صفحات مميزة

التدخل الروسي في سورية –مجموعة مقالات-

 

هل تغيّر الموقف الروسي؟/ غازي دحمان

هل وصلت روسيا إلى قناعة بضرورة تغيير موقفها من مسألة مصير بشار الأسد، وفتحت تالياً الباب أمام مقاربات جديدة للأزمة، أكثر ديناميكية وقابلية للتفاهم. وهل تتجه علاقاتها مع إيران في سورية إلى التناقض والاختلاف، كما بيّنته بعض التصريحات، وتسعى إلى اصطفافات عملية أكثر جدوى؟ أم أنّ الأمر لا يعدو كونه أكثر من تكتيك مرحلي، تطرحه موسكو لمواجهة الضغوط الدولية عليها، والتأثير على الجبهة المقابلة لها في سورية؟.

نظرياً، ثمّة معطيات كثيرة تعزز إمكانية حصول تحوّل في الموقف الروسي، وتدفع إلى تصديق احتمالية حصول تغيّرات في هذا الشأن، مع الإشارة إلى أنّ هذا الموقف يأتي بعد شهر تماماً من بدء الضربات الروسية، ونتيجة تقييم عقلاني لحملتها العسكرية التي لم يعد خافياً استنفادها القدرة على تغيير المعادلات على الأرض لصالح نظام الأسد وحلفائه، بعد انكشاف حجم اهتراء هذه البنية، بحيث لا يمكن الاعتماد عليها في إنجاز تغييرات مهمة، وخصوصاً بعد استطاعة المعارضة استيعاب الصدمة، والتكيّف مع الوقائع الجديدة، والعودة إلى المبادرة على الأرض.

إضافة إلى هذا العامل، إدراك موسكو أنّ فترة الشهر كانت مرحلة سماح من الأطراف الإقليمية والدولية لروسيا، فلم يقابلها أي تدخل عنيف من هذه الأطراف التي لديها خيارات وأوراق كثيرة من شأنها تحويل التدخل الروسي إلى كارثة، معطوف عليه حقيقة أن روسيا لا تملك في سورية ما يكفي من الأصول العسكرية القادرة على احتواء ومواجهة تحركات طارئة، قد تضطر الأطراف المواجهة إلى القيام بها، بالإضافة الى ضعف قدرتها التقنية في الإمداد اللوجستي.

وفوق ذلك كله، لا زالت الأطراف المواجهة لها في سورية، السعودية وتركيا وقطر، تصر على سياسة النوافذ المفتوحة مع روسيا، وهي سياسة على الرغم من مرونة أطرافها، إلا أن احتمالية استمرارها في ظل تعنت روسيا وإصرار قيادتها على تجاوز مصالح الآخرين، والعبث بأمنهم الإقليمي، لا وجود لضمانات باستمرارها طويلاً، وبالتالي، تتسرب مع إغلاقها مصالح وفرص كثيرة، وتضيع كل إمكانيات المساومة.

ونظرياً أيضاً لا بد أن روسيا صارت على إحاطة تامة بطبيعة المشروع الإيراني وأهدافه،

“لايرغب الروس في التورط في صراع مذهبي، يؤلب عليهم ليس فقط المسلمين في العالم، بل أكثر من عشرين مليون مسلم من أصل روسي” وهي، وإن كانت تتقاطع معه في الحفاظ على النفوذ داخل سورية، إلا أن نقاط الاختلاف والتفارق حاضرة بكثافة أيضاً، ولعلّ أولها عدم رغبة الروس في التورط في صراع مذهبي، يؤلب عليهم ليس فقط المسلمين في العالم، بل أكثر من عشرين مليون مسلم من أصل روسي، بالإضافة إلى تناقض هذا التحالف مع مشروعها في سورية، القائم على دمج المكونات العسكرية السورية حصراً، ضمن جسد عسكري واحد، واستبعاد المنظومة المليشياوية التابعة لإيران.

كما أن استمرار تلك العلاقة مع منظومة إيران يعد استفزازاً وتحدياً للطرف العربي، الذي طالب بإخراج إيران وأذرعها من المعادلة السورية، وهذا النمط من التحدي سيجعل من أي سلوك معاد للوجود الروسي عملاً مشروعاً، ليس فقط بالنظر للارتباطات القومية والدينية مع الشعب السوري. ولكن، أيضاً لأن ذلك سيعني بصراحة دعماً واضحاً للطرف الإيراني في الصراع الإقليمي، وتشكّل إسرائيل عاملاً مهماً في هذا الاتجاه، إذ إن إعلان قادة الحرس الثوري الإيراني أن روسيا غير سعيدة بالتعامل مع حزب الله لا يعني نقداً لأدائه الميداني في سورية، بقدر ما يشير إلى محاولة حزب الله استغلال الغطاء الروسي لنقل أسلحة من سورية إلى لبنان، وهو ما تكشفه بوضوح الغارات الإسرائيلية المتوالية في الأسبوع الماضي على مواقع للجيش السوري في القلمون، من دون اعتراض روسي، علما بأن هذه المنطقة تقع في عمق قلب عمليات وخطوط حركة الطيران الروسي، لتوسطها المنطقة بين حمص ودمشق، ولا تبدو روسيا مستعدة لخسارة إسرائيل في هذه المرحلة، على الأقلّ من أجل الضغط على الرأي العام الأميركي وإسكاته.

إذاً، من الناحية النظرية، تبدو موسكو، وبعد شهر من التدخل الروسي، أمام خيارات ضيقة، إما تصريف تدخلها العسكري على شكل مكاسب دبلوماسية، تتمثل باعتراف العالم بها قوة محورية في المستقبلين السوري والإقليمي، وهذا يتطلب إنجاز تسويات سياسية، تلتقي فيها مع القوى الأخرى في منتصف الطريق، أو الذهاب إلى التشدّد الذي لن يعني سوى الغرق والاستنزاف في المستنقع السوري، والخسارة حتى لو تأجلت إلى حين.

أي الطريقين تختار روسيا؟ وهل هي صادقة في ادعاءاتها؟ في الواقع، إن فحص الفرضيات التي بنى الروس على أساسها تدخّلهم في سورية، والقائمة على قناعتهم بأن التدخل قد ينجح بالفعل، وأن بشار الأسد قد يبقى في السلطة، لا يبشر بإمكانية حصول تغيير في موقفهم، ولا يمكن المراهنة على فترة الشهر، وتقييمهم له، وقد يكون ما يصدر عن موسكو، ويفيد عكس ذلك مجرد اختبارات يجري إطلاقها لفحص استعدادات الآخرين، أو حتى لإلهائهم مرحلياً. وقد يعبر عن توجهات لتيارات معينة داخل الكرملين، وليس لدى الجميع، أو حتى تكتيكات آنية، تهدف إلى الحصول على عروض من الطرف العربي، وتنازلات من إيران.

في كل الأحوال، يمكن تحويل هذه التوجهات الأولية إلى سياسات روسية فعلية، إذا عملت الأطراف على انتهاج استراتيجية واضحة في مواجهة التدخّل الروسي وتقليص الخيارات أمامه، بدلاً من انتظار أن تقرر موسكو نوع التكتيكات التي يجب استعمالها، لا بد من التفكير بطريقة تجعل روسيا في موقع من ينتظر المبادرات وبالونات الاختبار من الآخرين.

العربي الجديد

 

 

 

روسيا والبحث عن المخارج باكراً/ غازي دحمان()

في مؤتمر فيينا ثمة زاوية لم ينظر لها أحد عند قراءة الحدث، وهو موقف ووضع روسيا وحلفائها، ففي حين انشغل الكثيرون بالحديث عن التكتيكات الروسية والسياق الذي صنعته للوصول إلى جينيف، كان بعضٌ آخر يتحدث عن نصر روسي لا مؤشرات ولا شواهد حقيقية له، وثمة صورة حاولت موسكو إخفاءها؟

الواقع أن روسيا هرولت إلى المفاوضات استباقياً لمنع حصول الفضيحة التي ينتظر الجميع حصولها، وبخاصة بعد أن اكتشفت أن كلام الميدان يختلف عن فبركات غرف الإعلام، فالحروب على الأرض ليست مثل صناعة الأخبار في منابر حلف إيران، وما قاله لها قاسم سليماني كلام يشبه الهلوسات والأماني ولا ينطوي على معطيات حقيقية تشكّل حيثيات لحرب تخوضها الجيوش.

ليس فقط بشار الأسد وحده من تستحيل إعادة تأهيله، وإنما أيضاً جيوشه وحلفائه الذين بلغت منهم الاعطاب مبلغاً يستحيل إصلاحها، فقد فتّت السوريون بلحمهم الحي أولاً وعبقرية مقاومتهم ثانياً، آلة العنف الجبّارة وفكّكوا أذرعها وخلّعوا أنيابها، وثبت أن إيران عندما هرعت إلى روسيا مستغيثة لم تكن تطلب مساعدة تقنية على ما ادعى سليماني، بل كانت تطلب شيئاً آخر وهو تعديل ميزان القوى الإقليمي الذي مال لغير صالحها وهو ما لا قدرة لروسيا على تحقيقه في ظل أوضاعها وظروفها الراهنة.

هذا الكلام ليس بقصد رفع المعنويات ولا هو خطاب تعبوي، بل هو توصيف واقعي لسياق الحدث ونقل تفصيلي لوقائع حرب عملت روسيا وأتباعها إلى فتحها على مساحة عشر جبهات بقصد تشتيت طاقة مقاومة الثوار، استخدمت فيها غطاء نارياً كثيفاً، لم يكتف بالمكوّن الجوي وحده بل وصل إلى حد استخدام الصواريخ الإستراتيجية البعيدة المدى والتي ثبت أنه لم يكن لها أي هدف عملاني حقيقي سوى إدخال الرعب إلى أبعد مدى في قلوب السوريين وإيصال رسائل لهم أنه لا حدود لعربدة القوة تجاههم.

سريعاً وقبل أن تنضج ثمار حركتها العسكرية على الأرض السورية سارعت موسكو إلى إجراء مناورة ديبلوماسية واسعة بدأتها في استدعاء عميلها في سورية «في طائرة شحن وتحت جنح الظلام»، وتبين أن الهدف من عملية الاستدعاء تلك لم يكن سوى إعادة الحياة لخطوط الاتصال مع القوى الإقليمية والدولية لإبلاغها انها بالفعل تتحكم بمفاصل الحرب والسياسة في سورية وأن لديها ما تقوله بعد أن أبلغت الأميركيين استعدادها لفتح طاولة الحوار حول سورية ولتكن طاولة فيينا حيث يتفاءل الروس بإمكانية فك العقدة السورية كما فكّكوا قبلها أزمة الملف النووي الإيراني في العاصمة ذاتها.

لكن، هل يمكن أن تحقق روسيا بالسياسة ما لم تستطع تحقيقه في الميدان؟ وهل يمكن أن تأخذ من السوريين بالمفاوضات ما لم تستطع أخذه بالقوة بعد أن انكشفت حدودها وقدراتها وإمكاناتها! يحق لممثلي الثورة السورية والقوى الإقليمية الداعمة أن تطالب بإقرار معادلات إقليمية جديدة وواقع علاقات مختلف عن مرحلة ما قبل نزول روسيا إلى الميدان الروسي، لديهم أوراق قوة وازنة وحقائق دامغة لم يعد بالإمكان تجاهلها، والمفاوض الضعيف وحده من لا يستطيع توظيف أوراق قوة بحوزته، وبما أن الحروب هي نمط تفاوضي في السياق الصراعي، أو واحدة من أدوات التفاوض وأوراق القوة على ما تسجله بديهيات الفكر الإستراتيجي، فإن نتائج الحرب في سورية لا بد من ان تسهم في إرساء معادلات داخلية وإقليمية تتطابق مع ما حقّقه الشعب السوري من انتصار واضح وجلي.

أولى تلك النتائج، اندحار قوة إيران وهزيمة منظومتها الميليشياوية على طول وعرض ميادين الصراع من اليمن إلى العراق وصولاً إلى سورية، ووضع إيران على سكة الانهيار بدليل استغاثتها بروسيا ليس فقط من أجل تخفيف صدمة هزيمتها في المنطقة بل ومن أجل ضخ مليارات الدولارات في اقتصادها المتهالك، وثانية تلك النتائج انكشاف حدود القوتين الروسية والإسرائيلية بعد أن كانتا تستخدمان كأوراق احتياط يمكن استخدامهما في لحظة حرجة بقصد تعديل موازين القوة وكسر قوة الثورة، هذه الأوراق احترقت دفعة واحدة.

سعت روسيا عبر جهود منسّقة، إعلامياً وعسكرياً، إلى إثبات أنها تحقق إنجازات ميدانية، وتسرّعت بطريقة تذكّر بإسلوب إعلام نظام الأسد في الإعلان عن تحطيم الفصائل المعارضة وتشتيتها وهرب عناصرها إلى دول الجوار، وطالبت بالحصول على مقابل سياسي يوازي انتصاراتها الإعلامية، لكن حقائق الأرض السورية الصلبة والعنيدة كانت كفيلة بأن تكشف زيف كل هذه الادعاءات، فلم يكن ما حققته روسيا أكثر من عمليات قتل لمدنيين أبرياء في أرياف حمص وحماة وإدلب وحلب، باستثناء ذلك كانت فصائل الثورة تعمل على استيعاب الهجوم وتخفيف صدمته وإبطال مفاعيله ونجحوا بالفعل وعلى الأرض وتركوا لروسيا أن تصنع روايتها كما تشاء والتي ستعود وتفككها بنفسها لحظة سارعت الاتصال بالأميركيين تطالبهم بفتح قنوات الحوار ودعوة الأطراف الإقليمية إلى فيينا للتباحث.

لن تعلن روسيا في فيينا هزيمتها، القيصر الذي نجح في الشيشان وجورجيا وأوكرانيا لن يعلن هزيمته بهذا الشكل الدرامي الحزين، بل ستناور موسكو قدر الإمكان، وستحاول تجميل سلوكها وجلب أطراف إقليمية مؤيدة ومتفهمة لها، لكن الأكيد أن روسيا أدركت تماماً طبيعة الأرض التي تقف عليها، وهي تعرف مسبقاً أنها إذا غرقت لن تجد من ينقذها، كما حاولت أن تفعل هي مع إيران.

()كاتب من سوريا

المستقبل

 

 

 

 

ماذا يمنع روسيا من دور إيجابي في سورية؟/ برهان غليون

بعد أن لعبت موسكو دوراً رئيسيا في السنوات الأربع الماضية من عمر الثورة السورية، ثم الأزمة في منع التوصل إلى تسوية سياسية، دفعها وصول وضع نظام الأسد في سبتمبر/أيلول الماضي إلى شفا الانهيار إلى تدخل عسكري مفاجئ. وعلى الرغم من أن هذا التدخل لا يزال بعيداً عن أن يعطي لموسكو زمام المبادرة العسكرية من قوى المعارضة السورية، إلا أنه مكّنها، من دون شك، من أن تنتزع زمام المبادرة السياسية، وأن تفتح تحت قيادتها وإشرافها باب المفاوضات الدولية التي لم تعد تقتصر على التداول في مصير الأزمة السورية، وإنهاء الحرب، وإنما أصبحت تشمل، كما هو واضح، مصير سورية نفسها، ومستقبل شعبها.

أوراق القوة الروسية

وعلى الرغم من الاختلاف العميق الذي ظهر في وجهات النظر تجاه الثورة السورية والأحداث التي أعقبتها بين الغربيين عموماً، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وروسيا في السنوات الماضية، بل وروح العداء التي لم تكفّ موسكو عن التعبير عنها تجاه أي خطوة يخطوها الغرب في اتجاه دعم المعارضة السورية، استمر الغرب في موقفه المعتدل، ورفض الانجرار إلى أي مواجهة مع موسكو، وقبل، في النهاية، بألا يتجاوز خطوطها الحمراء. وهو يكاد يقبل، اليوم، من دون أي نقاش، بتفويضها في الإشراف على الملف السوري، ولعب الدور الأول في التوصل إلى تسوية سياسية. وكما راهن الغرب في هدفه احتواء الثورة السورية، وتعطيل حركتها في السنوات الأربع الماضية، على روسيا، فهو يراهن عليها في الخروج من الأزمة التي نجمت عن هذه السياسة، ومعالجة نتائجها الكارثية على المستويات السياسية والجيوسياسية والإنسانية، التي جعلت من إعادة لم شمل سورية وتوحيدها من التحديات الكبرى. وفي اعتقادي، لن يتردّد الغرب، والمجتمع الدولي عموماً، في دعم أي مبادرة روسية، تحظى ببعض النصيب من النجاح، بعد إخفاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتفاقم الأزمة الإنسانية وتحول النزاع إلى عملية تدمير متبادل بين الأطراف. وهذا ما تدل عليه إشارات التراجع التي تبديها عواصم غربية عديدة، بل وعربية، عن مواقف سابقة متشددة تجاه الأسد.

وفي المقابل، تكاد موسكو تجمع بين يديها بالفعل مفاتيح الحل، وتبدو في موقع القوة الدولية الوحيدة المؤهلة للعب دور أساسي في إنهاء الأزمة السورية، فهي الوحيدة التي تملك قوة عسكرية تمكّنها، بالتنسيق مع حلفائها الإيرانيين والعراقيين والسوريين، من التحكم والعمل على أرض الميدان، بحسب خطة متسقة ومتابعة قريبة. وهي الوحيدة التي تملك القدرة على التواصل مع جميع الأطراف السورية والإقليمية والدولية، ولديها علاقات متميزة مع الخصوم الإقليميين الرئيسيين، إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا، وكذلك مع أطراف المعارضة السورية المعتدلة وغير المعتدلة، وتطمح إلى إقامة علاقة مع الجيش الحر.

وهي الوحيدة التي تملك إمكانية التأثير على الموقف الإيراني من منطلق التحالف والصداقة،

“روسيا تستطيع أن تطمئن أكثر من طهران، العلويين الذين وضعتهم سياسة الأسد العدوانية في موقف انتحاري” ومن دون أن تستفز عنجهية السلطة الخامنئية، وبالتالي، أن تطمئن إيران التي ترفض أي حل في سورية، لا يضمن وجود الأسد الذي يشكل الضامن الوحيد لمشروع توسعها على مصالحها في سورية ما بعد الأسد، وخصوصاً عدم حلول نظام معادٍ لها في سورية، بعد زوال النظام القائم.

وهي الوحيدة التي تستطيع أن تساهم في تخفيف التوترات الطائفية التي جعلت منها طهران استراتيجيتها الرئيسية، لتعبئة القوى المضادة للثورة السورية، وذلك بإعادة الصراع إلى مستواه السياسي والجيوسياسي، وعزله، ولو إلى حد، عن الصراعات المذهبية والطائفية السنية الشيعية. وهذا العزل أو التحييد مفتاح أساسي من مفاتيح الحل، بمقدار ما يخفف من الرهانات الوجودية والنزاعات حول الهوية المذهبية التي تهدد بتوسيع نطاق الحرب، لتشمل الإقليم كله، والتي لا حل سياسيا لها.

وهي، أخيراً، الدولة التي تستطيع أن تطمئن أكثر بكثير من حكومة طهران، ومليشياتها الشيعية المتعصبة، العلويين الذين وضعتهم سياسة الأسد العدوانية في موقف انتحاري، وتضمن مصالحهم في التسوية وتجرّهم إليها، سواء على مستوى النخب العسكرية والأمنية أو الجمهور الواسع الخائف على وجوده من انقلاب التوازنات السياسية.

روسيا الخصم والحكم

ما يحول دون روسيا واستخدام هذه الأوراق التي تملكها للدفع في اتجاه حل سياسي حتى الآن عوامل عديدة:

أولاً، تصور الروس طبيعة الوضع في سورية، ومعارضتهم العميقة فكرة الثورة نفسها، ونزوعهم إلى الربط بين الديمقراطية والهيمنة الغربية، وتمسكهم بالنظام القائم، مهما كانت جرائمه، بوصفه ممثلا للشرعية القانونية، وعداؤهم الشديد الحركات الجهادية الإسلامية التي يخشون تجدد عملها في روسيا نفسها، وربطهم بين ذلك ونشوء سلطة أكثرية سنية في سورية. وذلك كله يجعلهم يميلون إلى حل يثبت دعائم نظام الأسد، بدل تغييره، حتى لو قبلوا تغيير الأسد نفسه في وقت من الأوقات.

ثانياً، تحالفهم مع طهران الخامنئية والانتقامية معاً، فكما أن من الصعب على روسيا أن تواجه، من دون التهديد بكسر هذا التحالف، مشروع إيران الهادف إلى فرض ما يشبه الوصاية على سورية، في سبيل متابعة مشروعها لتغيير بنيتها السكانية والمذهبية، وترى في بقاء الأسد إلى الأبد الضمانة الوحيدة لتحقيق رهاناتها، فإنها، أعني موسكو، غير قادرة، مهما فعلت، على تسويق دور رئيسي لإيران في تقرير مصير سورية. ومعركة روسيا للتقدم على طريق تسوية مقبولة من الأطراف الأخرى، السورية أو الحليفة للمعارضة السورية، ينبغي أن تمر حتماً بمعركة روسية ضد خيارات طهران، وإلا ستجد روسيا نفسها ومساعيها في طريق مسدود.

ثالثاً، استمرار موسكو في النظر إلى المأساة السورية من زاوية صراع روسيا مع الغرب واستخدام حربها وسيلة لكسب هذا الصراع فحسب، من دون أي اعتبار يُذكر لمصير الشعب السوري ومعاناته. وإذا استمرت موسكو في تجاهل تطلعات السوريين، ولم تفكر إلا في استغلال المأساة السورية، من أجل تسجيل نقاط انتصار على الغرب، أو تكريس فوز محور موسكو طهران الأسد على محور العرب والغرب، لن ترى في المعارضة السورية وتطلعات الشعب السوري إلا عدواً لها. ولن يكون هناك أي أمل في التقدم نحو رؤية متوازنة للحل، وسوف تخسر الأوراق الكثيرة التي تملكها بالفعل، للعب دور كبير في التسوية السورية والشرق أوسطية.

رابعاً، استقالة الغرب الذي لم يعد يشعر أن له أي مصلحة في الاستمرار في دعم تطلعات

“تعمل روسيا للتوصل إلى حل يثبت دعائم نظام الأسد، بدل تغييره، حتى لو قبلوا تغيير الأسد نفسه في وقت من الأوقات” الشعب السوري، أو أن ثمن هذا الدعم، مع تطور التطرف والإرهاب، أصبح أغلى مما يستطيع تقديمه، واستعداده للتراجع أمام اقتراحات موسكو والتفاوض معها. والواقع أن هذه الاستقالة التاريخية هي التي أدت إلى وصول الوضع إلى ما وصل إليه، لأن الغرب أظهر أنه مستعد لتقديم شيء من الدعم لشعب قرّر التحرر والتخلص من الاستعمار الداخلي والانتحار البطيء، لكنه لم يكن في وارد الدخول في نزاع مع إسرائيل أو إيران أو نظام الأسد من أجل حرية السوريين، وهم لم يكونوا يوماً من أتباعه أو مناصريه.

الرد على التحدّي الروسي

من هنا، التحدي الأكبر الذي يواجه المعارضة السورية، والسوريين عموماً، سواء في ما يتعلق بالرد على التقاعس الغربي والعدوان الروسي. ولا أعني بالتحدي منع حصول تسوية على حساب السوريين، وفي اتجاه إعادة ترميم سلطة نظام الأسد بوجوده، أو من دونه، وإنما الاستفادة من فرصة وضع الحرب السورية على طاولة المفاوضات الدولية، من أجل الدفع في اتجاه تحقيق تسوية متوازنة، ترضي على الأقل جزءا من تطلعات السوريين، وتبقي على إمكانية التقدم نحو آفاق جديدة. وهذا ما يستحق اليوم التفكير، بعد الانتهاء من بيانات الشجب والإدانة والرد. وفي نظري، يستدعي الدفاع عن حل وطني وديمقراطي، يجنب سورية الحرب الطويلة، وفي الوقت نفسه، يدفع الروس إلى تغيير مواقفهم المناهضة لأهداف المعارضة، وتشجيعهم على استخدام المفاتيح القوية التي في أيديهم لفتح باب الحلول السياسية، بدل استخدامها لدعم النظام وإرضاء حلفائهم السياسيين والأيديولوجيين، واستمالة من يسمونهم الأقليات الذين يريدون استتباعهم بتمييزهم وفصلهم عن بقية شعبهم، وعلى حسابه، على حساب الحفاظ على وحدته والمساواة بين أبنائه. وبالتالي، على أساس العدالة وحكم القانون واحترام الكرامة الإنسانية، أقول يستدعي ذلك كله من المعارضة السورية الخروج من صراعاتها وأزمتها، وتحقيق أهداف ضرورية وعاجلة، من أهمها:

أولاً، المساعدة على إبراز قيادة وطنية سورية، تضم تحت جناحها جميع الفصائل المسلحة وغير المسلحة، وتمثلها وتتكلم باسمها، ومن ورائها باسم الشعب السوري، لا جماعاته المذهبية، أو القومية أو الدينية.

ثانياً، إشراك هذه القيادة طرفاً رئيساً في كل المشاورات والنقاشات والمحادثات المتعلقة بإطلاق مفاوضات التسوية، واعتبارها طرفاً أساسياً في أي مفاوضات جدية، على الأقل كما يحصل مع ممثلي النظام الذي هو الطرف المسبب للحرب، والذي خرج مهزوماً فيها.

ثالثاً، العمل على ضمان وقوف الدول العربية بقوة وراء المعارضة، وعدم التسليم لنيات موسكو، أو الثقة بها، والاستمرار في الضغط على القيادة الروسية، وتعبئة الحلفاء والأصدقاء، وبالتعاون مع المجتمع الدولي، للدفع في اتجاه تسوية عادلة، تنهي، فعلاً، أسباب النزاع، ولا تكون منطلقاً لإعادة إطلاق حروب جديدة، عامة أو محلية. وهذا يتطلب تحذير الروس من أي تصور للحل، يستهين بحقوق الأطراف، خصوصاً الشعب الذي ثار على النظام، ويستسهل تقسيم البلاد، أو توزيع المصالح بما يتفق والتحالفات الروسية التقليدية الإقليمية والدولية.

رابعاً، إدخال جمهور العرب والسوريين في المواجهة، والعمل على تنظيم التظاهرات الشعبية

“أي حل لا يخرج بانتقال سياسي حقيقي، ينهي عهد الديكتاتورية الدموية، ويقطع مع منطق التمييز الطائفي والأقوامي،  سيكون مصيره الفشل” من جميع الأنواع، من احتجاجات ومسيرات ومهرجانات، لتأييد حقوق الشعب السوري وإعلان التضامن مع القضية السورية، وشجب مواقف الدول التي تسعى إلى إعادة شرعنة نظام القتل والعنف والاحتلال، وتجنيب المسؤولين عن الجرائم ضد الشعب السوري العقاب.

وفي الأخير، ينبغي أن نعرف جميعا، مؤيدين وموالين، متحمسين لمساعي روسيا أو معادين لها، أن أي حل لا يخرج بانتقال سياسي حقيقي، ينهي عهد الديكتاتورية الدموية، ويقطع مع منطق التمييز الطائفي والأقوامي، ويضع حداً نهائيا للعسف، ويعزّز حكم القانون، ويسمح للشعب السوري أن يعبر بحرية عن إرادته، ويشعر بكرامته، سيكون مصيره الفشل، لتعود الحرب أشد عنفا ووحشية مما كانت عليه من قبل.

وعلى روسيا التي تلعب، اليوم، دور الخصم والحكم في الوقت نفسه، وتريد أن تنهي الحرب السورية لصالحها وصالح حلفائها بأي ثمن، أن تدرك أيضا أنها أمام فرصة تاريخية، لتعريف دورها وقيادتها على الساحة الدولية، وفي مستقبل النظام الدولي: هل تكون قوة سياسية كبرى صانعة للسلام، وفاعلاً جيواستراتيجياً قادراً على لعب دور إيجابي، وإعادة التوازن إلى النظام الدولي، أو تكون قوة عسكرية همجية، قادرة على شن الحرب والانتقام لنفسها والاعتراض، لكنها عاجزة عن مواكبة مسيرة الشعوب وقيم العصر. وروسيا وحدها التي تستطيع أن تختار بين أن يكون تدخلها في سورية الصاعق الذي يفجر آخر ما تبقى من النظام الإقليمي الهش، ومن ورائه النظام العالمي الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفاتحة لحقبة من الحروب الغروزنية ومن البربرية العدمية، أو أن ترتقي، بدورها، إلى مستوى الحكم والوسيط العاقل، إنْ لم يكن العادل، وأن تعمل من أجل تسويةٍ متوازنة، لا تقصي أحداً، لكنها تحترم الحقوق الأساسية للشعوب، وفي مقدمها المساواة بين الجميع، بصرف النظر عن الانتماء الديني والإثني. وفي هذه الحالة، ستخرج روسيا منتصرة سياسياً، وستفرض نفسها قوة دولية إيجابية، لا تستمد شرعية دورها الدولي من معارضتها سياسات الغرب، وإنما من مساهمتها في حل النزاعات الدولية وعملها الفعال على حفظ السلام الإقليمي والعالمي.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

الثعلب إذ يحكم قنّ الدجاج/ بشير عيسى

يبدو أن التدخل العسكري الروسي المباشر في الحرب الدائرة في سورية، وما صاحبه من دخول للكنيسة الأرثوذكسية على خط المواجهة، ووصفها هذا التدخل بـ «الحرب المقدسة» أعاد للذاكرة مسألة التدخل السوفياتي/الروسي في أفغانستان، وإن بخطاب ايديولوجي مختلف. والأمر دفع بالعديد من المواقف والمقالات، إلى استخلاص نتيجة مبكرة، مفادها أن هذه الحرب ستبوء بالفشل، باعتبار أن هذين الخطاب والفعل، سيثيران حفيظة وسخط «الشعب السوري» ومن يقف خلفه من مسلمي العالم، وعليه ستكون هزيمة روسيا حقيقة واقعة، كما حدث في أفغانستان!

ومع إدراكنا لتقاطع الحالتين في السياقات السياسية العريضة، وتشابههما شكلاً في الغالب، إلا أن هذا لا ينفي تباين خصوصيات التجربتين.

في مذكراته المعنونة «من الظلال» كتب مدير الاستخبارات المركزية السابق روبرت غيتس «أن الاستخبارات الأميركية بدأت بمساعدة الحركات المعارضة في أفغانستان، قبل ستة أشهر من التدخل السوفياتي». وفي 3 تموز (يوليو) 1979 وقع الرئيس جيمي كارتر توجيهاً يخول لوكالة الاستخبارات القيام بحملات دعائية بغية تحويل موقف الشعب الأفغاني من الحكومة اليسارية الموالية للسوفيات. ومن خلال عملها مع وكالة الاستخبارات الباكستانية، منحت وكالة الاستخبارات الأميركية قرابة 6 مليارات دولار، تضمنت أسلحة ومعدات وتدريبات، على مدار عشر سنوات. إضافة إلى دعم دول عربية خوفاً من تعاظم المد الشيوعي، وقد نجحت إلى حد كبير في هذا.

مع ذلك بقي ميزان القوى لمصلحة السوفيات، إلى أن مررت الولايات المتحدة صواريخ ستينغر المضادة للطائرات الى المجاهدين، فكانت السبب المباشر في تعجيل الانسحاب الروسي من أفغانستان عام 1989.

اللافت في هذه الحرب كان موقف الصين الشعبية، والذي كان داعماً للمقاتلين الأفغان ضد الروس، لسببين رئيسين هما النزاع الحدودي حول منشوريا الشمالية، والخلاف الايديولوجي بين الماركسية السوفياتية والماركسية الماوية.

بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، اتفقت، عام 2004، روسيا الاتحادية بزعامة بوتين مع الصين الشعبية على تسوية النزاع الحدودي بينهما، وهو ما اعتبر منعطفاً تاريخياً، أسس لتحالف استراتيجي ارتكز على مجموعة حوامل منها ما هو سياسي وعسكري عكسته وحدة المواقف في مجلس الأمن، بالتزامن مع تزايد المناورات العسكرية المشتركة، وما هو أمني تمثل بمنظمة شنغهاي للأمن والتعاون الجماعي، واقتصادي ضمن منظمة دول البريكس، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين الى قرابة مئة مليار دولار، ناهيك عن الصفقة التي أبرمها البلدان ويتم بموجبها تزويد الصين بالغاز لثلاثين سنة مقبلة، ما ساعد موسكو في مواجهتها مع الغرب، لا سيما في الملفين الأوكراني والسوري.

وكي نكون دقيقين، يجب ألا يغيب عن ذهننا أن ثمة متغيراً دولياً آخر فرض نفسه على المسرح السياسي والثقافي العالمي، ممثلاً بأحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، إذ شرّع مبدأ الحرب الاستباقية على الارهاب، وبهذا تقارب الروس مع الأميركيين، فأعطت واشنطن «تحالف الشمال» الأفغاني، معلومات ودعماً لوجستياً، كجزء من إجراءات متفق عليها، مع الهند وإيران وروسيا ضد نظام طالبان الأفغاني الداعم لتنظيم القاعدة، واستخدمت القواعد العسكرية الأميركية في طاجكستان وأوزبكستان.

بهذا السياق كان افتتاح بوتين أكبر مسجد في روسيا، إدراكاً منه لأهمية وحساسية البعد الاسلامي، قبل أن يعلن حربه «على الارهاب» الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين، وبذلك سار على خطى نظيره الأميركي. وإذا ما نحينا التصريحات الخلافية التي تفرضها اللعبة السياسية، نرى أن الروس والأميركيين اتفقوا على أولوية محاربة داعش والنصرة، المدرجتين على لوائح الإرهاب بقرار من مجلس الأمن، وهذا ما عكسه البيان الأولي لاجتماع فيينا، والذي سيُتبع بقوائم تضم فصائل أخرى من المعارضة المسلحة، قريبة من فكر القاعدة، بحسب لافروف وكيري اللذين تركا مصير الأسد رهن انتخابات ديموقراطية تجرى بعد القضاء على الارهاب في سورية!

ماذا يعني ذلك؟ في المضمون، يعني إضعاف المعارضة، عبر حشرها بين سندان داعش- النصرة ومطرقة النظام، وهذا ما حذرنا منه منذ أن تحالف الجيش الحر مع النصرة! وهذا مطلب ومسعى روسي – سوري عبر عنه بوتين والأسد، باشتراطهما على فصائل المعارضة نقل وجهة بندقيتها، لحجز مكان في العملية السياسية التي ستفضي إلى انتخابات مبكرة حال القضاء على الإرهاب!

إذاً الروس ليسوا بمفردهم في مواجهة «الإرهاب الدولي». فالإدارة الأميركية بات توجهها جلياً، ولعل الرسالة التي وجهها كسينجر لأوباما قبيل التحضير لاجتماع فيينا، تؤكد ما نذهب إليه، حيث يقول: «إن الاتفاق مع بوتين لا يعارض مصالحنا القومية، فتدمير «داعش» هو الضرورة الأولى، قبل البحث في مصير الأسد»!. ويكفي أن ننظر للميدان لنرى حجم التنسيق والاتفاق الذي يتجلى بدعم الدولتين لوحدات «الحماية الشعبية» ضد «داعش». وعليه، فإلقاء أطنان الأسلحة من الطائرات الأميركية لهذه الوحدات، لم يحصل «من طريق الخطأ»، الأمر الذي أغضب حكومة أنقرة، الغارقة في مشاكلها الداخلية!

يبدو أن الطرف الأميركي استبدل الأتراك بالأكراد، بدليل رفض واشنطن تحقيق مطلب أنقرة بقيام منطقة عازلة، والأرجح أن الأكراد ماضون بهذه المهمة، بالتنسيق مع النظام، بهدف السيطرة على طرق امداد «داعش» والمعارضة، وبذلك تكون روسيا وأميركا قد ضمنتا منافذ الحدود، بما فيها الجنوبية، بعد التنسيق الروسي مع اسرائيل والأردن. وهنا يصح القول إن الثعلب يحكم قنَّ الدجاج، وليس أي كلام آخر نرجوه!

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

طموحات بوتين تقود روسيا نحو الكارثة/علي صالح العبد الله

لا تزال العمليات العسكرية الروسية في سوريا تثير أسئلة كثيرة حول أهدافها المباشرة وحدودها ومداها الزمني وفرص تحقيق الغاية منها (فرض روسيا كقطب ثان في النظام الدولي).

كانت روسيا قد دخلت في صراع مع الغرب على خلفية نشر الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا، وقيام واشنطن بتحديث سلاحها النووي التكتيكي، كما على خلفية تمدد حلف الأطلسي نحو حدودها الغربية.

فبعد اندفاع بوتين خلال السنوات الثلاث الأولى من حكمه -وبحماسة- لتحقيق تكامل أوثق مع أوروبا والغرب بشكل عام غيّر توجهاته فجأة وانصرف نحو بناء دولة قوية، وتبنى إستراتيجية قائمة على محورين: الجوار القريب والبعيد، هدف الأول استعادة ما يعتبره أراضي روسية ألحقت بدول الجوار، واستعادة نفوذ روسيا في دول الاتحاد السوفياتي بذريعة حماية الروس والناطقين بالروسية، والثاني هدفه الحد من دور أميركا العالمي ونفوذها، ولعب روسيا دور كبير في القرار الدولي.

ويتضمن ذلك العمل على استعادة روسيا موقعها في نظام ثنائي القطبية إلى جانب الولايات المتحدة، ولتحقيق ذلك أطلق بوتين برامج اقتصادية وعسكرية لإعادة التوازن إلى وضع روسيا الداخلي وزيادة قدرتها على التحرك الإقليمي والدولي لفرض حضورها وهيبتها.

وهكذا عمل على تعزيز الوجود العسكري الروسي في الساحة السوفياتية السابقة من خلال قواعد عسكرية ومن خلال تقوية منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ودعا إلى تشكيل اتحاد جمركي يضم دول الاتحاد السوفياتي السابق تحت اسم الاتحاد الأوراسي، وتبنى عقيدة عسكرية قائمة على تعزيز الدفاعات الصاروخية، وتطوير المكونات القادرة على حمل رؤوس نووية (أنظمة الصواريخ، وغواصات نووية، وقاذفات إستراتيجية).

ناهيك عن تحديث الأسلحة التقليدية تم تشكيل قيادة عملياتية في البحر الأبيض المتوسط، حيث ترابط حاليا مجموعة سفن تابعة للأسطول الحربي الروسي بشكل دائم، بالإضافة إلى إنشاء شبكة قواعد عسكرية في منطقة القطب الشمالي، ونشر قوات الدفاع الجوي الفضائي الروسية في أرخبيل “نوفايا زيملا”، وقيام ألوية التدخل السريع وسفن الأسطول الحربي بالانتشار على طول طريق الشمال البحري.

هذا مع الإكثار من استعراض العضلات، وتبني تكتيك حافة الهاوية، والتلويح باحتمال انفجار حرب عالمية، وزاد في الإنفاق على التسليح حيث تجاوز نسبة 9% من الناتج المحلي، واتخذ موقفا متصلبا في الخارج باستئنافه إرسال دوريات القاذفات والأساطيل في المحيطين الأطلسي والهادي والبحر الأبيض المتوسط.

أثار انفجار ثورات الربيع العربي خلافات إضافية بين روسيا والغرب، خاصة بعد تدخل الأخير في ليبيا وحرمانها من كعكتها، وتهديد مصالحها في سوريا، مما دفعها إلى الدخول في مواجهة غير مباشرة معه عبر دعم النظام السوري في مواجهة الثورة، وحمايته سياسيا باستخدام حق النقض (الفيتو) أربع مرات، ناهيك عن تزويده بالسلاح والمال والخبراء العسكريين، والتنسيق مع إيران لمنع سقوطه تحت الضغط السياسي والعسكري.

كما أثار تحرك الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي لضم أوكرانيا إليهما فزعها لموقع الأخيرة في التصور الروسي للاتحاد الأوراسي فتصاعد التوتر بينهما فحركت الروس المقيمين في أوكرانيا، وأوكرانيي الشرق الذين يتكلمون الروسية وضمت جزيرة إليها، ودفعت سكان المقاطعات الأوكرانية الشرقية لإجراء استفتاء وإعلان قيام جمهوريتين شعبيتين في دونيتسك ولوغانسك.

كما استثمرت حالة الفتور السائدة بين الولايات المتحدة وعدد من حلفائها، دول الخليج العربية على خلفية الاتفاق النووي الإيراني، ومصر على خلفية تحفظها على القمع السياسي والإفراط في استخدام العنف ضد الإخوان المسلمين وتسييس القضاء فعقدت معهم صفقات تجارية وتسليحية واستثمارية، وعقودا لبناء مفاعلات نووية مدنية، كل هذا على أمل إجبار واشنطن على التعاطي معها كالقوة العظمى الثانية والعودة بالعلاقات الدولية إلى نظام ثنائي القطبية.

تم ذلك وروسيا تعيش حالة تضخم وانكماش في ضوء العقوبات الاقتصادية الغربية وتراجع أسعار النفط والغاز (ثمة توقعات لمراقبين روس بتراجع سعر النفط إلى أربعين دولارا، وحتى إلى عشرين دولارا، علما أن هبوط سعر النفط بمقدار دولار واحد للبرميل يحرم الميزانية الروسية من 2,5 مليار دولار).

هذا دون أن ننسى خدمة الدين الخارجي البالغ سبعمئة مليار دولار، وديون الشركات الروسية خمسمئة مليار دولار، خمسها يجب أن يسدد هذا العام وهروب رؤوس أموال تراوحت قيمتها عام 2014 بين مئة ومئتي مليار دولار، وازدياد المعروض من النفط والغاز بعد الاكتشافات الكبيرة التي ستعيد تشكيل السوق وتفرض توازنا جديدا بحيث تتراجع حصتها فيه (يشكل النفط والغاز نحو 74% من الصادرات الروسية وتمثل عوائدهما حوالي 50% من موارد الدولة، (وهما المصدر الرئيس للعملات الصعبة) وسحب استثمارات الشركات الغربية (87 شركة صفت أعمالها أو خفضتها)، وما ترتب عليها من انهيار سعر العملة الوطنية (انخفض سعر صرف الروبل أمام الدولار منذ مطلع هذا العام بنسبة 20%، علما أن الدولار كان مطلع العام 2014 حوالي 33 روبلا، بينما بلغ الآن 66 روبلا، وقاد هذا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 30%، وتراجع النمو إلى ما دون الصفر.

ورغم بلوغ عائدات روسيا من تصدير النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي في الفترة من 2000-2013 نحو 3,2 تريليونات دولار فإنه لم يسفر عن تحديث الاقتصاد الروسي وتنويعه ووقف اعتماده على تصدير المواد الأولية واستيراد التكنولوجيا المتقدمة من الخارج بل كان بمثابة نمو من دون تنمية، مما رتب تناقضا في بنية الدولة الروسية بين القوتين العسكرية والاقتصادية حيث ما زال الوصف الذي أطلق على الاتحاد السوفياتي: عملاق بساقين واحدة جبارة (العسكرية) وأخرى هزيلة (الاقتصادية) ينطبق على روسيا الاتحادية.

وهذا الأمر يعيدنا إلى معادلة المؤرخ الأميركي بول كنيدي لقيام وسقوط القوى العظمى: اقتصاد قوي يمول جيشا ينتشر في الخارج، وعدم توفر قدرة مالية للصرف على العمليات العسكرية في الخارج يضعان القوة العظمى على طريق السقوط، فاستمرار الصراع الروسي الغربي لبعض الوقت ومشاركة القوات الروسية في القتال بأوكرانيا وسوريا مع احتمال انخراطها في القتال في العراق سيقود إلى تآكل الكتلة النقدية الروسية المتبقية ويدفعها إلى حافة الإفلاس.

وقد أثار هذا الأمر هواجس ومخاوف المواطنين وعمق الهوة بينهم وبين السلطة، وهي حالة لا تنسجم مع أدبيات النظام الشعبوي وبطله الأوحد فلاديمير بوتين الذي يعتمد على إثارة حماسة المواطنين وتعصبهم القومي لحشدهم خلفه، سعيا إلى تحصين نفسه من غضبة الشعب بـ”تسويق” توصيفه للوضع الذي آل إليه الروس باعتباره جزءا من مؤامرة غربية تحاك ضدهم.

ينطوي التدخل العسكري الروسي في سوريا على فرص ومخاطر، من الفرص تعزيز النفوذ الروسي والحد من قدرة واشنطن على التحرك المنفرد في الإقليم والعالم ودفعها إلى التفاوض مع روسيا على ملفات إقليمية ودولية، مما يعني الاعتراف بها كند وشريك في القرار الدولي.

لكنه ينطوي على مخاطر أكبر، فواشنطن لا تقبل موسكو ندا أو لاعبا مؤثرا في الساحة الدولية وتتعامل معها كشريك صغير في تقاطعات ستصب في مصلحة الأقوى وفق نظرية التقاطعات التي بشر بها زبيغينو برجنسكي -مستشار الأمن القومي في إدارة كارتر- في كتابه “أميركا والعصر التكنتروني” (ترجمه الدكتور محجوب عمر تحت عنوان “بين عصرين” وصدر عن دار الطليعة في بيروت عام 1980).

وقد توقعت تحليلات كثيرة أن ترتفع حدة الانتقادات الداخلية مع سقوط قتلى من القوات الروسية في سوريا ووصول النعوش إلى موسكو، فعلى الرغم من تبني روسيا تكتيك الاعتماد على القصف الجوي لإنهاك المعارضة تمهيدا لهجوم بري يقوم به النظام وحلفاؤه الإيرانيون والمليشيات التابعة لهم لاستعادة الأراضي التي خسروها في الأشهر الأخيرة، ولإبعاد قوات المعارضة عن الساحل -حيث القاعدة البحرية الروسية- فإن هذا التكتيك يصطدم بعقبات كثيرة.

ولعل أولى هذه العقبات عدم نجاعة القصف الجوي في تحقيق نتائج حاسمة في الحروب غير المتوازية التي تواجه بها جيوش نظامية قوات غير نظامية، وثانيها ارتباط روسيا بحليف ضعيف (النظام)، مما يزيد الأوضاع صعوبة ويشكل عبئا ثقيلا عليها.

فإذا نجحت كتائب المعارضة السورية في تجنب الضربات الجوية وامتصاصها وردت بضربات موجعة لجيش النظام وحلفائه فإنها تكون قد قطعت الطريق على “القيصر” في تحقيق نتائج سريعة كالنجاح في تعزيز موقع النظام والضغط على الغرب لقبول المقايضة، وتكون بذلك قد حققت نصرا تكتيكيا في ضوء طبيعة الصراع غير المتوازي والقاعدة الحاكمة له: “ينهزم الجيش عندما لا ينتصر، وتنتصر المقاومة عندما لا تنهزم”.

ومن شأن ذلك أن يضع القيادة الروسية في مواجهة الرأي العام الروسي الذي ما زال يعاني من متلازمة أفغانستان، القلق من الانزلاق في حرب خارجية.

كما أن دفع روسيا إلى الانسحاب من سوريا دون تحقيق نتائج مجزية سينعكس سلبا على صورة “البطل” بوتين ويؤدي إلى تراجع دورها الدولي لتعود إلى الحظيرة وتقبل شروط واشنطن التي حددها الرئيس الأميركي للحل في سوريا (سوريا بقيادة جديدة).

إن زج الدولة الروسية في أتون حرب مجهولة النتائج وتنطوي على مخاطر كبيرة على بلد يعاني من مشكلات اقتصادية ويكاد يبلغ درجة الإفلاس والعجز عن سداد ديونه الداخلية والخارجية، ومشكلات اجتماعية، وقلق وجودي بسبب العامل السكاني والتركيبة الدينية وتوازناتها من أجل هدف (العودة إلى النظام ثنائي القطبية) تحقيقه مستحيل يعكس خللا في النظرة الإستراتيجية.

الجزيرة نت

 

 

 

التدخل الروسي.. “بزنس” الخاسرين/ مالك ونوس

قد لا يكون التحرك الدبلوماسي الروسي المتعلق بالوضع في سورية، والسعي الظاهري إلى إيجاد حل للمسألة السورية، وخصوصاً منه استقبال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشار الأسد في الكرملين منذ أيام، والاجتماع الرباعي الذي عقد بعده بأيام في فيينا، وشاركت فيه روسيا وزراء خارجية الولايات المتحدة والسعودية وتركيا للتباحث في إيجاد حل، سوى محاولة من موسكو للتعمية على الوضع القائم، وعلى حيثيات تدخلها في سورية ونتائجه الكارثية على صعيد إزهاق أرواح أبرياء عديدين، من أجل إدامة وجودها الذي ربما تكون دوافعه نوعاً من “البزنس” الجديد الذي تلجأ إليه موسكو، في ظل وضعها الاقتصادي المتدهور. فالجميع يعلم أن مبادرات سياسية كثيرة ومساعي إيجاد حلول لأزمات دولية قد أطلقت من أجل المحافظة على سلاسة سريان عملية أخرى على أرض الواقع، مماثلة لعمليات القصف التي بدأتها موسكو في سورية منذ حوالي الشهر، ولا تبدو لها نهاية في الأفق.

فإن كان تلفزيون روسيا اليوم، الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية، قد بكَّر في تتويج روسيا قطباً عالمياً جديداً بمواجهة الولايات المتحدة الأميركية، بعد الضربات الأولى التي وجهتها الطائرات الروسية للأراضي السورية، وراح ضحيتها عشرات المدنيين، وإن كان بطريرك موسكو وعموم روسيا قد بارك قبلها القوات الروسية في سورية، ورشَّ قساوسته الطائرات المقاتلة بالماء المقدس، معتبرين حربهم هناك مقدسة، فإن عنصراً ثالثاً هو الأساس، أو ربما يكون ثالث ثلاثي دوافع التدخل الروسي، وهو “البزنس” الروسي الجديد، تجارة السلاح والحروب، بعد خسارات ألحقها انخفاض أسعار النفط بالرأسمال المافيوي الروسي المتحكم بالبلاد. وربما هو الدافع الأكثر ترجيحاً، مع بروز عمليات تسويق قدرات الطائرات الروسية المشاركة في الغارات.

فالمخفي في النيات من وراء التدخل الروسي العسكري في سورية، عبر ضربات الطائرات الروسية التي بدأت في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، هو الأكثر وضوحاً، وهو ما لم يستطع قادة الكرملين المثابرة على إخفائه، كونهم قد صرّحوا به غير مرة على وسائل الإعلام، وخلال خطاباتهم في مناسبات عديدة قبل تدخلهم وبعده. وأكد رئيس الوزراء الروسي، ديمتري مدفيديف، هذه الحقيقة، في حديثه لقناة روسيا-24 في 17 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين قال: “نحن لا نقاتل لصالح قادة محددين، وإنما ندافع عن مصالحنا القومية”. ومصالح روسيا هنا هي، بكل بساطة، كانت في بيع السلاح بداية، ليتطور الأمر إلى حد المشاركة الفعلية في الحرب. وهو عمل يبدو أقرب إلى عملية استثمار في الحرب السورية، خصوصاً مع ما جرى الحديث عنه كثيراً من تمويل إيران مشتريات السلاح الروسية لصالح الجيش السوري، الأمر الذي يبدو أن المعنيين لم يجدوا غضاضة من تطوره، ليطاول تمويل ضربات الطيران الروسي أيضاً.

“تدخل روسيا العسكري الجاري حالياً في سورية يحيلها إلى موقع العدو، ويظهر طياريها مرتزقةً يبيعون الخدمات لقاء المال”

لم يستطع، أو ربما لم يُرد، ممثلو الرأسمال المافيوي الروسي بناء اقتصاد فعلي حاضر ومنافس على الصعيد الدولي، مستفيدين من القاعدة الاقتصادية الجبارة المتوفرة لهم، والتي ورثتها روسيا عن الاتحاد السوفياتي السابق. على الرغم من بيروقراطية جزء كبير من أشكال تلك القاعدة وذلك الاقتصاد الذي كان يمكنهم تجديده باستخدام أساليب الإدارة الحديثة وإدخال التقنية الحاسوبية إليه. بل آثروا الاعتماد على عوامل الربح السريع، كما الحال دائما مع حديثي النعمة، الأثرياء الجدد المتحكمين بهذا الاقتصاد، عبر اللجوء إلى الاستثمار الأمثل للنفط والغاز، وفي مرحلة لاحقة، إلى تجارة السلاح. وهو ما دعا إليه صراحة الرئيس فلاديمير بوتين العام الماضي، حين أكد على ضرورة زيادة مبيعات السلاح في ظل تدهور الاقتصاد، وهو ما سعى إليه شخصياً في زيارات كثيرة قام بها إلى عدد من الدول. إلى درجة وصل به الأمر للظهور بمظهر بائع سلاح، في مشهد كان مثيراً للنفور، وهو مشهد تقديمه لبندقية كلاشينكوف هدية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في التاسع من فبراير/شباط الماضي، في أثناء زيارته لمصر، في مسعى إلى الحصول على حصة من سوقها.

ولتأكيد حاجة روسيا إلى هذا الاستثمار، تكفي الإشارة إلى الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الروسي، بعد انخفاض أسعار النفط، والتي رجحت منظمة أوبك أن تصل إلى أكثر من مائة مليار دولار هذا العام. علاوة على الخسائر التي لحقته نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا، بعد تدخلها في أوكرانيا، وضمها شبه جزيرة القرم. ومن هنا، كان شروع وسائل إعلام روسية بعمليات التسويق للأسلحة الروسية، عقب ضربات طيرانها في سورية، عبر كل الوسائل وفي مختلف اللغات، معتمدةً عرض مواصفاتها وإظهار مقارنات لها مع الأسلحة الغربية، وخصوصاً الأميركية منها.

وتذكِّر عملية التسويق والمقارنة هذه بتلك المتبعة لدى التسويق للسيارات، وخصوصاً الحديث منها عند إطلاقها في الأسواق، عبر إبراز مواصفاتها. مع فارق أنه غاب عن بال المسوقين أنهم يسوّقون آلة موت، وليس مركبة لخدمة البشر. كما غاب عن بالهم أنهم يسوّقون طائرات تستبيح سماءً تغيب عنها المضادات الأرضية، وهو عامل يحرمها إظهار خاصية القدرة على تجنب هذا الاستهداف. كما تجنبت أي تدخل إسرائيلي، ينغص عليها تفردها بالسماء السورية، بعد التفاهم الذي يتزايد، يوماً بعد يوم، عبر التنسيق المشترك الذي اتفق عليه في أثناء زيارة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لروسيا في 21 من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، والذي عبر عنه نتنياهو بعد خروجه من الاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالقول: “لدى إسرائيل وروسيا مصلحة مشتركة في ضمان الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”.

تعتقد روسيا أنها بتدخلها في سورية، تراكم على تاريخ طويل من علاقتها مع البلاد في أثناء الحكم السوفياتي وبعده، حين كانت روسيا، خلال تلك الفترة مصدر السلاح السوري شبه الوحيد، علاوة على قرب روسيا إلى المزاج الشعبي السوري. لكن تدخلها العسكري الجاري حالياً يحيلها إلى موقع العدو، ويظهر طياريها مرتزقةً يبيعون الخدمات لقاء المال، وطياراتها بمظهر المركبات التي تتقاضى أجراً يحدده عداد ساعات الخدمة فيها، وهو ما يندرج في مجمله ضمن نشاط الاستثمار في الحرب السورية.

العربي الجديد

 

 

 

أقليّات سورية ورقة في يد روسيا/ حسان القالش

تسعى روسيا، في ما يبدو، إلى تنصيب نفسها حامياً امبراطوريّاً للمسيحيين في المشرق، نازعة هذه الصّفة عن أداتها المتمثّلة بنظام الأسد وحلفائه الطائفيّين. وتحاول، بالتالي، احتكار قضيّة الأقليّات كورقة من أوراق تفاوضها مع الغرب، وهذا ما يمكن استنتاجه من شروطها المقترحة لحل القضيّة السوريّة، وما يتعلق فيها بـ»حماية الأقليّات».

والحال أنّ انخراط روسيا في مسألة الأقليّات هذه يبدو أشبه بهديّة سهلة ومجّانيّة أكثر من كونه تحقيقاً لجهود أو لسعي دؤوب. ذاك أنّ أحد الأسباب التي رَمَت بهذه المسألة في اليد الروسيةّ كان ترفّع المعارضة السورية ومعظم المثقفين والدول المؤيّدة للثورة عن البحث فيها، أو اعتبارها شأناً وطنيّاً ذا أولويّة وإشكاليّة من إشكاليّات الحلول السياسيّة المرتقبة. ولم يكن خطاب الشماتة والكراهيّة الذي ظهر في تلك الأوساط عندما اقتربت المعارضة المسلّحة من مناطق العلوييّن في نيسان (إبريل) الماضي أوّل ولا آخر الدلالات على هذا الأمر.

غير أنّ إهمال المعارضة وتهرّبها من مواجهة هــذه المسألة لم يمنعا الوصول الى الامتحان الصعب الذي فشلت فيه اليوم. وهي ولئن شابهت الوطنيين السوريين الأوائل في إهمالهم لمسألة الأقليات خلال ســـنوات الانتداب الفرنسي، لم تمتلك وعيهم السياسي ولا أداءهم، بل كانت أكثر غروراً وأنانيّة. فقد نجح الآباء المؤسّسون في اجتياز هذا الاختبار في 1936 أثـناء مفاوضاتهم الشّاقة مع الفرنسيين، وذلك بفضل اتّباع سياسية التقرّب من الأقليّات وطمأنتهم. ففي الوقت الذي كان الوفد السوري يفاوض في باريس وكان المسيحيون جزءاً أساسيّاً وفاعلاً فيه، كان الجزء المتبقّي من الوطنيّين في دمشق يباشرون حملة إعلاميّة مكثّفة، ظهرت في سياقها رسالة هاشم الأتاسي الموجّهة إلى العلويّين، ومن ثمّ مسرحيّة العواطف والدموع التي قادها فخري البارودي أثناء اصطحابه لوفد كبير من دمشق إلى مقر البطريركيّة المارونيّة في لبنان إضافة إلى غيرها من الأحداث.

إلا أنّ الوطنيين الأوائل لم يكونوا مؤمنين حقيقة بأولويّة مسألة الأقليّات كما تبيّن لاحقاً، ولنا في مصير سلمان المرشد وإدمون ربّاط دلالة على ذلك، وهما من رجالات الأقليّات الذين تحالفوا مع الوطنيين. ففيما تمّ إعدام الأوّل ظُلماً غداة الجلاء في 1947، عافَ الثاني السياسة وترك سورية إلى لبنان. وهذا في عمومه ما أدّى لاحقاً إلى الخراب الذي عرفته سورية بداية من الانقلابات العسكريّة التي حملت الأقليّات المقهورة إلى السلطة، وصولاً إلى حُكم البعث وعائلة الأسد. فالمرحلة التي وصلت إليها الثورة والشعب اليوم تقتضي أن يكُفّ المستهزؤون بمصطلح «طمأنة الأقليّات» عن استهزائهم وأن يتواضعوا كثيراً ويبادروا، تجنّباً لإعادة تدوير الخراب السّوري في مقبل الأيّام.

* كاتب وصحافيّ سوريّ

الحياة

 

 

 

مكابرة روسية!/ ميشال كيلو

يصر الروس على المكابرة، ويدعون أنهم لا يقصفون في سورية غير تنظيم «داعش» الإرهابي، وانهم اجهزوا خلال اسبوعين على نيف واربعمائة وخمسين مقر قيادة عسكري ومستودع ذخيرة تابع له.

ومع أن العالم تناقل صور مدنيين سقطوا صرعى القصف الروسي، الذي تركز على قرى وبلدات ومدن توقف القتال في بعضها منذ اكثر من عام، ولم يترك فيها مشفى أو مخبزا أو سوقا شعبية إلا ودكها ونثر حطامها إلى مسافات بعيدة، فإن القادة السياسيين والعسكريين الروس يدعون يوميا انهم لم يقتلوا سوريا واحدا، ولم يجرحوا عصفورا، إلا إذا كان من «داعش» ويحمل سلاحها. في هذه الأثناء، لم يبق مراقب عسكري محايد حيال عمليات القصف التي يشنونها دون تفويض أو قرار من أية هيئة أو منظمة دولية، ولم تستهدف الى اليوم «داعش» وإنما انصب معظمها على الجيش الحر وحاضنته الشعبية المدنية. على الرغم من هذه الحقائق التي تفقأ العين، لا يتورع أي مسؤول روسي عن تكرار مزاعم تتجاهل ابسط الوقائع الميدانية، كتقدم مئات « الداعشيين» من مدينة اعزاز إلى ضواحي حلب، واقتحام العديد من قراها باسلحتهم المتوسطة والثقيلة، التي نقلوها في وضح النهار إلى ضواحي المدينة دون أن يطير فوقهم او ينعب عليهم غراب روسي واحد، ناهيك عن طائرات السوخوي ، التي يتباهى شبيحة النظام بأن مجرد دوران محركها كفيل بالقاء الرعب في قلوب الأنس والجن. لم يقصف الروس أيضا مراكز التنظيم الارهابي ومواقعه المعروفة للقاصي والداني، ومقرات قادته ومنازلهم في الرقة، عاصمة دولتهم، وقصفوا بالمقابل منازل ضباط «الجيش الحر»، وقتلوا كثيرين منهم ومن أفراد اسرهم، في حين تركوا «داعش» لطيران الاسد، حليفها الذي سلمته تلالا كانت قد احتلتها في ريف حلب، والذي لا يوجد بين العسكريين من يخشى غاراته، لكونه لا يتقن من فنون الحرب غير القاء البراميل المتفجرة على المدنيين الآمنين، الذين جاء سلاح الجو الروسي إلى بلادنا كي يذيقهم الويل بدوره، من خلال غارات مستمرة يشنها عليهم وتقتل المئات منهم «بدقة فائقة».

رغم اعلان لافروف ان الجيش الحر معتدل، وان روسيا تريد الحوار معه، يهاجم الطيران الروسي هذا الجيش في كل شبر من سورية، ولا يترك جماعة «معتدلة» إلا ويضربها بزخم المصمم على إبادتها، بينما لم يمس شعرة من رأس داعشي واحد في تدمر والرقة ودير الزور ومناطق الحدود التركية وجنوب دمشق، وحلب وضواحيها، حيث ينفذ منذ قرابة شهر غارات متواصلة ليلا نهارا على الأهالي و»معتدلي» المعارضة والجيش الحر، متجاهلا خشية قائده في الساحل من ضياع جهوده، بسبب ما اسماه افتقار الجيش الاسدي، المتكفل بالحرب البرية، إلى الروح المعنوية والرغبة في القتال، ووجود اخلاط من المرتزقة في ساحات القتال، يصعب التوفيق بينهم وضبطهم.

يكابر الروس، لذلك يحاولون إضفاء طابع إنساني على مجازرهم ضد المواطنين. ويقدر العارفون ان استمرار غاراتهم بالوتيرة الحالية لن يبقي على طفل او امرأة في المناطق المستهدفة، وأن قصدهم إرباك المقاتلين باعداد كبيرة من القتلى والجرحى، بحيث لا يترك دفنهم والاهتمام بهم أي وقت للقتال، ويقلص اعداد المرابطين ويجعل من الصعب عليهم الصمود في وجه ما قد يشنه مرتزقة النظام وحزب الله عليهم من هجمات.

يرجع موقف روسيا العسكري إلى موقفها من الإنسان، فقد حفل تاريخ روسيا باحتقار الحياة الإنسانية والقانون، وبرفض حقوق الانسان والمواطن، التي اقرتها الامم المتحدة وتعتبرها ملزمة في علاقات الدول مع مواطنيها. واليوم، وبوتين يتشبه بالقياصرة الذين احتلوا البلدان المجاورة لروسيا، واخضعوها بالقوة والحقوها بها، بعد أن قتلوا عشرات الملايين من بناتها وابنائها، والغوا هويتها وثقافتها وتاريخها، يقوم الجيش الروسي بغزو سورية وقتل شعبها وتدمير ما بقي من قراها ومدنها، لانقاذ مجرم يذبحها نظامه منذ نصف قرن، ولكي يفرض عليها مصالح تتصل بصراعات روسية / أميركية، لا تعنيها في شيء ولا تريد أن تكون طرفا فيها.

غزت روسيا بلادنا من دون تفويض دولي، بعد أن عارضت طيلة اربعة اعوام ونصف اي تدخل خارجي يوقف المذابح ضد شعبها، بحجة احترام سيادتها كدولة مستقلة. ترى، ألا يستحق غزوها، وهو فعل استعماري بامتياز وينتهك القوانين الدولية، قرارا يدينه، تتولى الامم المتحدة اصداره: انقاذا للنظام الدولي، ولمن بقى حيا من سوريين؟.

المستقبل

 

 

غلطة الشاطر!/ ميشيل كيلو

ليس بين المستبدين من لا يعتقد بقدرته على تكييف الواقع مع رغباته، وبدل الاعتقاد بان رغباته يجب ان تكون واقعية، اي قابلة للتحقق في شروط عليه تكييف خياراته وقراراته معها.

وبوتين، كاي مستبد، يعتقد انه وضع برنامجا لخطوته السورية، من غير الممكن أن لا يلتزم الواقع الميداني به، مهما تعددت الإرادات الفاعلة فيه وتناقضت مصالحها ومطالبها منه، وجافت بنوده المختلفة العوامل التي تنسج بتفاعلاتها وتعدد رغبات وإرادات الفاعلين فيها الواقع وتحدد صورته ومضمونه النهائىين. حدد بوتين برنامجه: أي المسار الذي على الواقع السير عليه والتقيد به، كما حدد الفترة الزمنية اللازمة لتطبيقه، أي لنجاحه المؤكد، وحدد ما على خصومه فعله : الانصياع لإرادته، ثم اطلق آلته العسكرية القاتلة على السوريات والسوريين، بعد أن ألزم قتلاه جميعهم بأن يكونوا ما ارداه لهم : إرهابيين، وجلس ينتظر انصياع الواقع للأمر الذي اصدره له.

لا يتعلم المستبد من اخطائه لأنه بكل بساطة لا يخطئ. ولا يقبل حيدان الوقائع عن المسار الذي رسمه، لأن إرادته هي الواقع الذي لا يمكن أن يوجد واقع سواه . ولا يقبل المستبد التراجع عن ما يقرره، لتوهمه ان توازن القوى مفهوم لا وجود له، وأن قوته غالبة يخسر لا محالة كل من يتحداها. لذلك، يستهين بغيره في كل ما يقدم عليه، ويستهتر بما قد يتطلبه انتصاره من حسابات صحيحة وخيارات واقعية .

لنضرب الآن مثالا حيا يبين كيف خطط بوتين لتدخله العسكري في سورية . من المعلوم، بادئ ذي بدء، أن سلاح الجو لا يحسم الحروب بمفرده، لكن بوتين قرر أنه يستطيع، وتوهم أن الانتصار قادم لا محالة على اجنحة طائراته الحربية المتطورة، التي امرها بتغطية رقعة ارضية تقارب المائتي الف كيلومترا مربعا، تنتشر فيها مقاومة وطنية وشعبية شاملة وخبيرة تمكنت من احتواء جيش الاسد ومرتزقة حزب الله وجيش إيران وستة وعشرين تنظيما ارهابيا. الغريب أن بوتين اخذ قراره بغزو سورية اعتمادا على وجود جيش بري يستطيع الإفادة من غارات طائراته، متجاهلا ان هذا الجيش صار ميليشيا تأتمر بأوامر جنرالات إيرانيين، لكن هؤلاء يتساقطون كالذباب لان «الجيش» عاجز عن حمايتهم، ومنهمك في سلب ونهب البلدات والقرى التي يكلف بغزوها وتدميرها وقتل مواطناتها ومواطنيها.

هذه الاخطاء، التي تعتبر اخطاء الف باء، فاتت بوتين، كما فاته أن اي عدد من الصواريخ المضاده للطائرات يزود به الجيش الحر يستطيع حشره في حال لا يحسد عليها، وأنه سيجد نفسه عندئذ أمام خيارات تتحدى حساباته، هي:

ـ ارسال قوات ارضية كبيرة إلى المعركة مع ما سيترتب على انخراطها المباشر فيها من نتائج يرجح ان تكون كارثية بالنسبة إلى دولة متوسطة القدرات كروسيا، أو تعزيز طائراته وما يمكن ان بفضي إليه من سقوط اعداد متزايدة منها، أو الاستعانة بايران ومرتزقتها وتقويض اهداف تدخله العسكري، ووضع نفسه وجيشه تحت رحمة غريمته طهران، واخيرا الخروج من سورية .

هذه الخيارات ستنهك جميعها روسيا سياسيا واقتصاديا عسكريا، وستسبب لها مشكلات هي في غنى عنها، وستمكن أميركا وأية دولة اقليمية أو عربية من ايقاعها في فخ استنزافي لن تخرج منه بشروطها، وستوقع بها هزيمة لا قبل لها بتحمل نتائجها .

دمر استبداد بشار الاسد سورية . وسيدمر استبداد بوتين القيصري روسيا. من لا يصدق، فليتابع تطورات مأزقه في سورية، الذي لن يخرج منه بقتل المئات من اطفاله ونسائه يوميا.

المستقبل

 

 

 

لماذا سيغرق «بوتين» في سوريا؟

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

لا يمكن للرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» التوسط في حل سياسي في سوريا في الواقع، نتيجة لمحاولاته الأخيرة للعب النفوذ الدبلوماسي في الشرق الأوسط فإنه ربما يفقد مصداقيته. ظهر هذا في الأسبوع الجاري عندما التقى المسؤولون في إيران، أكبر الداعمين لـ«نظام الأسد»، مع نظرائهم الأميركيين والروس في فيينا لمناقشة حل سياسي للصراع السوري. وقد ضغطت روسيا بقوة من أجل إدراج إيران في هذه المحادثات حالية المخاطر.

لكن «بوتين» وضع نفسه عرضة لخيبة الأمل. وهذا لأنه لا يوجد حل سياسي للأزمة في سوريا. تتطلع روسيا إلى حل يضم جميع أطياف الجماعات المعارضة في سوريا والذي سيفشل حتما نظرا لأن هذا الطيف الواسع بالضرورة لا بد أن يشمل بوضوح المتشددين و«الدولة الإسلامية»، وهي مجموعات لا واشنطن ولا حتى موسكو على استعداد للتعامل معها. في حالة عدم وجود حل سياسي، سوف يكون استرداد المناطق على يسيطر عليها المتشددين ينطوي بالضرورة على معركة طويلة ومريرة. وهي المعارك التي سوف يعلق فيها «الأسد» ووكلاؤه من الإيرانيين والروس.

فكرة أن قيام «بوتين» بنشر بضع العشرات من الطائرات سوف يقلب الطاولة لصالح «الأسد» هو أمر أشبه بالخيال على المستوى الاستراتيجي. الحشود الكبيرة في واشنطن التي تقول أن الولايات المتحدة عليها أن تصعد بقوة من أجل مواجهة تحرك موسكو في سوريا هم مخطئون. الانخراط الروسي في المستنقع السوري هو في الواقع أفضل فرصة حصلت عليها إدارة «أوباما» خلال الأشهر الماضية لإضعاف «بوتين».

خطة «بوتين»

على العكس من ذلك، استراتيجية «بوتين» في سوريا ليست عصية على الفهم. موقع الضربات الروسية في سوريا في الأسابيع الأخيرة تشير إلى أنه يريد أن يساعد «الأسد» ووكلاءه من الميليشيات الشيعية لربط الأماكن التي يسيطر عليها في حمص مع تلك الموجودة في حلب عن طريق تطهير محافظات اللاذقية وحماة وإدلب من المعارضين من غير «الدولة الإسلامية». في حال نجاحها، فإن هذه الحملة سوف تقضي على معظم المجموعات المعارضة في هذه المناطق بدءا من الجيش السوري الحر المدعوم من الولايات المتحدة إلى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة حيث يترك فقط «الدولة الإسلامية» والأكراد في شمال سوريا. واشنطن وحلفاؤها، وفقا لحسابات «بوتين»، سوف يضطرون إلى القبول بـ«الأسد» كخيار وحيد لمواجه «الدولة الإسلامية» في المناطق السنية في شمال ووسط سوريا. وببقاء «الأسد» في السلطة يكتسب «بوتين» النفوذ الإقليمي، وتقلب الهيمنة الإقليمية للولايات المتحدة.

وبالنظر إلى أن «بوتين» لديه بالفعل استراتيجية سياسية محددة، فإن الانتقادات الغربية لفشل «الأسد» في إسقاط أكثر من بضع قنابل فوق مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» في حين توجه ضرباتها نحو المعارضة من الفصائل الأخرى هو أمر مثير للسخرية. الولايات المتحدة، على النقيض، قد وضعت هدفا سياسيا وهو تحطيم «الدولة الإسلامية» دون أن توضح ما الحل السياسي الذي يمكن أن تنتهي إليه حملة القصف. من الذي ترغب الولايات المتحدة أن تكون له السيطرة على الأرض بعد إزاحة «الدولة الإسلامية».. الجواب أنه لا أحد يعرف.

بدلا من إدانة «بوتين» للعمل لأجل مصلحته الشخصية في سوريا فإن كل من البيت الأبيض النقاد من الصقور في واشنطن ينبغي عليهم على النقيض التركيز على تجلية الضعف الصارخ لخطته: وهي أنه سوف يفقد مصداقيته السياسية وأمانه المالي بينما يحاول دعم «الأسد» والتوسط في حل سياسي بعيد المنال. كل ما ينتظر أولئك الذين يدافعون عن ما تبقى من الدولة السورية المنهارة هو كابوس مكافحة التمرد المفتوح.

المستنقع السوري

أولئك الذين يريدون من البيت الأبيض تصعيد حملته في سوريا من أجل مواجهة «بوتين» يجب أن يفهموا أولا، أنه لا يستطيع أن يقدم حل تفاوضي للحرب. النظر في الحقائق على أرض الواقع. وإذا نحينا جانبا الأكراد، فإنه لا يوجد من المعارضين المعتدلين في سوريا من يمكن الارتكاز عليه في أي حل سياسي. إذا كان هناك، فإن واشنطن لم تكن لتتخلى عن برنامجها لتدريب الكوادر السورية بعد أن فشلت في العثور سوى على عشرات، والذين لم يكونوا على استعداد للقتال بحال. في أعقاب ذلك الفشل الذريع، يقع العبء على إدارة «أوباما» أن تثبت أن «المعارضين المعتدلين» هم شيء أكثر من مجرد خيال. على العكس، هناك أدلة كثيرة على أن العديد من المعارضين من غير «الدولة الإسلامية» الذين ينتظر أن يكونوا جزءا من أي حل هم في الواقع من المتشددين.

هذا هو السبب في أن فكرة وجود حل سياسي، أيا كان من يلعب دور الوسيط، هو مجرد إسقاط خيالي نابع من رغبتنا في إنهاء الحرب الأهلية السورية أكثر من كونه مشروعا يرتكز على معطيات واقعية. ببساطة، لن تكون هناك صفقة مع المتشددين الإسلاميين، ناهيك عن «الدولة الإسلامية»، بغض النظر عن ما إذا كان الطرف المقابل هو «الأسد» أو روسيا والغرب، أو قوى إقليمية، أو مزيج منها. يمكننا أن نتصور بجدية جبهة النصرة، الجماعة المعارضة الأكبر سوى «الدولة الإسلامية» يتم دعوتها إلى طاولة المفاوضات من أجل مناقشة «سوريا تعددية».. إنه درب من الخيال.

بدلا من ذلك فإن نقطة النهاية للكثير من النقاط التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» وسائر المعارضين هي القتال حتى الموت. إنه ليس ذلك النوع من المعارك ذات النهايات الحاسمة. بمجرد أن يتم تطهير الأرض فإن القوات تحتاج إلى البقاء في أماكنها من أجل أغراض استعادة النظام. وإذا كانت حرب العراق قد أظهرت أي شيء فهو أن التمسك بالأراضي التي كانت واقعة تحت سيطرة المعارضة يعني بداية كابوس مفتوح من العبوات الناسفة وأعمال القناصة والعنف الطائفي.

ينبغي ألا يكون هناك أي شك في أن التمرد سوف يتصاعد في المناطق السنية من سوريا حال تم استعادتها من قبل المعارضين الإسلاميين أو تنظيم «الدولة الإسلامية». المظالم الشديدة التي تحرك التمرد ضد «الأسد» لن تختفي فجأة. ومثل هذا التمرد سوف يستمر إلى أن يتم فرض حل سياسي بالقوة العسكرية والذي قد يضمن ضم المناطق التي يسيطر عليها المعارضين إلى الدولة السورية بالقوة أو تقسيم المناطق إلى وحدات سياسية مستقلة. إذا لم يظهر أي حل سياسي من هذا القبيل، فإن كل مجموعة تسيطر على مساحة معينة من الأرض سوف تحتاج إلى حمايتها وإخضاعها بشكل دائم باستخدام الميليشيات. وفي كلتا الحالتين، فإننا نبدو في الطريق إلى مستنقع.

إذا قرر «بوتين» مضاعفة دعمه لنظام «الأسد»، فإنه سوف ينجذب أكثر نحو المستنقع. وإذا فشل في تقديم حل سياسي فإنه مسرحيته لممارسة النفوذ في الشرق الأوسط سوف تبدو سخيفة. ولكنه سوف يبقي نفسه عالقا مع «الأسد» نظرا لكونه قد استثمر في إبقائه على قيد الحياة. هل يمكن لـ«بوتين» التحرر من هذا المأزق؟ في الواقع لا، نظرا لكونه لا يستطيع تحمل تكلفة التصعيد بشكل أكبر مع الحالة الراهنة للاقتصاد الروسي والذكريات التي لا تزال عالقة من تجربة أفغانستان في الثمانينيات. تكلفة الحملة الروسية تتراوح ما بين 2.3 مليون إلى 4 ملايين دولار يوميا وفقا للتقديرات، وهي قد لا تبدو مرتفعة جدا الآن لكنها سوف تمثل عبئا مع الوقت.

بيت القصيد هو أن «بوتين» عالق في سوريا، وكذلك المتشددين في طهران الذين يدعمون الميليشيات الشيعية على أرض الواقع. هذا ليس شيئا سيئا لمن يريدون أن يراهم في موقف أضعف. «الأسد» هو ثقل كبير يقوم بسحب «بوتين» إلى الأسفل وليس حليفا حيويا قادرا على إبقاء روسيا واقفة على قدميها في الشرق الأوسط.

على إدارة «أوباما» أن تنظر لما يحث على أنه فرصة لتوريط «بوتين» في أكبر قدر ممكن من الفوضى، بدلا من التفاوض معه حول مشاركته في سوريا. عبارة أخرى، يمكن للرئيس «أوباما» في هذه اللحظة وضع خطة لاستراتيجية سياسية حقيقية وليس مجرد لإلقاء المواعظ والخطب ضد دعم «بوتين» لما تبقى من الدولة السورية وبدلا من العملية غير ذات المعزى ضد «الدولة الإسلامية». الضربات الأمريكية في سوريا يجب فقط أن تكون مرتبطة بأهداف إيجابية محددة مثل مكافحة الإرهاب للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة، منع الدولة الإسلامية من إعادة تموين عملياتها في العراق، أو حتى دعم الجيوب الكردية. وبعد ذلك، علينا أن نفهم على الأقل من الذين تعتبرهم إدارة «أوباما» المرشحين للسيطرة على الأرض في أعقاب تطهيرها من «الدولة الإسلامية» أو المعارضين لأن هذا هو المفتاح لأي حل سياسي يمكن أن نراه في سوريا.

المصدر | فورين بوليسي

 

 

 

خيارات دول الخليج لمواجهة التدخل العسكري الروسي في سوريا/ د. جمال عبد الله

(الجزيرة)

ملخص

يثير التطور في الموقف الروسي من الأزمة السورية تساؤلاتٍ حول دوافعه وطبيعة ردود أفعال القوى الإقليمية والدولية تجاهه، وتحاول هذه الورقة تسليط الضوء على هذه التساؤلات بشئ من التفصيل والتحليل، لا سيما ما يتعلق بمواقف دول الخليج العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، أحد الفاعلين الرئيسيين في الأزمة السورية.

من المسلّم به أن الاتحاد الروسي هو حليف النظام السوري منذ عقود طويلة، ومن هنا وجدت موسكو منفذًا لها تطل من خلاله على المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط عبر قاعدتها العسكرية في مدينة طرطوس السورية، عليه يمكن فهم أهمية سوريا “الدولة” بالنسبة للكرملين الروسي.

كنتيجة للتطورات الأخيرة في الأزمة السورية، فإن روسيا ومن خلال تدخلها العسكري في سوريا، تحاول إعادة رسم خارطة توازنات القوى الدولية، وفي حال نجحت بفرض أجندتها وفقًا لمقترحاتها وخططها التي تسعى للترويج لها كمخرج من الأزمة في سوريا، فإن موسكو ستبقى لاعبًا فاعلًا في منطقة الشرق الأوسط ذا حضورٍ على الأرض خلال العقود القادمة، وستكون شريكًا لقوى إقليميةٍ ودولية فاعلة، وسيؤخذ بتوصياتها ورغباتها وفقًا لمصالحها ومصالح حلفائها عند بحث ترتيبات الأمن في المنطقة لاحقًا.

تبقى الإشارة إلى أنه وفي ضوء السياسة البراغماتية التي تنتهجها دول الخليج العربية على الصعيد الإقليمي والدولي، لا يُتوقع أن تسلك هذه الدول نهجًا تصعيديًّا تجاه تدخل موسكو في الأزمة السورية. لكن في الوقت ذاته، فإن دول مجلس التعاون الخليجي لن تتردد وفقًا لتحركاتها في تبني سياسة عقلانية تحمي مصالحها الوطنية والإقليمية في إقليمٍ تملؤه الصراعات، لاسيما على خلفية التداعيات المستقبلية المحتملة للأزمة السورية الممتدة منذ قرابة الخمس سنوات.

مقدمة

شهد الشهر الأخير تطورات نوعية لافتة في الموقف الروسي تجاه الأزمة في سوريا، انتقلت بموجبه موسكو من مربع المراقب والداعم السياسي للنظام في دمشق، إلى مرحلةٍ متقدمة في تدخلها العسكري المباشر والعلني، وصلت إلى حدِّ شنِّ ضربات عسكرية مباشرة داخل الأراضي السورية ضد التنظيمات المعارضة والمناوئة لنظام الأسد، تحت غطاء الحرب على الإرهاب ومحاولة القضاء على ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية.

ويثير هذا التطور في الموقف الروسي الرسمي تساؤلاتٍ حول دوافعه وتوقيته وتبعاته وطبيعة ردود أفعال القوى الإقليمية والدولية تجاهه، لاسيما من جانب دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يحاول هذا التقرير تسليط الضوء عليه بشئ من التفصيل والرصد والتحليل.

بواعث التدخل العسكري الروسي في سوريا

من المعلوم أن الاتحاد الروسي -وريث الاتحاد السوفيتي السابق- هو حليف للنظام السوري “البعثي” منذ أكثر من خمسة عقود، وبذلك فقد وجدت روسيا الاتحادية منفذًا لها تطل من خلاله على البحر الأبيض المتوسط عبر قاعدتها العسكرية في مدينة طرطوس السورية -الوحيدة لها في منطقة الشرق الأوسط-، من هنا يمكن فهم أهمية سوريا بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بدأت روسيا عملياتها العسكرية الجوية في سوريا في 30 سبتمبر/أيلول 2015 دون سابق إنذار (1)، ولم تُخفِ موسكو تعزيزاتها العسكرية من عتاد وآليات وأفراد، والتي كانت قد أرسلتها إلى الأراضي السورية بكثافة خلال الأسابيع التي سبقت موعد بدء تدخلها العسكري، الذي أرادت منه أن تثبت للعالم أجمع أنها تستطيع تغيير موازين القوى على الأرض، وأنها لا تزال قوة ضاربة يمكن أن يُحسب لها أكثر من حساب من قبل القوى الدولية والإقليمية.

وسعت موسكو إلى تسويق شرعية تدخلها العسكري في سوريا من منطلق أنه جاء بناءً على طلبٍ من النظام السوري الذي لا يزال مُعترَفًا به دوليًّا رغم الانتهاكات الصارخة التي ارتكبها بحق شعبه (2)؛ حيث ما زالت البعثة الدائمة لسوريا لدى الأمم المتحدة في نيويورك ممثلةً بدلوماسيين سوريين منتدبين من وزارة الخارجية التي يرأسها أحد أعمدة النظام “وليد المعلم”.

ويُمكن أن تُعزى بواعث تدخل الحكومة الروسية عسكريًّا في سوريا إلى أحد الأسباب الأربعة التالية أو إليها مجتمعة:

يقين الرئيس بوتين وحكومته أن نظام الأسد بات ضعيفًا ومتهالكًا وعلى وشك السقوط (3)، لاسيما بعد أن حققت المعارضة السورية المسلحة -بدعمٍ من عدد من الدول الإقليمية المؤيدة لفكرة رحيل الأسد- تقدمًا كبيرًا في المناطق الشمالية والجنوبية وباتت على مشارف مدينة اللاذقية، التي تعتبر أكبر المدن على ساحل الجمهورية العربية السورية والميناء الرئيس لها؛ حيث أتى هذا التدخل العسكري الروسي لدعم النظام السوري والحفاظ على ما تبقى من كيانه ومن المناطق التي يسيطر عليها لاسيما في العاصمة دمشق ووسط سوريا، خاصةً مدينتي حمص وحماة.

حماية المصالح الروسية في سوريا (4)، خاصةً القاعدة العسكرية البحرية في ميناء طرطوس على الساحل السوري؛ حيث إن هذه القاعدة هي الوحيدة لروسيا في منطقة الشرق الأوسط وعلى ضفاف المياه الدافئة للبحر المتوسط. وهذا يفسر حرص روسيا على بناء قاعدة عسكرية جوية لها في مدينة اللاذقية الساحلية غرب سوريا لتعزيز وجودها ونفوذها مستقبلًا في سوريا في سياق تسويات مستقبلية محتملة مع الأطراف المحلية والإقليمية.

تعزيز مكانة روسيا كقوة دولية فاعلة، وإثبات قدرتها على أن تكون لاعبًا مؤثرًا في القضايا الإقليمية والدولية (5)، لاسيما بعد أن نجحت في ضم جزيرة القرم الأوكرانية وفشل المجتمع الدولي بمؤسساته وهيئاته في تغيير الواقع الذي فرضته روسيا على الجغرافيا السياسية بقوتها العسكرية دون رادعٍ دولي.

وكذلك سعي موسكو لإثبات قدرتها على الصمود أمام الأزمة المالية الخانقة التي تعصف باقتصادها منذ انخفاض أسعار منتجات الطاقة من النفط والغاز بشكلٍ دراماتيكي، حيث أثَّر ذلك على اقتصادات الدول المنتجة للطاقة، ورفض الدول الأعضاء في منظمة أوبك، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تخفيض إنتاجها لرفع الأسعار؛ حيث يمكن قراءة مشهدٍ مفاده أن روسيا بتدخلها العسكري في سوريا تسعى لاستعادة مكانتها بل وفرض نفسها كقطبٍ في عالمٍ ثنائي الأقطاب وندٍّ للولايات المتحدة الأميركية، واستخدام هذه الورقة (ورقة التدخل العسكري في سوريا) للضغط على دول أوبك لتغيير سياسة إنتاجها النفطي لا سيما مع اقتراب موعد انعقاد اجتماع وزراء النفط للدول الأعضاء في منظمة أوبك في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2015.

رغبة روسيا في أن تكون عنصرًا فاعلًا في تسوياتٍ مستقبليةٍ تخص الأقلِّيات في كلٍّ من سوريا والعراق، لاسيما الأكراد الذين يعملون على الوصول إلى لحظة إعلان دولةٍ مستقلةٍ لهم شمالًا (في إقليمي العراق وسوريا) على الحدود التركية (6). هذا المطلب الذي تسعى تركيا بكل ما تملك لإجهاضه حمايةً لحدودها الجنوبية مع جيرانها في سوريا والعراق.

من جهةٍ أخرى، فإنه من المرجح أن يؤدي التدخل العسكري الروسي في سوريا إلى ازدياد موجات اللاجئين السوريين إلى أوروبا (7)؛ ما سيقود بدوره إلى تعزيز مواقع الأحزاب اليمينية المتطرفة في دول القارة العجوز، والتي لا تُخفي معارضتها المطلقة لسياسات بلدانها في استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، والتي تصل في بعض الدول (كألمانيا) إلى مئات الألوف وربما الملايين؛ ما قد يؤدي إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي الذي تعتبره موسكو خصمًا لها بعد أن فرض عليها حزمةً من العقوبات الاقتصادية نتيجة استيلائها على جزيرة القرم الأوكرانية.

التدخل الروسي ومواقف القوى الدولية والإقليمية

إن نجاح روسيا في تشكيل حلف لمحاربة الإرهاب أو تنظيم ما يُدعى بالدولة الإسلامية -كما أعلنت- والذي يضم بالإضافة إليها (روسيا) كلًّا من إيران والعراق وسوريا وحزب الله اللبناني وربما يكون مدعومًا من دولٍ عربيةٍ أخرى لم يُعلَن عنها بشكلٍ صريح، يدل على كونها قادرةً على أن تكون لاعبًا فاعلًا في الشرق الأوسط لا يمكن الاستهانة به، لاسيما بعد تراجع ثقل الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة وعدم رغبتها بالغوص في وحولِ حروبٍ جديدة على الأرض لأسباب عديدة يمكن حصر أهمها بنتائج تجربتيها الفاشلتين خلال العقد الماضي في كلٍّ من العراق وأفغانستان، وبخمولها حيال أزمات العالم أجمع وفقًا لنمطها السلوكي السلبي الذي بدا واضحًا وبشكلٍ واضح منذ بدأ العد التنازلي لانتهاء ولاية الرئيس أوباما الذي يقضي أشهره الأخيرة كسيِّدٍ للبيت الأبيض (8).

هذا الحلف الذي تم رصد نواة تشكُّله خلال الأسابيع القليلة الماضية، يُحاول أن يكون ندًّا للحلف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من أربعة عشر شهرًا والذي يضم قرابة الـ50 دولة عربية وغربية؛ حيث يسعى الحلف الذي تقوده موسكو للترويج إلى أن هدفه هو “الحرب على الإرهاب”، ولكن الوقائع على الأرض أثبتت أن الغارات الروسية في الأراضي السورية شملت هجماتٍ على المعارضة المسلحة المعتدلة -ومنها قوات “الجيش السوري الحُر”- التي تقاتل القوات النظامية السورية (9)، وتُصنَّف على أنها مدعومة من عدد من الدول الإقليمية لاسيما من السعودية وتركيا وقطر، ومدرَّبة من قِبل قوات أميركية خاصة.

في الوقت ذاته، يصعبُ فهم مواقف عددٍ من القوى الدولية، لاسيما الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الغربيون الذين لم يُحركوا ساكنًا للتدخل العسكري الروسي في سوريا -كما بدا للوهلة الأولى على الأقل-، وكأنَّ اتفاقًا ضمنيًّا بين الطرفين على تبادل الأدوار قد تم إبرامه.

لقد اكتفت الدول الفاعلة في الأزمة السورية بإصدار التصريحات التي أدانت بدايةً التدخل العسكري الروسي، وشهدت الساحة الدولية تغييرًا لعددٍ من المواقف التي قبلت بالعمل على إيجاد تسوية سياسية يمكن أن يكون الأسد طرفًا فيها -في مرحلةٍ انتقالية على الأقل-، وكأن التدخل العسكري الروسي في سوريا قد فرض بالفعل أجندته كما تم التخطيط له في موسكو؛ ما يُعزِّز فكرة أن روسيا سعت من خلال إقحام نفسها عسكريًّا في الأزمة السورية إلى توفير مناخٍ يفرضُ على كافة الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية القبولَ بمبدأ الحل السياسي، ويحفظُ مصالحها في سوريا ويضمن خروجًا آمنًا لحليفها “بشار الأسد” من السلطة مستقبلًا حال التوصل لتسوية سياسية محتملة.

ليس سرًّا القول بأن روسيا هي أكبر المورِّدين للنظام السوري من العتاد والأسلحة والدعم الاستشاري واللوجستي، من هنا يأتي اليقين بأنَّ روسيا قد فكَّرت مليًّا قبل الإقدام على خطوة التدخل العسكري والزج بنفسها في نفق حربٍ عسكرية في سوريا. ومن المرجح أن موسكو قد أعدت مسبقًا “استراتيجية خروج” من حربها في سوريا عندما تقتضي الحاجة، وهذا ما كشفت عنه بالفعل الأسابيع التي تلت بدء العملية العسكرية الروسية، لاسيما بعد اجتماع “فيينا 1″، الذي عُقد يوم الجمعة الموافق 23 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وجمع وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا (10)، وخَلُص إلى الاتفاق على مواصلة المشاورات بين الأطراف الأربعة، وتوسيع اجتماع “فيينا 2” الذي عُقد بالفعل في يوم الجمعة الموافق 30 أكتوبر/تشرين الأول وضمَّ وزراء خارجية 17 دولة معنية بالأزمة السورية بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة (11)؛ حيث كان من أهم نتائج هذا الاجتماع دعوة المشاركين فيه إلى جمع المعارضة وحكومة النظام في سوريا حول طاولة الحوار، من أجل بدء عملية سياسية تقود إلى تشكيل حكومة جديرة بالثقة وغير طائفية ولا تقصي أحدًا، يعقبها وضع دستور جديد وإجراء انتخابات (12). ولكن يكمن التحدي الأكبر الذي ستواجهه الدول المؤيدة لرحيل الأسد، في جمع المعارضة على طاولة المفاوضات؛ حيث هناك العشرات وربما المئات من الفصائل المعارضة للنظام السوري، والتي لا تتفق بالضرورة مع بعضها البعض.

من المُسلَّم به، أن لإيران دورًا لا يمكن إغفاله في أزمات المنطقة لاسيما في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وعددٍ من دول الخليج أيضًا؛ التي تؤمن بدورٍ تدخلي لإيران في شؤونها الداخلية (كالبحرين) (13)، ويبدو أن بعضًا من صانعي القرار في عدد من دول الخليج العربية يؤمنُ بأن من يُمسك بمفاتيح حل أزمات المنطقة هي عواصم الدول الإقليمية الفاعلة وعلى رأسها طهران و الرياض. من هنا، يمكن فهم جذور المبادرة التي قدمتها دولة قطر في الكلمة التي ألقاها أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمام الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول 2015، والتي اقترح فيها بدء حوارٍ بنَّاء بين الدول الخليجية وإيران، واقترح استضافة الدوحة لهذا الحوار، “قد آن الأوان لإجراء حوار هادف من هذا النوع، بين دول سوف تبقى دائمًا دولًا جارة، ولا تحتاج لوساطة أحد، ونحن مستعدون لاستضافة حوار كهذا عندنا في قطر” (14). رغم ذلك فإن رَدَّة الفعل الخليجية الرسمية على هذه الدعوة كانت متفاوتة بين مرحبٍ ومتحفظ؛ ما يعكس درجة التوتر التي يعيشها الإقليم وصعوبة التوافق الكامل في تقدير المصالح والمخاطر من قبل الدول الخليجية نفسها.

من الواضح للمراقب والمختص أن الدول الإقليمية المؤيدة للثورة السورية -كتركيا والسعودية وقطر- والتي تدعم حلًّا سياسيًّا للأزمة السورية يُفضي إلى رحيل رأس هرم النظام “بشار الأسد”، لن تقبل بأن يؤدي التدخل العسكري الروسي في سوريا إلى تغيير قواعد اللعبة، وترجيح كفة نظام الأسد على حساب فصائل المعارضة المعتدلة التي تدعمها. من هنا بدا واضحًا رفض تلك الدول للغارات التي شنَّها الطيران العسكري الروسي على مواقع فصائل المعارضة السورية المسلحة، بعد أن أعلنت موسكو أن هدفها الرئيس من عملياتها العسكرية في الأراضي السورية هو “الحرب على الإرهاب” وتنظيم ما يُدعى بالدولة الإسلامية.

كما ينبغي عدم إهمال عنصر رئيس في عمليات روسيا العسكرية في سوريا، وهو أن تركيا عضوٌ فاعل في حلف شمال الأطلسي “الناتو” (15)، وأنها في حال تعرضت لأي اعتداء أو تم انتهاك مجالها الجوي من قبل أية قوةٍ أجنبية فسيكون لها كامل الحق بحكم مبادئ الحلف “الناتو” الذي تنتمي إليه بأن تردع القوة التي تعتدي عليها أو تخترق مجالها الجوي؛ وسيكون لزامًا على القوات العسكرية للدول الأعضاء في حلف “الناتو” أن تدعم وربما تشارك القوات التركية في عملياتها العسكرية لحماية أراضيها ومجالها الجوي في حال اختراقه. هذا الجانب، يثير قلقًا بالغًا في حال تجرَّأ الطيران الروسي على تكرار اختراق المجال الجوي التركي بحجة ملاحقة بعض العناصر الإرهابية في الأراضي التركية؛ ما قد يعقِّد الأزمة وينتقل بها إلى مرحلةٍ خطيرة يُخشى أن تتحول إلى حربٍ واسعة.

من جهةٍ أخرى، ينبغي عدم إغفال ردة فعل دول الخليج العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي عادت لتمسك بزمام المبادرة وتقود العالم العربي منذ وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الحكم في يناير/كانون الثاني 2015. فمن الواضح من خلال رصد المواقف والسياسات السعودية خلال الأشهر التسعة الماضية، أن الرياض باتت أكثر مبادرةً وحضورًا في المشهد السياسي “الإقليمي والدولي” منذ وصول جيل أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود إلى الجبهة الأمامية والصف القيادي الأول في مؤسسة الحكم، لاسيما بعد تعيين المحمدَيْن (محمد بن نايف ومحمد بن سلمان) في مناصب صنع القرار في البلاد (16).

ولابد أيضًا من التوقف عند “حلقة الوصل” بين الحرب في اليمن على جماعة الحوثي وأتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح “عاصفة الحزم و إعادة الأمل”، التي تقودها المملكة العربية السعودية ضمن تحالف عربي مدعوم بشكلٍ كبير من دول الخليج العربية، وبين الحرب في سوريا والتي باتت أزمة دولية وحربًا بالوكالة لجهات إقليمية ودولية عديدة، لاسيما بعد التدخل العسكري الروسي في نهاية شهر سبتمبر/أيلول 2015. إن إعلان السعودية في 26 مارس/آذار بدء عملياتها العسكرية في اليمن من العاصمة الأميركية واشنطن في مؤتمرٍ صحفي لوزير خارجيتها عادل الجبير والذي كان حينها سفيرًا لبلاده في واشنطن (17)، دلالة كبيرة على التحول الذي تشهده السياسة الخارجية السعودية مع استلام الملك سلمان لمقاليد الحكم في بلاده، ومؤشر على أن الرياض باتت قادرة على اتخاذ القرار وأخذ زمام المبادرة ببدء عملٍ عسكري دون ضرورة مشاركة الولايات المتحدة الأميركية، لاسيما عندما يتعلق الأمر بأمنها الوطني والإقليمي.

القوى الإقليمية ومستقبل الأزمة السورية

بناء على ما تقدم، يبقى سيناريو التصعيد من قبل بعض الدول الإقليمية الداعمة للثورة السورية واردًا -رغم ضعفه في الوقت الراهن على الأقل-؛ ذلك السيناريو يقوم على افتراض دعم المعارضة السورية المعتدلة بأسلحة نوعية من شأنها أن تُخل بالتوازنات التي فرضها التدخل العسكري الجوي الروسي. ولكن بالمقابل، قد تسعى موسكو بدورها لكسر الحصار الذي تفرضه قوات التحالف العربية بقيادة المملكة العربية السعودية على اليمن، وإمداد المقاتلين الحوثيين وأولئك الموالين للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بأسلحة نوعية من شأنها أن تُؤدي إلى تغيير المشهد في اليمن، ذلك المشهد الذي يسيطر عليه في الوقت الحالي تفوق قوات التحالف العربي. المقاربة التي يفترضها هذا السيناريو تقوم على أن عنصر القوة والتفوق لكلٍّ من قوات التحالف العربية في اليمن من جهة، والقوات الروسية وكذلك السورية النظامية في سوريا من جهةٍ أخرى، يكمن في سيطرتها الجوّية الكاملة. عليه، فإنَّ سعي أحد هذين الطرفين لإخلال التوازن في مسرح عمليات الطرف الآخر سيؤدي بالضرورة إلى سعي الطرف الآخر إلى إخلال التوازن في مسرح عمليات الجبهة الأخرى.

رغم ذلك، فإن المملكة العربية السعودية -وحلفاءها الإقليميين-، كطرف في المعادلة لا يبدو أنها تسعى إلى التصعيد بحكم أنها دولة براغماتية تعي حجم مسؤولياتها والتزاماتها في المنطقة ولا تريد مواجهة مباشرة مع روسيا. بل على العكس من ذلك، حيث بدا الموقف السعودي مؤيدًا لإيجاد حلٍ سياسي للأزمة السورية، رغم رفض الرياض التام لأن يكون للرئيس السوري بشار الأسد أي دور في مستقبل سوريا؛ وقد تسعى الرياض مستقبلًا لبناء تحالف -ولو مرحلي- مع موسكو وغيرها من العواصم لتنويع تحالفاتها الدولية والإقليمية بعد خيبة أملها من موقف واشنطن تجاه الملف النووي الإيراني.

حيث أحدثَ الاتفاق النووي الذي تم إبرامه في شهر يوليو/تموز 2015 بين مجموعة 5+1 (الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) من جهة، وإيران من جهةٍ أخرى، شرخًا وأزمة ثقة في العلاقات الخليجية-الأميركية (18)، لاسيما بعد اقتناع الشارع الخليجي بأن إدارة الرئيس أوباما سعت لترجيح كفة إيران على حساب كفة دول الخليج العربية من خلال توقيع هذا الاتفاق الذي عدته طهران بمثابة انتصارٍ سياسيٍ لها. عليه، فقد أدَّى ذلك إلى تحرك عدد من دول الخليج باتجاه روسيا وكذلك باتجاه القارة العجوز “أوروبا”، لتعزيز العلاقات والشروع في مد الجسور بغرض بناء تحالفات وتكتلات جديدة دون أن يعني ذلك على الإطلاق التخلي عن التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية والذي تعتبره دول الخليج العربية تحالفًا ذا طبيعةٍ استراتيجية وطويل الأمد.

من الأهمية بمكان أيضًا رصد الدور الذي يمكن أن تلعبه سلطنة عُمان “كوسيط” في الأزمات التي تعصف بالمنطقة، من أجل التوصل إلى تسويات سياسية في سوريا وفي اليمن على حدٍّ سواء. فمسقط هي العاصمة الخليجية التي استضافت عددًا من الحوارات بعد بدء عملية “عاصفة الحزم”؛ حيث كانت جماعة الحوثي المتمردة في اليمن طرفًا فيها (19)، وهي التي استضافت قبل ذلك المفاوضات الأوَّلية بين واشنطن وطهران (20)، والتي أفضت لاحقًا إلى توقيع الاتفاقية النووية بين هذه الأخيرة ومجموعة 5+1 في يوليو/تموز 2015. كما أن سلطنة عُمان شاركت مؤخرًا في اجتماع “فيينا 2” الذي عُقد في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2015 لبحث الأزمة السورية، بعد أن كان وزير الشؤون الخارجية العُماني يوسف بن علوي قد اجتمع قبل ذلك مع الرئيس السوري بشار الأسد في العاصمة السورية دمشق في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015 (21). عليه، فإن الموقف الذي تعتبره بعض الأطراف بأنه “محايد” والذي اتخذته سلطنة عُمان من الصراعات في المنطقة، قد يَسمحُ لها -إن طُلب منها ذلك- بأن تسهم في لعب دور الوسيط في عددٍ من أزمات المنطقة لا سيما في كلٍ من اليمن وسوريا.

من جانب آخر، يبقى واضحًا أنَّ المجتمع الدولي لا يزال منقسمًا بشأن الأزمة السورية؛ حيث يمكن رصد تكتلٍ يوازي ذلك التكتل الذي شكَّلته روسيا مؤخرًا والذي أشرنا إليه آنفًا، وهو التكتل الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ويضم كلًّا من تركيا والسعودية وقطر وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ودولًا أخرى. كما أن عدم وضوح مواقف عدد من الدول العربية من التدخل العسكري الروسي في سوريا يؤكد فرضية انقسام العالم العربي نفسه تجاه الأزمة السورية، ويطرح تساؤلًا حول غياب عدد من العواصم العربية عن توقيع البيان الذي أدان التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ بدئه (22)، والذي ضمَّ بالإضافة إلى السعودية وقطر وتركيا كلًّا من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. هذا الشرخ والانقسام في رؤية الفاعلين الدوليين والإقليميين لمجريات الأمور قد يؤدي إلى تأخير إيجاد حلٍّ أو مخرجٍ للأزمة في سوريا وإطالة أمد الصراع فيها.

يبدو أن الأزمة السورية، أخذت منحىً جديدًا بقرار الولايات المتحدة الأميركية إرسال عشرات المستشارين العسكريين الأميركيين إلى الأراضي السورية لتقديم الدعم اللوجستي والاستشاري لفصائل المعارضة السورية المعتدلة التي تقاتل تنظيم ما يُدعى بالدولة الإسلامية (23). هذا القرار الذي صدر عن الإدارة الأميركية بالتزامن مع عقد اجتماع “فيينا 2” بخصوص الأزمة السورية، دعا بعض المحلِّلين السياسيين إلى اعتبار أن موسكو بتدخلها العسكري في سوريا قد فرضت على واشنطن كسر جمودها، الذي بدا وكأنه مقصودٌ نتيجة اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، لتثبت حضورًا “ماديًّا” على الأرض.

أخيرًا لا آخرًا، يمكن استنتاج أن روسيا، وبتدخلها العسكري في سوريا، تحاول إعادة رسم خارطة توازنات القوى الدولية، وفي حال نجحت بفرض أجندتها وفقًا للمقترحات والخطط التي تسعى لترويجها كمخرج للأزمة السورية، فإن موسكو ستبقى لاعبًا فاعلًا في منطقة الشرق الأوسط ذا حضورٍ على الأرض خلال العقود القادمة وستكون شريكًا لقوى إقليميةٍ ودولية فاعلة، وسيؤخذ بتوصياتها ورغباتها وفقًا لمصالحها في ترتيبات الأمن في المنطقة.

خاتمة

يثير التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية مؤخرًا العديد من علامات الاستفهام بشأن مستقبل مواقف القوى الدولية والإقليمية تجاه الأزمة، لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي ضوء السياسة البراغماتية والواقعية التي تنتهجها دول الخليج العربية على الصعيد الإقليمي والدولي، لا يُتوقع أن تسلك هذه الدول نهجًا تصعيديًّا تجاه تدخل موسكو في الأزمة السورية. لكن في الوقت ذاته، فإن دول مجلس التعاون الخليجي لن تتردد وفقًا لتحركاتها في تبني سياسة عقلانية تحمي مصالحها الوطنية والإقليمية في إقليمٍ تملؤه الصراعات، لاسيما على خلفية التداعيات المستقبلية المحتملة للأزمة السورية الممتدة منذ قرابة الخمس سنوات.

تجدر الإشارة إلى أن التدخل العسكري الروسي في سوريا نجح على ما يبدو من خلال مخرجات اجتماع “فيينا 1″ في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2015، و”فيينا 2” في 30 أكتوبر/تشرين الثاني 2015، إلى توافق المعنيِّين بالأزمة السورية على ضرورة إيجاد مخرج للأزمة السورية وفق عملية سياسية ومرحلة انتقالية تحفظ وحدة الأراضي السورية وتضمن عدم تقسيمها إلى دويلات، وتؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وإعداد دستور جديد للبلاد ومن ثَمَّ تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية؛ رغم ذلك يبقى الخلاف الذي سيبحثه الفرقاء في اجتماعهم القادم الذي من المتوقع أن يُعقد في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حول التوافق على إيجاد مخرج أو بحث مصير رأس النظام السوري “بشار الأسد”، وهل يمكن له أن يكون جزءًا من العملية السياسية والمرحلة الانتقالية التي قد تشهدها سوريا خلال الأشهر القادمة أم لا؟

ونختم بطرح بعض التساؤلات المشروعة في هذه المرحلة: هل سيؤدي التوصل المحتمل إلى مخرج للأزمة السورية في تسريع الوصول إلى حلولٍ لأزمات المنطقة الأخرى لاسيما في اليمن وليبيا؟ ومن ثمَّ هل ستضطر الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية للجلوس على طاولة المفاوضات في المستقبل القريب مع إيران لبحث مستقبل الأمن في العراق؟

______________________________

د.جمال عبد الله – باحث مختص بالشؤون الخليجية

 

الهوامش

  1. أوزبورن وَستيوارت، أندرو وَفيل، روسيا تبدأ ضربات جوية في سوريا والحرب تدخل مرحلة جديدة متقلبة، Swissinfo.ch، 30 سبتمبر/أيلول 2015، (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://www.swissinfo.ch/ara/reuters/%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A3-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%AA%D8%B7%D9%84%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%AF/41692354

  1. مالك، عادل، التدخل الروسي يمنع تقسيم سوريا أم يعجِّل فيه؟، الحياة، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 23 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://www.alhayat.com/Opinion/adel-malek/11602987/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D9%8A%D9%85%D9%86%D8%B9-%D8%AA%D9%82%D8%B3%D9%8A%D9%85-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%85-%D9%8A%D8%B9%D8%AC%D9%84-%D9%81%D9%8A%D9%87%D8%9F

  1. الراشد، عبد الرحمن، التدخل الروسي في سوريا، الشرق الأوسط، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://aawsat.com/home/article/448571/%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%B4%D8%AF/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7

  1. حيسو، معتز، أسباب التدخل الروسي في سوريا وتداعياته، السفير، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 5 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://assafir.com/Article/1/448412

  1. درغام، راغدة، هدف موسكو فرض التسويات في المنطقة بشروطها، الحياة، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://www.alhayat.com/m/opinion/11514047

  1. Balanch, Fabrice, Syria’s Kurds Are Contemplating an Aleppo Alliance with Assad and Russia, The Washington Institute, 7 October, (Accessed: 13 October 2015):

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/syrias-kurds-are-contemplating-an-aleppo-alliance-with-assad-and-russia

  1. الجاش، عنفار ولد سيدي، أربعة أسباب لتغير المواقف الدولية حول الحل في سوريا، الحرة، 1 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 5 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://www.alhurra.com/content/Syria-world-changes-views/282378.html

  1. تعاظم النفوذ السوري في سوريا، الجزيرة نت، 17 سبتمبر/أيلول 2015، (تاريخ الدخول: 25 سبتمبر/أيلول 2015):

http://www.aljazeera.net/news/presstour/2015/9/16/%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%B8%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D9%88%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7

  1. طائرات روسية تقصف مواقع المعارضة السورية، الجزيرة نت، 30 سبتمبر/أيلول 2015، (تاريخ الدخول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/9/30/%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D8%B5%D9%81-%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9

  1. اجتماع رباعي في فيينا لبحث الأزمة السورية، SkyNews عربية، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 24 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://www.skynewsarabia.com/web/article/784979/%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9-%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D9%8A%D9%8A%D9%86%D8%A7-%D9%8A%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%94%D8%B3%D8%AF

  1. محادثات فيينا تجمع داعمي فرقاء النزاع في سوريا، BBC عربي، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 31 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/10/151029_syria_vienna_talks

  1. اجتماع فيينا يدعو لحوار وحكم انتقالي بسوريا، الجزيرة نت، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 1 نوفمبر/تشرين الأول 2015):

http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/10/30/%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9-%D9%81%D9%8A%D9%8A%D9%86%D8%A7-%D9%8A%D8%AF%D8%B9%D9%88-%D9%84%D9%87%D8%AF%D9%86%D8%A9-%D9%88%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7

  1. عيد، محمد بدري، مستقبل العلاقات الخليجية-الإيرانية بعد الاتفاق النووي، مركز الجزيرة للدراسات، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 25 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://studies.aljazeera.net/reports/2015/10/201510410339837824.htm

  1. البياري، معن، أمير قطر يصارح العالم في الأمم المتحدة، العربي الجديد، 28 سبتمبر/أيلول 2015، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2015):

http://www.alaraby.co.uk/politics/2015/9/28/%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D9%8A%D8%B5%D8%A7%D8%B1%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9

  1. الناتو مستعد لإرسال قوات للدفاع عن تركيا، القدس العربي، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

الناتو مستعد لإرسال قوات للدفاع عن تركيا… وهجوم سوري بدعم روسي على سهل الغاب

  1. عبد الله، جمال، السياق الجيوسياسي لعاصفة الحزم ومواقف الدول الخليجية منها، مركز الجزيرة للدراسات، 9 إبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول: 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2015):

http://studies.aljazeera.net/reports/2015/04/201549105225602952.htm

  1. السعودية تعلن بدء عمليات عسكرية ضد الحوثيين باليمن، الجزيرة نت، 26 مارس/آذار 2015، (تاريخ الدخول: 17 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/3/26/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%A8%D8%AF%D8%A1-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86

  1. عبد الله، جمال، آمال وتطلعات دول الخليج من قمة كامب ديفيد، مركز الجزيرة للدراسات، 12 مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول: 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2015):

http://studies.aljazeera.net/reports/2015/05/201551294925541574.htm

  1. الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا: الحوار بين أميركا والحوثيين في عُمان “لن يحقق الاستقرار في اليمن”، BBC عربي، 30 مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2015): إضغط هنا.
  2. واشنطن وطهران في جولة ثانية من المحادثات النووية في مسقط، BBC عربي، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، (تاريخ الدخول: 3 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2014/11/141110_iran_nuclear_talks

  1. الراشد، بدر، عُمان.. دبلوماسية الأبواب المغلقة في هواية الوساطات، العربي الجديد، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، (تاريخ الدخول: 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2015):

http://www.alaraby.co.uk/politics/2015/11/2/%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%84%D9%82%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%87%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D8%A7%D8%AA

  1. الحرب الروسية في سوريا: الأسباب والمآلات، مركز الجزيرة للدراسات، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 22 أكتوبر/تشرين الأول 2015):

http://studies.aljazeera.net/positionestimate/2015/10/2015101291721373790.htm 23. ستيوارت وَهوزنبول، فيل وَمارك، مع التصعيد في سوريا.. أوباما ربما يكسب نفوذًا في ساحة القتال وخارجها، Reuters عربي، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2015):

http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKCN0SP0C820151031

 

 

 

إعادة ضبط سوريا على الإيقاع الروسي

تقدّمت روسيا بخطة لحل النزاع في سوريا ترتكز على توحيد صفوف المعارضة والنظام ضد التنظيمات الإرهابية، وصولاً إلى مرحلة إنتقالية يقودها النظام السوري وتتضمّن إجراء إنتخابات حرة بمشاركة كافة الأطياف تمهيداً لسوريا جديدة خالية من «بشار الأسد».

في الظاهر تبدو الخطة الروسية جديرة بالإحترام، وتتضمن المطلب الرئيسي للمعارضة السورية والمتمثل برحيل الأسد، ولكن التفاصيل الصغيرة بين السطور تشي بمستقبل أكثر سوداويّة للشعب السوري!

تشترط روسيا على المعارضة السورية وقف المعارك مع النظام، وإعلانها قبول المبادرة الروسية، وكل من لا يقبل خطة السلام الروسية سواءً من التنظيمات والفصائل على الأرض أو القيادات السياسية المُعارضة، سيتم إقصاؤه وسيخرج من اللعبة السياسية. في المُقابل تتعهد روسيا بعدم ترشح «بشار الأسد» للإنتخابات القادمة، ولكن هذا لا ينطبق على باقي أفراد عائلة الأسد أو رموز النظام الحالي، ناهيك عن وجوب تعهّد المعارضة السورية «السلميّة والحليفة» بعدم ملاحقة الأسد أو أي من رموز النظام قضائياً بدعوى جرائم الحرب التي تم إرتكابها في سوريا على مدار السنوات الأربعة الماضية. أما النقطة المفصلية في المبادرة الروسية فهي ضمان بقاء القوات الروسية على الأرض السورية إلى حين تطبيق خطة السلام وضمان إستقرار البلاد!

ليس من الصعب في ظل حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة وحالة تزييف الحقائق والتلاعب بالتاريخ أن يتم محو أربعة أعوام من معاناة الشعب السوري، والتخلص من ذكرى أكثر من مليوني فقيد وضِعْف هذا العدد من اللاجئين والمُهجّرين في سبيل أن يمُنّ السيد الرئيس على شعبه ويقبل بالتنحّي عن منصبه في سبيل أمن وإستقرار البلاد!

كيف تجرؤ القيادة الروسية على إختزال أربعة أعوام من الثورة السورية، بكل ما فيها من تضحيات جمّة قدّمها الشعب السوري في سبيل نيله لحقوقه الأساسية والمتمثلة بالحرية والتعدّدية الفكريّة والمساواة، وحَصْر كل ذلك في مغادرة الأسد فقط ؟! ليت الأمر توقّف عند هذا الحد، بل إنها تشترط إعفاءه من كل التبعات القانونية على جرائمه، ومنحه الحق في العيش الآمن على أرض البلد التي دمّرها وحرم أهلها من الأمن والأمان!

المبادرة الروسية في جوهرها تتعارض مع مواقف روسيا من الأزمة السورية في بدايتها، وتتعارض مع موقف القيادة الروسية ودعمها العلني لنظام الأسد ورفضها السابق لأي مبادرة تتضمن رحيل الأسد فقد أجهضت روسيا «مبادرة جنيف» وجهود المبعوث الدولي والعربي «الأخضر الإبراهيمي» واستخدمت حق النقض الفيتو لحماية نظام الأسد، مما زاد من تعنّت النظام السوري تجاه معارضيه، وكانت تردد دوماً أن الشعب السوري هو من يقرر بقاء الأسد أو رحيله.

من المفيد أيضاً إسترجاع حقيقة أن المعارضة كانت قد وافقت على إعطاء الأسد صلاحيات واسعة لنائبه «فاروق الشرع» لقيادة المرحلة الإنتقالية التي كان من المُفترض أن تشهد إنتخابات حرّة ونزيهة تشارك فيها المعارضة من الداخل والخارج ولكن للأسف فإن هذه المبادرة المُعتدلة والعقلانية لم تجد وقتها إلا آذاناً صمّاء من القيادة الروسية ومن النظام السوري على حد سواء، بل إن «فاروق الشرع» بمجرد أن تم طرح إسمه إختفى عن الساحة ولا يُعلم مكان إقامته لغاية هذه اللحظة.

يقول الأخضر الإبراهيمي في سياق تسجيل شهادته عن تلك المرحلة أنه عندما التقى الرئيس «بشار الأسد» طلب منه أن يلتقي بفاروق الشرع بصفته نائباً للرئيس أولاً وبصفته صديقاً شخصياً ثانياً، ولكن الرئيس رفض ومنذ ذلك الوقت لم يلتق أحد بفاروق الشرع!

لماذا الحديث الآن عن رحيل الأسد ؟! كما سبق أن ذكرنا أن المبادرة الروسية في ظاهرها تبدو أنها تحقيق لرغبات المعارضة ولكن الحقيقة أن روسيا تريد تشكيل «سوريا جديدة»، تكون فيها الحكومة تابعة للكرملين في حين تكون المًعارضة ناعمة ولطيفة ومقبولة للنظام الروسي، كما أنها تسعى من خلال سوريا إلى إعادة صياغة المنطقة من جديد وتعزيز نفوذها السياسي والعسكري فيها، وربما ترغب أيضاً في تشكيل «شرق أوسط جديد» على الطريقة الروسيّة. ألا يستحق هذا كلّه التضحية بورقة الأسد!

لسان حال القومجيين والشبيحة اليوم في سوريا يقول ( مات الملك؛ عاش الملك! ) ولا ضير عند هؤلاء في إعادة صياغة مبادئهم بين الحين والآخر بل وتعليل كل تناقضاتهم، فهم الآن يهلّلون للمشروع الروسي في المنطقة، في الوقت الذي أجهضوا فيه الثورة السوريّة بحجّة أنها عميلة للمشروع الإمبريالي في المنطقة، ويعلّلون ذلك بأن روسيا دولة صديقة وحليفة لدول العالم الثالث وأنها لم تكن يوماً دولة إستعمارية. يذكّرني هذا برواية جورج أورويل (1984) حين كان «الحزب» يقوم وبشكل دوري بمحو ذكريات الماضي وإعادة صياغة التاريخ بشكل يتناسب مع مقتضيات المرحلة، فيصبح الإنسان بلا ماضي، ويبقى المستقبل مفتوحاً على كل الإحتمالات!

في النهاية، الكرة الآن في ملعب السوريين أنفسهم، هل ستبلع المُعارضة السوريّة الطُعم وتقبل بهذا الحل خصوصاً مع التعنّت الإيراني في مسألة بقاء الأسد، وهل سيتنازل الشعب السوري عن مطالباته بنيل حقوقه الأساسية بعد كل ما عاناه من مآس، وكل ما قدّمه من تضحيات، ويكتفي بأن تتغير الوجوه ويبقى الحال كما هو عليه ؟!

أيمن أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

القدس العربي

 

 

 

بين «حفرة» اللاذقية والمهدي/ زهير قصيباتي

كاد قائد «الحرس الثوري» الإيراني محمد علي جعفري يتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأنه يتواطأ لمنع ظهور الإمام المهدي، بتدخُّله عسكرياً في سورية، وسحب مفتاح القرار والوصاية هناك من جيب مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي. فتدخُّل الروس، حشر الجانب الإيراني والرئيس بشار الأسد في زاوية الريبة والشكوك التي تطاول حقيقة ما يسعى إليه الكرملين، وهو حتماً لن يخوض صراعاً لخمس سنوات أخرى كما فعلت إيران بلا جدوى… إلا إذا استُثنِيَ حجم الخراب في سورية وعدد الضحايا، واهتراء ما بقي من سلطة النظام، على جزء محدود من الأرض.

ما أراد جعفري قوله، إن التدخل الروسي في ليلة مظلمة ظن نظام الأسد في البداية أنها المفاجأة السعيدة لإنقاذه وهو في الرمق الأخير، يحول دون «توحيد قلوب شعوب العراق وسورية وإيران الذي يعني تشكيل الأمة الواحدة… وهذه تمهّد لظهور الإمام المهدي».

والأهم في المفاجآت غير السارّة للنظام، أن يدشّن جعفري السجال العلني الذي ينضح مرارة إيرانية إزاء وضع بوتين يده على مفتاح الحرب في سورية، ليعلن قائد «الحرس الثوري» ان روسيا «لا تبدو سعيدة بالمقاومة الإسلامية».

لا إيران سعيدة إذاً بطائرات الكرملين تحلّق في فضاء سورية، من دون أن تكون لأحد القدرة على التحقُّق من حجم الأهداف التي تدمّرها، ولا نظام الأسد يمكنه أن يبقى في دائرة الوهم، وتخيُّل إخلاص القيصر لصداقته، وهبّته المفاجئة، فقط لإنقاذه. لا طهران تملك ما يكفي من الأدوات لعرقلة سعي موسكو إلى فرض تسوية ما في سورية قد تقتضي «التضحية» بالأسد رئيساً، ولو على مراحل، ولا الكرملين يمكنه أن يراهن على حسم عسكري، يعفيه من مهمة «إقصاء» رأس النظام المترنّح.

لا تعني مهمة نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في طهران، سوى شكوى من العرّاب الروسي الذي خلط أوراق الصراع في سورية، ولجم رهانات نظام الأسد وحلفائه في إيران على انتصار مقولة «كل المعارضة تكفير وإرهاب»… أما الدليل فهو التلميحات الروسية بل «اصطناع» موسكو وفوداً من «الجيش الحر» تزورها لتبادل الأفكار، والتمهيد لمرحلة انتقالية في سورية. صحيح أن الروس ما زالوا يصرّون على أن مصير الرئيس الأسد هو شأنُ السوريين، ويحذّرون من «الحفرة السوداء الكبيرة» التي ستنجُم عن تغيير نظام آخر في الشرق الأوسط، لكن الصحيح كذلك هو أن بوتين لن يبادر الآن إلى حرق ورقة الأسد، فيما المفاوضات الجدية مع المعارضة السورية لم تبدأ بعد. وهي لن تبدأ قريباً، بدليل الرسالة التي أعلنها فيصل المقداد من العاصمة الإيرانية، ليحجّم بيان جنيف، باعتباره المرحلة الانتقالية مجرد «وهم».

وإذا كان الأسد يظنها كذلك، فعلى ماذا سيفاوض، والأهم أنه في الوضع الحالي لنظامه لن يملك القدرة على انتزاع مبضع الجرّاح الروسي الذي يبدو مستعجلاً لوضع سورية في غرفة العناية الفائقة. ويرى بعض العارفين بنهج روسيا «الجديدة» التي يريدها بوتين، أن «الثعلب» الذي نجح في انتزاع شبه جزيرة القرم في «غفلة» من الحلف الأطلسي، لن يستسلم بسهولة ليعود من اللاذقية الى شواطئ قزوين، مهزوماً أمام «النصرة» و «داعش».

ما يطمح إليه الكرملين هو صيغة تجمع النظام السوري والمعارضين «غير الإرهابيين»، وتحميها الدول الكبرى بغطاء جوي لاستكمال المعركة مع «داعش». وواضح ان مصير الأسد سيبقى لدى الروس في دائرة «الغموض البنّاء» فلا نعم لبقائه ولا العكس، حتى تنضج تجربة فرز المعارضة بين «أخيار» و «أشرار» في المرحلة الأولى، من دون اشتراط موافقة الأسد عليها.

إذاً، سيكون على الكرملين اختبار صبره على إعادة تشكيل النظام السوري، الذي سيدير مؤسسات الدولة، وإن كان لا يمانع في دعوة «الإخوان المسلمين» الى المشاركة في منتدى حوار موسكو، باعتبارهم جزءاً من المعارضة، فقد يبرز «فخ» آخر للنظام، بعد اعتماد مبدأ تصويت السوريين في الخارج، في أي انتخابات مقبلة.

لا يقلق القيصر أن يدجّن حلفاء «الحرس الثوري» في سورية الذين باغتهم تبديل قواعد الصراع. فبعدما تأخر كثيراً «توحيد القلوب» وسقط مئات الآلاف من السوريين والعراقيين، قد لا يبدو إغراقاً في الخيال تصوُّر تقاطع مصالح، يفوّض فيه الأميركي موسكو تفكيك الشبكة الإيرانية للنظام السوري.

ألم ينجح في اقتياد الأسد الى تسليم الترسانة الكيماوية السورية؟

الحياة

 

 

 

 

هل روسيا حقاً دولة عظمى؟/ أيمن عقيل

تطل روسيا على العالم برئيس غير تقليدي البتة. هو يمارس بحماسة لعبة «الجودو»، يشارك في مهمات توعية لحماية الدببة القطبية، ويهوى رياضة الغطس، وقد تم إعداد تقرير إعلامي في إحدى المرات لـ «توثيق» لحظة انتشاله شخصياً كنزاً تاريخياً دفيناً. تارة يظهر عاري الصدر على أغلفة المجلات، وذلك في إشارة إلى قوته وخصوبته ربما، ويفاجئ العالم تارة أخرى وهو يقود دبابة أو غواصة ويصدر التوجيهات العسكرية من أرض الميدان. تعتبر هذه الأساليب مثيرة للجدل على نطاق واسع لدى الغربيين، إلا أنها من المرجح أن تكون ساهمت في رفع شعبيته لدى الروس إلى مستويات قياسية. يعود الأمر جزئياً إلى أن صورة القائد القومي البطل تدغدغ الذاكرة الروسية منذ أيام القيصر بطرس الأكبر، ويسجل لبوتين نجاحه في استعادة هذه النوستالجيا الروسية القديمة. من نافل القول أن أي شيء على الإطلاق يخلف الرئيس الكارثة بوريس يلتسن هو مشروع بطل قومي في روسيا، فكيف مع شخص يملك الكاريزما المناسبة وصودف تبوّؤه الرئاسة بعد قطوع يلتسن؟

في إجابة عن سؤال حول سبب خوف الغرب من روسيا، يجيب المنظّر السياسي الأميركي جورج فريدمان بأن روسيا خطرة لأنها عاجزة وليس لأنها قوية. تضيف شخصية بوتين نفسها الكثير على هذه الخطورة التي يستشعرها الغرب. الأخير فشل مرات عدة في التنبؤ بخطوات الرئيس الروسي بسبب شخصية بوتين الفريدة وآلية اتخاذ القرار في روسيا المحصورة بدائرة ضيقة للغاية، والتي تجعل محاولة الاعتماد على المقاربات الكلاسيكية لاستشراف السياسات من استطلاعات الرأي واتجاهات الأحزاب وتعقب الأداء الاقتصادي محفوفة بالمخاطر. ولكن، هل روسيا حقاً ضعيفة؟

اقتصادياً، روسيا لا تتربع الآن ضمن أول عشر اقتصادات في العالم، وهي تفتقر إلى هيكلية اقتصادية ناضجة. إنها دولة ريعية إلى حد ما مع احتفاظها بقطاعات تحقق نوعاً من التقدم في مجال التقانة الصناعية والعسكرية. روسيا تعاني من مشاكل ديموغرافية هائلة ويتناقص عدد سكانها بشكل مقلق. فعلى سبيل المثال، يعيش على الجانب الروسي من منشوريا البالغة الحساسية حوالي خمسة ملايين روسي مقابل مئة مليون على الجانب الصيني. وسبق لبوتين الإشارة إلى المشكلة باعتبارها الأكثر إلحاحاً على الإطلاق، لا سيما أن العديد من التقارير تفيد بأن الروس يواجهون صعوبة جدية في تجنيد العدد الكافي لتشغيل الوحدات العسكرية. أما عسكرياً، فإن النكسات التي أصيب بها الجيش الروسي في جورجيا دفعت القيادة الروسية إلى وضع خطط لتحديث الآلة العسكرية الموروثة عن الحقبة السوفياتية. عمد الروس عملياً إلى ترشيق الجيش عبر تقسيمه إلى وحدات أصغر وأكثر فعالية. وبالتوازي مع ذلك، تم عقد العديد من الصفقات لشراء دبابات وحاملات جند أكثر حداثة، بالإضافة إلى محاولة شراء سفن حربية من فرنسا، تعثرت لاحقاً، لتعزيز القوة النارية للبحرية الروسية. ولكن التراجع الحاد لأسعار النفط عالمياً أجهض الكثير من هذه الخطط. يبقى أن قوة الجيش الروسي هي محط قبول لدى الكثيرين مع التساؤل حول كون هذا سبباً كافياً لتكون روسيا، الدولة والأمة، قوية.

معلوم أن التساؤل حول حقيقة كون روسيا دولة عظمى غير مألوف في العالم العربي، باعتبارها وريثة طبيعية لإرث الاتحاد السوفياتي وهالته ومقعده في مجلس الأمن. لكن الدوائر البحثية الغربية تتداول هذا السؤال بجدية وتنقسم آراء الباحثين بين من يسلّم بمكانتها كدولة عظمى وبين من يرى أن إمكانياتها الاقتصادية ومقدراتها الاستراتيجية يجعلان منها دولة ذات نفوذ إقليمي فحسب. هذه الإشكالية التي تعتبر مثيرة للضحك في العالم العربي هي جدية وتمثل تحدياً معرفياً للمحللين السياسيين الغربيين، تستدعي التمعن في المعطيات الواقعية، إذ ربما من الأجدر التعوّد على فكرة أن روسيا قد لا تكون حقاً دولة عظمى وإخراج الأمر من دائرة البداهة. يفتح هذا الموضوع على ضرورة التطرق إلى تعريف الدول العظمى، وهنا ندخل في معمعة من النظريات والمقاربات التي تتباين كثيراً، إلا أنها تتقاطع في تحديد أن الدول العظمى هي التي تملك حيزاً معتدّاً به من التأثير الذي يتجاوز حدودها الإقليمية. ولكن ما الذي يترتب على فقدان روسيا لدورها كدولة عظمى؟ الكثير. وبالمجمل، سيكون هذا بالتأكيد مؤشراً بالغ الدلالة على محدودية القدرة الروسية على الفعل في النطاق الدولي البعيد عن إقليمها، وإلى إمكانية فشلها في التصدي للضغط الهائل الذي يترتب عن هذه الالتزامات اقتصادياً وسياسياً وربما عسكرياً.

في حوار مع صحيفة «دير شبيغل» قبل عام من الآن، جزم وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر أن الغرب ممثلاً بحلف «الناتو» هو من عمل على استفزاز روسيا من خلال التوسع في نطاق دول أوروبا الشرقية. ولطالما حاجج الروس بأنهم يملكون تعهداً شفهياً من حلف «الناتو» بعدم الاقتراب من حدودها، وذلك خلال الفترة التي جرى الاتفاق فيها على إعادة توحيد ألمانيا العام 1990، وهو ما جاهر به الرئيس الروسي ميخائيل غورباتشوف أكثر من مرة. بعيداً عن هذا الجدل التاريخي الذي يستلزم الخوض في الحجج والحجج المقابلة، في ميزان العلاقات الدولية، يُعتبر ما قام به «الناتو» مؤشراً صلباً على اعتقاده بإمكانية ترويض روسيا وبتواضع قدرة وإرادة الأخيرة على التصدي بفعالية. في محاولتها لتغيير بيئتها الاستراتيجية، وبعدما أُسدل الستار على القنوات الديبلوماسية، لم يتبقّ لروسيا إلا ذراعها التنفيذية العسكرية لتستخدمها، باعتبار أن هذه الذراع حافظت نظرياً على غلظتها، ويمكن بالتالي الاعتداد بها. حدث ذلك في أوكرانيا، ويحدث الآن في سوريا.

لا تنفك بعض النخب الروسية الموالية للغرب تقول إن الأخير لم يفلح في التعاطي مع روسيا في الفترة التي تلت تهاوي الاتحاد السوفياتي، ويرددون بمرارة بأن الشعب الروسي كان يتوقع من الغرب خطة عمل على غرار «خطة مارشال» التي ساعدت على إعادة بناء ألمانيا وسائر دول اوروبا الغربية، أو حتى إجراءات ماك آرثر في اليابان غداة الحرب العالمية الثانية. كل ذلك لم يحصل مما ولّد إحباطاً لدى الشعب الروسي دفعه إلى ترسيخ اعتقاده بأن الغرب معاد ليس للشيوعية فحسب بل للأمة الروسية، ويمكن فهم شعبية بوتين القياسية في الداخل الروسي ببساطة لأنه تناغم مع المشاعر القومية الروسية الجريحة.

بمطلق الأحوال، على صانع القرار الإقليمي الذي لا يجد فرضية التشكيك بقدرات روسيا فكاهية أن يفرمل اندفاعته الإقليمية باعتبار أن المظلة الاستراتيجية الدولية قد لا تكون مؤمَّنة. كل ما سبق لا ينزع الشرعية المنطقية عن عقد تحالفات ذات طابع عيني ومحدود مع الروس في الشرق الأوسط، ولكن مع التسليم بعجزهم البنيوي على مجاراة الغرب على المدى الطويل وربما المتوسط، مع ما يترتب على ذلك من ضرورة تنويع التحالفات والاستفادة من هوامش للمناورة الإقليمية والدولية، هذه الهوامش التي ستظهر للعيان في اللحظة التي يقرر فيها حلفاء روسيا في الإقليم ألا يلتصقوا بها تماما. ولمن يحسن التقاط الإشارات، فإن مبالغة الروس في تعويم حل سياسي ما للأزمة السورية بالتزامن مع بدء ضرباتهم الجوية، إلى حد إعادة اختراع «الجيش الحر»، هي إشارة ضعف محتملة قد تتلقفها الضواري من صانعي القرار في الغرب، عبر المراوحة في السلبية السياسية والابتزاز، على اعتبار أن يد روسيا هي الآن في قلب الحريق السوري.

السفير

 

 

 

كابوس روسيا/ موناليزا فريحة

لم يطلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الا الاثنين ليتحدث عن كارثة الطائرة الروسية التي سقطت أو أسقطت في سيناء. طوال يومين كثرت التساؤلات في روسيا عن مكان “القيصر” الذي تحظى كل خطوة له، كبيرة كانت أم صغيرة، بتغطية اعلامية واسعة .غيابه عن التعليق بالصوت والصورة على تطور كهذا أثار علامات استفهام وتعجب كثيرة زادت الغموض الذي يكتنف الحادث المأسوي.

اعلان “ولاية سيناء” التابعة لتنظيم “الدولة الاسلامية” اسقاطها الطائرة بصاروخ يثير هواجس خاصة لروسيا.فموسكو التي واجهت تهديداً اسلامياً في الشيشان وشمال القوقاز، أخذت على عاتقها تحدياً جديداً وخطيراً بتدخلها في الحرب السورية الى جانب النظام السوري. فمذذاك، حدد الفرع السوري لـ”القاعدة” القوات الروسية والمدنيين الروس هدفاً شرعياً لهجماته. زعيمه أبو محمد الجولاني ناشد مناصريه في القوقاز “الهاء” موسكو عن مهمتها.وفي اليوم نفسه، استهدفت قذائف هاون السفارة الروسية في دمشق.

ومن البديهي أن يكون لادعاء “ولاية سيناء” أثر واضح حول العالم عموماً، وفي روسيا خصوصاً. فوسط التخبط الاعلامي في التعامل مع هذا البيان، ألغت شركات طيران عالمية رحلاتها فوق سيناء. ونصحت السفارة الاميركية في القاهرة رعاياها بالابتعاد عن المنطقة. وبدا لمحللين أن التزام بوتين الصمت دليل على أنه يملك معلومات عن ان سبب الحادث أكثر من مجرد عطل تقني.

لعلها ليست معلومات محددة هي التي أخرت اطلالة بوتين.دعوته الاثنين في شريط فيديو بثه الكرملين، الى “صورة موضوعية” لما حصل، اشارة الى أنه لا تزال ثمة شكوك في السبب الحقيقي لانشطار الطائرة في الجو. لكن الرجل الذي حولته معركته ضد المتشددين الاسلاميين من عميل “الكي جي بي” الى رجل روسيا القوي، يدرك تماماً أن أعداءه كثر، وأن مغامرته السورية زادتهم بالتأكيد.

في الحرب الطائفية المستعرة في سوريا، طوّر بوتين الدور الروسي السياسي الداعم للنظام السوري الى دور عسكري مباشر في صف فريق ضد آخر وطائفة ضد أخرى، محوّلاً روسيا هدفاً لمقاتلين بينه وبينهم عداء قديم وكبير. وفيما لا تزال أعباء هذه الحرب محدودة على الاقتصاد الروسي المنهك بالعقوبات وتدني أسعار النفط، قد تزيد تكاليفها تلقائياً اذا اضطرت موسكو الى زيادة التزاماتها في هذه الحرب والنزول الى “بر” المستنقع السوري.

لا شك في أن بيان “امارة سيناء” يزيد الضغط على بوتين، حتى وإن تبين لاحقا أنه غير صحيح. فسيناريو العمليات الانتقامية ضد الروس كان متداولاً منذ انتقال روسيا الى القتال في سوريا. ولعلّه صار أكثر شيوعاً بعد ما تبين أن موسكو التي جاءت لمحاربة “الدولة الاسلامية” شكلياً، تقصف المجموعات التي تقاتل قوات النظام السوري أكثر منها “الدولة الاسلامية”.

النهار

 

 

الصفقة السورية: الجميع ينبش/ ايال زيسر

في ذروة التدخل الروسي إلى جانب الدول العربية في الحرب ضد اسرائيل في بداية السبعينيات، لم نر الطائرات الروسية في سماء هضبة الجولان. لكن في الشهر الماضي تم تجاوز الخطوط الحمراء عندما قصفت الطائرات الروسية أهدافا للمتمردين السوريين على بعد كيلومترات من الحدود الاسرائيلية السورية.

روسيا آخذة في تعميق تدخلها في سوريا وهي مصممة على تحقيق أهدافها بأي ثمن وعلى رأسها بقاء نظام الاسد. وفي هذا الطريق تستخدم روسيا القوة والمزيد من القوة، وبهذا تبث رسالة أن روسيا مستعدة للذهاب إلى النهاية من اجل الاسد حتى لو كان الثمن الاحتكاك في جنوب سوريا على الحدود مع اسرائيل والاردن.

لكن الروس يفهمون أن هذه مراهنة قد تنتهي بهزيمة مثلما انتهى تدخلهم في افغانستان قبل ثلاثة عقود.

المشكلة هي أن هزيمة روسيا في سوريا ليست بالضرورة انتصارا امريكيا. فالمجموعات الاسلامية الراديكالية التي تعمل في هذه الدولة ستكون مستفيدة من الفشل الروسي تماما مثلما ربح طالبان من فشل روسيا في تلك الدولة.

على هذه الخلفية جرى في نهاية الاسبوع الماضي لقاء تاريخي في فيينا شاركت فيه روسيا والولايات المتحدة والى جانبهما تركيا والسعودية وايران. وقد كان للجميع هدفا مشتركا ـ الابقاء على الدولة السورية من اجل تحويلها إلى نواة لمقاومة داعش أو أي قوة اخرى تمنع الاستقرار أو تهدد النظام في المنطقة (بالنسبة للاتراك مثلا، الاكراد هم كذلك).

المشكلة هي أن روسيا وايران تريدان أن تبقى سوريا تحت سيطرتهما، وطريقة ضمان ذلك هي ابقاء بشار الاسد في الحكم. إلا أن واشنطن لا تستطيع منح الشرعية لبشار بالذات بسبب ضغط الرأي العام في الغرب؛ خصوصا أنه ليس مؤكدا أن الامريكيين سيأسفون اذا قام بشار بضرب داعش من اجلهم بشرط أن لا يتم اتهامهم أنهم أبقوه على الكرسي.

بالنسبة للسعودية وتركيا فان بشار وأسياده الايرانيين هم خط احمر. فان انتصار ايران من شأنه تهديد أمنهما.

من هنا تنبع المفارقة: الجميع يريد انهاء الحرب والجميع يريد الابقاء على الدولة السورية، لكن السؤال هو أي دولة ستكون وبالتحديد من يسيطر عليها ـ بشار وأسياده الايرانيون والروس أو قوات المعارضة التي تؤيدها السعودية وتركيا.

هذه المفارقة لم يتم حلها بعد، وقد فشلت الاطراف في فيينا في محاولتها تربيع الدائرة.

يمكن رغم ذلك أن نفهم من نقاشات فيينا شيئا لا يرتبط بمستقبل بشار ومستقبل سوريا. أولا، الوضع الميداني هو الذي سيفرض الحل على المجتمع الدولي. أي انجاز لبشار بمساعدة روسية وايرانية سيلزم الامريكيين بابداء الليونة أو قبول استمرار سيطرته في سوريا. في المقابل، غرق روسيا في الوحل قد يدفع موسكو إلى التخلي عن بشار. فالمصالح الروسية تسبق المصالح السورية.

ثانيا، قد يتحدث الامريكيون والروس بما يريدونه. لكن لا يوجد لأحد تأثير حقيقي على الاطراف المتحاربة في سوريا. الجماعات المتمردة وعلى رأسها داعش لا تسمع لواشنطن أو موسكو، ولذلك فان الاتفاق على انهاء الحرب لا يعني انتهاءها فعليا في الميدان.

وأخيرا، بدأت ايران تقطف ثمار الاتفاق النووي حيث قبلت عضوة متساوية الحقوق في نادي الكبار وتحولت إلى جزء من الحل ولم تعد جزء من المشكلة.

قدرة تأثير اسرائيل على الصفقة السورية ضئيلة. لكن الصفقة التي تبقي على سوريا وبشار تحت تأثير ايران وحزب الله وبمباركة واشنطن، هي شيء يستوجب جاهزية اسرائيلية ملائمة.

اضافة إلى كل ذلك، كانت سوريا حتى وقت قريب دولة مستقرة وقوية. أما الآن فهي جزء من قائمة الطعام المقدمة على طاولة المفاوضات الدولية دون أن يكون لأبناء الشعب السوري قدرة على التأثير في مصيرهم.

من هنا فان قوة الاتحاد الداخلي ليست مطلوبة فقط في الحرب بل ايضا في المفاوضات تحت رعاية المجتمع الدولي.

اسرائيل اليوم 3/11/2015

القدس العربي

 

 

 

الخلاف الروسي الإيراني ليس على بقاء الأسد

رأي القدس

لم يكن إعلان الخارجية الروسية أن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة «لا يعتبر أمرا مبدئيا بالنسبة لموسكو» مفاجئاً، فهو نتيجة طبيعية من نتائج التدخل العسكري الروسي في سوريا، والذي سمح لموسكو أخيراً بانتقالها من حالة الراعي العالمي للنظام الذي يملك سلاح النقض في مجلس الأمن، ويؤمّن له الإمدادات العسكرية والمالية لاستمراره (لكنه لا يملك السيطرة على الأرض، ولا النفوذ الذي تملكه إيران على دمشق من خلال حرسها الثوري وقوات «حزب الله» والميليشيات العراقية) إلى وضعية المسيطر على مركز النظام السوري، من خلال إحكام قبضته على مناطق الحاضنة الشعبية لهذا النظام (اللاذقية وطرطوس)، وكذلك من خلال فرضه حظراً جوّيا على المجال الجوّي السوري استدعى تنسيقاً أمريكياً روسياً، وكذلك إسرائيليا ـ روسياً.

هذه الانتقالة الاستراتيجية الروسيّة كانت استجابة منطقية استدعتها السياسة الخارجية الأمريكية في سوريا، فالعاصمتان، رغم المواقف المختلفة من الأسد، لا تختلفان كثيراً حول الخوف من تزايد نفوذ الإسلاميين، على كافة أشكالهم، ولعلّ الأيام قد تكشف لاحقاً أنها كانت نتيجة اتفاق بالخطوط العريضة مع واشنطن على آليّة عمل لإنقاذ النظام السوري ولو كلّف ذلك تنحية الرئيس بشار الأسد.

جاءت الدعوة الروسية لإيران منطقية أيضاً، فلا يمكن لأي صفقة مرتقبة حول النظام السوري المرور من دون موافقة طهران، باعتبارها الحليف الإقليمي القديم لنظام الأسد، ولكونها ما تزال تملك الكثير من أوراق اللعب التي قد تخرّب، أو تؤجل، ما يمكن الاتفاق عليه.

طهران من جهتها، قررت أن ترفع سقف التفاوض، رافضة أن يكون وجودها في المؤتمر المقصود تمرير الصفقة الأمريكية الروسية فحسب، فأخذنا نسمع تصريحات بدأها مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي قبل أيام بالتلميح إلى عدم قدرة بلد واحد (أي روسيا) على فرض مستقبل سوريا، كما جاء تصريح آخر من الخارجية الإيرانية يهدد بالانسحاب من المفاوضات كونها «غير بنّاءة»، وصولاً إلى التصريح العلني للقائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري أمس بأن مواقف روسيا حول الأسد لا تتطابق مع مواقف إيران.

ولأن كل ذلك لا يجري في العالم الافتراضي بل في عالم الواقع الميداني، فالحقيقة أن لا روسيا ولا إيران غافلتان عن عدم قدرتهما على الانتصار في الحرب السورية، بعد أن جربت الدولتان رفع سقف المواجهة، سواء بعديد القوات أو أنماط تسليحها، فرفع خصومهما السقف أيضاً.

وبدلاً من الانتصارات السريعة التي كانت تتوقعها موسكو، رأينا تراجعاً لقوات الأسد على الأرض، وشهدنا خسائر بشرية كبيرة لإيران وميليشياتها، وهو ما جعل روسيا تسارع إلى اقتراح المفاوضات في فيينا، بدلاً من انتظار قطف نتائج هجماتها، كما كانت تخطط، وهو أيضا ما سيدفع إيران أيضاً إلى قبول أطر التسوية الممكنة والكف عن الجنوح إلى أمنيات الأيديولوجيا والدعاية الحربية.

وبغض النظر عن التصريحات الروسية والإيرانية، وخصوصاً الكوميدية منها والتي تتعلّق برفض «الإملاءات الخارجية» (باعتبار أن العاصمتين لا تمارسان الإملاءات على بلدان المنطقة)، وبكون «الشعب السوري» هو الذي يقرّر مصير الأسد (التزاماً ربما بتعريف الأسد للشعب السوري بأنه الذي يدافع عن النظام وليس الذي يمتلك جنسية سورية)، فإن ما يحصل حقيقة ليس خلافا على بقاء الأسد من عدمه بل هو صراع الشريكين على تقرير طبيعة الدولة السورية المقبلة، والحصة التي سيحصل كل منهما عليها من الجسد السوري، وهو أمر لا يمكن لهما الانفراد بتقريره (إذا مدّدنا منطق تصريح خامنئي إلى آخره)، فما ينطبق على الديك، كما يقول المثل الانكليزي، ينطبق على الدجاجة!

القدس العربي

 

 

 

 

روسيا وإيران ومصير الأسد!/ راجح الخوري

كان واضحاً منذ البداية ان ايران لن تهضم نزول فلاديمير بوتين في سوريا عسكرياً على طريقة “الأمر لي”، فهذا سيقطع الطريق على مصالحها وحساباتها. صحيح ان روسيا دعمت الأسد بكل الوسائل، لكن ايران تقاتل الى جانبه مع أذرعها العسكرية، لأن بقاءه يضمن استمرار قاعدة الجسر الإيراني السوري للوصول الى المتوسط عبر جنوب لبنان وقطاع غزة.

الخلاف الروسي الإيراني على مندرجات الحل ومستقبل الأسد ليس مفاجئاً، بل انه متوقع. ففي ٢٤ ايلول الماضي كتبتُ مقالاً في هذه الزاوية بعنوان “سباق روسي ايراني على الجبنة العلوية” رأى فيه البعض مبالغة وشططاً، على رغم استناده الى مؤشرات لافتة في خطاب حسن روحاني في ٢٢ ايلول، عندما قال إن الجيش الإيراني هو القوة الرئيسية لمحاربة الإرهاب وإن على سوريا والعراق عدم الظنّ ان القوى الكبرى ستدافع عنها .

جاء كلام روحاني عندما كانت موسكو ترسل مقاتلاتها وجنودها الى سوريا، وبعد ستة أيام من بداية القصف الجوي الروسي وتحديداً في ٦ تشرين الأول، نشرت مجلة “دير شبيغل” تقريراً يقول إن التدخل الروسي جاء بعد لجوء الأسد الى موسكو حديثاً بحثاً عن الدعم، ليس في وجه الثوار والإرهابيين ولكن في وجه حليفته ايران، التي يتخوف ومعاونيه من اتساع هيمنتها وقد باتت تتعامل مع سوريا وكأنها مستعمرة ايرانية!

يبدو ان بيان النقاط التسع الذي صدر عن لقاء “فيينا – ٢” حرّك سريعاً الخلاف بين موسكو وطهران حول سوريا ومصير الأسد، فليس قليلاً ان يشكك محمد علي جعفري أمس في موقف روسيا ويتهمها بالبحث عن مصالحها في سوريا وانها “لا يهمها بقاء الأسد مثلنا وفي أي حال انها موجودة هناك وربما مجبرة على البقاء حرجاً… لا بديل من الأسد في نظر المرشد الأعلى والحرس الثوري ومن يتحدث عن بديل لا يفهم هذا”!

بعد ساعات قليلة على هذا جاء الرد من وزارة الخارجية الروسية التي أعلنت “ان بقاء الأسد ليس حتمياً” وكشفت انها سلمت قائمة بأسماء ٣٨ معارضاً بينهم خالد خوجة ومعاذ الخطيب الى السعودية وتركيا، تمهيداً لترتيب مفاوضات مع ممثلين للنظام في موسكو، في حين كان جون كيري يتحدث عن تقدم التنسيق مع الروس انطلاقاً من بيان فيينا وخصوصاً البند السابع، الذي يتحدث عن إشراك اللاجئين في الانتخابات وهو ما اعتبرته طهران ودمشق فخاً لإسقاط الأسد على يد الشعب السوري.

الخلاف بين حلفاء الأسد سيسحق الأسد في النهاية، على رغم محاولته أمس اللعب على الحبلين عندما لم تنقل “سانا” كلام جعفري مسايرة لموسكو، في حين حاول نسف التحرك الروسي بعرقلة فيينا برفضه تشكيل حكومة جديدة وإشراك اللاجئين في الانتخابات!

النهار

 

 

 

 

تحليلات ومعلومات ثبت خطؤها/ منير شفيق

تصريحان بل تأكيدان صدرا في قضيتين أساسيتين وكبريين في تقرير وضعية موازين القوى ومسار الصراعات الآن وغداً. وقد صدرا عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعبارات واضحة لا تقبل التأويل.

التصريح الأول أكد على أن الاتفاق النووي الذي وُقِّع مع إيران، لم يشمل، ولا يشمل، أيّة قضية أخرى في إيران أو في المنطقة. وهو ما جاء متوافقاً مع تأكيدات إيرانية رسمية متعددّة، لم تترك مجالاً للشك في أن الاتفاق النووي محصور في الموضوع النووي الإيراني فقط. وكان ذلك جانباً من جوانب توجيهات الإمام الخامنئي. مما حال منذ اللحظة الأولى، وطوال مرحلة المفاوضات، دون محاولات أمريكا لإدراج مواضيع وقضايا أخرى لتشملها المفاوضات والاتفاق.

الأمر الذي ينسف كل التحليلات أو المعلومات السريّة، أو الشائعات حول وجود صفقة أمريكية – إيرانية تقضي بإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة، أو بالتفاهم على عقد مثل هذه الصفقة لاحقاً بعد عقد الاتفاق النووي والمضيّ في تنفيذه. وكان هنالك من راحوا يتوقعون أن تُحَل الكثير من الأزمات والصراعات في ما بعد الاتفاق النووي. وقد اشتهرت موضوعة تقول: “ما بعد الاتفاق النووي لن يكون كما كان قبله”، بمعنى تعميم مسار الاتفاق على القضايا الأخرى، أو بعضها، في الأقل.

والأهم، أن وقائع السياسات اللاحقة راحت تؤكد كل يوم بأن الخلافات الأمريكية الإيرانية في كل القضايا والأزمات الأخرى استمرت على حالها السابق بين الطرفين، بل يمكن أن نتوقع إشكالات، أو تعثراً، في تطبيق الاتفاق نفسه لاحقاً. وذلك بالرغم من تقدّم الجانبين، في هذا الأسبوع، خطوة إيجابية في توقيعه رسمياً والبدء بتنفيذه.

على أن المشكلة التي لا بدّ من أن تُرسل غمزة حولها، وهي موقف الذين ملأوا الإعلام بالتحليلات وبالمعلومات السريّة حول صفقة كبرى بين أمريكا وإيران تشمل القضايا الأخرى، عدا النووي، وأن “الشرق الأوسط” ما بعد الاتفاق سيخرج أمريكيا إيرانيا مشتركاً، أي ماذا سيقولون الآن لقرائهم أو مستمعيهم أو من تبعوهم بما ذهبوا إليه؟

الجواب، طبعاً لا مراجعة، ولا نقد ذاتي، ولا حاجة إلى أن يطرفَ لهم جفن. فالمهم نحن أولاد اليوم وعليهم أن يعيدوا إنتاج منهجهم في التحليل أو تسريب المعلومات. ومن ثم علينا أن نسمعهم أو نجرّبهم مرّة أخرى.

أما التصريح الثاني الذي أكده أوباما فيتعلق بالتدخل الروسي العسكري في سوريا، وهو قوله، بصورة قاطعة، “إن التفاهم الوحيد بين أمريكا وروسيا حوله محصور في نقطة واحدة فقط ،هي التنسيق بين الطرفين من أجل عدم حدوث صدام بين طائرات أمريكية وروسية في الأجواء السورية”.

الأمر الذي يُفترض بهذا التصريح الواضح بأن ينفي أيّة اتفاقات أخرى بين روسيا وأمريكا. ومن ثم يتوجب أن تُقرأ الخطوة الروسية بمعزل عن اعتبارها صفقة مع أمريكا.

بل خطوة تمت رغم أمريكا، وإن لم تعارضها بأشدّ العبارات أو لم تعلن “الحرب” عليها حتى الآن، فأمريكا أطلقت تصريحات مرتبكة حول ابتلاعها والغصّ بها في آن واحد، بل يمكن القول إن أمريكا بصدد الإعداد للمواجهة، بصورة سياسية مباشرة، وبصور عنفية غير مباشرة، أو من خلال تشجيع معارضيها ودعمهم.

على أن أكثر التحليلات والمعلومات السريّة المسرّبة ذهبت إلى اعتبارها خطوة متفقاً عليها بين أوباما وبوتين، وسينجم عنها حل سياسي للأزمة السورية، فهنالك من استندوا إلى حجّة عقلية بالقول “من غير المعقول أن تأخذ روسيا هذه الخطوة من دون موافقة أمريكية، أو الاتفاق مع أمريكا”. وهذه الحجّة من أضعف الحجج التي تقدم بالنسبة إلى أي تحليل سياسي لظاهرة مستجدة لم يسبق لها مثيل. وقد جاءت ضمن موازين قوى جديدة وظروف جديدة. مما يجعل ما كان متعارفاً عليه بل اعتبار المستجد هو المعقول ولو بدا غير معقول قياساً للماضي.

تصريح أوباما يؤكد أن الخطوة الروسية تمت بالرغم من أمريكا، ولو وافقت عليها بعد أن أُبلغت بقرار اتخاذها، وتصميم بوتين على تنفيذها. وبهذا يصبح من المعقول أن تتم هذه الخطوة الروسية من دون اتفاق مع أمريكا على الرغم من ابتلاعها لها.

فما هو حادث هو المعقول. لأن الحكم الفيصل هنا هو ما سيكشفه المستقبل القريب أو المتوسط عن حقيقة موقف أمريكا منها. علماً بأن الاتجاه العام للمواقف الأمريكية منذ التدخل الروسي في سوريا حتى الآن يتكشف عن عدم رضا امريكي. بل عن بوادر صراع قادم وضربات تحت الحزام. ولكن في ظل ارتباك وتردّد.

إلى هنا يجب إدراج الخطوة الروسية، كما راحت تتكشف مجموعة الممارسات العسكرية الروسية وعدد من تصريحات كل من بوتين ولافروف، باعتبارها خطوة استراتيجية كبرى يتعدّى هدفها هدف الدعم الروسي لسوريا أو محاربة الإرهاب.

أي إعادة موضعة روسيا كدولة كبرى في موقع الند لأمريكا إن لم تكن في موقع امتلاك زمام المبادرة سورياً وعربياً وإقليمياً وفي عدد من القضايا العالمية، وهو ما لا تقبل به أمريكا، ويُشكل إضعافاً لها. بل يمكن القول إن بوتين سيذهب إلى أبعد مدى يسمح به ميزان القوى.

لهذا راح بوتين يتحرك بطيرانه الحربي وبالخطة العسكرية المتفق عليها بين روسيا وسوريا وإيران وحزب الله، بسرعة خاطفة، وعلى نطاق عدة جبهات، وذلك لأجل تحقيق إنجاز ميداني كبير، قبل أن يرتّب الآخرون أوراقهم.

أما أمريكا فقد تقدمت باقتراح عقد لقاء روسي– أمريكي – تركي – سعودي – أردني لبحث الموضوع السوري، ومستبعِدة إيران كما عقد لقاء أمريكي – روسي – سعودي. الأمر الذي جعل البون شاسعاً بين ما يفعله بوتين وما يقترحه أوباما. أو كما يمكن أن يُقال شتان ما بين مُقبل ومدبرٍ أو ما بين فاعل ومُصَفّرٍ.

وهو ما يجعل كل تحليل اعتبر الخطوة الروسية في سوريا قد تمت بتفاهم مع أمريكا، أو بأن وراءها خطة متفقاً عليها غير قادر على الصمود أمام ما يجري على الأرض ونتائجه، أو أمام ما تحاول أمريكا استدراكه من خلال ما تقدمه من اقتراحات ونصائح لبوتين أو حتى تحذيرات لا صدقية لها. أما مؤتمر فيينا الرباعي الذي استبعد إيران وما نشأ داخله من مطالبة روسية بإشراك إيران ومصر في لقائه القادم إذا حصل، يدل على أن المبادرة بيد روسيا.

من هنا يكون التدخل الروسي في سوريا قد أدخل عاملاً جديداً كبير الأثر ليس في مستوى سوريا فحسب، وإنما أيضاً في مستوى الأوضاع في المنطقة العربية التركية الإيرانية. بل والعالمية. فتقدير الموقف قبل هذه الخطوة لا يصلح أن يستمر بعدها.

ولا سيما بعد بعض الوقت من تداعياتها وتداعياتها المضادة. فأمريكا لا بد أن تعيد حساباتها وكذلك تركيا والسعودية كما فعلت القوى المعنية، ليس بالشأن السوري فحسب، وإنما أيضاً على المستوى العام، وذلك مع التأكد من استبعاد وجود اتفاقات لتسويات قادمة، فكل آتٍ سيخضع لنتائج الصراعات وما ستسفر عنه، فضلاً عن خيبة الكثير من التوقعات والحسابات.

والكل يقف على رمال متحركة.

شؤون خليجية

 

 

 

سورية تحت الوصايتين الروسية والأميركية/ عبدالله ناصر العتيبي

يبدو أن الأسابيع المقبلة ستحمل الكثير من المفاجآت في ما يتعلق بالأزمة السورية. المؤشرات على الأرض الآن تقول إن هناك فرزاً لمناطق القوى في الطريق إلى إعادة تخطيط المنطقة من جديد برعاية دولية. الروس يقومون الآن بدور الوصاية على الجزء الغربي من سورية بما فيه العاصمة دمشق. والأميركيون بدأوا في التحرك للسيطرة على بقية المناطق السورية قبل أن تسبقهم روسيا إليها.

روسيا تقصف «داعش» و «جبهة النصرة» و «الجيش الحر» حالياً خارج نطاق مناطق سيطرتها الفعلية، لكنها بمجرد اشتداد عود «الحلم الأميركي» في بقية المناطق السورية ستكتفي فقط بدور الدفاع عن «سورية المفيدة»، كما وصفها ذات إحباط بشار الأسد، منعاً لأي اشتباك في السماء أو على الأرض مع الولايات المتحدة، وسيكون لزاماً حينها على الأميركيين أن يحموا المناطق التي تقع تحت وصايتهم من تغوّل الإيرانيين و«حزب الله». وسيتعيّن عليهم في الوقت نفسه القضاء على الجيوب الإرهابية، التي ربما لن تصمد طويلاً في مواجهة القوة الأولى في العالم في حال انتقل الوجود العسكري الأميركي على الأرض من مرحلة «المستشاريّة» كما يروّج البنتاغون هذه الأيام إلى مرحلة الوجود الفعلي لقوات برية مقاتلة تمشّط أولاً بأول الأراضي التي تقصفها طائرات التحالف الغربي.

جزء من سورية سيتلون بالألوان الثلاثة للعلم الروسي، وجزء آخر سيتلون بالألوان الثلاثة نفسها، إنما تلك الموجودة في العلم الأميركي، وسينقسم المجتمعون في فيينا 2 و3 و4، وبقية دول العالم إلى فريقين. فريق يقف في صف روسيا لأنها تحمي نظاماً شرعياً كما تقول موسكو، وفريق يصطف مع أميركا لأنها تحمي العالم من شرور الإرهاب من خلال خنقه في هذه المنطقة المنكوبة. روسيا ستؤمن مستقبل الأسد في «الحكم الصوري» من خلال إجراء انتخابات عامة في دمشق والساحل الغربي، وموسكو التي تردد كثيراً هذه الأيام أن مستقبل الأسد في يد الشعب السوري، تعني هذا الأمر تماماً إذا ما تم اختصار الشعب السوري في سكّان الساحل والمناطق العلوية.

أما أميركا فهي كالعادة، ستعتمد على الوكلاء المحليين لإدارة أمور الجزء الشرقي من سورية، وربما تنجح في جمع كلمة كل السكّان على قلب رجل واحد أو «بريمر ثانٍ»!

لكن ما هي مصالح الدولتين الكبيرتين في اقتسام سورية بهذا الشكل وإنهاء أزمتها بهذه الطريقة؟ لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة أبداً، وفوق هذا كله أرى أن من المستحيل أن تجتمع المصالح الروسية والمصالح الأميركية تحت الطاولة. لكن كلتا الدولتين وجدت هذا التخريج الموقت للأزمة السورية يصلح لأن تبني واشنطن وموسكو على أساساته – كلاً على حدة – مصالحهما الخاصة بعيداً عمّا يريده بالفعل السوريون العالقون داخل البلاد، أو المعلّقون خارجها في المنافي. كلتا الدولتين غضت البصر وفكرت في المستقبل، كما تقول المسرحية الإنكليزية الشهيرة!

الروس يهمهم جداً أن يبقى هذا الجزء المهم من البحار الدافئة تحت إمرة أساطيلهم البحرية، ويهمهم كذلك أن يسيطروا على المنافذ الجغرافية على البحر المتوسط كافة، ليتحكموا في مستقبل حركة تصدير الغاز الشرق أوسطي إلى أوروبا. إضافة إلى ذلك لم يعد في وسع روسيا القيصرية الجديدة أن ترى وجوداً أميركياً في أي جزء من العالم من غير أن تقف له موقف النّد وتعادله على الأرض.

أميركا من جهتها تسعى إلى التحكم في الجزء الشرقي من سورية لثلاثة أسباب: الأول إدارة الجماعات الإرهابية بالشكل الذي يضمن المصالح الأميركية في العالم، والثاني توفير الغطاء الأمني اللازم لحماية إسرائيل، أما الثالث وهو الأهم فتعزيز مبدأ قبول التقسيم في الوجدان العربي، الأمر الذي قد يساعد في المستقبل على تقسيم مناطق أخرى بما يتفق والمصالح الأميركية الكبرى.

أميركا تريد وروسيا تريد، ولتحقيق هاتين الرغبتين كان لا بد من دعوة 17 طرفاً دولياً وإقليمياً في فيينا 2 للمصادقة على هذا المستقبل في شكل غير مباشر، لتجاوز ردود الأفعال العنيفة الحكومية والشعبية المتوقعة في المنطقة عندما يتم الإعلان رسمياً عن حاكم شرقي وآخر غربي لسورية.

كل المؤشرات تقول ذلك، لكن بإمكان دول المنطقة وتحديداً السعودية وتركيا الوقوف بقوة ضد هذه «الخطة القدرية» غير المتفق على خيوطها. السعودية وتركيا قادرتان على حشد تحالف أممي يعيد سورية الموحدة إلى الضوء من جديد، ويرفع يد الوصاية الروسية – الأميركية، ويعيد الأمل إلى الشعب السوري. ليست للسعودية وتركيا مصالح مباشرة في سورية، ومن هذا المنطلق تحديداً يمكننا الانطلاق. لنحلم بالقاهرة 1 أو المنامة 1 أو الرباط 1، ولنترك المستقبل بيد الله، لا بيد أميركا ولا بيد روسيا.

* كاتب وصحافي سعودي

الحياة

 

 

 

موسكو تحتاج إلى استراتيجية خروج من ورطتها السورية/ راغدة درغام

تبدو روسيا، ظاهرياً، قوية وفائزة في الجولات الديبلوماسية والمغامرات العسكرية في سورية. ويبدو الرئيس فلاديمير بوتين واثق الخطوة يمضي قيصراً وهو يفرض على الجميع أمراً واقعاً تلو الآخر. فها هو يتصدر قيادة الحرب على «داعش» وعلى ما يعتبره «الإرهاب السنّي» الذي يهدد الأمن القومي الروسي في رأيه، نظراً لأن الأقلية المسلمة داخل روسيا هي من السنّة ولأن الجمهوريات المسلمة الخمس التي تطوّق روسيا هي بدورها سنّية. وها هي اجتماعات فيينا حول المسألة السورية تنعقد بدعوة من روسيا وتسجّل اختراقاً لأنها أمّنت لإيران مقعداً على طاولة المفاوضات الدولية حول مستقبل سورية لأول مرة، فإذا كانت ليبيا موضع الاستخفاف بروسيا وإهانتها على أيدي حلف شمال الأطلسي (الناتو) بمباركة جامعة الدول العربية، فسورية هي موضع الانتقام الروسي بل إنها موقع عودة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط ونقطة انطلاق لتموضع روسيا في تشكيل النظامين الإقليمي والدولي. هكذا قرر بوتين وهكذا سينفذ مهما كلفه الأمر هو أو غيره. إنما في الأمر أكثر من مغامرة. فقد يشعر الرئيس الروسي ببالغ الثقة وهو يحصل على التنازلات المهمة من الدول الخليجية وتركيا، بعدما ضمن الشراكة الأميركية الضمنية في المسألة السورية. وقد يرتاح كثيراً إلى المقابل الذي ينتظره عبر امتناعه عن تعطيل وانتقاد التحالف العربي في الحرب اليمنية. إنما لن يتمكن بوتين من خوض الحرب على «داعش» وما يسميه «الإرهاب السنّي» بتحالف مع الميليشيات الشيعية التي تديرها طهران ولو كانت «إرهابية»، لأنه بذلك يستفز الشركاء الضروريين من السُنّة الذين يحتاجهم لسحق إرهاب «داعش» وغيره من الإرهاب السنّي». هذا أولاً. ثانياً، يغامر بوتين كثيراً بنصب روسيا رأس الحربة في مكافحة «دعش» وأمثاله، لأن انتقام هذا التنظيم وشركائه سينصبّ على المصالح الروسية. وما حدث للطائرة الروسية التي أقلعت من شرم الشيخ مثال على سرعة الانتقام من الدور الروسي في سورية – إذا ثبت أن «داعش» تمكّن من زرع المتفجرات على متن هذه الطائرة في الأراضي المصرية.

إنجازات اجتماع فيينا الموسع الذي ضم وزيري الخارجية السعودي عادل الجبير والإيراني محمد جواد ظريف مهمة، لكن عملية فيينا تبقى هشّة لأنها ميّعت المبادئ التي أقرها بيان جنيف وتمثلت في إنشاء هيئة حكم انتقالي في سورية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة.

في البدء، إن العلاقة السعودية – الإيرانية لم تسجّل انفراجاً في اجتماع فيينا سوى في جلوس الوزيرين على الطاولة معاً لحوالى تسع ساعات وعدم انسحاب أي منهما من الاجتماع، بالرغم من حدة الخلافات. عدم الانسحاب مهم نظراً إلى ما تبادله الوزيران من اتهامات ونظراً إلى عمق اللاثقة بين البلدين. فالمصادر أكدت أن الأجواء احتدت كثيراً وأن الفجوات بقيت كبيرة وأن الخلافات لم تقتصر على سورية وانما طالت مواقع النزاع في البلدان العربية الأخرى وأن كلاً من الطرفين اتهم الآخر برعاية الإرهاب في مختلف أنحاء الشرق الأوسط والعالم.

موسكو أنجزت للولايات المتحدة وللأمم المتحدة، ما لم تتمكن واشنطن ونيويورك من إنجازه بالرغم من محاولات عديدة – مباشرة وغير مباشرة – وهو دعوة طهران على طاولة التفاوض على مستقبل سورية. الرياض وافقت بعدما مانعت لأن موسكو قايضت بين سورية واليمن سياسياً.

المصادر الروسية أكدت أن موسكو قدمت ما يمكن وصفه بالنموذج الصيني ازاء النزاعات الصعبة، وهو اللاتدخل واللااعتراض. قدمت موسكو اللاتعطيل واللاتسهيل. حجبت انتقاداتها لما يقوم به التحالف العربي بقيادة سعودية في اليمن. تبنت موقف «هذا ليس من شأننا» بدلاً من سياسة سابقة قوامها الانتقاد والتملص. ووفق مصادر مجلس الأمن، بدا واضحاً ذلك الجديد في المواقف الروسية في مداولات المجلس، إذ استبدلت موسكو نمط التعطيل بنمط اللاتدخل.

موسكو لم تعِد بضمان التعاون الإيراني في اليمن لأنها غير قادرة على لجم إيران في اليمن. لكن موسكو قادرة على إيضاح عدم دعمها الأدوار الإيرانية في اليمن وهي قادرة على تسهيل مهمة المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ. وهكذا كان. ولذلك قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أثناء «حوار المنامة» ان الدور الإيراني لم يتغير، إنما الدور الروسي في مسألة اليمن إيجابي شأنه شأن الدور الأميركي.

فطهران بدورها خاضعة لمعطيات اتفاقها مع الأسرة الدولية في الشأن النووي وما يترتب على تنفيذه من رفع للعقوبات المفروضة على إيران. وطهران تجد نفسها حالياً في مرحلة حرجة، لأن إعادة تأهيلها ورفع العقوبات عنها باتا مرتبطين بإثبات حسن نواياها اقليمياً وليس فقط بتنفيذ تعهداتها النووية. جلوسها إلى الطاولة السورية نفّذ لها ما تريد، لكنه أيضاً وضعها تحت المجهر. نفّذ لها ما تريد ليس فقط من ناحية الجلوس وانما أيضاً من ناحية المرجعية. بيان فيينا الذي صدر بعد اجتماع الأسبوع الماضي أوضح ما حصلت عليه طهران وهو، عملياً، تمييع واضح لمرجعية بيان جنيف. فإعلان فيينا كان خالياً من آلية نقل السلطة من حكم بشار الأسد إلى هيئة حكم انتقالية بديلة لها صلاحيات تنفيذية كاملة، أي ان تمسك طهران ببشار الأسد لم يمسّ بجلوسها إلى الطاولة. فهي ماضية بهذه المرجعية التي جعلتها ترفض قطعاً مرجعية جنيف منذ البداية.

ثم إن بيان فيينا أعطى الأولوية لمحاربة الإرهاب أولاً على حساب العملية الانتقالية الواردة كأساس في بيان جنيف. وهذا يشكل إنجازاً أساسياً للمواقف الإيرانية والروسية على السواء.

الفارق بين الموقف الروسي والموقف الإيراني هو مدى التمسك ببشار الأسد، حيث إن موسكو جاهزة للاستغناء عنه في نهاية المطاف، بينما طهران متمسكة به لأنه عنوان نفوذها في سورية. موسكو جاهزة للاستغناء عن الرجل في معادلة إعادة صياغة النظام الحاكم في دمشق، فيما طهران تعتبر الأسد الحلقة الأساسية لضمان مصالحها في سورية. الفارق ضئيل عملياً لأن كليهما يرى أن آلية نقل السلطة من النظام/ الرئيس تكمن في عقد انتخابات مستحيلة في ظل الأوضاع الراهنة في سورية ما لم تكن عبارة عن استفتاء على بقاء النظام والرئيس معاً في السلطة في صورة أو في أخرى. كلاهما ليس جاهزاً للتخلي عن بشار الأسد الآن.

الخلافات الرئيسية بين أقطاب عملية فيينا تصب في خانة مصير الأسد لجهة موعد وكيفية مغادرته السلطة. السعودية تقول ان عليه المغادرة، بإرادته أو بالقوة، في نهاية المطاف. روسيا لا تلتزم بضمانات أو بموعد وهي تتحدث بلغة الانتخابات المرفوضة من الطرف الآخر بسبب استحالتها، لكنها تلمح دوماً إلى أنها ليست في زواج معه وانما في في زواج مع النظام، ولذلك تعمل على تقوية ركائزه كطرف لا غنى عنه في الحرب على الإرهاب.

موقع الخلاف الثاني، كما أوضحه الجبير في «حوار المنامة» هو توقيت انسحاب القوات الأجنبية، وبالذات الإيرانية، من سورية. روسيا تقول إنها لا تمانع بالمبدأ، انما الأمر يعتمد على العمليات العسكرية والإنجازات الميدانية ضد «داعش» والتنظيمات الأخرى التي تصنفها إرهابية. أما إيران، فلا تعترف علناً بوجودها عسكرياً في سورية وهي تعرف تماماً أن ذلك الوجود العسكري يشكل انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن التي تحظر عليها ذلك الوجود وتدرك أن في جيب الولايات المتحدة – لو شاءت – لعب تلك الورقة المهمة لأن تلك القرارات تم تبنيها بموجب الفصل السابع من الميثاق.

الخلاف الآخر يصب في خانة تعريف من هم الإرهابيون ومن هي المعارضة السورية المقبولة. روسيا لديها قوائم بالاثنين. الولايات المتحدة تتجنب الدخول في لعبة القوائم. المعارضة السورية ضحية الاثنين وضحية نفسها في آن واحد. الدول الخليجية تتحدث عن تنظيمات إرهابية تديرها طهران وتطالب بضمّها إلى التنظيمات الإرهابية العاملة في سورية.

العنصر الذي أقحم نفسه في اجتماعات فيينا الآتية يتمثل في فرض «داعش» نفسه على الطاولة عبر تبنيه تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء. فرض نفسه على الاستراتيجية الروسية في سورية. فحسابات بوتين اتخذت بهذه العملية منحى يفرض على روسيا التفكير ملياً بعواقب نصب نفسها زعيمة الحرب على «الإرهاب السنّي» عالمياً، والبقعة قد لا تقتصر على الشرق الأوسط، بل قد تطال روسيا في عقر دارها وجيرتها في الجمهوريات الإسلامية.

هناك ما يبشر بانفراجات إذا أحسنت موسكو لعب أوراقها في أعقاب إنجازاتها وانتصاراتها في الساحة السورية. صحيح أن موسكو حركت المياه الراكدة بتدخلها العسكري في سورية. وصحيح أنها فرضت مكافحة الإرهاب أولوية. صحيح أنها حشدت الدعم لمبادرتها العسكرية/ الديبلوماسية في المسألة السورية. صحيح أنها حصلت على تنازلات مهمة. وصحيح أنها كانت ذكية في مقايضاتها اليمنية – السورية.

انما على موسكو التفكير بأعمق من إنجازاتها التكتيكية. فهي نصبت نفسها زعيماً للحرب على الإرهاب السنّي كأولوية وبتحالف مع أي كان. وهي تحتاج كثيراً لاستراتيجية خروج من التورط بعقلانية.

الحياة

 

 

 

 

ارتباك موسكو ومناوراتها في سورية/ محمد برهومة

تعتقد قيادات سوريّة معارضة أنه يصعب أخذُ تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التي قالت إن «موسكو لا ترى بقاء بشار الأسد في السلطة مسألة مبدأ» على محمل الجدّ، لأنّ هذه القيادات سمعتْ كلاماً مشابهاً من المسؤولين الروس منذ «موسكو 1» و «موسكو 2»، وما دام أنّ ما يجري على الأرض من سياسات وتحركات يخالف هذه التصريحات فإنها تبقى في سياق المناورة، وقد تعكس شيئاً من التردد والارتباك.

موسكو مرتبكة في تحديد رؤيتها للحل السياسي عبر ارتباكها في تحديد المعارضة السورية التي تريدها. سمعنا المسؤولين الروس يقولون: دلونا أين هو الجيش الحر وأين هي مواقعه لنتحاور معه، فجاء الرد من هذا الجيش، كما تقول قيادات المعارضة، من خلال ما سمي «مجزرة الدبابات» ضد قوات النظام السوري في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في حماة.

حتى اللحظة لا ندري هل تريد موسكو أن تكون المعارضة السورية المعتدلة شريكاً في العملية السياسية أم مجرد طرف وطيف من قوس قزح واسع؟ هل نحن أمام تفكير روسي يتطلع إلى عملية سياسية تتميز بالاستدامة والتوازن وتوافر الثقة، أم أن نية الحكومة الروسية في جمع أكبر قدر من أطياف المعارضة يستهدف إذابة النفوذ المسيطر للجيش الحر والائتلاف السوري وضرب وثيقة جنيف التي تتحدث عن طرفين (نظام – معارضة) كوثيقة معتمدة في القانون الدولي، أم أنّ موسكو في طور الاستفادة من تجربة «موسكو 1» و «موسكو 2» حيث أن التقليل من أهمية الجيش الحر والائتلاف كان عنصراً أساسياً في فشل تينك الجولتين من المباحثات؟

الجدل حول المناورات والتكتيات الروسية يتعدى ذلك إلى مسألة تأثير الحراك الروسي، العسكري والسياسي، في العلاقة الإيرانية – الروسية، خصوصاً ونحن نقرأ تصريحات مسؤولين كبار في الحرس الثوري الإيراني تقول إن موسكو «ربما لا تهتم بما إذا كان الأسد سيبقى في السلطة بقدر اهتمام إيران». فإذا كان ما عبّرت عنه ماريا زاخاروفا يعكس بالفعل التوجهات الروسية، فلماذا ضنّتْ موسكو بهذا الطرح في محادثات فيينا؟ لمَ لم تقدم هذه الرؤية، التي كان معظم من حضر المحادثات ينتظر سماعها، ما كان من شأنه، لو تمّ، أن يعطي مزيداً من الجدية لتلك المحادثات وللموقف الروسي أيضاً؟

الجدال بين المراقبين والمحللين منتشر في شأن التباينات بين منطلقات الرؤية الروسية والإيرانية حيال سورية والأسد، والجدل شائع عن تباين في شبكة المصالح بناء على انطلاق موسكو من رؤية جيوسياسية بخلاف تصدّر الرؤية الإيديولوجية والمحددات الطائفية لطهران، لكنّ هذا لا يكفي لإزالة الشكوك والهواجس التي ترى أن اختلاف المنطلقات لم يمنع موسكو وطهران من الاتفاق حتى الآن على بقاء الأسد في منصبه وتعويمه وإضعاف المعارضة المعتدلة لإفشال الحديث عن بديل سياسي عن الأسد مقبول دولياً.

هذا التكتيك الروسي، ربما، هو ما يدفع الرياض للتلويح بأن الخيار العسكري لتغيير الأسد مطروح على الطاولة في حال استمرار الفشل السياسي والإمعان في مناورات التذاكي. وبالتأكيد فهذا التوجّه قد ضُخ فيه مزيد من الدماء بفوز حزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة. وعند الحديث عن الخيار العسكري تُستدعى صواريخ «تاو» وستكون ثمة انعطافة نوعية في حال استخدمت المعارضة العسكرية السورية صواريخ مضادة للطائرات، وحتى لو كانت خطوة صعبة حالياً ومكلفة سياساً لكنها ممكنة إذا ما أرادت واشنطن توجيه رسالة إلى موسكو بأن الأخيرة ليست هي صاحبة اليد الطولى في سورية، كما يودّ بوتين أنْ يوحي للغرب وللأميركيين خصوصاً.

* كاتب أردني

الحياة

 

 

 

روسيا وإيران وسورية بينهما/ وائل نجم

اعتقد كثيرون أن التدخّل الروسي العسكري المباشر في سورية جاء لحساب التحالف المعلن بين إيران وروسيا والنظام السوري، ونشرت صحيفة السفير اللبنانية، المقربة من حلفاء الأخير، أنّ قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، التقى، الصيف الماضي في موسكو، القيادة الروسية، ووضعها في صورة الميدان السوري، نقلاً عن خبراء ومستشارين إيرانيين هناك، وذاع أنه طلب تدخّل الروس جوّاً، وتعهّد بزيادة حجم الضغط الإيراني البرّي على قوات المعارضة، لأن وضع الميدان لم يعد يسمح بمزيد من نزف قوات النظام، فهذا أمر يهدد بانهياره المفاجئ.

طبّل وزمّر النظام السوري وحلفاؤه في لبنان والمنطقة، وحتى في إيران، لهذا التدخّل تحت عنوان “عاصفة السوخوي”، حتى أن قيادات محسوبة على هذا المحور تحدثت عن فترة شهر لظهور بدايات التغيير، وعن ستة أشهر لانتهاء المعركة وحسمها لصالح هذا المحور، إلاّ أنّ نتائج الميدان، بعد شهر من التدخّل، جاءت مخالفة تماماً. فلم يتغيّر شيء لمصلحة النظام على الأرض، على الرغم من الغارات الجوّية الروسية، بل تمكّنت قوات المعارضة من إلحاق هزيمة كبيرة ومدوّية بقوات النظام في أرياف حماه وحلب وإدلب، فيما عُرف بمجزرة الدبابات، فضلاً عن أنّها أحرزت تقدّماً في بعض الأماكن. والأهم أنّ العدد الكبير لخسائر الحرس الثوري الإيراني في سورية سقط بعد التدخّل الروسي المباشر، وبالتالي، فإنّ ما خطّط له الجنرال سليماني، يمكن القول، إنه ذهب أدراج الرياح، وكل الحديث عن زيادة حجم القوات الإيرانية في سورية لم يحمل جديداً ميدانياً.

تمثلت الإشكالية الأهم بين روسيا وإيران في سورية بالموقف السياسي من الأحداث والتطورات، ففي وقت جاهرت روسيا مراتٍ بعدم تمسّكها ببشار الأسد على رأس النظام، بل أيضاً الذهاب إلى حدّ الحديث عن دعم الجيش السوري الحر، وفتح علاقات معه، وصولاً إلى حديث عن تشكيل مجلس عسكري انتقالي، يجمع ضباطاً من النظام والمعارضة، بقيادة العميد المنشق، مناف طلاس، تحت عنوان محاربة تنظيم الدولة. فضلاً عن تجاهل حضور إيران في المحادثات الرباعية التي جمعت وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، إلى وزراء خارجية تركيا والسعودية والولايات المتحدة الأميركية، ومن ثمّ دعوة إيران لاحقاً إلى الاجتماع الموسّع في فيينا. ناهيك عن الحديث الروسي المتكرر عن تنسيق روسي إسرائيلي في الأجواء السورية، وصولاً إلى تدريبات مشتركة، وكذلك مع الولايات المتحدة، وذلك كله جعل إيران تبدي تبرّمها من الموقف الروسي، وتكشف عن حجم الخلاف في الموقف بينهما.

فالمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، صرّح أن أحداً لا يستطيع أن يقرر مصير سورية بمفرده، في إشارة إلى المبادرة الروسية لأنها الوحيدة المطروحة، وتبعه نائب وزير الخارجية، حسين أمير عبد الله اللهيان، في التهديد بانسحاب طهران من محادثات فيينا “باعتبارها غير بنّاءة”، وصولاً إلى التصريح الواضح لقائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، إن همّ روسيا في سورية مصالحها، وليس الحفاظ على بشار الأسد.

هي شكوك إيرانية، إذن، بدأت تحيط بالموقف الروسي، سرعان ما يمكن أن تتحوّل إلى موقف

“باتت سورية عبئاً على الذين أقحموا أنفسهم فيها، ومحرقة للجميع، وشعبها وحده يدفع الثمن” عدائي، في ظل تصاعد حجم الخسائر الإيرانية النوعية في سورية، إلاّ أنّ السؤال: ماذا تملك إيران لإرباك المخططات والمشاريع التي تسير فيها روسيا في سورية، بموافقة وربما بتنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة؟ أول بوادر الإمكانيات والرسائل الإيرانية تمثّلت باستقبال مساعد وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، الذي رفض من طهران الحديث عن مرحلة انتقالية في سورية، وأصرّ على شرعية الرئيس بشار الأسد، ولافت أن الزيارة والموقف تزامنا مع زيارة المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي مستورا، إلى موسكو لبحث سبل الحل السياسي.

وفي السياق، أفرد أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، لمناسبة يوم عاشوراء، معظم خطابه في “عاشوراء” لمواجهة مشروع أميركا في المنطقة، وكان، قبل فترة، قد تحدث عن هزيمة المشروع الأميركي فيها، وهو ما فسّره بعضهم رسالة إلى روسيا عبر الشيفرة الأميركية، وانعكس ذلك مزيداً من التعقيد في المشهد اللبناني، بعدما كان اللبنانيون ينتظرون حلولاً لمشكلات يعانونها.

هل يتحوّل هذا الخلاف أو التباين الروسي الإيراني في سورية إلى صدام، ولو بحدود بسيطة ومحدودة؟ أم يمكن أن يدخل الأمر تسوية ثنائية بين الطرفين ضمن التسوية الشاملة؟ ستحرص إيران على تسوية تحفظ لها دورها ومصالحها في سورية، بعدما باتت مهددة في ضوء التدخّل الروسي، ومن ضمن التسوية الشاملة التي يتمّ الحديث عنها، لكنها حتى تحقق هذا المطلب قد تلجأ إلى توجيه رسائل ميدانية إلى روسيا في سورية، وهي قادرة على ذلك. ولكن، من دون أن يعني ذلك إطاحة مصالح الدولتين معاً إلا في حال شعرت أن الطرف الآخر يحاول التضحية بكل مصالحها.

هي سورية، إذاً، باتت عبئاً على الذين أقحموا أنفسهم فيها، ومحرقة للجميع، وشعبها وحده يدفع الثمن، تُستنزف يومياً بمقدار ما تَستنزف الجميع أيضاً حتى الوصول إلى حالة الإنهاك التي يأتي بعدها الحلّ.

العربي الجديد

 

 

 

الطائرة الروسية وابتزاز الغرب/ سميح صعب

ماذا يخدم الاصرار البريطاني والاميركي والفرنسي على التمسك الى حد كبير بفرضية العمل الارهابي سبباً لتحطم طائرة الركاب الروسية السبت الماضي فوق شبه جزيرة سيناء من غير أدلة دامغة تدعم هذه الفرضية في حين ان روسيا ومصر، الدولتين المعنيتين بالمأساة ، تتريثان في القفز الى الاستنتاجات ولا تستبعدان كل الفرضيات؟

الأمر الذي لا يرقى إليه شك ان الغرب ينتهز كارثة الطائرة الروسية كي يسلط الضوء على الثمن الذي يمكن الشعب الروسي ان يدفعه مقابل قرار الرئيس فلاديمير بوتين التدخل عسكرياً في سوريا وفرض معادلة عسكرية – سياسية جديدة في هذا البلد بعدما كان الغرب وتركيا ودول الخليج العربية اعتقدت ان الميدان السوري يسير نحو حسم الامور عسكرياً لمصلحة هؤلاء الاطراف وخصوصاً بعد سقوط ادلب وجسر الشغور وجزء مهم من سهل الغاب مما جعل اللاذقية في مرمى نيران الجماعات المسلحة وفي مقدمها “جبهة النصرة” بينما كان “داعش” يتقدم في تدمر و”جيش الاسلام” يهاجم في الغوطة الشرقية و”الجبهة الجنوبية” تطلق عواصف في اتجاه درعا وألوية أخرى منها تهاجم في القنيطرة مستفيدة من الغطاء الاسرائيلي.

لقد أتى التدخل العسكري الروسي في 30 ايلول ليغير المعادلة وينقل الجيش السوري من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم. وهذا بحد ذاته كان كافياً كي يخلط الاوراق على الساحة السورية ويقنع أميركا وتركيا ودول الخليج العربية بعدم جدوى المضي في الخيار العسكري والقبول بالعودة الى تزخيم سبل الحل السياسي والذي كانت ثمرته الابرز انعقاد اجتماع فيينا بحضور ايران للمرة الاولى.

لكن فيينا ليست بالنسبة الى الغرب نهاية المطاف. فالدول الداعمة للمعارضة السورية زادت دعمها بعد التدخل العسكري الروسي وهي وإن باتت مقتنعة بان الحسم العسكري مع الوجود الروسي لم يعد خياراً فإنها تطمح الى خريطة ميدانية يكون لها فيها وجود يواكب العملية السياسية في فيينا أو في موسكو.

ولا يتوانى الغرب عن توظيف مأساة طائرة الركاب الروسية في الحملة لإحباط الدور العسكري الروسي في سوريا وجعل بوتين يتراجع عن هذا الدور بما يعيد الامور في سوريا الى ما قبل 30 أيلول ويسهل على الغرب وتركيا إنجاز هدفهما الرئيسي في سوريا عبر إسقاط النظام وإحداث تغيير جيوسياسي من شأنه توجيه ضربة مزدوجة الى النفوذين الروسي والايراني في الشرق الاوسط بكامله.

ولعل إدراك بوتين لحقيقة الهدف الغربي والتركي والخليجي هو ما جعله يتحرك عسكرياً وسياسياً ليس فقط لحماية ما تبقى من سوريا وإنما لحماية روسيا ايضاً. وهذه طريق سيتخللها من دون شك الكثير من التضحيات.

النهار

 

 

 

 

بوتين ورمال سوريا المتحركة/ علي حماده

أسبوعاً بعد أسبوع يتضح ان العدوان الروسي على سوريا لن يأتي بالنتائج التي يتوخاها الرئيس فلاديمير بوتين. فلا بشار بقواته المتهالكة قابل للانقاذ ثم التعويم، ولا المدد الايراني بالضباط ورجال الميليشيات الطائفية على غرار “حزب الله” قادر على تغيير المعادلة على الأرض في شكل دراماتيكي، والأهم انه بعد غارات كثيفة ومركزة للطيران الروسي على مواقع المعارضة السورية لم يحدث أي تغيير جوهري على الارض، سوى تمكن تنظيم “داعش” من التقدم على جبهات الوسط بين حمص والقلمون. وبالتالي إن المسافة بين “البروباغاندا” الروسية التي زعمت ان الهدف من التدخل العسكري هو محاربة الارهاب ولا سيما “داعش”، وبين الحقيقة على الارض هي مسافة كبيرة جداً. فقد انكشف هدف موسكو منذ الايام الاولى للعدوان، وما من جهة عربية أو دولية مقتنعة بأن بوتين تدخل في سوريا لمحاربة الارهاب، بل ان المجتمع الدولي بما فيه الدول العربية المعنية مقتنع بأن روسيا تحاول ان تلعب في المساحة الفارغة التي تركتها ادارة الرئيس الاميركي باراك أوباما، عبر انقاذ بشار ومحاولة تعويمه في الميدان تمهيداً لتعويمه على طاولة المفاوضات للحل السياسي، ومن خلال ذلك ترسخ موسكو حضوراً في الشرق الاوسط، وتجبر الجميع على التعامل معها بوصفها شريكة الند للند لأميركا في المنطقة.

المشكلة ان حسابات بوتين بدأت بالتخلخل. أولاً بعدما تبين ان النظام والايرانيين وميليشياتهم، ورغم الغارات الروسية، غير قادرين على تحقيق نصر حاسم في اي منطقة من المناطق التي تشهد مواجهات كبيرة. ثانياً إن موسكو حشرت نفسها في زاوية صعبة في الميدان، وجلبت لنفسها عداوة مع سنة العالم. أكثر من ذلك، واذا صحت التقديرات الغربية، بأن سبب تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء قبل أيام عائد الى انفجار عبوة ناسفة في الطائرة فإن فاتورة العدوان الروسي تكون ارتفعت في شكل كبير، وعلى بوتين تالياً أن يتوقع أعمالاً معادية في أكثر من مكان تطاول رعاياه ومصالح بلاده في أكثر من دولة.

خلاصة القول، لا يمكن روسيا ان تدعي لنفسها دوراً موازياً لأميركا أو بحجم دورها في المنطقة او في أي بقعة من العالم. لقد ذهب الاتحاد السوفياتي الى غير رجعة، وروسيا اليوم أضعف وأفقر من أن تطمح الى دور متقدم في الشرق الاوسط، في ظل عزلتها، وقلة حماسة العرب للتعامل معها. ويذهب مسؤولون عرب في دولة معنية بالصراع في سوريا الى القول ان موازين القوى التي تحاول موسكو ان تقلبها لمصلحة بشار الأسد والايرانيين في سوريا، حدودها شحنة من مئة قاعدة اطلاق صواريخ “ستينغر” المضادة للطائرات مع عدد كاف من الصواريخ.

بالطبع لم تصل الأمور الى هذا المستوى من الصراع. فالغرب الذي يطير بدوره في سماء العراق وسوريا لا يريد الدخول في مبارزة من هذا النوع مع روسيا. بعيداً من ذلك يبقى ان بوتين بدأ يسير على رمال سوريا المتحركة.

النهار

 

 

 

روسيا في المستنقع/ محمد ابرهيم

منذ البداية كانت هناك مقارنة بين فاعلية التدخل الجوّي الروسي، ولافاعلية التدخل الجوّي الأميركي في سوريا والعراق. لكن مقياس الفاعلية يبقى في الغطاء الذي يشكله التدخل الجوّي الروسي للحركة الميدانية لجيش النظام السوري. وعلى هذا الصعيد كان منتظرا أن تكون هناك اندفاعة كبرى لقوات النظام تترجم بمكاسب أرضية واضحة.

لكن الاسابيع التي انقضت على التدخل الروسي ما لبثت ان أظهرت دخول الوضع الميداني في حالة تعادل، بين التقدم المحدود الذي تسجله قوات النظام، وتقدّم محدود مقابل لقوات المعارضة. ولم يعد منتظرا في ظل واقع الاستنزاف البشري لقوات النظام حصول اختراق كبير في الجهد العسكري الروسي – السوري.

والمقارنة بين ما يحصل في العراق وما يحصل في سوريا هي في طريقها لاثبات تشابه الواقعين رغم اختلاف هوية الغطاء الجوّي في الحالتين. لا بل إن الوعود المتكررة من جانب المسؤولين العراقيين بتحقيق تقدّم على حساب مناطق سيطرة “داعش” تبدو أقرب الى الواقع من الوعود السورية، لاختلاف القوة الداخلية لكلا النظامين، لمصلحة العراقي طبعا.

ومع تراجع توقعات الاجتياح الرسمي السوري المدعوم روسياً، وعودة تهديد المواقع الحيوية للنظام، جاءت حادثة الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء لتكشف ان حسابات المعركة الروسية المحدودة، حتى الآن، لا تنطبق على واقع ان الطرف المقابل يستطيع أن يوسّع دائرة المواجهة إلى أماكن غير محسوبة، رغم ان الرئيس الروسي أعلن تكرارا ان ما دفعه الى التدخل في سوريا هو استباق التمدد الاسلامي الذي سيطاول روسيا في نهاية المطاف.

قد لا تكون “داعش” من اسقط الطائرة الروسية. لكن الجدل الدائر حول هذه النقطة يكفي بحد ذاته ليضع “الجبهة” الروسية في حالة توتّر تشكل جزءا من الكلفة التي بدأت تدفعها روسيا للتدخل في سوريا. وهي كلفة يبقى جانبها الاقتصادي في الظل لاختلاف التقاليد الأميركية والروسية في هذا المجال. لكن يبقى ان العمليات الروسية في سوريا تشكل ولا شك ضغطا فعليا على الاقتصاد الروسي المحاصر، قبل قرار التدخل في سوريا.

اذن ومع توقّع ان تطول العمليات الحربية في سوريا دخلت روسيا في صف القوى الاقليمية التي تتعرض للاستنزاف. حتى الاتحاد الاوروبي استدرج إلى ساحة “المعركة” بقرار تركي، تمثّل بغض النظر عن تدفّق المهاجرين السوريين في اتجاه اوروبا. وحدها الولايات المتحدة تنعم اليوم بثمار سياسة “النأي بالنفس” عن القرارات الحاسمة، والتفرج على الآخرين وهم يغوصون في الرمال السورية.

النهار

 

 

 

 

حول صناعة الإرهاب في سوريا وتشكّل نظام دولي جديد/ إدمون صعب

في ثلاث خطوات مهمة لا تفصل بينها سوى أيام قليلة، أدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم في متاهة كثيرة التعرّجات والمطبّات، بعضها مظلم والبعض الآخر ضبابي، تلعلع في أرجائها أصوات متعددة اللغات واللهجات، تذكّرنا ببرج بابل.

ففي وقت كانت الدول والقوى الداعمة لجيوش الإرهابيين والتكفيريين تستعد لـ «الهجوم الأخير» على دمشق لإسقاط النظام فيها وتعليق المشانق في ساحة المرجة، وقف الرئيس الروسي يوم الإثنين 28 أيلول على منبر الأمم المتحدة مهاجمًا السياسة الخارجية الأميركية في العالم، وواصفًا إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنها «فاسدة وغبية وفاشلة»، ومتّهمًا إياها بأنها «أنتجت فوضى في العالم».

وفي وقت أدار فيه الأميركيون والغرب الظهر لخطاب بوتين، معتبرين إياه جزءًا من «الفولكلور» الاممي السنوي، كان بوتين يستعد لإصدار أوامره يوم الأربعاء للطائرات الروسية بالتوجّه إلى سوريا ومباشرة ضرب معاقل الإرهابيين، ولا سيما معاقل مقاتلي «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام» المعروفة بـ «داعش»، و «القاعدة» المتمثلة بـ «جبهة النصرة»، إلى جيش «الفتح» التركي، و «الإسلامي» السعودي ومَن كان على شاكلته من التنظيمات المتطرفة التكفيرية الصغيرة.

وتضاربت التفسيرات للخطوة العسكرية الروسية ولم يتوقف سيلها إلى الآن، كما ازدحم الفضاء الإعلامي، وخصوصًا ذلك الداعم للحرب على سوريا والذي اعتاد نشر الأضاليل وتشويه الحقائق، في طرح السيناريوات ومنها أن الجيش الروسي جاء لاحتلال سوريا، وان الحرب التي تخوضها «روسيا الارثوذكسية» هي «حرب مقدسة» جديدة ضد الإسلام، والسنّة خصوصًا، وان نظام الرئيس السوري قد شارف الانهيار لذلك اتخذت حكومته قرارًا باللجوء إلى روسيا لإنقاذه بالتدخل المباشر عملاً بمعاهدة الصداقة والتعاون بين البلدين التي تعود إلى العهد السوفياتي ولا تزال سارية المفعول. واستعان البعض بالمنجّمين لـ»كشف المستور» من الخطوة الروسية.

وفيما الضجيج يلف المتاهة، والكل يبحث عن ملتقى، وإن عند مفترق، وليس عن مخرج، لأن المتاهة كبيرة، ومداها أوسع من خريطة الوطن السوري، ظهر بوتين ليعلن في 22 تشرين الأول الغرض من «عملية سوريا»، بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على بدء «عاصفة السوخوي» التي أوجعت في فترة قصيرة الكثير من أسياد المقاتلين بالوكالة على الأراضي السورية، وخصوصًا الطرف الأميركي الذي كان يتلطى وراء ما سُمّي «الجيش الحر» والمقاتلين «المعتدلين» من أجل تغطية دوره الرئيس في الحرب السورية والذي يتلخص بدعم «القاعدة» والسلفيين و «الاخوان المسلمين»، وتزويدهم بالمال والسلاح. وقد قرأ الروس ذلك في مذكرة أميركية سبق لدائرة الاستخبارات في وزارة الدفاع الأميركية أن أصدرتها العام 2012 وعممتها على الوزارات والدوائر المعنية وأخصها قيادة الأركان و «الأف.بي.آي.» وسواها.

ومن «منتدى فالداي» أعلن بوتين أن «اللعبة انتهت»، وعلى العالم الغربي أن يدرك ذلك، وخصوصًا الولايات المتحدة وحلفاءها، اضافة إلى الذين تستخدمهم للقتال باسمها ولحسابها وهم كانوا في اللعبة معها في أفغانستان منذ نيسان 1979، أي قبل ستة أشهر من الغزو السوفياتي لأفغانستان في 24 كانون الأول من ذلك العام، وبعد شهرين من الثورة الاسلامية في إيران، الأمر الذي أفقد الأميركيين والسعوديين صوابهم، نظرًا إلى ان خسارة إيران واعلان الإيرانيين عداءهم لواشنطن عبر هتافاتهم «الموت لأميركا»، يجعلان المحيط الهندي والخليج العربي تحت سيطرة السوفيات، على أساس أن من يحكم افغانستان يتحكّم بالخليج وبخطوط ناقلات النفظ المتوجهة إلى الغرب، اضافة إلى الصراع المذهبي بين الوهابية التي تمثلها السعودية والتي استمدت منها «القاعدة» عقيدتها، وولاية الفقيه الشيعية التي تمثلها إيران. لذلك فكر الطرفان في نشر «الفوضى الهدامة»، بدلاً من «الفوضى الخلاقة»، على قاعدة إذا تعذر عليك تغيير نظام الحكم في بلدٍ ما بما يخدم مصلحتك، فلا تتردد في تدميره فوق رؤوس شعبه، إذا كان ذلك يخدم هذه المصلحة، على غرار ما هو جارٍ حاليًا في سوريا واليمن، وهكذا كان. فبعد شهرين من الثورة الإيرانية، التقى ديبلوماسيون أميركيون إسلاميين متشددين كانوا فرّوا من افغانستان إلى باكستان بعد ملاحقة الحكومة الموالية للسوفيات لهم، «من أجل التعرف إلى حاجاتهم»، أي إلى السلاح والمال من أجل مواجهة «الحكومة الشيوعية» في كابول. إثر ذلك قررت إدارة الرئيس جيمي كارتر، بناءً على نصيحة مستشاره للأمن القومي آنذاك زبغنيو بريجنسكي، تسليح المجاهدين الإسلاميين واستعمالهم لمحاربة السوفيات «الكفار»، و «الملحدين»، و «أعداء الإسلام» الذين يمنعونهم من ممارسة شعائرهم الدينية، ودفعهم من ثم إلى الخروج من افغانستان. وقد لقّب بريجنسكي بـ «القابلة الشرعية» لحركة المجاهدين.

مدرسة «داعش» الأميركية

وكانت المخابرات الأميركية سعت مع شاه إيران لشراء ولاء بعض زعماء القبائل المتعاملين مع الحكومة الافغانية الاشتراكية. والغريب في أمر هذه «اللعبة» التي ابتكرها بريجنسكي أنها أحدثت تنافسًا بين البيت الأبيض والكونغرس على إغداق الأموال على وكالة المخابرات المركزية (سي.آي.إي.) من أجل تمويل عملياتها السرية في افغانستان. علمًا ان هذه الأموال كانت سرية وبلغت 3 مليارات دولار، بمعدل 700 مليون دولار سنويًا، وهو مبلغ يزيد على مجمل ما أعطي لـ «سي.آي.إي.» طوال فترة الثمانينيات، كذلك زاد المبلغ الذي خصص لمجاهدي افغانستان على ما كانت تقدمه الولايات المتحدة إلى باكستان، تضاف إليه مبالغ مماثلة أو أكثر من السعودية، «الشريك المضارب» في ثورة مضادة للثورة الإيرانية، وقيادة ما اطلقت عليه الرياض «الصحوة الإسلامية في العالم» في مواجهة الثورة الإسلامية الإيرانية التي من شأنها، في نظر السعودية، تهديد نفوذها في العالم الإسلامي.

وإذا كان المثل في ألعاب الصغار يقول «خذوا أسرارهم من صغارهم»، فإنه في ألعاب الكبار يقول: «خذوا أسرارهم من كبارهم».

فقد كشف الجنرال برنت سكاوكروفت الذي خدم في الادارة الأميركية زهاء نصف قرن، معظمها في مجلس الأمن القومي، واشتُهر عنه تحذيره جورج بوش من مغبة غزو العراق، أوجهاً من «اللعبة الأفغانية» التي عُرف برنامجها باسم «حرب شارلي ديلسون». واشار، في سيرته، «الاستراتيجي»، ان هذه اللعبة كانت مشروعًا كبيرًا له خططه وبرامجه، منها إنشاء 8 آلاف مدرسة رسمية في باكستان لتأهيل الجهاديين على القتال «ضد كفار الغرب»، اضافة إلى 25 ألف مدرسة غير رسمية. أي اننا أمام إنشاء مراكز لإعداد جيوش وليس مجاهدين فحسب. كذلك وجهت الـ «سي.آي.إي.» نداءات الى «مجاهدي الإسلام» في العالم للانضمام إلى رفاقهم الأفغان في «حربهم المقدسة ضد الكفار». وبسرعة فائقة تحوّلت افغانستان معسكرًا كبيرًا للتدريب، بحسب سكاوكروفت، «على التفجير، والاغتيال، وحرب العصابات». وكان «هناك منسّق أميركي لدى المجاهدين هو ادموند ماك وليمس تابع لوزارة الخارجية».

والطريف هنا، كما في سوريا، أن وليمس أبلغ باكستان رغبة الخارجية الأميركية في تمويل إسلاميين «معتدلين» وتزويدهم بالسلاح، فعارضته الـ «سي.آي.إي.»، زاعمة أن لدى المتطرّفين حوافز للقتال غير متوافرة لدى المعتدلين، في حال وجودهم.

وقد ارتكبت فظاعات في حق الجنود السوفيات، ومنها إجهاز المجاهدين على فرقة كاملة، فقتلوا أفرادها، وسلخوا جلودهم، ثم علقوا جثثهم على «شناكل» أحد الجزارين بغية بثّ الرعب في نفوس الجنود السوفيات الآخرين.

كما قطعت رؤوس عسكريين سوفيات وألقيت في الشوارع ليلهو بها الأطفال ويتقاذفوها بأرجلهم بديلاً من الكرة.

ولا ينسى بوتين أن الجيش السوفياتي فقد في افغانستان 13 ألف جندي، كما أصيب له 35 ألفًا بجروح.

خرج السوفيات من افغانستان العام 1989 وتوقف التمويل الأميركي للمجاهدين، جزئيًا أولاً ثم نهائيًا، ليحل محله المال السعودي وبسخاء.

وإزاء تجاهل أميركا للمجاهدين بعد خروج السوفيات، ارتدّ هؤلاء عليها، فهوجم مركز التجارة الأميركي في المرة الأولى العام 1993، وحصلت اغتيالات في مصر، وتفجيرات في الهند، وقتال في كشمير. إلى أن جاء يوم عاد «المناضلون من أجل الحرية»، كما سمّاهم الرئيس جيمي كارتر في الثمانينيات، إلى كنف منشئيهم وداعميهم بالمال والسلاح، «ثوارًا من أجل الحرية للشعب السوري»!؟.

بوتين: أنا لستُ غورباتشوف

لقد وقف بوتين في «فالداي» ليقول عبارتين: الأولى «انتهت اللعبة»، والثانية «أنا لست غورباتشوف» الذي أمر بإخراج الجيش السوفياتي من أفغانستان، فلا تخطئوا في الرجل والحساب. وهو ألمح إلى أن اللعبة التي بدأت في افغانستان العام 1979 «قد انتهت» ويجب «استخلاص العبر الصحيحة من تجارب الماضي»، مقدّمًا خريطة طريق تمثّل تجديد الإيمان باتفاقات وستفاليا العام 1648 التي رسمت حدود الدول وثبتت سياداتها بعد حروب استمرت 30 سنة، وكذلك «معاهدة فيينا» التي وقعت العام 1815 ووضعت خطة سلام لأوروبا منعت الحروب 100 سنة، وأوجدت توازن قوى دولية.

وقد حوت خريطة الطريق الروسية كل العناوين الضرورية لإقامة نظام دولي جديد، على اساس انها الهدف الأول للتدخل الروسي المباشر في سوريا، خصوصاً لناحية وضع مسائل الحرب والسلم في عهدة القانون الدولي والأمم المتحدة، والتحذير من اخطار الهيمنة على التوازن الدولي والاقتصاد، واعتماد الحلول السلمية والحوار بديلاً من الحلول العسكرية، واحتواء الخلافات الطائفية والمذهبية والاتنية المتفجّرة حاليًا في الشرق الأوسط، ووقف الألعاب المزدوجة مثل محاربة الإرهاب من جهة، وتمويل الإرهابيين من جهة أخرى لاستعمالهم في حروب داخلية لإسقاط أنظمة وإحلال أخرى مكانها بالحديد والنار.

مذكرة التورّط

وبرغم نفي الأميركيين ضلوعهم في تزويد الإرهابيين بالسلاح والمال والدعم اللوجستي، فإن بعض الوثائق الرسمية تفضح تورطهم، وأحدثها مذكرة وزعتها «وكالة استخبارات وزارة الدفاع» بين شهرَي تموز وآب 2012 على الوزارات والدوائر المعنية بما فيها قيادة الأركان والـ «اف.بي.آي.»، حول العراق وسوريا، أوضح ما فيها أن أميركا تسلّح وتدعم بالمال والعتاد والوسائل اللوجستية «السلفيين»، و «الإخوان المسلمين» وجماعات مرتبطة بـ «القاعدة»، وهي، بحسب المذكرة، «القوى الرئيسية التي تقود الثورة في سوريا».

وقد أثارت المذكرة ضجة في بعض دوائر البنتاغون، ولا سيما داخل الوكالات التي تُعنى بمكافحة الإرهاب ومطاردة «القاعدة»، إلا أن واضعي المذكرة أداروا لمحدثي الضجيج الآذان الصماء، على أساس أن ما تقوم به الـ «سي.آي.إي.» من عمليات سرية لا تبلغ عنه الخارجية ولا البيت الأبيض الذي مارس في نظر بول كريغ روبرتس، أحد كبار الخبراء الاستراتيجيين، «الكذب والصخب والعجز»، وخصوصًا «بعدما شاهد العالم ميزان القوى يميل لمصلحة الروس» بعد 30 تشرين الأول.

واستمرت المذكرة سرية إلى ان رُفعت السرية عنها في أيار الماضي، فسارع الرئيس السابق لدائرة الاستخبارات في وزارة الدفاع مايكل فلين، إلى تسليط الأضواء عليها، خصوصًا بعدما حُذفت منها المقاطع التي تفضح تورط واشنطن في تمويل الإرهاب، فنشر مقالة في الصحيفة الإلكترونية الواسعة الانتشار «دايلي بيست» أثار سخط الادارة التي جنّدت مجموعة من الخبراء للرد عليه وتسخيف آرائه، والتقليل من أهمية المذكرة واعتبارها «مذكرة معلومات». كذلك مورست ضغوط على أجهزة الاعلام المختلفة لتجاهل آرائه وعدم إجراء مقابلات معه، علمًا أنها في نظره مهمة و «يجب أن يطلع عليها ربّ كل عائلة في أميركا»، لأنها «مصدر موثوق ومركزي وحيوي، تلقي أضواء على أصول داعش»، «ويجب أن تكون موضع نقاش وطني واسع حول سياسة أميركا في سوريا والعراق».

ولما أقفلت في وجهه كل الأبواب، توجه فلين إلى قناة «الجزيرة» بالإنكليزية. وهنا أيضًا جرى تجاهل الحديث الذي أجرته معه القناة في آب الماضي، ولم يحظَ بأي تعليق لا في العالم العربي ولا في الولايات المتحدة.

ماذا قال فلين لـ «الجزيرة»، ما جعل الإدارة الأميركية تتجاهل الحديث معه؟

الجواب بسيط: إن فلين فضح كذب الادارة الأميركية على الرأي العام الأميركي والعالم، في موضوع تمويل الإرهاب عمومًا، وفي موضوع «القاعدة» و «داعش» خصوصًا. كما كشف مضمون المقاطع التي حُذفت من المذكرة قبل رفع السرية عنها، فكان ما نشر منها وصفيًا وجزئيًا.

ومما قال فلين: «إن البيت الأبيض قرّر دعم المسلّحين في سوريا برغم التحذيرات الاستخبارية التي توقعت قيام الدولة الإسلامية».

واضاف في بداية اللقاء معه أن «دعم البيت الأبيض للجهاديين الذين ستنبثق منهم لاحقًا «القاعدة» و «جبهة النصرة» لمقاتلة النظام السوري، كان عن سابق تصوّر وتصميم».

ولاحظ الإعلامي مهدي حسن الذي حاوره، أنه «أراد الكلام بوضوح: إن السياسات التي قادت إلى نشوء داعش لم تكن نتيجة جهل أو تجاهل، بل وليدة قرار اتخذ بوعي وإدراك كاملين».

وإذ فوجئ حسن بصراحة فلين، وبدا غير مصدّق لما سمعه منه، تناول الرجل نسخة من المذكرة الأصلية وراح يقرأ: «هناك مكان لإقامة امارة سلفية، معلنة أو غير معلنة، في شرق سوريا». وعلّق: «وهذا ما تريده القوى الداعمة للمعارضة من أجل عزل النظام السوري».

ومعروف أن أهمية كلام فلين تكمن في أنه كان الأعلى رتبة في دائرة الاستخبارات في الدفاع.

النظام الدولي الجديد

والآن، وخلافًا لما قيل إن روسيا قد «علقت» في المستنقع السوري، يبدو أن أميركا وحلفاءها، ولا سيما السعوديين منهم، هم الغارقون في هذا المستنقع، وما كانوا ليواجهوا مثل هذا المأزق لو أخذوا بنصيحة كبير الأساتذة الاستراتيجيين هنري كيسينجر الذي أنهى الفقرة الأخيرة من كتابه الصادر حديثًا «نظام عالمي»، بعبارة «إن التاريخ يشبه النهر الذي تتغيّر مياهه باستمرار، لذلك لا يستطيع المرء أن يخوض مرتين في النهر الواحد»، وكأني به يقول لأميركا: ما كان يجب أن تكرري أخطاء أفغانستان، وتعتمدي الإرهابيين لإسقاط نظام الأسد في دمشق.

وينصح كيسينجر الغرب بالاعتراف بحصول تبدُّل في ميزان القوى في العالم، وبالتخلي عن السلاح لحل النزاعات لأن «السلاح يلغي الحضارات والقيم، ويعبث بالتوازن». كما يوحي كيسينجر أن بوتين اتخذ القرار الصائب باعتباره الميدان السوري المكان المثالي للبحث في نظام دولي جديد، إذ يقول إن «ديناميات الأحداث قد تشجّع السياسيين على انتظار قضية ما، أكثر من استباق الأحداث واتخاذ قرارات منعزلة، للقيام بخطوات تعتبر مكمّلة للمسار التاريخي»، محذّرًا من «خطر اعتماد التضليل الإعلامي بدلاً من جعل التفكير اداة لاستكشاف الحلول السياسية»، ومضيفاً أن «هدف عصرنا يجب أن يكون إنجاز التوازن، بينما نكبح كلاب الحرب».

أما عن سوريا فيقول كيسينجر إن «الحرب فيها هي من أجل الغلبة، وليس من أجل الديموقراطية. كما أنها ليست بين ديكتاتور وقوى ديموقراطية، بل بين مذاهب إسلامية وداعمين لها». وهو لم يستبعد قيام دولة لـ «داعش» بين سوريا والعراق.

إثر بدء «عاصفة السوخوي» في سوريا، طرح الصحافي الأميركي توماس فريدمان سؤالين مهمين هما:

– كـم عربيًا معتدلاً، وكم مسلمًا معتدلاً توجّهوا إلى سوريا لإقامة ديموقراطية تعددية؟

– وهل هناك ديموقراطيون حقيقيون داخل المعارضة السورية؟

وكان له جوابان، الأول «إن المعتدل هو كرجل يحمل عصا ويبحث بها عن الماء في الصحراء». والثاني «أن لا تسويات مُرضية مع أشخاص غير أنقياء تفوح منهم رائحة كريهة»!

السفير

 

 

 

ارتباط تحطم الطائرة بتدخل روسيا في سورية/ سايمون تيسدال

إذا صح ما تشير إليه الحكومة البريطانية ومسؤولون أميركيون، أن قنبلة على متن الطائرة الروسية التي تحطمت فوق سيناء السبت الماضي وقتلت 224 شخصا، فإن الثمن البشري لمغامرة الرئيس الروسي فلادمير بوتين في سورية ربما يكون ارتفع بكثير.

جاء التدخل الروسي في سورية فجأة الشهر الماضي بعد زيادة سرية وسريعة في العتاد والجنود في سورية. وكان الهدف الرئيس لبوتين من التدخل، دعم نظام بشار الأسد المتداعي وتعزيز قواته.

ولكن بوتين برر تدخله الذي لم يكن مخولا من مجلس الأمن الدولي، أمام المجتمع الدولي بأن طائراته ستستهدف مواقع تنظيم داعش.

وعلى الرغم من أنه اتضح سريعا أن القوات الروسية كانت تقصف قوات المعارضة السورية المسلحة المدعومة من الغرب، إلا أنها كانت تقصف أحيانا أهداف تنظيم داعش، وتعهد التنظيم بالرد.

زعم تنظيم ولاية سيناء التابع لتنظيم داعش، والذي سبق أعلن مسؤوليته عن مقتل مئات الجنود المصريين منذ عزل الرئيس محمد مرسي عام 2013، مسؤوليته على الفور عن إسقاط الطائرة الروسية في سيناء. وهوَّن مسؤولون مصريون وروس على الفور من شأن مزاعم تنظيم ولاية سيناء.

وبالطبع، إن الرأي العام الروسي لن يكون راضيا عن تعريض حياة الروس للخطر، خصوصا بعد عدم إظهار الرأي العام الروسي كثيرا من التأييد لتدخل روسيا في القرم وأوكرانيا. فضلا عن أكياس جثث العسكريين والمدنيين الروس، التي تعيد إلى الأذهان ذكريات سيئة للروس في حرب أفغانستان الكارثية في الثمانيات.

قال وزير الدفاع الأميركي، آرش كارتر، الشهر الماضي، إن بوتين بدأ شيئا ستكون له عواقب وخيمة بالنسبة لروسيا نفسها، وربما في الأيام القليلة المقبلة، تبدأ معاناة الروس من إصابات”.

من ناحية أخرى، قال كارتر “لا تبدو أن هناك تكلفة سياسية فورية للرئيس بوتين، نظرا لسيطرة حكومته المهيمنة على البرلمان ووسائل الإعلام”.

ومع تزايد ترجيح أجهزة الاستخبارات الغربية بأن السبب وراء تحطم الطائرة كان قنبلة زرعت على متنها، سيكون السؤال التالي: لماذا كان المستهدف طائرة روسية تحديدا، ولماذا يحرص بوتين على التهوين من شأن المزاعم الإرهابية فيما يتعلق بالطائرة؟

الإجابة الأكثر ترجيحا على السؤالين ستكون تدخل روسيا في سورية، وبمغامرته في سورية، يكون بوتين قد وضع بلاده في خط النار.

الوطن السعودية

 

 

 

 

التدخل الروسي في سوريا/ د. عبدالله جمعة الحاج

منذ البداية كانت روسيا حساسة تجاه المسألة السورية، وتجاه جميع المبادرات الغربية، وتلك التي تقترحها الأمم المتحدة لشجب الحكومة السورية أو التعرض لها من خلال قرارات يصدرها مجلس الأمن الدولي، فهي لم تشأ أن ترى قرارات من شأنها تفويض الأمم المتحدة تقود إلى التدخل العسكري أو فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري من منطلقات انتهاكات حقوق الإنسان. وتبرر روسيا ذلك بالهرطقة والمعايير المزدوجة التي تتصف بها السلوكيات الغربية فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، ما يولد نفوراً شديداً لدى صناع القرار في روسيا من التبريرات الأخلاقية التي يتحدث عنها ساسة الغرب، لكن يكمن في قهر هذا النوع من المواقف أن الروس لا يريدون أن يروا عدم استقرار في المنطقة العربية من شأنه أن يقود إلى حرب واسعة النطاق أو إلى تحول في ميزان القوة الذي قد يقود إلى آثار كارثية على مصالح روسيا في المنطقة العربية، أو إلى تداعيات سلبية كبرى على الداخل الروسي ذاته.

حتى وقت قريب كان موقف حكومة بوتين محافظاً تجاه القلاقل الحاصلة في بعض الدول العربية فيما يسميه الغربيون بـ «الربيع العربي»، بما يمكن وصفه بأنها كانت ولا تزال «نافرة» منها. لكن ذلك أمر يعتبر أكثر من كونه موقفاً أيديولوجيا محضاً يهدف إلى خدمة الذات. والقصد من ذلك هو القول بأن روسيا عندما تلقى نظرة على أحداث الدول العربية، فهي تقرأ وضعاً لو استمر في زخمه الذي بدأ به، فإن من الممكن له أن يؤدي إلى سيطرة «الإخوان المسلمين» على السياسة في العالم العربي، بمعنى استيلاءهم على السلطة في أكثر من دولة عربية، وسوريا كانت وربما لا تزال مرشحة لسيناريو من هذا القبيل. ومن هذا المنطلق، تنظر روسيا إلى مصلحة الغرب في إسقاط نظام العلويين في سوريا على أنه دعم مباشر لوصول «الإخوان المسلمين» إلى السلطة أكثر من كونه مساعدة للشعب السوري لتحرير نفسه من حكم الطغاة، فلو وصل «الإخوان» إلى السلطة، فلن يختلفوا في هذا الجانب.

في بداية الأزمة السورية كانت روسيا غير راغبة في التدخل العسكري المباشر فيها، وكانت مع عدم تدخل أي طرف خارجي فيها، خاصة الولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي. وتنطلق نظرتنا للمسألة من هذه الزاوية من أن نظام الأسد كان حليفاً لروسيا، لكنه لم يكن معتمداً قط عليها بشكل كامل إلي درجة دعوتها للتدخل العسكري المباشر أو تحويل سوريا إلى نجم يدور في الفلك الروسي. صحيح أن نظام الأسد كان يتلقى دعماً عسكرياً كبيراً ومعدات ضخمة وكثيرة، لكنه أبقى على مسافة كافية لعدم تدخلها في شؤونه. وبالنتيجة، فإن سوريا لم تقع أسيرة في يد روسيا أو تحت رحمتها أو أن يصبح نظامها الحاكم مسؤولاً أمام جهة خارجية تمنعه من حرية استخدام قواته الأمنية والعسكرية ضد المعارضة الداخلية.

وكان الخطر الداخلي الذي يهدد النظام منذ بداية تحرك المعارضين ضده في ثمانينيات القرن الماضي هم الإخوان المسلمين الذين قاموا بتمردهم في مدينة حماة. ويبدو أن روسيا تستوعب هذه الحقيقة جيداً وقرأتها بتمعن، وربما أنها متيقنة الآن بأن «داعش» إنْ هو إلا نسخة جديدة أكثر عنفاً وتطرفاً من الإخوان المسلمين والحركات المتطرفة الأخرى. وقولنا الأخير في هذا المقام هو أن التدخل الروسي الحالي السريع والمفاجئ في سوريا ربما يحقق نجاحاً قصير الأمد من جهة نصرة نظام الأسد ودعمه ومساعدته على الصمود أمام معارضيه، رغم أن ذلك غير مضمون بالكامل، لكن على المدى البعيد توجد محاذير سلبية كثيرة، خاصة إذا ما زادت عملية العسكرة الدولية حدة المشكلة من خلال ما يحدث الآن من ضلوع لإيران وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي فيها إلى جانب روسيا، وما قد يقابل ذلك من تدخل مضاد من قبل أطراف لا تقر التدخل الروسي والإيراني المباشر كتركيا ودول حلف شمال الأطلسي، وعدد من الدول الإقليمية الأخرى.

الاتحاد

 

 

 

 

تقرير لـ«الناتو»: روسيا و«داعش».. مصالح الشر الخفية/ لندن ـ مراد مراد

عمم حلف شمال الاطلسي (ناتو) الاسبوع الماضي تحليلا دقيقا بعنوان «نهج روسيا تجاه داعش«: مصالح الشر الخفية»، شرح فيه الخدمات التي يقدمها تنظيم «داعش» الأممي لسياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. واتهم الحلف موسكو مباشرة بأن وجود «داعش« وتزايد نفوذه يخدم مصالحها، وان تدخل الجيش الروسي في سوريا ليس الهدف منه القضاء على الارهابيين بل فرض روسيا كقوة جديدة قادرة على جلب الاستقرار الى منطقة الشرق الاوسط.

«داعش» بعين «الأطلسي»

وقال التقرير الذي نشرته المجلة الرسمية للحلف «ناتو ريفيو» ان «العديد من المراقبين الغربيين يشبهون تنظيم داعش بأنه بعث جديد لبرابرة القرون الوسطى. ولكن في الواقع من الأجدى مقارنته مع حركات ثورية من الماضي، ولا سيما الثورة البولشفية التي حصلت في روسيا عام 1917. «فداعش« يشاطر البلاشفة «امميتهم« الغريبة، التي تخوله تجنيد الناس بغض النظر عن العرق أو الأصل أو مكان المنشأ. ومن المفارقات، ان هذه الخاصية في «داعش« لها آثار إيجابية بالنسبة لروسيا، فقد ساهمت عولمة «داعش« في تفكيك واضعاف مقاومة الاسلاميين الاصوليين في داخل روسيا لأن العديد من هؤلاء انتقلوا إلى الشرق الأوسط، الامر الذي قلص حجم التهديد الداخلي الذي كانوا يشكلونه على روسيا. علاوة على ذلك، قدم «داعش« لموسكو فرصة للانخراط في منطقة الشرق الأوسط، حيث ـ على الرغم من تصريحات الكرملين حول اسباب التدخل العسكري في سوريا ـ فإن مصالح روسيا لا تتعلق مباشرة بمكافحتها «داعش«.

أضاف الناتو «مثل البلاشفة، «داعش» تنظيم مناهض لمبدأ الدولة. وهذا جانب من أهم جوانب الأيديولوجية الثورية. فلا البولشفيين ولا الدواعش بنوا دولة بالمعنى المعهود: هيكل مع بيروقراطية تراتبية صارمة؛ مصالح جيوسياسية محددة، ورغبة في أن تكون جزءا من مجموعة من القوى. مع البلاشفة، حصل بناء الدولة في وقت لاحق بعد سنوات الانتصارات في الحرب الأهلية. ففي السنوات الأولى للثورة، كان البلاشفة في مزاج مشابه لمزاج عناصر اليوم. كانوا يريدون ثورة في جميع أنحاء العالم، وخلق طوباوية اسمها «جمهورية العمال والفلاحين« تعيش في وئام وخالية من الظلم. الداعشيون اليوم بدورهم لا يخططون لإنشاء دولة بالمفهوم الاعتيادي للدولة لأنهم لا يرون دولتهم كنموذج مشابه لأي من الدول الحالية، واعلانهم الخلافة وتشبهمم بما يعرف بالخلافة الاسلامية الأولى ما هي الا اعلانات صورية فقط. فالنماذج السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يتبنوها في مناطقهم هي نتاج الحداثة وليست وفق نصوص القرون الوسطى. واسلوبهم هذا يجعل من الدواعش اشبه بثوريي الحقبات التاريخية السابقة: كالثوار الفرنسيين الذين تمردوا على تقاليد اليونان القديمة وروما. وتجدر الاشارة الى ان البلاشفة لطالما امتدحوا فضائل الثورة الفرنسية. ومع ذلك فإن الثوار الفرنسيون لم يكونوا من قدامى الرومان، ولا البلاشفة كانوا ثوارا فرنسيين».

كيف تستفيد روسيا؟

وتابع التقرير «من الجوانب الأساسية الاخرى لفكر «داعش» وممارساته، قدرته على الاستقطاب ليس عبر توجيه النداء إلى الخلافة العالمية كنقطة أوميغا ولكن أيضا قدرته على الاتسام بما اسماه البلاشفة «الأممية« او «العالمية«. وبالطبع بنى البلاشفة ثورتهم على العقائد الماركسية، اذ كانت العقيدة الرئيسة الصريحة الشعار الشهير «يا عمّال العالم اتحدوا«، هذه النظرية ترتكز على التخلص من القومية بوصفها ايديولوجية بورجوازية تفصل البروليتاريين عن بعضهم البعض وتمنعهم من الاتحاد في اتجاه هرمجدون نهائي يلغي الصراع الطبقي ويؤدي إلى الشيوعية التي تعني قفزة في أبعاد مختلفة. يمكن أيضا أن يقال هذا عن متطرفي «داعش»، فأنصارها اعلنوا أنه لا يوجد انقسامات عرقية، أو بمعنى ادق، أن الانقسامات العرقية لا معنى لها. وانجذابهم للإسلام المبكر له أسباب، فالشعوب قبل العصر الحديث لم يكن لديهم شعور الانتماء العرقي. لكن رغم ذلك يبقى تقليديا ان العمود الفقري الأصلي للإسلام انه عربي أساسا. ولهذا فإن التركيز الداعشي القوي على «الأممية«، أي التجاهل التام للخلفية العرقية والانفتاح على ضم الأجانب يعتبر امرا حديثا او على الاقل من وحي الزمن المعاصر. وفي هذا السياق البلاشفة ايضا رحبوا بالأجانب. فما هي آثار هذا النهج على روسيا، وكيف اسهم في تحديد سياسة بوتين؟«.

ويضيف التقرير «ان هجرة الأجانب إلى الأراضي التي تسيطر عليها «داعش» لها آثارها على المجتمع الدولي. كما كان الحال مع أولئك الذين انضموا للحركات الثورية في الماضي ـ بما في ذلك البلاشفة ـ هناك مجموعة متنوعة من الدوافع والأسباب التي دفعت هؤلاء الى الهجرة من اجل الجهاد. أعدادهم كبيرة، ازدادت من عدة مئات إلى عدة آلاف في خلال اشهر. بضعة آلاف منهم من الاتحاد السوفياتي السابق. ويوجد المئات من مسلمي آسيا الوسطى. ويرجح ان مئات منهم ايضا قدموا من الجيوب المسلمة في قلب روسيا مثل تتارستان وبشكيريا. ومع ذلك، فإن الأغلبية بوضوح هم من شمال القوقاز الروسي، لا سيما من الشيشان. وهذا يعود بالفائدة على الكرملين إلى حد كبير، اذ انه يخفف من المشاكل التي عانى منها كل من يلتسين وبوتين في الحقيبة التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي. وعلاوة على ذلك، فقد وفرت هذه الهجرة لبوتين الفرصة للمشاركة في الصراع السوري دون خوف من عواقب محتملة. ولفهم هذا، ينبغي للمرء النظر في تاريخ تعامل الكرملين مع شمال القوقاز«. ويتابع التقرير: «لقد أثار انهيار الاتحاد السوفياتي العديد من الأقليات داخل الاتحاد الروسي. ومع ذلك، فإن الصراع في شمال القوقاز الروسي هو الوحيد الذي أخذ منحى عنيفا. وقد خيضت الحرب الشيشانية الأولى بين سنتي 1994 و1996 تحت شعارات قومية. ودعمت الولات المتحدة وتركيا الشيشان بشكل مباشر وغير مباشر. ومع ذلك لم يتردد صدى القومية الشيشانية لدى العديد من القوميات الأخرى في القوقاز وما وراءها. وكانت الشيشان قادرة على تحقيق الاستقلال، إن لم يكن بحكم القانون على الأقل بحكم الأمر الواقع، عندما اضطرت موسكو للتوقيع على اتفاق مهين في خاسافيورت في آب 1996. ومع ذلك، لم يكن اي من الطرفين راض عن نتائج الاتفاق، وفي سنة 1999، اندلعت حرب الشيشان الثانية. وفي ذلك الوقت، فهم بوتين أنه لن يتمكن من اخضاع الشيشان بالقوة أو على الأقل، ان هذا من شأنه ان يكبده خسائر مكلفة. وهذا ما دفعه الى تبني تكتيكات مختلفة. فجاء بعشيرة قديروف على انهم خلفاء في الشيشان، ومنحهم حرية الحكم تقريبا مقدما لهم اعانات ضخمة«.

واستطرد التقرير «قوضت سياسات بوتين الجديدة موقف القومية الشيشانية كأيديولوجية للقتال. وهذا ما ادى في عام 2007 الى اعلان دوكو عمروف، زعيم دولة الشيشان الوهمية، انها «امارة« داعيا الى نبذ القومية الشيشانية ومناديا بالدعوة الإسلامية «الأممية». نجح هذا النهج، على الأقل في المدى القصير، وجذب إلى جانب عمروف مسلمين من جميع أنحاء شمال القوقاز وما وراءها. لكن مع مرور الوقت، اصبحت «الأممية« على نحو متزايد، خاصة في السنوات الثلاث الماضية، عبئا على هذه «الإمارة« وذلك لازدياد عدد مقاتلي شمال القوقاز الذين اتخذوا قرارا بالهجرة والجهاد في الشرق الاوسط. وزادت هذه الهجرة بشكل ملحوظ تحت اشراف علي اسخب كيباكوف الذي تولى القيادة بعد عمروف. وفي موازاة ذلك، أجرى الكرملين حملة مستمرة وبلا هوادة ضد قوات «الإمارة«. وبعد مقتل كيباكوف في عام 2015، وكذلك خلفه، محمد سليمانوف، الذي كان على رأس العمل لبضعة أشهر فقط، لم يتم تثبيت أي زعيم جديد لـ«الإمارة». وهذا دل على تفكك المقاومة القوقازية الشمالية كقوة متماسكة اذ تقلص عدد الهجمات الإرهابية التي تقوم بها في المنطقة بشكل ملحوظ. واليوم بعد 25 عاما، يبدو ان الحرب في شمال القوقاز الروسي قد وصلت إلى نهايتها. وفي حين لا يزال هناك احتمال أن بعض الجهاديين سيعودون إلى روسيا، لكن اي عودة جماعية غير مرجحة الحدوث«.

ورأى التقرير أن «التحرر من المخاوف الجهادية في الداخل منح بوتين مطلق الحرية في الانخراط في مشاريعه السورية. وهذا هو السبب الذي ينبغي للجميع ان يفهمه ليدرك ان روسيا لا تتخذ خطواتها العسكرية في سوريا خوفا من داعش؛ لأن التنظيم الارهابي ساعد بوتين على تدمير المقاومة القوقازية الشمالية والغائها كقوة منظمة. وبالتالي فإن هدف روسيا الحقيقي من مغامرتها السورية هو أن تثبت وصولها الى الشرق الأوسط وتعزز اهمية دورها فيه. وبتحركاتها هذه أرسلت روسيا رسالة ليس فقط للولايات المتحدة بل لجمهور أوسع من ذلك بكثير، فهي تشير إلى كل من العرب في الشرق الأوسط وإلى إسرائيل ـ في الوقت الذي حلفاء واشنطن في المنطقة قلقون من تردد الولايات المتحدة ـ بأن موسكو يمكن أن تكون البديل الاجود«.

ووفق التقرير فإن «الجانب الثاني المهم من مشروع بوتين السوري هو نداء ضمني إلى أوروبا لإعادة ادخال روسيا إلى الغرب. فمنتقدي بوتين غالبا ما يتهمونه بالتهور واللاعقلانية وبانه قومي روسي يريد توسيع إمبراطوريته مهما كان الثمن حتى وان لزم ذلك المواجهة مع الغرب. لكن في الحقيقة ليست هذه حال بوتين. فالرئيس الروسي والنخبة الروسية، التي يمثل مصالحها، لا يريدون حقا الانفصال عن أوروبا بطريقة الحرب الباردة، لأن هذا يتطلب تضحيات كبيرة من النخبة والطبقة الوسطى في روسيا. توقعات بوتين الإمبريالية هي أيضا محدودة نوعا ما فحتى في أوكرانيا، لم تقم روسيا بغزو علني ولم ترسل جيوشها إلى كييف كما تنبأ كثيرون. ليس فقط الإمبراطورية تتطلب استثمارا اقتصاديا كبيرا ولكن توسعها غربا سيدفع أوروبا اكثر الى معاداة روسيا والاقتراب اكثر من الولايات المتحدة. غزل بوتين مع الصين وإيران يعكس الرغبة في الإظهار للغرب أن موسكو لديها خيارات أخرى، وليس مظهرا من مظاهر التفكير آحاديا باحتضان آسيا وقطع جميع العلاقات مع الغرب. فالتقرب من الغرب، وخاصة من أوروبا، لا يزال احد الأهداف الرئيسة لبوتين ـ وهذى الهدف يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند مراقبة التحركات التي يقوم لها بوتين في سوريا. فمن خلال الانخراط في سوريا، بوتين يسعى لأن يثبت لأوروبا أن روسيا يمكن أن تكون قوة رائدة في إنقاذ أوروبا والحضارة الغربية من خطر العنف والتطرف الإسلامي، ولذلك يجدر بالأوروبيين عدم نبذ موسكو«.

وختم الناتو مراجعته التحليلية بالسؤال «ما هي الآثار العملية لهذه الإجراءات؟» والجواب «من جهة، التخلص من تهديد التمرد الإسلامي داخل روسيا، والاستفادة من قوة جذب داعش للمتطرفين الروس، فموسكو واثقة بما فيه الكفاية من بقائها في الشرق الأوسط لفترة طويلة مما يفرض احترام مصالحها في المنطقة. من جهة أخرى، موسكو ليست ملزمة بمواجهة حرب باردة مع أي قوة قائمة وستكون سعيدة للتعاون مع أي من القوى التي تحترم مصالحها. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أنه في حين أن موسكو وعواصم أخرى لديها خططها الخاصة في منطقة الشرق الأوسط، الا ان مجريات الأحداث على ارض الواقع قد لا تكون دائما متوقعة«.

 

 

 

 

التلاعب الروسي ومصير الأسد/ د. نقولا زيدان

عشية مؤتمر فيينا الأخير بشأن سوريا عمد فلاديمير بوتين لاطلاق رصاصة الرحمة عليه. وكان سبقه بيوم واحد اللقاء الرباعي (اميركا، روسيا، السعودية وتركيا) الذي لم ينفض عن نتيجة ملموسة قط. والحق ان عادل جبير وزير الخارجية السعودي بدا متشائماً في تصريحاته بخصوص نتائج اللقاء الرباعي ومؤتمر فيينا ايضاً. رصاصة الرحمة هذه التي اطلقها بوتين تلخصت بتصريح بوتين الذي يقول فيه انه لا مجال في البحث بمصير الاسد الا بعد التخلص من الارهاب.

ليس هذا فحسب بالنسبة للموقف الروسي من مستقبل الأسد، بل عقب اللقاء الخاطف بين بوتين ـ الأسد. في الكرملين تصريح الرئيس الروسي بأن مستقبل الاسد سيقرره الشعب السوري.

من يقرأ التصريحين في العمق يدرك تماماً حقيقة الأهداف الروسية من تدخلها العسكري وكذلك الخط البياني المرتبط بالأزمة السورية من قبل موسكو. فالحقيقة التي ينصح بها هذا الخط البياني يدل بالتأكيد على ان روسيا ليست بصدد اي مسعى جدي اقليمي أو عالمي لحل سياسي للأزمة السورية. ذلك في المستقبل المنظور على الاقل. لأن روسيا بعد ان أدركت عملياً عجز النظام الايراني وحلفائه في سحق المعارضة السورية، فارسلت قواتها الجوية والبحرية لانقاذ ما بدت طهران عاجزة عن انقاذه.

ان التحليل الموضوعي لتصريحات بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف فيما يتعلق بسوريا يفضح النوايا الروسية الممعنة في الرياء والتلاعب. اولاً لأن التخلص من الارهاب هو مشروع عصي على الانجاز الفعلي في المستقبل المنظور. لأن الارهاب يستقي منابعه من البيئة الحاضنة أو التربة الخصبة التي يوفرها له الصراع المذهبي القائم الآن في المنطقة العربية. وهذا الصراع وهو الذي اتخذ من العراق وسوريا ولبنان واليمن ساحة مواجهة له، يجد تعبيراته الضعيفة في الارهاب الدموي السائد. وقد طغى هذا الصراع بل طمس المطالب العادلة للشعوب العربية في التحرر والرقي والحرية وارساء أنظمة ديموقراطية. فالعنف كما قيل يستدعي العنف ويبرره. زد على ذلك ما تعانيه البلدان العربية في منطقتنا من ظواهر الفقر والامية والتخلف، وصعود التعصب الشوفيني الفئوي مذهبياً واثنياً وجهوياً.. فان ننتظر ريثما تستكمل روسيا أو التحالف الأممي مهمة القضاء على الارهاب فتلك مقولة مخادعة لن تستطيع ان تخفي النوايا الحقيقية لروسيا باستعادة نفوذها في المنطقة وفي آن معاً توفير الدعم للنظام الاسدي وقد شارف على الهلاك، وبالمقابل ايضا لم يعد من مجال لإخفاء التقاعس الاميركي بل التخاذل في ما يتعلق بالسياسة الاميركية بأكملها حيال النظام الاسدي، ولا بالضربات الجوية غير الفعالة لداعش التي تشنها اميركا وحلفاؤها.

أما ان يقرر الشعب السوري بنفسه مصير الاسد فان بوتين وطاقمه يقصدون في حقيقة الأمر ان انتخابات عام 2021 الرئاسية في سوريا هي التي ستقرر مصير بشار الأسد، فبوتين يعلم بحق نوعية وطبيعة الانتخابات الاسدية في سوريا، واي نتائج معروفة سلفاً تفرضها اجهزة للمخابرات الاسدية على الشعب السوري. معنى ذلك ان بوتين ومعه نظام طهران ما زالا مصرّين على بقاء الاسد.

لقد تمخض مؤتمر فينا بخصوص الأزمة السورية عن تصريحات متباينة. فالكرملين وان كان ظاهرياً يمالئ اميركا بضرورة المساعدة في ايجاد حل مقبول للأزمة السورية، فهو في آن معاً يمطر المعارضة السورية بوابل من قذائف طائراته الحربية في المناطق التي تسيطر عليها، لدرجة ان الاميركيين انفسهم يراوغون بشأن خطتهم في تدريب المعارضة المعتدلة. ذلك ان الاميركيين لا يرغبون في الصدام مع روسيا في سوريا الآن. والتنسيق بين الفريقين قائم لتفادي اي صدام جوي بين طائرات الطرفين المقاتلة هناك. تماماً كما ان التنسيق قائم ايضا بين موسكو واسرائيل للغاية نفسها. أما التصريحات الأميركية فكانت باهتة كالعادة. وحدها السعودية كانت حازمة بخصوص مصير الأسد، وهي ما زالت تعتد ببيان جنيف عام 2013، وترفض بوضوح اي دور للأسد في المرحلة الانتقالية المتوخاة.

لقد عمدت واشنطن الى تعمية مؤتمر فينا بدعوة العديد من بلدان المنطقة الى المؤتمر لمصر والاردن ولبنان وقطر. الا ان النقطة الملتهبة كانت تكمن في دعوة ايران، ايران هي نفسها التي شدد وزير خارجية السعودية على ضرورة استبعادها لأنها طرف متورط كلياً في الحرب السورية عبر حرسها الثوري وحلفائها. وكان واضحاً عشية المؤتمر ان دعوة تلك الدولة كان عملياً لتمرير دعوة طهران. والحق ان روسيا لم تكن بحاجة ماسة لحضور طهران المؤتمر، بقدر ما كانت طهران هي المستفيد الأول من حضورها، لأن ذلك الحضور يكرسها من الآن فصاعداً كقوة اقليمية منكبة على الشأن السوري. هذا ما أكدته المستشارة الالمانية «ميركل» في تصريح لافت أخير هو ان اي حل للأزمة السورية لن يكتب له النجاح الا من خلال أخذ الموقف الايراني في الاعتبار. وكأن ميركل بذلك كانت تتفهم مدى تشدد ايران في بقاء الاسد ونظامه كضامن للخط اللوجستي الايراني الممتد من طهران وصولاً الى جنوبي لبنان.

ان طهران ليست مستعدة قط للمساومة بخصوص استمرار اندفاعها نحو البحر المتوسط، فهي لم تنفق مليارات الدولارات على الحرب السورية، وعلى تدخلها في لبنان، وزعزعة الأمن في العديد من البلدان العربية لتجد نفسها خارج الاتفاقات الاميركية ـ الروسية المحتملة.

ان بوتين وهو رجل الاستخبارات السوفياتية ثم الروسية الضليع، يدير السياسة الروسية بعقل استخباراتي بتجنب الوقوع في الأخطاء. فقد أدرك منذ تقلده السلطة عام 1999، ثم بعد غزو العراق عام 2003، وغرق القوات الاميركية في وحول العراق، مدى الانهماك الكلي فيما بعد لباراك أوباما في حل المشكلات الاقتصادية لبلاده. فالانسحاب الاميركي من العراق واخلاؤه اياه لمصلحة النفوذ الايراني، والتأرجح الاميركي في دعم المعارضة السورية، والادعاء الاميركي بأن صعود «داعش» شكل مفاجئة جدية لهم بعد تقديم واشنطن تنازلات تاريخية امام التوثب الروسي في أوكرانيا وسوريا، كل ذلك شكل لفلاديمير بوتين ثغرات سانحة للنفوذ الروسي نحو المتوسط.

ليس من عادات الايرانيين وهم لاعبو الشطرنج الوقوع في الأخطاء ولم يكن قط قابلاً للتصديق ان التدخل الروسي في سوريا قد جرى من دون موافقة ايرانية. الا ان اصواتاً وازنة في ايران الآن قد بدأت تشكك في نوايا موسكو حيال الوضع السوري القائم. فهل ثمة صفقة ما يجري الاعداد لها في المنطقة، بين واشنطن وموسكو، من شأنها عدم الالتفات الى مصالح ايران في هذا المعمعان؟

فهل بدأنا حقاً نشهد تبايناً بين موسكو وطهران أم هو احدى الالعاب النارية التي يجيد بوتين تعميتنا بها على قاعدة التضليل والمباغتة، بالاشتراك مع طهران التي ما زالت تمثل سوقاً غنية للصناعات الحربية الروسية وحليفاً ضرورياً بخاصة في مجال الطاقة النووية وتقنياتها.

المستقبل

 

 

هل تنجح روسيا باقتناص لحظة انطلاق العملية السياسية في سوريا؟/ د.عامر السبايلة

يمكن اعتبار أن مسار الأزمة السورية يدخل في مرحلة يمكن اصطلاح تسميتها بمرحلة “صناعة المعارضة” في ظل حالة من التناغم والتوافق بين واشنطن وموسكو بهذا الصدد. مع التدخل العسكري الروسي في سوريا، كان من الطبيعي ان يتم البحث عن تفعيل الجانب السياسي للأزمة لمحاولة اقتناص لحظة انطلاق العملية السياسية. السعي الروسي لاستثمار التحرك العسكري سياسياً وضع موسكو أمام التحدي المتمثل بغياب جسم حقيقي للمعارضة السورية على الصعيدين السياسي والعسكري، الأمر الذي تسعى موسكو جاهدة اليوم لتجاوزه حتى يتسنى لها تجسير آخر الخلافات الدولية حول الصورة العامة للحل السياسي في سوريا خصوصاً أن موسكو كانت قد قطعت شوطاً مهماً في التواصل مع أطياف المعارضة السياسية السورية، وبدأت تسعى في هذه المرحلة لايجاد طرف عسكري على الأرض يمكن التواصل والتنسيق معه.

فبعد أن صرحت موسكو عدة مرات بعدم وجود أي تنظيم يمكن التنسيق العسكري معه وخصت بذلك الجيش الحر، عادت وأبدت استعدادها للتعاون مع فصائل التنظيم العسكري، الأمر الذي يثبت أن موسكو تسعى اليوم لصناعة معارضة عسكرية يتم التعاون معها على الأرض وبالتالي تتحول موسكو من حليف حصري للنظام الى حليف لكافة القوى “غير الإرهابية” الساعية لمكافحة الارهاب مما يقوي نفوذها كوسيط قادر على الدفع ببدء العملية السياسية. فالحالة التي انتشرت في سوريا على مدار السنوات الماضية في سوريا أثبتت تحول مجمل تفريخات المعارضة العسكرية الى تنظيمات “اسلامية” سواء بالاسم او بالسلوك او الفكر، وهو ما يفسر ان حجم الدعم المادي واللوجستي والتسهيلات كانت تقدم لهذا النمط من المعارضات. لكن مع التحول في الموقف الدولي مؤخراً أصبح من الضروري افراز معارضة وطنية مقاتلة على الارض وهو ما يعني ضرورة الابتعاد عن المفاهيم السائدة سابقا والركض الى الامام باتجاه خلق تركيبة قادرة على الاندماج مستقبلاً في المؤسسة العسكرية السورية.

الاتفاق على مفهوم الارهاب وتصنيف التنظيمات الارهابية يضع مجمل التنظيمات الحالية العاملة في سوريا في عين الاستهداف العسكري ويحولها الى نقطة يتم بناء التقاربات بين كل من يرغب في قتتلها.

أما في الحالة السياسية، فمعطلات انطلاق عجلة الحل السياسي اليوم بدأت تختزل بصورة واضحة لتصل الى موضوع حق الرئيس الأسد بالترشح من عدمه مما يعني ان الاتفاق على الخطوات الأولية قد تم وبالتالي ليس هناك ما يمنع ان يتم التعامل مع الحل السياسي ضمن سياسة التجزيء و التي قد تبدأ بتشكيل حكومة سورية ذات صلاحيات واسعة وممثلة من المعارضة والدولة السورية.

تعاظم التحديات الارهابية واحتمالية توسع المواجهات يجعل من الصعب استمرار تعطيل الاتفاق على مبادئ الحل السياسي للازمة السورية خصوصاً أن معظم أدوات ودول التعطيل لم تقدم الى اليوم اي طرح عملي او عقلاني لشكل الحل، ولم تستطع ان تساعد في بناء معارضة وطنية قادرة على قيادة عملية تغيير سياسي او الاضطلاع بدور أساسي في المشهد السوري، لهذا من الطبيعي ان تسعى كثير من اطراف المشهد السوري الى التكيف مع الواقع الجديد والنأي بنفسها عن عوامل تعطيل عملية الحل السياسي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى