الموقف بالشأن السوري، وهم بالفعل يتصدرون الأمور الآن واضطروا الدول الغربية للهاث خلفهم.

هناك عوامل ساعدت الروس على الإمساك بالفرصة لإثبات حضورهم القوي ليس على الساحة السورية فقط وإنما على المنطقة العربية الإسلامية وعلى الساحة الدولية أيضا. من هذه العوامل ما يلي:

أولا: فشل الحرب على الإرهاب. لم تستطع الدول الغربية أوروبية وأميركية تحقيق النصر على الإرهاب منذ غزو أفغانستان. وعلى العكس انتشر الإرهاب في كل مكان في العالم، وتكاثر بصورة سرطانية بحيث لم تعد هناك دولة لا تحسب حسابا لعمليات إرهابية محتملة على أراضيها، وأصبح هاجس الإرهاب يقض مضاجع الشعوب والأنظمة السياسية الحاكمة. لقد حصدت الدول الغربية نتائج سلبية مزعجة نتيجة حربها على الإرهاب، وأصبحت بعد كل هذه السنوات من ملاحقة الإرهابيين أقل أمنا وشعورا بالطمأنينة. وفي هذا ما يجعل الجدلية الروسية حيال الإرهاب أكثر قوة من الناحية المنطقية، وأكثر قبولا على الساحة الدولية.

لقد ذكرت روسيا أكثر من مرة أن الإرهاب ناجم عن الشعور بالظلم والاضطهاد وعن استغلال الدول الغربية للشعوب والدول، وإقامة العدل بين الشعوب يشكل العلاج الأفضل للحد من الإرهاب والقضاء عليه.

وكبديل للرؤية الغربية ترفع روسيا الآن شعار محاربة الإرهاب ولكن ليس بالتجييش الخارجي، وإنما بتقوية الجيوش المحلية التي تحارب الإرهاب لأن هذه الجيوش هي الأقدر من الجيوش الأجنبية على معالجة الشؤون الداخلية. أي أنها تفضل دعم الجيشين السوري والعراقي للتغلب على التنظيمات الإرهابية في البلدين.

ثانيا: فشل التحالف الغربي في حربه على داعش. رغم أن هذا التحالف بقيادة الولايات المتحدة يشن حربا جوية على داعش منذ أكثر من عام إلا أنه لم يحقق نتائج ملموسة، وبقيت داعش قوية على الأرض وقادرة على تحقيق إنجازات عسكرية بين الحين والآخر في العراق وسوريا.

وهنا يشكك الكثيرون بجدية الولايات المتحدة وحلفائها في الحرب، وربما يرغبون ببقاء داعش قوية لكي يبرروا إجراءات عسكرية مستقبلية مثل التدخل العسكري البري والقضاء على هذا النظام السياسي أو ذاك. وإذا كانت روسيا تقول إنها تعمل على محاربة الإرهاب، فإن فشل الغرب وحلفائهم من العرب والأوروبيين لا يستطيعون بسبب هذا الفشل الوقوف في وجه الجدلية الروسية.

ثالثا: روسيا ليست معنية بحرب باردة جديدة مع الولايات المتحدة، وهي تدرك أن الولايات المتحدة ليست معنية بهذا الأمر أيضا خاصة تحت الظروف الحالية. أميركا تعاني من مشاكل اقتصادية ومالية جمة، وهي تعاني أيضا سياسيا ودبلوماسيا لأن الساحة الدولية قد ضاقت عليها بعض الشيء.

ولهذا تفضل روسيا اللعب بهدوء ودون زمجرة أو فرد عضلات بصورة خارجة عن المألوف حتى لا تكون مستفزة للدول الغربية. الدول الغربية عموما ليست معنية بتأجيج التنافس أو الصراع مع روسيا حتى لا تتكبد المزيد من الخسائر أو على الأقل تقع تحت طائلة اهتمامات ثانوية تبعدها عن الهموم الوطنية الخاصة بشعوبها.

رابعا: انشغال الأوروبيين بهمّي الإرهاب واللاجئين. أوروبا منشغلة جدا في هذه الفترة بأمري الإرهاب الذي بات يهددها من الداخل وأمر اللاجئين الذين يتدفقون إليها. يشعر الأوروبيون بخطر الإرهاب أكثر من الأميركيين بسبب القرب الجغرافي من المنطقة العربية، وهم الذين يتحملون الآن ثقل اللاجئين العرب الذين ينتقلون إليها بعشرات الآلاف.

الأوروبيون معنيون بنسيجهم الاجتماعي الذي من الممكن أن يتأثر بالثقافات الأخرى وبالمندسين في صفوف اللاجئين. ولهذا ليس لدى الأوروبيين القابلية السابقة للتساوق مع سياسات الولايات المتحدة والتي تكون أحيانا بلا هدف.

خامسا: لم يبلور الأوروبيون والأميركيون رؤية واضحة لسوريا يمكن تنفيذها على الأرض. فهم منذ البداية كانوا مترددين في إجراءاتهم لإسقاط النظام، وفي دعمهم العسكري للجماعات المسلحة والإرهابية.

فالغرب لا يريد بقاء بشار الأسد، لكنه لا يريد إقامة حكم إسلامي في سوريا، ولم يستطع إيجاد بديل للنظام وللمعارضة فاستمر في تخبطه. على العكس، كانت الرؤية الروسية واضحة تماما وهي منسجمة مع ما يسمى بالقانون الدولي.

تمسك الروس منذ البداية بحق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار مسؤوليها، وأن الرئيس بشار الأسد يبقى بإرادة شعبه ويذهب بذات الإرادة. وقف الروس في وجه دعوات إسقاط النظام، وبقيت بأيديهم حجة قوية تنسجم مع قواعد وأسس القبول الدولية، وهذا ما جعل الجدلية الروسية أقوى بكثير من حجج الدول الغربية.

سادسا: إدراك روسيا أن أميركا ليست معنية بحرب تشارك فيها في سوريا. أميركا فشلت في حروبها عموما. فشلت في أفغانستان والعراق، وفي حربها على الإرهاب، وفي حربها الجوية على داعش، والشعب الأميركي لم تعد لديه القابلية لتأييد حروب جديدة في المنطقة خاصة في ظل أزمة مالية لم يختف شبحها بعد.

دفع الأميركيون أثمانا باهظة في النفوس والأموال في حروب لا طائل منها، وخرجوا غير منتصرين ولم يحققوا أهدافهم المعلنة، ولهذا ليس من اليسير على رئيس أميركي أن يبرر أمام شعبه حربا جديدة في سوريا. الروس يدركون هذه المسألة، ولديهم تقدير مسبق بأن زيادة حجم دعمهم العسكري للنظام السوري لن يجر الولايات المتحدة إلى مواجهة مع روسيا لا في اللاذقية ولا في غيرها. يشعر الروس بأن أميركا مكبلة إلى حد كبير بفشلها المتكرر وبمزاج شعبها الآن الرافض للحروب.

سابعا: تساوقت أميركا مع دول عربية تلعب أدوارا عسكرية وأمنية وتسليحية ومالية هامة في سوريا. عدد من الدول الخليجية بالتحديد ما زالت تساهم في تأجيج الحرب الداخلية في سوريا، وهي دول تدافع عن إقامة ديمقراطية في سوريا في حين تفتقد هي إلى الديمقراطية، وتقيم أنظمة سياسية قبلية تنتمي إلى عصور الظلام.

تساوق أميركا مع الدول العربية أساء للجدلية الأميركية على الساحة الدولية، لأن الذي يدافع عن القيم الديمقراطية يجب أن يدافع عنها في كل مكان وليس في مكان دون آخر. ولهذا يطرح السؤال باستمرار: هل تريد أميركا إقامة ديمقراطية فعلا أم أنها تستعمل المبادئ الديمقراطية لتحقيق مآرب خاصة وليس اهتماما بالشعوب؟ من مجمل السياسات الأميركية في المنطقة العربية لم تكن أميركا بعيدة عن دعم الأنظمة الاستبدادية العربية، وسبق لها أن توجهت إلى سوريا للمشاركة في الحرب ضد صدام في الكويت. ما الذي يجعل الاستبداد جيدا حينا وسيئا حينا آخر؟ غياب المبادئ في إقامة العلاقات الدولية.

والنظام السوري لم يتمكن من حسم المعركة في سوريا، وما زالت الحرب مستعرة ويدفع ثمنها الشعب السوري. كل الدعم الروسي والإيراني عبر السنوات لم يمكن النظام من تحقيق نصر، وبقيت سوريا تعاني من الدمار المستمر. تحدث الروس بداية عن ضرورة الحوار بين السوريين على اعتبار أنه المخرج الوحيد لوقف الحرب وسفك الدماء. لم يكن العرب وأهل الغرب مقتنعين بهذا الجدل وفضلوا التمسك برحيل الأسد كشرط مسبق للبدء في حوار. المواقف الآن بدأت تتغير بسبب تمدد الإرهاب وتدفق اللاجئين، وأخذت الدول الغربية ومعها تركيا تعيد النظر بمواقفها التقليدية، وأصبحنا نسمع تصريحات مغايرة لما كنا نسمعه في السابق.

المهم في الأمر أن السياسة الروسية استغلت تطور الأحداث والتي منها دعم بعض أهل الغرب لبعض التنظيمات الإرهابية ليضغطوا باتجاه البحث عن حل للعقدة السورية، وأخذوا يبررون دعمهم المتزايد للأسد بناء على سياسة تحجيم الإرهاب. وطبعا الروس معنيون بالقضاء على الإرهاب كما الأوروبيين بسبب وجود نسبة مهمة من المسلمين في روسيا، ويمكن أن يتأثروا بالفكر الإرهابي ويصنعوا المتاعب لروسيا.

روسيا تكثف جهودها العسكرية في سوريا لتدفع الدول الغربية ومن آزرها من العرب إلى تشجيع الحوار الداخلي السوري. تأمل روسيا أن تقود سياستها في سوريا إلى الضغط على المسلحين في سوريا لقبول الحوار مع وجود الأسد على الطاولة، وإلى قطع المساعدات المالية والعسكرية لداعش في كل من سوريا والعراق.

إن منطق القوة تاريخيا أقوى من قوة المنطق، ومن المحتمل أن تغير القوة الروسية منطق الأطراف المتصارعة في سوريا والقوى الخارجية التي تلعب في الساحة السورية. فإذا كان الغرب ليس معنيا بالمواجهة، وروسيا ليست معنية بدفع الأمور إلى الحافة، فإن الاحتمال كبير بأن تجنح مختلف الأطراف إلى حوار داخلي سوري يفضي إلى نتيجة يقبل بها الجميع.

ولهذا من الوارد أن تنجز القوة ما عجزت التوازنات السياسية والإقليمية عن تحقيقه وتعيد الاستقرار إلى القطر العربي السوري. القوة ضرورية أحيانا من أجل تحكيم العقول والبحث في حل المشاكل بطرق علمية بعيدة عن التعصب وإقصاء الغير تماما.

الجزيرة نت

 

 

 

 

 

«حرب خطابات» بين أوباما وبوتين بشأن سوريا

رأي القدس

شن الرئيس الأمريكي باراك اوباما في كلمته امس امام الجمعية العامة للامم المتحدة هجوما كاسحا ضد الرئيس السوري بشار الاسد الذي وصفه بأنه «طاغية قاتل الأطفال»، وكذلك انتقد القادة الذين يؤيدونه بدعوى «التغلب على الفوضى والارهاب».

الا انه سرعان ما اعلن استعداده للعمل معهم، وتحديدا قائدي روسيا وايران، لحل الازمة في سوريا. اما الشرط الذي وضعه لهذا التعاون فهو ان «لا يمكن العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل الحرب».

وفي حرب خطابات غير مسبوقة منذ الحرب الباردة، اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد قليل، ومن على المنبر نفسه «ان رفض التعاون مع الحكومة السورية سيكون خطأ كبيرا».

وبدا بوتين مثل ملاكم يحاول رد اللكمات عندما اتهم ضمنيا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بأنه لا يحارب تنظيم «الدولة» إذ قال «ان الجيش السوري هو الوحيد الذي يقاتل الارهابيين في سوريا».

ثم صعد هجومه عندما مس وترا حساسا في الغرب بتشبيه التحالف المطلوب لمحاربة الارهاب بالتحالف «ضد النازية» خلال الحرب العالمية الثانية، مؤكدا ان الدول الاسلامية «يجب ان تلعب دورا رئيسيا» في التحالف.

وامام هذه «الدراما السياسية» النادرة، يمكن للمراقب ان يتوقف عند محطات اساسية، ومنها.

أولا: ان الكلمات القوية التي استخدمها الرئيس الامريكي بدت مثل «قنبلة دخان» للتغطية على موقف ضعيف ومتناقض في آن، اذ انه يندد، محقا، بما ارتكبه النظام السوري ضد شعبه، الا انه في الوقت نفسه يعلن التعاون مع الدول التي تعمل على اعادة تأهيله.

ويتجاهل هذا الخطاب ان الولايات المتحدة نفسها كانت اعلنت على لسان وزير خارجيتها جون كيري مؤخرا انها تقبل بوجود الرئيس السوري خلال الفترة الانتقالية، ما يعني ضمنيا انها مستعدة للتفاوض معه. وحيث انه لا يوجد اتفاق او حتى شبه اتفاق على ماهية «الفترة الانتقالية» في ظل التفسيرات المتضاربة لبيان «جنيف 1»، تبقى الحقيقة ان واشنطن التحقت ولو متأخرة بجملة من المواقف «الانقلابية» في اوروبا لمصلحة بقاء الأسد. اما الكلمات الرنانة فلا يمكن ان تغير واقعا بات معروفا، وهو ان الولايات المتحدة لم تمتلك ابدا استراتيجية متماسكة للتعامل مع سوريا، ما يجبرها اليوم على اللحاق بـ«قطار الحل السياسي» يوجود مؤقت للأسد. اما اشتراطه «عدم عودة الاوضاع إلى ما كانت عليه» فكلام مرسل، او ذر للرماد في العيون، قد يجد من يعلق عليه بالقول: ومن قال اصلا ان سوريا يمكن ان تعود لما كانت عليه؟

ثانيا: ان الرئيس الروسي يبني استراتيجيته على اساس صلب جوهره ان محاربة الارهاب في سوريا، وخاصة تنظيم «الدولة» (رغم تجاهله لوجود التنظيم في العراق)، قد فرضت نفسها كأولوية بالنسبة إلى الامن القومي للعديد من الاطراف المؤثرة في الغرب، وخاصة بعد تفجر ازمة اللاجئين. فعلى العكس من شواطئ الولايات المتحدة البعيدة عن الشرق الاوسط، فإن الحدود الاوروبية انكشفت هشاشتها امام تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين مؤخرا، خاصة ان القارة العجوز قد انقسمت بالفعل سياسيا واخلاقيا في مواجهة هذه الازمة غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.

ثالثا: ان اوباما يتحمل شخصيا قدرا كبيرا من المسؤولية عن الوصول إلى هذا المأزق، وعلى مسارين متوازيين: اولهما ان التحالف الذي اعلن تشكيله لمحاربة التنظيم في سوريا فشل في مجرد تحجيمه، وأقر بعض المسؤولين في ادارته بالحاجة إلى عشرين عاما للقضاء عليه، في الوقت الذي احتاجت فيه امريكا إلى عشرين يوما فقط لغزو العراق في 2003، ما تسبب في هذه الكارثة.

وثانيهما انه فشل في دعم وتعزيز ما يسمى بـ«المعارضة المعتدلة».

وإزاء هذا الفشل واستنادا إلى التجربة في العراق وفي ليبيا فيبدو ان الغرب يتجه لاختيار بقاء نظام الأسد مؤقتا رغم مسؤوليته الجنائية والاخلاقية والسياسية عن الكارثة في سوريا.

القدس العربي

 

 

 

 

 

 

 

قلق روسي واسترخاء أميركي/ سمير السعداوي

وضع الروسي عنواناً عريضاً لتحركاته في المنطقة وهو محاربة «داعش»، فيما لا يبدو الأميركيون متحمسين لمجاراته باعتبار أنهم لا يريدون القيام بشيء يوحي للرئيس السوري بشار الأسد بأنه سيكون في إمكانه الاحتفاظ بالسلطة. بالتالي فإن ما تم تداوله في كواليس اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك عن مبادرة أميركية موعودة لحل في سورية، يبدو بعيد المنال، اذا كان مبنياً على تلميحات تتعلق باستمرار الأسد لمرحلة انتقالية.

وما يعتبره الروس وآخرون، تبلداً اميركياً في مناقشة حل يضع حداً لانعكاسات الأزمة السورية، مردّه ان الولايات المتحدة ليست مستعجلة لإنضاج تسوية تتضمن تنازلات، فلا هي مهددة بانتشار حركات التطرف على أبوابها ولا هي تعاني مثل الأوروبيين من تدفق آلاف اللاجئين الى شواطئها.

وعلى طريقة «الدجاجة قبل، أم البيضة»، ثمة نقاش عقيم في الأوساط الأوروبية حول ما اذا كانت معالجة أزمة الهجرة تكمن في التخلص من النظام السوري باعتباره مسبباً لها، ام أن حرباً على هذا النظام انتجت الأزمة؟

أما روسيا فهي في وضع مختلف تماماً يقتضي منها الحسم، فعدا عن طموحاتها في بقاء أسطولها في المياه الدافئة، ومخاوفها من تحوّل التقسيم امراً واقعاً في سورية، ثمة بواعث قلق جدي لدى موسكو من انتشار التطرف الى حدود جمهوريات آسيا الوسطى. وهو أمر تجلت بوادره في تحذيرات من تمدد تنظيم «داعش» في أنحاء افغانستان.

واللافت انه غداة صدور تقرير لـ «لجنة مراقبة تنظيم القاعدة في أفغانستان» التابعة للأمم المتحدة، يحذر من تنامي وجود «داعش» على الأراضي الأفغانية، شن التنظيم هجوماً استهدف مراكز أمنية في الشرق الأفغاني المتاخم للحدود الباكستانية حيث تحدث مسؤولون تابعون لسلطات كابول عن مشاركة «مئات من اتباع داعش» في تلك الهجمات، في حين ترى إسلام آباد مبالغة في فحوى تقرير الأمم المتحدة عن رفع شعارات لـ «داعش» في 25 من أصل 34 ولاية افغانية، خصوصاً ان هذا الإحصاء منسوب إلى أجهزة الأمن الأفغانية نفسها، ما يعكس في نظر الباكستانيين تهويلاً من كابول من أجل الحصول على دعم مالي غربي.

وإذا كانت حال التراخي لدى إسلام آباد مردها تمرس الاستخبارات العسكرية الباكستانية في ضبط الوضع على الحدود الأفغانية من خلال تحالفاتها مع قبائل البشتون هناك، فإن المشهد يتحول أكثر خطورة على الحدود الأفغانية – الإيرانية، خصوصاً أن تقرير اللجنة التابعة للأمم المتحدة يشير الى مجموعات مسلحة ترفع شعارات «داعش» في ولايتي فرح وهلمند المتاخمتين للأراضي الإيرانية، وهو أمر جدير بإثارة قلق طهران.

ولا شك في أن لدى الروس معلومات مماثلة عن شراء التنظيم ولاءات مقاتلين محليين في الشمال الأفغاني، المتاخم للحدود مع جمهوريات آسيا الوسطى حيث سبق وأن تحدثت تقارير عن انضمام متشددين من هذه الجمهوريات الى «داعش» والقتال الى جانبه في سورية، ومخاوف من سعي هؤلاء للعودة الى بلدانهم لزعزعة انظمة الحكم فيها.

وكان لافتاً في هذا الصدد، إبداء موسكو في أوائل الشهر الجاري، استعدادها لتقديم مساعدات عسكرية، تشمل أجهزة متطورة ومروحيات، الى السلطات الأفغانية، لمحاربة «الحركات المتشددة» وهو الأمر الذي أبلغه للمسؤولين في كابول زامير كابولوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وانطلاقاً من مخاوفهم في آسيا الوسطى، يبدو واضحاً ان الروس لا يستطيعون مجاراة الأطراف الغربية في نظرتها المتساوية الى «داعش» ونظام الأسد.

الحياة

 

 

 

سوريا أوباما أسوأ من بوتين وخامنئي/ علي حماده

من تابع خطابي الرئيسين الأميركي والروسي باراك أوباما وفلاديمير بوتين أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة المنعقدة في دورتها السبعين، لاحظ ان الفجوة بالنسبة الى الأزمة السورية قد ضاقت بين البلدين الى حد بعيد، على الرغم من اختلاف موقفيهما المعلنين من مسألة بقاء بشار الأسد في المعادلة السورية في المرحلتين الانتقالية والمستقبلية. لم يلمس المراقبون المتابعون للسياسة الأميركية “حرارة” لافتة في نبرة أوباما عندما تناول الأزمة السورية، او لدى حديثه الانتقادي لشخص بشار الأسد، مما عزز الانطباع ان الادارة الأميركية الحالية لا تزال تفضل البقاء في المقعد الخلفي في ما يتعلق بالأزمة السورية. فلا التدخل الروسي المباشر عبر ارسال طائرات حربية وقوات نخبة الى منطقة الساحل، غيّر قرار أوباما القديم الابتعاد عن التدخل المباشر لإنهاء الصراع بالاسهام الجدي في إسقاط بشار، ولا مشهد ملايين النازحين السوريين داخل بلادهم وخارجها، فضلاً عن مئات الآلاف من المرميّين على أبواب أوروبا، حرّك الموقف الأميركي في الاتجاه الصحيح. على العكس من ذلك، اقترب أوباما ومعظم أوروبا من الموقف الروسي – الايراني الذي يهدف الى الابقاء على بشار بعد اكبر مجزرة في تاريخ المنطقة ارتكبها ونظامه. والأسوأ من ذلك ان بوتين الذي وضع موضوع محاربة “داعش” فوق كل اعتبار لم يجد في مواجهته موقفاً قوياً في خطاب أوباما. لقد كان أوباما في الجزء المخصص لسوريا من خطابه بارداً ومبتعداً الى درجة كبيرة، قد يقرأها بوتين على انها ضوء أخضر أميركي لروسيا للتوغل في الصراع السوري، بما يمنع سقوط بشار. وللتوضيح، كان موقف أوباما البارد والضعيف الذي لا يزيد شيئاً على مواقفه اللفظية من أزمة أوكرانيا اشارة اخرى لبوتين ان امامه رئيس اميركي ضعيف للغاية، وان عليه استغلال ما تبقى من ولاية الأخير لإحراز خطوات الى الأمام وتثبيت مكاسب جديدة على الساحة الدولية، خصوصاً في سوريا وأوكرانيا.

لم يكن احد من المراقبين يتوقع ان يولد أوباما جديد، بعدما باغته بوتين بتشكيل “حلف رباعي” تحت شعار محاربة “داعش” يضم الى روسيا، إيران والعراق وسوريا، وهدفه الأساسي مواجهة النظام العربي ومن خلاله مصالح أميركا وأوروبا معاً. لقد شاهدنا بالأمس رئيساً أميركياً تجاوزته الأحداث في الشرق الأوسط، وفشل في إعادة احياء القليل من عناصر الثقة مع الحلفاء في المنطقة.

بالطبع هذا لا يعني ان المشروع الروسي سينجح، كما لا يعني ان الايرانيين والروس يلتقون حول جميع القضايا المطروحة. ولكن هذا معناه ان شلالات الدم في سوريا ستستمر طويلا، باعتبار ان محاولة احياء “الجثة” بشار، لا يمكن ان تكون ضماناً للاستقرار في سوريا. فبشار ونظامه بإرهابهما وإجرامهما هما أساس المشكلة، والقوة الخالقة ثم الجاذبة لكل ارهاب مواز لها.

وفي انتظار ان يرحل أوباما واحتمال ان تأتي ادارة اميركية جديدة اكثر حزماً وجدية، سيستمر حمام الدم في سوريا ويتوسع مع انخراط روسيا المباشر على الأرض.

النهار

 

 

 

 

 

معادلة بوتين من أوكرانيا إلى سوريا/ راجح الخوري

في سياق حديثه عن الوضع في سوريا قال فلاديمير بوتين على هامش المؤتمر الصحافي بعد انتهاء محادثاته مع بنيامين نتنياهو قبل عشرة أيام: “ان الأسد مستميت في المحافظة على نظام حكمه”، وقد رافقت هذا الكلام ضحكة مكتومة لكنها مفاجئة ولها مغزاها العميق.

هذه الضحكة بدت بالنسبة الى المراقبين في واشنطن كأنها تنم عن عدم اقتناع ضمني لدى بوتين بأنه من غير الممكن ان يستعيد الأسد سيطرته على سوريا، وان أقصى ما يأمل فيه الاحتفاظ بحكمه في دولة الساحل العلوية التي يمكن ان تشكل قاعدة روسية حيوية وممراً ايرانياً الى لبنان عبر العراق.

كل ما قاله بوتين عن الأسد ودوره في محاربة “داعش” قبل خطابه في الامم المتحدة، يناقض هذه الإستنتاجات الأميركية التي بدت سطحية بالنسبة الى المراقبين، لكنه لا يلغي حقيقة موضوعية هي ان سوريا في حسابات الكرملين ليست نسخة من الشيشان التي أمكن السيطرة عليها، بل هي نسخة من أفغانستان التي مرغت الجيش الروسي.

وعلى هذا فإن بوتين لن يندفع كما يتوهم البعض الى حرب طويلة وشاملة لتدمير الإرهابيين الذين باتوا يسيطرون على ٨٠٪ من مساحة سوريا، وإعادة سلطة رئيس يتهمه العالم بتدمير سوريا والتسبب بقتل أكثر من ربع مليون وتشريد الملايين الذين تضيق بهم أوروبا، فمن الناحية الميدانية تبدو المسألة مكلفة في مواجهة المتطرفين الذين سيتضاعفون على خلفية مذهبية لأن روسيا تحالف ايران في هذا الصراع، اما من الناحية الأخلاقية فتبدو المسألة مكلفة أكثر لأنه اذا كان دعم هياكل الدولة السورية مطلوباً من الجميع فإن دعم الأسد مرفوض تقريباً لدى الجميع وأولهم معظم الشعب السوري.

هذا ليس خافياً على بوتين الثعلب الذي يريد إرساء معادلة تؤسس لمقايضة سياسية معقدة بين أوكرانيا التي يعتبرها الحديقة الخلفية للكرملين وسوريا التي يعرف جيداً انها حلبة للصراع على النفوذ مع اميركا والغرب وبين دول اقليمية وازنة.

بنيامين نتنياهو الذي زار بوتين لتنظيم قواعد الإشتباك في الفضاء السوري بعد هبوط المقاتلات الروسية في سوريا، التقط خيوط اللعبة جيداً، ولهذا تعمّد قبل ان يلقي بوتين خطابه في الأمم المتحدة ان يلقي قنابله على مواقع للجيش السوري في منطقة القنيطرة!

زيادة في الإيحاء الوقح أعلن الجيش الإسرائيلي ان الغارة جاءت رداً على سقوط صاروخ عشوائي نتيجة المعارك الدائرة في سوريا على منطقة الجولان “من غير ان يتسبب بأي إصابات أو أضرار”، وفي هذا رسالة واضحة أُريد لها ان تسبق خطاب بوتين، مفادها ان موسكو لا تعترض كما توهم البعض على مواصلة اسرائيل نشاطها الجوي فوق الأراضي السورية وبالتنسيق مع الروس ضمناً!

النهار

 

 

 

 

الدور الروسي/ علي إبراهيم

يجب الاعتراف أن الرئيس الروسي بوتين استطاع أن يعيد فرض الاتحاد الروسي على الخريطة العالمية بعد نحو ثلاثة عقود من التهميش في النظام العالمي الذي تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، عوملت فيها روسيا كرجل العالم المريض.

وطبيعي أن يحتل لقاء أوباما وبوتين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الاهتمام العالمي مع تداخل القوتين في كثير من القضايا العالمية، خصوصا الأزمة السورية وأوكرانيا.

وعشية اللقاء بين الزعيمين عززت روسيا أوراقها التفاوضية باتفاق تبادل معلومات استخباراتية مع العراق وإيران وسوريا، وإعلان أن اجتماعًا للاعبين الرئيسيين يشمل دول المنطقة وروسيا وأميركا سيعقد الشهر المقبل حول سوريا، من جانبه أكد الرئيس الأميركي استعداده للعمل مع روسيا وإيران حول سوريا.

وكما هو واضح فإن روسيا وجدت في الأزمة السورية مدخلاً للعودة بقوة إلى المنطقة التي كانت ساحة صراع بين القوتين العظميين، الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

هل نحن بصدد عودة الحرب الباردة من جديد؟ من الخطأ الوقوع في هذا الوهم، صحيح أن موسكو أرسلت طائرات مقاتلة وأسلحة إلى الأسد، في أول وجود عسكري منذ طرد السادات الخبراء العسكريين الروس قبل حرب أكتوبر، إلا أن تصريحات بوتين في حواره التلفزيوني أمس حول عدم إرسال جنود إلى سوريا الآن تحمل إشارات بأنه لا يريد التورط عسكريًا.

والحقيقة أن أسوأ ما يمكن أن تتعرض له المنطقة هو أن تكون ساحة صراع دولي جديد تباع وتشترى فيه من دون مراعاة مصالحها، وأفضل ما يمكن أن تفعله دول المنطقة التي ستشارك في الاجتماع الدولي حول سوريا هو أن ترسخ رؤيتها لحل الأزمة السورية وأن تكون مستعدة لإرسال قوات في حالة الاحتياج إلى ذلك لحماية أو فرض السلام، فلا يجب ترك الوجود على الأرض لكل من إيران وتركيا.

ويجب الاعتراف بأن السياسة هي فن الممكن، وهذا بالتحديد هو الذي أدى إلى تبدل المواقف الغربية بهذا الشكل الصارخ بتصريحات مناقضة للسابق بأنه لا دور للأسد فأصبح له الآن دور في المرحلة الانتقالية بعد أن وضعت معظم القوى الغربية القضاء على تنظيمات التطرف والتكفير في سوريا كأولوية قبل الإطاحة بالأسد.

من الذي سهل انتشار المسلحين التكفيريين في سوريا، وأدى إلى أكبر عملية نزوح منذ الحرب العالمية الثانية؟ هذا سؤال أصبح من الماضي، فالمهم الآن إخراجهم منها قبل أن يدمروا كل شيء كالتتار بفكرهم العدمي، وعمليًا عندما تتوقف الحرب هناك ويبدأ البحث عن حل سياسي سيكون الأسد في موقف أضعف مما هو عليه الآن، ولن يستطيع أن يتهرب من مسؤوليته عما حدث لسوريا خلال 4 سنوات.

الدور الروسي قد يساعد في إيجاد مخرج من الأزمة السورية إذا نجحت موسكو في التعاون مع واشنطن في فرض مرحلة انتقالية، ويبدو أن هناك أطرافا في واشنطن تمهد لذلك، فليس معقولاً الإعلان عن دخول مقاتلين دربتهم واشنطن بأسلحة إلى سوريا، وبعدها بيومين يعلن أنهم سلموا أسلحتهم إلى «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة، كما كان غريبًا من البداية الإعلان عن دخول هؤلاء المقاتلين عبر الحدود في حين أن ذلك يفترض أن يكون سرًا عسكريًا.

إذا كانت موسكو تريد لعب دور إيجابي في الأزمة السورية، وهي لديها مخاوف من المتطرفين من جمهوريات روسية يذهبون للقتال في سوريا، فإن هذا لا يضير الأطراف العربية التي تريد المحافظة على سوريا في إطار المنظومة الإقليمية العربية، والاجتماع الذي اقترحته موسكو بمشاركة واشنطن فرصة لذلك.

صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».

الشرق الأوسط

 

 

 

هل نجحت موسكو يوماً… حتّى تنجح في سورية؟/ خير الله خير الله

هل من يستطيع القول أين نجح الاتحاد السوفياتي أو روسيا في الشرق الأوسط؟، قد يكون النجاح الوحيد في تاريخ العلاقات العربية مع موسكو أن سورية صارت الآن، بفضل السلاح الروسي والدعم الإيراني تحت وصايات عدّة. هل تقسيم سورية نجاح بحدّ ذاته؟

لم يعد في الإمكان إنقاذ النظام العلوي الذي لجأ أخيراً إلى تسليم قسم من الساحل السوري إلى الجيش الروسي. إنّها الورقة الأخيرة للنظام الذي يقف على رأسه بشّار الأسد. هذه الورقة تثبت أن روسيا ستفشل مرّة أخرى، على غرار ما حصل في الماضي… أي منذ قيام دولة إسرائيل في العام 1948؟

يذكّر الوجود العسكري لروسيا في اللاذقية وطرطوس ومحيطهما بالوجود السوفياتي في مصر الذي زاد بعد هزيمة حرب الأيام الستة في العام 1967. لم ينته ذلك الوجود وقتذاك، إلّا بالقرار الشجاع الذي اتخذه الرئيس الراحل أنور السادات في العام 1972، وذلك في أثناء الإعداد لحرب أكتوبر 1973. مهّدت تلك الحرب، من وجهة نظر مصر، لتحريك الوضع السياسي في المنطقة وصولاً إلى اتفاقي «كامب ديفيد» في خريف 1978 ثم معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية في مارس 1979. تلك المعاهدة التي لم يفهم معناها ويستوعب أبعادها النظامان البعثيان في العراق وسورية.

الملفت أنّ النظام في العراق كان مرتبطاً بمعاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفياتي منذ العام 1972، في حين أن النظام السوري لم يجد حاجة إلى مثل هذه المعاهدة إلّا بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل وبداية ظهور إشارات إلى توتّر داخلي، ذي طابع مذهبي وطائفي، في سورية نفسها، بما يهدّد النظام الأقلّوي لحافظ الأسد.

أدرك أنور السادات مبكراً معنى الوجود العسكري السوفياتي في مصر وخطورته. أدرك خصوصاً أنّه لن يستطيع شنّ حرب من أي نوع كان على إسرائيل في ظل هذا الوجود، فكان قراره بطرد الخبراء العسكريين السوفيات الذين لم يكن لديهم من هدف سوى تكريس حال اللاحرب واللاسلم التي صبّت دائماً في مصلحة إسرائيل التي تسلّحت دائماً بمرور الوقت لفرض أمر واقع على الأرض، أكان ذلك في الضفّة الغربية المحتلة أو في الجولان.

كانت هذه الحال، حال اللاحرب واللاسلم، في أساس وجود النظام السوري. كانت فلسفة الحكم لدى حافظ الأسد منذ حرب العام 1967 التي لعب دوراً أساسياً في جرّ مصر إليها، عندما كان وزيرا للدفاع. كانت تلك الفلسفة القاسم المشترك الدائم بينه وبين إسرائيل.

متى استعرضنا السياسة التي اعتمدتها موسكو في المنطقة العربية، وحتّى في مناطق الجوار العربي، نجد أن الكرملين لم يستطع يوماً لعب دور إيجابي على أي صعد كان. كان السلاح السوفياتي والروسي الذي رافقه إرسال خبراء عسكريين في كلّ وقت في خدمة أمرين. الأوّل تشجيع الأنظمة على قمع شعوبها، والآخر ضمان عدم حصول أيّ تفوق على إسرائيل التي كانت إلى ما قبل فترة قصيرة رأس الحربة للسياسة الأميركية في المنطقة.

ثمّة من سيقول أنّ الاتحاد السوفياتي دعم القضية الفلسطينية. هذا الكلام غير صحيح بأيّ شكل. الصحيح، إلى حدّ كبير أنّ الاتحاد السوفياتي قدّم كلّ ما يستطيع من أجل بقاء الفلسطينيين في اسر الشعارات التي رفعوها وكي يغرقوا في أسر بيروت وأزقتها ووحول الحروب الداخلية التي عادت على لبنان بالويلات. لم يقف الكرملين في أيّ يوم موقفاً يستشفّ منه أنّه يعمل من أجل كسر الحلقة المغلقة التي بقيت القضية الفلسطينية تدور فيها في ظلّ الحرب الباردة التي انتهت في نوفمبر من العام 1989، عندما سقط حائط برلين.

ما الذي يمكن توقّعه الآن من التدخل الروسي في سورية، وهو تدخّل بدأ يأخذ في الأسابيع القليلة الماضية منحى جديداً؟ الجواب أنّ لا هدف آخر لموسكو سوى تمديد الحروب المختلفة الدائرة على الأرض السورية. ولكن، إذا كان من جديد، فهذا الجديد هو التنسيق مع إيران وإسرائيل في هذا الشأن. الهدف ألا تقوم لسورية قيامة في يوم من الأيّام. في كلّ مكان تدخّلت فيه موسكو عسكرياً وسياسياً في المنطقة، نجد الخراب. ماذا كانت نتيجة الوجود العسكري السوفياتي في الصومال أيّام محمّد سياد بري؟، ماذا كانت نتيجة الدعم السوفياتي لمنغيستو هايلي مريم في اثيوبيا في مرحلة لاحقة؟

هل هناك من يريد أن يتذكّر الدور السلبي للاتحاد السوفياتي في مجال دعم التحولات الكارثية التي شهدها اليمن الجنوبي منذ استقلاله في العام 1967، وحتّى انهيار النظام في مطلع العام 1986 إثر الأحداث المأسوية المعروفة بـ«أحداث الثالث عشر من يناير» التي انتهت بإبعاد علي ناصر محمّد عن السلطة؟

تكفّل الاتحاد السوفياتي بتخريب التركيبة الاجتماعية والاقتصادية في كلّ المحافظات التي كان يتألّف منها اليمن الجنوبي. قضى على كلّ ما هو حضاري في عدن التي كانت منارة من منارات شبه الجزيرة العربية. هجّر كلّ الثروة البشرية التي كانت في محافظات الجنوب والوسط. تتحمّل موسكو، بكلّ راحة ضمير، جزءاً من المسؤولية عمّا يشهده اليمن كلّه اليوم.

في تاريخ التعاطي مع سورية، لم يأت الاتحاد السوفياتي، الذي ورثته روسيا الاتّحادية، بجديد في العام 2015. في العام 1958، إبان الوحدة المصرية ـ السورية، نكّل جمال عبد الناصر، عن طريق الضابط السوري عبد الحميد السرّاج بالشيوعيين السوريين. دفع الشيوعيون اللبنانيون أيضاً ثمن هذا التنكيل. جثة الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، التي أذابها السرّاج بالأسيد، خير دليل على المدى الذي بلغه هذا التنكيل الذي انحازت موسكو إلى جانبه.

التاريخ يكرّر نفسه في كلّ مكان من المنطقة. الجديد في عهد فلاديمير بوتين هو أن الكرملين يلعب الدور المعهود منه أن يلعبه مع آخرين في دعم نظام مرفوض من شعبه. كلّ ما يستطيع عمله من خلال هذا التدخل الذي لا أفق سياسيا له والذي يبرّره بالحرب على «داعش»، هو إطالة عمر نظام ميّت لم يرد يوماً استعادة أرضه المحتلة منذ ثمانية وأربعين عاماً، بل اعتبر دائماً أن الانتصار على لبنان وشعبه بديل من الانتصار على إسرائيل. لن يوفّق بوتين حيث فشل أسلافه. حنينه إلى استعادة عظمة روسيا سيظلّ حنينا، على الرغم من ان لروسيا مصالح في الساحل السوري مرتبطة بالغاز أوّلاً وأخيراً.

لا يمكن للسياسة الروسية في سورية أن تنجح، على الرغم من الدعم الإيراني والإسرائيلي، والتواطؤ التركي. لا يمكن لهذه السياسة النجاح في ظلّ الضعف الذي يعاني منه الاقتصاد الروسي، خصوصاً أنّ أسعار النفط والغاز مستمرة في الهبوط. تكمن نقطة الضعف الكبرى لدى بوتين في أنّه بنى آلة عسكرية كبيرة على قاعدة اقتصادية بالغة الهشاشة. لم يستطع تطوير اقتصاد بلاده وإخراجه، ولو جزئياً، من أسر عائدات النفط والغاز. الأهمّ من ذلك كلّه، أن حصانه في سورية ليس حصاناً، حتّى لو كان هذا الحصان دمية إيرانية… في حين أنّ كلّ ما يهمّ إسرائيل، إضافة إلى تحييد صواريخ «حزب الله» الإيرانية طبعاً، هو التأكّد من أنّه لن يكون في سورية من يرفع صوته ويطالب بالجولان يوماً.

* نقلاً عن “الراي”

 

 

 

 

المفتاح الروسي/ غسان شربل

قبل توجُّهه إلى الأمم المتحدة لمخاطبة العالم اليوم ولقاء باراك أوباما، رمى فلاديمير بوتين حجراً كبيراً في بحيرة الدم السورية. حجر يوازي في أهميته الحجر الذي شكّله صدور بيان «جنيف 1»، ولا يقل أهمية عن حجر «الاتفاق الكيماوي». التدخُّل العسكري المباشر للجيش الروسي على الأرض السورية يرسم عملياً حدوداً لمسار الحرب ومسار الحل. إنه الخط الأحمر الروسي. المشهد غير عادي. كيلومترات فقط تفصل الضابط الروسي المتدخّل لإنقاذ النظام عن المقاتل الشيشاني الوافد لإسقاطه. يطوي بوتين اليوم صفحة «العزلة الأوكرانية» ويفرض نفسه كلاعب كبير، لا يمكن تجاوزه في سورية والمنطقة.

لا بد من الانتظار لاستكشاف حقيقة نوايا موسكو. الأكيد هو أن الخطوة الروسية بدّلت المشهد والمعطيات، ما يسمح بتسجيل مجموعة من الملاحظات.

– حَسَمَ التدخُّل العسكري الروسي هوية المفتاح الذي لا بد من اللجوء إليه في أي محاولة جدّية لإنهاء الحرب في سورية. إنه المفتاح الروسي الذي انتزع الصدارة من المفتاح الإيراني. بات العنوان واضحاً. إنه مكتب القيصر لا مكتب المرشد، من دون أن يعني ذلك أن الدور الإيراني غاب أو تعطّل. ولتقدُّم المفتاح الروسي على المفتاح الإيراني آثار لن تتأخّر في الظهور غربياً وعربياً وإقليمياً. الصفقات الكبرى تُبرم مع اللاعبين الكبار.

– فَرَضَ التدخّل العسكري الروسي المباشر ما يمكن اعتباره «منطقة آمنة» للنظام السوري الذي يقيم حالياً على مساحة لا تزيد على ربع مساحة البلاد. وهذا يعني عملياً أن روسيا لن تسمح للمعارضات السورية بإسقاط النظام بالضربة القاضية. وجود الجيش الروسي يرسم حدوداً صارمة لطموح المعارضات السورية التي سجَّلَت في الأسابيع الماضية تقدُّماً في اتجاه المعقل الحسّاس للنظام.

– في موازاة حصوله على «المظلة الآمنة» سيضطر النظام السوري إلى دفع ثمن الرعاية الروسية. يمكن أن تشارك روسيا في قتال «داعش»، ولكن يصعب الاعتقاد بأنها جاءت لطحن المعارضة السورية وإعادة النظام إلى ما كان عليه قبل الأحداث. سلوك من هذا النوع يُنذِر بولادة أفغانستان عربية ويجعل روسيا «الشيطان الأكبر» في العالم الإسلامي، وهو سنّي في غالبيته.

– يوفّر التدخّل الروسي مظلة قوية للجيش السوري الذي بدت عليه في الشهور الماضية امارات التعب والإنهاك. يمكن هذا التدخُّل أن يعيد ترميم موقع هذا الجيش في النزاع. يمكنه أن يحسّن موقعه حيال الفصائل المسلحة التي تقاتله، ويخفّض في الوقت ذاته حاجته إلى الميليشيات التي تقاتل إلى جانبه. أسلحة الجيش روسية أصلاً، وتدريباته روسية.

– يوفّر التدخُّل الروسي للنظام استمرار الحماية الديبلوماسية والسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي. يعرف النظام أن الفيتو الروسي المتكرر في مجلس الأمن هو الذي حال دون تعرّضه لهجوم قاتل، بغطاء من الشرعية الدولية.

– يوفر التدخل الدولي «بوليصة تأمين» للأقليات التي تعتقد بأن سقوط النظام قد يؤدي إلى اقتلاعها وفي مقدّمها الأقلية العلوية. والتتمة المنطقية أن تدفع الأقليات ثمن هذه البوليصة بموقف أقل تشدُّداً إزاء موقع الرئيس في الحل وصلاحيات الرئيس في سورية الجديدة.

– حرصت روسيا على توفير مظلة قبول إقليمي لتدخُّلها العسكري. طمأنت إسرائيل إلى أن تدخلها لن يخل بميزان القوى، ولن يوفر غطاء لأي عملية ضدها.

– واضح أن روسيا تراهن على قيامها بدور إيجابي في إنهاء الحرب في اليمن، على أمل الحصول في المقابل على مرونة خليجية حيال تصورات الحل في سورية. حَرصَ بوتين قبل إلقاء كلمته على الاتصال بالملك سلمان بن عبدالعزيز.

– يشكّل التدخل الروسي اختراقاً كبيراً لما كان يسمّى «الهلال الإيراني» أو «الهلال الشيعي»، والذي تعرّض قبل ذلك لاختراق دموي كبير على يد «داعش» وصل حد إعلان «الخلافة» على أجزاء من العراق وسورية. من المبكّر الجزم بأننا نشهد بدايات تراجع للدور الإيراني ومعه المجال الحيوي لـ «حزب الله» بسبب حرص موسكو على أمن إسرائيل. ومن التسرُّع الاعتقاد بأن روسيا انضمت عملياً إلى «حلف الممانعة» الذي يشمل بغداد واستناداً إلى قاموسه ومفرداته.

رمى بوتين حجراً كبيراً في بحيرة الدم السورية. استخدام المفتاح الروسي للحل في سورية له أثمان تتخطى قبول نتائج البلطجة الروسية في أوكرانيا. بتدخُّلها في سورية حجزت روسيا موقعاً بارزاً في أي مفاوضات مقبلة حول النظام الإقليمي الجديد الذي لا بد أن يولد من رحم الاشتباك الكبير الدائر الآن على مسارح المنطقة. لكن السؤال هل يمكن رئيساً أميركياً أن يبرم صفقة بهذا الحجم وهو يستعد للدخول في شيخوخة السنة الأخيرة من ولايته؟

غياب أميركا عن مقعد القيادة في الأزمة السورية وفّر لبوتين فرصة ذهبية. سرق من الرئيس الأميركي المتردِّد شعار مكافحة الإرهاب. وسرق من المرشد الإيراني مفتاح الحرب والحل في سورية. أغلب الظن أن العرب المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد يفضّلون رؤية طرطوس روسية على رؤية طرطوس إيرانية. يمكن قول الشيء نفسه عن تركيا وإسرائيل. للنجاح الروسي ثمن داخل «الهلال» وخارجه، وللفشل الروسي أثمان محلية وإقليمية ودولية.

الحياة

 

 

 

تدخّل بوتين وحظوظ النجاح/ حسن شامي

ستكون الأجواء السورية مرشّحة في المدى القريب، لنوع غير معهود من الازدحام. ستكون الزحمة الموعودة في السماء مرآة عاكسة ومختزلة للزحمة الهادرة على الأرض. هذا ما استخلصه كثر من الإعلان عن تدخّل روسي مباشر في الأزمة السورية المستعصية حتى الآن على أي حلّ. وليس تظهير هذا التدخل في صورة إمداد النظام بطائرات قتالية جديدة، وبطائرات استطلاع من دون طيار شرع النظام في استخدامها، وتطوير قاعدتين جديدتين للقوات الروسية في الساحل السوري، هو وحده ما يشي بنقلة نوعية تقودها روسيا في الملف السوري.

أرضية النقلة الروسية تخاطب الحاجة المتزايدة الى تدوير الزوايا الكثيرة لتصدّع سورية وتذرّر إقليمها وتبدّد شعبها وولوغ جزء لا يستهان به من النازحين في متاهة رحلات بريــــة وبحرية تفوق في مأسويتها روايات التيه التـــوراتي، وهي المتاهة التي لخّصتها صورة الطــــفـــل أيلان الكردي نائماً على الشاطئ، بعد أن لفظه البحر كما يلفظ طحالبه وأعشابه الزائدة.

فقد شهد الإفصاح عن النقلة النوعية للتدخل الروسي ترجمة ديبلوماسية وسياسية تكاد تكون فورية، وإن كانت محاطة ببعض الغموض. فتصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري، حول رحيل بشار الأسد من طريق التفاوض سبق بقليل، كي لا نقول تزامن مع، تصريح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي اكتشف فجأة أن حلّ الأزمة السورية يقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية، ما يحفظ لبشار الأسد دوراً يمكن الخوض فيه والتفاوض على حدوده ومدة صلاحيته. وتأتي في هذا السياق أيضاً دعوة الرئيس الفرنسي إلى مؤتمر دولي جديد لبحث الأوضاع في سورية.

من نافل القول ربما، إن خريطة الازدحام الجوي لن تتطابق حرفياً مع خريطة الازدحام الأرضي. فالسماء التي اعتاد الناس منذ القديم على اعتبارها مقر الآلهة ومصدر البركات واللعنات في آن، وقبلة التضرّع والدعاء واستعجال الخلاص، باتت في العصر التقني الحديث مسرح اللاعبين الكبار، الدوليين والإقليميين، وإن تفاوتت أحجامهم وأوزانهم. من يسيطر على الأجواء سيطرة مطلقة يصبح في موقع الإملاء لما ينبغي أن يتبدل أو أن يتشكّل على الأرض. تتعقد الأمور عندما تكون السيطرة نسبية أو جزئية لاعتبارات مختلفة. يبقى أن اللعب على الأرض يختلف عن اللعب في السماء. قواعد اللعبة مختلفة. فعلى الأرض يمكن تمويه الأدوار وأشكال التدخل. ويمكن لأي لاعب دولي أو إقليمي أن يختبر خيوط تدخل متعددة، ويمكن أن تفلت الأمور من عقالها إلى هذا الحد أو ذاك. من الصعب أن تجري الأمور على هذا النحو في السماء، إذ ليس من السهل إخفاء هوية الطائرات وأصحابها حتى وإن لم تلق براميل متفجرة. ولا ينبغي أن يفوتنا أن التدخل القتالي الجوي يحتاج دائماً إلى إحداثيات على الأرض بغض النظر عن مدى دقتها. التنسيق بين الحلفاء في الجو ضروري. وهو كذلك بين غير الحلفاء الحريصين على تجنّب صدامات جوية من شأنها أن تكون ذريعة حرب لمن يرغب في تصعيد المواجهة.

ليس من قبيل المصادفة أن يبرر بنيامين نتانياهو زيارته لموسكو بالحاجة إلى التشاور والتنسيق التقني خوفاً من حصول حوادث سير طيراني في الأجواء السورية. وإذا كان صحيحاً أن التدخل الروسي حفل بتطمينات للحكومة الإسرائيلية، فمن الصحيح أيضاً أنه ينطوي في طبيعة الحال على تعديل في قواعد اللعبة. وهنا يكمن فحوى الزيارة. وفي هذا المعنى، يظهر أن المسارعة إلى زيارة موسكو على طريقة الاستدعاء الذاتي للتشاور مؤشر ودليل على أن حظوظ التدخل الروسي في قلب طاولة المفاوضات العقيمة حول سورية باتت كبيرة.

قد لا يكون جديداً القول إن الدب الروسي هو ثعلب أيضاً. غير أن توقيت النقلة لا يتعلق فحسب بالعوامل الجيو ـ سياسية وبحسابات موسكو الاستراتيجية وحاجتها إلى المقايضة على خلفية التهديدات الأطلسية بالتمدد في حدائقها الخلفية، في أوكرانيا وفي بولندا مثلاً. وقد ازدهرت أخيراً التحليلات والتعليقات المتحدثة عن أهداف التدخل وتلخيصها في حماية ما يعرف بسورية المفيدة الممتدة من الساحل إلى العاصمة دمشق، وفي ضرب مجموعات الجهاديين الشيشانيين والقوقازيين الناشطين في سورية والذين يقدّر عددهم بـ2500 مقاتل، تخشى موسكو من عودتهم وتأثيرهم في روسيا مباشرة وفي محيطها الإسلامي القريب. ولتفادي أي اتهام برهاب الإسلام جملة وتفصيلاً، قام بوتين بتدشين أكبر مسجد إسلامي في العالم في قلب روسيا التي تضم قرابة العشرين مليون مسلم. هكذا يصبح في مقدور موسكو أن تختزل الصراع في سورية وعليها بمقولة محاربة الإرهاب.

في هذا السياق، يصبح الحديث عن وحش أو سفاح غروزني القادم إلى سورية، ضرباً من الكلام السجالي الدعوي. ذلك أن سوق الحروب والمصالح أطلقت العنان لبورصة اختلط فيها الحابل بالنابل والصالح بالطالح، وارتفعت فيها أسهم البربرية أكانت بقناع من الصلافة أم من دون قناع. وحش غروزني ليس أكثر وحشية من وحش الفلوجة أو من وحش الصلافة التي مزقت ليبيا وسواها. والحق أن حظوظ نجاح التدخل الروسي تكمن في التقاط اللحظة السيادية المفقودة وارتفاع منسوب الطلب عليها. استفاد الروس من عبثية الاستراتيجية الأميركية، والغربية استطراداً، القائمة منذ البداية على إطالة أمد النزاع لاستنزاف النظام الأسدي وحلفائه الدوليين والإقليميين. واستدعى ذلك مصادرة أي استقلالية للقرار السوري الذي كان يفترض أن تصونه المعارضة. لا حاجة الى الحديث عن هذه المسألة ولا عن ضرورة عدم التعميم. يبقى أن تناثر المعارضة وحروبها ونزاعاتها الداخلية جعلت من فصائلها المتنافسة الكثيرة أشبه بمسرح لوكلاء دول وقوى إقليمية ودولية لا يعنيها سوى تصفية حساباتها الضيّقة وتثبيت نفوذها. في سياق يطغى فيه التفتت الترابي والمأسوية وانسداد الآفاق، يصبح النصاب السيادي حاجة خلاص وجودي. التدخل الروسي يخاطب هذا التطلّع إلى السيادة الدولتية والقومية حتى وإن كانت تفتقد إلى الدينامية الشعبية وتمثيلها الحقيقي. قلما جرى الالتفات إلى هذه المسألة، علماً أن تجارب تاريخنا السياسي الحديث لا تبخل بالتدليل على أهميتها. الأتاتوركية الكمالية هي خير تلخيص لها. فقد لعب التقارب مع موسكو الشيوعية دوراً مهماً في نجاح المقولة السيادية. وهذا ما أجاز لأتاتورك صيحته التسلطية: أنا تركيا.

الحياة

 

 

 

 

“الكرملينولوجي” بوتين/ علي بردى

تضع الساعات المقبلة سوريا على مفترق جديد. يبدو جلياً الزخم الديبلوماسي على هامش الدورة السنوية السبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. غير أن الأنظار تتجه خصوصاً الى اللقاء المرتقب للرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين. يمكن المجادلة بأن سيد البيت الأبيض سيقبل بما انتزعه نظيره في الكرملين – “الكرملينولوجي” بوتين – على المسرح السوري، وكذلك على الساحة الدولية.

تركز الجهود الديبلوماسية على حل “عقدة الأسد”. يجاهر الديبلوماسيون الغربيون – أميركيين وأوروبيين – والأتراك بأن العملية السياسية يمكن أن تبدأ على أساس بيان جنيف، بمشاركة الرئيس بشار الأسد، على أن تنتهي من دونه. يرونه سبباً في تفشي ظاهرة الجماعات الإرهابية مثل “الدولة الإسلامية” (داعش) وسواها من الخلايا التي تعتنق مذهب تنظيم “القاعدة”. غير أن التصريحات التي يدلي بها الديبلوماسيون الروس توحي بأنهم لا يرغبون في أي إطار يلزمهم رحيل رأس النظام السوري. بل انهم يريدونه لاعباً رئيسياً في الحرب الدولية على الجماعات الإرهابية. ليس سراً أن “الكرملينولوجي” بوتين لا يحبذ الدور القيادي التي تضطلع به الولايات المتحدة في الائتلاف الدولي الواسع ضد “الدولة الإسلامية” (داعش) وغيرها من الجماعات التي تعتنق مذهب الإرهاب عند تنظيم “القاعدة”. يريد لروسيا أن تتولى دوراً قيادياً أيضاً، ولكن وفق أسس مختلفة. هل الأسد في قلب معركته ضد الإرهاب؟

يشارك بوتين للمرة الأولى منذ عشر سنين في الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة. يأتي وقت يغيب الكلام تقريباً على ضم روسيا شبه جزيرة القرم، وعلى الضجيج في شأن مساعدتها المتمردين في شرق أوكرانيا. يتصدر موضوع سوريا أولويات لقائه أوباما. بخلاف عقيدة الأخير، أو ما يطيب للبعض أن يسميه “الأوبامية”، التي أخرجت الولايات المتحدة من مرحلة التدخل والغزو وأدخلتها في مرحلة من الانكفاء والتخلي، تتسم “البوتينية” بعودة صاخبة لروسيا الى ساحة صنع القرار الدولي. لم تكن الولايات المتحدة والدول الغربية وغير الغربية ترغب في تولي روسيا هذا الدور القيادي في سوريا تحديداً. بيد أن بوتين أفاد من تردد أوباما في تحديه على رغم قرار الجانب الأميركي وقف الاتصالات بينهما منذ بدء الأزمة الأوكرانية.

يسلّم الديبلوماسيون الغربيون بالمصالح الإستراتيجية لروسيا في سوريا. غير أن هذه المصالح تتقاطع أيضاً مع الحضور العميق والقديم لإيران في هذا البلد العربي. أي دور ستضطلع به ايران لوقف حمام الدماء في سوريا بعد اتفاقها النووي مع الدول الكبرى؟

ثمة فرصة حقيقية الآن للتوصل الى اتفاق يضع حداً لأكبر مأساة يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومنذ مؤتمر يالطا. أخشى ما يخشاه كثيرون أن ينتهي الأمر بالترحم على “مسّاحين” أحدهما فرنسي هو الديبلوماسي فرنسوا بيكو والثاني بريطاني وهو السير مارك سايكس.

النهار

 

 

 

 

لعبة الشطرنج الروسي ـ الأميركي على الرقعة السورية/ مصطفى اللباد

يلقي اليوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد طول غياب. يقف بوتين اليوم أمام رؤساء الدول والوفود في الاجتماع الدولي الأكبر، بعدما أرسى واقعا جديدا في سوريا والمنطقة. بعدها، سيلتقي الرئيس الروسي مع نظيره الأميركي باراك أوباما للتباحث في مجموعة من المسائل والقضايا، تبدأ بسوريا ولا تنتهي عند أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا جراء الأزمة الأوكرانية. يشكل لقاء القمة اليوم بداية فصل جديد من العلاقات الروسية ـ الأميركية المفتوحة على احتمالات التفاهم والمقايضة، وبالقدر ذاته على احتمالات التصعيد والمواجهة. اختار بوتين أن يوجّه نقلة البداية في لعبة الشطرنج السورية، والآن يأتي الدور على نقلة أوباما التي ستعكس تفضيل واشنطن لأحد الخيارين.

وحتى يضفي بوتين المزيد من التصميم والصلابة على نقلته الأولى، فمن غير المستبعد أن تقوم القوات الروسية المتواجدة على الأراضي السورية بعمليات قصف جوي على مواقع تنظيم «داعش» في الدقائق التي يلقي فيها بوتين كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتوفير الموسيقى التصويرية اللازمة للخطة الروسية. لا يحتمل لقاء القمة اليوم إلا نتيجتين لا ثالث لهما ـ على العكس من الاحتمالات الثلاثة الممكنة للعبة الشطرنج: السير باتجاه تفاهمات روسية ـ أميركية خلال الفترة المقبلة، أو تصلب أميركي وغلق الباب على احتمالات المقايضة.

خطة بوتين

فرض بوتين واقعاً جديداً في سوريا واستطراداً في المنطقة، وهو واقع لم يتم بالتنسيق مع واشنطن بأي شكل من الأشكال كما تروّج بعض الدوائر في المنطقة لأغراض دعائية وليست تحليلية. في كل الأحوال، يستلزم فرض ذلك الأمر الواقع مواكبة ديبلوماسية لتقنينه والمقايضة به وعليه في قضايا أخرى تهم روسيا في جوارها الجغرافي المباشر. اليوم هي فرصة بوتين لتدشين الفصل الثاني من خطته، في حين كان تعزيز الحضور العسكري في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة الفصل الأول من الخطة. وعلى الأرجح دار في مخيلة صانع القرار الروسي تاريخ انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة والمحدد سلفاً، عند اتخاذ توقيت القرار بتوسيع ذلك الوجود على النحو الذي نراه منذ أسابيع. بمعنى أن اليوم تاريخ انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة واللقاء مع أوباما سيسدل ستارة النهاية على الفصل الأول من الخطة، في حين ستتقرر أحداث الفصل الثاني وفقا لمعطيات اللقاء مع أوباما: التفاهم أم التصعيد.

حتى الآن، فرضت روسيا أمراً عسكرياً واقعاً مع الإحجام عن الانخراط في عمليات عسكرية فعلية كاسرة للتوازن على الأرض، بما يعني إبقاء الخيارات مفتوحة قبل اجتماع بوتين وأوباما. سيدخل بوتين اللقاء حاملا مقترحاً للتسوية السياسية في سوريا يمر عبر مرحلة انتقالية لا تشترط بقاء النظام السوري الحالي في نهايتها، كي يحفظ ماء الوجه لأوباما. ومن المتوقع أن ينفتح بوتين ـ في حدود ـ على مقترحات التنسيق العسكري مع أميركا لمقاتلة تنظيم «داعش» لمنع تصادم محتمل بين القوات الروسية وقوات التحالف الذي تقوده أميركا. وفي حال أحجم أوباما عن الدخول في مقايضات ترغبها روسيا، يمكن للقوات الروسية أن تستمر في قصف تنظيم «داعش» بوتائر أكثر فعالية مما حدث حتى الآن، باتجاه إمالة ميزان القوى على الأرض لمصلحة النظام السوري. وفي كل الأحوال، تعد الموافقة الأميركية على عقد لقاء القمة بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين إشارة واضحة على فعالية الوجود الروسي في سوريا بتحريك المواقف الأميركية باتجاه حلول وسط مع روسيا.

الحسابات الأميركية

لا يبدو ان أوباما يملك خطة واضحة متكاملة حيال المستجد الروسي في سوريا، وربما لا يملك أيضاً خطة واضحة حيال الأزمة في سوريا؛ وهو أمر يمكن استنتاجه من سياسة واشنطن الضعيفة والمترددة منذ اندلاع الحراك في العام 2011 وحتى الآن. تملك موسكو وطهران كلاهما أوراقاً مهمة للتأثير في قرار النظام السوري، والأخير لم يعد منذ سنوات هدفاً بحد ذاته أو بالأصالة عن نفسه، وإنما هدفاً بالوكالة لتحقيق أهداف أوسع تتخطاه والجغرافيا السورية. ربما يسأل مستشارو أوباما للأمن القومي أنفسهم: ماذا نريد أن نحقق في سوريا بالضبط؟ ويتفرع هذا السؤال الكبير إلى سؤالين فرعيين مهمين: هل تريد واشنطن تقليص نفوذ إيران في المنطقة عبر إسقاط حليفها في دمشق؟ أم تريد واشنطن تقليص النفوذ الروسي في الشرق الأوسط للحفاظ على تفوقها فيه؟

حتى الآن دعمت واشنطن وتحالفاتها الإقليمية (تركيا والسعودية وقطر) المعارضة المسلحة المعتدلة في حدود، فاستمرت الحرب الأهلية في سوريا من دون غالب أو مغلوب.. سوى الشعب السوري. ثم تغيرت الموازين مع دخول الفصائل الإرهابية مثل «داعش» و «النصرة»، حيث همشت حضور المعارضة المعتدلة إلى حد كبير، فأصبح بديل الأسد جهادياً حكماً، وهي نتيجة لا يمكن لواشنطن قبولها. ومع تردد أميركا في التعامل مع خطوطها الحمر المعلنة ـ استخدام السلاح الكيماوي ـ فقد تدخلت روسيا في العام 2013 لنزع فتيل الأزمة عبر تسليم السلاح الكيماوي السوري مقابل عدم توجيه ضربة أميركية للنظام. الآن على واشنطن أن تقرر هل تريد التخلص من الأسد أم من «داعش»، والتخلص من كلاهما يبدو أمراً غير ممكن في ضوء موازين القوى الجديدة على الأرض السورية.

ويعتقد خبراء أميركيون نافذين في واشنطن أن التخلص من الأسد لن يجلب السلام إلى سوريا، فالبديل سيكون داعشياً، إلا إذا التزمت واشنطن بقوات عسكرية على الأرض، وهنا ستتكرر تجربة أميركا في العراق. أما محاربة تنظيم «داعش» بالشراكة مع موسكو، فلن يضر بالمصالح الأميركية بالضرورة، حتى ولو وقعت سوريا في القبضة الروسية تماماً، خصوصا أن واشنطن تملك علاقات تحالفية مع كل الدول الواقعة في جوار سوريا الجغرافي وبالتالي مصالحها في عموم المنطقة ستظل مصانة.

ربما ستحاول أميركا تحويل الوجود العسكري الروسي المستجد في سوريا إلى صيغة رابح – رابح، والابتعاد عن المعادلات الصفرية التي لا تعرف سوى فائز بكل شيء وخاسر لكل شيء. الاعتبار الأخر الذي يدور في حسابات واشنطن أن الوجود الروسي المستجد في سوريا يهمّش أدوار القوى الإقليمية في إدارة الصراع السوري (مصطفى اللباد – السفير: روسيا تقلب الموازين في سوريا والمنطقة 21/9/2015)، ما يفتح نوافذ للفرص أمام واشنطن للعب على التناقضات الإقليمية. فمن ناحية، ستضطر تركيا والسعودية إلى القبول أكثر بوجهات النظر الأميركية حيال سوريا، لموازنة الحضور الروسي على حدودها الجغرافية. ومن ناحية ثانية، تشكلت ثغرة موضوعية بين روسيا وإيران حول سوريا ومن يمسك بقرارها ومن يفاوض باسمها، من جراء توسيع الوجود الروسي على الساحل السوري، وهي ثغرة ستعمد واشنطن إلى توسيعها في مقبل الأيام. في المقابل، ربما تعتقد واشنطن أن انخراط روسيا المتزايد في سوريا سيشكل فرصة للضغط عليها في كل الملفات واستنزافها في سوريا، مع الأخذ بعين الاعتبار موقفها الاقتصادي غير المتماسك جراء العقوبات الاقتصادية وتدني أسعار الطاقة الدولية التي تشكل صادراتها الأساسية.

الخلاصة

لا يحتمل لقاء القمة الروسي ـ الأميركي اليوم سوى نتيجة واحدة من نتيجتين لا ثالث لهما: التفاهم على الملف السوري والمقايضة مع باقي الملفات المهمة لروسيا، أو التصعيد في سوريا وأوكرانيا وجوار روسيا الجغرافي. لا حاجة لان تكون متمرّساً في الديبلوماسية كي تقرأ تصريحات المسؤولين الروس والأميركيين بعد اللقاء وتستكشف ما بين السطور وصولا إلى نتيجة اللقاء.

في كل الأحوال، كان الشهر المنصرم بمثابة الفصل الأول من الخطة الروسية، ونتيجة لقاء اليوم ستفتتح الفصل الثاني من الخطة. امتلك بوتين زمام المبادرة ونقلة البداية في لعبة الشطرنج السورية، واليوم يأتي الدور على نقلة أوباما التي ستعني التصعيد أو التهدئة. ومثل مباريات الشطرنج الاحترافية يملك الأبيض ميزة المبادأة والنقلة الأولى، في حين تشي نقلة الأسود الافتتاحية بميوله في اختيار افتتاح تهادني مغلق ميال إلى التعادل أم تفضيل هجوم مضاد يبقي احتمالات التصعيد والفوز متاحة. ستكشف اليوم نوايا أوباما في تفضيل التصعيد أم التهدئة مع روسيا، وبعدها يمكن للتحليل أن يبني على الموقف الأميركي مقتضاه سورياً وإقليمياً ودولياً.

السفير

 

 

 

 

هل يمكن لـ«معجزة» بوتين أن تتحقق؟

رأي القدس

ضمن زحمة تحرّكات دولية كبيرة في أروقة الأمم المتحدة ستتسلّط الأضواء بالضرورة على لقاء الرئيسين الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين اليوم.

في كواليس هذا اللقاء من المهم متابعة أخبار اللقاءات والاجتماعات الأخرى في نيويورك وملاحظة معانيها على ضوء ما يحصل في منطقتنا العربية، وأولها أن أوباما لن يقابل نظيره الإيراني حسن روحاني، لكن وزير خارجيته جون كيري سيلتقي محمد جواد ظريف وزير خارجية روحاني (وهذا يعني أن كيمياء السياسات الخارجية الأمريكية ـ الإيرانية لم تنتج بعد المزيج البروتوكولي للقاء الرئيسين بعد). بالتوازي مع ذلك، ولتأكيد بروتوكولات الحظوة الشكلية لـ»حلفاء واشنطن العرب»، سيلتقي كيري طبعا بوزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

في المقابل فقد ألغي، أو لم يتحقق، لقاء كان يجري بحثه بين الجبير وظريف لأن الجانب الإيراني، بحسب وسائل الإعلام السعودية، لم يطلب اللقاء «بالطريقة المتعارف عليها»، وقد فهم الجانب السعودي أن اللقاء سيكون تقريعاً للمملكة فيما يخصّ وقوع عدد كبير من الحجاج الإيرانيين صرعى الحادث المأساوي في منى… فتم رفضه.

التدخّل العسكري الروسي في سوريا سيكون أهم «قضايا الحوار» في أغلب هذه الاجتماعات، والأغلب أن ترن كلمة «الحوار» بشكل موسيقيّ في أذنيّ الرئيس الروسيّ الذي غيّرت نقلته العسكرية في سوريا توازنات القوى على الأرض وفرضت بالتالي تغيّرات سياسية ملحوظة أهمّها إقرار واشنطن، ومن ثم سلسلة طويلة من عواصم القرار الغربي، ببقاء بشار الأسد رئيساً لسوريا «خلال المرحلة الانتقالية».

الروس بهذا المعنى «تحاوروا» سلفاً مع واشنطن وحلفائها الأوروبيين وسحبوا منهم تنازلاً مهماً يتعلّق بمصير الأسد، فيما ستنصب باقي مجريات الحوار على تفاصيل تشكيل «الحكومة الانتقالية»، ودور الأسد التنفيذي، وكيفية بنائها وصولاً إلى انحلالها وتشكل حكومة سورية موحدة.

ما تريده روسيا بوضوح أن يستمرّ نظام بشار الأسد ولكن بصيغة مخففة تلقى قبولا أكثر، كما أن الكرملين يرغب حكماً في أن تضم الحكومة الانتقالية السورية تنويعة ممن تسميهم «المعارضين المعتدلين» للرئيس السوري على غرار الوزير السوري السابق المقرب من الكرملين قدري جميل، ووزير المصالحة الوطنية علي حيدر الذي لا يقل مزايدة، أحياناً، عن عتاة الموالين للنظام، ولا بد أن جاذبية السلطة ستغري معارضين من خارج السرب الأليف للانضمام، وهو الأمر الذي اشتغلت عليه موسكو مؤخرا، وفعلت مصر ما يشبهه في اجتماعات استضافتها لشخصيات معارضة سورية خالية من جماعة «الإخوان المسلمين»، كما اشتغل عليه معارضون سوريون معروفون بموالاة الجبهة الروسية ـ الإيرانية ومناكفة «الائتلاف» السوري المعارض، والفصائل السورية المسلحة عموماً.

وتأتي مسارعة الدول الغربية، كما فعلت فرنسا أمس، إلى قصف مواقع لتنظيم «الدولة الإسلامية» في دير الزور السورية، إضافة إلى تراجع عامّ في الدعوة لتنحّي الأسد، لتثبّت أكثر من المواقف الروسية على الأرض.

السؤال الآن يتركز حول إن كان هذا التوافق الحماسيّ العامّ لتلزيم روسيا بالشأنين السياسي والعسكري السوريين سيؤدّي حقاً إلى حل سياسي في سوريا قابل للحياة وبالتالي تحقق «معجزة بوتين» التي تحدّث عنها وزير الخارجية السوري وليد المعلم بعد طرح الروس اقتراحهم لتشكيل ائتلاف دولي لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» يضم تركيا والسعودية وقطر وإيران وروسيا وأمريكا وأوروبا (وإسرائيل… و»حزب الله» في الخلفية طبعاً).

الأغلب في رأينا أن هذا التحالف الإعجازي غير قابل للاستمرار على المدى الطويل، والسبب لفشله هو نفسه سبب الحماس المفتعل لإنجاحه وهو القبضة الحديدية الروسية المتعاظمة على سوريا، التي تجعل من قواتها الموجودة هناك قوات احتلال مهمتها تشبه ما حاول الأسد وحليفته إيران فعله على مدى سنوات: إعادة عقارب التاريخ إلى الوراء.

ما سيقوّض «المعجزة البوتينية» أيضاً هو التجميع الإجباري لفرقاء مختلفين اختلافاً وجودياً، فالأتراك لا يمكن أن يقبلوا التحالف مع «حزب العمال الكردستاني» و»وحداته الشعبية» في سوريا، والسعوديون لا يمكن أن يتحالفوا مع إيران الخ…

المعجزة الوحيدة التي قد تعطي طوق نجاة زمني أطول للسيناريو الروسي ـ الأمريكي هي لجوء الأسد (كما فعل ملايين السوريين هرباً من يأسهم من التغيير) إلى الخارج وعودة أولئك النازحين إلى بلدهم، وهذان أمران لا يبدو أن موسكو تفكر فيهما الآن.

 

 

 

 

سوريا “الروسية”/ عبد الحليم قنديل

■ عجز العرب ـ كالعادة ـ عن تعريب حل للمأساة السورية، وتدخلت الأطراف الإقليمية من إيران وتركيا للعب دور أساسي، ثم جرى اختصار الأدوار الإقليمية، وتدويل المأساة ما بين روسيا والصين من جهة، وأمريكا وأوروبا من جهة أخرى، ثم تضاءلت الأدوار الدولية للغرب بعامة، وتقدم الدور الروسى منفردا، وأصبح الرئيس بوتين هو «ضابط الإيقاع» في أي كلام أو مناقشات أو تصورات عن حلول مطروحة للمحنة السورية.

والمثير، أن تركيا مع أطراف خليجية، وقد دفعت عشرات المليارات من الدولارات لتحطيم سوريا، لم تعد تجد ترجمة سياسية لما دفعت إليه، وباتت تستحث أمريكا على القيام بدور يناهض الموقف الروسي، بينما واشنطن «قطعت النفس»، ولم يعد لديها من فرصة غير التحول إلى قطعة دوارة في لعبة «روليت» روسية، فقد ابتلع الرئيس أوباما لسانه، وابتلع معه لسان وزير خارجيته جون كيري، ورقصت الإدارة الأمريكية على إيقاع الموقف الروسي الحاسم، فبعد محاولات خائبة للضغط على بلغاريا واليونان، بهدف دفع البلدين لإغلاق المجال الجوي أمام طائرات نقل السلاح الروسي إلى سوريا، ردت عليها موسكو بخشونة ظاهرة، واستمرت في تسيير جسر دعم جوي إلى دمشق عبر إيران والعراق، وعبر البحار، ونقل أسلحة متطورة إلى الساحة السورية، وتحويل اللاذقية وطرطوس إلى موانئ مخصصة لرسو السلاح الروسي، وبناء قواعد عسكرية حصينة في البر، وإجراء مناورات بحرية روسية شرق المتوسط، وفي إعلان صريح من موسكو عن وضع بشار الأسد في حمايتها المباشرة، والتصرف مع سوريا على أنها «سوريا الروسية».

وبعد هذا التحول العاصف الذي له ما بعده، لم تجد واشنطن بابا للتصرف، غير التفاهم مع روسيا، فهي لا تستطيع أن تخاطر بالدخول في حرب عالمية مع روسيا من أجل عيون تركيا والحلفاء الخليجيين، الذين يواصلون النفخ في أبواق قديمة، وترديد اسطوانات مشروخة عن ضرورة رحيل الأسد قبل أي حل، وهو ما تخلت عنه واشنطن مع التطور في الموقف الروسي، وعدلت عن موقفها القديم الرافض لوجود بشار في أي حل، وصارت واشنطن تتحدث عن ضرورة وجود بشار في أي مفاوضات تجري، بل وفي المرحلة الانتقالية طبقا لبيان جنيف، وهو ما راح حلفاء واشنطن عبر الأطلنطي يرددونه كالببغاوات، فقد تغير الموقف البريطاني، ثم تغير الموقف الفرنسي، وزاد الموقف الألماني في تأكيده على ضرورة وجود الأسد في أي حل، وهكذا نجحت روسيا في لي ذراع ولسان الأطراف الدولية المخالفة، التي كانت تصف نفسها بأصدقاء المعارضة السورية، وتحولت إلى طلب صداقة بشار الأسد، خاصة أن الاندفاع الروسي العسكري باتجاه سوريا، سبقه تمهيد طويل مدروس من الإدارة الروسية، جعل موسكو قبلة المؤيدين والمعارضين السوريين، وبتعاون وتفاهم محسوس مع طهران والقاهرة، وبمد جسور اقتراب استخباراتي وعسكري إلى الرياض، وبهدف تخفيف نغمة المعارضة السعودية للموقف الروسي، وهو ما جعل طريق موسكو سالكا أكثر إلى دور في حاضر ومستقبل سوريا، تحفظ به مصالحها في المنطقة، وبحضورها المباشر، وليس عبر أدوار إقليمية للحليف الإيراني، وبمقدرتها الأفضل على التفاهم مع واشنطن رغم الخلاف الأوكراني، وباستثمار مخاوف الأوروبيين المتزايدة من موجات اللجوء السوري العارم إلى عواصمهم، ومن زحف «داعش» التي تأكل الأخضر واليابس، والتي فشل التحالف الأمريكي المنافق في صدها أو دفعها للانكماش، وهو ما يهيئ لروسيا فرصة التقدم للدور المركزي، خاصة أن موسكو هي التي مهدت لاتفاق إيران النووي مع الغرب، وتقدم نفسها الآن كوسيط لا غنى عنه، وكصانع ألعاب رئيسي ـ وحيد ربما ـ في توليف مخارج للمعضلة السورية.

وبالطبع، استفادت روسيا من درس أفغانستان القاسي، وربما لن تغامر أو تقامر بدور عسكري بري في سوريا، يستنزف طاقتها ودماء جنودها، وصاغت دورا تبدو ملامحه الأساسية ظاهرة، قد يصح تصورها على النحو التالي، فهي ـ أي روسيا ـ تصوغ مبادرة تحالف جامع لهزيمة إرهاب «داعش» و»القاعدة» و»النصرة» وأخواتها، وتصوغ بالتوازي مبادرة سياسية لحل الأزمة السورية، وترتكز في مبادرة حرب الإرهاب على دفع الأطراف الإقليمية لتقديم قواتها البرية، وعلى ساحة ممتدة تشمل أراضي العراق وسوريا بلا تمييز، يصحبها دعم سلاح متطور للجيش السوري المنهك، وإعادة بناء خططه، وتنظيم قواته، واستعادة نزعته الهجومية، في ظل تعهد روسي صريح بالدفاع عما تبقى من أراض خاضعة لسيطرة نظام بشار الأسد، والهدف: إعادة تقديم نظام بشار في صورة رأس الحربة ضد الإرهاب، وهو ما تبدو التطورات الإقليمية مواتية له، ولا يجد معارضة جدية يعتد بها، فقد غرقت تركيا أردوغان في بحور دماء الحرب الأهلية مع حزب العمال الكردستاني، فوق انكشاف وانفضاح لعبة أردوغان المزدوجة، التي ادعى فيها علنا أنه يحارب الإرهاب الذي صنعه النظام السوري، بينما كان يدعم «داعش» ضمنيا، ويسهل عبور المقاتلين القادمين إليها من كل أنحاء الدنيا، ويعقد الصفقات معها من وراء ستار شفاف، ثم أنه ـ أي أردوغان ـ دعم علنا وصراحة جماعة «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة»، وكان وراء تكوين ما يسمى «جيش الفتح»، كقناع لجبهة النصرة، الذي شاركت في دعمه دولة خليجية معروفة بمليارات الدولارات، والمحصلة: إضعاف الدور التركي بعد الانكشاف، وبعد غرق أردوغان في أزماته الداخلية المتفاقمة، وهو ما دفع واشنطن إلى التصرف بنفسها في رسم حدود للدور التركي، وتهميشه إلى حد جعل القواعد التركية العسكرية مجرد نقاط انطلاق للطائرات الأمريكية، ورفض مطالب أنقرة بخلق منطقة في شمال سوريا خاضعة للحماية التركية، وإحلال فكرة أخرى هي الاستعانة بالعدو الأول للأتراك وهم أكراد سوريا، بصلاتهم الوثيقة مع أكراد تركيا المحاربين لأردوغان، وتركيز واشنطن على جعل «وحدات حماية الشعب» الكردية حليفا بريا أساسيا للحملة الجوية الأمريكية ضد «داعش»، خاصة بعد نجاح أكراد سوريا في ملحمة تحرير عين العرب «كوباني»، وطرد «داعش» من بلدات ومدن مهمة في شمال شرق سوريا، ثم التحامهم مع قوات الجيش السوري الرسمي في معركة طرد «داعش» من مدينة الحسكة، وهو ما قد يغري واشنطن بمضاعفة الاعتماد على القوات الكردية السورية، وبالذات في حرب تحرير مدينة «الرقة» عاصمة دولة «داعش»، وربما بالتحالف مع عشائر عربية مستعدة للعمل مع الأكراد، وهو ما لا يعارضه نظام بشار الأسد، وقد يرى فيه دعما يضاف إلى قوته المتآكلة، فأكراد سوريا لهم مطالب قومية لا تصل إلى حد طلب الانفصال، وقد يمكن الاتفاق معهم على شراكة حكم في مناطق مختلطة تجمعهم بالعرب، ولم تنقطع أبدا خطوط تواصلهم مع النظام وقواته، وقد يلعبون دورا مفيدا بالمستقبل في المعركة ضد «جيش الفتح» و»جبهة النصرة» في إدلب وشمال حلب، وهو ما تدركه حسابات الروس على ما يبدو، والذين يضمنون ولاء إيران وحزب الله، ويسعون إلى تنظيم «هدنة ضمنية» بين طهران وتل أبيب، والتفرغ لتنظيم جهد مكثف في سوريا، يهدف إلى زيادة رقعة الأرض التابعة للنظام السوري، وبالاستفادة أساسا من الأرض التي تجلو عنها «داعش»، وبما يستعيد أكثر من نصف الأرض السورية لسيطرة بشار، المحشور الآن في أقل من الربع، وهو ما قد يصنع موقفا تفاوضيا أفضل لسوريا الرسمية في مرحلتها الروسية، خاصة مع التسليم الأمريكي والغربي المستجد بضرورة وجود بشار في المرحلة الانتقالية على الأقل، ومع تهافت «الائتلاف السوري» المعارض المقيم في تركيا، وعجزه عن تنظيم جهد عسكري له مغزى على الأرض السورية، وتبدد دعوى «الجيش الحر»، والفشل المخزي لبرامج التدريب الأمريكية لمعارضين مفترضين في دول الجوار السوري.

وبالطبع، توجد معارضات أخرى غير معارضة ائتلاف الفنادق التركية، لعل أهمها جماعة «هيئة التنسيق الوطني لقوى المعارضة»، وهي تنشط أساسا في الداخل السوري، ورفضت عسكرة الثورة من أول لحظة، كما رفضت جماعات الإرهاب وديكتاتورية النظام الوحشية، وصلاتها وثيقة وتاريخية مع الحزب الرئيسي لأكراد سوريا، وحوارها مفتوح مع موسكو من زمن طويل، وقد يبرز دور هؤلاء أكثر من «الائتلاف» في مرحلة سوريا الروسية.

القدس العربي

 

 

 

هل يغيّب حضور روسيا؟… سيناريوهات «سوريا الصغرى» وإقليميّ الأنبار والأكراد/ د. عصام نعمان

■ لروسيا حضور قديم في سوريا، يعود إلى منتصف خمسينيات القرن الماضي. حضورها تبدّى بتزويد سوريا بأسلحةً ثقيلة متطورة، كما في أقامة قاعدة بحرية لوجستية في مدينة طرطوس.

حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ظلَّ الحضور الروسي فاعلاً، من خلال اتفاقات الأسلحة والمعدات المعقودة بين الطرفين، غير أن موسكو جمّدت توريد الأسلحة لدمشق عام 2013 عشيةَ انعقاد مؤتمر جنيف-2. منذ نحو شهرين عادت الأسلحة والمعدات النوعية إلى التدفق على سوريا.

أكثر من ذلك، كشفت واشنطن مؤخراً تقارير استخبارية تشير إلى وجود سرب من الطائرات الروسية المقاتلة في مطار حميميم القريب من اللاذقية وكتيبة من مشاة البحرية الروسية في قاعدة جرى إنشاؤها على طرف المطار المذكور. ترَدَدَ أيضاً أن وحدات اضافية من الجيش الروسي توجهت إلى سوريا في وقت كانت قطع الأسطول الروسي تقوم بمناورات قبالة ساحلها شرق المتوسط.

التكثيف المفاجئ للحضور الروسي في سوريا أقلق الولايات المتحدة وإسرائيل. وزير الدفاع الامريكي اتصل بنظيره الروسي مستوضحاً ولافتاً إلى محاذير حصول احتكاك بين الطائرات الروسية الناشطة في الأجواء السورية وتلك الامريكية العاملة في إطار»التحالف الدولي ضد الإرهاب». قلق واشنطن يتعدّى مسألة الاحتكاك الجوي إلى مفاعيل إنهاء احتكارها مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية – داعش». ذلك أن موسكو تعتبر الولايات المتحدة متواطئة معه لتنفيذ مخططات جيوسياسية في سوريا والعراق، ما يستوجب إقامة تحالف جدّي بديل لمواجهته.

إسرائيل تبدو اكثر قلقاً من امريكا، مردُّ قلقها ثلاثة تحديات. اولها احتمال عرقلة المقاتلات الروسية حركة طائراتها التجسسية في السماء السورية. ثانيها تسريب بعض الاسلحة الروسية المتطورة إلى حزب الله عبر سوريا. ثالثها قيام دمشق، مع تدفق الأسلحة الروسية، بتمكين إيران وحزب الله من بناء منظومة مقاومة ضد إسرائيل في الجولان. إزاء هذه المخاطر، لم يتأخر نتنياهو في التوجه إلى موسكو لينقل مخاوفه إلى الرئيس بوتين ويستحصل منه، بحسب روايته، على «اتفاق لتشكيل آلية مشتركة لمنع اي سوء تفاهم بين الجيش الإسرائيلي والقوات الروسية المنتشرة في سوريا».

هل يتبدد قلق الولايات المتحدة واسرائيل بتوصّلهما إلى آليات مشتركة مع روسيا لمنع اي سوء تفاهم في الجو والبحر والبر؟

المشكلة ليست في سوء تفاهم تجري معالجته بآليات مشتركة، بل في أن تكثيف الحضور الروسي في سوريا يوّلد جملة انعكاسات وتداعيات على أطراف الصراع في المنطقة ومخططاتهم السياسية والإستراتيجية، ولاسيما الولايات المتحدة واسرائيل وايران وتركيا ومصر.

الولايات المتحدة كانت طليقة اليدين في المنطقة، تحرّك بيادق رقعة الشطرنج الإقليمية بحرية وراحة ملحوظتين. الحضور الروسي الكثيف قيّد حركتها وحركة حلفائها، وأكرهها على وضع روسيا وحلفائها في الحسبان. اكثر من ذلك، ربما ادى تكثيف الحضور الروسي إلى تعظيم دور موسكو الاقليمي، وبالتالي تعطيل مخططات الولايات المتحدة في سوريا والعراق ولبنان. فقد دعمت واشنطن دائماً خصوم الرئيس بشار الاسد «المعتدلين»، كما تهاونت في مواجهة اعدائه الإرهابيين وفي مقدمهم «داعش» و»النصرة». مخططها كان، وما زال، يهدف إلى إقصاء الأسد او حشره، على الاقل، في مساحة جغرافية تمتد من محافظة حلب في الشمال إلى محافظتي درعا والسويداء في الجنوب، مروراً بمحافظات حماه وحمص ودمشق في الوسط، وصولاً إلى محافظتيّ اللاذقية وطرطوس على الساحل الشرقي للمتوسط.

تدفقُ الاسلحة الثقيلة والمتطورة على سوريا سيقوّي عزيمة الأسد على تقديم الخيار العسكري، دحر الإرهاب، على الخيار السياسي، مفاوضات الحل الانتقالي. هو باشر، في الواقع، بتصعيد هجمات جيشه على «داعش» في منطقة تدمر، كما في محافظتيّ الرقة والحسكة. اذا ما تمكّن من دحر «داعش» في هذه المناطق، سيذهب إلى طاولة المفاوضات قوياً وسيتمكن، بالتعاون مع المعارضة الوطنية المعتدلة، من طيّ مخطط تقسيم البلاد.

اسرائيل تبدو مُربَكة، تشعر بأن نفوذ امريكا، بعد الاتفاق النووي مع ايران، قد تقلّص. تداري ذلك بابتزاز واشنطن للحصول على اسراب من طائرات أف-35 المعروفة باسم الشبح، وانتزاع تعهدٍ منها بعدم تزويد اي دولة اخرى في المنطقة بأيٍّ من هذه الطائرات البالغة التطور. غير أن هاجسها الاكبر يبقى حزب الله وايران. فهي تخشى أن تستغل ايران وسوريا الحضور الروسي المتنامي، من أجل أن تسرّب للمقاومة مزيداً من الصواريخ البعيدة المدى والدقيقة التصويب. كما تخشى أن تتحسب ايران لاحتمال قيامها، اي إسرائيل، بالاعتداء عليها فتسّرع عملية بناء منظومة المقاومة في هضبة الجولان، بالتعاون مع حزب الله. لذلك تحرص إسرائيل على إقصاء حلفاء ايران العراقيين عن محافظة الانبار في غرب العراق بالضغط على الولايات المتحدة لتحويلها اقليماً سنّياً بحكم ذاتي على غرار كردستان العراق، ليكون بمثابة اسفين جيوسياسي يفصل سوريا عن العراق وبالتالي عن إيران.

ايران تتحسب للولايات المتحدة ولإسرائيل معاً. تشعر بأن امريكا تحاول استنزافها بحروب اقليمية لا تنتهي، بغية تبديد مكاسب استردادها بلايين/ مليارات الدولارات المجمّدة خلال مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، كما تشعر بأن مسارح استنزافها ستكون في العراق وسوريا واليمن. لذلك تحرص طهران على شد ازر حلفائها مالياً وسياسياً وعسكرياً لتعطيل هجمات الولايات المتحدة واسرائيل عليها في شتى المجالات.

تركيا تدرك أن سياستها المعادية لسوريا قد ارتدت عليها. ذلك أن اكراد سوريا في شمالها الشرقي (محافظة الحسكة) ظلّوا على ولائهم لحزب العمال الكردستاني التركي المعادي لحكومة اردوغان، وبالتالي قاتلوا «داعش»، حليف تركيا الظرفي، وأبعدوا مقاتليه عن مساحات واسعة من الحدود السورية – التركية، ثم التقوا مع الجيش السوري، كل من جهته ولأسباب خاصة به، في التصدي لـِ»داعش» بمعقله في محافظة الرقة، بذلك يتهاوى سيناريو اردوغان بإقامة اقليم حكم ذاتي لأكراد الحسكة السوريين خاضع لهيمنة انقرة.

مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، نأت بنفسها عن تطورات الاوضاع وتعقيداتها في العراق وسوريا واليمن، وحرصت على إبقاء أبوابها مفتوحة على القطبين الامريكي والروسي، كما على مختلف دول المنطقة. يبدو انها أقنعت امريكا بأن اجواء الاخوان المسلمين وثقافتهم تخدم تنظيمات الإرهاب ولا سيما في سيناء، ثم أن عدم انخراطها المباشر في حروب امريكا وحلفائها في المنطقة شجعت روسيا على تزويدها بأسلحةً ثقيلة ومتطورة، وكذلك فرنسا التي وافقت على بيعها حاملتي طائرات كانت بنتهما لحساب روسيا.

إزاء هذه الخلفية من المواقف، يحاول السيسي استعادة دور مصر العربي والإقليمي بسياسة ومسار وسطيين بين دول اقليمية ثلاث ذات تأثير ونفوذ وازنين هي، ايران وتركيا واسرائيل. ولعله يراهن، في هذا السياق، على النجاح في بناء قوة عربية مشتركة تكون الذراع الاكثر فعالية في الساحات الاقليمية، تفادياً لتدخلات الدول الكبرى. لكن الولايات المتحدة واسرائيل وتركيا ما زالت بعيدة عن القبول بهذه المقاربة الوسطية لعلاقات القوى في الشرق الاوسط الكبير.

القدس العربي

 

 

 

سوريا وإيران رهينتان لأهداف بوتين

قول الرئيس الإيراني حسن روحاني في اللقاء الذي عقده مع مندوبي وسائل الإعلام الأمريكية في نيويورك يوم الجمعة كان يفترض سطحيا أن يكون مفاجئا. «لا أرى تحالفا بين إيران وروسيا في القتال ضد الإرهاب في سوريا»، قال روحاني، فناقض بذلك ظاهرا جملة تقارير من الاسابيع الاخيرة عن تنسيق وثيق بين موسكو وطهران في كل ما يتعلق بمرابطة قوات عسكرية روسية في منطقة اللاذقية في سوريا. على خلفية أقوال روحاني غير الواضحة، فان التأكيد الصاخب الذي قدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رده على سؤال من المذيع الأمريكي تشارلي روز هل بعثت بلاده بقواتها كي تمنع سقوط نظام بشار الاسد («انت محق»، اجاب بوتين)، كان شبه جديد في بساطته.

محظور بالطبع الاخذ باقوال بوتين وروحاني ببساطتها. ولكنها تشير إلى أنه رغم التقارير عن زيارات قائد قوة «القدس» الإيرانية الجنرال قاسم سليماني في موسكو والنشر يوم الجمعة في شبكة «فوكس» عن أن روسيا وإيران اقامتا قيادة ارتباط في بغداد لتنسيق أعمال قواتهما في سوريا، يمكن ان نولي قدرا من المصداقية لتقارير مراسلين غربيين يقيمون في طهران وفي دمشق عن أن الخطوات الاخيرة لروسيا بالذات فاجأت القيادة الإيرانية ولم تكن تروق لها.

حتى الان اعتبرت روسيا وإيران حليفتين، هدفهما المشترك هو الحفاظ على حكم الاسد. كلتاهما زودتا السلاح، خطوط الائتمان والمشورة العسكرية للنظام في سوريا، فيما أضافت روسيا مظلة دبلوماسية من خلال قوة الفيتو لديها في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، والتي منعت خطوات دبلوماسية ضد الأسد. اما إيران، من خلال حزب الله وميليشيات شيعية اخرى، فقد وفرت القوة البشرية التي ملأت الصفوف المتناقصة في الجيش السوري. والدخول المفاجيء للسلاح الروسي خل بالتوازن في تحالف الاسد: روسيا تحولت من داعمة من بعيد إلى شريكة فاعلة على الارض وبين ليلة وضحاها اصبحت جهة مؤثرة اكثر، بشكل جعل مصلحتها المختلفة في بقاء النظام في دمشق تطفو فوق وجه الارض.

بالنسبة لقيادة الثورة الإسلامية في طهران، فان الحفاظ على سوريا في المحور الشيعي كحلقة تربطها (والمناطق الشيعية في العراق) بالاستحكام المتقدم لها في لبنان، حزب الله، هي حاجة شبه وجودية. فبدون سوريا، فان النفوذ الاقليمي في إيران وقدرتها على التحكم من بعيد بما يجري في لبنان، من حيث التوجيه والتسلح والحفاظ على حزب الله كمصدر قوة مركزية، كان سيتضرر بشكل حرج.

أما كرملين بوتين بالمقابل فكان بوسعه ان يترك الاسد لمصيره وفي اقصى الاحوال كان سيخسر بعضا من مكانته. وقد أخذ قرار بوتين مخاطرة واستثمر رغم ذلك مقدرات في سوريا تحركها اساسا الرغبة في استغلال الفراغ الناشيء من انعدام الفعل للادارة الأمريكية في الشرق الأوسط، وخلق رافعة نفوذ تساعد روسيا على اعادة احتلال المكان في الساحة الدولية والذي كانت فقدته في أعقاب غزو اوكرانيا في السنة الماضية. لقد اصبحت سوريا، الاسد وكذا المصالح الإيرانية الان رهائن للاهداف الجغرافية السياسية لبوتين.

يمكن للرئيس الروسي أن يقرر مثلا، مثلما وافق ظاهرا في لقائه مع بنيامين نتنياهو الاسبوع الماضي تنسيق خطواته مع إسرائيل ايضا والسماح لسلاح الجو الإسرائيلي بمواصلة الطيران فوق سوريا ومهاجمة قوافل سلاح حزب الله (مثلما تدعي منشورات اجنبية انها سبق أن فعلت في السنوات الاخيرة). ويمكنه، بالتوافق مع اوروبا والولايات المتحدة، أن يفرض على الاسد الانتخابات والتعاون مع رجال المعارضة، بمن فيهم اولئك الذين يعارضون التدخل الإيراني في سوريا. يمكن لبوتين أن يقرر ان من الافضل لروسيا التعاون مع خصوم إيران السُنة ـ السعودية ومصر، في حل الحرب الاهلية.

في كل مرحلة يمكنه أيضا أن يقرر اعادة القوات الروسية إلى الديار، بمعداتها. خلافا لدعم روسيا للانعزاليين في اوكرانيا، جورجيا وموندافيا، لا يوجد تطلع قومي روسي إلى الاراضي القومية في محافظات حلب وحمص. في حالة احتمال صفقة دورية تحصل فيها روسيا على اعتراف غربي لجزء من تطلعاتها في المجال السوفييتي السابق، مقابل التعاون في ايجاد حل بعيد المدى في سوريا يحتمل أن يوقف تيار اللاجئين إلى اوروبا وربما يسمح بعودتهم إلى الديار ـ فان بوتين لن يتردد في هجر الإيرانيين.

زاوية اخرى في المواجهة بين روسيا وإيران يمكن أن نراها عبر عيون عشرات الاف اللاجئين السوريين الذين يملأون طرق اوروبا.

بينهم يوجد غير قليل من المواطنين الذين جاءوا بالذات من مناطق وفئات سكانية مؤيدة للاسد. وهم يروون بانهم قرروا المغادرة لانهم توصلوا إلى الاستنتاج بانه حتى لو بقي النظام، فانه لن يكون سوى جزيرة إيرانية، وهو بديل في نظرهم، كسوريين علمانيين، غير جذاب اكثر من حكم داعش.

ان دخول روسيا إلى الساحة يطرح امكانية أن المناطق التي تبقى في سوريا تحت سيطرة نظام الاسد كفيلة بالذات ان تكون دولة مرعية روسية، وليس مقاطعة إيرانية ـ شيعية. في عيون غربية قد لا يكون هذا غنيمة كبيرة، ولكن بالنسبة للكثير من السوريين سيكون افضل من الخيارات الاخرى.

القدس العربي

 

 

 

 

 

هل وقع بوتين في الفخ؟/ سامح راشد

بينما تقوم إيران وروسيا، علناً، بإدخال قوات عسكرية إلى الأراضي السورية، تعلن واشنطن أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، “يفكر” في مبادرة سياسية لحل الأزمة السورية. يلخص هذا المشهد جوهر الأزمة السورية، والمنطق الحاكم لها منذ أربع سنوات. تحرك عملي إيراني روسي داعم للنظام السوري، بأشكال مختلفة ودرجات تفاوتت حسب تطور الأزمة واحتياجات النظام للبقاء، في مقابل موقف أميركي غربي أقرب إلى “ظاهرة صوتية” منه إلى أي شيء آخر. وعلى الرغم من أن التدخل الروسي العسكري المباشر يبدو، ظاهرياً، أمراً مقلقاً ومرفوضاً أميركياً، حسبما ورد على لسان الرئيس باراك أوباما، عندما وصفه الخطوة الروسية بأنها خطأ “استراتيجي”، إلا أن السلوك الأميركي الفعلي لا يجسد هذا القلق الظاهري، بدليل أن واشنطن اعترفت بمتابعة تحركات موسكو، وإرسالها قوات إلى سورية، تابعت وفقط. هذا القبول الصامت، تأكد قبل أيام. عندما طالب البنتاغون موسكو بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي في الضربات الجوية ضد الدولة الإسلامية. هذا الإعلان الرسمي يتجاوز حدود المفهوم ضمناً من قبول أميركي بالتدخل العسكري الروسي، إلى حد الرغبة في العمل والتنسيق المشترك في العمليات التي يقوم بها الطرفان، خصوصاً الطلعات الجوية.

إشارات هذا الموقف الأميركي الذي تكشف، أخيراً، تصدر من واشنطن منذ أكثر من عامين. إذ دعت إدارة أوباما روسيا، غير مرة، إلى لعب دور إيجابي في “محاربة الإرهاب” في سورية. وعندما تقول موسكو إنها بادرت إلى التدخل العسكري المباشر بغرض مواجهة الإرهاب، فهذا يعني تلبية المطلب الأميركي المتكرر، ما يُبطل مسبقاً أي مبرر للاعتراض، أميركياً أو عربياً. لتصطف واشنطن مع موسكو في جبهة واحدة، وبينهما بالضرورة دمشق التي تبنت الموقف نفسه من اليوم الأول لنشوب ثورة الشعب السوري، قبل عامين كاملين من دخول (بل وربما نشأة) معظم الجماعات الجهادية الموجودة على الأرض السورية حالياً.

ربما تظن موسكو أنها فازت بموطئ قدم في المنطقة، وأن الأرض مهيأة لإقامة نقطة ارتكاز عسكرية قوية، للمرة الأولى في الشرق الأوسط منذ عقود. على خلفية الخروج الأميركي من المنطقة نحو الشرق، وخذلان أوباما للشعب السوري، ورداً على استحقاقات التقارب الإيراني الغربي.

غير أن واشنطن التي طالبت موسكو بدور في مواجهة ما تقول إنه إرهاب، لم تكن بحاجة إلى تدخل روسي لمواجهة الجماعات المسلحة، أو تنظيم الدولة، وكان في وسعها الاكتفاء بالاستنزاف المتبادل بين تلك الجماعات والنظام السوري، وبينها وبين بعضها بعضاً أيضاً. ولو أرادت واشنطن حقاً تقوية الجماعات التي تصفها معتدلة، في حربها ضد النظام وفي مواجهة الجماعات الأخرى، لفعلت ذلك بوسائل متعددة، ليس منها بالتأكيد الاستعانة بقوات روسية، ولا إيرانية بالطبع. الأمر الذي يجعل علامات الاستفهام الكثيرة التي تحيط بالموقف الأميركي من الثورة السورية من يومها الأول، تتبدد وتتبلور إجاباتها. فواشنطن لم تكن حريصة على إسقاط الأسد، أو إطاحته فعلياً. تماماً كما هي حالياً غير جادة في حربها ضد داعش. سواء المباشرة عبر التحالف الدولي، أو غير المباشرة بواسطة تحالف موسكو طهران دمشق. تدرك واشنطن جيداً أن وجود قوات عسكرية روسية على الأرض السورية قد يغيّر المعادلات الجيواستراتيجية المتعلقة بالمستقبل السوري. لكن واشنطن تراهن على معادلة الزمن والثمن، فالتغيير مشروط بالوقت الذي سيستغرقه تشكل “سورية الجديدة”، وأيضاً بالثمن الذي ستدفعه موسكو مقابل هذا الحضور العسكري. وبدلاً من أن تكون الأرض السورية (أو جزء منها) ساحة نفوذ وسيطرة روسية، وارد جداً أن تكون مستنقعاً يستنزف قدرات موسكو، وتنكسر فيه شوكة بوتين. بواسطة جماعات مسلحة ستُستنزف هي الأخرى بشدة، ربما إلى حد الانهيار، أو على الأقل التفكك والانفراط. هكذا واشنطن عندما تريد تجنب مواجهة مباشرة، تستدرج أعداءها وتستثير خصومها، ليصفي بعضهم بعضاً، وهو رهان شديد الخطورة، على الزمن والثمن.

العربي الجديد

 

 

 

سوريا الروسية/ نديم قطيش

لم يتضح بعد لكثير من العواصم كيف سيتطور الدخول الروسي الى سوريا، بعتاده وطائراته ونحو الفي عنصر ضمن قوة مقاتلة تم نشرها في محيط اللاذقية.

مع ذلك ثمة شيء لافت في إنخفاض مستوى التوتر رداً على خطوات موسكو. رد الفعل الاميركي “متفهم” على شيء من “الحذر”. الموقف الاوروبي مشابه. الرئيس التركي رجب طيب اردوغان زار موسكو للنقاش المباشر مع فلاديمير بوتين. مثله فعل رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو ونجح في إنتزاع “تطمينات روسية” ما لبث أن إمتحن جديتها بالامس بغارات على مواقع للجيش السوري في الجولان من دون إثارة ردود فعل روسية سوق لها ممانعون ومقاومون.

 

خليجياً بدا “التحفظ” الذي عبرت عنه تصريحات خجولة لمسؤولين ووزراء في دول مجلس التعاون منسجمة مع مناخ إنتظار ما ستستوي عليه الخطوة الروسية في سوريا. أحد المسؤولين الخليجيين أجابني عن سؤالي حول الموضوع بسؤال ونصف إجابة. قال: “هل من المفيد أن يزداد الدور الروسي العسكري في سوريا؟ من الواضح أننا أمام بداية شيء جديد”. الإجابة المعبرة تؤكد مناخ الانتظار وعدم اتضاح الرؤية وبالتالي عدم وجود تنسيق متكامل يحيط بما تقدم عليه موسكو.

مع ذلك حرص بوتين على الإتصال بعدد من زعماء المنطقة ومنهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لإطلاعه على ما يقوم به في سوريا.

بهذا المعنى يقدم بوتين على نصف مغامرة يحميها بنصف تنسيق، مستفيداً من بعض الغموض المحيط بخياراته وتحركاته لتحقيق الهدف الاستراتيجي الروسي الدائم وهو انتزاع الاعتراف بالكرملين كقوة اساسية في الجيوبوليتيك الدولي والتعامل معها على هذا الاساس. فعلها في أوروبا عبر أوكرانيا ويفعلها اليوم في الشرق الاوسط عبر سوريا.

ثمة عوامل كثيرة شجعت بوتين على خطوته السورية ومنها التنافس بين مكونات المحور الواحد. فهو لن يسمح لإيران بالاستمرار في ضرب بنية الدولة السورية وتفتيت الجيش لصالح المليشيات الشيعية التي يرعاها الحرس الثوري. الدولة السورية بالنسبة لطهران هي بشار الاسد بشخصه ولحمه ودمه. الدولة السورية بالنسبة لموسكو هي الجيش النظامي الذي وصل الى لحظة الإنهيار التام وبإعتراف موارب من بشار الاسد.

التنافس مع تركيا سبب آخر وهو ما تعكسه السرعة في نشر صواريخ ارض جو تلغي إحتمال إنشاء منطقة حظر طيران في الشمال السوري من دون الاتفاق مع روسيا. غير ذلك الكثير من الاسباب التكتيكية.

لكن يبقى السبب العميق هو القرار الاستراتيجي الذي إتخذه باراك أوباما بسحب الولايات المتحدة من الشرق الاوسط. يخطىء من يعتقد أن واشنطن في موقع من تلقى صفعة روسية. ويخطىء أكثر من يعتقد أن البيت الابيض أخذ على حين غرة. فلا توجد دولة، أي دولة، دع عنك الولايات المتحدة، راغبة وجادة في لعب دور في حرب كالحرب السورية وتكتفي بتدريب سبعين مقاتل!! هذا العنوان الهزلي للتدخل العسكري الاميركي في سوريا هو عنوان انسحابها من حرائق الشرق الاوسط!

الحقيقة أن واشنطن إنتظرت كثيراً أن يتقدم اللاعبون “الورثة” لملء الفراغ. إنتظرت موسكو ولا زالت تنتظر الصين التي توسع اهتماماتها في الشرق الاوسط الكبير من أفغانستان الى السودان.

خطوة بوتين السورية هي خطوة نحو هذا الارث. وبقدر ما هي خطوة تقاربها المنطقة بحذر يقاربها الروس بكثير من التهيب لأن وقعها التغييري على سلوك روسيا ليس اقل من ما ستحدثه من متغيرات في الاقليم.

القلق والانتظار، ناجمان عن عدم معرفة ما ستنتجه اعادة التشكل الجديدة في العمارة الاستراتجية في الشرق الاوسط، قلق وإنتظار مشروعان لا سيما عربياً وخليجياً، أما علاجهما فيتم من خلال كثافة الاتصالات والاتفاقات والتفاهمات الحاصلة والمرشحة للتزايد بين موسكو ودول مجلس التعاون.

الانتظار ليس ضعفاً. والمغنون للدور الروسي الجديد ليسوا بالضرورة فرحين به. ثمة مثل روسي يقول: الحكيم لا زال يفكر أما الأحمق فقد أخذ قراره.

المرحلة شيقة بلا شك.

المدن

 

 

 

 

لعبة بوتين في سوريا/ نوح فيلدمان

ما اللعبة الحقيقية وراء تدخل فلاديمير بوتين في سوريا؟ أرسلت روسيا حتى الآن قوة مصغرة من الطائرات المقاتلة، والقاذفة، والمروحيات، لتستقر في مطار بالقرب من مدينة اللاذقية، والغرض الوحيد والمعقول من وجودها هو دعم نظام الرئيس بشار الأسد. ولكن الإبقاء على حكومة الأسد وإطالة أمد الحرب الأهلية السورية، لا يعد هدفًا في ذاته بالنسبة لبوتين، الذي يسعى، بشكل طبيعي، لتعزيز الوجود الروسي في منطقة الشرق الأوسط.

من المحتمل جدًا أن يكون الهدف الحقيقي للرئيس الروسي هو التوصل إلى حل للمستنقع السوري، وهو الحل الذي ينضوي على وجود دولة سورية رديفة، تتحول فيها الأقلية العلوية إلى أغلبية حاكمة. وبعبارة أخرى، فإن بوتين يعمل على إسناد الأسد لكي يسهل عليه التخلص منه لاحقًا.

يُقال في بعض الأحيان إن بوتين يتدخل في الشأن السوري لصرف الانتباه دوليًا عن توسعاته المستمرة في أوكرانيا. غير أن ذلك التفسير يتسم بقدر لا بأس به من البساطة. لأن بوتين يبحث عن شيء يقايض به الغرب مقابل السماح لروسيا بمواصلة بسط كامل سيطرتها على أوكرانيا. وبالتالي، فإن مسمى اللعبة هنا ليس الإلهاء، ولكنه النفوذ.

بالنظر إلى مختلف أرجاء العالم، فليست هناك الكثير من الأماكن التي يمكن لروسيا أن تقدم للغرب شيئًا يحتاجه. ولكن سوريا من المواقع التي يمكن لروسيا مساعدة الولايات المتحدة وأوروبا في تحقيق أحد الأهداف الضرورية.

تتحول أزمة اللاجئين السوريين بمرور الوقت إلى إحدى المسائل الأوروبية الداخلية العالقة. ولدى الولايات المتحدة اهتمام جاد بإنهاء الحرب الأهلية هناك، لأنها تخلق مجالاً من الظروف المثالية لتوسع تنظيم داعش على الأرض.

ولكن ليست للولايات المتحدة أو لأوروبا الأهلية والقدرة أو الاستعداد الكافي لإنهاء الحرب الأهلية السورية. فلقد استخدمت الولايات المتحدة القوة الجوية لديها في محاربة تنظيم داعش، غير أن تلك الحملة الجوية لا تفلح في تقييد النمو والتوسع المستمر للتنظيم الإرهابي.

وفي أي وقت خلال السنوات القليلة الماضية، كان يمكن للولايات المتحدة توجيه مقاتلاتها وقاذفاتها نحو قوات الأسد وإضعاف نظامه بما يكفي لاحتمال إسقاطه. ولكن إدارة الرئيس باراك أوباما خشيت، ومن دون سبب مفهوم، أن إسقاط نظام حكم الأسد قد يعني سيطرة تنظيم داعش على الأرض هناك. ومن المؤكد أن يترتب على ذلك ارتكاب مذابح بحق العلويين من طرف التنظيم، وإيجاد طبقة جديدة تمامًا من اللاجئين السوريين الذين يتجهون إلى أوروبا.

كان يمكن لإيران هي الأخرى، التي ظلت الداعم الرئيسي للأسد، وفي أي وقت خلال السنوات الماضية أن تتخذ زمام المبادرة لإنهاء الحرب الأهلية السورية بالضغط على الأسد لقبول تجميع أفراد الطائفة العلوية في مكان محدد من سوريا. غير أن ذلك لم يكن يصبّ في مصلحة الجانب الإيراني، كما أعرب عنه، على أقل تقدير، المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي.

من أحد الجوانب، تعتبر سوريا تحت حكم الأسد هي الجسر البري الإيراني نحو مواقع تنظيم «حزب الله» اللبناني، ومن شأن سوريا المقتصرة على حكم الأسد أن تواجه المزيد من المشكلات في الاتصال بالميليشيا الشيعية اللبنانية من أجل توصيل الإمدادات، بما فيها الصواريخ الإيرانية.

من جانب آخر، كانت إيران ضالعة في المفاوضات النووية طويلة الأجل مع الولايات المتحدة، ولم يكن هناك من داع لمساعدة خصمها في ذلك الوقت. وربما قبل كل شيء، أن سوريا على وضعها الحالي، لا تزال تعتبر حضنًا إيرانيًا حصينًا ضد الأغلبية الإقليمية العربية السنية، وليس لدى إيران من سبب يدعوها للسماح بالمزيد من الانكماش.

تعد المصالح الروسية في سوريا مختلفة. فلقد شهدت العلاقات التاريخية القوية ذات مرة بين الاتحاد السوفياتي وسوريا البعثية، مرحلة ضعف وانهيار عقب سقوط الشيوعية في روسيا، وذلك مع جفاف التمويل الروسي لوكيلها الشرق أوسطي. ولكن ظلت الاتصالات قائمة بين البلدين، مما أعطى بوتين فكرة إعادة التفاعل مع الشأن السوري. ولكن سوريا أو الأسد لا يتمتعان بمصلحة استراتيجية أساسية من وجهة النظر الروسية. ولكن بوتين ببساطة يستغل الفرصة السانحة لتحقيق أهدافه.

يتعين على الأسد إدراك ذلك، ولكنه يستميت كذلك في المحافظة على بقاء نظام حكمه، كما أخبر بوتين الصحافيين (مع ضحكة مكتومة لها مغزاها) خلال زيارة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى روسيا مؤخرًا. إذا ما أراد بوتين توفير الإسناد الجوي إلى الأسد، فليس الرئيس السوري في وضع يسمح له بالرفض.

ومن واقع ذلك التحليل تأتي نتيجة مفادها أن بوتين يزيد من جهود إسناد الأسد حتى يستخدم احتمال تحقيق حالة من الوساطة السلمية كورقة مساومة تفيده في علاقاته المضطربة مع الغرب. ويثير ذلك بدوره تساؤلين أساسيين ومهمين: هل بإمكان بوتين الوفاء بتعهداته؟ وإذا ما تمكن من ذلك، هل الثمن (الذي يشمل أوكرانيا) يستحق كل ذلك العناء من قبل الولايات المتحدة وأوروبا؟

يبدو من الممكن تمامًا أن بوتين يمتلك القدرة للضغط على الأسد، لأجل التوصل إلى اتفاق يبقيه في سدة الحكم على تجمع كبير يضم كل أفراد الطائفة العلوية. وبعد كل شيء، على الأسد أن يدرك أنه ليست بيديه مفاتيح اللعبة النهائية لإنهاء الحرب الأهلية الدائرة في بلاده. وحتى مع كل أنواع الدعم والمساعدة التي تستعد إيران لتوفيرها إليه، فليس من المتوقع، بمصداقية، أن يستطيع الأسد إعادة بسط السيطرة على الأجزاء التي فقدها من بلاده. والحقيقة هي، أن الغرب ظل على خشية من الإطاحة الفعلية بالأسد خوفًا من البديل المعروف. كما أن عمليات القصف الجوي التي عانى منها تنظيم داعش، ساعدت الأسد في بقاء حكمه على قيد الحياة. ولكن ذلك بعيد كل البعد عن موافقة الغرب على مساعدته في استعاده بلاده الممزقة تحت سيطرته.

الحل الوحيد المتصور على أدنى تقدير للحرب الأهلية السورية هو سوريا المصغرة، وقد يدرك الرئيس الأسد أنه من الأفضل له الاتساق مع ذلك الحل، بدلاً مما سيكون عليه حاله في المنفى. وما يحتاجه الأسد للضلوع في مثل تلك الصفقة هو الضمانات العسكرية القوية والملموسة للإقليم الواقع تحت سيطرته ضد تنظيم داعش. بإمكان روسيا، من الناحية الافتراضية، تأمين مثل تلك الضمانات للأسد، والمشاركة في ذلك أيضًا باستخدام قواتها الجوية.

ويبقى السؤال الأصعب هل يستحق ذلك الحل كل ذلك المجهود؟ باعتبار سوريا الممزقة بحكم الأمر الواقع لا يترك الغرب في وضع أفضل، حيال محاربة تنظيم داعش، مما عليه الأمر الآن. وقد يؤدي الوضع السوري الراهن إلى تبسيط الحرب ضد التنظيم الإرهابي. ولكن، على النقيض من ذلك، قد يؤدي الأمر إلى تعزيز قوة «داعش»، ومنح التنظيم الإرهابي الأمل في الاعتراف به على المدى الطويل داخل مناطق معينة.

كما قد يعني ذلك قبول اعتداء بوتين على أوكرانيا كجزء من الصفقة المبرمة، سواء الجزء المعلن عنه أو المسكوت عنه منها. ومن شأن ذلك، تعزيز نزعة بوتين التوسعية الخطيرة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ووصفه في الوقت ذاته بالمهارة والحنكة السياسية الخارجية.

ومع ذلك، فإن التكلفة البشرية للحرب الأهلية السورية ضخمة وهائلة للغاية – وهي في تزايد مستمر – حتى يبدو من الغباء المحض رفض إمكانية وجود الصفقة الروسية المباشرة. إن بوتين يلعب لعبته باحتراف. ويتعلق الأمر في الوقت الحالي بالولايات المتحدة للوقوف إلى أين ينتهي الأمر، والوقوف كذلك على ما إذا كان يمكن للرئيس أوباما مغادرة منصبه بعد بدء عملية إعادة بناء قدر من الاستقرار في جزء من أجزاء سوريا على أدنى تقدير.

أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»

الشرق الأوسط

 

كيف يريد بوتين انتهاء اللعبة في سوريا؟/ مارك إربان

تتسم السياسة الغربية تجاه سوريا بالتقلب، فهل يمكن أن يكون توقيت التحرك العسكري الروسي في هذا البلد مناسبا أكثر؟

لابد أن عملية نقل عشرات الطائرات المقاتلة ومئات الجنود لمساعدة الرئيس، بشار الأسد، حصلت على الضوء الأخضر قبل عدة أسابيع، بالنظر إلى ما كان يحدث خلال الأيام الـ 10 الماضية، في ضوء التقارير التي تشير إلى ظهور الروس في قاعدة جوية بالقرب من معقل الأسد في مدينة اللاذقية.

وفي ضوء تعثر السياسة الأمريكية والجدل المثار حول قدرة الحملة الجوية التي تشنها واشنطن على إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية، قرر مبعوث الرئيس المكلف بتنسيق عمليات التحالف الدولي ضد التنظيم الجنرال المتقاعد، جون ألين، وعدد من كبار المسؤولين الآخرين التنحي.

وكان الجنرال ألين يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تكون أكثر صرامة في موقفها بشأن الإطاحة بالرئيس الأسد، وضرورة وجود منطقة آمنة في شمال سوريا – لكن يبدو أن الأمور تتحرك بعيدا عن ما كان يطالب به.

وخلال الأسبوع الماضي، أدلى الجنرال الأمريكي الذي يدير القيادة المركزية، وهي ذراع وزارة الدفاع الأمريكية في الشرق الأوسط، بشهادة مهينة أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ اعترف خلالها بأن عدد المعارضين السوريين الذين تدربوا في البرنامج الأمريكي الذي وصلت تكلفته إلى 500 مليون دولار والذين شاركوا بالفعل في العمليات القتالية في ميدان المعركة لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، وأن خطط فرض منطقة آمنة في شمال سوريا لحماية المدنيين لن يكون لها معنى من دون قوات برية، لكنه لا يوصي بإسناد مثل هذه المهمة لجنود أمريكيين.

أما بالنسبة لبريطانيا، فكان مجلس الأمن القومي يدرس الأسبوع الماضي مقترحات طموحة بتفويض قوات للمساعدة في حماية المدنيين في شمال سوريا.

وخلال الأسبوع الجاري، يواجهون احتمال أن تصبح الطائرات التي تقصف المناطق التي يسيطر عليها المعارضون، في القريب العاجل، روسية وليست سورية..

أما البلدان الأخرى – فرنسا، هولندا، وأستراليا – فهي إما تفكر في شن هجمات على أهداف في سوريا تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” أو أنها بدأت بالفعل في شن مثل هذه الهجمات في الآونة الأخيرة.

هل سيفترض كثير من السوريين الآن أن هذه المهام كلها جزء من نفس الجهد المبذول من جانب روسيا لإنقاذ حكومة الرئيس الأسد؟

لقد دخلت جميع الحسابات في المنطقة في حالة من الفوضى بسبب سرعة وحجم انتشار القوات الروسية.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي صباح الثلاثاء لاحظت أن اثنين من الأساتذة البارزين للدراسات الاستراتيجية يناقشان “الشعور بالغيرة من بوتين” بين زملائهما الغربيين.

كان واضحا منذ أواخر أغسطس/ آب الماضي أن إسرائيل تتوقع نشرا وشيكا لأسراب مقاتلة روسية – لجأ الأمريكيون إلى المماطلة لبضعة أيام قبل إعطاء أي رد على هذه الأنباء المبكرة، إدراكا منهم أن الرئيس بوتين كان على وشك أن يفعل ما كان يخشى الرئيس أوباما القيام به على الأرض منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية قبل أربع سنوات.

وبداية من 20 أغسطس/ آب بدأت 20 شاحنة تنقل المعدات من موانئ البحر الأسود، عبر مضيق البوسفور، إلى ميناء طرطوس السوري.

جاءت هذه العملية بعد نمط عسكري منطقي: تأمين مطار اللاذقية، وتحسين مرافقه، وإنشاء دفاع ضد أي هجوم جوي محتمل، وأخيرا، أن يكون لديك الطائرات المقاتلة الخاصة بك.

ثم بدأت عشرات الرحلات الجوية لطائرات شحن من طراز أنتونوف الثقيلة تتجه نحو سوريا.

واعتبارا من صباح الثلاثاء أرسل الروس 28 طائرة مقاتلة (12 قاذفة من طراز سوخوي سو-24، و12 طائرة هجوم أرضي من طراز سوخوي سو-25، و4 مقاتلات متعددة المهام من طراز سوخوي سو-30)، ونوعين من الطائرات بدون طيار، و20 طائرة هليكوبتر (مزيج من طائرات وناقلات الجنود).

وتشير بعض التقارير إلى أن انتشار القوات الروسية كان كبيرا بحيث أنه سيكون في حاجة إلى أكثر من مطار واحد لاستيعاب العمليات، وبالفعل تشير أحدث صور الأقمار الاصطناعية في المنطقة الساحلية السورية إلى أن المطارات الأخرى تستعد لمزيد من القوات.

وقال مسؤولون في البنتاغون يوم الاثنين إن طائرات بلا طيار بدأت العمل بالفعل، ومن المفترض أنها تبحث عن أهداف، ويمكن أن تقوم بعمليات جوية هجومية “في غضون أيام”.

لقد نقل الروس في غضون أسبوعين قوة هجومية تعادل تقريبا عدد الطائرات القليلة المتبقية في سوريا – ولكن مع مزيد من الأسلحة الموجهة الحديثة وأنظمة المراقبة.

تشبه هذه المبادرة تماما تحركات الكرملين في أوكرانيا العام الماضي.

ثمة اختلافات واضحة في الرؤية بين البيت الأبيض وبعض الحلفاء الأوروبيين الذين يستقبلون مئات الآلاف من اللاجئين من سوريا.

وقال موقع “ديلي بيست”، الذي يسعى لمعرفة رأي المسؤولين الأمريكيين، يوم الاثنين: “بصفة خاصة، بدا أن كثيرين يرحبون بالتدخل الروسي إذا كان ذلك سيخفف العبء على الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.”

وفي بريطانيا، حيث تسعى الحكومة لمعرفة رأي البرلمان بشأن التدخل العسكري، وفي ضوء الاقتراب من الإعلان عن دعم لندن لفرض منطقة حظر جوي لوقف القصف السوري في شمال البلاد، يبدو العمل الروسي مثيرا للقلق الشديد.

وكانت عمليات القصف من جانب الأسد هي سبب سقوط معظم الضحايا في الحرب، بل والملايين الذين فروا من منازلهم.

ولكن مع احتمال إضافة القوة الروسية إلى ذلك، يمكن أن تشهد بريطانيا المزيد من اللاجئين، علاوة على أن فرض منطقة حظر جوي ضد القوات الجوية لبوتين بات بمثابة تصعيد خطير له مخاطر هائلة.

إن الحاجة لمنع كل طرف من إسقاط طائرات الطرف الأخر عن طريق الصدفة هو ما جعل الأمريكيين والإسرائيليين ينسقون أو “يتجنبون المواجهة” بسرعة مع روسيا.

يعد وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع رئيس هيئة الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية إلى العاصمة الروسية موسكو الاثنين لعقد مناقشات غير مسبوقة مع الجيش الروسي مقياسا على أي مدى يستحق تحرك الكرملين مصطلح “مغير قواعد اللعبة”، الذي يبالغ البعض في استخدامه في كثير من الأحيان.

وإذا كان هناك إعجاب على نطاق واسع بين الخبراء الاستراتيجيين ورجال الجيش في الدول الغربية بالحس التكتيكي للرئيس بوتين واستعداده لقبول المخاطر ورغبته في إظهار خواء الخطاب السياسي الغربي، فهناك أيضا مجموعة تعتقد أنه لا يملك خطة أكبر وأن أفعاله على مدى الـ 18 شهرا الماضية قد أدت إلى مقتل آلاف الأرواح في أوكرانيا، وتكبيد روسيا تكاليف اقتصادية هائلة.

ما هي نهاية اللعبة؟ هل ستكون سوريا هي أفغانستان بوتين؟

لقد أعطى بوتين تفسيرات عامة حول ما يحاول تحقيقة. وقال وهو يجلس بجانب نتنياهو أمس: “هدفنا الرئيسي هو حماية الدولة السورية”.

وردا على المخاوف الإسرائيلية من نية سوريا رعاية هجمات لمتشددين عبر مرتفعات الجولان، قال بوتين لضيفه إن الجيش السوري ليس في وضع يمكنه من فتح جبهة ثانية.

يتمثل هدف الكرملين، الذي أعلن عنه بوضوح، في منع انهيار الدولة السورية – أو ما تبقى منها. وقال بوتين الأسبوع الماضي إنه يعتزم منع انهيار كامل لسلطة الحكومة بالشكل الذي حدث في ليبيا، بعد تدخل حلف شمال الأطلسي هناك عام 2011.

إنها رسالة ذكية تلقي الضوء على الجرم الغربي فيما حدث منذ الإطاحة بالعقيد القذافي.

وأكثر من ذلك، تلقى فكرة الحفاظ على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية السورية، في الوقت الذي يتم فيه العمل من أجل تشكيل حكومة انتقالية أو التوصل لعملية سلام، بعض الدعم في الدول الغربية، وقد حدث تحول في السياسية الأمريكية بشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة للسماح للرئيس الأسد بالبقاء في السلطة في الوقت الحاضر، مما يجعل الإطاحة به من السلطة هدفا لاحقا بعد سحق تنظيم “الدولة الإسلامية”.

جماعات المعارضة السورية تتجاهل بالفعل الأبعاد الخفية لهذه الرسالة – خوفا من أن يكون تحول واشنطن والتنسيق العسكري مع روسيا علامات على أنها تقف الآن فعليا مع الأسد.

لكن الشيء الذي لا يعرفه أحد هو ما إذا كانت روسيا ستواصل إرسال قوات برية إلى سوريا – ونشر تلك القوات بأهداف هجومية أكثر من مجرد حماية المجال الجوي والمرافق البحرية.

تشير تقارير بالفعل إلى أن الروس يقاتلون على الخطوط الأمامية، لكن حتى الآن بأعداد صغيرة لا تكفي لإحداث فارق كبير.

ربما سيعطينا خطاب بوتين في الأمم المتحدة بنيويورك الأسبوع المقبل فكرة عن خطته الأوسع نطاقا – بل وإلى أي مدى قد أذعنت الولايات المتحدة وغيرها لذلك.

ولكن الآن، يمكننا مشاهدة الأحداث على أرض الواقع، وطرح هذه الأسئلة خلال الأسابيع المقبلة: متى تبدأ الضربات؟ ما الذي نستنتجه من أهداف هذه الضربات؟ كيف سيكون رد فعل روسيا إذا ألقى القبض على أفرادها؟ وهل سيتم نشر قوات برية أكبر؟

محرر الشؤون الدبلوماسية والدفاعية، بي بي سي

 

 

 

 

التدخل الروسي يفرض الأمر الواقع على الجميع/ راغدة درغام

وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة والدول الأوروبية والعربية أمام أمر واقع بأن لا خيار أمامهم سوى ما اختاره، لكنه قد يكون زج نفسه في زاوية. الرئيس الأميركي باراك أوباما صمم أنه لن ينجرّ الى سورية ولا حلول في جعبته لما آلت إليه الأمور، فإذا كان بوتين يعتقد بأنه يملك الحل، ليتفضل وبالتوفيق إذا نجح تكون واشنطن قادرة على القول إنها ساهمت في الإنجاح، وإذا فشل يكون مستنقع سورية مستنقعه و «أفغانستانه». انخراط وزير الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في مفاوضات في أربع جولات أثناء تواجدهما في نيويورك هذا الأسبوع يوحي بأن لدى الطرفين قواسم مشتركة ومواقع اختلاف فهما في صدد التنسيق عسكرياً واستخباراتياً لتجنب التصادم بين غارات كل منهما في سورية وهما في اختلاف على موقع بشار الأسد في الترتيبات السياسية، اذ تتمنى واشنطن لو تتخلى موسكو عن الأسد في نهاية المطاف وليس بالضرورة في بدء المرحلة الانتقالية، فيما تود موسكو أن تكف واشنطن عن إضاعة وقتها في هذه المسألة لأن الأسد هو رجل روسيا في سورية ولن تتخلى عنه. وهنا العقدة. واشنطن مُحرَجَة لأن حلفاءها العرب ليسوا جاهزين للموافقة على تفاهمات تقضي بغض النظر عن مصير الأسد والقفز على «عقدة الأسد» وهم يصرّون على إيضاح ووضوح والتزام وضمانات بأن الأسد لن يبقى في السلطة في نهاية المطاف إذا وافقوا على التراجع عن الإصرار بأن عليه الرحيل كنقطة انطلاق. وموسكو تقول لواشنطن إن موقفها هو الأهم وأن حلفاءها لعرب سيخضعون للأمر الواقع ويوافقون على التفاهمات الأميركية – الروسية لأن لا خيار آخر أمامهم سوى ذاك. التصدّع بدأ يشق طريقه الى الصفوف العربية وبدأ بعضهم يقول إن لا خيار أمامه سوى ما فرضته روسيا على الولايات المتحدة ولبّته الإدارة الأميركية. بعضهم الآخر يرفض قطعاً أن يكون طرفاً في صيغة أميركية – روسية تؤدي، عملياً، الى الشراكة مع بشار الأسد في سحق المعارضة السورية العسكرية – وليس سحق «داعش» وأمثاله فقط. ثم هناك من يشتري المقولة الأميركية بإعطاء بوتين فرصة التورط في سورية ليكون موقع قدم انزلاقه الى حرب تشابه حرب أفغانستان التي أسقطت الاتحاد السوفياتي برمته. فالتورط السوفياتي حينذاك عسكرياً في أفغانستان أسفر عن حرب «الجهاديين» ضد «الإلحاد الشيوعي» بتشجيع اميركي وعربي ساهم جذرياً في خلق التنظيمات الأصولية المتطرفة على نسق «القاعدة» و «داعش» وأمثالهما. وأفغنة سورية اليوم لن ترحم أحداً، لكنها ستطاول روسيا التي تزج نفسها في الزاوية السورية اليوم وتنصب نفسها طرفاً مباشراً في حرب أهلية وقائداً للحرب على الأصولية والإرهاب.

جون كيري تأبط نوعاً من المكوكية وهو يأتي ويذهب من وإلى اجتماعات على المسألة السورية. فإلى جانب اجتماعاته واتصالاته الهاتفية مع لافروف اجتمع كيري مرات عدة مع مجموعة وزارية ضمّت كلاً من السعودية والأردن والإمارات وقطر وتركيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا واستمع هناك الى مقاومة عربية وتركية لطروحاته. فلقد شعر عدد من الوزراء أن كيري أتى إليهم بتفاهم ضمني بينه وبين لافروف وإن ما أراده هو «تمرير» ذلك التفاهم على رغم المواقف الأميركية العلنية التصعيدية ضد بشار الأسد على لسان الرئيس أوباما نفسه. وعندما واجه كيري تلك المقاومة، شعر أن عليه أقله التأقلم قليلاً كي لا يبدو أنه يفرض تفاهماً أميركياً – روسياً له نكهة الاتفاق الثنائي لكيري ولافروف على السلاح الكيماوي الذي توّج تراجع أوباما عن «الخط الأحمر» الشهير الذي توعّد به.

التصريحات العلنية، الأميركية والبريطانية، صعّدت تارة وتراجعت تارة وكان فحواها، كما أوضح وزير الخارجية البريطاني هاموند، أن لندن مستعدة لتعديل مفهوم بيان جنيف – 1 وآلية جنيف – 2 لتقبل بالأسد في المرحلة الانتقالية بصورة غير تلك التي سبق وتمسكت بها، هذا مع التصعيد اللفظي بأنه فقد الشرعية وعليه أن يرحل ولا يمكن العودة الى وضع ما قبل الثورة السورية ولا يجوز إعادة تأهيل رجل ساهم في قتل 300 ألف من شعبه وتهجير الملايين.

أقطاب النظام السوري في غاية الارتياح إلى ما آلت إليه المواقف الروسية وإفرازاتها على المواقف الأميركية والبريطانية. وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال: «إن تصريحات المسؤولين الأميركيين مثل المروحة ولا يعوّل عليها. فهي صباحاً شيء ومساءً شيء آخر، وهكذا شأن حلفائهم الأوروبيين. إنما لا خيار أمامهم سوى الخيار الروسي إذا كانوا جادين في مكافحة داعش».

واضح أن الأولوية الآن هي للاتفاق الأميركي – الروسي على تشكيل «آلية اتصال» لتفادي أي تصادم في سورية على ضوء الغارات الروسية المتزايدة وغارات «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة. هذا ما أعلنه كيري ولافروف معاً في أعقاب اجتماعهما الثالث. روسيا تتمسك بموقفها القائل إنها تقوم بغاراتها في سورية «بناء» على طلب الحكومة «السورية» التي تعتبرها الحكومة الشرعية ذات حق السيادة، وهي تشير إلى الدعوة من الحكومة العراقية لقوات «التحالف» كمثال موازٍ.

سياسياً، توافق كيري ولافروف على أنهما يريدان «سورية ديموقراطية موحّدة وعلمانية» لكنهما اختلفا على «كيفية الوصول الى ذلك». اتفقا على «خطوات محددة تقريباً» وفق قول لافروف «مع دول أخرى، وبمشاركة الأمم المتحدة، لإيجاد الظروف المناسبة لخيارات تستخدم في المستقبل لتعزيز الحل السياسي»، واتفقا أيضاً على التواصل بينهما في الشأن السوري «في شكل دائم». ووفق كيري، تم الاتفاق على «اتخاذ عدد من الخطوات التي تقود إلى تقدم» نحو الحل السياسي وبصورة سريعة نظراً إلى تأثير أزمة اللجوء الى أوروبا وتفاقم أزمة اللاجئين السوريين.

موسكو الآن اتخذت قرار التدخل العسكري المباشر دعماً للنظام في دمشق وبالتنسيق معه عند شن الغارات على مواقع يبدو واضحاً أنها لن تنحصر في استهداف «داعش» حصراً – أقله سهواً، وافتراضاً. التغيير في الإستراتيجية الروسية ليس عابراً أبداً. فموسكو اليوم تتحدث بلغة «الأمن القومي الروسي» وراء تصعيدها العسكري في سورية. يقول الروس «لا نريد ولا نقبل بأن تتحول سورية إلى ليبيا « – وكأن الوضع في سورية أفضل مما هو عليه الآن في ليبيا. يقولون إن لا مناص من الشراكة مع النظام السوري لأنه هو القادر ميدانياً على سحق «داعش» وإن الذي لديه «بديل» عن الأسد، ليتفضل به. يقولون: تعالوا معنا، لأن لا خيار لكم سوانا. فنحن العنوان الرئيس في سورية، وأنتم غير جاهزين للانخراط أساساً، فابصموا.

موسكو تراهن على خضوع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للأمر الواقع الذي تمليه الإستراتيجية الروسية في سورية لأن واشنطن غير راغبة في تولي هذا الملف الصعب ولأن أوروبا تريد إيقاف الهجرة إليها.

واشنطن لا تمانع القيادة الروسية في سورية ضد «داعش» والتنظيمات المشابهة لكنها لا تريد مباركة ضرب المعارضة السورية العسكرية أو المشاركة في إعادة تأهيل الأسد. هي أيضاً لا تريد أن تبدو لأصدقائها العرب أو لتركيا بأنها أكملت «الطبخة» مع موسكو وباتت، كأمر واقع، حليفاً لموسكو ولإيران ولـ «حزب الله» وللنظام في دمشق في الحرب السورية.

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير شرح في حديثه إلى «الحياة» الأطر الرئيسية للمواقف نحو الطروحات المعنية بسورية ومصير بشار الأسد. قال إن لا خلاف على «مبدأ الحفاظ على المؤسسات المدنية والعسكرية في سورية كي لا تعم الفوضى والانهيار، ولكي تستطيع الحكومة السورية أن تحافظ على الأمن وتوفر الخدمات لشعبها ومواطنيها وتواجه التطرف الموجود». إذاً، لا خلاف على تمكين مؤسسات النظام في دمشق. قال أيضاً إن هناك اتفاقاً عاماً على أن «لا دور لبشار الأسد في مستقبل سورية» وإن «الحل لا يعتمد على روسيا»، التي تعارض وترفض الموافقة على ذلك الاتفاق العام بأن لا دور لبشار الأسد في مستقبل سورية. الخلاف إذاً مستمر في شأن مصير دور الأسد ما بعد المرحلة الانتقالية، وليس فقط أثناءها.

الجبير يقول إن البحث جار الآن في ما إذا كان الرئيس السوري «سيترك الحكم في بداية المرحلة الانتقالية أو يبقى في سورية من دون أي صلاحيات أو امتيازات». يقول إن السعودية مصرة على أن «نعرف النهاية» المتعلقة بالعملية السياسية وأن «مبادئ جنيف ليس لها معنى إن لم يكن هناك قبول بتنحي بشار الأسد من السلطة في سورية».

الرد الروسي واضح تماماً وخلاصته: رفض الدعوة إلى تنحي الأسد. قراءة بيان جنيف خاطئة إن كانت تنص على إبعاد الأسد. لا تخلّ لموسكو عن بشار الأسد، لا في البداية ولا في النهاية لأية عملية سياسية. باختصار، موسكو تقول: لا للتعهد المسبق حول مصير الأسد. ولا للشرط المسبق برحيل الأسد. تقول إن العملية السياسية والانتخابات هي التي تملي المصير. تقول ذلك وهي تدخل الحرب السورية مباشرة دعماً لبقاء الأسد تحت عنوان مواجهة «داعش» في الوقت الذي تنتقي مَن تعتبره معارضة سورية «صحيّة» بديلة من «الائتلاف» والمعارضة العسكرية.

جون كيري حذّر كلاً من روسيا وإيران من مغبة التمسك بالأسد وربط مصير سورية برجل واحد اسمه الأسد. قال إن «على روسيا وإيران الكف عن العناد وعن ربط المصير برجل واحد». قال إن على موسكو أن تفهم عواقب دعمها فرض حكم الأقلية العلوية في بحر «65 مليون سني بين بغداد والحدود التركية يرفضون قطعاً القبول بالأسد كقائد شرعي لهم».

قال أيضاً إن على روسيا أن تخاف وأن تخاف كثيراً من الاستفراد بالحرب على «داعش» ذلك لأن «روسيا ستصبح هي الهدف» وستصبح أيضاً «معاً مع الأسد المغناطيس الذي يشدّ الجهاديين ضدها».

خلاصة الموقف الأميركي نحو الطرح الروسي هو أن القرار في يدكم – فإما تستفيقون إلى أخطار التمسك برجل والتضحية ببلاد، أو إنكم ستستيقظون يوماً وأنتم في الزاوية التي رسمتموها لأنفسكم في حرب أهلية وفي حرب مباشرة مع الجهاديين في سورية لها نكهة تجربتكم الأفغانية.

الحياة

 

 

 

 

هل يدفع بوتين ثمن تدخله في سورية؟/ الياس حرفوش

تدخل الحرب السورية مرحلة جديدة قد تكون حاسمة مع التدخل العسكري الروسي. فهذه الحرب التي طالت وقتلت 300 ألف شخص ودمرت مدن سورية وقراها وبناها التحتية، أصبحت الآن حرباً كونية بكل ما لهذه الكلمة من معنى. كل جنود العالم ومقاتليه وإرهابييه موجودون على أرض سورية، والآن صارت مقاتلات الدول الكبرى تتجول في أجوائها، وتقصف ما تختاره وما يناسبها من مواقع. ومهزلة المهازل ان الرئيس السوري لا يتعب من تكرار أن مصيره يجب أن يتقرر من قبل السوريين، فيما بلاده واقعة تحت هذه الحال من الاحتلال العالمي!

تحولت سورية الى «ساحة» للصراعات الدولية ولتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، نتيجة انهيار الدولة السورية ومؤسساتها، واستخفاف العالم بها. هكذا وجد فلاديمير بوتين أن «الساحة السورية» هي المكان الأفضل لتلقين اوباما درساً في الطريقة التي يجب ان تقاد بها دولة كبرى. ففي مقابل عجز أوباما وتلكوئه عن اتخاذ اي قرار في سورية او في سواها، حزم بوتين امره وقرر ارسال مقاتلاته لدعم الدفاعات المنهارة للنظام السوري، في خطوة اعتبر مصدر عسكري سوري انها ستحدث «تغييراً كبيراً» في مجريات الحرب، بينما ذكرت تقارير صحافية ان ايران ارسلت المئات من قواتها اضافة الى عناصر «حزب الله» لدعم قوات النظام في معاركه مع المعارضة.

لم يكلّف بوتين نفسه عناء ابلاغ أوباما بقرار التدخل في سورية رغم لقائهما في نيويورك. بل كلف احد جنرالاته (في بغداد) بإبلاغ زميله في السفارة الأميركية في العاصمة العراقية بالقرار قبل ساعة فقط من بدء العمليات الروسية في اجواء سورية. استخفاف واحتقار للقيادة الأميركية لا مثيل له منذ ازمة الصواريخ الروسية في كوبا، في زمن نيكيتا خروتشوف، التي كادت ان تؤدي بالعالم الى حرب كونية، بعد تهديد جون كينيدي، وإسراع الاتحاد السوفياتي الى سحبها في اللحظة الأخيرة.

حاول فلاديمير بوتين ان يضع تدخله في سورية في اطار الحرب على الإرهاب، ودعا العالم الى المشاركة في هذه الحرب، معتبراً ان روسيا تواجه خطر عودة الإرهابيين الى اراضيها، إذا لم تقم بعملية استباقية للقضاء عليهم في سورية. غير ان بوتين فضح اهدافه من التدخل في سورية عندما دعا الجميع، في خطابه امام الأمم المتحدة، الى دعم الرئيس السوري في قيادة الحرب على الإرهاب، فيما تعتبر معظم دول العالم، باستثناء موسكو وطهران وحلفائهما، أن بشار الأسد هو المسؤول الأول عن إطالة أمد الحرب في سورية وعن فتح ابوابها للإرهابيين من كل مكان، اضافة الى ان الجرائم التي ارتكبتها قواته والميليشيات الداعمة له لا تقل وحشية عن جرائم التنظيمات الإرهابية.

إضافة إلى ذلك، يعتمد بوتين في تصنيفه للإرهاب والإرهابيين، القاموس نفسه الذي يلجأ اليه بشار الأسد. فكل المعارضين في سورية هم في نظره إرهابيون، باستثناء أولئك المعارضين الذين يعيّنهم النظام السوري لهذه المهمة وتستقبلهم موسكو من وقت الى آخر في مهمات «الوساطة» التي تقوم بها. لهذا لم يكن مستغرباً ان لا تميّز المقاتلات الروسية في غاراتها بين مقاتلي «الجيش الحر» ومقاتلي «داعش»، لأن الجميع في نظرها سواء.

ما يقوم به بوتين في سورية اليوم قام بمثله زعيم آخر من عصر الاتحاد السوفياتي اسمه ليونيد بريجنيف. دفع بريجنيف قواته ودباباته إلى أفغانستان لإنقاذ نظام بابراك كارمال ومحاربة الإرهابيين قبل أن يصلوا إلى بلاده. وما أنجبه ذلك التدخل أصبح جزءاً من تاريخ الاتحاد السوفياتي إذ إنه ساهم في انهياره.

تدخّل بوتين في سورية محفوف أيضاً بالأخطار على بلد يواجه أزمة اقتصادية صعبة ومعارضة للتدخلات الخارجية وتحاصره عقوبات غربية قاسية. لو كان هناك رونالد ريغان في البيت الأبيض لأمكن القول إن موسكو ستدفع ثمن تدخلها في سورية كما حصل معها في أفغانستان. لكن تجربة التدخّل الروسي في أوكرانيا التي انتهت بصمت غربي يشبه الهزيمة يمكن أن تتكرّر في سورية … في عصر العجز الأميركي.

الحياة

 

 

 

 

وعود القيصر/ حسام عيتاني

يُلام الجناح الممانع في اليسار العربي على تعليقه الآمال على السياسات الروسية المتعلقة بالمنطقة العربية وبـ «استعادة التوازن العالمي» المختل، بحسبه، لمصلحة الغرب والولايات المتحدة.

ويأخذ اللائمون المنتمون في الغالب إلى تيارات اكثر قرباً من اليسار الأوروبي أو ذاك المسمى بـ»الجديد»، على زملائهم الممانعين عدم انتباههم إلى أن روسيا في ظل بوتين تختلف جذرياً عنها في أيام الحكم السوفياتي وأن في مقابل انعدام المشروع المنطوي على أي قيم عند الأولى، كانت الثانية تحمل مشروعاً عالمياً يدعو إلى العدالة وتغيير المجتمع لمصلحة الأفقر والأكثر تهميشاً وإنتاجاً في الوقت ذاته. وأن الاتحاد السوفياتي باستيحائه الماركسية كمنهج في السياسة والسلطة، إنما كرس انتماءه إلى العصر وأدخل روسيا والدول الأخرى التي شكلت معها الاتحاد، في الحداثة بمنطقها وقيمها.

الواقع يخالف هذا التشخيص. ذلك أن أمراضاً مبكرة ضربت الثورة البلشفية كان من أولها القضاء على طبقة المثقفين اليساريين والمشاركين في انتفاضة أكتوبر 1917، والأكثر احتكاكاً بالثقافة الغربية. لاحظ ليون تروتسكي مبكراً هذا التوجه العام رغم مشاركته النشطة في تأسيس الجيش الأحمر وأعمال القمع الأولى التي طاولت معارضي الحزب البلشفي. ثم انكب على تدوين صعود منافسه جوزف ستالين في كتابه «الثورة المغدورة» (أو «الثورة التي خانوها»). ثم فصّل اسحق دويتشر في كتابيه عن ستالين وتروتسكي هذه المرحلة ومعناها على آليات التغير التي كانت تعتمل داخل المجتمع الروسي أولاً والمجتمعات التي شكلت جمهوريات الاتحاد السوفياتي الأخرى ثانياً.

يؤدي البناء على نقد تروتسكي ودويتشر وغيرهما للشيوعية السوفياتية إلى إخراجها من حيز الماركسية بصيغتها الأولى وإلحاقها بأنظمة الاستبداد الآسيوي (أو «الأوراسي»، العبارة التي يحب بوتين استخدامها) كنظام بيروقراطي يخدم مجموعة لا تعكس مصالح العمال الصناعيين الذين لم يكونوا يشكلون سوى أقلية في المجتمع الروسي وقت الثورة.

الوسم البيروقراطي الستاليني الذي رافق الاتحاد السوفياتي حتى أيامه الأخيرة، رغم محاولات نيكيتا خروتشوف وميخائيل غورباتشوف التمرد عليه، عاد إلى الحياة مع دخول بوتين إلى الكرملين. في العمق، لا مشروع إنسانياً عند أصحاب الطريقة هذه في إدارة البلاد، ولا قيمَ تدافع عنها ولا همَّ يتجاوز همّ الإمساك بالسلطة والبقاء فيها وإقصاء كل الخصوم والمنافسين عنها. السياسة الخارجية الامبراطورية الجديدة هي لخدمة السياسة الداخلية الإقصائية. إذ لا يمكن تفسير الاندفاع الروسي إلى استعادة مناطق النفوذ السوفياتي القديم في أوكرانيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط بمعادلات استراتيجية أو حاجات اقتصادية ذات قيمة. وبالقدر الذي تفتقر روسيا إلى ما تقوله في مجال القيم والأفكار العالمية، تفتقر إلى السلع والخدمات والبضائع التي يمكن أن تجعل منها لاعباً اقتصادياً ذا أثر عالمي. هي اندفاعة لاستغلال الفراغ الذي ولده الانكفاء الأميركي المرجح أن يستمر إلى ما بعد نهاية ولاية باراك أوباما.

بهذا المعنى، يجوز فهم ترحيب اليسار الممانع العربي بالدور الروسي الجديد. لا أثر في موقف اليساريين الممانعين لاهتمام بقيم إنسانية عليا ولا حتى بجني فوائد مادية مباشرة من التدخل الروسي. بل إن ما يحمله الترحيب هذا الذي يصل حدود البهجة الطفولية الغامرة، يجد معناه الحقيقي في لقاء مهووسي السلطة ودعاة تحالف الأقليات وما شاكل من ادعاءات سياسية وفكرية «ديالكتيكية» لا قيمة لها إلا في عقول أصحابها.

لا شيء يقدمه «القيصر» بوتين غير وعود ببقاء الطغاة في أماكنهم مع إمكان استعانة بالحالمين باستعادة دور ومكانة ولو على أشلاء السوريين. أما على المدى الأبعد فلن يبقى في الحلق إلا طعم المرارة والخيبة.

الحياة

 

 

 

 

في قبضة الاستعمار مجدداً؟…/ خالد غزال

بعد ان اقتطعت اسرائيل هضية الجولان السورية وتخلى النظام عنها، وبعد ان ألحقت تركيا لواء الإسكندرون بدولتها ونسيها النظام، ها نحن مجدداً نشهد عودة الإستعمار الروسي، والإستعمار الإيراني، عبر دخولهما المباشر واحتلال الأرض، وكذلك الإستعمار الغربي المتدخل عبر احتلال الجو. الى جانب ذلك هناك احتلالات لقوى إرهابية مدعومة من قوى عربية وإقليمية ومتغذية من إيران والغرب.

لم تتوقف روسيا عن دعم نظام بشار الأسد منذ اليوم الأول للانتفاضة. اتخذ الدعم طابعاً دبلوماسياً حين كان الروس يعطلون أي قرار أممي يدين النظام في إرهابه واستخدامه للأسلحة الكيماوية. كما كان الروس يمدون النظام بالأسلحة والخبراء تحت حجة وجود معاهدة دفاع بين موسكو ودمشق. تصاعد الدعم الروسي وتطور في شكل نوعي خلال العام الجاري الى ان وصل مؤخراً الى دخول نوعي بالسلاح والجنود وبناء القواعد العسكرية بما يوحي بإقامة طويلة. كان الدعم بداية تحت عنوان محاربة الإرهاب، فيما تحول اليوم الى حماية النظام ومنع سقوطه بأي شكل من الأشكال. لا يخفى ان روسيا تتخذ من الإرهاب ودعم حليفها بشار حجة لإيجاد موقع قدم لها في الشرق الأوسط تستخدمه منطلقاً لحماية مصالحها وتوسيع نفوذها. ليس في قاموس الروس ما يمكن دعوته مصالح السوريين والدفاع عن حقوق الإنسان، فالتاريخ الروسي، وقبله السوفياتي حافل بالانقضاض على مصالح الشعوب وقمع حركات الاحتجاج فيها، يدل على ذلك التدخل في المجر عام 1956، وفي تشيكوسلوفاكيا عام 1968 لإنهاء ما كان يسمى بـ «ربيع براغ».

في المقابل مارست إيران دوراً استعمارياً بامتياز منذ الأشهر الأولى للانتفاضة. لم تكن الحجة محاربة الإرهاب، فإيران ضالعة بقوة في إرسال الإرهاب الى سورية ونشره في أكثر من منطقة. لإيران أهدافها ومصالحها المتصلة بالحصول على موقع على البحر المتوسط، يشكل نقطة انطلاق للتدخل في المنطقة العربية وتصدير ثورتها الى الشعوب العربية. تجلت السياسة الإيرانية الاستعمارية في إثارة النزاع المذهبي بين المسلمين والذي يعود لأربعة عشر قرناً دار فيها صراع بين القبائل حول السلطة والموارد. فنظمت تحريضاً مذهبياً في العراق وسورية في شكل خاص، وطورت دورها في سورية بإرسال السلاح والرجال لدعم الأسد. الأخطر في الدور الإيراني كان استعادة تقليد استعماري فرنسي وبريطاني يقوم على تفكيك النسيج الاجتماعي في كل بلد وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين مكوناته وإيصالها الى حروب أهلية، ثم التدخل لفك الاشتباكات. إضافة الى ذلك، عملت على ممارسة تطهير عرقي بقوة السلاح، وبمساعدة ميليشياتها العراقية واللبنانية، من أجل ايجاد مناطق مذهبية صافية تشكل قاعدة لمد نفوذها على سائر المناطق السورية.

أما المعسكر الغربي المتمثل في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، فقد أنجز دوره الاستعماري بنجاح. فقد شجع دخول الإرهاب وجلبه من مختلف مناطق العالم تحت حجة إبعاده عن أرضه وجعل المقاتلين ينهون بعضهم بعضاً، كما عمل المستحيل لمنع سقوط الأسد، بل استخدمه أداة في إدارة حرب أهلية نجحت حتى الآن في تدمير معظم سورية، بشراً وحجراً ومؤسسات وبنى تحتية، إضافة الى ضرب قواها المسلحة، وهو هدف سعى اليه الغرب لإنهاء موقع سورية السياسي والاستراتيجي الذي يمكن ان يشكل خطراً على مصالح الغرب واسرائيل اذا ما نجح الشعب السوري في إنهاء نظام آل الأسد.

لا شك في ان المنظمات الإرهابية التي رعاها النظام والغرب والقوى الإقليمية قد أفلتت من الحدود المرسومة لها، فاحتلت أراضي واسعة من سورية، وبدأت في ممارسة سياسة أبشع مما عرفته السياسات الاستعمارية، فدمرت ما عجز عنه النظام وقوى الغرب، وهي تشكل معضلة راهنة ومستقبلية ضد مصالح الشعب السوري.

يبقى السؤال عن النظام والشعب السوري. لا شك في ان أضعف القوى اليوم هو بشار الأسد ونظامه بعد ان أنهكته الحرب الأهلية. بات ألعوبة في يد القوى الاستعمارية ومنفذاً لمطالبها. لعله أكبر المشجعين على الإرهاب وعلى استدعاء الاستعمار الى سورية. هو من صنع في البداية «داعش»، وتماهى معها. فبشار هو «داعش»، و»داعش» هي بشار. ولا مجال لمحاربة «داعش» وأخواته بوجود بشار ونظامه. فكل واحد يتغذى من الآخر، بل كل واحد يدرك ان وجوده مبرر وجود الآخر. لا شك في أن المتضرر الأكبر والدافع لأفدح الأثمان من هذه السياسات الاستعمارية وحليفها، هو الشعب السوري، الذي تهجر أكثر من نصفه، وفقد مئات الآلاف من أبنائه، ويعاني الذل في المهاحر اليوم ويموت ابناؤه في البحار. هذا الشعب سيكون عليه النضال من أجل تحرير سورية من المستعمرين ومن النظام الأسدي أولاً، وسيكون عليه استعادة وحدة سورية وبناء نسيجها الاجتماعي على قاعدة هوية وطنية عربية، تبدو اليوم في أضعف قواها. انها مهمة تحرر وطني وقومي ملقاة على سورية وقواها الحية.

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

 

 

كل معارض للأسد إرهابي؟!/ راجح الخوري

عندما قال فلاديمير بوتين إنه لا ينوي ان يغرس رأسه في النزاع السوري كانت مقاتلاته تلقي قنابلها في محافظات حمص واللاذقية وحماه بعيداً من مواقع “داعش” في الرقة والحسكة، لكن هذا يثبت عملياً ان بوتين بات الآن غاطساً في المستنقع الدموي السوري الى ما فوق أذنيه.

أولاً لأنه منذ البداية، كان شريك الاسد في الاصرار الأعمى على الحل العسكري، الذي تسبب بتدمير سوريا وقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين من السوريين، وكذلك في إحباط كل الحلول السلمية بإجهاضه الدائم لعملية الانتقال السياسي وتمسكه ببقاء الاسد في السلطة وهو ما بات يمثل “عقدة أسدية أبدية”!

ثانياً لأنه بدأ عملياته العسكرية في سوريا على طريقة رجب طيب أردوغان، الذي أعلن الحرب على “داعش” ثم بدأ يقصف الاكراد، فها هو بوتين يعلن الحرب على “داعش” لكنه يقصف كل التنظيمات المعارضة للنظام السوري، وبهذا يغرس رأسه ليس في النزاع السوري فحسب، بل في الحسابات الاقليمية والدولية المعقدة التي تتقاطع فوق الازمة السورية.

ثالثاً لأنه انتقل من حماية مسرحية النظام وحروبه المزعومة على الإرهاب الذي ولد أصلاً من رحم المذابح التي ارتكبها، الى اقتحام صاخب للمسرح السوري بأحذية عسكرية ثقيلة وبسياسات ثقيلة أيضاً، عندما قال للجميع تنحوا جانباً الامر لي، وفي اعتقادي ان عرضه للقوة بهذه الطريقة ينطوي على جنوح استئثاري متهور سيضعه سريعاً في خلاف حتى مع حلفائه الايرانيين!

رابعاً على رغم الانتقادات الاميركية والدولية التي تتهم باراك أوباما بالهزال والتراجع والضعف، وبأنه في خسارته لسوريا أمام بوتين يمكن ان يتسبب بخسارة اميركا منطقة الشرق الاوسط وحتى الخليج، فإن طبيعة الصراع الذي ينخرط فيه بوتين والقواعد العمياء التي يطبقها عندما يتصرف وفق مفهوم أحمق وهو ان “كل من يعارض الاسد ارهابي يجب القضاء عليه”، سرعان ما ستجعله هو الارهابي الاول في نظر البيئات الإسلامية الكثيفة، التي تمتد من سوريا الى القوقاز وحتى الى داخل روسيا التي يشكل المسلمون فيها القوة الثالثة وبنسبة 18 في المئة من السكان.

لا تكفي بيانات النفي الروسية لحجب حقيقة كون الغارات قتلت 36 مدنياً بينهم أطفال ونساء في ريفي حمص وحماه، ولا تكفي بيانات الإدانة الاميركية لحجب جريمة تقاعس واشنطن عن المقتلة السورية منذ خمسة أعوام، وإذا كان أوباما يطبّق فعلاً نظرية “دعوا بوتين يجرّب حظه في سوريا” كما توحي التحليلات في واشنطن، فإنه لن يكون محظوظاً أكثر منه بل أكثر تورطاً في المستنقع الدموي، وخصوصاً عندما يعتبر ان كل معارض للأسد هو إرهابي يجب القضاء عليه، بما يضع معظم الشعب السوري أما في المقابر وإما في أحضان أبو بكر البغدادي!

 

النهار

 

 

 

 

موسكو والاحتمالات السورية/ هاني شادي

كانت بضع دقائق كافية ليعطي مجلس الاتحاد الروسي، المجلس الأعلى للبرلمان، موافقته بالإجماع في 30 أيلول المنصرم على طلب الرئيس فلاديمير بوتين باستخدام القوات الجوية الروسية خارج الحدود، بما فيها سوريا. ولعل ما يلفت أيضاً في هذا القرار أنه يخوّل الرئيس بوتين باستخدام قواته الجوية خارج حدود روسيا بشكل عام، أي أن هذا الأمر قد يمتدّ إلى دول أخرى قد تطلب المساعدة. وكان بوتين فور عودته من نيويورك، حيث شارك في الجمعية العامة للأمم المتحدة وعقد قمة مع نظيره الأميركي باراك أوباما، قد عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن القومي الروسي واتخذ قراره بتوجيه ضربات جوية للتنظيمات الإرهابية في سوريا، وعلى رأسها «داعش».

بعض المراقبين الروس يقولون إن بوتين أبلغ أوباما بهذه الضربات حيث تمخّضت قمة الرئيسين عن تفاهم على الخطوط العريضة لحل الأزمة السورية عبر الحرب على «داعش»، وإن ظل الاختلاف بين الجانبين على مصير الرئيس السوري بشار الأسد. بيد أن مراقبين روس آخرين يعتقدون بأن سرعة اتخاذ بوتين لقرار الضربات الاستباقية الجوية في سوريا يدل على تعثر قمة الرئيسين أكثر من توصلهما إلى تفاهمات. الروس يؤكدون أنهم يتحركون بشكل قانوني بناء على طلب من الرئيس السوري بتقديم مساعدات عسكرية عاجلة لدمشق. ولذلك يتهم بوتين التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بأنه يتحرك بشكل غير شرعي لأنه لم يحصل على تخويل لا من الحكومة السورية ولا من مجلس الأمن الدولي. لقد أعلن الرئيس الروسي غير مرة في الأيام القليلة الماضية أنه يدعم الرئيس بشار الأسد والنظام السوري في محاربة تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، ولذلك تم الإعلان أيضاً عن إنشاء مركز معلوماتي في بغداد يضمّ روسيا والعراق وإيران وسوريا لمكافحة الإرهاب، وهو ما رفضت واشنطن الانضمام إليه. ويخشى مراقبون روس من أن يثير «حلف بغداد» حفيظة المسلمين السنة في العالم وداخل روسيا نفسها، ولكن الكرملين دعا دولاً أخرى للالتحاق بهذا المركز، ومنها الولايات المتحدة والسعودية ومصر والأردن وتركيا.

ردود الفعل الأميركية الأولية على الضربات الجوية الروسية في سوريا تشير إلى أن ما تمّ قصفه ليس مواقع «داعش»، وإنما مواقع المعارضة السورية المسلحة ومواقع مدنية. بيد أن موسكو تنفي ذلك، وتؤكد أنها قصفت تنظيم «الدولة الإسلامية». ولا تعترض واشنطن على قيام روسيا بالضربات الجوية إذا اقتصرت على مواقع «داعش» من دون أن تطال ما تُطلق عليه المعارضة السورية. كما تعترض واشنطن على أن تكون نتيجة هذه الضربات هي تعزيز النظام السوري والرئيس الأسد. غير أن واشنطن تتناسى أن الكرملين لا يميّز بين «داعش» وغيره في سوريا، فهو يعتبر كل التنظيمات المسلحة هناك إرهابية وتهدف إلى إسقاط النظام السوري.

وتقول موسكو إنها لا تهدف من ضرباتها الجوية الى تحقيق طموحات خاصة، وتشدّد على أنها تحمي أمنها القومي باعتبار أن «داعش» أعلنت مراراً أن روسيا تُعد عدواً لها. ويعتقد فريق من المراقبين الروس أن بوتين لا يقاتل لمصلحة الأسد بصفته الشخصية، وإنما لأجل نظرته نحو الأسد ونظامه كعامل أساس في الاستراتيجية الروسية لمواجهة «داعش». لكن مراقبين آخرين في روسيا يعتقدون أن رغبة بوتين تتلخّص في نهاية المطاف في تأكيد أن روسيا باتت قطباً أو مركزاً عالمياً رئيسياً في النظام العالمي الجديد، الذي سيحل محل نظام الأحادية القطبية والانفراد الأميركي بالعالم. ومن هنا يرغب الكرملين، كما يبدو، في أن يصمد الأسد حتى بدء مفاوضات الحل النهائي من أجل الحصول على مكاسب جيوسياسية وجيواقتصادية واستراتيجية خاصة لروسيا. ويدلّل هؤلاء على ذلك بما قاله الرئيس الروسي الأربعاء الماضي، تعليقاً على قرار استخدام القوات الجوية الروسية في سوريا، من أنه يأمل أن يتخذ الرئيس السوري موقفاً مرناً وفعالاً لحل الأزمة السورية، موضحاً أن موسكو تعوّل على استعداد الأسد للحوار مع المعارضة «البناءة» في بلاده والتوصل إلى حل وسط من أجل شعبه. عبارات بوتين هذه تدفع البعض داخل روسيا وخارجها للاعتقاد بأن تفاهمات تم التوصل إليها بتنحّي الأسد خلال فترة ما، وأن الخلاف حالياً يجري على الفترة الزمنية لهذه المرحلة الانتقالية، وعلى الصلاحيات التي يمكن أن يتمتع بها الرئيس السوري فيها. غير أن البعض الآخر لا يرى أنه قد تمّ التوصل إلى مثل هذه التفاهمات، وذلك على اعتبار أن بوتين نفسه لا يستطيع تقديم ضمانات بتنحّي الرئيس السوري، خاصة أنه يشدد دائماً على أن الأسد هو الرئيس الشرعي لسوريا.

ولكن ماذا عن المجتمع الروسي وموقفه مما يحدث في سوريا؟ لقد أظهر استطلاع للرأي لمركز «ليفادا» الروسي جرى في أيلول الماضي أن 30 في المئة من المستطلعين لا يعرفون أي شيء عما يجري في سوريا، و54 في المئة لا يتابعون بدقة ما يجري هناك، بينما 15 في المئة من الروس يتابعون الأحداث في سوريا يومياً وبدقة. وعن اهتمام الروس بسياسة بلدهم في سوريا ومباركتهم لها، يوضح الاستطلاع أن 11 في المئة يباركون هذه السياسة بشكل مطلق، و28 في المئة يؤيدونها بشكل نسبي، بينما 11 في المئة لا يباركونها و33 في المئة لا يهتمون بها أصلاً. ويبين الاستطلاع أيضاً أن 43 في المئة من الروس يؤيدون تقديم روسيا الدعم العسكري لسوريا، ويرفض ذلك 41 في المئة. أما التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، فيرفضه 69 في المئة، ويؤيده 14 في المئة من الروس. كما أن 21 في المئة فقط من الروس يؤيدون استقبال اللاجئين السوريين، و57 في المئة يرفضون ذلك.

هكذا، بدأت المعمعة الروسية الأميركية في سوريا تتخذ شكلها العسكري في إطار شدّ وجذب حول أهداف أبعد، تتعلق بالنظام العالمي الجديد في ظل منظومة رأسمالية عالمية تتصارع وتتقايض عناصرها الأساسية على مناطق النفوذ والمكاسب الجيوسياسية. وفي هذه المعمعة يظل الغموض يلُفّ المدى، الذي يمكن أن يصل إليه هذا الصراع وهذه المقايضة.

السفير

 

 

 

حرب عالمية لإخضاع الشعب السوري؟

رأي القدس

اعترفت روسيا بعد موجتين من الهجمات الجوية خلال اليومين الماضيين في سوريا بتوسيع دائرة هجومها العسكري من إطار مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى استهداف قائمة من «الجماعات المتشددة الأخرى» وليس «الدولة الإسلامية» فحسب. ويأتي ذلك، بحسب قولها، بالتنسيق مع القوات المسلحة السورية، وهو يعني أنها، ستستهدف صراحة وعلانية، فصائل المعارضة السورية المناهضة للنظام من دون استثناء.

التأكيد على الأهداف الحقيقية الروسية جاء من مصادر عديدة منها السناتور الأمريكي جون مكين الذي قال خلال مقابلة مع شبكة تلفزيونية أمريكية أمس إن الضربات الروسية الجوية الأولى في سوريا استهدفت أفرادا من الجيش السوري الحر الذي تدعمه الولايات المتحدة، فيما أكدت مصادر سياسية وعسكرية عديدة أن الطيران الروسي استهدف مناطق سورية عديدة لا توجد فيها قوات لـ»الدولة الإسلامية»، وفي مناطق حققت فيها قوات المعارضة السورية إنجازات مهمة ضد قوات النظام، مثل إدلب وغيرها.

تأكيد الكرملين على وجود تنسيق مع البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية، لا ينفي أن طبيعة هذا «التنسيق» تبدو أقرب للتهديد منها للإبلاغ. فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي قال أول أمس إن واشنطن تلقت إشعاراً بالهجوم الروسي من مسؤول روسي في بغداد طلب من القوات الجوية الأمريكية تجنب المجال الجوي السوري أثناء قيام الطائرات الروسية بمهامها العسكرية.

تبليغ المسؤول الروسي في العراق للسفارة الأمريكية في بغداد بالهجوم وطلبه ابتعاد الطائرات الأمريكية أثناءه، يحمل مدلولات يصعب عدم الانتباه إليها، أوّلها، بالتأكيد، محاولة روسيا انتزاع إقرار أمريكي وأوروبي بأنها أصبحت أكبر اللاعبين على الأرض السورية. وثانيها، هو أنها، أيضاً، صارت معنيّة بشأن العراق وصولاً إلى كل المنطقة المشمولة بالنفوذ الإيراني، وهو ما تبدّى في إعلان «التحالف الرباعي» مع إيران والعراق وسوريا، وفي تصريحات إيران و«حزب الله» بتأييد ما تفعله روسيا من دون تحفظ.

الهجمات الروسية الأخيرة في الجوّ وانعكاساتها على الأرض ووجهت بتصريحات سياسية وإعلامية أمريكية وأوروبية ليس من المتوقع، على المدى المنظور، أن تتحوّل إلى ردود فعل حقيقية لإيقاف عملية تغيير الوقائع الميدانية وإعادة تثبيت أركان نظام بشار الأسد.

يعود أساس ذلك إلى عدم استراتيجية حقيقية أمريكية أو أوروبية حول سوريا. فكلّ ما فعلته واشنطن والتزمت به العواصم الأوروبية، منذ بدء الثورة السورية، هو السماح للنظام السوري بتحويل الثورة الشعبية ضدّه إلى حرب إبادة وتهجير وهندسة اجتماعية.

تحوّل ذلك، مع التراجع في مسار الثورات العربية والمفاجآت التي تعرّضت لها واشنطن في ليبيا، وإزاحة الرئيس المصري محمد مرسي، وصعود تيار «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، إلى إعادة موضعة للسياسات الأمريكية في كامل المنطقة العربية، تعيد المراهنة على الدكتاتوريات، وتستعيد رهاب (إن لم نقل معاداة) التيارات الإسلامية على اختلاف مذاهبها وأشكالها.

الإشكال الرئيسي في الموضوع السوري يكمن في تشكّل مقاربة أمريكية ـ روسية متشابهة للمسألة تُعلي من شأن محاربة «الدولة الإسلامية» (وهي ظاهرة فرعية طارئة شارك النظام السوري بمكره ووحشيته في توفير البيئة المناسبة لصعودها) على معالجة أسباب الثورة الحقيقية التي اندلعت في سوريا.

استغلّ الروس هذه الموافقة الضمنيّة الأمريكية على ضرورة حرب «الدولة الإسلامية» ليحققوا أهدافاً استراتيجية عديدة بينها جعل المسألة السورية رهينة لهم ومحاولة فرض تغيير كبير على الأرض.

هل يتعلّق الأمر بمفاوضات عالمية كبرى أم أن روسيا تريد فرض أمر واقع جديد في سوريا وجعل الغرب يذعن لمفاعيله؟

الأغلب أنها ستحاول تحقيق الهدفين معا.

لكن ما سيراه السوريون هو أن ما يحصل هو حرب عالمية لإخضاعهم، وأن التصريحات الأمريكية ليست إلا صدى شائها لوقع الصواريخ الروسية على رؤوسهم.

 

 

 

 

روسيا واستباحة العرب/ خليل العناني

تمثل الغارات الجوية، التي شنها الطيران الحربي الروسي داخل أراضي سورية، تحولاً نوعياً خطيراً في الأوضاع الاستراتيجية في المنطقة العربية، وسيكون له ما بعده في موازين القوى والصراع في المنطقة. تقول روسيا إن ضرباتها التي وجهتها، أول من أمس، كانت ضد “تنظيم الدولة”، وهو ما نفته تقارير إخبارية عديدة، مشيرة إلى أن الغارات الروسية استهدفت مواقع لفصائل المعارضة السورية، وأوقعت مدنيين كثيرين، وهو ما أطلق حملة تنديدات دولية ضد موسكو.

دخول روسيا على خط الحرب في سورية هو بمثابة البداية لتحول الصراع هناك إلى حرب دولية غير مباشرة، لا يعرف أحد أين ومتى ستتوقف، فالتحرك الروسي جاء بعد أن منح “الكرملين”، بالإجماع، الرئيس فلاديمير بوتين، تأييداً لشن ضربات داخل سورية، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الروسية “إنترفاكس”. الأكثر من ذلك أن الضربات الروسية جاءت بعد أسابيع قليلة من أنباء تم تداولها حول إرسال روسيا جنوداً وأسلحة وقطعاً عسكرية إلى سورية، وهو ما نفته موسكو، لكنه أصبح حقيقة. والمعروف أن روسيا تمتلك أكبر قاعدة عسكرية خارج أراضيها في ميناء طرطوس، والتي تعتبر المنفذ الوحيد لها على المياه الدافئة فى البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي.

يعكس التدخل العسكري الروسي فى سورية مخاوف موسكو من إمكانية سقوط نظام بشار الأسد، وسعيها إلى حمايته بكل الطرق، حتى ولو كان الثمن التورط فى حرب خارجية، كما هي الحال الآن. ولن تتوقف موسكو عن تحقيق هذا الهدف، لأسباب استراتيجية واقتصادية وسياسية كثيرة. وبدلاً من أن الحرب في سورية كانت تتم بالوكالة طوال العامين الأخيرين، فإننا الآن إزاء حرب صريحة بين القوى الدولية والإقليمية في المنطقة، تجري على الأراضي السورية. وإذا كانت الولايات المتحدة تقود تحالفاً دوليا ضد “داعش”، فإنه من المفارقة أن تنفرد روسيا بالعمل خارج هذا التحالف، على الرغم من ادعائها بمحاربة الدواعش.

بكلمات أخرى، من يحارب الآن فى سورية ليس نظام الأسد، وإنما بالأساس نظام بوتين الذي يحاول، بكل الطرق، أن تكون له اليد العليا في صراعه مع الغرب، كما الحال في أوكرانيا ودول البلقان. ويرى بوتين أن إسقاط الإسد هو بمثابة إسقاط له ولهيبة بلاده. لذا، فهو على استعداد لتعزيز وجوده العسكري في سورية، من أجل ضمان البقاء هناك بأي ثمن وتحت أية لافتة. الطريف، هنا، أن النظام السوري لم ينزعج، أو يرفض التدخل العسكري الروسي، بل كان الداعي إليه. وذلك على عكس ما فعل مع الضربات التي وجهها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “داعش” قبل حوالي عام. وإذا ما وضعنا الضربات الروسية ضمن السياق الدولي الأوسع، يمكننا القول إن بشار الأسد هو من يحارب نيابة عن بوتين، وليس العكس، فالأخير يدير معركة “كسر عظم” مع الغرب، في ملفات أخرى ملتهبة، مثل ملف أوكرانيا والعلاقة مع حلف الناتو…إلخ. ويحاول استخدام كل أدواته، من أجل مناورة الغرب والضغط عليه من أجل تحقيق مصالحه الإقليمية والدولية.

المدهش أن الدول العربية لم تعلق، حتى الآن، على التدخل العسكري الروسي في سورية، سلباً أو إيجابا. ويبدو أن هذا التدخل قد أصاب الجميع بالمفاجأة، ليس فقط لقوته وجرأته، وإنما أيضاً لأنه يتحدى كل المحاولات والمبادرات التي طُرحت قبل فترة، وكانت تهدف للتخلص من بشار الأسد أساساً لحل سياسي هناك. وبينما يشن الطيران الروسي ضرباته ضد الشعب السوري، فإن هناك من يسعى إلى إنقاذ بشار الأسد بحجة الحرب على الإرهاب. وهنا، يجتمع هؤلاء مع الروس والإسرائيليين تحت المظلة نفسها، التي يستخدمونها جميعاً، لا لشيء سوى لاستباحة الشعوب العربية وإسكاتها.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

الأسد يتذوّق اللحم الإسرائيلي/ وائل قنديل

عملياً وواقعياً، هناك حلف يحارب في سورية الآن، يضم روسيا وإيران وإسرائيل والصين وحزب الله وبشار الأسد، حتى وإن كان المعلن أن الغارات الجوية على المدنيين ومراكز المعارضة السورية حصرياً للقوات الروسية، وأن الوجود البري الداعم لبشار الأسد يقتصر على الإيرانيين وميليشيا حزب الله.

لا تكون المشاركة في الحرب بإرسال القوات، أو العتاد فقط، وليس  بتقديم الدعم المعلوماتي، وحده، تتحقق المشاركة، إذ يكفي أن يعبر طرف عن تفهمه لتحرك طرف آخر عسكرياً في منطقة ما، ملاصقة له، أو أن يعلن الطرف المتورط بالحرب أنه أحاط الثاني علماً قبل التحرك، وحصل على موافقته.

وهذا ما يتحقق في الموضوع السوري، إذ أعلن الروس أنهم أخطروا الصهاينة، وأحاطوهم علماً بالضربات الموجهة إلى الأهداف المحددة في سورية، والتي ليس من بينها مواقع تخص تنظيم الدولة، بل، وليس في الأمر مساحة، ولو صغيرة للخطأ أو للمصادفة، كل الأهداف التي ضربت تخص قوى المعارضة المشاركة، منذ اليوم الأول، في الثورة على نظام بشار الأسد.

عند التدقيق في الصور والخرائط الخاصة بالتحالفات، لا يمكن الفصل بين التصعيد الإيراني، على جبهة الابتزاز، ضد السعودية، استثماراً لعواقب حادث التدافع في منى، عن بداية الضربات الروسية ضد جماعات المعارضة السنية المعتدلة، إذ يبدو المساران متوازيين، متناغمين، بدقة شديدة، كأولى ثمار الحلف الرباعي الذي أنشأته موسكو، ويجمعها بكل من دمشق وبغداد وطهران.

الاستثمار الإيراني، الرخيص، فيما يسمى “الدماء الطاهرة”، وفقا لتعبير آيات الله، وجنرالاتهم، وصل إلى حد التهديد بتحرك عسكري ضد السعودية، رداً على حادث منى، الأمر الذي ينتقل بالفعل الدبلوماسي الإيراني إلى مرحلة العري الطائفي الكامل، من ناحية، ويرمي إلى إغراق السعودية في أزمة موسم الحج، بما يعزلها كلياً عن الموضوع السوري.

إذن، تتحول سورية، هنا، إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، إذ يحضر الموضوع اليمني، إيرانيا، كما يحضر الموضوع الأفغاني قديماَ والليبي حديثا، روسياً، فيتأسس تحالف المنتقمين، مستدعياً “داعش” لافتة أنيقة، والحرب على الإرهاب، مدخلاً واسعاً للقتال، بينما الأهداف الحقيقة هي الربيع العربي، والطائفة والمذهب.

في المقابل، تقف كل من واشنطن وتل أبيب مرتاحتين تماماً لما يجري، على طريقة دعهم يصفون بعضهم في حرب الجميع ضد الجميع، بل إن إسرائيل لا تخفي تفضيلها خيار الإبقاء على بشار الأسد، هزيلاً ذليلاً، يعيش في كنف الروس، ولا يرفض تذوق اللحم الإسرائيلي، ويكف عن التغني الكذوب بأحاديث الممانعة، وحواديت الصمود والتصدي للعدو الصهيوني الامبريالي، إلى آخر هذه القائمة من الشعارات الحريفة.

وما ينطبق على النظام السوري، فيما يخص عدم الممانعة لإشراك إسرائيل في الحرب، ولو بسلاح الصمت الراضي، ينسحب على حزب الله الذي يتحول، هنا، من جماعة مقاومة للاحتلال إلى ميليشيا طائفية، تقاتل من أجل المذهب والمرجعية، وبالتالي، سيكون شيئاً أقرب إلى الكاريكاتور، لو بقي أصحاب حناجر القومية والمقاومة يواصلون هذا الهراء عن النظام الذي يرعب إسرائيل، وأسد المقاومة الذي يزأر، فتهتز جدران الكنيست.

إن الموقف باختصار كالآتي:

*موسكو وطهران تحاربان، جواً وبحراً، من أجل بقاء رجلهما بشار الأسد.

* روسيا نسقت مع إسرائيل، وأطلعتها على الموقف قبل الحرب.

* إسرائيل سعيدة بالحرب على “الإرهاب”.

* طهران وتوابعها، مشاركون مادياً في تحقيق ما يحقق سعادة إسرائيل

* النتيجة: روسيا وإيران وإسرائيل وبشار وحسن نصر الله يد واحدة.

يبقى، هنا، أن تسأل عن موقف عبد الفتاح السيسي مما يدور، وأظن أنه يمكن قراءة ذلك في ضوء تصريحاته الأخيرة في نيويورك بشأن الدعوة إلى توسيع معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، لتضم الدول العربية، وأيضاً حديثه عن استحالة فطام النظام المصري عن حليب الإدارة الأميركية، باختلاف مذاقاته، ديمقراطياً كان أم جمهورياً، كما يمكنك الرجوع إلى تحولات الموقف الرسمي وتبدلاته من عاصفة الحزم ضد الميليشيات الحوثية في اليمن، وهو الموقف الذي يستند على مغازلة كل الأطراف، فيغمز لطهران بعين، ويضع الأخرى على “الأرز”، فالمبدأ هنا هو: من يدعم انقلابي أقول له يا عمي.

وهكذا يحسبها أيضا بشار: من يحفظ لي سلطتي هو سيدي.

العربي الجديد

 

 

 

محور ممانعة”إيراني ام روسي؟/ حسين عبد الحسين

لم يكد حبر كتابات مؤيدي “محور الممانعة” يجف حول المظلة الجوية الروسية التي اقامتها موسكو لحماية الأجواء السورية من الضربات الإسرائيلية المتكررة، حتى استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو في الكرملين. وما هي الا أيام حتى اغارت المقاتلات الإسرائيلية ضد مواقع داخل سوريا تابعة لتحالف إيران والرئيس السوري بشار الأسد.

وفي نيويورك، سرق بوتين الأضواء من إيران: حضوره، خطابه، لقائه مع نظيره الأميركي باراك أوباما ولغة جسد الاثنين، رؤيته لحل الأزمة السورية ومكافحة الإرهاب كبديل عن سياسة أوباما المتعثرة. هذه المرة، لم يبحث الاميركيون عن اتصال هاتفي أميركي – إيراني او مصافحة، ولم يسلط الاعلام الأميركي الضوء على مشاركة الرئيس الإيراني حسن روحاني في اعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ولم يأبه لخطابه او للمتظاهرين الذي احتشدوا أمم مقر اقامته. ولم يجهد الاميركيون لتحليل ما ورد في خطاب روحاني، بل أفردوا اهتمامهم لبوتين.

وبوتين يبدو انه التقط “السحر الإيراني” ويحاول استنساخه روسياً: اثارة المتاعب في منطقة المشرق العربي وتحويلها الى سيف مسلط على رقاب الغربيين، ما يدفع الغرب الى تناسي كل تجاوزات إيران الداخلية والإقليمية والهرولة باتجاه طهران للتوصل الى حلول.

وبوتين يتمتع بخبرة دولية أكبر من إيران، فالرئيس الروسي الذي يحرّض ضد الغرب باستمرار لتحويل الأنظار عن فساد حكوماته وفشل اقتصاده، مثلما يفعل قادة إيران، يقوم بذلك من دون مواقف عقائدية متصلبة، أي ان بوتين لا يمانع مصافحة أوباما او زيارة أميركا، ولا ينزوي لتفادي مصافحة وفدا مرّ من هنا، ولا يهرب من وليمة لزعماء العالم هناك.

ومقارنة بإيران، يتمتع بوتين بإمكانيات ديبلوماسية هائلة، كون روسيا عضواً دائماً في مجلس الأمن، الى صناعات عسكرية متفوقة، وهو متورط والأوروبيين بشبكة تزويدهم بالغاز، وتشكل بلاده سوقا رفض الأوروبيون الاستغناء عنها وفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليه بعد ابتلاعه شبه جزيرة القرم الأوكرانية.

ولأن إيران تعرف انه يصعب عليها مواجهة العالم ان اجتمعت أميركا وروسيا ضدها، فهي لم تعاند الروس، بل تتصرف دائما كحليف طبيعي لهم في مواجهة “الغطرسة الامبريالية” الغربية.

لكن الحكام الاحاديين لا يحبون الشراكة والشركاء، بل يفضلون التبعية والاستتباع. هكذا، رأى بوتين فرصة سانحة لابتلاع الشرق الأوسط، وإيران، وتحويل المنطقة الى ساحة نفوذ له يمكنه من خلالها تحسين موقعه في مواجهته مع الغرب وفي محاولته إعادة ترميم الإمبراطورية الروسية باستعادة السيطرة على الدول المجاورة لروسيا، والتي كانت تعرف بالكتلة الاشتراكية.

وربما اعتقد الرئيس الروسي ان إرساله مقاتلات ومقاتلين ودبابات الى الساحل السوري يمكنهم فرض موسكو كلاعب أول في المشرق العربي. ولأن إيران تحتاج روسيا، طالما ان علاقتها مع أميركا لم تقلع بعد، يبدو ان موسكو تفرض على طهران الدخول في “محور الممانعة” الروسي، وهو محور يختلف عن نظيره الإيراني بشكل أساسي اذ يتصدر الفارق بين الاثنين صداقة روسيا المتينة مع إسرائيل وعداء إيران، بالوساطة، للإسرائيليين.

وقبل ان يذهب بوتين لمصافحة أوباما واللقاء معه للحديث في شؤون سوريا، حرص الرئيس الروسي على اعلان “تحالف استخباراتي ممانعاتي” روسي – إيراني – عراقي – سوري. وقابل بوتين أوباما، وقدم له “محور الممانعة” بزعامة موسكو.

لكن أوباما لم يأبه لمطالب بوتين بضرورة تبادل اميركا معلومات استخباراتية مع “محور الممانعة” الروسي، فخرج بوتين غاضبا، واتجه نحو طائرته، واقفل عائدا الى بلاده من دون ان يشارك في وليمة أوباما لزعماء العالم، على الرغم من ان بوتين كان حجز مكانا له في حفل عشاء الرئيس الاميركي.

صحيح ان بوتين أخذ قياس أوباما عندما تراجع الأخير عن توجيه ضربة عقابية للأسد بعد مجزرة غوطة دمشق الكيماوية في آب 2013، الا ان بوتين يبدو انه بالغ في تقدير مدى ضعف أوباما. وصحيح ان الرئيس الأميركي يخشى وصول الإرهاب الى الغرب وهو متردد عسكريا في مواجهته في الوقت نفسه، لكن حذر أوباما يشمل كذلك حذره من تطويب الشرق الأوسط باسم بوتين، فأوباما لم يستمع لرؤى الآخرين، ومنهم مقربون وحلفاء وأصدقاء، حول الحل في سوريا، ولا يبدو انه سيستمع هذه المرة لبوتين و”محور الممانعة” الروسي حول كيفية التوصل الى تسوية سورية.

المدن

 

 

داعش” ليس هدف بوتين/ مارك شامبيون

حصل كل من توقع أو أمل في امتلاك الرئيس الروسي بوتين لمفتاح هزيمة «داعش» أو إحلال السلام في سوريا على جوابهم: لم تستهدف الضربات الجوية الروسية الأولى داخل سوريا مواقع التنظيم الإرهابي مطلقًا.

بدلاً من ذلك، تابع بوتين عن كثب تنفيذ قواعد اللعبة التي وضعها الرئيس السوري بشار الأسد. نادرًا ما شنت قوات الرئيس السوري هجومًا حادًا وحقيقيًا على قوات «داعش» ما لم تُجبر على ذلك إجبارًا. وفي واقع الأمر، ظل الأسد ينظر إلى قوات التنظيم المتطرف باعتبارها من أوثق حلفائه، في محاولة من جانبه لإقناع المجتمع الدولي أن الحرب السورية تتألف من أحد خيارين لا ثالث لهما؛ إما الأسد أو الهمجية الوحشية. وقال بوتين في خطابه أمام الجمعية العامة هذا الأسبوع إن «الأسد يحارب الإرهاب بكل بسالة وشجاعة ووجهًا لوجه».

كلا، فالأسد لا يفعل شيئًا من ذلك أبدًا. لخلق حالة الخيارات الثنائية التي يسعى إليها الأسد، ولإلغاء أي معارضة محتملة من جانب الولايات المتحدة قد تعتبرها أوروبا معارضة مقبولة، وجّه الرئيس السوري قواته لمحاربة قوات المعارضة بدلا من «داعش»، مما يجعل منه حليفًا محتملاً بالنسبة للتنظيم الإرهابي. وعلى النقيض من ذلك، فإن الجماعات التي يحاربها الأسد، والتي وجهت روسيا إليها ضرباتها أول من أمس (الأربعاء)، تعمل وبشكل روتيني على محاربة «داعش».

إن بعضًا من تلك الجماعات هم إرهابيون كذلك. ولكن الجماعات الأخرى ليست إرهابية، بل هي ميليشيات محلية تدافع عن مناطقها ضد عمليات السلب والنهب والقتل من آلة الحرب الرهيبة للأسد.

يُعتبر اقتراح الرئيس بوتين ودعوته العالم للانضمام إلى روسيا والأسد في هزيمة «الإرهابيين» وإعادة إعمار الدولة السورية اقتراحًا معيبًا يشبه في كثير منه خطة الرئيس أوباما، سيئة الحظ، لتدريب وتجهيز جميع ميليشيات المعارضة الجديدة. ولقد انقضى ذلك المجهود المزعوم إثر تراجع عدد المستعدين لمحاربة تنظيم داعش فحسب، ونبذ حربهم مع نظام الأسد.

كيف تحول ذلك الموقف إلى مفاجأة؟ هو أمر يصعب الوقوف عليه أو تصديقه. فلقد استخدمت قوات الأسد الاعتقال، والتعذيب، والأسلحة الكيماوية، والبراميل المتفجرة، في عمليات الأرض المحروقة لاستعادة السيطرة بأي وسيلة.

من غير المعقول أن ترضى الأغلبية السنية في سوريا وبخنوع إعادة فرض حكم نظام الأسد عليهم، أو مجرد اعتباره شريكًا في القتال ضد أي شر أكبر في المستقبل. وإلى الحد الذي يتمكن من خلاله بوتين من سحق كل أوجه المعارضة الأخرى ضد الأسد، فإن الأغلبية السنية السورية سوف تلتحق بالقوة الوحيدة المتبقية والمستعدة لحمايتهم، أي «داعش».

بصرف النظر عن مقدار الوعود التي يمنحها بوتين في محاولة لإضفاء الشرعية من جانب الولايات المتحدة وغيرها من الدول على الحملة الجوية التي يشنها في سوريا، والتي تبدو كمحاولة لتقاسم السلطات، والتعهد بحكومة انتقالية متعددة الأعراق في سوريا بمجرد استعادة النظام هناك، أو حتى الرحيل النهائي للأسد ونظامه، فإن تلك العروض والوعود تتسم بقدر كبير من الخواء حتى تعكس تصرفاته على الأرض أنه تقبل الحقيقة الأساسية لذلك الصراع.

أولا، يتعين على بوتين الإقرار بأن الأسد جزء من المشكلة.

ثانيا، عليه الاعتراف بالتمييز ما بين تنظيم داعش من جانب، والميليشيات المعارضة للنظام من جانب آخر.

وأخيرًا، عليه إدراك أن أي تسوية سياسية سوف تتضمن وضع المناطق السنية تحت السيطرة السنية أو الدولية، وربما مؤقتًا، في ظل وجود الأسد من عدمه في دمشق.

ومن دون تلك الالتزامات من جانب بوتين، فلن يمكنه التعبير عن القوة الكافية لإحلال السلام على الأراضي السورية.

 

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

 

 

 

 

 

إسرائيل وروسيا.. تقاطع انتهازي في سوريا/ حمزة إسماعيل أبو شنب

مخاوف إسرائيلية

خطوط حمراء

إسرائيل وروسيا

تقاطعات مؤقتة

ظلت روسيا من أكبر الداعمين للنظام السوري منذ عشرات السنين، ولم تغير أحداث الثورة السورية هذا الموقف، بل زادت من الدعم السياسي والمالي والعسكري، دفاعا عن آخر تواجد استراتيجي روسي في الشرق الأوسط.

 

وتقدمت روسيا مؤخرا بخطوة كبيرة وجديدة في مسيرة دعمها للنظام السوري، حيث بدأت زيادة الحضور العسكري في المناطق التي يسيطر عليها النظام خاصة في الساحل، وشملت التعزيزات معدات وأسلحة ومقاتلين من الجيش الروسي، كما تعد روسيا بنية تحتية لقاعدة جوية.

 

ومع تصاعد التدخل الروسي في سوريا، بدأت إسرائيل التحرك الجاد لضمان ألا يؤثر ذلك على طبيعة عملها الأمني والاستخباري على الحدود مع سوريا، وقد بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة عاجلة لموسكو غير معد لها مسبقا ولا مدرجة على جدول الزيارات السنوية، رفقة رئيس الأركان الإسرائيلي ورئيس الاستخبارات، وهي حالة نادرة أن يرافق جنرالات الجيش رئيس الوزراء في زياراته الخارجية، دون اصطحاب صحفيين في الوفد المرافق له، وذلك لتبديد المخاوف الإسرائيلية حول تداعيات زيادة التواجد العسكري الروسي.

مخاوف إسرائيلية

لا تبدي إسرائيل قلقا حقيقيا من الوجود العسكري الروسي، إذ لا توجد نوايا عدائية لروسيا تجاه إسرائيل، لكنها ترغب في تبديد مخاوفها وضمان مصالحها الأمنية، مع خشيتها من تأثير انتشار القوات الروسية على حرية العمل العسكري الإسرائيلي في الأجواء السورية، إذ إن إسرائيل تتواجد باستمرار في الأجواء السورية لأهداف عملياتية واستخبارية، وتريد ترتيب هذا التواجد بحيث لا يتصادم مع النشاط الروسي بعد قيام الأخيرة بنصب منظومات رادار وأنظمة دفاعية.

 

ومع تكثيف نشاط إيران وحزب الله في جبهة الجولان ينتاب إسرائيل قلق من استغلال البعض للحضور الروسي في توفير غطاء لشن هجمات ضدها، استمرارا للمحاولات السابقة، حيث قام الطيران الحربي الإسرائيلي بشن العديد من الغارات واستهداف نشطاء موالين لإيران سعوا لتنفيذ هجمات من الجولان. ولا يتوقف القلق الإسرائيلي تجاه إيران وحزب الله عند حدود الهجمات، بل يتعداه لنقل سلاح استراتيجي ومنظومات متطورة تغير قواعد الاشتباك لحزب الله عبر سوريا.

 

خطوط حمراء

لا توجد مصلحة إسرائيلية في انتصار طرف على حساب طرف بالصراع الدائر في سوريا طالما لم ينعكس ميدانيا على أمنها، ومع إدراكها لتعقيدات المشهد السوري، تكمن الرغبة الإسرائيلية في ظهور سوريا مجزأة ولا مركزية، وعاجزة عن أداء وظائفها.

 

يدفعها ذلك لرسم خطوط حمراء لنفسها ذات بعد استراتيجي ولا تسمح بتجاوزها، كنقل الصواريخ طويلة المدى أو مضادات الطيران المتطورة الكاسرة للتوازن، أو التحضير لأنشطة وأعمال من قبل حزب الله أو إيران قد تغير الوضع القائم في الجولان، ومنع سيطرة مجموعات إسلامية معارضة على مخزون النظام من السلاح غير التقليدي.

 

تدرك إسرائيل أن روسيا دولة نفعية انتهازية توجهها مصالحها الذاتية، ولن تقود أي خطوات تراعي مصالح أجنبية عندما تتعارض مع مصالحها، ومع ذلك فإن وقوفها إلى جانب نظام الأسد كفيل بأن يؤدي إلى الاستقرار، وهو السيناريو الأفضل من ناحية إسرائيل، لذا اصطحب رئيس الحكومة الإسرائيلية مدير الاستخبارات العسكرية في الجيش في زيارته المذكورة.

 

تمتلك إسرائيل كما وافرا من المعلومات الاستخبارية عن سوريا، وهي بالنسبة لها كالدفتر المفتوح، فسوريا نقطة خوف استراتيجي لهم، لذلك جندت كل الإمكانيات التكنولوجية من أجهزة تنصت عالية الجودة وأنظمة مراقبة بالإضافة إلى الجهد الاستخباري على مدار السنوات، ومع تصاعد الأزمة السورية كثفت من نشاطها الأمني، مما يمكنها من تقديم كم معلوماتي يساهم في نجاح المهمات الميدانية للقوات الروسية، كتحركات المعارضة، ونقاط الضعف والقوة، في المقابل تحصل إسرائيل على حرية الملاحة العسكرية والاستطلاع في الأجواء السورية.

 

لا تبدو العلاقات الروسية الإسرائيلية مميزة ولا تبدو سيئة، فكلاهما يتعامل بمنطق الانتهازية والمصالح المشتركة، فعلاقتهما جافة ينتابها أحيانا بعض التوتر والتباين في العديد من الملفات، كالملف النووي الإيراني، والتوجه الروسي لتزويد كل من إيران وسوريا بصواريخ S300

” وتدرك روسيا القدرة المعلوماتية والعملياتية الإسرائيلية في سوريا، فالضربات الدقيقة التي وجهها سلاح الطيران الإسرائيلي لسوريا، كقصف المفاعل النووي في دير الزور في 2007 وعشرات العمليات الدقيقة في القلمون ودمشق والجولان، تبرهن على قدراتها الاستخبارية، وقد لا يتوقف مستوى التعاون بينهما على التعاون في سوريا، فقد تقدم إسرائيل على بيع تكنولوجيا متطورة من طائرات الاستطلاع من دون طيار لروسيا، وغيرها من المنظومات العسكرية التي تساهم في تطوير القدرات العسكرية لروسيا مقابل الحفاظ على الخطوط الحمراء على الجبهة السورية، وقد وصل الجانبان أثناء زيارة نتنياهو إلى تفاهمات يُبنى عليها وستُعقد لقاءات تفصيلية لبحث سبل التعاون.

 

إسرائيل وروسيا

لا تبدو العلاقات الروسية الإسرائيلية مميزة ولا سيئة، فكلاهما يتعامل بمنطق الانتهازية والمصالح المشتركة، فعلاقتهما جافة ينتابها أحيانا بعض التوتر والتباين في العديد من الملفات، كالملف النووي الإيراني، والتوجه الروسي لتزويد كل من إيران وسوريا بصواريخ S300، لكن علاقتهما تبقى عموما جيدة.

 

فإسرائيل تعد روسيا دولة مؤثرة جدا على الصعيد الدولي وتتمتع بعلاقات مميزة مع أعداء إسرائيل في المشرق العربي وتزودهم بالسلاح، إضافة إلى مصالحها في المنطقة المحيطة بها، كما تتقاطع مصالحهما في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والحركات الإسلامية السنية في سوريا كونها الأقرب لسدة الحكم في حال سقط نظام الأسد.

 

لقد شكلت التجربة المصرية في تولي الإخوان الحكم مصدر تهديد حقيقي لإسرائيل، وقدمت كل ما بوسعها هي ورسيا من أجل نجاح الانقلاب العسكري ودعمه وتسويقه، ولا يرغبان في تكرار ذات التجربة في سوريا، صحيح أنه يوجد تفاوت كبير في النظرة الروسية والإسرائيلية حيال نظام الأسد، فروسيا تعده آخر ما تبقى لها من مصالح استراتيجية في حوض البحر المتوسط، ورغم أن إسرائيل ترى أيضا أن انهيار نظام الأسد هو سيناريو مؤلم لها، فإن ظهور سوريا مجزأة ولا مركزية وعاجزة عن أداء وظائفها بعد الأسد هو النموذج المفضل لها.

 

الولايات المتحدة الأميركية لا تغيب عن مشهد العلاقات الروسية الإسرائيلية، فنتنياهو أبلغها بالزيارة قبل أسبوعين، وإسرائيل ما زالت تعدها حليفتها التي تحافظ على مصالحها، لكن إسرائيل تدير علاقاتها الخارجية وفق معطيات قد لا تنسجم مع الولايات المتحدة بما لا يؤثر على صلابة العلاقة، إلا أنها لا تضيع الفرص من أجل بناء سياسة خارجية مع القوى الصاعدة كالصين والهند وتركيا بما يخدم أجندتها.

 

تقاطعات مؤقتة

رغم كل ما تملكه إسرائيل من قدرات استخبارية فإن سرعة الرمال المتحركة في المنطقة تبقيها تعيش هواجس المفاجآت غير المحسوبة، وأي تغير في موازين القوى في سوريا أو تغيرات في النظام الحاكم في مصر سيشكل مصدر قلق، مع تزايد العداء الجماهيري لها

“قد تلتقي المصالح الروسية الإيرانية الإسرائيلية في المرحلة الحالية لكنها لن تستمر طويلا، فالدول الثلاث تحمل رؤى مختلفة، فسعي روسيا لزيادة حضورها العسكري والأمني في سوريا قد يهدف في جزء منه لموازنة الحضور الإيراني المتعاظم ضمن مشروعها التوسعي، في حين تريد روسيا أن تكون لها اليد الطولى في سوريا حتى تستطيع فرض حلول ما قد تتوصل إليها مع الإدارة الأميركية لتقاسم النفوذ أو مبادلته في موضوع أوكرانيا.

 

كما أن إيران لن تتخلى عن دورها في دعم حزب الله في لبنان وتسليحه ونقل أسلحة متطورة كاسرة للتوازن إليه، مع إمكانية انسحابها التدريجي من القتال في سوريا وإبقاء بناء القدرات العسكرية والنشاط العملياتي في منطقة الجولان، حيث نشطت خلايا موالية لإيران وتعرضت لأكثر من عملية استهداف إسرائيلية.

 

قد تلجأ إيران إلى وقف محاولات الاستهداف من الجولان، إلا أن ذلك لن يمنعها من رفع القدرات القتالية للمجموعات العاملة، مما قد يولد صداما مع الروس، لكنه لن يفجر الوضع بقدر ما سيهز الثقة المتبادلة، فإسرائيل بالنسبة لإيران عدو وتبني خطابها الرسمي في المنطقة العربية على الدعوة إلى زوالها، كما أنها تخوض حرب سوريا تحت ذريعة حماية محور المقاومة، مما يبقى حالة الحرب غير المباشرة بينهما مفتوحة.

 

ستسعى إسرائيل لترجيح إمكانية تقسيم سوريا إلى دويلات تكون الدولة العلوية أولاها، في ظل الاهتمام الروسي والإيراني بمناطق الساحل، مما سيخرج سوريا من موازين القوى الإقليمية، إلا أن المشهد الحالي والتحرك الروسي الأخير يكشف أن الحرب في سوريا لن تضع أوزارها في المستقبل المنظور.

 

ورغم كل ما تملكه إسرائيل من قدرات استخبارية فإن سرعة الرمال المتحركة في المنطقة تبقيها تعيش هواجس المفاجآت غير المحسوبة، وأي تغير في موازين القوى في سوريا، أو تغيرات في النظام الحاكم في مصر سيشكل مصدر قلق، مع تزايد العداء الجماهيري لها، في ظل ما تسعى لفرضه من واقع جديد في المسجد الأقصى.

الجزيرة نت

 

 

التفوق السياسي الروسي في سوريا/ عبد الستار قاسم

لم يتوقف الدعم الروسي للنظام السوري منذ بداية الأحداث في سوريا، ولم تتوقف روسيا عن تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي للنظام، واستعملت حق النقض في مجلس الأمن دفاعا عنه. ومن الصعب أن نتصور صمود النظام طيلة هذه الفترة بدون الدعم الروسي والإيراني، كما من الصعب أن نتخيل صمود المعارضة والمسلحين لولا الدعم العربي والتركي والغربي. لكن روسيا كانت حذرة في لهجتها، وبقيت تمارس دعمها بهدوء وبدون ضجيج وتهديد، وأثبتت حضورها القوي على الساحة عسكريا ودبلوماسيا.

روسيا تصعد الآن من إجراءاتها ونشاطاتها في دعم النظام السوري تحت مظلة الحرب على الإرهاب، وهي بذلك تنفث الحياة في الدبلوماسية الغربية التي تفيق تدريجيا على فشلها في سوريا لتبدأ التفكير من جديد في حل يعيد الهدوء إلى سوريا وربما إلى العراق أيضا.

 

ويبدو أن حسابات روسيا فيما يتعلق بالشأن السوري أكثر علمية ودقة من الحسابات الغربية لأنها متعقلة وليست منجرفة في تيار من العداوات والأحقاد. حسابات روسيا لم تكن عشوائية أو ارتجالية، ولم تكن مندفعة وراء نزوات عربية وأحقاد عربية داخلية، وبقيت متميزة بالروية إلى أن قدر الروس أن الظروف أصبحت سانحة لتصدر الموقف بالشأن السوري، وهم بالفعل يتصدرون الأمور الآن واضطروا الدول الغربية للهاث خلفهم.

 

هناك عوامل ساعدت الروس على الإمساك بالفرصة لإثبات حضورهم القوي ليس على الساحة السورية فقط وإنما على المنطقة العربية الإسلامية وعلى الساحة الدولية أيضا. من هذه العوامل ما يلي:

أولا: فشل الحرب على الإرهاب. لم تستطع الدول الغربية أوروبية وأميركية تحقيق النصر على الإرهاب منذ غزو أفغانستان. وعلى العكس انتشر الإرهاب في كل مكان في العالم، وتكاثر بصورة سرطانية بحيث لم تعد هناك دولة لا تحسب حسابا لعمليات إرهابية محتملة على أراضيها، وأصبح هاجس الإرهاب يقض مضاجع الشعوب والأنظمة السياسية الحاكمة. لقد حصدت الدول الغربية نتائج سلبية مزعجة نتيجة حربها على الإرهاب، وأصبحت بعد كل هذه السنوات من ملاحقة الإرهابيين أقل أمنا وشعورا بالطمأنينة. وفي هذا ما يجعل الجدلية الروسية حيال الإرهاب أكثر قوة من الناحية المنطقية، وأكثر قبولا على الساحة الدولية.

 

لقد ذكرت روسيا أكثر من مرة أن الإرهاب ناجم عن الشعور بالظلم والاضطهاد وعن استغلال الدول الغربية للشعوب والدول، وإقامة العدل بين الشعوب يشكل العلاج الأفضل للحد من الإرهاب والقضاء عليه.

 

وكبديل للرؤية الغربية ترفع روسيا الآن شعار محاربة الإرهاب ولكن ليس بالتجييش الخارجي، وإنما بتقوية الجيوش المحلية التي تحارب الإرهاب لأن هذه الجيوش هي الأقدر من الجيوش الأجنبية على معالجة الشؤون الداخلية. أي أنها تفضل دعم الجيشين السوري والعراقي للتغلب على التنظيمات الإرهابية في البلدين.

 

ثانيا: فشل التحالف الغربي في حربه على داعش. رغم أن هذا التحالف بقيادة الولايات المتحدة يشن حربا جوية على داعش منذ أكثر من عام إلا أنه لم يحقق نتائج ملموسة، وبقيت داعش قوية على الأرض وقادرة على تحقيق إنجازات عسكرية بين الحين والآخر في العراق وسوريا.

 

وهنا يشكك الكثيرون بجدية الولايات المتحدة وحلفائها في الحرب، وربما يرغبون ببقاء داعش قوية لكي يبرروا إجراءات عسكرية مستقبلية مثل التدخل العسكري البري والقضاء على هذا النظام السياسي أو ذاك. وإذا كانت روسيا تقول إنها تعمل على محاربة الإرهاب، فإن فشل الغرب وحلفائهم من العرب والأوروبيين لا يستطيعون بسبب هذا الفشل الوقوف في وجه الجدلية الروسية.

 

ثالثا: روسيا ليست معنية بحرب باردة جديدة مع الولايات المتحدة، وهي تدرك أن الولايات المتحدة ليست معنية بهذا الأمر أيضا خاصة تحت الظروف الحالية. أميركا تعاني من مشاكل اقتصادية ومالية جمة، وهي تعاني أيضا سياسيا ودبلوماسيا لأن الساحة الدولية قد ضاقت عليها بعض الشيء.

 

ولهذا تفضل روسيا اللعب بهدوء ودون زمجرة أو فرد عضلات بصورة خارجة عن المألوف حتى لا تكون مستفزة للدول الغربية. الدول الغربية عموما ليست معنية بتأجيج التنافس أو الصراع مع روسيا حتى لا تتكبد المزيد من الخسائر أو على الأقل تقع تحت طائلة اهتمامات ثانوية تبعدها عن الهموم الوطنية الخاصة بشعوبها.

رابعا: انشغال الأوروبيين بهمّي الإرهاب واللاجئين. أوروبا منشغلة جدا في هذه الفترة بأمري الإرهاب الذي بات يهددها من الداخل وأمر اللاجئين الذين يتدفقون إليها. يشعر الأوروبيون بخطر الإرهاب أكثر من الأميركيين بسبب القرب الجغرافي من المنطقة العربية، وهم الذين يتحملون الآن ثقل اللاجئين العرب الذين ينتقلون إليها بعشرات الآلاف.

 

الأوروبيون معنيون بنسيجهم الاجتماعي الذي من الممكن أن يتأثر بالثقافات الأخرى وبالمندسين في صفوف اللاجئين. ولهذا ليس لدى الأوروبيين القابلية السابقة للتساوق مع سياسات الولايات المتحدة والتي تكون أحيانا بلا هدف.

 

خامسا: لم يبلور الأوروبيون والأميركيون رؤية واضحة لسوريا يمكن تنفيذها على الأرض. فهم منذ البداية كانوا مترددين في إجراءاتهم لإسقاط النظام، وفي دعمهم العسكري للجماعات المسلحة والإرهابية.

 

فالغرب لا يريد بقاء بشار الأسد، لكنه لا يريد إقامة حكم إسلامي في سوريا، ولم يستطع إيجاد بديل للنظام وللمعارضة فاستمر في تخبطه. على العكس، كانت الرؤية الروسية واضحة تماما وهي منسجمة مع ما يسمى بالقانون الدولي.

 

تمسك الروس منذ البداية بحق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار مسؤوليها، وأن الرئيس بشار الأسد يبقى بإرادة شعبه ويذهب بذات الإرادة. وقف الروس في وجه دعوات إسقاط النظام، وبقيت بأيديهم حجة قوية تنسجم مع قواعد وأسس القبول الدولية، وهذا ما جعل الجدلية الروسية أقوى بكثير من حجج الدول الغربية.

 

سادسا: إدراك روسيا أن أميركا ليست معنية بحرب تشارك فيها في سوريا. أميركا فشلت في حروبها عموما. فشلت في أفغانستان والعراق، وفي حربها على الإرهاب، وفي حربها الجوية على داعش، والشعب الأميركي لم تعد لديه القابلية لتأييد حروب جديدة في المنطقة خاصة في ظل أزمة مالية لم يختف شبحها بعد.

 

دفع الأميركيون أثمانا باهظة في النفوس والأموال في حروب لا طائل منها، وخرجوا غير منتصرين ولم يحققوا أهدافهم المعلنة، ولهذا ليس من اليسير على رئيس أميركي أن يبرر أمام شعبه حربا جديدة في سوريا. الروس يدركون هذه المسألة، ولديهم تقدير مسبق بأن زيادة حجم دعمهم العسكري للنظام السوري لن يجر الولايات المتحدة إلى مواجهة مع روسيا لا في اللاذقية ولا في غيرها. يشعر الروس بأن أميركا مكبلة إلى حد كبير بفشلها المتكرر وبمزاج شعبها الآن الرافض للحروب.

 

سابعا: تساوقت أميركا مع دول عربية تلعب أدوارا عسكرية وأمنية وتسليحية ومالية هامة في سوريا. عدد من الدول الخليجية بالتحديد ما زالت تساهم في تأجيج الحرب الداخلية في سوريا، وهي دول تدافع عن إقامة ديمقراطية في سوريا في حين تفتقد هي إلى الديمقراطية، وتقيم أنظمة سياسية قبلية تنتمي إلى عصور الظلام.

 

تساوق أميركا مع الدول العربية أساء للجدلية الأميركية على الساحة الدولية، لأن الذي يدافع عن القيم الديمقراطية يجب أن يدافع عنها في كل مكان وليس في مكان دون آخر. ولهذا يطرح السؤال باستمرار: هل تريد أميركا إقامة ديمقراطية فعلا أم أنها تستعمل المبادئ الديمقراطية لتحقيق مآرب خاصة وليس اهتماما بالشعوب؟ من مجمل السياسات الأميركية في المنطقة العربية لم تكن أميركا بعيدة عن دعم الأنظمة الاستبدادية العربية، وسبق لها أن توجهت إلى سوريا للمشاركة في الحرب ضد صدام في الكويت. ما الذي يجعل الاستبداد جيدا حينا وسيئا حينا آخر؟ غياب المبادئ في إقامة العلاقات الدولية.

والنظام السوري لم يتمكن من حسم المعركة في سوريا، وما زالت الحرب مستعرة ويدفع ثمنها الشعب السوري. كل الدعم الروسي والإيراني عبر السنوات لم يمكن النظام من تحقيق نصر، وبقيت سوريا تعاني من الدمار المستمر. تحدث الروس بداية عن ضرورة الحوار بين السوريين على اعتبار أنه المخرج الوحيد لوقف الحرب وسفك الدماء. لم يكن العرب وأهل الغرب مقتنعين بهذا الجدل وفضلوا التمسك برحيل الأسد كشرط مسبق للبدء في حوار. المواقف الآن بدأت تتغير بسبب تمدد الإرهاب وتدفق اللاجئين، وأخذت الدول الغربية ومعها تركيا تعيد النظر بمواقفها التقليدية، وأصبحنا نسمع تصريحات مغايرة لما كنا نسمعه في السابق.

 

المهم في الأمر أن السياسة الروسية استغلت تطور الأحداث والتي منها دعم بعض أهل الغرب لبعض التنظيمات الإرهابية ليضغطوا باتجاه البحث عن حل للعقدة السورية، وأخذوا يبررون دعمهم المتزايد للأسد بناء على سياسة تحجيم الإرهاب. وطبعا الروس معنيون بالقضاء على الإرهاب كما الأوروبيين بسبب وجود نسبة مهمة من المسلمين في روسيا، ويمكن أن يتأثروا بالفكر الإرهابي ويصنعوا المتاعب لروسيا.

 

روسيا تكثف جهودها العسكرية في سوريا لتدفع الدول الغربية ومن آزرها من العرب إلى تشجيع الحوار الداخلي السوري. تأمل روسيا أن تقود سياستها في سوريا إلى الضغط على المسلحين في سوريا لقبول الحوار مع وجود الأسد على الطاولة، وإلى قطع المساعدات المالية والعسكرية لداعش في كل من سوريا والعراق.

 

إن منطق القوة تاريخيا أقوى من قوة المنطق، ومن المحتمل أن تغير القوة الروسية منطق الأطراف المتصارعة في سوريا والقوى الخارجية التي تلعب في الساحة السورية. فإذا كان الغرب ليس معنيا بالمواجهة، وروسيا ليست معنية بدفع الأمور إلى الحافة، فإن الاحتمال كبير بأن تجنح مختلف الأطراف إلى حوار داخلي سوري يفضي إلى نتيجة يقبل بها الجميع.

 

ولهذا من الوارد أن تنجز القوة ما عجزت التوازنات السياسية والإقليمية عن تحقيقه وتعيد الاستقرار إلى القطر العربي السوري. القوة ضرورية أحيانا من أجل تحكيم العقول والبحث في حل المشاكل بطرق علمية بعيدة عن التعصب وإقصاء الغير تماما.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2015

 

 

 

بوتين مصرّ على «حصة الأسد» ومواجهة «داعش» إلى تصعيد/ عادل مالك

طُرح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السؤال التالي:

ما تبريرك للتدخل العسكري في سورية؟ فأجاب: «الحرب على الإرهاب المتمثّل بتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، وهي حرب استباقية حرصاً على أمننا القومي، وإذا لم نتمكن من القضاء على هذه المجموعات الإرهابية، أخشى أن نجد «داعش» في عقر الدار في روسيا».

هذا هو تفسير أو تبرير القرار بالتدخل العسكري في سورية، وهو يقتصر على التدخل الجوي، أي مشاركة المقاتلات الروسية مع استبعاد التدخل البري.

كيف حدث هذا الموقف المستجد؟ وما تداعياته الفعلية والافتراضية؟ ما أعلن «أن السلطات الشرعية في سورية والممثلة بالرئيس بشار الأسد، تقدمت بطلب التدخل من موسكو لمواجهة الأخطار المتزايدة من تنظيم «داعش» وسائر القوات الإرهابية الموجودة في سورية».

في هذه الأثناء، عقد البرلمان الروسي واللجان المتفرعة عنه كافة اجتماعاً، وتمت الموافقة بإجماع الأعضاء على تفويض السلطات القيام بالمهام المطلوبة خارج أراضي الاتحاد الروسي. وصحا العالم صباح الثلثاء الفائت، على قيام الطائرات الروسية بأولى مهامها بقصف مراكز محددة لتجمعات «داعش» في مدن سورية.

وفور شيوع هذه الأخبار، بدأت المواقف المتناقضة حول هذا التحرك بالظهور، وتفاوتت ردود الأفعال بين مصدر وآخر. ففيما رحبت بعض الأوساط بالخطوة من منطلق التركيز على توجيه الضربات الجوية على تنظيم «داعش» وشركائه، اعتبرت الأوساط السورية المعارضة أن ما جرى «عملية احتلال» روسي لسورية، وأن الدور الحقيقي لهذا التدخل تأمين مزيد من الحماية لنظام الرئيس الأسد تحت ستار مكافحة الإرهاب».

وطرحت الخطوة الروسية تساؤلات كثيرة حول أبعاد القرار الروسي والتداعيات التي قد تترتّب عليه.

فأولاً: لماذا أقدمت روسيا على التدخل العسكري (الجوي فقط)، وفي هذا التوقيت بالذات؟

يجيب بعض المصادر الروسية بالقول: هذه الخطوة تحدث بعد ما يقرب من خمس سنوات من اندلاع شرارة الأحداث في سورية، وبروز تنظيم «داعش» أدخل عاملاً رئيسياً على مسار الأحداث. ويضيف: من خلال متابعة روسيا لما يجري في المنطقة، بخاصة تنامي نشاطات الإرهاب التكفيري، فإن ما يعرف بقوات التحالف الغربي التي تضمّ أكثر من أربعين دولة، لم يتمكّن من تحقيق إنجازات واضحة أو محددة ضد مقاتلي «داعش».

ثم إن الرئيس بوتين اتخذ هذا القرار بعدما استشعر أخطار الإرهاب التكفيري على الداخل الروسي. ومن هذا المنطلق، يعتبر أن ما أقدمت عليه الطائرات العسكرية الروسية يأتي في سياق الدفاع عن النفس.

وفي سعي الى التخفيف من وطأه ردات الفعل على هذا الإجراء، صرّح مصدر روسي بالقول: «هذا الإجراء تدبير موقت فرضته بعض الظروف المعينة». وللمناسبة، فهذا التعبير «موقت» مألوف جداً لدى اللبنانيين، بخاصة خلال وجود القوات السورية على الأراضي اللبنانية وعبر الشعار المثلث: «هذا التدخل شرعي وضروري وموقت»، وكان يقال مثل هذا الكلام للأطراف التي كانت تعارض الوجود العسكري والسياسي والمخابراتي في لبنان، وذلك من قبيل التفسير التالي:

شرعي: الإشارة الى أن هذه القوات ليست احتلالاً بل هي نتاج تسوية إقليمية دولية في حينه فوّضت بموجبها الولايات المتحدة سورية للاهتمام بالشأن اللبناني. أما تعبير «ضروري» فللقول أن هذا الوجود حتّمته الضرورات الأمنية وغير الأمنية. أما تعبير «موقت» فلتطمين فريق من اللبنانيين الى أن الوجود السوري لن تطول إقامته في لبنان أكثر من فترة محدودة… وبقية التفاصيل معروفة للجميع.

وبالعودة الى القرار الروسي الذي خطف كل الأضواء، قد يكون مفيداً استحضار بعض ما كتب وقيل عن أحداث سورية، وأخطار «داعش»، ومن ذلك وتحت عنوان «تسونامي الداعشي»: «المواجهة ليست بحجم التحدي». ونضيف: «إن تنظيم «داعش» يتمدد في كل الاتجاهات أفقياً وعمودياً، ويفتح له فروعاً في الأوطان والمهاجر، وقد أصبح «عامل جذب» لكثير من الشبان والشابات من مختلف دول الغرب، وهذا ما اكتشفته سلطات هذه الدول متأخرة بعد سفر العديد من أبنائها الى المنطقة والالتحاق بداعش» («الحياة» 4/7/2015).

والقصد لفت الانتباه الى عجز أكثر من نظام في المنطقة عن مواجهة «داعش» وتمدّد الأخطار التي ينطوي عليها هذا النوع من الإرهاب التكفيري، وبالتالي فالمطلوب مزيد من الجهود لتعزيز الدفاعات العربية المعنية بالأزمات القائمة والحدّ من انتشار هذا النوع من الإرهاب.

ثانياً: كان الأسبوع المنصرم أسبوع «الإرهاب وسورية» بامتياز خلال الاجتماعات والمداولات التي حفلت بها المنظمة الدولية في نيويورك. وإذا ما التقى بعض الأفكار مع بعض الوقائع السائدة في المنطقة وبخاصة في سورية والعراق، فإن خلافاً قد استعر من حول دور الرئيس بشار الأسد بين مؤيد لبقائه من منطلق المشارك في حل الأزمة (وتأتي روسيا في طليعة هذا المعسكر)، ومعارض بعنف لاستمراره في السلطة، كالمملكة العربية السعودية ودول أخرى، مع مواقف زئبقية للولايات المتحدة الأميركية، ومراوحة بين التأييد المشروط لاستمراره والمناداة بعدم الرحيل الآن.

وفي هذا السياق يتضح التالي:

الرئيس بوتين متمسك «بحصة الرئيس الأسد» حتى الثمالة، بخاصة أن العالم كله يدرك أن الدور الروسي كان ولا يزال الرافعة الأساسية للنظام في سورية. وفي هذا المجال، يستطيع الأسد الزعم بأن العالم بأسره منقسم حول مصيره ودوره المستقبلي. على أن القناعة ترسخت في الآونة الأخيرة بأن استهداف الأسد لا يجب أن يعني تدمير النظام بكامل هيئاته، وأن التجارب المريرة التي شهدتها المنطقة منذ الغزو الغربي للعراق تبقى راسخة في الأذهان، ومن الواجب عدم تكرار حدوث المغامرة مرة أخرى. ومن هنا، كانت عملية الفصل بالنسبة الى بعض الدول بين النظام ورأس النظام.

وفي سياق متصل، تعتبر أوساط إقليمية ودولية أن التدخل العسكري الروسي سيطيل عمر النظام، وهو بهذا التصرف يوفر له الغطاء لأمد غير محدود، خصوصاً أن بوتين أبلغ كل من فاتحه في موضوع مستقبل الأسد، أن مصيره يقرره الشعب السوري في أي انتخابات يمكن أن تجري.

كذلك، فالمعارضات السورية المنتشرة بين ضفاف البوسفور والدردنيل وسائر العواصم الغربية، لم تتمكّن حتى الآن من إيجاد صيغة مقنعة بأن هذه المعارضات يمكن أن تشكل بديلاً للنظام.

وبعد…

وحتى لا نضيع عن بوصلة الأحداث في المنطقة، يجب أن نتذكر التفاهم الغربي – الإيراني حول «الملف النووي».

فخلال الفترة التي سبقت إعلان التوصّل إليه، كان يقال لدى بروز أي أزمة في الإقليم أو في العالم: الجميع في انتظار «الاتفاق النووي». وحصل الاتفاق فعلاً بعد المفاوضات الشاقة والماراثونية المعروفة، واليوم ولدى حدوث أي تطور أو أزمة من أي نوع، يقال أن هذا من نتاج التفاهم النووي الإيراني.

ولدى وقوع أي حدث من حضرموت والربع الخالي الى واشنطن ونيويورك، هناك خيط مترابط تسير ضمنه التطورات الحالية والآتية، ومنذ الإعلان عن عدم تمكّن الكونغرس الأميركي من استخدام «الفيتو» ضد الاتفاق، يجري أكثر من طرف إقليمي أو دولي حسابات الخسائر والأرباح، وها هي الوفود الدولية تسرع في الهرولة الى طهران طمعاً بالحصول على اتفاق في مرحلة ما بعد حصول إيران على أموالها المجمّدة لدى المصادر الأميركية والغربية.

على أن أحداث الأيام الماضية، بخاصة كارثة الحجيج على صعيد منى في مكة المكرمة، ألقت بظلالها على العلاقات السعودية – الإيرانية، والمؤمل ألا تتخذ تداعيات هذا الحدث الجلل المزيد من التوتر وتأجيج الأجواء الإقليمية والعامة، فالمنطقة لا تحتاج الى «توترات إضافية»، خصوصاً في هذا التوقيت بالذات. على صعيد آخر، ستشكل الزيارة المرتقبة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الى روسيا «في القريب العاجل»، زخماً جديداً في العلاقات السعودية – الروسية، وسبق لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، أن قام بزيارة وُصفت بالناجحة الى موسكو حيث جرى الإعداد لزيارة الملك سلمان الى الاتحاد الروسي.

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة الى ما ورد في حديث وزير الخارجية السعودي السيد عادل الجبير، الى «الحياة»: «إن العلاقات السعودية – الروسية – يجب أن تكون أوسع مما هي عليه»، ويضيف: «إن حجم المملكة العربية السعودية وحجم روسيا اقتصادياً وسياسياً، لا يتماشيان وحجم العلاقات القائمة بين البلدين… ويجب أن يكون هناك سعي الى تعزيز هذه العلاقات وتقويتها في كل المجالات»، وأضاف: «بالطبع هناك اختلاف في مواقف وعلى أمور معينة، لكن هذا لا يعني أننا لا نسعى الى تحسين العلاقات مع روسيا».

ومن هذا المنطلق، يجب النظر الى زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز الى موسكو، بخاصة أن السياسة السعودية تتحدث عن «علاقات استراتيجية مع روسيا إضافة الى الجوانب الأخرى من التعاون». إن قرار روسيا بانخراط طيرانها العسكري ضد تنظيم «داعش» وشركائه، سيدخل أكثر من عامل على التطورات السورية والإقليمية. والمطلوب وفي أقصى سرعة، تأليف لجنة ناظمة لحركة الطيران في الأجواء السورية نظراً الى الازدحام الشديد في فضاء المنطقة.

أما الكلام عن خلافات بين روسيا والولايات المتحدة، بخاصة بين الوزيرين سيرغي لافروف وجون كيري حول قرار موسكو، فليس دقيقاً لأن غرفة العمليات الروسية تبلغ غرفة العمليات الأميركية قبل ساعة من تنفيذ أي طلعات استهداف لمواقع «داعش»، وعسى ألا تخطئ الطائرات الروسية الهدف المطلوب.

وقبل ساعات قليلة، سئل الوزير لافرورف:

هل أن قواتكم الجوية تقصف مواقع غير «داعش» من المعارضة السورية مثلاً؟ فأجاب بالنفي، وأضاف أن قوات التحالف الغربي تقول أنها تقصف مراكز «داعش»، ولا نعرف ما إذا كانت هذه المعلومات دقيقة. ونحن نفعل الشيء نفسه!

سؤال: هل ستتدخلون في العراق؟

جواب: إذا تلقينا طلباً للمساعدة سندرس الأمر، لكن نحن لا نأتي بلا دعوة!

فهل تتّسع «الصفقة الروسية» لتعقّب «أنصار داعش» في العراق كما في سورية؟

نحن نعيش زمن اللامعقول عندما يصبح معقولاً في منطقة الشرق الأوسط.!

* إعلامي لبناني

الحياة

 

 

 

 

 

بوتين غير مهتم بـ”داعش”/ علي حماده

كشف التدخل الروسي في سوريا هشاشة الموقف الاميركي الذي تجلى من خلال مواقف الرئيس باراك اوباما. ففي مقابل التقدم الروسي على ارض الشرق الاوسط بالحرب المباشرة، ينكفئ الاميركيون من دون ان تكون لديهم اي خطط سوى التفرج على الامر الواقع الروسي. وليس سرا ان الذريعة التي قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشن حربه في سوريا تهدف اولا الى انقاذ نظام بشار الاسد المتهالك، عبر ضرب المعارضة السورية المسلحة التي تجد نفسها اليوم في مواجهة “الحلف الرباعي” الذي تقوده روسيا ويضم ايران، العراق وبشار الاسد، وفي الوقت عينه في مواجهة تنظيم “داعش” الذي تقاسم الادوار مع الايرانيين وبشار على مدى عامين كاملين بتقاطع حرب الطرفين ضد المعارضة. إذاً المعارضة السورية وتضم فصائل متنوعة اسلامية وعلمانية تواجه تحالفا دولياً – اقليمياً – محلياً على مسرح العمليات، في الوقت الذي تنكفئ القوى الداعمة لها في الاقليم بفعل انشغالها بالحرب في اليمن، ودوليا بفعل سياسة الرئيس الاميركي باراك اوباما المتواطئة مع القوى الراغبة والعاملة بقوة للابقاء على بشار. والنتيجة ان بوتين يعود بروسيا وهي في اضعف مراحلها اقتصاديا، الى مسرح الشرق الاوسط من البوابة السورية، ويلقن اوباما درساً ثميناً في كيفية التزام دعم الحلفاء!

إن محاربة “داعش” تمثل آخر بند على جدول اعمال بوتين في حربه السورية. فإنقاذ النظام من الانهيار المحتوم، بمحاولة القضاء على المعارضة المسلحة التي تحاصر قوات بشار والايرانيين وميليشياتهم يبقى الهدف الاساس. وفي حال تحقيق اهدافه مع استقدام قوات ايرانية الى سوريا للانضمام الى ميليشيا “حزب الله”، ينتقل الى ما يسميه “الحل السياسي” بشروط “الحلف الرباعي” بالجمع بين نظام بشار من جهة، و”معارضة النظام” المدجنة.

بناء على تقدم ان فلاديمير بوتين غير مهتم اليوم بـ”داعش”. فالتنظيم المذكور يمنحه “شرعية” يحتاجها لشن حربه الخاصة، واهتمامه محصور بتحقيق “انتصار” حاسم على فصائل المعارضة المسلحة، وانتزاع اعتراف من اميركا واوروبا والنظام العربي بضرورة بقاء بشار ونظامه. وفيما يحاول بوتين فرض امر واقع جديد في المنطقة بالتعاون مع الايرانيين، لا يبدو ان اوباما راغب في مواجهة محاولة الاختراق الروسية الراهنة، ولا هو في وارد تغيير استراتيجية الانكفاء التي اعتمدها طوال ولايتيه الرئاسيتين المتتالتين.

ان الاشهر القليلة المقبلة ستكون صعبة على المعارضة في سوريا، وكل ما بوسعها ان تفعله، وخصوصا مع اقتراب موعد هجوم بري ايراني مرتقب في المناطق الشمالية، هو الصمود اطول مدة ممكنة، ومحاولة الاستحصال على سلاح نوعي لمواجهة “الحلف الرباعي” ذي الامكانات العسكرية الكبيرة.

ان الاعتماد على اوباما غير ممكن، لكن ترك بوتين يستولي على سوريا يمثل تهديداً لا يقل عن التهديد الايراني. والسؤال الكبير الآن، هو كيف سيواجه النظام العربي هذا “الحلف الرباعي”، بوجود سياسة اميركية ضعيفة مترددة وغير موثوقة كسياسة الرئيس اوباما؟

النهار

 

 

 

 

دفاعاً عن روسيا/ سميح صعب

ربما من الخطأ التسليم بالنظرية القائلة بأن الحرب الباردة انتهت بمجرد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 . فالولايات المتحدة واصلت هذه الحرب على روسيا التي كانت عصب الاتحاد أملاً في تفكيكها هي أيضاً على النحو الذي يضمن عدم تمكن الروس من التفكير مجدداً بأن في امكانهم يوماً من الأيام ان يعودوا دولة عظمى لها مكانتها تحت الشمس.

وعلى رغم ان كل الزعماء الاميركيين منذ تفكك الاتحاد السوفياتي كانوا يعلنون على الملأ ان روسيا لم تعد عدواً بعد زوال النظام الشيوعي الذي كان يشكل تحدياً ايديولوجياً للولايات المتحدة ، فإنهم في الواقع كانوا يمارسون سياسات تنتمي الى حقبة الحرب الباردة، واسطع مثال على ذلك كان التمسك بحلف شمال الاطلسي وتمدده نحو الحدود الروسية واستخدام الحلف أداة امنية سواء في اوروبا أو حتى خارج اوروبا كما في افغانستان التي ليست هي ايضاً بعيدة عن الحدود الروسية. ولم يكن في وسع الرئيس فلاديمير بوتين الا ان يتساءل في خطابه امام الدورة السبعين للجمعية العمومية للامم المتحدة الاثنين الماضي ، عن استمرار حلف شمال الاطلسي وقت زال الاتحاد السوفياتي وحلف فرصوفيا.

وقد يقول قائل إن الولايات المتحدة سعت فعلاً الى دمج روسيا في عجلة الاقتصاد العالمي وعقدت معها اتفاقات لخفض الاسلحة النووية في السنوات الـ25 الاخيرة لكن موسكو أو بوتين هو من عرقل مسيرة التطبيع بين موسكو والغرب بسبب طموحه الى اعادة بناء امبراطورية روسية.

ولعل هذه النقطة بالذات هي مصدر التدهور الاخير في العلاقات الاميركية – الروسية. فالولايات المتحدة مستعدة للتعامل مع روسيا ولكن شرط ألا يعترض بوتين على تمدد الاطلسي الى أوكرانيا وجورجيا ، أو يعترض على سياسات أميركا في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

وبكلام آخر ان تتحول روسيا جمهورية من جمهوريات البلطيق.

في مواقف المسؤولين الاميركيين يظهر بوتين الآن كأنه ينفذ سياسة عدوانية ضد الغرب وقيمه، من خلال تمسكه بالدفاع عن مصالح روسيا في سوريا وأوكرانيا، بينما هو في الواقع يدافع عن روسيا نفسها. ووقت كانت أميركا، التي تربعت على عرش العالم قوة عظمى وحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تعتقد انها قطعت شوطاً طويلاً في ترويض الدب الروسي منذ ربع قرن حتى اليوم، ها هي تواجه الآن المحاولة الجدية الاولى من روسيا للعودة الى عالم متعدد القطب.

ومن بغداد كرست أميركا أحاديتها القطبية. ومن دمشق ، تواجه الآن أكبر تحد لتفردها بزعامة العالم.

النهار

 

 

 

 

 

المرشد بوتين والرفيق نصرالله/ احمد عياش

الحماسة التي خرجت الى العلن من طهران الى بيروت مروراً بدمشق بعدما قررت موسكو الدخول عسكرياً في سوريا لها ما يبررها. فقد جاء هذا الدخول العسكري الروسي الذي يشغل العالم حالياً على خلفية تطورات مقلقة بالنسبة الى الرئيس فلاديمير بوتين الذي تلقى رسالة من رئيس النظام السوري بشار الاسد حملها اليه اللواء علي المملوك وفيها طلب نجدة بعدما صار حكم الاسد على شفير الانهيار وسط توتر شديد بين الفرقة الرابعة في الجيش بأمرة شقيق الاسد ماهر والحرس الثوري الايراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني. وفي الوقت نفسه كانت المعارضة السورية تتقدم على كل الجبهات مما جعل النظام السوري وإيران يقبلان هدنة في الزبداني والفوعة وكفريا مما شكل هزيمة قاسية للنظام و”حزب الله” الذي مني بخسائر بشرية فادحة خلال أسابيع القتال في الزبداني.

الحذر الذي مارسته موسكو ولا تزال في تبرير تدخلها العسكري يعبّر عن عقلية روسية تقليدية. وفي إطار ذلك ربط الكرملين هذا التدخل بمحاربة داعش وإبداء الاستعداد للمشاركة في صنع حل سياسي للازمة السورية. لكن هذين الهدفين سقطا سريعا بعدما وجهت الطائرات الحربية الروسية صواريخها في اتجاه غير “داعش” وبعدما رفض معظم العالم شرط روسيا أن يكون الحل السياسي مقترنا ببقاء الاسد في السلطة.

خريطة الطريق الروسية في سوريا ستكون وفق خبراء الدويلة العلوية التي تمتد من دمشق الى اللاذقية. وهي قابلة للتعديل جنوبا إذا ما قرر الدروز الانضمام الى هذه الدويلة. وهذا يفسر لماذا كانت الغارات الروسية الاولى في غرب حمص وحماه ضد مواقع لا وجود لـ”داعش” فيها لكنها تمثل حدود الدويلة، كما يفسر الانباء التي تحدثت عن تحرك قوات ايرانية و”حزب الله” الى جبهات الشمال السوري مجددا. وربما لن يطول الوقت قبل أن تتحرّك مجددا جبهات القتال القريبة من الحدود مع لبنان لتصفية بؤر المعارضة السورية على الخط الممتد بين دمشق والساحل السوري. وإذا ما سارت الامور كما يشتهيها بوتين فستكون النتيجة استباب أمر دويلة تضم معظم الاقليات السورية بزعامة علوية التي كانت منذ أكثر من 45 عاما تحكم كل سوريا.

“حزب الله” يكاد أن ينفجر فرحا بهذا التغيير الدراماتيكي في المشهد الميداني السوري. فبالاضافة الى التغطية الحماسية من إعلام الحزب للوقائع الميدانية كان الموقف الصريح للامين العام السيد حسن نصرالله ونائبه الشيخ نعيم قاسم في التهليل للدخول الروسي الذي نقل سوريا الى “مرحلة جديدة… لمصلحة مشروع جديد دعامته الرئيس بشار الاسد” وفق تعبير قاسم. وأبلغت اوساط بارزة في الحزب جهات سياسية لبنانية ان قيادته تعيد النظر في حساباتها الداخلية. وتوازيا، تردد أن العماد عون صار يتطلع الى قصر بعبدا بدعم روسي ولم يعد آبها لتسويات جرى طرحها في الايام الماضية.

إنها مرحلة صار فيها بوتين مرشدا وأصبح فيها نصرالله رفيقا في حزب ولي الفقيه الروسي!

النهار

 

 

 

الخروج على آلية جنيف بالآلة الروسية سقوف مرتفعة ترمي الكرة عند تركيا والعرب/ روزانا بومنصف

في غمرة سعي روسيا عبر بدء عملياتها العسكرية الى إعادة تأهيل موقع الرئيس السوري بشار الأسد الذي ضعف الى درجة قد لا تسمح بجلوسه على طاولة المفاوضات ومحاولة ليّ ذراع الدول الغربية والعربية على السواء عبر استهداف مواقع المعارضة المعتدلة من أجل القبول بشروطها، رمى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أفكاراً تعد جزءاً من التسوية التي يطمح الى إرسائها في سوريا. هذه الأفكار لم تأخذ حيزاً من النقاش بعد في ظل الضربات العسكرية التي بدأها الطيران الروسي. لكن هذا لا ينفي أن هناك من يستخدم الحرب وسيلة لفرض قواعده أو إرادته أو شروطه في التسوية السلمية. وهذه الشروط تبدو تفسيراً ملتوياً أو روسياً خاصاً لبيان جنيف 1 اذ انها تتمثل، الى جانب السعي الى فرض إبقاء الأسد في موقعه لمرحلة غير محددة ليست مرتبطة إطلاقاً بمرحلة انتقالية، في إبداء استعداد لمرونة في حكومة يشارك فيها الأسد المعارضة إنما تحت سقف شروط أخرى هي التحالف الدولي من أجل محاربة داعش والتنسيق مع الأسد كجزء من هذا التحالف إضافة الى بنود تتصل بإجراء انتخابات نيابية والتفاوض مع المعارضة غير المتمردة على الأسد. الخروج على آلية جنيف 1 يفترض أن تبادر الدول الغربية الى الطلب من موسكو في ظل خوفها على بشار الأسد من مصير مشابه لصدام حسين أو معمر القذافي كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن ترغمه على الرحيل لئلا يواجه المصير نفسه. كما يفترض بروسيا وهي التي تعود علاقتها الوثيقة مع الجيش السوري الى عقود طويلة ان تجد بديلاً من الأسد تطمئن إليه فلا يعود شخصه هو المشكلة. لكن الدول الأوروبية الأساسية سارعت الى إعلان مواقف أظهرت أنها على طريق تبديل مواقفها وتفهم وجهة نظر روسيا من خلال محاولة ملاقاة بوتين في الكلام على إبقاء الأسد وعدم طرح مصيره على الطاولة في المفاوضات وعدم ممانعة في أن يكون جزءاً من المرحلة الانتقالية تحت وطأة العدد الهائل من اللاجئين الذي بات على أبواب الدول الأوروبية. وقد نجح بوتين في توقيت الخطة التي أقدم عليها في سوريا في هذا الاتجاه. هذه المواقف الأوروبية وفق ما تقول مصادر معنية ليست جديدة في الواقع، أي إن خروج الأسد في المرحلة الانتقالية قد لا يتعين أن يكون فورياً لكن هذه الدول لم تكن تقولها علناً أو جهاراً بل كانت تتحدث في شأنها وراء الأبواب المغلقة منذ بعض الوقت خصوصاً من ضمن تفسيرها لبيان جنيف 1 الذي وضع في حزيران 2012 والذي لم يأت على ذكر الأسد أو مصيره. وما قامت به هذه الدول انها جاهرت بهذه المواقف بحيث اقتربت من الموقف الروسي وابدت الاستعداد أمام الاتفاق على تسوية همها الأساسي فيها وقف مد اللاجئين من جهة وإنهاء تمدّد تنظيم الدولة الاسلامية في اتجاه أوروبا. والانحياز الأوروبي الذي برز علنياً يخشى أن يكون ترك انعكاسات على الموقف الأميركي الذي قد لا يترجم في واشنطن كما في العواصم الأوروبية أصواتاً كثيرة تدعو الى السير بتسوية تبقي الأسد في المرحلة الانتقالية وتاليا تضغط على الادارة كما يضغط الرأي العام الأوروبي على حكوماته خصوصاً مع موضوع اللاجئين، لكنه يبدو متفهما أو قابلاً للمرونة لولا انه لم يجد تجاوباً كافياً من حلفائه الاقليميين العرب تحديداً.

خلال المفاوضات على النووي الايراني ما يزيد على السنتين كانت المخاوف العربية في شكل خاص ولا تزال من ان تداعيات هذا الاتفاق قد تستتبع تفلتاً ايرانياً في المنطقة نتيجة رفع العقوبات الدولية والأميركية عن ايران ما سيسمح لها باستثمار مزيد من الأموال في توسع نفوذها في المنطقة امتدادا الى سوريا ولبنان. وفيما كانت الأنظار تتجه الى ما بعد إقرار الاتفاق النووي في كل من واشنطن وطهران وبدء سريان الاتفاق مع نهاية السنة الجارية دخلت روسيا بقواتها العسكرية الى سوريا دعما للأسد وللقضاء على معارضيه. فالسفير السوري في موسكو قال لمحطة سي إن إن الأميركية قبل يومين إن “روسيا تساعدنا لتدمير كل “الجماعات المتمردة”. وبغض النظر عن قدرة روسيا أو نجاحها في ذلك، فإن التسوية التي تسعى اليها تحقق اهداف ايران لكن من دون ان تضطر ايران الى ضخ مزيد من اموالها وقدراتها ولو انه سيعود الى روسيا الفضل في ابقاء النظام السوري حيا ويعزز نفوذها في مقابل نفوذ ايران لكن من دون ان ينقضه. وليس محتملا وفق المصادر الديبلوماسية المعنية ان تخفف التسوية التي تطرح في ظل احتلال روسيا الواجهة السورية بدلا من ايران وطأة التسوية التي تعطي في النهاية المحور الروسي الايراني مع الأسد ما يريده. فهذا البعد لا يغيب عن حسابات الدول العربية ورؤيتها للمنطقة. ووفق احد الديبلوماسيين فإن الأمر يعتبر تغليفا للسيطرة الايرانية وتدعيمها بنفوذ روسي اكبر واوسع تأثيرا لا يلغي النفوذ الايراني بل يعززه. اما اذا كان ما يطرح هو سقوف مرتفعة للتفاوض وفق ما يرجح البعض انطلاقاً من اقتناع راسخ بأن لا روسيا ولا ايران يمكنهما ان يعيدا للأسد ما يحتاج اليه من شرعية فقدها على غالبية الأراضي السورية والعودة الى حكم الغالبية السنية التي لن تقبل بالتراجع والقبول به، فهذا أمر اخر. والكرة في هذا الاطار في ملعب تركيا والدول العربية للضغط في الاتجاه المعاكس.

النهار

 

 

 

 

 

“الأفغنة” باتت قريبة؟/ محمد ابرهيم

سبق للرئيس الأميركي باراك أوباما أن فوّت فرصتين لحسم المعركة عسكريا في سوريا: فرصة استعمال النظام للأسلحة الكيميائية ضد المعارضة، وفرصة الاستجابة للطلب التركي الملحاح بإقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا، كانت تضمر توجيه ضربة قاصمة لسلاح الجو السوري، ترجّح حظوظ المعارضة في المعركة الارضية.

تردُّدُ الرئيس الاميركي الذي ينسبه خصومه الجمهوريون الى اعتبارات شخصية، يبدو أقرب الى التردد بشأن القوى المؤهلة لخلافة النظام، مع أنه في تلك الفترة من الحرب السورية لم يكن قد اتضح بعد بجلاء الغلبة الجهادية الاسلامية الظاهرة اليوم في صفوف المعارضة. كان الرهان الأميركي هو على استعمال الضغط العسكري للمعارضة لاقناع حلفاء النظام السوري، بأن من مصلحتهم انجاز تسوية تقتصر على اطاحة رموز النظام، وتطهِّر المعارضة من جناحها الاسلامي المتطرف. ومن هنا كان الالتباس في الموقف من التنظيمات الجهادية الى أن برز “داعش” فاستقر الموقف الاميركي على محاربته، جواً، وتجاهل جبهة النصرة، أي فرع “القاعدة”، وبقية التنظيمات الجهادية باعتبارها جزءاً من المعارضة السورية المسلحة.

كان نجاح هذا التخطيط الاميركي كبيراً، ففيما هي تحشد ائتلافاً عالمياً للقضاء على “داعش”، تمكن هذا، وبقية الفصائل الاسلامية، من إحداث اختراقات عسكرية، خصوصاً في شمال غرب سوريا، تفرض منطقياً على الروس إعادة حساباتهم. لكن موسكو اختارت، بدل الرضوخ لانهيار الموازين العسكرية في سوريا لغير مصلحة حليفها، أن تستعمل الالتباس الأميركي في الموقف من المعارضة السورية لمصلحتها، فتنقلب بذلك نقطة القوة الاميركية الى نقطة ضعف.

باسم محاربة “داعش” والارهاب تستطيع موسكو أن تقدم غطاء جوياً فعالا لقوات النظام وحلفائه في مواقعها الضعيفة، كما تستطيع أن تواكب هجوماً أرضياً منسقاً لهذه القوات، يمكنه أن يقلب الموازين العسكرية لمصلحتها. ولا تنفع في مواجهة ذلك الصرخات بأن الروس لا يستهدفون “داعش”، فالقوى العلمانية في المعارضة، خصوصاً على الأرض، اندثرت، أو كادت، منذ زمن بعيد. هذا لا يعني أنه ليس في جعبة الاميركيين وأصدقائهم ما يردّون به على المعطيات الجديدة كلياً التي طرأت بعد التدخل الروسي العسكري المباشر. واذا كان الأوان قد فات على العودة الى مبدأ الحظر الجوي، بعدما باتت الاجواء السورية مباحة أمام الروس، فإنه لا شيء يمنع أن تبدأ عملية أفغنة الحرب السورية، خصوصاً مع اعلان المعارضة السورية، حتى غير المقاتلة أنها تعتبر التدخل الروسي احتلالا. والأفغنة تعني أولاً أنه يمكن استهداف التفوق الجوي الروسي – السوري، بتزويد المعارضة بما تزوَّدَ به إسلاميو افغانستان لقلب معطيات المعركة في ثمانينات القرن الماضي.

النهار

 

 

 

 

 

تأمين «الجيب الحيوي» من دمشق وحمص حتى اللاذقية هو الهدف الأول للتدخل الروسي/ وائل عصام

بدا بوتين واضحا في تصريحاته عندما قال في مقابلة مع قناة أمريكية، إنه يهدف لمنع سقوط النظام السوري، ورغم أن النظام لم يكن قد وصل لمرحلة الانهيار، إلا أنه تعرض لسلسلة تراجعات عسكرية عرضت معاقله الاستراتيجية للتهديد.

فما يعرف بـ»سوريا الحيوية» باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى.. وباتت المنطقة الاستراتيجية الواقعة غرب خط حلب حماة حمص دمشق، تتعرض لاختراقات كبيرة نسبيا من قبل المعارضة، خصوصا مع السيطرة على إدلب وريفها. وهي المنطقة ذاتها التي كانت تاريخيا معقلا لسكان سوريا القديمة من السريان وغيرهم، فيما يسمى «الكتلة الكلسية» أو «كتلة غاب افاميا». ولعل أولويات النظام والروس الان تبدأ باستعادة السيطرة الكاملة على الجيب الاهم لبقاء النظام، ما يمكن تسميته هنا «الجيب الحيوي» الذي يصل دمشق بحمص وحماة ثم يلتفت غربا نحو اللاذقية.

وهنا تبدو ثلاث مناطق مرشحة لعمليات عسكرية عنيفة في المرحلة الاولى، ريف ادلب وسهل الغاب، القرى الشيعية المحاصرة في ريف ادلب، القلمون، ريف حمص.. حصار حلب والقرى الشيعية بريف حلب. فبعد أن خسر النظام ادلب وهي مركز محافظة رئيسية بعد سلسلة من الهزائم في عدة قواعد عسكرية، بدأ مقاتلو النصرة وجند الأقصى والحزب التركماني وأحرار الشام يتمددون نحو سهل الغاب، واضعين القرى العلوية نصب أعينهم.. ورغم أن فكرة الهجوم على القرى العلوية لم تكن وجيهة منذ البداية، نظرا لوعورة تضاريس تلك المنطقة وشراسة المدافعين عن قراهم، عدا عن الدعم الهائل الذي سيقدم لهم من جيش النظام وايران، إلا أن اقتراب الجهاديين اكثر فاكثر من هذه المنطقة لم يكن مسبوقا طول سنوات الحرب الاربع الاخيرة، خاصة أنها تشكل رمزا معنويا لسلطة الاسد.

لذلك قد يكون من أولويات العمليات العسكرية في المرحلة الاولى، إرجاع المسلحين بدءا من سهل الغاب ودفعهم لمواقعهم القديمة، وفك الحصار عن كفريا والفوعة، ومحاولة استعادة جسر الشغور لموقعها الاستراتيجي على طرق المواصلات. وسيواجه في تلك المنطقة مقاومة شرسة بلا شك من مقاتلي جبهة النصرة وحلفائهم الجهاديين من جند الاقصى والحزب التركماني واحرار الشام. وبما أن كفريا والفوعة الشيعيتين ستكونان محطة ضمن المرحلة الاولى، إن نجحت، فإن النظام لن ينسى نبل والزهراء الشيعيتين ايضا بريف حلب، كما سيحاول إكمال ما بدأه قبل اشهر باكمال تطويق حلب المدينة، خاصة أن ميليشيات الاكراد المسيطرين على حي الشيخ مقصود على الخاصرة الشمالية للمدينة قد يسهلون له الامر، بعد خلافاتهم الاخيرة المتصاعدة مع فصائل الجيش الحر الضعيفة داخل حلب المدينة، التي عجزت على مدى العام الاخير من وقف التفاف النظام واكمال تطويقه لحلب من الشرق نحو حي الشيخ نجار، فالسجن المركزي، ليظل طريق الكاستلو هو المعبر الوحيد تقريبا الذي يصل حلب بريفها الشمالي، وهو الان تحت السيطرة النارية للميليشيات الكردية..

وهذه الميليشيات نفسها هي من تتعاون مع النظام بكسر حصار قريتي نبل والزهراء الشيعيتين بالريف الشمالي لحلب، وقد يهدف النظام لكسر الطوق المفروض عليهم من القرى السنية، بفتح طريق إمداد من شمال حلب المدينة، وقوات النظام لا تبعد إلا بضعة كيلومترات عنها الان في قرى الريف الشمالي. وقد تكون مهمة النظام هنا اسهل، خصوصا إن ظلت الفصائل الجهادية القوية بعيدة عن الريف الشمالي لصالح فصائل الجيش الحر بحلب، كفيلق الشام الذي كان يخطط لإقامة منطقة عازلة، ولكنه على العكس من ذلك فقد عددا من القرى لصالح «تنظيم الدولة» في مؤشر جديد على تراجع اداء فصائل الجيش الحر التي تبدو أقل تماسكا وقدرة قتالية، ولم تعتد خوض معارك شرسة مع النظام من غير مؤازرة الجهاديين، كما كان يحدث في ريف حلب الشمالي، خصوصا من قبل جيش المهاجرين والانصار الذي بايع النصرة مؤخرا.

في القلمون سيحاول مقاتلو حزب الله إزالة الجيوب الباقية لجبهة النصرة و»تنظيم الدولة»، لتأمين الشريط الحدودي تماما مع لبنان، وإن نجح بهذا سيكون قد انهى اي خطر يهدد الخاصرة الشمالية الغربية للجيب الحيوي للنظام، دمشق حمص اللاذقية.

الموقع الثالث الذي سيسعى النظام والروس لتأمينه هو ريف حمص، فشمالا ما زالت تلبيسة والرستن صامدتين خارج سيطرة النظام، رغم حصارهما.. وتوجد فصائل النصرة والاحرار والجيش الحر شمال حمص.. وايضا تعيش تلك الفصائل نزاعات كبيرة، خصوصا بعد اغتيال اثنين من اعضاء الهيئة الشرعية وقيادي بالجيش الحر بتلبيسة والزعفرانة، نتيجة صراع مع فيلق حمص.. أما شرق حمص المفتوح نحو بادية الشام، فيسيطر «تنظيم الدولة» على عدة مواقع، مستندا إلى تحالفاته العشائرية مع سكان تلك القرى من النعيم والعقيدات والفواعرة. ولكن هناك عقدة اخرى في ريف حمص قد تشكل خطرا على جيب دمشق حمص اللاذقية، اللاذقية جنوب حمص، وهي بلدة القريتين جنوب حمص، وهي اقرب نقطة وصلها «تنظيم الدولة» من شرق حمص وتكاد تطل على الطريق الواصل بين دمشق وحمص، والاهم انها معبر محتمل لـ»تنظيم الدولة» غربا نحو القلمون، ومن ثم نحو شمال لبنان.. لذلك تبدو بلدة القريتين وقربها تدمر وحقول نفط الجزل هدفا محتملا للعملية الروسية، نظرا لموقعهما الحساس شرق الجيب الحيوي دمشق حمص اللاذقية.

وان تمكن النظام بمعاونة القوات البرية التي ستدعمه من ايران وحزب الله، والجوية من روسيا من تحقيق انجاز في هذه المواقع الثلاثة، فإنه قد يبدأ في مرحلة ثانية قد تتــــداخل بدايتها مع نهاية المرحلة الاولى، وستركز على توسيع الحــــزام الآمن حول دمشق، ومحاولة خلخلة التركيبة الديمغــــرافية ذات الكثافة الســــكانية السنية في الريف، التي تشكل عبئا امنيا يقلق مركز النظــــام في دمشق، وسيخطط النظام للاستــحواذ على مناطـــق الريف بعقد المزيد من الهدنات، بصفقات التجويع التي طبقــــها قبل ذلك، او بتطبيق سياسة الارض المحروقة في بلدات الريف الصامدة، بدءا من دوما حتى اليرموك والمعضمــية.

كما سيهدف لتثبيت محاصرة حلب المدينة، وتوسيع مناطق نفوذه في درعا وابعاد المعارضة عن مركز المحافظة..

وفي المرحلة الثالثة، وبعد أن يكمل النظام تأمين الجيب الحيوي (دمشق حمص حماة اللاذقية) سيتجه النظام لاستعادة المناطق البعيدة عن هذا الجيب، في الرقة ودير الزور وشمال حلب.. وهذا طبعا إن تمكن النظام من تحقيق إنجاز حقيقي وثابت في المرحلتين الاولى والثانية، وهو امر لا يبدو يسيرا.

 

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي

 

 

 

 

 

سيناريوهات أميركية سوريّاً وعراقيّاً… تسليم موسكو لتوريطها/ عثمان المختار

في ظلّ الأحداث المتسارعة في المنطقة عموماً، والعراق وسورية خصوصاً، لا يمكن إغفال الربط بين إعلان موسكو عن تحالف عسكري رباعي في العراق وسورية، يضم كُلاًّ من إيران والعراق وسورية وموسكو لاستهداف الجماعات الإرهابية، مع مرور عام كامل على بدء قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن عملياتها العسكرية الجوية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في كلا البلدين، من دون أن تحرز أي تقدم ملموس على الواقع الميداني.

صعّدت موسكو منذ يونيو/حزيران الماضي، حدّة انتقاداتها للتحالف الدولي، متهمة إياه بالفشل وتعقيد الأزمة في العراق وسورية، لتقوم، أخيراً، بإنشاء جسر جوي علني لدعم الرئيس السوري، بشار الأسد، بالأسلحة والصواريخ والمعدات العسكرية المختلفة عبر العراق، الذي التزم الصمت حيال ذلك، على الرغم من التنديد العربي والدولي لدعم حكام دمشق.

في العراق، بدا المشهد فاضحاً، إذ رحّب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بما وصفه بـ”الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب”، ومنها الجهود الروسية، فاتحاً الباب أمام مناقصة على بلده لمن يتدخل ويضرب من دون تكرار مصطلح “السيادة الوطنية”، الذي دأب على قوله في كل خطاب محلي أو دولي، يرافق ذلك ترحيب عال من مراجع دينية ومليشيات وقيادات التحالف الوطني العراقي، بالتدخل الروسي الإيراني، وصولاً إلى حدّ المطالبة بإزاحة التحالف الأميركي والإبقاء على الروسي بعد عام من الفشل.

هنا، تقفز سيناريوهات أو فرضيات عدّة للتدخل الروسي، مستقاة من واقع الأرض السورية والعراقية وسرّ الموافقة أو الصمت الأميركي الغريب، وربطها بتقارير تتحدث عن توقّف مفاجئ أو تجميد لجهود الجيش الأميركي في استعادة الأنبار من قبضة “داعش”.

سيناريو التوريط

وفقاً لبيانات ومعلومات رسمية، فإنّ التحالف الدولي، بدأ أولى ضرباته في العراق، في 19 سبتمبر/أيلول 2014، أعقبها بأربعة أيام فقط، بدء عملياته في سورية، بتاريخ 23 سبتمبر/أيلول من العام ذاته. بلغ عدد الدول التي شاركت في التحالف 63، من بينها 13 دولة تشارك بشكل فعلي مباشر، أبرزها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وألمانيا، وإيطاليا، وبولندا، وأستونيا، وإسبانيا، وفرنسا، وأستراليا، والدنمارك، وألبانيا، بينما تشارك الدول الأخرى بمساعدات لوجستية عسكرية أو مالية أو على مستوى التدريب والاستشارة للقوات العراقية. وأخيراً، انضمت منظمات دولية للتحالف بشكل رسمي للمساعدات الإنسانية، كبرنامج الأغذية العالمي، والمفوضية العليا السامية لحقوق الإنسان، واليونيسف، والجامعة العربية.

نفّذ التحالف الدولي، في العام الماضي، أكثر من 19 ألف طلعة جوية في كلا البلدين، منها 14 ألف غارة جوية، نتج عنها قصف أهداف محددة أو مرسومة مسبقاً، والأخرى تراوحت بين عمليات إمداد عسكري ومراقبة جوية وإمداد مقاتلين محليين بواسطة مناطيد تحمل شحنات ذخيرة وعتاد، أسفرت، وفقاً لإحصاءات غير رسمية، عن تدمير أكثر من سبعة آلاف هدف لتنظيم “داعش” في كلا البلدين، تراوحت بين مقارّ ومبانٍ تابعة لهم ومواضع وتجمعات مسلحة وحواجز تفتيش وخطوط أمامية خلال المعارك. كما أسفرت تلك الغارات عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن أربعة آلاف عنصر من “داعش”، كما قتل وأصيب مئات المدنيين العراقيين والسوريين.

خسر التنظيم في العراق، عام 2014، في إثر عمليات التحالف، 2 في المائة فقط من مجمل المساحات التي يسيطر عليها، والبالغة نحو 182 ألف كيلومتر، ما يعادل 40 في المائة من مساحة العراق الإجمالية. بينما ارتفعت نسب المساحات التي يسيطر عليها في سورية، خلال عام 2015، إلى مستوى قياسي، بعد سقوط مدينة تدمر وبلدات مجاورة لها وبلدة القريتين والطاسة والجزء الجنوبي من محافظة دير الزور، فضلاً عن احتلاله تسع قرى كردية قرب الحسكة، بالإضافة إلى استمرار فرض التنظيم سيطرته على حقول نفط مهمة شمال العراق وشرق سورية.

تبيّن هذه النسب أنّ التحالف الدولي، بالفعل، لم يكن عند مستوى الآمال الدولية، كما أنّ بقاءه على هذا النحو، لن يغيّر شيئاً في المعادلة، مع استمرار نجاح “داعش” بفرض نظرية الاستبدال والتعويض، وهما نظريتان باشر التنظيم بتطبيقهما، تقومان على تعويض قتلى التنظيم بمقاتلين جدد، واستبدال الذين يهاجرون من السكان المحليين، بعوائل المقاتلين القادمين حديثاً للانضمام إليه، من أوروبا.

مقابل ذلك، سعى الأميركيون إلى توريط الروس بالملفين العراقي والسوري بشكل أكثر علنية، وكسب موسكو استعداء أكثر للشعوب في المنطقة، من خلال إظهارها على أنّها المدافع الأول عن مصالح إيران في المنطقة ومحاولتها تثبيت نظام الأسد. ووفقاً لتاريخ الروس العسكري، يتّضح أنّ التدخل الجوي، سيكون البداية، وسيكون تورّطهم في المستنقع برّاً، مع قناعة الولايات المتحدة بأنّهم لن يحققوا شيئاً، مع محاولة أميركية للفت أنظار التنظيمات المتطرفة إلى الشرق، بدلاً من تركيزها على استعداء واشنطن ولندن، كما دأبت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ونقل هذا العداء إلى مرحلة أولوية الجماعات الإرهابية، هي موسكو، وهو ما أكّده عدد كبير من المراقبين، الذين اعتبروا هذا السيناريو واقعياً، وإن لم يكن الرئيسي، فهو ثانوي.

في هذا الصدد، كتب الصحافي توماس فريدمان، مقالاً في “واشنطن بوست”، أكّد فيه، أنّ “بوتين ذهب بغباء إلى سورية، متطلعاً إلى حلوى رخيصة، ليظهر لشعبه أنّ روسيا لا تزال قوة عظمى. بوتين الآن يقف فوق الشجرة، ويجب على الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ووزير خارجيته، جون كيري أن يتركاه هناك، لمدة شهر، ليقاتل داعش وحده هو والأسد، ويتفرجان عليه، ليصبح العدو رقم واحد للعالم السنّي”.

يمكن التسليم بأنّ الروس يسعون، اليوم، إلى تحقيق نصر عجز عنه الأميركيون وحلفاؤهم، طيلة عام كامل، مما سيجرّ الروس إلى توسيع مؤكد لطبيعة تدخلهم العسكري، الذي لن ينتج عنه سوى مزيد من الدمار وقتل المدنيين، إذ يحتلّ الروس، المرتبة الأخيرة في دقة التصويب الجوي مقارنة بالجيوش الغربية، فضلاً عن همجية الآلة العسكرية التي سبق أن سجّلت جرائم في أفغانستان والشيشان ودول أخرى، في القرن الماضي.

لذا، فإنّ سيناريو التوريط الأميركي للروس، اكتمل، وقد يدفع ذلك إلى فتح محادثات جديدة لبحث مصير الأسد، وإن بشكل مختلف. في هذا الوقت، سيظهر الأميركيون أكثر قرباً من تطلعات شعوب المنطقة أو قاعدتها الجماهيرية، التي تؤيد إسقاط الأسد ودعم فصائل المعارضة، كمرحلة أولى قبل القضاء على “داعش”.

سيناريو التسليم

يرى مراقبون أنّ الولايات المتحدة قرّرت تسليم الملف السوري إلى موسكو وإشراكها في الملف العراقي، مما يمكّنها من التعامل بشكل أكثر حرية وراحة مع جهة واحدة قادرة على اختزال أو جمع كل الأطراف المعادية في مسمى واحد. كما سيكون التفاهم مع الروس وحدهم كافياً أو يعوّض عن التحاور مع إيران والمليشيات والتحالف الشيعي وحزب الله اللبناني الذين يحرجون واشنطن، في إعلانها أمام شركائها، عن عدم قدرتها على التفاهم مع تلك الأطراف، خصوصاً، أنّ الرأي العام الأميركي ينتقد أي تقارب مع مليشيات “الحشد الشعبي” العراقي.

بناءً عليه، وبحسب المراقبين أنفسهم، أمام الأميركيين فرصة للتفاهم مع الشريك الواحد (روسيا) من دون الحاجة إلى تعدد المفاوضات مع شركاء عدة، فتربح واشنطن، بذلك، فرصة ادّخار جزء من جهود قواتها الجوية، من خلال استبدالها بالغارات الروسية في العراق وسورية، أو الإبقاء عليها لزيادة الضغط على “داعش”، وعدم خسارة نفوذها في أي من البلدين، في الوقت الذي يتم فيه الاتفاق على السيناريو الروسي المطروح بقوة والمتضمن حماية وتأمين دمشق والساحل السوري وإبعاد فصائل المعارضة و”داعش” عنهما.

ويتم الانتقال في ما بعد، إلى الجزء السياسي، الذي سينتهي برحيل الأسد، ثم دعم حكومة جديدة في البلاد لاستعادة باقي المدن السورية. في المقابل، سيكون السيناريو العراقي مختلفاً تماماً، ويكمن في مزيد من الإصلاحات وإشراك حقيقي للسنة وإقرار قانون الحرس الوطني، الذي يتضمن تشكيل قوة سنيّة، تتولى تحرير وحماية مناطقها.

لكن إلى حين تحقيق هذا السيناريو، يظهر سيناريو آخر في الداخل الأميركي، وهو انتقاد الجمهوريين لإدارة أوباما، في اليومين الماضيين، حول ما وصفوه بـ”ضعف أداء، تسبّب بتراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، معتبرين أنّ خطوة روسيا كانت مفاجئة للأميركيين وتمثل انتصاراً أو هدفاً تسجّله موسكو في مرمى واشنطن، من خلال تدخلها السريع والمذهل في المنطقة العربية من دون استشارة أو مراجعة القوى الدولية الموجودة على الأرض هناك، مما أفقد واشنطن القدرة على التصرف حياله، باستثناء التفرج أو الترحيب به بشكل سطحي إزاء القوة، التي ظلّت لسنوات طويلة مهمّشة أمام القوة الأميركية خصوصاً، منذ احتلال العراق في مارس/آذار 2003.

ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة تسعى الآن إلى تدارك الموقف سياسياً عبر المباحثات، التي من المتوقع أن تجري خلال أيام بين الجانبين الأميركي والروسي، وفقاً لما أعلن عنه مسؤول أميركي بارز، وهو ما يفسر التصريحات الأميركية المتناقضة بين ترحيب وتحفظ ومهاجمة للخطوة الروسية بشكل لم تألفه الساحة السياسية الأميركية من قبل.

ويرى المراقبون أنفسهم أنّ ما يجمع المواقف الغربية مع روسيا، حيال الأزمة السورية والعراقية، أكثر مما يفرقهما، بدءا من الحرب على الإرهاب والقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية”، ومخاوف استمرار تدفق اللاجئين إلى أوروبا وفوبيا ولادة خلايا جديدة تهدّد أمن المنطقة، ليبقى التوقيت الزمني لتوقف سيل الدماء في كلا البلدين مجهول المصير.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

حرب “مقدسة” على ملايين السوريين/ محمود الريماوي

في سياق تنفيذ التوجهات الروسية الفعلية في سورية، قام الطيران الروسي، قبل ظهر الأربعاء، الثلاثين من سبتمبر/أيلول الماضي، بأولى عملياته الجوية، مستهدفا خمس مناطق حول حمص. العملية الجوية أودت بحياة 36 مدنياً من المحاصرين منذ نحو عامين. ويأتي سقوط هؤلاء الضحايا متسقاً مع خط بياني مستقر للاستهداف المنهجي والمنظم للمدنيين السوريين، منذ شرع النظام في شن حربه على شعبه. وبما أن هناك تلاقياً في الرؤى والسياسات بين موسكو ودمشق، لم يكن غريباً أن يلتزم الطيران الروسي بأمر العمليات الثابت والدائم باستهداف المدنيين باعتبارهم “حاضنة للإرهاب”. وعلى النحو نفسه، جرى ويجري، وبأسلحة روسية، تدمير المدن التي توفر “بيئة للإرهاب”. وتم قذف عشرة ملايين سوري خارج الحدود، مع مطاردتهم بالمقاتلات والشتائم، لأنهم “دواعش يؤيدون الإرهاب”. وحدث، خلال 54 شهراً من هذه الحرب، أن قضى نحو عشرين ألف طفل سوري (بعضهم تحت التعذيب)، لأن هؤلاء مرشحون لأن يصبحوا، في مستقبل الأيام، “ارهابيين”. والقضاء على الإرهاب، في منظور النظام، يستلزم فعل كل شيء، بما في ذلك العمل على إبادة أغلبية الشعب واستئصالها. والقيادة الروسية، كما ثبت من شواهد عديدة، معجبة بهذا التحليل، وما يرافقه من أداء عسكري ضد كل مظاهر الحياة والطبيعة والعمران في سورية (خارج مناطق “سورية المفيدة”).

تبين للقيادة الروسية، وقبلها القيادة الإيرانية، أن الاستغناء عن غالبية الشعب السوري أمر حيوي من أجل تثبيت تحالف بلديهما في وجه الغرب. ويجري استخدام عبارة الحرب على داعش والتكفيريين كلمة سر معلنة، لخوض حرب ضارية، بمختلف أنواع الأسلحة، وبلا توقف، ضد المدنيين والمرافق المدنية، بما فيها دور العبادة والمستشفيات والمدارس والأسواق الشعبية. أما داعش نفسها فكنز استراتيجي، يجري استثماره والحفاظ على وجوده، من أجل استكمال “الحرب المقدسة” على السوريين، بأغلبيتهم المسلمة، وبما يتعدّى هذه الأغلبية من الطوائف والأقليات الأخرى التي تعترض على هذه الحرب، وتنشد الحرية والكرامة والسلام لشعبها. وجدت القيادة الإيرانية مبكراً، في المنظور الطائفي المذهبي، مدخلاً صالحاً، لخوض هذه الحرب والتعبئة “الثورية” من أجلها. أما داعش فمتروكة في مركزها، وقد تركها النظام أكثر من عام في الرقة، كي تثبت أقدامها. الميليشيات الإيرانية، ومنها ميليشيا حزب الله وأبي الفضل العباس وغيرها، تقاتل المعارضة المعتدلة وبيئة “الإرهاب”، والمقصود السوريين السنة في أماكن إقامتهم، حتى لو كان بينهم من ينتمون إلى طوائف أو أقليات أخرى.

الخطابات المتناسلة للقيادة الروسية حول الحملة على داعش والإرهاب، لا يُراد منها محاربة

“تبين للقيادة الروسية، وقبلها الإيرانية، أن الاستغناء عن غالبية الشعب السوري أمر حيوي من أجل تثبيت تحالف بلديهما في وجه الغرب” هذا التنظيم الإرهابي، كما يدل الواقع وتوضح الوقائع، إلا هدفاً متأخراً ومفترضاً، أما الهدف الأول والأكبر فهو فك عزلة النظام ومكافأته على الحرب التي يشنها على شعبه، بإقامة تحالف دولي واسع، يشارك فيه هذا النظام، كما لا تكتم القيادة الروسية ذلك، وهي التي كانت قد رفضت قيام تحالف دولي إقليمي ضد داعش، وترفض، حتى الآن، الانضمام إليه، ذلك أنها، في واقع الحال، معنية بأمر آخر، بالغنيمة الذهبية التي حازتها بتوسيع وجودها العسكري وتثبيته على الأرض السورية، ومن دون قيد أو شرط عليه. وخلال ذلك، تخوض حرب النظام العسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية ضد حقوق السوريين في الحياة والحرية والعدالة والكرامة، باعتبار هذه الأهداف تنتمي إلى عالم الإرهاب.

جرّب السوريون، على مدى الأعوام الأربعة الماضية، الأسلحة الروسية من طائرات ميغ وسوخوي وصواريخ غراد وسام. وبهذه الأسلحة، تم تدمير حماة وحلب وحمص ودير الزور ودرعا ريف دمشق، وها هم الروس بأنفسهم قد أتوا بأسلحة أكثر تطوراً، لتقويض ما تبقى من مظاهر الحياة والعمران، وللفتك بمن تبقى من السوريين، جنباً إلى جنب مع قوات النظام. وتجري تسمية هذه الحرب بأنها حرب على الإرهاب، وهي شبيهة بالحروب الاستعمارية في القرن التاسع عشر، وبحروب المستوطنين الأوربيين في أميركا وأستراليا وكندا ونيوزلندا على السكان الأصليين في القرن السابع عشر، وبالحرب الصهيونية البريطانية على شعب فلسطين.

تضيف الاستهانة المطلقة بأرواح مئات آلاف البشر في هذه الحرب على السوريين العنصرية إلى البربرية، فقد استقر، في أذهان القائمين على هذه الحرب، أن وجود الشعب السوري، بأغلبيته الغالبة، غير مفيد، ومن الحيوي الاستغناء عنه، والتخلص منه، وتسمية هذه الحرب بأنها حرب على الإرهاب. وبما أن لدى البشرية حساسية شديدة ضد الإرهاب، وبما أن الإرهاب يلتصق بالمسلمين السنة دون غيرهم، وبما أن السوريين، في غالبيتهم، مسلمون سنة، فسوف تكون هذه الحرب، من الناحية الدعائية، سهلة، ويجب أن تجمع روسيا وإيران والغرب معا، بما يفيد في النتيجة باعتراف غربي بمناطق النفوذ الإيرانية والروسية في الشرق الأوسط. وهكذا، تتم هزيمة أميركا والغرب بإزاحة عقبة الشعب السوري الذي يزعج النظام في بلده. ويتاح لإيران خوض حربها المقدسة التي طالما منّت النفس بها، الحرب ضد أكثرية المسلمين (مليار مسلم فقط) مرموزاً لهم بالسنّة في سورية واليمن، الذين تساندهم المملكة العربية السعودية وقوى سنيّة أخرى. مع السعي، في الأثناء، إلى اجتذاب قوى سنيّة، وإقامة علاقات معها، مثل حركة حماس، أو القاهرة، على الرغم من التباعد بينهما، من أجل التغطية والتمويه، ونفي العامل الطائفي المذهبي (الحاضر بقوة وسطوع) عن هذه الحرب “المقدسة”. وقد لوحظ أن طهران انفردت بين دول العالم، ورحبت ترحيباً حاراً، الأربعاء الماضي، بالغارات الجوية الروسية التي قتلت عشرات المدنيين.

في هذه الأثناء لا تمانع القيادتان، الروسية والإيرانية، في الحديث عن أن الشعب السوري هو من يقرر مصير الحكم في بلاده. إبادة الشعب واقتلاعه وتشريده، ثم الاحتكام اللفظي إليه! استخدام هذه العبارة مفيد، لأنه يتماشى مع مفهوم كوني عالمي، فلماذا لا تُستخدم؟ البشر كثيراً ما يتوقفون عند الألفاظ والعبارات والتصريحات والأقوال، بأكثر من تركيزهم على الوقائع والممارسات والمجريات. وبهذا، من المفيد والحيوي خداعهم بمثل هذه العبارة، وبغير أن تتوقف الحرب المقدسة على ملايين المدنيين السوريين. وهذا ما دأبت عليه طهران وموسكو.

سوف يذكر التاريخ، ابتداء من مقبل السنوات القريبة، أن القيادة الروسية خاضت حرب إبادة وتطهير ضد شعب عربي عريق، وأنها ألحقت إساءة بالغة جداً، وضرراً جسيماً بالعلاقات الروسية العربية، وانتهجت نهجاً استعمارياً ضد شعب بريء ومضطهد، في زمن طوى فيه العالم الحقبة الاستعمارية، واعتبرها من الشرور الأخلاقية الواجبة التصفية.

العربي الجديد

 

 

 

 

روسيا والغرب والصراع على سورية/ عبد النور بن عنتر

حقّقت روسيا اختراقات في صراعها مع القوى الغربية حول أوكرانيا، وها هي بصدد تحقيق اختراقات مماثلة في سورية، بعد بداية قصفها الجوي مواقع داعش فيها. كان المشهد في سورية واضحاً بعض الشيء: روسيا تدعم النظام، لكنها غير مستعدة للتدخل المباشر لإنقاذه. وبالتالي، عملت على مساعدته في وجه معارضيه في الداخل، وعلى حمايته من أي تدخل خارجي (غربي). أما الدول الغربية الكبرى فتدعم القوى المناوئة لنظام الأسد، وتساعدها مالياً وعسكرياً، حتى تربح المعركة وتتخلص منه، لكنها غير مستعدة، هي الأخرى، للتدخل مباشرة في الصراع لإسقاط نظام الأسد، بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور في العراق وليبيا، بعد التدخل العسكري الغربي فيهما، فضلاً عن ثقل سورية وموقعها الجغرافي (لاسيما حدودها مع إسرائيل). هكذا تحولت الثورة في سورية إلى حرب مسلحة، حَوَّلت بدورها البلاد إلى ساحةٍ لعبث الصغار من الدول الإقليمية والكبار من القوى الدولية. وتشهد سورية حالياً صراعاً بالنيابة بين روسيا والغرب، تقوم به الأطراف السورية المتناحرة.

هكذا كان المشهد المعقد يبدو بسيطاً للفهم، إلا أن دخول التنظيمات الجهادية على الخط، مثل جبهة النصرة (المنضوية تحت لواء القاعدة)، وخصوصاً داعش، أفسد المشهد وزاده تعقيداً وغيَّر من المعادلة السائدة: الصراع بين الخير والشر (كل طرف يقول إنه يجسد هو وحلفاؤه الخير، فيما يجسد الطرف الآخر وحلفاؤه الشر. هذا فحوى خطاب الغرب وروسيا). لكن، بقدر ما عكر داعش أجواء الصراع، وعقّد الأمور للأطراف السورية والدولية المتصارعة، بقدر ما منح للأخيرة فرصة التدخل من دون أي إشكالية وأي إدانة. فمن يتجرأ أخلاقياً، أو سياسياً، على إدانة التدخل ضد الإرهاب والجماعات الإرهابية؟ ومن يفعل سيُتهم بتمجيد الإرهاب، وقد يُلاحق قضائياً. فإذا كان هناك دين عالمي، اليوم، لا تُضاهى قداسته، فهو دين مكافحة الإرهاب (مع العلم أن مضامين الإرهاب محل خلاف).

هكذا بدأت القوى الغربية في التدخل في العراق، وجزئياً في سورية ضد داعش، مؤكدة أنها لا

“إذا كان هناك دين عالمي، اليوم، لا تُضاهى قداسته، فهو دين مكافحة الإرهاب” تريد تدعيم نظام الأسد، وإنما محاربة الإرهاب، لكنها عملياً تعمل على إسقاطه، إذ تتدخل ضده بطريقة غير مباشرة، وبكل شرعية، حسب “شرائع” مكافحة الإرهاب. فمن المعلوم أن داعش تقاتل الفصائل السورية المعارضة (لاسيما الجيش الحر أو ما تبقى منه) والتنظيمات الجهادية الأخرى التي ترفض الانضواء تحت رايتها أكثر مما تقاتل الجيش النظامي، وإن كان التنظيم قد أحرز تقدماً جغرافياً، في الأشهر والأسابيع الأخيرة، على حساب القوات النظامية، لاسيما في تدمر وما جاورها. ومن ثم فضرب داعش يعيد رسم خريطة المعارك في سورية، بشكل يسمح للقوى المعارضة للنظام بالقتال على جبهة واحدة بدل جبهتين. إذن، ضرب داعش لا يخدم النظام، وإنما يضر به. بيد أنه إذا كان نظام الأسد لا يستفيد بالضرورة عسكرياً من قصف داعش، فإنه يستفيد منه رمزياً، لأنه يقول هو الآخر بمكافحة الإرهاب. وبما أن الضربات الجوية لن تأتي أكلها من دون تدخل بري، فهو يراهن على شرخٍ في الإجماع السياسي في الدول الغربية، خصوصاً أن الأصوات تتعالى، في الأخيرة، منادية بضرورة التعامل مع النظام، للتخلص من داعش.

أما روسيا فتتكلم، هي الأخرى، اللغة الدينية نفسها، فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. لذا، تعيد ترتيب أوراقها في سورية عبر بوابة مكافحة الإرهاب وداعش تحديداً، متبنية الخطاب الغربي نفسه: علينا ضرب إرهاب داعش في سورية، قبل أن يصل إلى بلداننا. فقررت التدخل الجوي، هي الأخرى، ضد هذا التنظيم. ومباشرةً، بعد أول ضرباتها الجوية في سورية، تحرك الغرب مشككاً في هوية أهداف ضرباتها. وتتفق القوى الغربية والحلف الأطلسي على أن القصف الروسي استهدف مناطق لا يوجد فيها تنظيم داعش. مجرد هذا التشكيك، بغض النظر عن

” صحته أو عدمها، دلالة على حدة الصراع الدائر في سورية بين روسيا والغرب. وهذا يعني أن القوى الغربية تعرف بالتحديد مواقع داعش في سورية. وفي هذه الحالة، لماذا لم تقصفها وتتخلص منها، خصوصاً أن طائراتها العسكرية تقصف التنظيم منذ أشهر، مدعمة، منذ حوالي أسبوعين، بطائرات فرنسية؟ يقود التشكيك في القصف الروسي، عملياً، إلى التشكيك في القصف الغربي: إذا كانت القوى الغربية حددت مواقع التنظيم، لماذا لم تدمرها، خصوصاً أن هذا كان سيعفيها من القصف الروسي وتداعياته؟ أم أن التشكيك مجرد مناورة سياسية، للتأكيد على أن التدخل الجوي الروسي جاء لدعم النظام، لا لمقاتلة داعش (حتى وإن قاتلت روسيا التنظيم)… هكذا توظف داعش، بغض النظر عن خطورتها، أيضاً لخدمة مآرب سياسية واضحة: دعم القوى المعارضة بالنسبة للقوى الغربية، ودعم النظام بالنسبة لروسيا من دون التدخل المباشر في الحرب، أو بالأحرى التدخل، متفرقات بالضرورة، تحت مسميات/ ذرائع أخرى، مكافحة الإرهاب تحديداً.

يعد التشكيك الغربي في أهداف الضربات الجوية الروسية دلالة، أيضاً، على اعتراف ضمني بأن القصف الغربي مواقع داعش في سورية يصب ضد نظام الأسد. وعليه، هي مقتنعة أن القصف الروسي، مهما كانت أهدافه، سيصب لصالح النظام بشكل أو بآخر (مثلاً قصف مواقع داعش المحاذية لمناطق تحت سيطرة الجيش السوري، أو قصف وحدات التنظيم التي تتقدم على حسابه).

قد يكون أيضاً مرد هذا التشكيك تفاجؤ القوى الغربية بدخول روسيا خط قتال داعش جواً. أمر يعقد حساباتها ليس فقط من حيث التموقع حيال نظام الأسد، وإنما لمخاطره العسكرية، أي الاشتباك عن خطأ بين المقاتلات الروسية والغربية في المجال الجوي السوري. لذا، سارعت الولايات المتحدة إلى الاتصال بروسيا، للبحث في الأمر، وعقد اجتماعات بين المسؤولين العسكريين للبلدين، لتجنب حدث من هذا النوع. وهنا، تسجل روسيا نقطة إضافية على حساب منافسيها. فبمجرد البدء في ضرباتها الجوية في سورية، تقرّبت القوى الغربية منها، بعد أن عملت على تهميشها واستبعادها، لتعمل على التنسيق معها. هكذا أعاد القصف الروسي، بغض النظر عن أهدافه وفعاليته، تموقع روسيا، وبقوة، في لعبة الصراع الدولي على سورية. والشعب السوري هو الخاسر الأكبر، خصوصاً أن الأطراف الدولية المتصارعة ستسعى إلى التحييد المتبادل، ما يعني إطالة أمد الحرب، وتحول ضرب داعش من هدف إلى وسيلة لإدارة الصراع.

العربي الجديد

 

 

 

أوروبا العاجزة ضد روسيا/ بيار عقيقي

تحتار أوروبا من أين تبدأ رصّ صفوفها لمواجهة روسيا. لا تبدو الظروف ملائمة لأبناء القارة العجوز الذين فشلوا في وضع حدٍّ لتنامي القوة الروسية، ونفوذها أوكرانياً وسورياً. حاولوا الاستعانة بالأميركي، كي يخوض معاركهم عنهم، من دون أن يتذكّروا أن الجمهوري جورج بوش الابن “تجاهل” الزحف الروسي على جورجيا في أغسطس/آب 2008، في مقابل عدم “مخاطرة” الديمقراطي باراك أوباما في تخطّي خطوطٍ حمراء في علاقته مع الروس.

في الواقع، ما يقوم به حالياً الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سورية، وقبله في أوكرانيا، ناتج عن مراكمة عسكرية طويلة لجيشه، لا تزال مستمرة. يعود كل شيء إلى السنتين الأخيرتين، حين بدأت المقاتلات الروسية تخترق المجالات الجوية للدنمارك والسويد والنرويج وبريطانيا ولاتفيا وإستونيا وليتوانيا بكثافة، من دون أن تلاقي ردّاً كافياً، من نوع أن يقوم الآخرون بشيء مماثل، لافتقارهم إلى “القدرة العسكرية” اللازمة. كما استعرض الروس غواصاتهم وسفنهم أيضاً، من بحر البلطيق إلى بحر الشمال، خارج مياههم الإقليمية. لم تجد موسكو أمامها سوى قارة تخلّت عن أحلامها العسكرية، منذ حطّت القوات الأميركية الرحال فيها بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). تلك القارة، أمضت ربع القرن الأخير من عمر البشرية، تُحصّن اقتصاداتها، وتُزيل العوائق البيروقراطية الفاصلة بين بلدانها، في مقابل العمل الروسي العسكري الدؤوب، للخروج من هزيمة حرب الشيشان الأولى (1994 ـ 1996).

وجّهت روسيا رسائل عسكرية عدة في العامين الأخيرين، لم تعرف أوروبا كيفية مواجهتها، سوى بتوقيع مزيد من العقوبات على الاقتصاد الروسي الذي لاقى، بطبيعة الحال، اعتراضات من الوسط الأوروبي. لم تضرب العقوبات موسكو فحسب، بل أبدى الاقتصاديون الألمان معارضة شديدة للعقوبات على روسيا، بحجّة “انعكاسها السلبي عليهم”. وغني عن التعريف أن وقود حوض منطقة الرور الصناعية الألمانية يأتي من روسيا.

سعت أوروبا إلى الدفع بحلف شمال الأطلسي إلى الواجهة، لضمان “التوازن العسكري” مع الروس، بصورة مشابهة لمرحلة الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، لكن الأميركيين، القوة الأبرز في الحلف، لم يندفعوا كما تشاء أوروبا. وعمدوا إلى تنظيم تدريبات متنوّعة، لا تؤثر في التوازن العسكري بين الأوروبيين والروس. تماماً كما فعلوا في تدريبهم أفراداً محدّدين من فصائل المعارضة السورية، الأمر الذي ظهر فشله في المعارك الأخيرة في الشمال السوري.

لم “ينتبه” الأوروبيون إلى أن ردّ الفعل الأميركي “الخجول” في تدريب المعارضة السورية، وفي الدفع بقوات عسكرية كافية في أوروبا بعد ضمّ الروس شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وفي الطلعات الجوية التي استهدفت تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في الـ15 شهراً الأخيرة، مهّدت، بشكل واضح، للتدخّل العسكري الروسي في سورية. مع العلم أن الطلعات العسكرية ضد “داعش” لم تؤدِّ سوى إلى تمدد التنظيم، بدلاً من محاصرته. تدمر نموذجاً.

لم يدرك الأوروبيون أن الأميركيين لم يعودوا في موقع تعزيز قوة القارة العجوز، كما كان أيام صواريخ “بيرشينغ”، خصوصاً أن العلاقة الأميركية مع روسيا تبقى أفضل بكثير من علاقة الأوروبيين بها. وأن “التعاون العسكري” بين موسكو وواشنطن على خلفية الأزمة السورية تخطّى كل مفاهيم العلاقة غير المباشرة، أيام روسيا بشكلها السوفييتي والولايات المتحدة، نحو علاقة “أكثر تكاملية” حتى الآن.

سيؤدي ذلك إلى دفع الأوروبيين إلى المواجهة مع الروس، على الرغم من صعوبة موقفهم ودقته، في ظلّ الظروف الصعبة التي يشهدونها، لجهة توافد مئات آلاف المهاجرين إليهم، ولجهة عدم وجود قدرة عسكرية أوروبية، خارج إطار التحالف مع الولايات المتحدة، لمواجهة روسيا. ولعلّ عدم تسليم سفينتي “ميسترال” الفرنسيتين إلى روسيا يبدو أقصى ما يُمكن أن تفعله أوروبا في وجه الروس. لكن السفينتين بالذات باتا في عهدة مصر عبد الفتاح السيسي، حليف بوتين. أوروبا الآن في أضعف موقف تاريخي لها.

العربي الجديد

 

 

رقص أممي على قبور السوريين!/ راجح الخوري

كل هذا الاستعراض الكلامي على المسرح الأممي لن يغيّر شيئًا من وقائع المأساة السورية التي تضخ المزيد من القتلى، وقد فاضوا عن 250 ألفًا، والمزيد من

اللاجئين، وقد فاضوا عن 11 مليونًا، بعضهم يموت في أعماق البحار، وبعضهم يذوب في أعماق المجتمعات البعيدة، بينما تغرق الشرعية الدولية ممثلة بقواها

الكبرى فيما يشبه العار!

فلاديمير بوتين اقتحم الأمم المتحدة بأحذيته العسكرية الثقيلة التي كان قد أرسلها عبر جسر جوي وبحري إلى طرطوس واللاذقية، مكرًرا الدعوة إلى إقامة

تحالف جديد لمحاربة «داعش» والإرهابيين، بدت وكأنها مجرد محاولة للتذكير بأن التحالف الدولي الذي سبق أن أعلنه باراك أوباما قبل عام ونيف لم ينجح،

لكنه افتتح عملياته الجوية بقصف المعارضة والمدنيين لا بقصف «داعش»، تماًما كما يفعل النظام!

لكن السؤال: هل التعاون بين روسيا وإيران وسوريا والعراق، يمكن أن يهزم الدواعش، أو أنه انطلاقًا من خلفية تلاوينه المذهبية والممارسات القمعية في سوريا

تحديًدا يمكن أن يعطيهم مزيًدا من الدفع والتوّسع؟

دعونا من الخطب والعراضات الكلامية، وتعالوا لنتأمل في الوقائع الميدانية على الأرض سواء في سوريا أو في العراق:

«داعش» لا يخسر في سوريا، فمنذ إعلان بشار الأسد قبل شهرين أنه يعاني من نقص في عدد قواته، وأنه ينسحب إلى مناطق أكثر أهمية (وهي المناطق

العلوية طبعًا)، لم يتراجع التنظيم الإرهابي، وباستثناء الضربات الجوية المحدودة التي تلقاها على الحدود التركية السورية، فإنه يتقدم نحو حقول جديدة للنفط في

سوريا.

ولكن ماذا سيفعل فلاديمير بوتين الذي أرسل أسرابًا من المقاتلات الحديثة وطواقم من الصواريخ المضادة للطيران إلى طرطوس غير حماية بشار الأسد؟ هل

سيكون أكثر حزًما من باراك أوباما الذي رفض دائًما النزول إلى الأرض؟

قطعًا لا، فها هو يعلن بعد اجتماعه مع أوباما لمدة 90 دقيقة: «فيما يتعلق بمشاركة روسيا نحن ندرس ما هو الشيء الإضافي الذي يمكن أن نقوم به لدعم الجيش

السوري.. لكن لا يمكن أن يكون هناك أي حديث عن أي عملية برية أو مشاركة قوات روسية فيها»!

طبيعي، لأنه يعلم جيًدا أن سوريا ليست الشيشان التي اجتاحها الجيش الروسي ودمر المعارضين الإسلاميين فيها، ولا هي نسخة من القرم المحاذية لحدوده، بل

إنها صيغة جديدة من أفغانستان التي اندحر فيها الروس، ويعرف جيًدا أنها يمكن أن تتحول إلى فيتنام روسية، أو على الأقل أنبار أميركية مكلفة.

و«داعش» لا يخسر في العراق؛ فماذا ستضيف «غرفة التعاون الاستخباري» بين بغداد ودمشق وطهران وموسكو إلى عناصر المعركة؟ في الواقع لن تضيف

شيئًا، فمنذ عام ونيف سقطت الموصل وتبعتها الرمادي، ولم يتمكن حيدر العبادي من تنفيذ برنامج الحرس الوطني، الذي يمكن أن يحيي تجربة الصحوات التي

هزمت «القاعدة» عام 2008، وها هو «الحشد الشعبي» الذي تديره إيران بحوافز مذهبية وتقّدمه على الجيش الوطني يتعثر في معارك استعادة الأنبار؛ فماذا

يمكن أن يضيف بوتين إلى المعركة؟

على «الجبهة» الأميركية (إذا صح التعبير) أو فيما يتعلق بأوباما، ليس من جديد سوى الترهات، فقد كان من المثير، لا بل من المعيب، أن يعلن جون كيري بعد

القمة الأميركية الروسية أن «هناك فرصة لاستخدام نفوذ روسيا وإيران عند الأسد لوقف إلقاء البراميل المتفّجرة ربما مقابل شيء نفعله»، هكذا بالحرف رغم

معرفة أوباما أن الصواريخ الروسية التي وصلت قبل أيام إلى الأسد هي أكثر تدميًرا ودقة من البراميل المتفجرة، ولكن ما الشيء الذي سيفعله أوباما لإبرام هذه

الصفقة الصفيقة؟

يمكن استكمال ملامح الترهات الأميركية عندما يعلن أوباما في اجتماع دولي لمحاربة الإرهاب، عقده على هامش الجمعية العامة، أن هزيمة «داعش» في

سوريا تحتاج إلى قيادة جديدة، وليس من الواضح عن أي قيادة يتحدث، وخصوًصا بعد انكشاف مهزلة البرنامج الأميركي الذي أعلن منذ عام تقريبًا ورصد له

مبلغ 500 مليون دولار، وكان يهدف إلى تدريب 5400 عنصر من المعارضة المعتدلة في السنة ولمدة ثلاث سنوات، لكن تبيّن أنه مجرد وهم، أولاً لأنه بطيء

جًدا باعتراف قيادات عسكرية أميركية، ولأن التدريب لم يشمل سوى العشرات، ثم لأن «الفرقة 30»ُهزمت فور دخولها إلى سوريا أمام «جبهة النصرة» التي

قمة الترهات الأميركية جاءت على هامش اللقاء بين بوتين وأوباما، وخصوًصا بعدما وجهت الإدارة الأميركية الانتقادات إلى روسيا، لأنها ترسل الأسلحة

والجنود والخبراء العسكريين إلى طرطوس، في حين أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها ستتوقف لفترة عن تدريب مقاتلي المعارضة السورية وتسليحهم، حتى

مراجعة هذا البرنامج والنتائج الهزيلة التي حققها، والمثير أن البرنامج لم يشمل سوى مجموعتين من 54 و70 مقاتلاً، في حين تتحدث واشنطن عن 30 ألف

إرهابي التحقوا من الغرب بـ«داعش».

ربما زيادة في السخرية تعّمدت الإدارة الأميركية أن تعلن قبل ساعات من القمة بين بوتين وأوباما، أنها فرضت عقوبات على عدد من كبار قادة تنظيم داعش

وشخصيات مالية، وصنّفت جماعات إضافية وشخصيات على أنهم مقاتلون إرهابيون أجانب، ولم تتردد وزارة المالية في الإعلان أنها «تظل على موقفها الذي

لا يلين بشأن محاصرة (داعش) ماليًا»، هكذا بالحرف، ولربما لا يستطيع أبو بكر البغدادي وجماعته من الذبّاحين أن يناموا بعد هذا الإعلان!

أوباما وبوتين اختلفا جذريًا على عقدة الأسد التي أفشلت الحل السلمي منذ ما قبل مؤتمر «جنيف 1»؛ ففي حين يقول أوباما إن الأسد طاغية وقاتل أطفال، وإنه

لا مكان له في المرحلة الانتقالية، يقول بوتين إن عدم التنسيق مع الأسد والجيش السوري خطأ فادح، ولكن النتيجة الموضوعية للموقفين متشابهة رغم

الاختلاف، ذلك أن بوتين يضع السوريين أمام خيار قاتل، وهو إما ديكتاتورية الأسد وإما الإرهاب، وهو الخيار عينه الذي عكسته سياسة أوباما منذ البداية،

عندما ترك الشعب السوري يُذبح بين نارين؛ نار النظام الديكتاتوري، ونار التنظيمات الإرهابية الزاحفة إلى سوريا.

بوتين يتفوق في الفظاظة عندما يقصف المعارضة، ولا يتردد في القول إن مصير الأسد يقرره الشعب السوري الغارق إما في الدم وإما في البحار، لأن الأسد

هو الذي يقرر مصيره البائس بدعم من روسيا وإيران، ووسط تصفيق خبيث من أوباما.. مفهوم؟

 

 

 

عالم ما بعد بوتين/ إميل أمين

حكًما، إنها لحظات غير عادية تلك التي يمر بها العالم في الأيام الأخيرة، ولهذا قد تحتاج إلى ما هو أبعد من التحليل التنظيري، ولا سيما أن المشهد يبدو ضبابيًا

والمستقبل ملامحه غير واضحة، غير أن الحقيقة المؤكدة هي أننا أصبحنا في «عالم ما بعد بوتين»، سواء اتفقنا مع الرجل أو افترقنا عنه.

في نهاية ثمانينات القرن الماضيُخيّل للجميع أن عالم ما بعد غورباتشوف وتفكك الاتحاد السوفياتي، وإعلان بوش الأب عن قيام نظام عالمي جديد، هو نهاية

المخاض، لكن يبدو أن الأميركيين كانوا واهمين، وأن الماضي لا يموت.

من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة وضع بوتين العالم برّمته، وفي المقدمة منه الأميركيون، أمام خيارين؛ إما الطاعون وإما الكوليرا، كما يقول الكاتب

الألماني الخبير في الشؤون الروسية إنغو مانتويفل؛ القبول بالأسد ولو في المرحلة الانتقالية، أو السعي منفرًدا عسكريًا في سوريا لمواجهة «داعش»، وهو ما

جرت به المقادير بالفعل.

هل بوتين براغماتي ذرائعي نفعي؟ وماذا تكون الولايات المتحدة إذن؟ إنه يتعاطى معها بأدواتها ويواجهها بميكانيزماتها على رقعة الشطرنج الدولية.

الأخطاء الأميركية في إدارة المشهد السوري منحت بوتين فرصة ذهبية للتدخل العسكري عبر تخبطها سياسيًا وعسكريًا، وهو مشهد لا يزال مستمًرا، وأقصى ما

قالته واشنطن بعد ضربات بوتين الجوية الأخيرة على لسان جون كيري، إن هناك ترتيبًا ما لجلسة عمل مشترك بين العسكريين الروس والأميركيين لتفادي

حدوث مواجهات بين الجانبين.

لم تكن الأهداف الاستراتيجية الأميركية غائبة يوًما عن عيون بوتين، فواشنطن لا تزال ماضية قدًما وإن ببطء في طريق تحقيق استراتيجية المحافظين الجدد

الموضوعة في نهاية التسعينات بشأن القرن الأميركي بامتياز، ولاحقًا التوجه الاستراتيجي بشأن «الاستدارة نحو آسيا».

لم يذهب بوتين إلى سوريا بالكلية ليدافع عن الأسد، الشخوص مهما عظم شأنها لا تمثّل حجر زاوية في استراتيجيات القوى العظمى، بل وراء الأكمة ما

وراءها.. هل أتاك التقرير الصادر عن لجنة «تاسك فورس» التابعة للكونغرس الأميركي الأيام الماضية؟

التقرير يتحدث عن فشل أميركي ذريع في مواجهة تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق، فمنذ عام 2011 دخل المنطقة نحو 250 ألف مقاتل أجنبي،

وخلال الأشهر التسعة الماضية انضم نحو سبعة آلاف مقاتل أجنبي لـ«داعش».. نقل بوتين المعركة إلى الأراضي السورية قبل أن ينقلها الأميركيون له على

أراضي القوقاز وما حولها.

جنرالات العهد السوفياتي القديم الذين لم يغفروا لواشنطن المهانة والمذلة التي عاملتهم بها، من زمن غورباتشوف إلى أوان يلتسين.. هؤلاء قطعًا كانوا من وراء

الستار أداة ضاغطة ضد بوتين الذي لا يريد أن يفقد بريقه المتلألئ في عيون شعبه.

يذهب المحلل السياسي الروسي ديمتري أوريشكين إلى أن بوتين وجنرالاته يدركون أنهم قد تعّرضوا بالفعل لهزيمة جيوسياسية بفقدان أوكرانيا وترانسنيستريا

ودونباس، وعليه فإن المشهد لا يحتمل خسارة وجودهم في الشرق الأوسط وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط في طرطوس.

يستطيع بوتين بوجوده العسكري في سوريا أن يحّسن من موقفه التفاوضي مستغلاً لحظات الاضطراب الأميركي، ومحولاً إياها إلى صفقات ومقايضات في

أوكرانيا خاصة، ولجهة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده من قبل الأوروبيين بداية والأميركيين لاحقًا، وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة ولا شك.

هل الأميركيون آخر من يعلم؟

أخطاء واشنطن تقترب من حد الخطايا، ودائًما تصحو على كوارث تتسبّب فيها الإدارات المتعاقبة منذ وقت طويل، فها هو العراق على سبيل المثال وبوصفه

الخطيئة الأصلية لأميركا المعاصرة، يضحى اليوم مركًزا لغرفة تنسيق استخباراتية لوجستية تجمع الإيرانيين والعراقيين، الروس والسوريين، ومن دون أدنى

شك يقف الأتراك والإسرائيليون في المشهد من وراء الستار مستعدين للتعاون بعد أن فقدوا جزًءا بالغًا من ثقتهم في العم سام.. فلماذا لا يجرب العالم القيصر

بوتين هذه المرة؟

مشهد ما بعد بوتين لا يترك لواشنطن مجالاً آخر غير سياسة التوافقات، وبلغة أوضح التنازلات، فقد انتهى زمن التدخل الأميركي الأحادي في الشرق الأوسط،

وبنفس القدر يستبعد خيار المواجهة العالمية لتشابك المصالح بين واشنطن وموسكو في ملفات أخرى غير شقاقية.

عالم ما بعد بوتين يعني مواجهة مفتوحة مع الغرب عبر مبدأ «خير الدفاع هو الهجوم».

إلى أين يمضي العالم؟

إما إلى إعادة النظر في واقعية ثنائية القوى العظمى وإما إلى طريق مسدود.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

 

سوريا.. إنها الحرب غير المقدسة/ طارق الحميد

لا يمكن أن يكون العدوان الروسي، والإيراني، على سوريا «حربًا مقدسة»، كما نُسب للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي أيدت قرار الرئيس بوتين بالتدخل

العسكري، بل هي مغامرة ذات عواقب وخيمة تنبئ بحالة نفاق صارخ!

طوال الأزمة السورية كان العقلاء يحاولون جاهدين أن لا تنحو الأزمة منحى طائفيًا، وضرورة عدم استخدام الفتاوى، والشعارات المتطرفة، ورغم كل ما فعله،

ويفعله، بشار الأسد، وخلفه إيران، كانت روسيا، ومعها الغرب، يصرون على أن تكون سوريا دولة علمانية يحافظ فيها على حقوق الأقليات، ورغم كل الجرائم

التي ارتكبها الأسد، ومعه إيران، بحق الأغلبية السنية. وقبل يومين فقط قال وزير الخارجية الروسي إنه اتفق مع نظيره الأميركي على ضرورة أن تبقى سوريا

علمانية، إلا أن المفاجأة كانت بإعلان الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تأييدها العدوان الروسي بسوريا، والقول إن القتال ضد «الإرهاب»، والذي لا نعلم ما هو

التعريف الروسي له، خصوًصا بعد قصف الروس للمعارضة السورية، هو «معركة مقدسة»، وإن التدخل المسلح ضروري، كون «العملية السياسية لن تؤدي

إلى أي تحسن ملحوظ في حياة الأبرياء المحتاجين إلى الحماية العسكرية»! وعلى أثر هذا التصريح الذي يظهر تخبط موسكو، سارعت جهات روسية للقول بأن

ترجمة تصريح الكنيسة لم تكن دقيقة! وأي̒ا كانت الترجمة الدقيقة، فإن تدخل الكنيسة خاطئ مثله مثل التهور الروسي.

لماذا تهور؟ الأسباب واضحة، فعندما تفاخر الصحافة الإيرانية بأنها من أقنع الروس بالتدخل في سوريا، من خلال زيارة قاسم سليماني لموسكو، وهو ما تؤكده

صحيفة «الغارديان» البريطانية، التي نقلت عن دبلوماسي مقيم بدمشق قوله إن الإيرانيين أبلغوا الروس أنه «إذا لم تتدخلوا لإنقاذ الأسد الآن فإنه سيسقط، وليس

بمقدورنا دعمه»، الآن، وبعد العدوان الروسي، بدأت التقارير تتحدث عن تدفق مقاتلين إيرانيين إلى سوريا، كل ذلك يعني أن الروس قد منحوا قبلة حياة

للتطرف، والمتطرفين، وخصوًصا عندما استهدف الروس بضرباتهم المعارضة السورية، وليس «داعش»، ويحاولون إنقاذ الأسد، فهل هناك وصفة دمار،

وجنون، أكثر من هذه؟ الروس، وكما قال وزير الدفاع الأميركي: «يصبون الزيت على النار»، كما أنهم «يستعدون السنة»، كما قال أيضا وزير الخارجية

الأميركي. ولذا فإن على الروس الآن توقع ما هو أسوأ من «داعش».

خلاصة القول هي أن هذا التهور الروسي، وإن حقق مكاسب آنية، فإنه لن ينقذ الأسد بمقدار ما سيقود المنطقة ككل إلى كارثة لا تقل عما حدث بأفغانستان إبان

العدوان السوفياتي، وعلينا ألا نتعجب في حال أولم مقاتلو «داعش» وليمة كبيرة، وبحضور سبايا، لزعيمهم البغدادي، احتفالاً بهذا العبث الروسي ­ الإيراني

الذي قدم للتطرف ككل حافًزا لحرب غير مقدسة سببها جرائم الأسد وإيران، والتهور الروسي!

الشرق الأوسط

 

 

 

 

 

روسيا تنازع أميركا نفوذها/ د. نقولا زيدان

إن استعراضنا الموضوعي والهادئ للعناصر الجديدة والتي لم تكن في الحسبان، التي أوجدها التدخل العسكري الروسي المباشر على ارض المعركة الدائرة في سوريا، بمختلف أنواع الأسلحة والمستشارين والخبراء مع ما يتطلبه ذلك من حماية واستعداد وجهوزية يقودنا إلى استنتاجات واقعية ألا وهي أننا حيال أزمة عالمية كبرى. وهذه الأزمة كما تبدو للمراقبين الدوليين الآن تشي بوصولها إلى ذروتها في المستقبل القريب.

 

ذلك أننا لم نعد الآن في مواجهة تاريخية مع تدخل إيراني واسع متعدد الوجوه ابتداء بتحول العراق إلى محمية إيرانية بغض نظر أميركي وتدخل عسكري إيراني مباشر في سوريا ليس حزب الله سوى أحد تعبيراته وهيمنة ذلك الحزب على الوضع اللبناني فحسب، بل حيال يمن يشهد معارك متواصلة في مواجهة حلفاء إيران، بل تجدنا في اللحظة التاريخية الراهنة بمواجهة تدخل عسكري سافر لدولة عظمى هي روسيا.

 

إن سياسة المراوحة والتردد بل التخاذل لحدّ التلاعب والتسليم بالإخفاق التي دأب باراك أوباما على التخبّط في وحولها المدمرة، منذ اندلاع الثورة السورية هي التي قادتنا إلى هذا المنعطف المصيري الخطير. ولا حاجة لنا هنا أن نستعرض المحطات والمفاصل لهذه السياسة حيال منطقتنا العربية منذ بزوغ الربيع العربي والإطاحة في أقطار عربية متعددة بأنظمة العسكر والاستبداد، ذلك الميراث الكارثي الذي رسمه هنري كيسنجر منذ عقود لكثير من بلدان العالم الثالث. فالمعارضة الثورية السورية دفعت ثمناً باهظاً من وحدة صفوفها ووضوح برنامجها المرحلي بل من حياة ومستقبل الشعب السوري نتيجة هذه السياسة المعدومة الرؤيا المستقبلية الجلية والعاجزة عن استشراف الأحداث. وهذه السياسة بالذات هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن التدخل الإيراني المتصاعد والدعم الروسي الواسع لنظام بشار الأسد الدموي، وعن لجم الدعم العربي وتكبيله بل تعطيله لقوى المعارضة السورية الثورية وإطلاق يد تحالف بشار نوري المالكي لاستيلاد هذا المخلوق الجهنمي الذي اسمه «داعش».

 

إن حجب السلاح النوعي عن المعارضة، تحت ذرائع واهية، وتكريس السياسة الكلامية الاستعراضية في مؤتمرات أصدقاء الشعب السوري الفولكلورية التي راحت تتلاشى أمام صعود الإرهاب الظلامي واستفحاله، بدعة العصر الحديث وآفته الكبرى هي السياسة التي قدمت أفضل الخدمات للنظام الأسدي وهي التي ساعدته ما أوتيت على البقاء والاستمرار. وكان جلياً منذ جنيف2 وكل جو المؤتمر أن بشار الأسد تتلخص خطة تشبثه بالسلطة في دعم وتسهيل وترويج الإرهاب حتى يتسنى له تسويق نفسه بطلاً مزعوماً لا غنى عنه في محاربته.

 

لا بل أمام سمع العالم بأسره وبصره كان الأسد يستخدم السلاح الكيماوي بصورة متمادية حتى افتضح أمره في فاجعة الغوطة الشرقية صيف 2013. فماذا كان موقف باراك أوباما العملي؟ المراوحة والتخاذل والتخبط واللهاث وراء تسوية ملتبسة تزكم الأنوف صاغها اتفاق كيري لافروف هب لملاقاتها النظام الأسدي بوعوده الكاذبة بتسليم كامل مخزونه من السلاح الكيماوي. فقد نجا السفاح بفعلته لا بل راح يزاوج بين استعماله السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة لينسف أحياء إدلب وحلب ودوما وداريا والقابون والزبداني… إنه يفرغ سوريا من أهلها ويدفعهم إلى الهجرة والنزوح.

 

اندفع الإرهاب الداعشي في مشروعه في العراق وسوريا، لتسقط في قبضته مدن بأسرها ومنابع وفيرة من البترول، والنظام العراقي «المالكي» ومن ورائه طهران وموسكو يلقى أمامه السلاح. وسقطت الرقة ودير الزور وتدمر وكل سوريا الداخلية فلم يتبق لحاكم دمشق سوى «سوريا المفيدة» التي يرضى بها شرط بقائه في سدة الحكم. وكانت المفاوضات بشأن ملف إيران النووي تبلغ حالة النضوج في الوقت الذي كان الرئيس الأميركي يحرص على «عدم إغضاب طهران لئلا يتعطل مسار الاتفاق الوشيك» (النص الحرفي لتصريحه للتلفزيون الأميركي «سكاي نيوز» آنذاك) ذلك أن الأسد ونظام يحتل موقع القلب في استراتيجية إيران التوسعية وهو الطريق المؤدية إلى لبنان والتدخل في الملف الفلسطيني.

 

إن الخلاصة الأولية التي نحن بصددها الآن هي أن روسيا بعد سيطرتها على شبه جزيرة القرم، وهي التي تتوجس من حلف شمالي الأطلسي الذي يدق ابوابها، ومن الأحادية الأميركية قد انتزعت زمام المبادرة. ففي أوكرانيا هي بصدد تحقيق حكم ذاتي لإقليم دانتيسك. وهي تركز الآن كل جهودها على سوريا. وتعتبر نظام الأسد مسألة حيوية والأسد يقدم لها كل التسهيلات الممكنة وأكثر. والذين يراهنون الآن على خلاف إيراني روسيا بشأن سوريا يخطئون الحسابات، فالتدخل الروسي يكمّل التدخل الإيراني ولا يتناقض معه وما كان ليتم إلا بعد مشاورات طويلة إيرانية روسية. ثم إن إيران مصدر رئيسي للقطع النادر لروسيا فلن يغامر بوتين بأي خلافات مع طهران، والطرفان الروسي والإيراني يتقاطعان في رفضهما تنحي الأسد والتشديد على دور ما له في الحل السياسي. وقد بدأ في نيويورك الترويج لمقولة إنجاز الأسد دوره في المرحلة الانتقالية ثم احتمال تنحيه…

 

بالطبع تتدفق الأسلحة الروسية على سوريا عبر المطارات والمرافئ المتاحة. وكان لافتاً زيارة «نتنياهو» إلى موسكو الأسبوع لتفادي أي صدام مع الطيران الحربي الروسي والحركة المتواصلة لطائرات الشحن الروسية الناقلة للمعدات والآليات. والأرجح أن «نتنياهو» قد انتزع في موسكو موافقة روسية على طلعات الطيران الحربي الإسرائيلي فوق سوريا، وعدم اعتراض موسكو على أي ضربات جوية محتملة لقوافل أو مواقع حيوية جداً بالنسبة لإسرائيل ينشط فيها حزب الله. وفي المقابل يتلاعب بوتين بالتخاذل الأميركي لحد الإثارة من قبيل رفضه الانضمام إلى قمة عالمية ضد الإرهاب ثم التلويح بإمكانية انضمامه للتحالف الأممي ثم صرف النظر عن الموضوع… وكان لافتاً لحد بعيد إعلان موسكو تشكيل قيادة عمليات مشتركة ضد «داعش» مع طهران وبغداد ودمشق، لكن ذلك يعني بكل بساطة استقدام قوات روسية ذات بال للمرابطة على طول امتداد ما يجري الحديث عنه حول «سوريا المفيدة» حيث تختلط قوات الجيش النظامي السوري مع مقاتلي حزب الله اللبناني، والحرس الثوري الإيراني، وذلك لحماية النظام الأسدي وفرض الحل السياسي كما يتفق مع مصالح موسكو وطهران.

 

إننا نعيش في زمن صعب عسير المآل، في منطقة متخمة بالصراعات، أصبحت مفتوحة على كل الاحتمالات.

المستقبل

 

 

 

 

 

 

إسرائيل وروسيا.. تقاطع انتهازي في سوريا/ حمزة إسماعيل أبو شنب

مخاوف إسرائيلية

خطوط حمراء

إسرائيل وروسيا

تقاطعات مؤقتة

ظلت روسيا من أكبر الداعمين للنظام السوري منذ عشرات السنين، ولم تغير أحداث الثورة السورية هذا الموقف، بل زادت من الدعم السياسي والمالي والعسكري، دفاعا عن آخر تواجد استراتيجي روسي في الشرق الأوسط.

وتقدمت روسيا مؤخرا بخطوة كبيرة وجديدة في مسيرة دعمها للنظام السوري، حيث بدأت زيادة الحضور العسكري في المناطق التي يسيطر عليها النظام خاصة في الساحل، وشملت التعزيزات معدات وأسلحة ومقاتلين من الجيش الروسي، كما تعد روسيا بنية تحتية لقاعدة جوية.

 

ومع تصاعد التدخل الروسي في سوريا، بدأت إسرائيل التحرك الجاد لضمان ألا يؤثر ذلك على طبيعة عملها الأمني والاستخباري على الحدود مع سوريا، وقد بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة عاجلة لموسكو غير معد لها مسبقا ولا مدرجة على جدول الزيارات السنوية، رفقة رئيس الأركان الإسرائيلي ورئيس الاستخبارات، وهي حالة نادرة أن يرافق جنرالات الجيش رئيس الوزراء في زياراته الخارجية، دون اصطحاب صحفيين في الوفد المرافق له، وذلك لتبديد المخاوف الإسرائيلية حول تداعيات زيادة التواجد العسكري الروسي.

 

 

مخاوف إسرائيلية

لا تبدي إسرائيل قلقا حقيقيا من الوجود العسكري الروسي، إذ لا توجد نوايا عدائية لروسيا تجاه إسرائيل، لكنها ترغب في تبديد مخاوفها وضمان مصالحها الأمنية، مع خشيتها من تأثير انتشار القوات الروسية على حرية العمل العسكري الإسرائيلي في الأجواء السورية، إذ إن إسرائيل تتواجد باستمرار في الأجواء السورية لأهداف عملياتية واستخبارية، وتريد ترتيب هذا التواجد بحيث لا يتصادم مع النشاط الروسي بعد قيام الأخيرة بنصب منظومات رادار وأنظمة دفاعية.

 

ومع تكثيف نشاط إيران وحزب الله في جبهة الجولان ينتاب إسرائيل قلق من استغلال البعض للحضور الروسي في توفير غطاء لشن هجمات ضدها، استمرارا للمحاولات السابقة، حيث قام الطيران الحربي الإسرائيلي بشن العديد من الغارات واستهداف نشطاء موالين لإيران سعوا لتنفيذ هجمات من الجولان. ولا يتوقف القلق الإسرائيلي تجاه إيران وحزب الله عند حدود الهجمات، بل يتعداه لنقل سلاح استراتيجي ومنظومات متطورة تغير قواعد الاشتباك لحزب الله عبر سوريا.

 

خطوط حمراء

لا توجد مصلحة إسرائيلية في انتصار طرف على حساب طرف بالصراع الدائر في سوريا طالما لم ينعكس ميدانيا على أمنها، ومع إدراكها لتعقيدات المشهد السوري، تكمن الرغبة الإسرائيلية في ظهور سوريا مجزأة ولا مركزية، وعاجزة عن أداء وظائفها.

 

يدفعها ذلك لرسم خطوط حمراء لنفسها ذات بعد استراتيجي ولا تسمح بتجاوزها، كنقل الصواريخ طويلة المدى أو مضادات الطيران المتطورة الكاسرة للتوازن، أو التحضير لأنشطة وأعمال من قبل حزب الله أو إيران قد تغير الوضع القائم في الجولان، ومنع سيطرة مجموعات إسلامية معارضة على مخزون النظام من السلاح غير التقليدي.

 

تدرك إسرائيل أن روسيا دولة نفعية انتهازية توجهها مصالحها الذاتية، ولن تقود أي خطوات تراعي مصالح أجنبية عندما تتعارض مع مصالحها، ومع ذلك فإن وقوفها إلى جانب نظام الأسد كفيل بأن يؤدي إلى الاستقرار، وهو السيناريو الأفضل من ناحية إسرائيل، لذا اصطحب رئيس الحكومة الإسرائيلية مدير الاستخبارات العسكرية في الجيش في زيارته المذكورة.

 

تمتلك إسرائيل كما وافرا من المعلومات الاستخبارية عن سوريا، وهي بالنسبة لها كالدفتر المفتوح، فسوريا نقطة خوف استراتيجي لهم، لذلك جندت كل الإمكانيات التكنولوجية من أجهزة تنصت عالية الجودة وأنظمة مراقبة بالإضافة إلى الجهد الاستخباري على مدار السنوات، ومع تصاعد الأزمة السورية كثفت من نشاطها الأمني، مما يمكنها من تقديم كم معلوماتي يساهم في نجاح المهمات الميدانية للقوات الروسية، كتحركات المعارضة، ونقاط الضعف والقوة، في المقابل تحصل إسرائيل على حرية الملاحة العسكرية والاستطلاع في الأجواء السورية.

 

لا تبدو العلاقات الروسية الإسرائيلية مميزة ولا تبدو سيئة، فكلاهما يتعامل بمنطق الانتهازية والمصالح المشتركة، فعلاقتهما جافة ينتابها أحيانا بعض التوتر والتباين في العديد من الملفات، كالملف النووي الإيراني، والتوجه الروسي لتزويد كل من إيران وسوريا بصواريخ S300

” وتدرك روسيا القدرة المعلوماتية والعملياتية الإسرائيلية في سوريا، فالضربات الدقيقة التي وجهها سلاح الطيران الإسرائيلي لسوريا، كقصف المفاعل النووي في دير الزور في 2007 وعشرات العمليات الدقيقة في القلمون ودمشق والجولان، تبرهن على قدراتها الاستخبارية، وقد لا يتوقف مستوى التعاون بينهما على التعاون في سوريا، فقد تقدم إسرائيل على بيع تكنولوجيا متطورة من طائرات الاستطلاع من دون طيار لروسيا، وغيرها من المنظومات العسكرية التي تساهم في تطوير القدرات العسكرية لروسيا مقابل الحفاظ على الخطوط الحمراء على الجبهة السورية، وقد وصل الجانبان أثناء زيارة نتنياهو إلى تفاهمات يُبنى عليها وستُعقد لقاءات تفصيلية لبحث سبل التعاون.

 

إسرائيل وروسيا

لا تبدو العلاقات الروسية الإسرائيلية مميزة ولا سيئة، فكلاهما يتعامل بمنطق الانتهازية والمصالح المشتركة، فعلاقتهما جافة ينتابها أحيانا بعض التوتر والتباين في العديد من الملفات، كالملف النووي الإيراني، والتوجه الروسي لتزويد كل من إيران وسوريا بصواريخ S300، لكن علاقتهما تبقى عموما جيدة.

 

فإسرائيل تعد روسيا دولة مؤثرة جدا على الصعيد الدولي وتتمتع بعلاقات مميزة مع أعداء إسرائيل في المشرق العربي وتزودهم بالسلاح، إضافة إلى مصالحها في المنطقة المحيطة بها، كما تتقاطع مصالحهما في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والحركات الإسلامية السنية في سوريا كونها الأقرب لسدة الحكم في حال سقط نظام الأسد.

 

لقد شكلت التجربة المصرية في تولي الإخوان الحكم مصدر تهديد حقيقي لإسرائيل، وقدمت كل ما بوسعها هي ورسيا من أجل نجاح الانقلاب العسكري ودعمه وتسويقه، ولا يرغبان في تكرار ذات التجربة في سوريا، صحيح أنه يوجد تفاوت كبير في النظرة الروسية والإسرائيلية حيال نظام الأسد، فروسيا تعده آخر ما تبقى لها من مصالح استراتيجية في حوض البحر المتوسط، ورغم أن إسرائيل ترى أيضا أن انهيار نظام الأسد هو سيناريو مؤلم لها، فإن ظهور سوريا مجزأة ولا مركزية وعاجزة عن أداء وظائفها بعد الأسد هو النموذج المفضل لها.

 

الولايات المتحدة الأميركية لا تغيب عن مشهد العلاقات الروسية الإسرائيلية، فنتنياهو أبلغها بالزيارة قبل أسبوعين، وإسرائيل ما زالت تعدها حليفتها التي تحافظ على مصالحها، لكن إسرائيل تدير علاقاتها الخارجية وفق معطيات قد لا تنسجم مع الولايات المتحدة بما لا يؤثر على صلابة العلاقة، إلا أنها لا تضيع الفرص من أجل بناء سياسة خارجية مع القوى الصاعدة كالصين والهند وتركيا بما يخدم أجندتها.

 

تقاطعات مؤقتة

رغم كل ما تملكه إسرائيل من قدرات استخبارية فإن سرعة الرمال المتحركة في المنطقة تبقيها تعيش هواجس المفاجآت غير المحسوبة، وأي تغير في موازين القوى في سوريا أو تغيرات في النظام الحاكم في مصر سيشكل مصدر قلق، مع تزايد العداء الجماهيري لها

“قد تلتقي المصالح الروسية الإيرانية الإسرائيلية في المرحلة الحالية لكنها لن تستمر طويلا، فالدول الثلاث تحمل رؤى مختلفة، فسعي روسيا لزيادة حضورها العسكري والأمني في سوريا قد يهدف في جزء منه لموازنة الحضور الإيراني المتعاظم ضمن مشروعها التوسعي، في حين تريد روسيا أن تكون لها اليد الطولى في سوريا حتى تستطيع فرض حلول ما قد تتوصل إليها مع الإدارة الأميركية لتقاسم النفوذ أو مبادلته في موضوع أوكرانيا.

 

كما أن إيران لن تتخلى عن دورها في دعم حزب الله في لبنان وتسليحه ونقل أسلحة متطورة كاسرة للتوازن إليه، مع إمكانية انسحابها التدريجي من القتال في سوريا وإبقاء بناء القدرات العسكرية والنشاط العملياتي في منطقة الجولان، حيث نشطت خلايا موالية لإيران وتعرضت لأكثر من عملية استهداف إسرائيلية.

 

قد تلجأ إيران إلى وقف محاولات الاستهداف من الجولان، إلا أن ذلك لن يمنعها من رفع القدرات القتالية للمجموعات العاملة، مما قد يولد صداما مع الروس، لكنه لن يفجر الوضع بقدر ما سيهز الثقة المتبادلة، فإسرائيل بالنسبة لإيران عدو وتبني خطابها الرسمي في المنطقة العربية على الدعوة إلى زوالها، كما أنها تخوض حرب سوريا تحت ذريعة حماية محور المقاومة، مما يبقى حالة الحرب غير المباشرة بينهما مفتوحة.

 

ستسعى إسرائيل لترجيح إمكانية تقسيم سوريا إلى دويلات تكون الدولة العلوية أولاها، في ظل الاهتمام الروسي والإيراني بمناطق الساحل، مما سيخرج سوريا من موازين القوى الإقليمية، إلا أن المشهد الحالي والتحرك الروسي الأخير يكشف أن الحرب في سوريا لن تضع أوزارها في المستقبل المنظور.

 

ورغم كل ما تملكه إسرائيل من قدرات استخبارية فإن سرعة الرمال المتحركة في المنطقة تبقيها تعيش هواجس المفاجآت غير المحسوبة، وأي تغير في موازين القوى في سوريا، أو تغيرات في النظام الحاكم في مصر سيشكل مصدر قلق، مع تزايد العداء الجماهيري لها، في ظل ما تسعى لفرضه من واقع جديد في المسجد الأقصى.

الجزيرة نت

 

 

 

 

عدوا «الممانعة»يلتقيان على حماية نظامها/ حازم الامين

إنه «القيصر»، الرئيس الـــروسـي فــلاديــمـــير بــوتـــين. والتــــسمية من معجم صحافة الممانعة، التي نسيت أن فلاديميرها هو لينين، عدو القيصر وهازمه في ثورة 1917. سقطة التسمية عودة غير واعية إلى جوهر «الممانعة» بصفتها قناع تسلط وإخضاع ومذهبية. إنه القيصر الجديد المنبعث من انهيار وتبدد السوفيتات، والآتي إلى سورية بتفويض من الكنيسة الروسية ليخوض «حرباً مقدسة»!

لا بأس، قالت الممانعة التافهة، طالما أن الرجل بصدد إعادة تثبيت نظامها في دمشق. لا قيم تصمد أمام هذه المهمة. التسمية نفسها، أي «الممانعة»، صارت في مهب الحرب المقدسة. فالقيصر طلب اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لتنسيق الخطوة. وغض الخطاب الممانع الطرف عن اللقاء. لم يتناول الأمين العام لحزب الله في حديثه عشية اللقاء الحدث بكلمة واحدة، ولم تصدر صحفه بأغلفة المصافحة بين قيصر الحرب المقدسة ورئيس وزراء الكيان المغتصب. المصافحة كانت بين «القيصر» عدو البلاشفة، ونتانياهو رئيس حكومة الكيان المغتصب. التقى عدوا الممانعة لتنسيق صمود النظام الممانع في وجه شعبه. أي مهزلة هذه أيها الإخوة الممانعون! فهل بينكم من يفسر لنا ماذا يجري؟

ولكن حقاً ماذا جرى في ذلك اللقاء بين العدو «الطبقي» والعدو «القومي»؟ فثمة مهمة اسرائيلية في سورية لن يوقفها «القيصر»، وتتمثل في استهداف أي تحرك لـ «جماعة إيران» بالقرب من الحدود السورية – الاسرائيلية، أو في دمشق وريفها، على ما قال مصدر قريب من نتانياهو.

اللقاء كان هذا مضمونه، وبما أن بوتين هو من بادر إلى دعوة نتانياهو إلى موسكو، فمن المتوقع أن يكون راغباً في إبلاغه أمراً يتعلق بالمهمة الإسرائيلية في سورية. ولمزيد من الوضوح أعقب اللقاء اشتباك على الحدود السورية – الإسرائيلية قامت خلاله الطائرات الإسرائيلية بقصف أهداف داخل الأراضي السورية. إذاً لا تغيير في المهمة الإسرائيلية في سورية في ضوء وصول «القيصر».

ليست هذه المحطة الأولى التي تتم فيها تعرية «الممانعة» بصفتها قناع استبداد، ليس أكثر. فهي كانت دائماً على أتم الاستعداد لابتذال خطابها في سياق حماية النظام. وفي كل مرة يبلغ الانكشاف ذروة نعتقد أن لا انكشاف يفوقه، لتعود فتتفوق في المرة التي تليها على وضاعة الخطاب، مستكشفة مديات جديدة من انحطاط عباراته. فعندما قال رامي مخلوف لـ «نيويورك تايمز»: «على الغرب أن يوقف الثورة وإلا سيكون أمن اسرائيل مهدداً»، اعتقدنا أن خطاب الممانعة لن يقوى بعد ذلك على النهوض بعبارته. لكن أحداً من أعمدته، من طهران إلى دمشق، لم يرف له جفن، واستمرت اسرائيل ركيزة الخطاب في مواجهة المواطنين السوريين.

ومن بين ما رشح من لقاء بوتين ونتانياهو، بحسب «هآرتس»، أن الأخير أبلغ «قيصر المعارضة» أن اسرائيل غير معنية بالصراع في سورية ولا بطبيعة النظام فيها، وما يعنيها هو استمرار الستاتيكو الذي ساد الحدود والعلاقات منذ 1973! ونتانياهو عاد من موسكو وفي جيبه سر، وعلى وجهه غبطة، بحسب صحافي اسرائيلي.

اسرائيل كانت فقدت الأمل في احتمال صمود النظام في سورية. فهي أبلغت حلفاء غربيين لها أنها بصدد البحث عن صيغ مختلفة لهذا الستاتيكو في ضوء معلومات عن احتمال انهيار النظام من تلقائه، خصوصاً في دمشق وريفها، وعلى الحدود مع اسرائيل. لكن المتغير الروسي أعاد الاعتبار للستاتيكو الأول، أي ستاتيكو العام 1973. لا غضاضة في ذلك، فالهدنة تلك أمنت لاسرائيل سلاماً على الحدود لم تؤمنه لها معاهدتا كامب ديفيد ووادي عربة واتفاقا مدريد وأسلو. والأرجح أن ذلك هو سر الغبطة على وجه الرجل.

لكن العودة بوقائع فك النزاع إلى مضامين ما قبل تصدع النظام، يملي التعامل مع متغيرات الأعوام الأربعة الأخيرة. فلإيران حصة وازنة في سورية اليوم، وهي كانت باشرت حجز مكان لها على الحدود مع اسرائيل، وهو ما ردت عليه تل أبيب في شكل حاسم عبر الغارة التي استهدفت قادة من الحرس الثوري ومن «حزب الله» اللبناني.

إذاً هذه لحظة افتراق بين «القيصر» و «الولي الفقيه»! لمن الأمر إذاً هناك؟ نتانياهو يفضل «القيصر»، وسيسهل له المهمة، ويبدو أن ما تبقى من نظام سوري يُفضل «القيصر» أيضاً. وبهذا المعنى فإن طهران خسرت الحرب في سورية، فقد كُفت يدها عن الجبهة مع اسرائيل، وها هي القواعد الروسية على الساحل السوري تعيق طموحاتها في «سورية المفيدة»، وما بقي لها هو نفوذ في محيط المراقد الدينية وبعض الجيوب على الحدود مع لبنان. وهذا ما يُرجح احتمال مزيد من التظهير للمضمون المذهبي للصراع، ذاك أنه وسيلة طهران الأخيرة لحفظ حصة في مستقبل سورية.

الكاسب الأبرز من وصول القيصر إلى دمشق هو تل أبيب، ليس فقط عبر تأمين حدودها، ولا عبر استمرار المهمة في سورية، انما أيضاً عبر بعث الستاتيكو القديم، الذي سيأتي هذه المرة معززاً بحقيقة سورية غير المتحققة وغير المستقرة.

لدى جميع أطراف النزاع في سورية لغة يتحدثون بها مع تل أبيب. النظام بحلقته الضيقة أكثر الأطراف وضوحاً عبر جملة رامي مخلوف الجلية. طهران عبر استطلاعها الحدود بالنار وخضوعها للرد الإسرائيلي والمفاوضة عبره. موسكو لا مشكلة تعترضها في تأمين مصالح تل أبيب في دمشق. لكن ثمة طرفاً واحداً في النزاع لا يملك لغة يتوجه بها لــــتل أبيب.

إنها المعارضة السياسية، فقد أورث النظام السوري ضحاياه بُكماً حيال كل ما يمت للصراع مع اسرائيل. فنظام البعث استمد «شرعيته» من تلك المقولة، وهو فعل ذلك ليسحب من معارضيه ما يعتقدون هم أنه وجه لـ «شرعية» أي سلطة!

المعارضة السورية مستمرة في تزويد البعث بهذه القيمة، وهي اذ تدينه مشككة بحقيقة إيمانه بها، تفعل ذلك متخلية عن شرط التحول إلى قوة سياسية يمكنها أن تناور وأن تؤمن شروط نجاحها.

الإقلاع عن الاقتناع بأن الصراع هو أحد مصادر الشرعية شرط لتحقيق اختراقات في مواجهة هذا النظام.

الحياة

 

 

 

الحجر وعصافير سيّد الكرملين الكثيرة/ محمد مشموشي

صحيح أن الحدث في المنطقة الآن هو الحشد العسكري الروسي الجديد على الساحل السوري، لكن الأهم منه معرفة الاستراتيجية السياسية لموسكو من ورائه، وما إذا كانت قيادتها أخذت في اعتبارها كل ما يمكن أن ينتج منه من تداعيات على المستويين المحلي السوري أولاً والإقليمي/ الدولي لاحقاً.

ذلك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يعنِ له شيئاً أن يوصف على مدى نحو خمس سنوات بـ «حامي الطاغية» في سورية، ربما يظن أن اللحظة باتت ملائمة له لتوجيه ما يعتقد أنه ضربة حجر يمكن أن تقنص عدداً كبيراً من العصافير في وقت واحد: من «العودة المظفرة» الى المنطقة التي خرجت منها بلاده بإرادتها ونتيجة ضعفها، بعد خروج الاتحاد السوفياتي مرغماً، الى مقايضة مأزقه في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم بمآزق الآخرين في سورية والعراق واليمن، وأخيراً، محاولة استعادة الاعتراف به وببلاده لاعباً دولياً لا غنى عنه الى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين.

ولم يكن حجر بوتين هذا سوى حشده العسكري النوعي والمفاجئ في اللاذقية وطرطوس، وإعلانه التمسّك برئيس النظام السوري بشار الأسد، بدعوى الحاجة الى التعاون معه لهزيمة «داعش» وأخواته من التنظيمات الإرهابية، بعدما تحول هذا النظام ورئيسه، بخاصة في الفترة الأخيرة، كارثة متنقلة، ليس بالنسبة الى بلاده وخصومه من العرب وفي العالم فحسب، إنما بالنسبة الى حلفائه أيضاً، وفي مقدمهم روسيا نفسها.

لكن ما هي استراتيجية بوتين السياسية، وكيف يقيّم من وجهة نظره اللحظة الإقليمية/ الدولية التي بادر فيها الى تنفيذ خطوته هذه؟

في اعتقاد الرئيس الروسي أن غالبية الأطراف المشتبكة مباشرة في المنطقة، والمعنية بها في صورة غير مباشرة من الخارج، باتت عاجزة عن اجتراح مخرج من الحرب في سورية لألف سبب وسبب: إيران، لأنها متورطة فيها حتى العظم بمالها وسلاحها وأفراد «حرسها الثوري» وميليشياتها اللبنانية والعراقية، من دون أن تتمكن من تحقيق انتصار ينقذ النظام الذي تقاتل منذ أعوام دفاعاً عنه. وبلدان العالم العربي، لأنها لا تريد، فضلاً عن أنها لا تستطيع، التدخل مباشرة في القتال في سورية، ولأنها متورّطة من جهة ثانية في أكثر من جبهة عربية واحدة مع إيران وأتباعها. والولايات المتحدة، لأن سياستها في عهد باراك أوباما لم تخرج سابقاً، ولا يبدو أنها ستخرج الآن، عن نظرية «القوة الناعمة» التي أثبتت فشلها الذريع، ليس في سورية وحدها إنما في العراق وأفغانستان أيضاً. ودول الاتحاد الأوروبي، التي لا تكتفي بأن تقف متفرجة على التدمير الممنهج لسورية فقط، بل تقف عاجزة حتى عن مواجهة أفواج النازحين السوريين والعراقيين الى بلدانها كما يبدو جلياً منذ أسابيع.

أما المأزق الأكبر في وعي بوتين، فهو لحليف موسكو التاريخي (سورية، وليس بشار الأسد كما قد يظن البعض)، واستطراداً للقاعدة العسكرية الروسية الوحيدة في المياه الدافئة، بينما يحاول من لا يتردد أمام وصفه بـ «القيصر الروسي» إعادة بلاده الى الساحة الدولية، أقله كواحدة من القوى العظمى في العالم.

في ظل هذا التقييم، وعلى خلفية الأحلام الكبيرة، خطا الرئيس الروسي خطوته العسكرية باتجاه الساحل السوري، وفي ظنه أنه سيتمكن من قنص عصافير عدة بالحجر الواحد هذا على الشكل التالي:

أولاً، إنقاذ الحليف في دمشق من المصير الذي يتجه إليه بسرعة قياسية: أما التفكك، وبالتالي التقاسم والتقسيم الى دويلات، أو السقوط الكامل في أيدي «داعش» وأمثاله من التنظيمات الإرهابية، أو الدخول في حرب أهلية مديدة على شاكلة حرب الصومال أو غيرها من الدول الفاشلة.

وأي من هذه الاحتمالات لا يبقي عملياً في يد «القيصر» سوى تلك التسهيلات البحرية المحدودة في طرطوس، لكنْ فقط إذا ما أمكن للأسد أن يحتفظ بحصة من الكعكة المفتتة، ثم إذا ما سمحت له إيران بذلك.

ثانياً، وفي الطريق الى هذا الهدف، محاولة إقناع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن حركته تستهدف الإرهاب وليس غيره، كما قال بوتين في كلمته أمام الأمم المتحدة («ندعم الأسد في مواجهة «داعش»)، بخاصة أن الدول الغربية نفسها تشنّ حرباً متواصلة عليه، وقد شكلت تحالفاً دولياً لهذا الغرض.

ثالثاً، محاولة تصوير الأمر لـ «الأصدقاء» الجدد في العالم العربي (السعودية ودول الخليج ومصر) بأن ما تفعله موسكو في سورية إنما يتم على حساب، بل وحسماً من، ارتهان النظام الكامل فيها لسياسات إيران ونفوذها ومشروعها للهيمنة على المنطقة.

رابعاً وبعد ذلك كله، بناء رأس جسر لـ «القيصر» الروسي في المياه الدافئة على شواطئ المتوسط، أملاً بتعزيزها وتوسيعها مستقبلاً، على طريق العودة الى المنطقة التي انسحبت منها روسيا، وقبلها الدولة السوفياتية العظمى، في التسعينات.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أين بوتين من هذه العصافير كلها؟.

غالب الظن أن العقبة الأولى في طريقه ستأتي من الأسد تحديداً، لا لشيء إلا لأنه لم تعد في يد الأسد أية سلطة في بلاده، أو أية قدرة على اتخاذ قرار يجيّر بموجبه أمراً ما لأحد غيره، في سورية أو حتى في دويلته العلوية الموهومة. السلطة هنا والقدرة على صنع القرار موجودتان في طهران، وليستا إلا في طهران حتى منذ ما قبل الثورة الشعبية في آذار (مارس) 2011.

والثانية، أنه لا يمكن أحداً في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أن ينصت بعناية الى من يمارس «تداول السلطة» على طريقة تداولها بين بوتين ورئيس حكومته ديمتري ميدفيديف (مرة لك ومرة لي!)، وأن يتوهم بعد ذلك إمكان التعويل عليه («نطالب الأسد بتقديم بعض التنازلات»، قال بوتين في أحد تصريحاته) للمساعدة على تسوية في سورية تعطي الشعب فيها بعضاً من حقوقه المسروقة على مدى خمسة وأربعين عاماً.

أما الباقي، فلعل الغارة الجوية الأولى التي نفذتها الطائرات الروسية وأدت الى مجزرة في حمص، فضلاً عن أنها لم تستهدف أياً من مواقع «داعش» بل المدنيين في تبليسة ومواقع «الجيش السوري الحر» في حماه، تقول الشيء الكثير عن أهداف الحشد العسكري الروسي على الساحل السوري، وتالياً عن استراتيجيتها السياسية الموضوعة.

الحياة

 

 

الأرثوذكس الروس و “حلف الأقليات”/ الياس حرفوش

أصبحت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية شريكاً في الحرب السورية إلى جانب فلاديمير بوتين. أصدرت الكنيسة بياناً باسم البطريرك كيريلوس أعلنت فيه دعمها الغارات التي تنفذها المقاتلات الروسية في سورية، واعتبرت أن الحرب التي يقول بوتين إنه يخوضها ضد الإرهابيين، هي «حرب مقدسة»، وأضاف البيان أن «بلادنا اليوم هي أكثر قوة في العالم تحارب الإرهاب».

هناك قدر كبير من المبالغة والتجني عند إطلاق صفة «القداسة» على غارات تنفذها الطائرات الروسية من الجو، وتقتل بين من تقتلهم أشخاصاً أبرياء. فـ «تقديس» حرب بوتين في سورية، التي تهدف إلى دعم نظام بشار الأسد الطائفي الذي قتل 300 ألف على الأقل من أبناء شعبه، لمجرد مطالبتهم بالإصلاح وبتغيير النظام، لا يمكن أن يفهم منه معارضو الأسد، وهم أكثرية السوريين، ومن يؤيد مطالبهم في المنطقة، سوى أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية قررت أن تضع نفسها في موقع العداء لهم، إذ تبنّت التصنيف الذي يعتمده الأسد وحليفاه الروسي والايراني، الذين يرون أن كل معارض في سورية إرهابي بالضرورة.

موقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية يجعلها طرفاً في حلف سياسي وطائفي في المنطقة، أصبح معروفاً بـ «حلف الأقليات»، وهو الشعار الذي ابتدعه النظام السوري لإظهار نفسه وكأنه الضحية في «البحر» السنّي الكبير. وينسى هذا النظام، الذي يشكو اليوم من معاملته كأقلية، أنه كان نظاماً أقلوياً على مدى أربعة عقود، ولم تكن هناك مشكلة مع هويته المذهبية، قبل أن يبدأ بقتل شعبه بدعم من الايرانيين، ويحوّل سورية إلى موقع لنفوذهم وتمددهم في قلب العالم العربي.

من حق الكنيسة أن تعتبر الحرب على تنظيم «داعش» حرباً يجب خوضها لإنقاذ المنطقة من هذا الوحش الفالت. وهذا في كل حال ما تراه أكثرية المسلمين، الذين يعانون من خطر «داعش» ومن الصورة المسيئة لدينهم التي تنشرها هذه المجموعة الإرهابية حول العالم. غير أن بوتين لم يذهب إلى سورية لمحاربة «داعش» كما يزعم. إنه في سورية لإنقاذ نظام شارف على الانهيار، ولم تعد أسلحة ايران وميليشياتها وأموالها تنفع في إنقاذه، فكان لا بد له من اللجوء إلى خشبة الخلاص الروسية الأخيرة. كما أن همّ القضاء على «داعش» هو آخر هموم النظام السوري. فلو كان بقاء هذا التنظيم يقلق نظام بشار الأسد لكانت طائراته وبراميله المتفجرة فعلت في الرقة، المقر الرئيسي لـ «داعش»، ما فعلته من تدمير وخراب ومجازر في حلب وحمص وحماة وفي غوطة دمشق، وفي كل مكان آخر ارتفعت فيه أصوات المعارضين.

ما يفهمه معارضو بشار الأسد من موقف الكنيسة الروسية هو دعمها السياسي المطلق لهذا النظام ضدهم. غير أن من الإنصاف الإشارة هنا إلى أن الكنيسة الروسية لم تكن الوحيدة التي أيدت قرار بوتين، بل شاركتها كذلك هيئات إسلامية مثل الإدارة الروحية المركزية للمسلمين في روسيا التي أيد رئيسها طلعت تاج الدين غارات الطيران الروسي، إضافة إلى موقف الرئيس الشيشاني رمضان قديروف الذي اعتبر تدخل القوات الروسية ضرورياً لمحاربة الإرهاب. وهو ما يمكن أن يعني أن هذه الهيئات ربما أُرغمت على إعلان المواقف المؤيدة التي اتخذتها.

غير أن ما يثير القلق في موقف الكنيسة الروسية هو أنه يمكن أن يفتح الباب أمام صراع ذات طابع طائفي مسيحي إسلامي، منطقتنا هي في غنى عنه بالتأكيد. خصوصاً أنه يُظهر المسيحيين في صورة الداعمين لجرائم النظام السوري والمتحالفين مع من يرتكبونها. ومن هنا، وبصرف النظر عن مبررات الكنيسة الروسية في اتخاذ موقفها الداعم لبوتين، فإن هناك حاجة أن يقول رجال الدين المسيحيون في منطقتنا كلمة حق في شأن ما يرتكبه النظام السوري، أو على الأقل أن يتجنبوا السير وراء الكنيسة الروسية في موقفها، الذي لا يمكن أن يقال فيه سوى أنه موقف متزلف لحكم بوتين ومجافٍ لحقيقة ما يجري في سورية.

الحياة

 

 

الأسد من رافعة إيرانية إلى أخرى روسية/ خالد الدخيل

مهما قيل عن التدخل العسكري الروسي في سورية، فإنه لن يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة واضحة: توسيع نطاق الدمار، وحجم القتل والتهجير للسوريين. لن يبقي هذا التدخل على الرئيس السوري بشار الأسد في نهاية المطاف. حاول الإيرانيون على مدى أربع سنوات ونصف تحقيق هذا الهدف، وفشلوا. أرسلوا الأموال، والسلاح، و «الخبراء»، والميليشيات من كل حدب وصوب، وجندوا الإعلام داخل سورية وخارجها. ولم يؤدِّ كل ذلك إلا إلى تأجيج الطائفية، وتوسيع نطاق القتل والدمار والإرهاب. سيقال لكن الأسد بقي. لم يسقط، ولم يتنحَ. صحيح، لكن تأمل في هذا الأمر قليلاً. إذا كان كذلك، فلماذا الحاجة إلى تدخل روسي الآن وبهذا الحجم؟ قبل التدخل الروسي اعترف الأسد نفسه في آخر خطاب له الشهر الماضي بأن قواته منهكة، وتعاني من تراجع كبير بين السوريين في الانضمام إليها. واعترف بأنه لم يعد بإمكان قواته الدفاع عن كل المناطق، وأنها مضطرة إلى التخلي عن بعض المناطق للمحافظة على أخرى أكثر أهمية. ومن حيث أن هذا الاعتراف يأتي من أعلى سلطة في النظام، فهو يعني أن الأمر أكثر سوءاً مما يبدو عليه.

في العلن جاء القرار الروسي بالتدخل بعد هذا الخطاب، لكن ما يعرفه الروس أكثر من ذلك بكثير. في الأسبوع الماضي نقلت فيدريكا موغريني المفوضة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي عن سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، قوله: «تدخلنا العسكري في سورية هو لمنع سقوط النظام السوري». وهذا القول يتفق تماماً مع سياق الأحداث، ليس الآن بل قبل ذلك. فما قاله لافروف لموغريني سبق أن قاله الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني حسن نصرالله لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عام 2013، بأن ما دفع الحزب إلى إرسال عناصره للقتال في سورية آنذاك قناعته بأن سقوط النظام السوري كان خطراً ماثلاً آنذاك بسبب ما كان يتعرض له من هزائم متتالية، وخسائر في المواقع والعتاد.

هذا يعني أننا أمام رئيس فقد كل المقومات الداخلية للبقاء في السلطة: يحتمي بغطاء طائفي داخلي وخارجي، وبميليشيات من قماشة الغطاء ذاته. حوّل جيشه إلى ميليشيا تقتل الناس، وتدمر المدن، وتحوّل بالنتيجة هو نفسه إلى ورقة تفاوضية في أيدي قوى خارجية. نصف شعبه مهجر، والنصف الآخر إما منخرط في القتال ضده، أو يتعرض للقتل ببراميل قواته. اقترب من السقوط فتدخلت إيران لحمايته. فشلت إيران، واقترب مرة أخرى من السقوط، وها هي روسيا تتقدم لحمايته مرة أخرى. ستفشل روسيا في حماية الأسد كما فشلت إيران. لا شك في أن بوتين لا يقارن دولته بإيران، ولا نفسه بالمرشد الإيراني. روسيا دولة عظمى، وتملك ما لا تملكه إيران، وتستطيع ما لا تستطيعه، هذا صحيح، لكن مأزق الأسد ومستقبله ليسا هنا، ولا علاقة له بكل ذلك. مأزق الأسد مع نفسه أولاً، ومع شعبه أولاً وتالياً. ولغ في دم الشعب السوري من دون حدود أملاً بالإبقاء على جدار الخوف سياجاً له ولحكمه. فقد المظلة الشرعية في الداخل. والآن فقد الاعتراف به إقليمياً ودولياً. لا يتحالف معه حقيقة إلا إيران، والميليشيات التي تمولها لحسابه. هل تتحالف معه روسيا حقيقة، وإلى النهاية؟ هذا سؤال يظل برسم مستقبل الأحداث.

من الواضح أن «الرئيس السوري» لم يدرك أن عملية التوريث البائسة التي وصل من خلالها إلى الحكم هي نقطة الضعف التي ظلت تلاحقه منذ اللحظة الأولى لتغيير الدستور السوري عام 2000 حتى يكون ملائماً لسنّه كوريث. لم يدرك أن نظام الحكم الذي أقامه والده، حافظ الأسد، هو من أكثر الأنظمة العربية افتقاراً إلى غطاء شرعي داخلي، وبالتالي من أكثرها حاجة إلى غطاء إقليمي ودولي. هو حكم عائلي يستند إلى أقلية طائفية صغيرة، وليس له جذور في تاريخ سورية على الإطلاق. الأدهى أنه حكم يستظل بنظام جمهوري «بعثي» يتصادم رأساً مع طبيعة تركيبته وأهدافه. كان والده أكثر حكمة، وأعمق إدراكاً لهذه الخاصية. كان يدرك حاجته للجمهورية الإسلامية الإيرانية كنظام يستند إلى الطائفية، ويحتاج إلى تحالفات إقليمية من خارج الغالبية السنّية في المنطقة. تحالف حافظ الأسد مع النظام الإيراني على هذا الأساس، ووفر صراع جناحي البعث العراقي والسوري غطاء لهذا التحالف. كان هدفه المباشر والمعلن عراق صدام حسين آنذاك. لكنه تحالف يهدف إلى ما هو أبعد من ذلك، خصوصاً على الجانب الإيراني. في الوقت نفسه كان الأسد الأب مدركاً أن إيران وحدها لا تكفي لتأمين الغطاء الإقليمي الذي يحتاجه كثيراً. من هنا، تمسك بعلاقاته مع السعودية ومع مصر. وقد نجح في لعب الورقة الإيرانية في الرياض والقاهرة، وفي لعب الورقتين السعودية والمصرية في طهران. في هذا الإطار نجح في الاحتفاظ باستقلاليته. لم يرهن نفسه لأي من هذه العواصم الثلاث.

مع بشار الأسد انقلبت الصورة رأساً على عقب. بات الرئيس رهينة لحلف مغلق مع إيران. همّش علاقاته العربية. لم تعد سورية لاعباً إقليمياً. باتت تعود بالتدريج إلى ساحة لعب للآخرين. عملية التوريث لم تضعف الرئاسة السورية، لكنها أضعفت الرئيس نفسه. شاب من دون تاريخ أو تجربة سياسية. جاء إلى الحكم بعملية أمنية غير معلنة. همش الحرس القديم الذي ساهم مع والده في بناء النظام. متمسك بإثبات نفسه وأهليته للحكم. لكنه لم يحتفظ من إرث والده لتحقيق ذلك إلا بالآلية الأمنية الشرسة. تخلى، أو أرغمه التحالف مع إيران على التخلي عن الإرث السياسي، والخيال السياسي لتحقيق ذلك. ارتبط نظامه بظاهرة مسؤولين سوريين ينتحرون بأكثر من رصاصة، وباغتيالات ظلت تجوب لبنان حتى عام 2010، وبإرسال الإرهابيين إلى العراق إبان الاحتلال الأميركي. ثم انتهى به الأمر بأن قاد سورية إلى أبشع وأطول حرب أهلية عرفتها في تاريخها. باتت سورية مهددة تحت قيادته بالتقسيم. وبات هو في هذه الحرب رهينة للإيرانيين وميليشياتهم. والآن هو في أمس الحاجة إلى الروس لإنقاذه مرة أخرى من السقوط.

أمام هذا الواقع سيكون الدمار الذي تخلفه قوات بوتين كبيراً ومؤلماً، لكن مآل مهمتها لن يتعدى ذلك كثيراً. إذا كان هدفه تمكين الأسد من البقاء في الحكم فهذا عبث سياسي يفتقد أدنى درجات العقلانية والأخلاق. لأنه اصطدام لا مبرر له مع غالبية الشعب السوري، ومع معظم الدول العربية، ومع المجتمع الدولي. سيجد بوتين نفسه في هذه الحالة وحيداً في سورية، كما كان سلفه في أفغانستان. لن يقف معه إلا إيران وميليشياتها. وهذه لم تنفع الأسد، حتى تنفع بوتين. أما إذا كان الهدف التمهيد لحل سياسي، فهذا الحل ليس ممكناً مع الأسد، ولا يبدأ بالتالي بقصف معارضيه تحت غطاء محاربة «داعش». هذا غطاء رقيق جداً يشبه كثيراً غطاء «الممانعة» الذي استخدمته إيران وبات عنواناً لفشلها. مع الانكفاء الأميركي أمام بوتين فرصة التأسيس لحل سياسي يعيد سورية إلى أهلها، ويخرج جميع الأجانب منها. لكن، عليه أن يدرك أن سبب فشل إيران قبله هو اصطفافها إلى جانب الأسد ضد غالبية الشعب. ولأنها فعلت ذلك من منطلق طائفي صرف، بات الوقوف إلى جانب الأسد عنواناً لموقف طائفي يعد بالتصعيد والتفجير لا بالحل. في سياق تبرير تدخله العسكري، قال بوتين أن على الأسد تقديم تنازلات حقيقية من أجل الحل السياسي. ستكشف الأحداث قريباً ماذا يعني بذلك. أما السؤال الذي يشغل بال الأسد هذه الأيام فهو: عندما تفشل روسيا مَن الذي سيحميه للمرة الثالثة؟

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

 

 

 

أجواء من عدم الثقة تسيطر على المحادثات الأمريكية الروسية ومخاوف من حدوث كارثة قبل التوصل لاتفاق يمنع الاشتباك/ رائد صالحة

واشنطن ـ «القدس العربي»:أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما محادثات عسكرية مع روسيا وسط تصاعد الارتباك بشأن الأهداف الجوية ناهيك عن تزايد الانتقادات من الكونغرس إلى حد استهزاء بعض أعضاء مجلس الشيوخ باسم محادثات فواصل الأجواء ومنع الاشتباك. إذ قال السناتور جون ماكين ان المفاوضات لسوء الحظ هي مجرد كناية غريبة لسياسة قبول إدارة أوباما لدور روسي موسع في سوريا وبالتالي استمرار المعاملة الوحشية لبشار الأسد ضد الشعب السوري.

وجاءت المحادثات التي جرت في دائرة تلفزيونية مغلقة بعد يوم واحد من بدء مقاتلات روسية شن ضربات جوية في غرب سوري، قالت روسيا انها تستهدف اتباع تنظيم «الدولة الإسلامية» ولكن قادة وزارة الدفاع الأمريكية قالوا انه لا يبدو ان هذا هو الحال في الواقع، إذ صرح الكولونيل ستيف وارن المتحدث باسم الجيش، ان الجيش الأمريكي لا يعتقد ان روسيا ضربت اهدافا لتنظيم الدولة، وهذه مشكلة. ولكن وارن لم يحدد بالضبط ماهية الجماعات التي ضربتها الطائرات الروسية.

وقال مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية ان ما يعقد الأمور أكثر هو ان المزيد من القوات الإيرانية وصلت إلى سوريا من أجل عملية برية تتزامن مع الضربات الجوية الروسية.

وتهدف المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا بالدرجة الاولى إلى التيقن من ان الضربات الجوية الروسية لا تتعارض مع عمليات التحالف الجارية في سوريا ولكن المشكلة كما قال اللفتانت جنرال روبرت أوتو نائب رئيس الأركان للاستخبارات والمراقبة، انه لا يوجد أي تبادل حقيقي للمعلومات الاستخبارية مع موسكو رغم رغبة الولايات المتحدة في نجاح المفاوضات. وأوضح ان الهدف الرئيسي هو ضمان عدم اصطدام الطائرات مع بعضها البعض.

وستنعكس أي اتفاقيات سيتم التوصل إليها بين مواشنطن وموسكو، كما أضاف وارن، على العمليات الجوية لقوات التحالف التي تتضمن غارات يومية في سوريا والعراق على أهداف الدولة الإسلامية.

وقد اوضح وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر في وقت سابق ان المحادثات تهدف إلى تسهيل تدفق المعلومات بين قوات التحالف والقوات الروسية من أجل المحافظة على سلامة العناصر الأمريكية في المنطقة كما انها امر حاسم لضمان عدم تداخل الإجراءات الروسية مع الجهود الأمريكية لهزيمة تنظيم الدولة وللتاكيد على ان الالتزامات الأمنية الأمريكية لم تتغير في المنطقة. ومن الواضح عدم وجود حالة ثقة بين الأمريكان والروس في هذه المحادثات إذ اعترف أوتو بان لديه ثقة منخفضة المستوى مع الروس مشيرا إلى ان الثقة ضرورية لتبادل بيانات واقعية تحدد أماكن العمليات على الأقل ولكنه لا يتصور وجود أي علاقة استخبارية معقولة بين الجانبين. وقال ان الاستهداف العشوائي للقنابل الروسية الغبية سيؤدي إلى قتل المزيد من المدنيين الأبرياء وبالتالي خلق عواقب غير مقصودة تتثمل في ظهور جيل جديد من الإرهابيين.

ويمثل الجانب الأمريكي من المفاوضات اليسا سلوتكين القائمة بأعمال مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي التي نقلت إلى المسؤولين الروس المخاوف الأمريكية من ان الضربات الروسية لم تستهدف حتى الآن معاقل تنظيم الدولة الإسلامية.

ووصف مسؤولون أمريكيون المحادثات الأولية مع الروس بانها ودية ومهنية وانها تركزت بشكل صريح للغاية على منع اشتباكات غير مقصودة بين الطائرات الأمريكية والروسية فوق الأجواء السورية، ووفقا للمعلومات الأولية فقد تم تقديم اقتراحات من الجانب الأمريكي للحد من المخاطر المحتملة على الطيارين.

وركز الجانب الأمريكي خلال المحادثات على تكرار موقف وزير الدفاع كارتر بان تركيز الأنشطة العسكرية في سوريا يجب ان يكون لهزيمة تنظيم الدولة ولكن الجانب الروسي لم يقدم استجابة مميزة.

وشملت المحادثات مناقشات عملية حول الترددات الدولية التي ينبغي استخدامها لنداءات الاستغاثة وما هي اللغة المستخدمة في الاتصالات، ووفقا لمسؤول امريكي فان هذه الاسئلة التى يبحث الامريكان عن اجابة لها في الوقت الحاضر من أجل ان لا يكون هناك أي سوء تقدير في الهواء.

وقد وافق الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين الاثنين الماضي على عقد مباحثات قبل بدء العمليات الجوية الروسية ولكن واشنطن فوجئت بشن روسيا الضربات الجوية قبل ان يتم الاتفاق على التفاصيل حين اجراء المحادثات.

ووصف وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر الاتصال الروسي الاول للإعلان عن بدء الضربات الروسية في سوريا قبل ساعة فقط من شنها بالفعل بانه اشعار غير مهني، وقال للصحافيين ان هدف المحادثات مع موسكو هو درء أي صراع محتمل في الأجواء السورية.

وقال متحدث باسم الجيش الأمريكي في بغداد ان الهجمات الروسية لم تؤثر على العمليات الجوية الأمريكية في سوريا مشيرا إلى ان الولايات المتحدة لم تغير العمليات في سوريا لاستيعاب لاعبين جدد في ساحة المعركة، ولاحظ المتحدث ان الطيارين الأمريكيين لديهم حالة من الوعي الرائع ردا على سؤال حول المخاطر الدائمة لسوء التقدير أو الاحتكاك المحتمل بين طائرات من دول مختلفة في سماء روسيا.

ورغم حرص الولايات المتحدة على اتخاذ اجراءات ما يسمى باجتثاث نشوب النزاعات لتفادي وقوع كارثة محتملة في السماء إلا ان روسيا استمرت باجراء الغارات الجوية ولكنها ابلغت المسؤولين الأمريكيين بخططها في وقت سابق.

وفي تصريح يكشف التشويش الروسي على أهداف الضربات الجوية في سوريا قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقر الأمم المتحدة ان الضربات لا تتجاوز تنظيم الدولة أو جبهة النصرة أو الجماعات المعترفة بها من قبل مجلس الأمن أو القانون الروسي. أما تعريفه للجماعات الإرهابية الأخرى فكان :»إذا كان يبدو كانه إرهابي، وإذا تصرف كانه إرهابي، وإذا كان يمشى كانه إرهابي، فهو إرهابي، اليس كذلك؟».

ووفقا لتوقعات العديد من المسؤولين والخبراء فان المحادثات العسكرية الأمريكية الروسية هي بداية لحوار اوسع حول مستقبل سوريا وحل مشكلة الأسد فمن الواضح إصرار موسكو على ضرب الجماعات المعارضة للنظام السوري المحاصر، أما الولايات المتحدة فقد تجنبت الحديث عن مصير الرئيس السوري على المدى القصير.

القدس العربي

 

 

 

الأزمة السورية بين عقدة الحل السياسي ومصالح الحروب بالوكالة/ مالك العثامنة

في مؤتمره الصحافي في مقر الأمم المتحدة يوم الخميس الماضي، صرح وزير الخارجية الروسي بتفاصيل أكثر عن الخطوة الروسية العسكرية في الأراضي السورية، وفي سياق حديثه للصحافة قال سيرغي لافروف أن روسيا تستهدف في سوريا «..جبهة النصرة والدولة الإسلامية وغيرها من التنظيمات الإرهابية» مضيفا في ربط دبلوماسي مع واشنطن أن الولايات المتحدة تتخذ الموقف نفسه مؤكدا أن قيادة التحالف أعلنت أهدافها بجبهة النصرة وتنظيم الدولة..!

لافروف، في ربطه الضمني هذا، ومع عدم وجود نفي أو رد مقابل، يشي بتفاصيل تفاهمات دولية تضع الحرب على الإرهاب في نطاق أوسع من ضرب تنظيم الدولة المتفق عليه عالميا، ليشمل تنظيمات مختلفة على الأرض السورية..وهو ما جعل بعض المراقبين يرون في التدخل الروسي دعما لنظام الأسد وإعلان الحرب على كل خصومه.

لكنه، في مؤتمره الصحافي ذاته في نيويورك، أعلن أيضا وبصراحة أن موسكو لا تعتبر الجيش السوري الحر تنظيما إرهابيا!!مضيفا حسب قوله «..بل يجب أن يكون الجيش الحر جزءا من العملية السياسية..وهذا ضروري لتأمين مفاوضات ثابتة للتسوية السياسية».

فهل في تصريحات لافروف في نيويورك ما يوحي بتخلي موسكو عن الأسد أخيرا؟ وهل لدى موسكو مبادرة سياسية غير معلنة مرافقة لتحركها العسكري على الأرض؟ وما هي الدوافع الحقيقية للتدخل الروسي؟

المحلل السياسي خيري جانبيك والخبير في العلاقات الدولية المقيم في باريس، يرى أن موسكو حققت هدفها النهائي والأكبر، وباقي الأهداف عناوين فرعية بالنسبة لروسيا حسب رأيه لحماية العنوان الأكبر. فيشير جانبيك إلى ان روسيا تاريخيا كانت ومنذ الأزل تبحث عن تحقيق حلمها بالمياه الدافئة، وهذا ما تحقق في القواعد العسكرية واللوجستية على الساحل السوري، وعليه فإنه من ضرب العبث والسذاجة ـ حسب جانبيك ـ التصور ان موسكو ستنسحب من تلك المياه بأي حال من الأحوال.

ويرى، أن روسيا انتظرت الحلول التي وعد بها التحالف الغربي ضد الإرهاب من بينها حلول حول الأزمة السورية وبديل للنظام، وهو ما لم يحدث كما يقول، مما دفع الروس إلى حسم الموقف المعلق بدعم الأسد ونظامه لكن ـ يضيف جانبيك ـ حتى المرحلة الانتقالية.

وعن المرحلة الانتقالية يشير، بأنها عبارة متداولة لدى جميع الفرقاء، ولم يتحدث أحد حتى اليوم عما بعد تلك المرحلة مما يعني حسب رأيه، أن العالم لديه تصور الآن للوصول إلى مرحلة انتقالية بدون أي تصور لما بعدها لمستقبل سوريا نفسها، مؤكدا ان الأمريكان أعلنوا موقفهم المتمثل بنقطتين أساسيتين: موقفهم الاستراتيجي بعدم التدخل المباشر (استراتيجية أوباما) وموقفهم المعلن بعدم المواجهة مع روسيا.

ويشير خيري جانبيك إلى أن روسيا تحمل في جعبتها تصورا سياسيا لا يتجاوز المرحلة الانتقالية، والدليل أنها تجهز الآن لدعوات لمؤتمر في موسكو دعت إليه كل الفرقاء والأطراف (ما عدا الأردن ) وهدف روسيا من المؤتمر هو الوصول إلى تحديد ملامح التأثير الروسي في العراق وسوريا، وكذلك إعطاء ضمانات للسعودية للوصول إلى تفاهمات نهائية، وعليه ـ حسب جانبيك ـ فإن لدى موسكو خريطة طريق في المرحلة الانتقالية.

وحسب التقارير الصحافية ودراسات بعض المراكز البحثية فإن التدخل العسكري الروسي لا يلقى شعبية في روسيا نفسها.

وحسب دراسة أجراها مركز ليفادا الروسي في موسكو، فإن أقلية قليلة جدا في روسيا تدعم قرارات الرئيس بوتين في التدخل الروسي لدعم نظام دمشق، حيث عارض 69 ٪ من عينات الدراسة التدخل العسكري المباشر بينما أيد 14 ٪ فكرة ان يقوم الروس بإرسال قوات دعم إلى سوريا.

هذه المعضلة هي التي جعلت الكرملين يضع في حاشية أسرع قراراته وعودا للشعب الروسي بأن من سيرسلهم من قوات هم فقط المتطوعون، وأن التدخل العسكري لن يتجاوز الطلعات الجوية.

وحسب مراقبين فإن روسيا دخلت حروبا مزدوجة تجري على الأرض السورية، أو متاهة الأزمات العنقودية كما يصفها البعض. ففي سوريا يجري الآن صراعان يتفرع عنهما صراعات متجددة، أحدهما وهو الأوسع ضد تنظيم الدولة الإسلامية حيث يتفق جميع الفرقاء على التخلص منه، لكن هنالك الصراع الطائفي الذي يضع تركيا السنية في مواجهة إيران الشيعية مع باقي وكلاء الفريقين على الأرض السورية.

من هنا فإن بوتين حسب المعارضين لخطوته العسكرية يخاطر بجر روسيا إلى معركة معقدة أكثر من أفغانستان كما يرون.

وحسب الإعلامي والمحلل سامر الياس المقيم في الدنمارك وقد عمل في وسائل إعلام روسية سابقا، فإن تدخل بوتين العسكري خاسر على الجهتين حسب قوله، فهو لو انتصر على تنظيم الدولة وباقي أهدافه فإنه سينتهي حليفا لنظام هش ودولة ضعيفة يمثلها نظام الأسد. ولو انتهى بفشل وإخفاق فهذا سيجعله في مرمى الاستهداف من قبل التطرف الإسلامي الذي سيصل إلى روسيا مما يضعه في حالة مشابهة لحالة الولايات المتحدة بعد تدخلها العسكري في أفغانستان.

وحسب إلياس، فإن المشكلة الحقيقية في موسكو ولدى دائرة صناعة القرار فيها انهم لا يملكون القدرة على خلق استراتيجيات رغم براعتهم في صناعة التكتيك، منوها إلى ضرورة التذكير دوما بالديمغرافية الإسلامية الواسعة التي تقع في الخاصرة الروسية.

ويرى أن روسيا لم تكن لتقدم على تلك الخطوة لولا توافقات مع الولايات المتحدة والسعودية لكن تداعيات الأحداث فيما بعد صارت خارج السيطرة، مدللا بالبيان المأسوف عليه الصادر عن الكنيسة الروسية بأن الحرب في سوريا طابعها مقدس، وهو ما يضع الصراع في مستويات غير عقلانية.

ويؤكد ان موسكو غير متمسكة بالأسد وهناك أكثر من تصريح روسي رسمي على لسان مسؤولين من بينهم لافروف نفسه أعلنوا فيه أنهم ليسوا متمسكين بالأسد. وعليه يرى إلياس ان تحرك موسكو يتوافق مع ما تريده واشنطن، وأن الحروب بالوكالة ارتفع مستواها بهذا الشكل.

وفيما يبدو أن التحرك الروسي يلقى دعما حذرا من الغرب، فقد توقع وزير الخارجية الألماني فرانسك شتاينماير أن تساعد مشاركة روسيا في تسوية الأزمة السورية، وهو ما يضع تصورا لدى أوروبا بضرورة وجود حل سياسي مع ربط الوزير للتدخل الروسي بحل الأزمة الأوكرانية التي تجد أوروبا فيها معضلة في مجال القارة الحيوي.

وكانت صحيفة «كوميرسانت» الروسية قد كشفت النقاب عن ان وزير خارجية أمريكا جون كيري سلم نظيره الروسي لافروف في لقاء سابق في نيويورك خطة عمل تتضمن كيفية رحيل الرئيس السوري وتنحيه عن السلطات، وقالت الصحيفة ان هذه الخطة تتضمن منح ضمانات للرئيس السوري والمقربين منه في حال التنحي عن السلطة في دمشق.

وعلمت «القدس العربي» أن مجموعة من المعارضة السورية وضعت مشروعا لخطة انتقال سياسي تفصيلية لا تتضمن الرئيس السوري بشار الأسد أو المقربين منه. وفي الخطة المطروحة (وقد حصلت القدس العربي على نسخة منها) تفاصيل المرحلة الانتقالية والتي يصف واضعوها أنفسهم بالخبراء السوريين ويصفون الوثيقة برؤية مشتركة لمستقبل سوريا وبلورة لخطة عملية واضحة للإنتقال السياسي تضمن رحيل بشار الأسد وقياداته، منوهين في مقدمة الوثيقة إلى أن دور السوريين في تقرير مصيرهم كاد ان يخرج من الصورة لحساب القوى الإقليمية والدولية المتنازعة.

وكنا في «القدس العربي» وسعيا للموضوعية والمهنية قد حاولنا الاتصال بالمكتب الإعلامي في الخارجية الروسية في موسكو أكثر من مرة الأسبوع الماضي، لتضمين التقرير رأيا رسميا روسيا، لكن المكتب الصحافي في الخارجية لم يتكلف عناء الرد حتى اليوم.

القدس العربي

 

 

 

 

 

العرب ومسألة روسيا في سورية/ كلوفيس مقصود

تطورات تحصل حالياً في المنطقة العربية من شأنها أن تمهد لإعادة الخريطة بشكلٍ، يستهدف رسوخ الوجود الروسي، لا في سورية فحسب، بل في خطوات التنسيق بين إيران والعراق وروسيا وسورية. عمل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على ترسيخ هذا التحالف المحتمل، وجعله إحدى آليات التنسيق بين الدول المذكورة، والعمل الدؤوب على أن تتمتع هذه المجموعة بما يمكنها من مناعةٍ، تؤهلها لاحتمال تغيير جذري في الجغرافيا السياسية، وتوفر ضماناً لروسيا أن تستعيد بعض النفوذ الذي كان لها في أثناء وجود الاتحاد السوفييتي، إلا أن أي دليل على استقطاب ثنائي بين روسيا والولايات المتحدة لن يغيّر في ميزان القوى دولياً، بحيث يبقى الاتحاد الأوروبي طاقة احتياطية لدور أميركي إذا اقتضت الحاجة.

ما يهمنا، كأمة عربية، أن لا ينسحب هذا الاستقطاب المستجد على احتمالات قدرة الدول العربية على الاستمرار في ممارسة استقلالها، واتخاذ قراراتها بصورة سيادية قومية. من هذا المنظور، من الأهمية بمكان أن تستعيد الدول العربية المناعة.

يستتبع ذلك أن روسيا كانت أكثر تصميماً على ترسيخ وجودها في سورية، بهدف الإسهام في محاربة داعش وأمثالها، حيث توجد أعداد كبيرة من أبناء الشيشان وآسيا الوسطى، وثانياً كونها حريصة على أن يكون لها حضور استراتيجي عسكري، من خلال قاعدتها البحرية في طرطوس، وتأمين استقرار عالمي في هذا الحقل الاستراتيجي لها. كما توجيه رسالة إلى العالم والولايات المتحدة أن روسيا تدعم حلفاءها، حتى لو اقتضى ذلك تدخلاً عسكرياً منها. من هنا، حرصها على إظهار تأييدها والتزامها التاميْن بالنظام السوري. كما أنها توجه رسالة إلى مواطنيها في الداخل بأن روسيا ما زالت دولة عالمية قوية، ولم تنكفئ عن دورها العالمي. هذا ما يفسر اتفاق روسيا مع كل من إيران والعراق وسورية على التحالف وتبادل المعلومات في مواجهة داعش، وغيرها من المنظمات الإرهابية.

لن يتم هذا الاندفاع الروسي على المنطقة من دون مساع معاكسة للحد من هذا التمدد، بما يوحي أن هذه المنطقة لا يمارس فيها النفوذ الذي يعيد الاستقطاب، بل إن من شأن الدور الأوروبي أن يضع حداً للثنائية التي قد تنشأ في حال استمرار السياسة الأميركية في حذرها، كما مارسته منذ بداية الأزمة السورية التي تفاقمت في السنوات الأربع الماضية.

هل يعني ذلك أن الولايات المتحدة لن تتدخل في هذا الوضع الجديد؟ وأين موقف إسرائيل من

“تسعى روسيا إلى إظهار نفسها للعالم أنها ما زالت دولة قوية ذات شأن، أما أميركا فهي لا تحتاج إلى ذلك، إذ يكفي مجرد وجودها أو احتمال تدخلها لإضفاء جدية على الوضع العام” ذلك كله؟ تعتقد الأخيرة أن الموقف الأميركي يشكل رادعاً لمحاولة إسرائيل القيام بضربات عسكرية في المنطقة. وهذا بمثابة الدور الأميركي الذي يعتقد أنه يوفر استقراراً استراتيجياً بين خصوم تقليديين لإسرائيل في الدول العربية وإيران. وبالتالي، يشكل محافظة على المصالح الأميركية، بدون المشاركة العملية، ما يوفر لها حرية الحراك الاستراتيجي العام في المنطقة، إذا اضطرت إلى ذلك.

هذا التطور الجديد الحاصل في المنطقة، والذي يعتقد بعضهم أنه يوفر الاستقرار للحكومات الموجودة حالياً، لا يعني مطلقاً أن النظام السوري القائم مع الدعم الروسي القوي سيبقى في منأى عن تغييرات كبيرة مطلوبة، تتسم بالانفتاح السياسي مما سورية عليه الآن.

وتسعى روسيا، في الظرف الراهن، وعبر تدخلها في سورية، وإقامة تحالفات مختلفة مع بعض الدول، إلى إظهار نفسها للعالم أنها ما زالت دولة قوية ذات شأن، وإن لم تعد كما كانت عليه أيام الاتحاد السوفييتي. أما الولايات المتحدة، بقوتها وهيمنتها، فليست بحاجة إلى إثبات ذلك. إذ يكفي مجرد وجودها واحتمال تدخلها في منطقة أو دولة ما لإضفاء جدية على الوضع العام. لذلك، هي تتردد كثيراً قبل أي تدخل، ولا تتصرف إلا عندما يكون هنالك ضرورة ترجيح قوة على أخرى. هذا نتيجة قناعة عامة بأن الولايات المتحدة هي الدولة العظمى بالمطلق. وعليه، يجب أن لا تعوق هذه الحسابات الدول العربية عن التنسيق الملزم فيما بينها. واتخاذ ما يستوجب من إجراءات، لاستعادة المناعة التي أضعفتها الحروب الداخلية، وعودة تأهيل جامعة الدول العربية، بما يمكنها من التدخل السريع عند الاضطرار وتوفير السلام الأهلي بين شعوبها، فهي، بنظري، ينبغي أن تكون الجهاز الحريص على إبقاء شعلة الوحدة بين أقطارها، والتكامل بين أعضائها، حتى تسترجع الأمة دورها النهضوي، وأن تتصرف فريقاً قومياً ملتزماً بمصالح الأمة، من دون تمييز.

قد يقال إن هذه التمنيات والاقتراحات مرّ عليها الزمن، وهي من باب التفاؤل، ومحاولة لردع الحالة الراهنة في العالم العربي. وقد يكون صحيحاً أن استرجاع الأمل صعب، لكنه غير مستحيل. الأهم أن نسترجع البوصلة، ونركز جهودنا على استعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية، ووقف الحروب العبثية القائمة داخل الدول العربية وبينها، وأن نرجح التزاماتنا على إمكانية الإنجاز، وأن نستعيد حيوية الجماهير العربية وتفاؤلها، تأميناً لمستقبل أجيالنا، حتى لا تصبح الهجرة الجماعية بديلاً لتوظيف طاقاتنا، لإعادة بناء مجتمعاتنا والإصرار على تنميتها. كما استرجاع دورنا الثقافي والحضاري، لكي لا تبقى هذه الطاقات البشرية مهمشة، بل فاعلة بكامل طاقاتها وحيويتها.

العربي الجديد

 

 

 

 

المسرح السوري وتقسيم العمل الإيراني الروسي/ أنيس الوهيبي

تشهد الأزمة السورية نقلة كبيرة مع وصول مئات الجنود الروس إلى سورية، برفقة أحدث ما لدى الجيش الروسي من طائرات ودبابات. تذكّر هذه النقلة بنقلة أخرى، مرت بها الأزمة عقب انخراط إيران، وحلفائها من المليشيات العراقية واللبنانية، إلى جانب النظام بعد معارك صيف 2012.

تعلم روسيا التي راقبت انتكاسات النظام في الأشهر القليلة الماضية أن الجيش النظامي فقد كل رغبة أو قدرة على تحقيق اختراق ذي معنى في الحرب الدائرة داخل سورية، وأن سياسة دعم الجيش بقوى غير نظامية من عناصر سورية في البداية، ومن ثمّة، رفده بعناصر عراقية ولبنانية في مرحلة ثانية، وأفغانية ثالثاً ثم إيرانية في النهاية، لم تعد تجدي نفعاً سوى في المحافظة على بعض المناطق، واستعادة بعضها، ما يعد “حيوياً ومهماً”، لكن، من وجهة نظر إيران.

ولكي يرد حلفاء النظام على الانتكاسات التي تعرّض الجيش النظامي لها، وخصوصاً في إدلب ودرعا، فإن الاختيار انحصر في واحد من أمرين: إيفاد قوات عسكرية من عشرات آلاف العناصر، إلى ساحة القتال، تواجه، كتفاً إلى كتف الجيش النظامي، الثوار، أو الرضوخ لمنطق التسوية الأميركي السعودي.

وقد عرضت إيران، بشكل علني، إرسال قواتها إلى سورية. وبالفعل، وصل مئات الجنود الجدد إلى سورية، بعد زيارة وزير دفاع النظام، فهد الفريج، إلى طهران في أبريل/نيسان الماضي، وانتشروا في الساحل وحماة وحمص ودمشق. وعلى أية حال، فقد ظلوا بعيدين عن الأنظار. ومنذ ذلك الحين، غدت التصرفات الإيرانية أكثر إحراجاً للنظام. ولكن، لم يكن هناك بدّ من السكوت. وطرأ تحول على استراتيجية النظام في شهر مايو/ أيار، عندما طلب بشار الأسد، في مقابلة مع وسائل إعلام روسية، من روسيا تعزيز وجودها في سورية. لم يكتف بهذا الطلب، بل أرسل موفدين أمنيين وعسكريين رفيعين إلى موسكو، لمناقشة الطلبات السورية.

ولأن موسكو لم تكن تريد أن تتنازل بسهولة أمام خسائر النظام، أو أن تغطي تدفق عشرات الآلاف من جنود الحرس الثوري الإيراني، والذي قد ينتهي بتفاهم إيراني أميركي بشأن سورية، فقد أخذت قرارها بالتدخل لصالح النظام. مع ذلك، اقتضى القرار الروسي حصول اتفاق بين روسيا وإيران على خطة التحرك وتقسيماً للعمل. لذلك، أوفدت طهران رجلها، قاسم سليماني، إلى موسكو لعقد التفاهمات الرئيسية.

ولفهم مجريات العمليات العسكرية المستقبلية، وتحليل عناصر تقسيم العمل بين موسكو وطهران، على الأرض السورية، لا بد من استقراء المصالح الروسية والإيرانية في سورية والمنطقة.

تقسيم العمل

تعد منطقة الساحل السورية نقطة انطلاق للاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط. ولموسكو قلق وهواجس من دور تركيا في شمال سورية، لانعكاساته المحتملة على استراتيجيتها البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط. وموسكو مهتمة بالتطبيقات الجيوسياسية للجغرافية السورية التي تشكل “مسرحاً استراتيجياً” يؤثر في قضايا حيوية عديدة للنظامين الدولي أو الإقليمي: (الصراع العربي الإسرائيلي، القضية الفلسطينية، القضية الكردية، الصراع العربي الفارسي، الصراع التركي الفارسي، الصراع السني الشيعي، أنابيب النفط والغاز، أمن الخليج).

“الخطورة في مشروع إيران السوري أنها تعمل على إحداث تغييرات ديمغرافية، من قبيل تهجير سكان منطقة ما، وإحلال سكان آخرين مكانهم”

هذه العوامل تجعل الاهتمام الروسي يطاول جميع أجزاء الجغرافية السورية، على أن يتم التعامل مع هذه الأجزاء وفق أولويات متدرجة، تشمل الساحل ومتعلقاته في إدلب في البداية، وفي الأهمية نفسها، زيادة طوق الأمان حول دمشق، ولاحقاً مدينة حلب، ثم تأتي بقية المناطق.

في المقابل، تعتبر طهران أن السيطرة على منطقة دمشق الكبرى، والتي تضم مدينة حمص بطبيعة الحال، أولوية لاتصالها بلبنان عبر القلمون وريف حمص، واتصالها بالعراق عبر البادية، وبفلسطين عبر سهل حوران والقنيطرة. وتقلق إيران من الاستراتيجية السعودية، عدوتها الإقليمية التي تحاول الانقضاض على دمشق، عبر رؤوس جسور تنطلق من غوطة دمشق وسهل حوارن. فالاستراتيجية الإيرانية في سورية لا تهتم بكامل الأراضي السورية، بل بتحقيق التواصل بين سورية والعراق عبر حمص، وبين لبنان وسورية عبر حمص وريف دمشق، وجنوب سورية مهم بالنسبة لطهران للضغط على إسرائيل. والخطورة في مشروع إيران السوري أنها تعمل على إحداث تغييرات ديمغرافية، من قبيل تهجير سكان منطقة ما، وإحلال سكان آخرين (شيعة على الأغلب) مكانهم.

وبناءً على ذلك، يمكن توقع أن تركز إيران عملياتها في أي تقسيم عمل على جنوب سورية وشرقها، في مقابل تركيز روسيا على الأقل في المرحلة الأولى، على شمال سورية وغربها. حيث ستعمل روسيا على زيادة تأمين منطقة الساحل، عبر استعادة السيطرة على مدينة جسر الشغور في ريف إدلب، ومن هناك، تدمير الاستراتيجية التركية المنادية بـ”حلب أولاً”، عبر إسقاط للقوة من الساحل إلى المدينة عبر طريق اللاذقية – حلب المار من سراقب وأريحا. لكن موسكو ستكون حريصة على زيادة تأمين النظام في دمشق، بمساعدته على حسم بؤر درعا وغوطة دمشق.

وعلى أية حال، يؤكد وصول قوات روسية إلى العاصمة دمشق وانتشارها في العباسيين وانتقال قيادة العمليات على جبهة جوبر من الإيرانيين إلى الروس، نيات روسية حيال غوطة دمشق الشرقية عموماً.

انعكاسات.. وخطوط حمر جديدة

أعاد الانتشار الروسي في سورية التأكيد على خطوط موسكو الحمراء في الأزمة السورية. وجاء الوجود العسكري ليوفر ضمانة صلبة لمصالح روسيا الحيوية في سورية، سواء في استمرار النظام، أو في ضمان أمن الساحل السوري.

انهارت الضمانات التي قدمتها واشنطن لموسكو، بخصوص عدم تعريض الساحل لتهديد

“ستضطر كلّ من واشنطن وأنقرة والرياض وعمّان وإسرائيل للتكيّف مع الوجود الروسي العسكري، وربما التنسيق مع موسكو” عسكري، عقب سيطرة “جيش الفتح”، مدعوماً من تركيا والسعودية، على إدلب، وهجومه لاحقاً نحو سهل الغاب. وترافق ذلك مع المعادلة التي أعلنتها السعودية، القاضية برحيل بشار الأسد بحل سياسي، أو بعد هزيمة عسكرية للجيش الذي استثمرت فيه موسكو سياسياً وعسكرياً أكثر من 60 عاماً، ما يقضي على نفوذ روسيا في الشرق الأوسط تماماً.

في المقابل، ستشدد طهران على خطوطها الحمراء السابقة، والتي تشمل خطوط التواصل بين النظام وحزب الله وحمص والسيدة زينب في ريف دمشق، بينما ستضطر كلّ من واشنطن وأنقرة والرياض وعمّان وإسرائيل للتكيّف مع الوجود الروسي العسكري، وربما التنسيق مع موسكو.

فتحت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أبواب التنسيق العسكري مع روسيا. وبينما ما زال من المبكر القول إن واشنطن وموسكو وصلتا إلى تقسيمٍ يحصر الجهد الحربي الأميركي في العراق، والروسي في سورية، فقد دلت عدة مؤشرات على نية إسرائيل حصر عملياتها في محافظة القنيطرة، وربما في محيط قرية حضر فقط، حيث أسس حزب الله وإيران بنية مؤيدة لهما. في المقابل، انسحبت عمّان إلى موقع الحياد وقررت تفكيك غرفة “الموك”، وهو قرار يبدو أن واشنطن ليست بعيدة منه. وربما كانت السعودية وتركيا أكثر الأطراف المستهدفة من الانتشار العسكري الروسي. السعودية التي تعتقد أن دمشق لا بد أن تُنتزع من براثن النفوذ الإيراني، وتعود عربيةً كما كانت، سيكون عليها تأكيد خطها الأحمر حول غوطة دمشق الشرقية وحوران، بينما ستجد تركيا نفسها أمام تحد كبير فيما يتعلق بإدلب، وأكبر فيما يتعلق بحلب.

وسبق لسورية أن اجتازت مرحلة مماثلة، في مطالع العام 2013، إبّان بدايات الدخول الإيراني العسكري إلى البلاد، حيث تم تحديد دوائر وخطوط حمر لتقييد الحركة الإيرانية في الميدان السوري، وخصوصاً في شمال البلاد وجنوبها. وأدى خرق إيران، في مطلع العام الجاري، هذه الخطوط الحمراء، إلى تفعيل التحالف التركي السعودي، والذي تمكّن من كسر الهجمة الإيرانية نحو درعا وحلب في البداية، ومن ثمة قلب الطاولة على الإيرانيين والنظام، عبر هجومين في إدلب ودرعا، استدعيا الانتشار الروسي الحالي.

لكن، هناك هذا الفارق الأساسي بين التدخليْن، الإيراني والروسي، بالنسبة لكل من تركيا والسعودية. لقد عرّفت أنقرة والرياض التدخل الإيراني بوصفه “احتلالاً لسورية”، و”عدواناً” على مصالحهما، لكنهما ارتبكتا إزاء التدخل الروسي، على الرغم من محاولات الرياض المنفردة لوضع حدود معينة.

وفي النهاية، فإن التدخل الروسي، بشكله الحالي، حسّن مواقع إيران الإقليمية، إذ بينما وجدت طهران حليفاً دولياً (روسيا) تشد أزرها به في المواجهة على النفوذ في الهلال الخصيب، وسط تهافت أميركي وغربي على التعاون مع نظام الملالي في المنطقة، فإن أنقرة والرياض لا تثقان كثيراً بحليفهما الدولي (الولايات المتحدة)، وربما اضطرّتا، تحت تأثير ذلك، إلى إطلاق مشاورات سياسية مع موسكو بشأن عملياتهما الإقليمية.

بوتين.. بريجينف أم أندروبوف؟

يرسم بعضهم سيناريو مستقبلياً لسورية بعد التدخل الروسي، مشابهاً لما جرى في أفغانستان عقب الغزو السوفييتي، وهم بذلك يغفلون عن فوراق كبيرة بين الحالتين، ربما في مقدمتها الفارق بين فلاديمير بوتين “الواقعي القاسي”، والرئيس السوفييتي الأسبق، ليونيد بريجنيف “الأيديولوجي المتعصب”. وربما كان من الصواب تشبيه بوتين بالزعيم السوفييتي، يوري أندروبوف، وتدخل الأول في سورية، بتدخل الأخير في الأزمة اللبنانية عام 1983، إلى جانب حافظ الأسد المهزوم.

فإثر تحطيم الجيش الإسرائيلي الجيش السوري العامل في لبنان، وتدمير منظومات السلاح السوفييتية المضادة للطائرات والطائرات السوفييتية التي كانت في حوزة حافظ الأسد فوق الأراضي والأجواء اللبنانية، تدخل أندروبوف، بكل قوة، لترميم القوة السورية، بينما لعبت طهران دوراً مهماً في بناء حزب الله الذي عمل على إخراج الإسرائيليين من المناطق الشيعية في لبنان.

يشابه وضع النظام العسكري في مواجهة خصومه وضعه في تلك المرحلة من حرب لبنان. ويعتقد بوتين أنه أندروبوف آخر، سيعيد إنقاذ أسد آخر من مصيره أمام القوى الغربية. وعلى أية حال، لا يبدو أن في وسع روسيا تكرار تجربة أندروبوف في لبنان، وعلى الأرجح، أن يقود التدخل الروسي سورية إلى تجارب مشابهة لما جرى في بلدان أخرى، دخلها الجنود الروس في هذا العقد، مثل جورجيا وأوكرانيا.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

 

كيف تغطي روسيا نفقات حربها في سوريا؟/ جاسم عجاقة

ستون دولاراً أميركياً هي قيمة إنخفاض سعر برميل النفط بين أعلى نقطة له في العام 2014 وسعر اليوم. وتعود أسباب هذا الإنخفاض إلى عوامل إقتصادية وجيوسياسية. فكيف لروسيا، المُتضرّر الأول من هذا الإنخفاض، قدرة على فتح حرب في سوريا مع تآكل إحتياطها من العملات الأجنبية؟.

أشعلت الأزمة الأوكرانية حرباً باردة جديدة بين روسيا والغرب على الصعيد السياسي، العسكري والإقتصادي. وشكّل إحتلال القرم من قبل الروس ودعمهم للمتمردين في جنوب شرق أوكرانيا،إشارة الإنطلاق لعقوبات إقتصادية غربية على روسيا بهدف لجم شهيتها العسكرية. إلا أن هذه العقوبات لم يكن لها من مفعول آني على الاقتصاد الروسي نظراً لحجم السوق الإستهلاكي وغناه بالمواد الأولية وإستمرار التبادل التجاري مع بعض الدول النامية. لذا كان من الضروري بالنسبة للغرب أن تكون هناك ضربة قوية للإقتصاد الروسي تلجم مطامع بوتين في بلدان أوروبا الشرقية.

وهنا كانت فكرة الغرب بخفض أسعار النفط إلى مستويات متدنية وذلك بهدف حرمان الخزينة الروسية من قسم كبير من مداخيل النفط والتي تُشكل 80% من مجمل مداخيل الخزينة الروسية. وهذا ما يؤدي دون شك إلى إنهيار في سعر صرف الروبل الروسي مقابل العملات الأخرى. لكن تخفيض سعر النفط لم يكن مُمكناً عبر خفض الطلب، لأن العادة السارية هي أنه عند إنخفاض الطلب ولكي تحافظ دول الأوبك على أسعار عالية، كانت تعمد إلى خفض الإنتاج وبالتالي موازاة الطلب ما يعني المُحافظة على أسعار عالية. من هنا كان التعاون الأميركي مع الحليف الإقليمي – اي المملكة العربية السعودية – لتنفيذ هذه الخطة عبر المحافظة على مستويات عالية من الإنتاج وبالتالي فائض في العرض ما يدفع الأسعار إلى الإنخفاض.

وبقيت هناك مخاوف من أن تعمد بعض دول الأوبك إلى خفض إنتاجها للمحافظة على سعر عال، لكن السعودية تملك قدرة إنتاجية إضافية بقيمة مليوني برميل يومياً غير مُستخدمة. ما يعني أن أي خفض للإنتاج من بعض دول الأوبك، ستعوضه المملكة بإنتاج إضافي.

لكن هذه الخطة لضرب الاقتصاد الروسي وإضعاف تمويله كان لها فوائد أخرى تمثّلت بإضعاف أيران مالياً. فالنفوذ الإيراني كان في إزدياد مُستمرّ في منطقة الشرق الأوسط وذلك على الرغم من العقوبات الإقتصادية التي فرضها الغرب والأمم المُتحدة على الاقتصاد الإيراني ومؤسساته المصرفية. وهذا التمدّد في النفود الإيراني، لم يكن بالطبع مرحباً به من قبل الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، بل على العكس أظهرت هذه الدول مخاوف من تمدد هذا النفوذ إلى مناطق جغرافية أخرى في العالم العربي. لذا كان لخفض سعر برميل النفط أثر كبير على مداخيل الجمهورية الإسلامية، وبالتالي لجم قدرتها على تمويل حلفائها في المنطقة.

المُفاجأة الروسية

في عالم الإقتصاد، يُعتبر الإحتياط من العملات الأجنبية عاملاً أساسياً لإمتصاص تداعيات أي أزمة إقتصادية أو سياسية أو أمنية. وبالتالي فإن أي دولة تشنّ حرباً، يقلّ إحتياطها بشكل تلقائي نتيجة عاملين: الأول الدفاع عن العملة الوطنية والثاني تمويل العمليات العسكرية. والخطة الغربية بخفض أسعار النفط تهدف قبل كل شيء إلى ضرب إحتياط روسيا من العملات الأجنبية ما يجعلها عاجزة عن تمويل حروبها إن في أوكرانيا أو في أي دولة أخرى. وبالفعل تضرر الإحتياط الروسي من العملات الأجنبية إذا إنخفض من 510 مليار دولار أميركي في أول العام 2014 إلى 368 مليار في أيلول 2015. ومن المُتوقع أن يستمر بالإنخفاض تحت تأثير العقوبات المفروضة على روسيا وتحت تأثير إستمرار أسعار النفط على المستوى الحالي.

لكن المفاجأة الروسية والتي تمثلّت بدخولها المُستنقع السوري، تطرح السؤال حول قدرة روسيا على تمويل عملياتها العسكرية مع الأخذ بعين الإعتبار خسارتها لأكثر من 100 مليار دولار من إحتياطها في ظرف عام واحد. بالطبع، إن العمليات العسكرية الروسية في سوريا مُكلفة وقد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات في اليوم الواحد بحسب حجم العمليات. وعلى سبيل المثال، إبان عدوان تموز 2006، كانت الكلفة اليومية لعمليات الجيش الإسرائيلي على لبنان توازي 370 مليون دولار!.

كيف يُمكن لروسيا تمويل حربها في سوريا؟

هناك إحتمالات عديدة أمام الكرملين لتمويل العمليات العسكرية في سوريا . لكن قبل الغوص في هذه السيناريوهات يجب معرفة أن الكلفة الأكبر تأتي من الوقود والصواريخ.

في ما يخص الوقود، يجب عدم نسيان أن روسيا دولة مُنتجة للنفط وبالتالي يُمكن لها أن تجلب المخزون من روسيا، لكن أيضاً يُمكن لحظ إمكانية الإعتماد على نفط سوريا أو إيران في هذه العملية. من هنا نتوقع أن تتم مهاجمة آبار النفط في سوريا التي تُسيطر عليها التنظيمات المُسلّحة لكي يتمكن الروس من الإستفادة منها. أما في ما يخص الصواريخ، فإن الإنتاج الروسي منها وفير والسبب يعود إلى الأزمة الجيورجية والتي دفعت بالسلطات الروسية إلى تحديث ترسانتها الصاروخية بالتعاون مع الصين، وزادت هذه الإستعدادات أكثر مع الأزمة الأوكرانية.

لكن بالطبع كل هذه النفقات لن تكون مجانية ولا بد لسوريا أن تدفع قسما منها على الأقل. وهذا يُمكن أن يتمّ عبر عقود التنقيب عن النفط مقابل السواحل السورية وعقود إعادة بناء سوريا التي ستذهب بشكل حصري إلى روسيا.

في الختام لا بد من القول أن روسيا ستستخدم ورقة التدخل العسكري في سوريا لكي تُحاول رفع العقوبات عنها. وما يُبرر هذا الإحتمال، الخوف الغربي من أن تمتد أثار الحرب ضد التنظيمات المُسلّحة في سوريا إلى الدول النفطية المُجاورة وهذا ما لن تسمح به الولايات المُتحدّة الأميركية.

المدن

 

 

 

التدخل الروسي في سوريا يحد من الخيارات التركية/ عبد القادر عبد اللي

شكّل التدخل الأميركي في العراق عام 2003 عقدة لدى السياسيين الأميركيين، تُتخذ ذريعة لعدم تدخل الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، من جديد، بحسب رأي أغلب مراكز الدراسات الاستراتيجية. الأمر ذاته ينطبق على عدم موافقة البرلمان التركي على المشاركة في قوات التحالف الدولي في العراق، الذي شكّل عقدة لدى السياسيين الأتراك. فذلك التدخل انتهى بنفوذ إيراني كبير، أدى إلى خلل التوازن بين القوتين الإقليميتين لصالح إيران، وفشلت المحاولات التركية كلها لتعويض تلك الخسارة.

لعل هذا الأمر دفع بتركيا لاتخاذ موقف “سياسي” حاسم من النظام السوري خشية أن تكون سوريا عراقاً ثانياً، وتميل التوازنات الاستراتيجية لصالح إيران بشكل نهائي.

ولكن التدخل الإيراني في سوريا بغض طرف أميركي تطور لاحقاً ليكون بمباركة وتحالف مع أميركا، ما أضعفَ الموقف التركي كثيراً، وكبّل صناع القرار في هذا البلد، وهذا ما ضيّق الخيارات أمامهم.

ضاقت الخيارات التركية أكثر إثر انقلاب عبدالفتاح السيسي في مصر، والخلاف السعودي التركي تجاهه، وانعكس هذا الخلاف على المعارضة المسلحة السورية، إذا تزامنت أكبر خسائرها في تلك الفترة. وبقي الخلاف التركي-السعودي عائقاً أمام تقديم دعم جدي للمعارضة السورية حتى 23 كانون الثاني/يناير 2015، حين توفي الملك عبدالله، وتسلم الملك سليمان الحكم في السعودية. وليست وفاة الملك وحدها ما غيّر السياسة السعودية التركية، بل الانقلاب الحوثي بدعم إيراني مباشر في اليمن جعل المملكة العربية السعودية تعيد حساباتها. وقد حققت المعارضة السورية المسلحة أغلب إنجازاتها الكبرى بعد ذلك التقارب في الشهور الأخيرة.

استعادت تركيا في هذه الفترة شيئاً من فاعليتها، وساد جو من التفاؤل في الأوساط المعارضة للنظام السوري. ولكن ما إن تنفست الحكومة التركية قليلاً في هذه القضية، حتى دخل عامل حزب “العمال الكردستاني” ليشغلها، ويكبّل تدخلها إلى حدٍ كبير. ولكن الجو العام، وسير المعارك أعادت للحكومة التركية شيئاً من توازنها، وبدأت مرحلة من الانسجام بين السياسيين والعسكر في تركيا. وقبل أن تظهر أي نتائج حقيقة على الأرض السورية، دخلت روسيا على خط الصراع بشكل مباشر.

من الواضح أن التدخل الروسي المباشر في سوريا فاجأ الجميع، ولعل تركيا أكثر الدول التي فوجئت به، إذ بعد أن كانت القضية السورية متروكة للدول الإقليمية، ولاعبيها الأساسيين إيران من جهة، والسعودية وتركيا وقطر من جهة أخرى، جاء التدخل الروسي لا ليخرب الموازين العسكرية فقط، بل ليدخل القضية بعداً جديداً أكثر تعقيداً.

ترتبط تركيا مع روسيا بعلاقات غاية بالتعقيد. فشبه جزيرة القرم على سبيل المثال منطقة تضم نسبة 35 في المئة من ذوي الأصول التركية. وكان هناك اختلاف واضح بين روسيا وتركيا في القضية الأوكرانية، لأن الأتراك فيها أكثر من الروس. ولكن على الصعيد الاقتصادي تعتبر تركيا واحداً من أكبر الشركاء الاقتصاديين لروسيا، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 32.7 مليار دولار وفق معطيات 2014، وهناك مؤشرات على زيادة هذا الرقم في النصف الأول من العام الحالي. وبالمقارنة مع حجم التبادل التجاري بين تركيا والاتحاد الأوروبي (حتى النصف الأول من 2015) الذي بلغ 71.2 مليار يورو، يظهر بوضوح مدى التداخل في العلاقات بين البلدين. ومن جهة أخرى هناك مشروعات عملاقة قيد الدراسة وأخرى قيد التحضير والإنشاء لجر الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا، وهذا ما يمكن أن يرفع الأرقام كثيراً، ما يزيد الوضع حرجاً.

في فترة التقارب السعودي-التركي كانت الطائرات الحربية التركية تدخل الأجواء السورية، وتقصف قواعد “داعش” في إطار التحالف الدولي، وحتى إنها نفّذت بعض العمليات دون إعلام التحالف الدولي، وتحلق هذه طائرات على طول الحدود التركية السورية دون اعتراض من رادارات الدفاع الجوي التابع للنظام. ولكن الجديد بحسب قيادة الأركان التركية في تصريح رسمي لها، أن رادارات الدفاع الجوي ورادارات الطيران (التابعة للنظام) تحرشت بالطائرات التركية وهي تقوم بطلعاتها على الحدود بين البلدين بتاريخ 3 تشرين أول/أوكتوبر 2015. وهذا التحرش لم يكن ليحدث قبل الدخول الروسي. من جهة أخرى فقد قصفت الطائرات الروسية منطقة قريبة جداً من الحدود التركية قيل إنها مخيم للاجئين. كما قصفت قرى تركمانية حدودية شمالي اللاذقية، ومواقع لمقاتلين تركمان، دربتهم وسلحتهم تركيا، وهم جزء من الجيش الحر.

التصعيد الروسي ضد تركيا بدأ فعلياً في اليوم الثاني للتدخل في سوريا، وهو مرشح للتصاعد.

على الرغم من اعتبار ثاني أكبر الأحزاب التركية؛ حزب “الشعب الجمهوري” في تركيا حليفاً للنظام السوري، فإن تثبيت نظام الأسد في سوريا سيشكل خطراً استراتيجياً على تركيا الدولة، وليس على حزب “العدالة والتنمية” فقط انطلاقاً من العقدة العراقية، وسيطرة إيران على المنطقة.

أمام تركيا استحقاق انتخابي لعله الأهم منذ 2002، فحزب “العدالة والتنمية” بحاجة الى خمس نقاط على الأقل ليشكِّل حكومة وحده من جديد، ولابد أن يكون حذراً إزاء أي تصريح أو حركة يمكن أن تؤثر على أصوات ناخبيه، لذلك فالموقف العام اليوم هو الصمت.

ثمة صمت مريب من طرف الحكومة التركية إزاء التدخل الروسي العسكري في سوريا. وبالطبع فإن الشعور بالقلق، أو الاحتجاج الرسمي على هذا التدخل في إطار الأعراف الديبلوماسية المعمول بها، لا يمكن اعتبارها خرقاً للصمت. حتى إن الصحف التركية أبرزت أن أول الأهداف التي ضربتها الطائرات الروسية بعد الاحتجاج التركي لدى الخارجية الروسية على التدخل في سوريا، كان القرى التركمانية شمال اللاذقية، فهل سيستمر الصمت؟

الوضع التركي الآن في أصعب مراحله، فتركيا لم تخسر كثيراً من حلفائها في القضية السورية فحسب، بل دخلت القوات العسكرية الروسية فعلياً في الصراع السوري إلى جانب الطرف المقابل.

ثمة دعوات كثيرة للحكومة التركية بتغيير موقفها من النظام السوري، وهذه الدعوات منها داخلي ومنها خارجي. داخلياً هناك أحزاب، وجمعيات “طائفية” تضغط باتجاه تغيير موقف تركيا ليكون إلى جانب الأسد، وخارجياً قادت الولايات المتحدة حملة الضغوط على تركيا من أجل تغيير موقفها من النظام السوري وحذفه من أولوياتها، وتمكنت تركيا من الصمود أمام تلك الضغوط حتى الآن، فهل الاستمرار متاح؟

بقدر ما أن إيران مضطرة للانتصار في سوريا، بقدر ما أن السعودية وتركيا مضطرتان للانتصار أيضاً، فهذه قضية استراتيجية بالنسبة إلى البلدين. لقد تمكنت إيران من الحصول على غطاء دولي بالتدخل في سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى روسيا، بينما لم تتمكن تركيا من انتزاع غطاء كهذا، وبالطبع فإن التدخل الروسي يحسب استراتيجياً لصالح إيران.

لا يمكن لتركيا ألا تتدخل في القضية السورية، ولا يمكن لها أن تتدخل أيضاً نتيجة تعقيدات العلاقات الدولية. كيف الخروج من المأزق إذاً؟ إحداث فرق من خلال تسليح المعارضة السورية المسلحة، ليس أمنية أو طلباً، إنه خيار وحيد كما تبدو الأمور…

المدن

 

 

 

 

روسيا في مستنقع الدم/ فهمي هويدي

إذا كانت روسيا قد أنقذت الرئيس الأسد وأمنَته في الوقت الراهن على الأقل، فالذي لا شك فيه أنها ورطت نفسها في المستنقع الغارق في الدماء وفتحت الباب واسعا لاحتمالات «أفغنة» سوريا.

صحيح أن النوايا الروسية ليست واضحة تماما، ومن المبكر القول إن الرئيس الروسي أراد أن يرد للغربيين موقفهم منه في أوكرانيا وخداعهم له في ليبيا، أو أنه أراد أن يأخذ مكان إيران في الدفاع عن النظام السوري، وأن يقتسم المسؤولية مع الإيرانيين بأمل أن يقتسم الغنيمة معهم. بذات القدر فليس واضحا ما إذا كان الروس قد قدموا لحماية الأسد الذي لا مستقبل له في سوريا أم لحماية الطائفة العلوية الباقية، التي تتجمع الآن على الساحل تحسبا للمستقبل وتمهيدا لسيناريو الكيان العلوي الجديد إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك.

إذا كانت تلك من بين التداعيات والاحتمالات غير الواضحة، إلا أنه من الثابت الآن أن قواعد اللعبة تغيرت في سوريا. ذلك أن العمل العسكري من جانب المقاومة لا يزال بوسعه أن يزعج النظام ولكن فكرة إسقاطه باتت مستبعدة. وفي أحسن الفروض فإن إخراج الرئيس الأسد من المشهد لن يكون إلا في ظل صفقة أو اتفاق سياسي، لابد أن يكون للروس نصيبهم منها وكذلك للإيرانيين، وفي الحالة الإيرانية فإن الوجود الروسي لابد أن يستدعي أسئلة حول موقف إيران وحزب الله من إسرائيل. إذ ليس سرا أن القادة الروس يحتفظون بعلاقات طيبة مع تل أبيب ولن يقبلوا من إيران أو حزب الله أي مساس بمصالحها في الوضع المستجد. وفي هذه الحالة فإن أثر الوجود الروسي سيكون له صداه في لبنان وفي العراق أيضا. ذلك أن أسهم إيران وحزب الله سوف تتراجع تلقائيا، لأن روسيا لم تأت لكي تصبح جزءا من ديكور السياسة في المنطقة، أو لتلعب دورا لا يتجاوز الكفيل لشخص نظام الرئيس الأسد. ولكنها جاءت لتؤدي دورا باعتبارها قوة فاعلة متجاوزة لحدودها، وتأمين الأسد ونظامه يشكل جزءا من المهمة، أو الذريعة المعلنة لها، لكنه ليس الهدف النهائي والمهمة الأصلية. وإذا وضعنا في الاعتبار أن نظام الأسد لا يسيطر على أكثر من ٢٠٪ من الأراضي السورية، فذلك يعني أن الروس بصدد إقامة «منطقة خضراء» للرئيس الأسد ورجاله ونظامه، مماثلة لتلك التي أقامها الأمريكيون في بغداد، وخصصوها لرموز النظام العراقي وأجهزته الحيوية.

 

 

ليس مستبعدا أن ترحب الأقليات بالحماية الروسية لأسباب مفهومة، وهي معذورة في ذلك لا ريب، بعد الذي أعلن وشاع عن ممارسات داعش وأخواتها بحق غير المسلمين. كما أننا لا نستبعد أن تتقارب فصائل المقاومة من بعضها البعض لتصطف في مواجهة العدو المشترك الذي قدم لحماية الخصم الأصلي المتمثل في الأسد ونظامه.ورغم أن التركيز الروسي منصب على الغارات، إلا أننا تعلمنا من تجربة الحرب في اليمن أن الغارات لا تكفي في حسم أي معركة، ولأنه لا بديل عن مشاركة القوات الأرضية. لذلك ليس مستبعدا أن تطلق يد الروس في شن الغارات، وأن يعتمد في المعارك الأرضية على الجيش السوري المنهك إضافة إلى القوات الإيرانية وعناصر حزب الله والميليشات الأخرى التي قيل إنها جاءت من العراق واليمن.لا نستبعد أيضا أن يقوي الوجود الروسي من ساعد فصائل المقاومة التي قد تجذب آخرين من خارج البلاد، بدعوى أن روسيا اصطفت إلى جانب الدولة الشيعية والنظام العلوي، في مواجهة تطلعات القوى السنية، وليس ذلك مجرد تخمين أو افتراض لأن الدول الداعمة للمقاومة السورية تحدثت عن تعزيز مساعداتها لمواجهة التدخل الروسي المزود بالسلاح الحديث. وإذا ما تحقق ذلك فإن التصعيد العسكري سيكون حتميا، كما أن الخسائر البشرية والضحايا من المدنيين سيتضاعف أعدادهم.

لأن روسيا لم ترسل قواتها لكي تكتفي بمهمة كفالة حماية نظام الأسد، فليس مستبعدا أن تقوم بدور إيجابي في الأزمة اليمنية، ومعروف أن موسكو كانت طرفا داعما لدولة الجنوب إبان الحقبة السوفييتية. كما أن وفدا يمثل الرئيس السابق علي عبدالله صالح زار موسكو قبل عدة أسابيع، من ثم فعلاقة الشراكة التي نسجت بين طهران وموسكو لحماية نظام الأسد مرشحة لأن تسهم بدور فعال في التعاطي مع الملف اليمني الذي تتولى فيه طهران مساندة الحوثيين.لئن بدا أن التدخل الروسي قلب الطاولة في المنطقة كما يقال، فذلك تقرير مشهد البدايات، أما المآلات والنهايات فإنها تظل مفتوحة على جميع الاحتمالات، وذلك شأن الحروب دائما، قد يتم التحكم في رصاصاتها الأولى لكن مصير الرصاصات الأخيرة لا يمكن ضمانه، حيث يظل دائما في علم الغيب. وقد يسفر عما لم يخطر على البال في البدايات.

الشرق القطرية

 

 

 

 

عناق الدب الأوحد/ حسام كنفاني

لم يعد الحديث، الآن، مجرد تكهنات أو تسريبات أو تلميحات. بات حقيقة ملموسة، لن يكون ما بعدها مماثلا ما قبلها. ليس على الصعيد السوري فحسب، بل على مستوى توازنات القوى الدولية. لم يعد التدخل العسكري الروسي في سورية مجرد فرضيات، فها هي الطائرات الروسية تصول وتجول في الأجواء السورية، وتقصف ما طاب لها من الأهداف أمام أنظار الولايات المتحدة وتحالفها الدولي الذي أطبق عامه الأول في محاربة داعش، من دون أن يحقق أي نتيجة، لا في العراق ولا سورية.

استغل الروس بالتأكيد هذه الرمزية في هذا التوقيت، للدخول على خط الحرب العالمية السورية، وليلعبوا دوراً طال انتظاره بالنسبة لهم، تحت مسمى “محاربة داعش”. وهو عنوان عريض جديد ومطاط، ومفتوح على احتمالات نسبية، وتأويلات لا تعد ولا تحصى، خصوصاً بالنسبة إلى موسكو التي تتبنى، بشكل كامل، رواية النظام السوري وحلفائه. ومن هنا، تكون من السذاجة الإشارة الأميركية والفرنسية، وغيرهما من الإشارات إلى أن الغارات الروسية لم تستهدف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية، بل ضربت أهدافاً للمعارضة السورية والجيش الحر. من قال إن الروس يفرّقون بين هذا وذاك، طالما أنهم يسيرون وفق التعريف السوري الرسمي لـ “داعش”. فبحسبه، كل معارض للنظام يطالب بالتغيير هو من “الإرهابيين” الذين يستحقون القتل والسحق. كان هذا الكلام قبل ظهور داعش بكثير، وحتى قبل بروز قطعة سلاح في يد أي معارض سوري. كل من يعارض إرهابي ويستحق القتل؛ كانت هذه التعليمة السورية للأنصار الإعلاميين وغيرهم من الحلفاء، ولا تزال قائمة، وبالنسبة إلى الروس هذا هو المنهج الحق الذي يجب السير عليه، أي قتل كل من هو معارض للنظام، كان من داعش أو غيرها، لا فرق، فهذه هي رؤية النظام السوري التي يطبقها الروس بحذافيرها.

ثم من كان يتوقع دقةً من الروس في غاراتهم على الأراضي السورية، ومن قال إن الروس حريصون على أرواح الأبرياء السوريين أو المقاتلين المعارضين غير المنتمين إلى داعش. هم على أراضيهم لا يقيمون وزناً لهذه المعايير، فما بالك في الأراضي الخارجية. لنتذكّر، على سبيل المثال لا الحصر، حادثتي مسرح موسكو في 2002 ومدرسة بيسلان في 2004. في الأولى، وأثناء التعاطي مع أزمة احتجاز مسلحين شيشان رهائن، أطلقت الشرطة الروسية غازاً ساماً في المسرح للانتهاء من القضية بعد مفاوضات عقيمة، فقتلت القوات الروسية 39 من المهاجمين، وما لا يقل عن 129 من الرهائن، معظمهم بفعل المادة السامة. وفي الثانية، أيضاً بعد ثلاثة أيام من المفاوضات مع مسلحين اقتحموا مدرسة في مدينة بيسلان الروسية واحتجزوا أكثر من 1100 شخصٍ. اقتحمت القوات الروسية المدرسة، مستخدمة الدبابات والأسلحة الثقيلة، وانتهت العملية بمقتل 396 رهينة على الأقلّ، من بينهم 186 طفلاً.

هذا هو المنطق الروسي في التعاطي مع الأزمات، وهو شبيه، إلى درجة كبيرة، بما يقوم به النظام السوري منذ أربع سنوات. وإذا كان هذا أسلوب موسكو في الداخل، وفي زمن “الانكفاء إلى الداخل” الذي كان قائماً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وقيام نظام القطب العالمي الأوحد، فكيف من الممكن أن تكون عليه الأمور، بعدما وجدت موسكو الفرصة سانحة، ليس لاستعادة مرحلة الحرب الباردة والقطبين فحسب، بل ولعب دور القطب الأوحد، بعدما أخذت السياسة الأميركية في عهد باراك أوباما بالانسحاب تدريجياً من الصراعات والنزاعات الخارجية؟ هي فرصة موسكو التي لا تعوّض لإثبات أن في مقدورها ملء الفراغ الأميركي، والنجاح حيث فشل الآخرون، سواء في محاربة داعش أو في إنهاء الأزمة السورية التي تثير قلق الدول الغربية التي باتت تبحث عن حل بأي ثمن، وليكن على الطريقة الروسية.

عناق الدب الروسي كان مكلفاً داخلياً في مراحل الصعود الجديد للدولة الاتحادية، وسيكون مكلفاً جداً في زمن التمدد الإمبراطوري الساعي إلى البروز قطباً عالمياً وحيداً، لا حل من دونه.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

مزيد من الحروب المقدسة في سورية/ بيسان الشيخ

أثارت تصريحات رأس الكنيسة الروسية (الأرثوذكسية) في شأن التدخل العسكري في سورية، ووصفه بأنه «معركة مقدسة»، سخطاً واستهجاناً واسعاً وحملات تشهير وسخرية من مزاعم العلمانية وحماية الأقليات التي يدعيها نظام بشار الأسد وحلفاؤه منذ خمس سنوات، والتي بذريعتها يفتك بالأكثرية قتلاً وتهجيراً وتعذيباً من دون أي رادع داخلي أو دولي.

واستفظع كثيرون أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما تمثله بلاده من رمز للشيوعية وتحمله من إرث ثقيل من الإلحاد، استعان بخطاب ديني وسلطة دينية، لتبرير قرار عسكري وسياسي بالانخراط المباشر في سورية وتسويقه داخلياً. فهو بدا لوهلة، كمثل جورج بوش في 2003، يعلن حرباً صليبية على الإرهاب في العراق، مع فارق أن بوتين استعان في جهاده المسيحي هذا، بجهاد طائفي «أقلوي» آخر، شيعي، يمثله «حزب الله» والفصائل العراقية المقاتلة إلى جانبه. ووسط تلك المعارك المقدسة كلها، وهؤلاء المقاتلون تحت راياتها، ظهر جلياً مَن الضامن الفعلي لحقوق الأقليات والمدافع عنها، وبدا البعث هزيلاً وأضعف عقيدة من أن يجد من يقاتل باسمه ولأجله.

والحال أن اعتماد السلطة في روسيا على نفوذ الكنيسة ليس جديداً ولا هو بدعة من صنع بوتين. ذاك أن أحلك أيام الشيوعية، وأقواها، شهدت تقارباً صريحاً مع المؤسسة الدينية واستعانة، إن لم يكن استنجاداً، بها. فعلى أثر اجتياح القوات النازية الاتحاد الســوفيــاتي في 1941، سارع ستالين نفســـه إلى عقد روابـــط مــــع المطارنة والرهبان واستقبل بعضهم وشجعهم على تــعزيز الشعــــور الوطني/ القومي في خطوة غير مسبوقة، سواء لجـــهة إشراك رجال الدين في هذه المهمة، أو لجهة شد العصب الوطني الروسي، لا الأممي العابر للأوطان. وفي خضم الحرب العالمية الثانية، حين كانت خسائر الجيش الروسي تعـــد بالملايين مقابل تقدم واضح وإنجازات ميدانية على أرض المعركة، سمح الزعيم الشيوعي باستعادة طقـــوس العـــبادة في المنازل والصلاة في الكنائس حتى افتتح في غضون سنتين أو أقل أكثر من 25 ألف كنيسة. وذلك بعد سنوات تطهير منهجي طالت رجال الدين والمؤمنين على السواء، وبلغت حد الاعتقال في معسكرات الأعمال الشاقة، والمصحات العقلية، والتصفية المباشرة.

ولا يخلو أرشيف الصحف الروسية والأدب الحديث من وصف تلك المرحلة بصور وسلوكيات أبعد ما تكون عن الصورة النمطية الشائعة للمحارب السوفياتي. فالحرب أيقظت ممارسات دينية ظنت الشيوعية أنها قضت عليها، كأن يرتدي الجنود مثلاً صليباً تحت البزة العسكرية، أو ألا يخرجوا إلى المعركة قبل نيل بركة والدتهم. واستعادت المنازل تقليد إضاءة الشموع أمام الأيقونات وعقد النذور إلى حين عودة المقاتلين. ذلك كله وغيره مما تحفل به الكتابات عن تلك المرحلة جرى في روسيا الستالينية، التي جعلت الإلحاد ديناً بديلاً في مواجهة سلطة الكنيسة ورجالها.

لكن الكنيسة في المقابل، ردت الجميل بمثله. فعدلت خطابها المعادي للثورة البلشفية، وأيدت «إنجازاتها»، وتبنت مواقفها «الوطنية»، حتى راح ستالين، منذ خطاب الاحتفال بالنصر، يفرط في استخدام تعبير «وطني».

وكان للحرب العالمية الثانية، تأثير كبير في إبرام عقد اجتماعي جديد بين السلطتين السياسية والدينية في روسيا الشيوعية، تعزز في مرحلة البيريسترويكا ولا يزال إرثاً متناقلاً بكل أمانة بعد عقود من سقوط الاتحاد السوفياتي.

وعلى كل حال، لم يفت بوتين التذكير بالحرب العالمية والدور الروسي في كسبها خلال إلقاء كلمته الأخيرة في الأمم المتحدة في نيويورك، مشبهاً المرحلة الحالية بالأربعينات التي شهدت تعاوناً أميركياً- سوفياتياً أتى ثماره في وجه النازية، وليس ما يمنع تكرار ذلك النصر اليوم في التحالف ضد «داعش».

لكن ما يفوت الرئيس الروسي ربما، أن الحرب الباردة انتهت وإن كان لا يزال هناك بعض نقاط تقاطع معها، وأن الاستعانة بالدين ورجاله ورموزه، إن لم تكن جديدة في روسيا، فهي لم تعد حكراً عليها وعلى الكنيسة كما في ذلك الزمن. فثمة كثيرون ممن ينتظرون حرباً صليبية يمن الله بها عليهم، لتعزيز جهادهم وإعداد مزيد من العدة له.

 

 

* كاتبة وصحافيّة من أسرة «الحياة».

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى