صفحات مميزة

التدخل الروسي في سورية –مجموعة مقالات-

بوتين منقذاً أوباما/ عمر قدور

كأنه كان مدبّراً من قبل، أن تعقب التدخل الروسي في سوريا سريعاً اجتماعات روسية أميركية، وأخيراً أن تنعقد اجتماعات فيينا وتتوسع من حيث الدول المشاركة قريباً. لننسَ الجعجعة التي رافقت التدخل، ووصفته بالمفاجئ، لأن تدخلاً معداً على هذا النحو، وعلى بعد آلاف الأميال من روسيا، لا يصعب رصد مقدّماته. إنه ليس عملية استخباراتية محدودة على نمط تهريب بشار الأسد إلى موسكو وإعادته. ولننسَ أيضاً فرضية استغلال بوتين وصول أوباما إلى مشارف السنة الأخيرة من حكمه، ما يجعل رئيساً “ضعيفاً” مثله أكثر ضعفاً من ذي قبل، فإدارة أوباما بكل سلبيتها غير عاجزة على تلقين الروس درساً أفغانياً جديداً بأيد سورية، أي بالأيدي التي أوقعت خسائر فادحة بقوات النظام بمجرد امتلاكها القليل من صواريخ التاو.

على هامش اجتماعات فيينا ثمة ما ينبغي الانتباه إليه، وهو توقيع موسكو مع الأردن بروتوكولاً عسكرياً للتنسيق بينهما في سوريا، مع أن الأردن المشارك في التحالف الدولي ضد داعش يُفترض أن يكون مشمولاً بالمذكرة الروسية الأمريكية لتنسيق الطلعات الجوية. أهم من ذلك، فإن واشنطن، من خلال الأردن، تمسك بالجبهة الجنوبية تماماً، وهي من يقرر بصرامة مقدار الدعم المسموح دخوله إلى ثوار درعا، وهي من يقرر بحزم عدم اقترابهم من جبهة دمشق. لذا من المستبعد أن يبرم الأردن اتفاقاً مع موسكو ما لم يكن بمباركة أميركية.

إسرائيل كانت سباقة كما نعلم إلى إبرام بروتوكول تنسيق مع روسيا، ونتنياهو كان أول زوار الكرملين من المنطقة بعد بدء التدخل الروسي، ولا بد أن لديه من المعطيات ما يجعله يسارع إلى هناك. ولا شك أن إشهار التنسيق الروسي الإسرائيلي يرضي تل أبيب معنوياً أكثر من التنسيق مع الحليف التقليدي الأمريكي لأنه يؤذن بالتطبيع مع محور الممانعة. تفصيل آخر رافق التدخل الروسي، هو إيقاف الإدارة الأميركية مشروعها الهزيل لتدريب ما تصفه بالمعارضة المعتدلة، والإبقاء فقط على الدعم الاستخباراتي كصمام أمان تحسباً من الشطط الروسي. ومع أن مشروع التدريب أثبت فشله قبل التدخل الروسي إلا أن إيقافه بالتزامن معه يحمل لفتة معنوية لا يمكن عزوها إلى المصادفة فقط.

لدى أوباما حساسية خاصة إزاء تدخل أميركا المباشر، لأنه بنى حملته الانتخابية الأولى على نقد تدخل سلفه جورج بوش في العراق، ولا يستطيع المغامرة بصدقيته وصدقية حملة حزبه الديمقراطي آنذاك. الأقرب إلى المنطق أن بوتين أنقذ أوباما بصفقة الكيماوي قبل سنتين، وكما هو معلوم فعل أوباما حينها ما في وسعه للمماطلة بغية عدم معاقبة النظام، إلى أن أتت الوساطة الروسية لتنقذه من مأزقه المعنوي. كان مفهوماً يوم صفقة الكيماوي أن مقايضة قد حدثت، وأن تسليم أداة الجريمة يعني إعفاء المجرم من تبعات فعلته. وما كان مفهوماً أيضاً أن إدارة أوباما وافقت لقاء تسليم المخزون الكيماوي على عدم السماح بإسقاط بشار الأسد عسكرياً، بمعنى أن يصبح هذا بمثابة نهج لا يتزحزح، بل بمثابة تعهد تمنع به القوى الإقليمية من تغيير الموازين على الأرض.

إلا أن أوباما، الذي كانت انتقاداته لسلفه مبنية على فشل التدخل في العراق، يبدو غارقاً في مستنقع لامبالاته إزاء سوريا، وهو ما سيستغله الخصوم الجمهوريون في الحملة الرئاسية المقبلة، وما قد تستغله المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في حملتها، بناء على خلافها معه في الشأن السوري عندما كانت وزيرة خارجيته. باختصار، مع نهاية رئاسة أوباما، ستكون الأوبامية بمجملها في خطر، وأسهل ثغرة يمكن النفاذ منها هي الثغرة السورية. فالمثال السوري يتفوق على نظيره الأوكراني من حيث حساسية الناخب الأميركي إزاء الإرهاب الإسلامي، ويمكن بسهولة إثبات أن سلبية أوباما سمحت للمتطرفين بالسيطرة على مساحات شاسعة من سوريا والعراق. فضلاً عن ذلك، يسهل إثبات عدم جدية أوباما في حلفه الدولي ضد داعش، الحلف الذي لا يمتلك زخماً عسكرياً كافياً، ولا تلازمه محاولات احتواء الإرهاب بمعالجة أسبابه.

تدخّل بوتين ينقذ أوباما على مستويين، الأول هو تغطية تدخله بالحرب على الإرهاب، ما يخلي مسؤولية أوباما الحصرية عن هذا الملف من خلال الحلف الدولي. أيُّ فشل في هذا الملف ستسوّقه الإدارة منذ الآن بعدّه فشلاً جماعياً، وليس مستبعداً أن تلقي كل اللوم على الآخرين بمن فيهم الحلفاء. المستوى الثاني يتصل بمعالجة القضية السورية ككل، إذ أن بقاء الأمر على ما هو عليه وفق سياسة أوباما منذ اندلاع الثورة سيضع الملف في عهدة الإدارة المقبلة، وليس مضموناً ألا تتبنى الأخيرة سياسة مغايرة يقتضي تسويقها نبش أخطاء أوباما أمام الجمهور الأمريكي. على العكس من ذلك، ستسوّق إدارة أوباما أية تسوية، مهما كانت هزيلة أو مجحفة، بعدّها انتصاراً لها، وحتى اعتبارها مبرراً بأثر رجعي لنيل أوباما جائزة نوبل للسلام.

بالطبع، أن ينقذ بوتين أوباما فهذا لن يكون بلا ثمن، ومن المفهوم أن إدارة أوباما لن تدفع من حسابها الخاص. وهي منذ البداية سوّقت لانعدام القيمة الاستراتيجية لسوريا، عطفاً على ما تعلنه من تراجع القيمة الاستراتيجية للمنطقة ككل في الحسابات الأميركية. في اتفاق مصالح القوتين في سوريا ثمة نقطة تسترعي الانتباه، فالأوبامية قامت على أنقاض نهج إدارة بوش، والآن في أواخر أيامها يبدو أن لا أحد أفضل لإنقاذها سوى جورج بوش الروسي.

المدن

 

 

أصحيح أن بوتين قادر على تنحية الأسد؟/ عمر قدور

تقع في فخ التبسيط المبتذل تلك الأوهام حول قدرة موسكو على ترحيل بشار الأسد، والتي رافقت التدخل الروسي المباشر، وبُنيت على ما ساهم طاقم فلاديمير بوتين في ترويجه حول الإمساك التام بقرار الأسد. الأخير، الذي لا نعلم ما قاله في مجلس «القيصر»، عاد مع التكهنات التي تدور حول موعد تنحّيه، إلى تأكيد عدم وجود حل سياسي في سورية إلا بعد القضاء على «الإرهاب»، وهو الموقف الذي ثابر عليه أربع سنوات. قبل الإعلان المنقول عن رئيس النظام، ألقى زميله في حلف الممانعة حسن نصرالله، خطاباً تصعيدياً جديداً لا يصعب فهم نبرته الموجّهة تحديداً الى من يصرّ على رحيل الأسد.

أوساط بوتين ذاتها، بدأت بالتراجع عن الجو الذي يوحي بانفراج بسيط، وعادت إلى تأكيد عدم وجود مساومة في هذه النقطة. أيضاً، من التبسيط عزو التراجع الأخير إلى تصلّب معتاد في أية مفاوضات شاقة، لأن هذه الفرضية توحي بانسجام تام بين النظام وحلفائه، واتفاقهم جميعاً على مبادئ التسوية، بما فيها تنحّي الأسد في مرحلةٍ ما كما يلوّح بذلك الروس.

بدايةً، يصعب حل التناقض في التكتيك الروسي، وهو تقوية الأسد ثم البحث في تنحيته، مثلما يصعب الاقتناع بأن الحليف الإيراني موافق على هذا التكتيك، فالأقرب إلى المنطق أن توافق طهران على الجزء الأول فقط. والأقرب إلى المنطق أن التصلّب في المواقف الذي انطلق من الضاحية الجنوبية إلى دمشق، رسالة إيرانية إلى الحليف الروسي، تنصّ على أن ملف التنحي لا يزال في عهدة طهران، ولن يستطيع الطيران الروسي انتزاعه منها بالسهولة التي يروّجها البعض.

الثمن ليس، كما قد يُفهم تبسيطاً، دعوة طهران إلى فيينا 2 والاعتراف بدورها، فحضـــور طهران مفاوضات فيينا سيعقّدها بإدخالها متاهة من الملفات الإقليمية المتشابكة. طهران ستأتي إلى الطاولة لتقلبها ما لم تكن هناك صفقة متكاملة مُرضية لها، تتضمن اليمن والملف اللبناني، وحتى ملف «داعش» في العراق الذي لا تسير فيه إدارة أوباما كما تشتهي طهران.

النظام، مع التحفّظ على التوصيف، لن يكون مستكيناً أمام محاولات الروس، إذا صدّقنا الادعاءات حول محاولاتهم تحويله إلى نظام. طوال السنوات الأربع الأخيرة، فشلت كل المحاولات الدولية لإغراء الزمرة الحاكمة بالتحوّل إلى نظام يضحّي ببعض رموزه من أجل استمراره، ودفع السوريون مئات آلاف القتلى نتيجة تسويق كذبة «النظام أو الفوضى»، وأن يأتي الروس للاستثمار فيها فذلك لا يعني تحوّلها تلقائياً إلى واقع. وهو لا يعني خصوصاً أن الزمرة الحاكمة التي طالما سارت عكس مفهوم النظام، وتبنت علانية منذ انطلاق الثورة النهجَ الميليشياوي ونهج أمراء الحرب، ستقبل صاغرة بالخروج عن النمط الملائم لبُنيتها.

التدليل على ضعف الزمرة الحاكمة لا يخدم فكرة تنحيتها إلا صورياً، إذ كما نعلم استخدمت الزمرة ضعفها لابتزاز العالم واستجداء مساعدته، بما في ذلك التلويح به للغرب كي يمنع إسقاطها. وأخيراً، عندما يأتي التدخل الروسي المباشر تلبيةً لاستغاثة الأسد، في الخطاب الذي أقرّ فيه بضعف قواته، فهذا يعني فعالية الضعف لا انعدام فعاليته، حتى لو بدا بوتين كأنه يستغل الضعف لمصالح روسيا أو لطموحاته الشخصية.

لدينا سابقة شديدة الوضوح: فالتورط الإيراني استُهلّ مع سوء تقدير لمدى ضعف قـــوات الأسد، لكن سوء التقدير لم يؤدّ إلا إلى مزيد من التورط، وحتى بعد اكتشاف حالات سوء استغلال الدعم الإيراني الواسع لم تجد طهران مفراً من استمراره. غالب الظن أن التدخل الروسي سيأخذ المنحى ذاته، وفي حال تعثّره مع مرور الوقت، كما حصل في الشهر الأول منه، ستكون العودة عنه باهظـــة الثمن لأنها إعلان خسارة لن يكون الكرملين مستعداً لتقبّلها. وبخلاف ما يُشاع عن مصلحة أميركية بتورّط روسي في سورية، فأصحاب المصلحة في التورط هم أولاً حلفـاء بوتين، لأن طهران والأسد يدركان صعـــوبة العودة عنه، وعدم قدرة بوتين على الإمساك بالورقة السورية، لأنهما سيمنعانه من ذلك. في أقصى الشقاق، لن تشنّ المقاتلات الروسية حرباً على حليفيها، ولا يستطــيع الكرملين التهديد برفع الحماية الدولية عن الأسد، لأن التهديد لا يلاقي قوى دولية متحفزة للتدخل وإسقاطه عسكرياً.

نظرياً، قد يصحّ القول أن موسكو لا تملك دوافع للتمسّك بشخص الأسد. عملياً، هذا مساوٍ لعدم تلهّفها لإطاحته، ولعدم قدرتها على إطاحته من دون تفاهم مع طهران. المضي في مفاوضات فيينا أو غيرها لا يتناقض مع تلك المقدمات، فهو يستكمل الإيحاء بوجود استراتيجية متكاملة للتدخل الروسي، وتحت ستار البحث عن تسوية تستمر الآلة العسكرية بحثاً عن انتصارات تفرض شروطاً سياسية جديدة. فإذا كان تعثر الحملة في شهرها الأول لم يمنع الترويج للانتصار، ولم يمنع أيضاً رئيس المخابرات الأميركية من التصريح بأن ميزان القوى يميل إلى الأسد الذي يسيطر فعلياً على ربع مساحة البلاد، فلنا أن نتخيل كيف سيجري التعامل مع المفاوضات في حال إحراز تقدم فعلي على الأرض.

بالاستعارة من الملف الفلسطيني، ما يريده الروس وحلفاؤهم «عملية» تسوية لا تسوية شاملة وسريعة، لأن مفهوم «العملية» يرجئ البحث في نقاط الخلاف الرئيسة. المطلوب أولاً من عملية المفاوضات، استيعاب التدخل الروسي من بعض الغرب وبعض القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة، أي تطويق الدعم الذي قد تحصل عليه فصائل المعارضة فيما لو بقيت المسألة في حيّز الاشتباك العسكري.

إدارة أوباما لا تعارض اختبار العملية، ولا الدخول في اشتباك عسكري مع الروس قد يضطرها للذهاب بعيداً من سلبيتها، فضلاً عن أنها في طليعة القائلين بمنع إسقاط «النظام». لذا لا يُستبعد لجوء الإدارة الى الضغط على الحلفاء ولجمهم عن دعم المعارضة بذريعة إعطاء مهلة للجهود الديبلوماسية. ومثلما طوّقت إيران، عبر تصريحات نصرالله والأسد، التنازلات الروسية المنتظرة، أتى لقاء باريس والعديد من التصريحات الغربية والإقليمية لتطويق تنازلات أميركية أكثر توقعاً من نظيرتها الروسية.

في أقصى حالاتها، هذه العملية ليست بلا نهـــاية، فعين موسكو وطهران طامعة في استغلال السنة الأخيرة لأوباما، بينما أعين أخرى تتوق إلى انقضائها بأقل الخسائر.

الحياة

 

 

 

 

روسيا وتبريراتها الواهية!/ فايز سارة

ليس خافيًا على العالم أن روسيا اختارت منذ انطلاقة الثورة السورية في 2011، الوقوف إلى جانب نظام بشار الأسد، ومع مرور الوقت واستمرار النظام في عمليات قتل السوريين وتهجيرهم وتدمير قدراتهم وبلدهم، تابعت روسيا دعم نظام الأسد بالمعدات والأسلحة والذخائر والمساعدات المختلفة، إضافة إلى حمايته من العقوبات الدولية في مجلس الأمن وفي المؤسسات الدولية الأخرى، وكانت المبررات الأساسية، أنها ترفض التدخلات الدولية في الشأن السوري، التي تؤدي إلى تغيير النظام الذي هو حق للشعب السوري، وأنها ترفض إسقاط الدولة السورية ومؤسساتها. لكنها وفي الواقع، برهنت أنها أبعد ما تكون عن الالتزام بتلك المبررات، التي تم اختراقها منذ البداية من قبل نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والميليشيات الشيعية، خصوصًا حزب الله اللبناني، قبل أن تنضم إليهم روسيا في إطار التدخل الأجنبي المشارك في قتل السوريين، وتدمير سوريا مجتمعًا ودولة ومؤسسات، في ظل هدف واحد خلاصته حماية الأسد ونظامه في مواجهة ثورة السوريين، ووصف السوريين المعارضين للنظام بـ«الإرهابيين» و«المتطرفين» والتعامل معهم على هذا الأساس.

ولم يقتصر موقف الروس على دعم الأسد ونظامه، بل اشتغلوا على خط المعارضة، ليس فقط في محاولة تطويعها وتدجينها للتقارب مع النظام، إنما أيضًا من خلال تبني «المعارضة» القريبة من النظام بما فيها أحزاب رخصها النظام، وتعمل تحت مظلته ووفق توجيهات أجهزته الأمنية، وذهبوا إلى الأبعد في خلق معارضة، تأتمر بأوامرهم، وتقيم في موسكو مثل جبهة التغيير والتحرير، وعملوا على جمع شتات من معارضي الخارج في تنظيمات، شاركت في اجتماعات موسكو أو لقاءات أستانة بجمهورية كازاخستان.

إن الخطوة الأكبر في ارتكابات روسيا في الموضوع السوري، كانت تدخلها العسكري الذي باشرته أواخر الشهر الماضي، تحت شعار الحرب على «داعش»، وقامت تحت الشعار بإرسال قوات جوية وبحرية وبرية وخبراء وأسلحة إلى سوريا، لتستقر في قواعد مغلقة على وجودها، وركزت طائراتها على قصف مدن وقرى مناطق المعارضة، وأماكن انتشار تشكيلات المعارضة المسلحة «المعتدلة» التي حاربت «داعش» في العامين الماضيين، وامتدت خريطة عمليات الطائرات الروسية من حمص في الوسط إلى حلب في الشمال مرورًا بحماة وإدلب، قبل أن يشمل القصف ريف دمشق ومناطق من درعا والقنيطرة، وكلها خارج وجود «داعش»، التي لم تستهدف الطائرات الروسية معاقلها إلا بنحو عشرة في المائة من عملياتها، التي تجاوزت الألف عملية في الشهر الأول من التدخل الروسي.

آخر الارتكابات الروسية في سوريا، سعي موسكو لإدخال إيران في عملية الحل السياسي، التي أطلقتها اجتماعات «فيينا1» الرباعية مؤخرًا، التي ضمت روسيا والولايات المتحدة وتركيا والسعودية، وقد تدخلت موسكو خاصة لدى واشنطن للموافقة على حضور إيران ودول أخرى في «فيينا2»، بدعوى أن حضورها ضروري للتوصل إلى الحل في سوريا. رغم أن إيران هي طرف مباشر في الصراع السوري إلى جانب نظام الأسد، ترى رأيه في الحل العسكري الأمني، وترفض الحل السياسي للقضية السورية، ولم يسبق أن وافقت على بيان جنيف لعام 2012 الذي يشكل أساس التوافق الدولي الوحيد على الحل، والقاعدة التي انعقد على أساسها «جنيف2» عام 2014، الأمر الذي يعني أن إيران أبعد الأطراف الإقليمية عن المشاركة في الوصول إلى حل للقضية السورية، وقد قدمت لحضورها اجتماع «فيينا2» بالإعلان أن رحيل الأسد خط أحمر في الحل السوري بخلاف الإجماع الدولي القائم على أن رحيله أمر ممكن كما يرى الروس، أو هو مطلوب كما ترى الأكثرية الدولية بعد كل ما ارتكبه من جرائم، تعدت آثارها سوريا، وتجاوزت السوريين إلى المحيط الإقليمي والأبعد منه في المحيط الدولي.

خلاصة القول، في الموقف الروسي حيال القضية السورية، إن ارتكابات موسكو كثيرة ومتواصلة، وإنها أضرت بالسوريين وسوريا نتيجة وقوف موسكو إلى جانب نظام الأسد. غير أنه، ورغم كل الارتكابات، لا يمكن تجاهل التأثير الروسي على القضية السورية ودور موسكو في الحل الذي يمكن أن يحصل في سوريا، دون أن يعني ذلك الاستسلام للموقف الروسي من جانب السوريين والمجتمع الدولي على السواء.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

 

 

===============================

 

 

 

المناورة الروسية في الحل السوري/ غازي دحمان

يؤشر تواتر وتزايد موافقات الأطراف الإقليمية والدولية على القبول ببقاء بشار الأسد رئيساً في سورية فترة انتقالية محددة إلى وجود قرار روسي جرى إبلاغه، عبر القناة الأميركية إلى جميع المعنيين، بفتح باب المساومة حول سورية، كما أن زيارة الأسد نفسه إلى موسكو استخدمتها روسيا تبليغاً له بهذا الأمر، وكان رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ديميديف، قد قال إن بلاده تدافع عن مصالحها الوطنية، وليس من أجل بقاء شخص، فيما يشبه توضيحاً لخريطة الطريق الروسية في سورية.

تبدو هذه التحركات، وفي هذا التوقيت، طبيعية ومتناسقة مع الحملة الروسية وإمكاناتها وقدرتها، فروسيا لا تستطيع الاستمرار طويلاً في الحرب، كما أنها لا تستطيع مواجهة تحالف إقليمي قد يتشكل ضدها، خصوصاً وأن المواقف القطرية والسعودية استمرت في التصعيد، وبدأت مؤشرات تظهر على الأرض حول تشكيل بنية عسكرية لمواجهة المتغير الروسي، بما فيها من بناء تحالف عسكري من القوى الفاعلة على الأرض السورية، وقوى إقليمية مساندة، وطرق إمداد ومصادر تسليح ونوعيات أسلحة مضادة. وبالتالي، أرادت روسيا استباق هذا التطور ومنع تشكله. إضافة إلى تنامي المؤشرات عن دراسة الدول الغربية خيارات عدة للرد على التصعيد الروسي، ولعل الأهم من ذلك كله أن موسكو اكتشفت العطب الخطير في منظومة الأسد ومليشيات إيران واستحالة إصلاحه. وبالتالي، استحالة تحقيق نتائج مهمة على الأرض، والاستمرار بهذه الوضعية مغامرة وتوريط مستقبلي.

وعلى أهميته، لا يعني ذلك أن روسيا مستعدة للقبول بأي حل، بل تريد أن تبني الحل على نتائج ما تعتقد أنها حققته ميدانياً، ومحاولة تحويل مكاسب عسكرية أولية إلى رصيد سياسي، بإطلاق العملية السياسية بشروطها، حيث يعتقد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنه وبعد ثلاثة أسابيع من الضربات الجوية استطاع إحداث مناخ يتيح الذهاب نحو حل سياسي (واقعي)، يتأسس على الحقائق التي صنعها على الأرض، بحيث يتسنى له إلغاء وثيقة جنيف التي ترجح دوراً أهم للمعارضة في أي حل سياسي.

على ذلك، فإن موسكو بصدد بناء موقف تفاوضي، يقوم على مناورة واسعة، تستخدم فيها جملة من الأوراق، منها استخدام ورقة بشار الأسد ورحيله. في مقابل هذه الورقة، تجهز موسكو بدائل تحقق مصالحها بدرجة كبيرة، ترتكز على عدد من أوراق القوة، وجودها الميداني، وتحالف الأقليات الذي صنعته في المنطقة، والذي جمع في مكوّناته المسيحيين، باعتبار أن بوتين يطرح نفسه قائداً للمسيحيين في مواجهة التطرف الإسلامي، والشيعة ممثلين بإيران، واليهود بالتنسيق مع إسرائيل، ومن خلال هذه الأوراق، تتطلع روسيا إلى فرض رؤيتها للحل، وتفصيله على مسطرة مصالحها.

ولعل أول عناصر تلك الرؤية الحصول على اعتراف دولي بهيمنتها على سورية، والبادي أن

“روسيا قرّرت القيام بمناورة واسعة، هدفها إشغال العالم بمبادرات وحراك دبلوماسي، لا ثمرة إيجابية له، بقدر ما هو تضييع للوقت، وتأخير أي إجراءات ميدانية وسياسية” لدى غالبية الأطراف الإقليمية والدولية قابلية لقبول هذا الأمر، خصوصاً وأن بعضهم ينظر إلى روسيا بوصفها المخلص من النفوذ الإيراني، على اعتبار أن روسيا صاحبة مشروع جيو استراتيجي، وليس طائفياً ومذهبياً. وبالتالي، فإن الاعتراف بالهيمنة الروسية خطوة على طريق إخراج المنطقة برمتها من الصراع المذهبي الذي لا يبدو أن هناك أفقاً لنهايته. حتى إيران نفسها لا مشكلة لديها في هذا الأمر، لأنها ستكون موجودة بنفوذها وقدراتها، ويتيح لها الوجود الروسي، المشرعن إقليمياً ودولياً، إعادة ترتيب أوراقها بهدوء، لتعرف كيف تستفيد من هذه الأوضاع.

المرجح أن بوتين سيرتكز على هذا الاعتراف، بوصفه إكمال تفويض دولي، كان قد حصل عليه سابقاً في إدارة عملية سلام بين الأطراف السورية. وبناء عليه، سيتجه إلى إعادة إنتاج بنية نظام الأسد، مع إجراء تحسينات شكلية، وعلى الهامش، من قبيل تطعيمه ببعض المعارضة، وخصوصاً التي جرى تصنيعها في مؤتمرات القاهرة وموسكو. ولتدعيم هذا التشكيل، مرجّح أن يذهب إلى صياغة دستور جديد، بعد إجراء انتخابات برلمانية تحت حكم الأسد، يقوم على أساس الفدرلة لحماية حقوق المكوّنات المذهبية والعرقية، أو بطريقة أوضح تمتين وضع الأقليات داخل النسيج السوري، وتأمين حصة وازنة لها في هيكلية صناعة القرار.

ثبت بما لا يدع مجالاً للشك، وخصوصاً بعد جولة فيينا، أن روسيا قرّرت القيام بمناورة واسعة، هدفها إشغال العالم بمبادرات وحراك دبلوماسي، لا ثمرة إيجابية له، بقدر ما هو تضييع للوقت، وتأخير أي إجراءات ميدانية وسياسية، إلى حين وضع العالم أمام الأمر الواقع. وما تقوم به روسيا هو نمط من السياسات التي تهدف إلى استهلاك الوقت، واستنزاف جهود الآخرين، حيث يراهن بوتين أن إمكاناته الصغيرة لن تقف عائقاً أمام تحقيق مصالح روسيا، وفرضها طرفاً مقرراً، ما دام يملك الصبر والإرادة والقدرة على إدارة الأزمات، ومعرفة طرق الاستفادة منها.

ستتركز خطة بوتين في المرحلة المقبلة على زيادة حدة الاستقطاب عبر استمالة أطراف إقليمية جديدة، وتحييد بعضها، وسيناور كلامياً حول وجود أطراف معتدلة داخل الطيف السوري المعارض، حتى يتمكن من ترسيخ وجوده في سورية بشكل أكبر، طالما أن العالم اعترف له بمثل هذا الدور، وهو ضمن هذه الشروط لن يترك فرصة استراتيجية، كالفرصة السورية، تفلت منه ما دام أن المخاطر التي يواجهها متدنية، والأثمان التي يدفعها تبقى في إطار الممكن والمقبول.

العربي الجديد

 

 

 

 

روسيا تدخل عنق الزجاجة/ علي العبدالله

لم يحدث القصف الجوي الروسي، المكثف وشديد التدمير، أثرا كبيرا على أرض المعركة حيث لم تنجح قوات النظام وحلفائه الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين في تحقيق تقدم كبير في هجومها البري يقلب التوازن العسكري، وهذا وضع روسيا أمام خيارين قاتلين: مزيد من الانخراط في الصراع في سوريا وعليها أو الانسحاب منه. خياران أحلاهما مر، الأول له تبعات مباشرة على وضع الدولة الروسية في ضوء الخسائر البشرية المحتملة والتكلفة الاقتصادية الباهظة على اقتصاد ينوء تحت ضغط العقوبات الغربية وتراجع أسعار النفط والغاز، المصدر الرئيس لمواردها المالية، والثاني ينطوي على نتائج سياسية شديدة السلبية على النظام، ضرب هيبة النظام الذي وعد بفرض روسيا قطبا ثانيا في النظام الدولي، والدولة الروسية التي ستواجه العزلة والتراجع في مكانتها الإقليمية والدولية.

بدأت مشكلة روسيا عند رفض الدول الفاعلة في الصراع السوري إعطاء شرعية لتدخلها سواء عن طريق رفض التعاون معها او عبر المواقف والبيانات التي صدرت(بيان الدول السبع)، والبدء بارسال اسلحة متطورة الى كتائب المعارضة المسلحة، وادخلها صمود الكتائب المعارضة في عنق زجاجة حاد، فقد استطاعت احتواء الهجوم البري الذي اطلقه جيش النظام وحلفاؤه، والحقوا به خسائر فادحة، خاصة في سلاح الدبابات التي اصطادوها بصواريخ “تاو” التي وصلت مؤخرا.

لقد أصطدم التكتيك الروسي “تقديم اسناد جوي لهجوم بري ينفذه جيش النظام وحلفاؤه” بعقبات كثيرة أولها عدم فعالية القصف الجوي ضد قوات غير نظامية تنتشر بصورة كيفية، وثانيها ضعف قوات النظام التي انهكها التعب في حرب استمرت لأربع سنوات ونيف، وزاد في مأزقها نجاح كتائب المعارضة السورية في امتصاص القصف الجوي والرد بضربات موجعة لجيش النظام وحلفائه قطعت فيه الطريق على “القيصر” في تحقيق نتائج سريعة والنجاح في تعزيز موقع النظام والضغط على الغرب لقبول المقايضة، وحققت نصرا تكتيكيا في ضوء طبيعة الصراعات غير المتوازية(جيش ضد قوات مقاومة) والقاعدة الحاكمة له:”ينهزم الجيش عندما لا ينتصر، وتنتصر المقاومة عندما لا تنهزم”. وهذا مع الأخذ بعين الاعتبار موقف بوتين النفسي الرافض للتراجع او القبول بالهزيمة سيقودنا الى توقع انخراط روسي اكبر في الصراع في سوريا وعليها يفتح الباب لاحتمالات التورط في حرب طويلة الامد في ضوء اعلان دول داعمة للمعارضة انها لن تسمح بهزيمتها وانها ستقدم لها اسلحة متطورة مع عدم استبعاد تزويدها بصواريخ أرض جو، اعلان واشنطن والرياض بعد زيارة كيري الى الاخيرة، وتصريح وزير خارجية قطر عن الاستعداد لتدخل عسكري تركي سعودي قطري في سوريا.

لم تجد روسيا في مواجهة عدم تحقيق نتائج حاسمة في الهجوم البري الموازي لقصفها إلا زيادة عدد الطائرات المشاركة في القصف، ارتفع العدد إلى 100 طائرة، بالإضافة إلى المروحيات الهجومية، ورفع وتيرته بالقصف ليلا ونهارا، على أمل تغيير الصورة بما يسمح بتحقيق مطالبها بخصوص الحل السياسي على خلفية القاعدة الذهبية للتفاوض: “يحقق المفاوض على طاولة المفاوضات ما يعادل وضعه على ارض المعركة”. وقد أعترف الرئيس الروسي بوتين في كلمته يوم 22 الجاري أمام مؤتمر”فالداي”الذي عقد في مدينة”سوتشي” الروسية، وشارك فيه محللون وخبراء دوليون بضالة المكاسب التي تحققت بقوله:”لم يتمكن شركاؤنا من إنجاز أي عمل فعّال هناك، بخلاف قواتنا التي حققت بالفعل بعض النتائج الملموسة”.

لذا ذهب لافروف الى فيينا حاملاً اقتراحات لحل سياسي للصراع في سوريا وعليها، وبدأ بمغازلة الجيش السوري الحر عبر ابداء الاستعداد لتقديم دعم عسكري في مواجهة “داعش”، في محاولة واضحة لاستثمار الزخم العسكري الروسي في المساومة، والعمل على اعادة صياغة الاصطفافات العسكرية قبل ان تحصل انتكاسة عسكرية للنظام وحلفائه بدت مؤشراتها في الظهور، وزاد في وتيرة تحركاته الدبلوماسية لاستكشاف السقوف السياسية للدول للمعارضة وحلفائها (اتصل بوتين بالملك سلمان مرتين خلال خمسة ايام) عله يخفف من حدة رفضها للاقتراحات الروسية، وخاصة حول الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية التي يبقى فيها رأس النظام في السلطة، وينجح في انهاء تدخله في مدة قصيرة.

وقد زادت عودة رأس النظام  الى الحديث عن القضاء على الارهاب قبل الحديث عن حل سياسي في تعقيد المأزق الروسي، ووضعه أمام تحديات مركبة من موقف المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، الى موقف الدول الاقليمية المعارضة لبقاء رأس النظام في السلطة وترشحه في انتخابات رئاسية مقترحه، واعلان مصر، على لسان وزير خارجيتها سامح شكري، ان المملكة السعودية تمثل الاجماع العربي خلال اجتماع فيينا لحل الازمة السورية، الذي اجهض محاولة لافروف للالتفاف على الموقف العربي عبر الدعوة لاشراك مصر والاردن وايران في الاجتماع القادم، وموقف ايران التي ماتزال تفكر بمنطق سحق المعارضة كما فعلت هي عام 2009، والنظام الذي مازال يعيش على حلم “الابد” الذي روج له طوال عقود، حتى دول حليفة لها من دول الاتحاد السوفياتي السابق، والصين كذلك، نأت بنفسها عن تأييدها، فروسيا التي تعاني من تناقض في بنيتها بين قدراتها العسكرية والاقتصادية، حيث مازال الوصف الذي أطلق على الاتحاد السوفياتي:عملاق بساقين واحدة جبارة(العسكرية) وأخرى هزيلة(الاقتصادية) ينطبق عليها، ما يجعل تفكيرها بالعودة الى لعب دور قوة ثانية في النظام الدولي، بالتساوي مع الولايات المتحدة أو الى جوارها، نوعا من حلم يقظة للترابط العضوي بين القوتين العسكرية والاقتصادية في قيام القوة العظمى، كان المؤرخ الأمريكي بول كنيدي قد استنتج من دراسة تجارب القوى العظمى التي قامت خلال خمسمائة سنة قانونا حاكما لقيام وسقوط القوى العظمى مفاده: اقتصاد قوي يمول جيشا ينتشر في الخارج، وتراجع القدرة المالية للصرف على الانتشار العسكرية في الخارج يضع القوة العظمى على طريق السقوط، فاستمرار الصراع الروسي الغربي لبعض الوقت، ومشاركة القوات الروسية في القتال في أوكرانيا وسوريا، مع احتمال انخراطها في القتال في العراق، سيقود إلى تآكل الكتلة النقدية الروسية المتبقية ويدفعها إلى حافة الإفلاس. وهذا أثار هواجس ومخاوف المواطنين وعمّق الهوة بينهم وبين السلطة، وهي حالة لا تنسجم مع أدبيات النظام الشعبوي، وبطله الأوحد فلاديمير بوتين، الذي يعتمد على إثارة حماسة المواطنين وتعصبهم القومي لحشدهم خلفه، سعى إلى تحصين نفسه من غضبة الشعب بـ “تسويق” توصيفه للوضع الذي آل إليه الروس باعتباره جزءا من مؤامرة غربية تُحاك ضدهم.

ليس أمام موسكو الا خيار عن النزول عن الشجرة والقبول بمطالب المعارضة السورية والدول الحليفة لها بتطبيق بيان جنيف واحد والبحث عن حلول مقبولة للبنود المختلف عليها، كخيار وحيد بديل عن الغوص في مستنقع غير معروف النتائج.

المدن

 

 

 

عن روسيا في سوريا/ ثائر ديب

بنقلةٍ واحدة شبه مفاجئة، باتت روسيا ركناً أساساً ومقرّراً في أيّ تفاوض يمكن أن يجري في شأن سوريا. وما إن حطّت طائراتها على الأرض السورية حتى باتت قطباً رئيساً تتجه إليه الأنظار في كلّ عمل دبلوماسي وسياسي وعسكري يتعلّق بالوضع السوري. ومع متابعة تطوّر الأحداث العسكرية والسياسية التي باتت مرتبطة بالتدخّل الروسي، راحت التحليلات والتكهنات تتسابق وتتنازع بمنطق أو من دون منطق، جاعلةً من فهم التدخّل الروسي، لا من التدخّل وحده، محلّ صراع وصراخ شديدين، شأنه شأن جميع القضايا في المسألة السورية.

غير أنّه رغم الصراع والصراخ، تبقى ثمّة أمور عديدة (نتناول هنا سبعةً منها) يصعب أن يُمارَى فيها بصدد التدخّل الروسي في سوريا. ويمكن لتأكيدها وفهمها أن يساعدا في تحويل ما يجري الآن إلى فرصة لخروج السوريين من محنتهم بدلاً من الاكتفاء بالشجب والندب أو بالتهليل والترحيب، والتخندق في معسكرات قد لا يعلم المتخندقون فيها أنّ أصحابها قد طووا خيامها منذ زمن، ولم تعد تُسمَع سوى أصواتهم وهم يبتعدون.

أول هذه الأمور هو أنَّ بمقدورنا أن نستدلّ بدقّة على الحدّ الأدنى المقبول روسياً في سوريا من مواقف الدول الغربية والعربية خصوم روسيا، وهي مواقف تسلّم بالوجود الروسي ولا تكاد تناقش سوى حيثياته وتفاصيله. وقد رافقت هذه المواقف بداية التدخّل مثل خلفية موسيقية عزفتها حتى تركيا والسعودية فضلاً عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وجرى التأكيد فيها على أولوية محاربة الإرهاب وضرورة الحلّ السياسي ومرحلة انتقالية يكون للرئيس السوري دور فيها، والاختلاف على أمد هذه المرحلة فحسب.

ثاني هذه الأمور هو أنّ ثمة خطاباً تسويغياً واضحاً يرافق التدخّل من دون أن يُخفي أنَّ القوة وموازينها هي الفيصل في النهاية. ويقوم هذا الخطاب على جدل قديم، نظري وسياسي وعسكري، ربما يعود في شكله الحديث إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، بين «القانون الدولي» و «السيادة الوطنية» وكيفية بناء علاقات دولية تراعيهما معاً ولا تنتهكهما إلا في حال وجود خطر دولي كالنازية أو الإرهاب. وهذا أمر يمكن العودة إليه في وثائق عصبة الأمم والأمم المتحدة وكثير من المذاهب والعقائد التي تحمل أسماء أصحابها، وشاعت في السياسة الدولية. من هنا كان حرص الروس على أن يجري التدخّل بطلب من الرئيس السوري الذي لا تزال الأمم المتحدة تُعِدّ حكومته الحكومة الشرعية. ومن هنا تأكيد السياسيين الروس المتواصل على أنّ روسيا، بخلاف غيرها، لا تنتهك سيادة الدول الأخرى ولا تخرق القانون الدولي. وبالطبع، فإنّ كون القوة وموازينها هي الحاسمة في نهاية المطاف لا يُلغي أهمية وجود هذا الخطاب في الدلالة على مبتغيات الروس وأطر تدخّلهم.

ثالث الأمور هو أنّ السياسة الروسية حيال سوريا باتت تتحرّك بين قطبين متعارضَيْن بمعنى ما: قطب التدخّل العسكري لقوة عظمى تُهْزَم، وقطب الحلّ السياسي الذي يطلق مرحلة انتقالية. وكان حلّ هذا التناقض، إلى الآن، بأن جَعَلَ التدخّلُ نفسه من روسيا قطب الرحى في أيّ مفاوضات تجري بخصوص سوريا. ومن هنا ما نراه من مزاوجة بين العمل العسكري الكثيف والاتصالات الديبلوماسية المكثفة. وطبيعي أنّ هذا الجمع بين الطرفين المتناقضين (التدخّل والتفاوض) سوف يتوقف على تطور الأحداث وعلى مواقف الأطراف الأخرى المنخرطة في الصراع.

رابع الأمور أنّ تدخّل روسيا هو تدخّل لدولة عظمى رأسمالية، من نمط الدول الرأسمالية المستقلة وغير التابعة، التي نجح الشيوعيون وحدهم في بنائها في العالم الذي دُعي بالمتخلّف مع أنهم كانوا يحسبون أنهم يبنون الاشتراكية. وهذا يعني أنّ لا شيء يحول نظرياً ومبدئياً دون صيرورتها قطباً دولياً أو حتى مركزاً إمبريالياً أو سواه. وهو تدخّل يجري أيضاً في ظل نزعة انسحابية أميركية ونظام عالمي يغدو متعدّد الأقطاب فعلاً، وإن كانت الولايات المتحدة لا تزال المركز الأكيد. وبالطبع، فإنه تدخّل يجري بعد أن قصف العرب مجتمعين أيّ زهور في ما دُعي بالربيع العربي، وراحوا يُخرجون من مكبّات التاريخ صراعات دينية ومذهبية يهدرون ثرواتهم على تمويلها.

خامس الأمور أنّ أهداف روسيا من وراء تدخّلها تكاد أن تكون واضحة تماماً: حماية النظام الحليف على الأقل، إلى أن تأتي التسوية التي يجب أن تبقي سوريا مركز نفوذ لها، مع تأكيد واضح (يماثل تأكيد القوى الغربية والعربية الخصم) على ضرورة الحفاظ على الجيش ومؤسسات الدولة؛ الحيلولة مسبقاً دون تدخّل الأطراف الأخرى لفرض وقائع غير ملائمة على الأرض؛ وأخيراً ممارسة ما يقتضيه أن يكون المرء دولة عظمى سبق لها أن أفلحت في ضربات عدة كما سبق لها أن شكلت أحلافاً اقتصادية وسياسية تبدو واعدةً.

سادس الأمور هو أن تدخّل روسيا يجري في ظلّ معارضة سورية سائدة، لم تفهم معاني «الفيتو» الروسي الصيني المتكرّر، وتكاد أن تكون الآن على قارعة الطريق، تندب حظوظها العاثرة مع حلفائها وتشكّ في قدرتها على الإقناع (راجع ما كتبه د. برهان غليون على موقعه في فيسبوك يوم 25 تشرين الأول 2015)، مع أنها ما كانت لتشكّ في أيّ من هذا، حين اختارت الولايات المتحدة وأتباعها حليفاً وجعلت من روسيا وإيران خصماً وعدواً رئيساً، كما لو أن المطلوب هو تغيير تحالفات سوريا وقلبها رأساً على عقب، لا حرية الشعب السوري.

سابع الأمور وآخرها، أنّ التدخّل الروسي، وبمعزل عن محاربة إرهاب «داعش» و «النصرة» وأخواتهما، لا يستطيع حتى على المدى القريب أن يتجاهل أنّ للشعب السوري، لا لهذه المعارضة أو تلك، مطالب محقّة دفعت ثمنها أطرافه جميعاً ـ مدنيين وعسكريين، معارضين وموالين – كلّ هذا الدم والنزوح والخراب. مطالب سيظلّ العالم يتساءل طويلاً عن مدى التناقض المريع بين بساطتها وأحقيتها، وكلّ هذا القتل الذي مورس للحـــيلولة دونها: العيش بكرامة وفي دولة قانون.

السفير

 

 

 

 

 

الدب السوري والسمسار الروسي/ بشير البكر

ينشغل الإعلام العالمي والأوساط السياسية حتى اليوم بزيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى موسكو، وهذا أمر عادي أمام حدث من هذا العيار. ولكن، أن ينتشي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويتعاطى مع الحدث بوصفه إنجازاً تاريخياً، فهذا يستحق أكثر من الاستنكار. ولكي يكون المرء قادراً على اعتبار ما حصل أمراً عادياً خارج عالم الصفقات القذرة، يجب أن يمتلك القدرة على المرور قرب المأساة السورية بلا اكتراث، ولا يقيم أي وزن للأخلاق، ففي الليلة التي كان الروس فيها ينقلون الأسد إلى موسكو، من مطار عسكري قرب مدينة اللاذقية، كانت غارات طيرانهم الحربي التي تنطلق من المطار نفسه قد قتلت من الشعب السوري أكثر من ألف مدني في غضون أسبوعين، أغلبهم من الأطفال والنساء، من المفترض أنهم جزء من شعب الأسد في سورية الأسد، إلا أن الأسد كان على قدر من الكلبية ليبدو أنه غير معني بهؤلاء، فهو نتاج تربية عائلية، لا تسمح له بأن يرى من سورية غير نفسه في الحكم، مهما كان الثمن. ولذلك، ذهب إلى بوتين في موسكو، ظناً منه أنه سيظفر بآخر طوق نجاة، بعد أن رقص على الحبال كافة، ولم يتمكن من الانتصار على الثورة السورية.

لم يوفر الأسد طوال أربع سنوات وسيلة للبقاء في الحكم، وقد ظن، في بداية الثورة، أن إيران وحزب الله سيمكّنانه من القضاء على الثورة بسرعة، وتأمين حكمه في صورة نهائية. ولذا، سلم أمره لهما، فكانت النتيجة خسارة له ولحلفائه. وفي لحظةٍ حرجة، وقبل انهيار نظامه، لجأ إلى الروس، ووضع أوراقه كاملة فوق طاولة بوتين الذي قبل الدخول إلى اللعبة بشرط أن تتولى موسكو إدارة الملف السوري حصرياً، وتصبح الوصية على مصير الأسد.

ومن دون شك، تبقى الكذبة الكبرى أن الروس أخرجوا الأسد من دمشق، ليوجهوا رسالة للعالم بأنهم يتمسكون به، وهم يقاتلون في سورية من أجل بناء دولة تعددية علمانية. ينبغي أن يكون المرء مغفلاً، لكي يصدق هذه البدعة. ولنفترض أن الأمر على هذا النحو. إذن، لماذا عاملت موسكو الأسد بامتهان شديد؟ ومن يتأمل الصور التي سرّبها الروس عن بعض جوانب اللقاء بين بوتين والأسد، ويتفحص لغة الجسد في الحركات والأحاديث وتعابير الوجوه، يقع على مشاهد امتهان وقسوة من طرف بوتين ووضاعة ووغدنة من جانب الأسد.

بقي من مفاعيل الزيارة سؤال واحد، يتردد في اللقاءات الدولية التي تلتها، يتعلق بمدى تمسك موسكو بالأسد. ومنذ ذلك الحين، تسربت عدة روايات، جزم بعضها بأن موسكو أبلغت واشنطن بأنها حصلت على تعهد من الأسد بمغادرة الحكم. وبعض آخر تحدث عن رفض موسكو تقديم تعهدات بالضغط على الأسد، من أجل الخروج من المشهد. وعلى الرغم من الغموض غير البناء، فإن الثابت هنا أن موسكو تفاوض على جلد الأسد، فهو، في حساباتها، وقع في الفخ من تلقاء نفسه، لكنها لن تبيع هذه الورقة بأي ثمن، وهي تعمل على المستويين، الميداني والسياسي، لاستثمارها، لأن دخول روسيا إلى سورية غيّر من المعادلة، وبات الروس يتعاطون مع بقية الأطراف على أساس أنهم من يمسكون بمفاتيح الحل. ولكن، في حقيقة الأمر، لا تملك موسكو سوى جلد الدب السوري، لأنها، ببساطة، ليست هي الطرف المقرّر على الأرض السورية. ولهذا، تحاول، بعد شهر من تدخلها، مهادنة المعارضة السورية المسلحة الوازنة ميدانياً بعد أن فشلت في ضربها.

في معادلة بوتين والأسد، يصح الإسقاط على السمسار الروسي، الذي ينتظر الثمن المناسب لجلد الدب السوري.

العربي الجديد

 

 

 

هل يثق السوريون بروسيا؟/ د. رياض نعسان أغا

تريد روسيا أن تظهر باحثة عن حل للقضية السورية، ومن الواضح أن المجتمع الدولي منحها فرصة أن تجرب، والمفارقة أن جل اللقاءات التي حدثت مؤخراً للبحث عن حل كان الغائب الوحيد فيها هو الشعب السوري، كأنه القاصر الذي يرسم مصيره الأوصياء عليه حتى دون مشورته! ويختلف المتحاورون حول أسرار التدخل الروسي العسكري في سوريا، فبعضهم يرى أنه تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وآخرين يرون أن تم عبر إعلامها به دون تنسيق. ولكن المعلن المؤكد أن روسيا لم تنسق بدقة سوى مع إسرائيل، وزيارة نتنياهو الأخيرة لموسكو عبّرت عن ذلك بوضوح، وهذا ما دعا كثيراً من السوريين إلى الظن أو اليقين بأن مفتاح القضية ليس في موسكو ولا في واشنطن، فهو بيد إسرائيل وحدها، وهي لا تريد أن تعطي فرصة للحل والنهاية قبل أن ترى سوريا كلها دماراً وخراباً، بما يضمن لها خروج سوريا من التاريخ والجغرافيا لعقود طويلة ينشغل خلالها السوريون بإعادة الإعمار، وبحزمة من الصراعات التي ستعيق الإعمار والاستقرار على غرار ما يحدث في العراق البلد النفطي الذي تتجاوز ميزانيته 115 مليار دولار، ورغم ذلك لم يستطع بعد حل مشكلة الكهرباء، فكيف بسوريا التي ستحتاج إلى مئات المليارات وميزانيتها لا تتجاوز سبعة مليارات دولار.

وحين تنسق إسرائيل أمراً فإن الولايات المتحدة وبعض أصدقاء سوريا يكتمون مشاعرهم إن كانت صافية، ولكنهم لا يخرجون إلى موقف مضاد أو مناهض، وهذا ما يفهمه الرئيس بوتين جيداً، وبالطبع لن أعلق الفاجعة السورية على المشجب الإسرائيلي، ولكن إهمال رؤية دور إسرائيل (الخفي حيناً والعلني حيناً آخر) في عرقلة الحل سيكون سذاجة.

والعالم يعلم أن إسرائيل هي التي أوحت بدق طبول الحرب بعد جريمة الكيماوي في الغوطة، وهي التي أوقفتها بتسليم الكيماوي، وقيل يومها (خشية أن تقع هذه الأسلحة الخطيرة في اليد الخطأ) وربما بدا من طرائف الموقف الروسي اعتراضه يوم الأربعاء الماضي على مشروع قرار فرنسي بريطاني إسباني قدم لمجلس الأمن لمنع القتل بالبراميل المتفجرة، حيث اعتبرت روسيا أن إنهاء القتل بالبراميل يعيق محادثات السلام الجارية، بمعنى أن قتل المزيد من المدنيين والأطفال والنساء بالبراميل يساعد على تحقيق حل سلمي!

وقال بعض المحللين: لقد جاءت روسيا لتضرب على طاولة المجتمع الدولي وتقول «انتهى زمن إهمال روسيا وتهميشها، وسنجعل الغرب يرضح لحضورنا في أوكرانيا وفي سوريا معاً، وسنكون أقوياء وشركاء في القرم وفي المتوسط»! ويقول آخرون إن الولايات المتحدة تريد أن ترى الروس يجربون، ويغرقون، فإن نجحوا ولم يتكرر معهم ما حدث لهم في أفغانستان فسيبقون في حالة استنزاف، وستكون بينهم وبين الإيرانيين تصفيات نهائية حول التركة تصب في صالح الغرب! ويرى آخرون، وأنا منهم، أن إسرائيل لا تريد أن ترى إيران على حدودها، فعلى رغم كل الود الخفي الراهن، والأمان الذي أخذه «حزب الله» من إسرائيل حين أفرغ الجنوب اللبناني وأخذ قواته إلى محاربة السوريين دون أي قلق من أن تستغل إسرائيل ما حدث من فراغ عسكري، فإن التكتيك شيء والاستراتيجية شيء آخر، ومن التكتيك الجيد لإسرائيل أن يصرف الإيرانيون و«حزب الله» طاقاتهم في قتال السوريين. لكن ليس من الاستراتيجية أن يصيروا هم حرس الحدود، فالروس أولى. وفي هذا الخضم من التأويلات يطلب الروس من السوريين أن يثقوا بهم، وأن يطمئنوا إلى حل تقدمه لهم روسيا وهي تتابع محنة السوريين وتعطل مشروع قرار بوقف قتلهم حتى بالبراميل.

أجزم بأن السوريين لا يثقون إلا بقدرتهم على الصمود وعلى التضحيات وعلى مقاومة كل عدوان، وبعد أن فقدوا مليون شهيد ومقتول، وبعد أن دمرت مدنهم وشرد شعبهم لم يعد لديهم ما يخشونه، لقد باتت سوريا الأرض اليباب التي لا تثمر إلا كرامة شعبها، وكل ما يقال عن مرحلة انتقالية يقودها من تقطر يده دماً هو إضاعة للوقت أو كسب روسي لوقت جديد يسفح فيه نهر دماء جديدة، وإن أصرت على حلمها بإعادة الشعب السوري إلى حظيرة الطغيان فلن يتحقق حلمها حتى ولو قتلت مليون سوري آخرين سيقاتلون «داعش» والتطرف والإرهاب والمحتلين جميعاً، ولم يعد الموت حدثاً مخيفاً للسوريين، وقد أعلنوا أنهم يفضلون الموت على المذلة.

الاتحاد

 

 

 

 

===============

 

 

 

أوباما ـ بوتين وحكاية التشوش الذهني/ مهران سالم()

لأسباب مغايرة ومختلفة، لم يخطئ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين اتهم واشنطن بـ «التشوش الذهني«، لجهة تعاطيها مع «الأزمة السورية«، بيد أنه جانب الصواب تماماً، عندما اتهمها بـ«عدم التعاون«(!) مع بلاده لحل النزاع السوري. فواحدة من أهم علامات «التشوش الذهني« للإدارة الأميركية، كان الكيفية والطريقة التي «تعاونت« بها مع موسكو لحلّ هذا النزاع!.

انتقادات بوتين، آنفة الذكر، لواشنطن وبقية العواصم الغربية، تزامنت مع مضاعفة أحدث مقاتلاته الحربية غاراتها على مناطق المعارضة في سورية، (وليس داعش)، فالرجل يعرف ما يريد فعلاً، فهو منذ بداية الحراك الاحتجاجي في سوريا وقف، قلباً وقالباً، إلى جانب الرئيس بشار الأسد ونظامه الحاكم في دمشق، فيما زعمت واشنطن أنها «صديقة« للشعب السوري، بل وطالبت الأسد بالرحيل، لكنها لم تقرن ذلك بأي موقف عملي على الأرض، يدلّل على جديتها اللازمة لتحقيق ذلك؟!.

موسكو كانت تعرف حقاً ما تريد، وعملت بكل ما أوتيت من قوة لفرض رؤاها ومواقفها، في كل المحافل الدولية والإقليمية، من دون تردّد أو تلعثم، ولم ترتعش يداها أو تتأرجح، كما كانت تفعل غيرها من العواصم الغربية. وعندما بدا لها أن حليفها في دمشق بدأ يترنح ويوشك على السقوط، لم تتوان ولم تتأخر عن نجدته، فحضرت بكامل آلتها الحربية التدميرية، لتغيير «قواعد اللعبة الميدانية« على الأرض، ولم تكتف هنا بـ«ظهورات« لافروف ودفاعاته الدائمة عن نظام دمشق، إلى الحد الذي أوشكنا معه أن نعتقد أنه هو وزير خارجية الأسد وليس وليد المعلم (المنهك بأحمال وزنه وشحومه الزائدة!).

فحين يطالب رئيس أقوى دولة في العالم رئيساً أن يرحل، ولا يملك القدرة ولا الإرادة لإرغامه على فعل ذلك، فهذه علامة كذلك على التشوّش الذهني، وليس التردد فقط!.

وحين يضع هذا الرئيس «خطاً أحمر«، ويجري تجاوزه دون أدنى احترام لواضعه، فهذه علامة أخرى على التشوش الذهني، وليس فقدان الهيبة فحسب!.

وحين تمّ الاتفاق على نزع سلاح دمشق الكيماوي، بين الوزير الأميركي كيري ونظيره الروسي لافروف، فقد تمّ ذلك على أساس منع واشنطن من توجيه ضربات عسكرية لقوات الأسد العسكرية من جهة، ومن منطلق أن لا حلّ عسكرياً للأزمة السورية من جهة أخرى، فكيف تسمح موسكو الآن لنفسها بتجاوز «المبدأ« الذي قام عليه هذا «الاتفاق«، دون أن تأبه لردّ فعل «شريكتها« الرئيسية فيه؟. ثم حين يكتفي سيد البيت الأبيض بنزع السلاح الكيماوي من يد النظام السوري من دون اشتراط أن يتضمن ذلك إطلاق مرحلة انتقالية، تنتهي برحيل المسؤول الأول عن استخدام هذا السلاح، أو تقديمه للعدالة، ألا يعني هذا اسباغ الشرعية على من فعَلَ ذلك، والتسليم العملي ببقائه واستمراره، وهو ما فهمته وأدركته جيداً، وعملت وفقه القيادة الروسية الطامحة إلى استعادة أمجادها الضائعة!. ثم ألا يدلّ هذا كله على درجة من درجات التشوش الذهني، وليس الخطأ الإجرائي أو التكتيكي في العمل الديبلوماسي فحسب؟!.

وعندما اتفقت كلٌ من موسكو وواشنطن على وثيقة «جنيف1»، هل تعمدّت العاصمتان أن تتركا، لكل المعنيين داخل سوريا وخارجها، وبخاصة من السوريين الحائرين في كيفية «تمضية وقتهم وما تبقى لهم من فرص في الحياة«، لغز «عقدة الأسد« ودوره في المرحلة الانتقالية، لـ«تزجية« الوقت والتلهي في احتمالات وطرائق حلها وتجاوزها؟!. ثم ما هو مصير هذه الوثيقة «التاريخية« بعد التدخل القيصري «الناعم« في هذا البلد؟.

ثمّ حين يكتفي رئيس القوة العظمى في العالم بدور المحلل «الاستراتيجي«، الذي يشرح لنا كم من الممكن أن تطول الأزمة السورية وتستمر؟ وكيف على الأطراف الفاعلة فيها أن تجلس إلى مائدة المفاوضات وتتحاور بشأن هذه الأزمة وسبل حلها؟ بما في ذلك أنّ على موسكو أن «تقتنع« بالتخلي عن دعمها للرئيس الأسد، وبأنّ على «قاتل الأطفال والأبرياء« أن «يقتنع« كذلك بأن لا دور له في مستقبل سوريا؟! ألا يؤشر هذا إلى قدر لا بأس به الاضطراب والتشوش الذهني، الذي يمكن أن ينقل عدواه حتى إلى المتابع والمراقب نفسه؟!.

وللتذكير فقط، فعندما كانت إدارة أوباما تلهث وراء عقد اتفاقها النووي مع إيران، فإنها لم تحرك ساكناً حين فرضت طهران حليفها نوري المالكي، زعيم «دولة القانون«، رئيساً للوزراء للمرة الثانية في بغداد عام 2010، على رغم أن سياساته المذهبية هي التي أفضت إلى قيام «دولة الخلافة« في الموصل، قبل أن تتمدّد إلى مساحات شاسعة في كل من العراق وسوريا!. كما لم تتحرك هذه الإدارة قيد أنملة في مواجهة الدعم السياسي والعسكري والمالي الذي أغدقته روسيا وإيران على النظام السوري؟. كما أنها قبلت أن تحجز لنفسها مقعداً بين مقاعد المتفرجين، الذين يتسلّون بمراقبة التمدّد الحوثي (ومن خلفه الإيراني) في اليمن؟!.

بعد كل ذلك، كيف لنا أن نصدّق كيري عندما يتحدث عن «مسؤولية« واشنطن في «محاولة تجنّب التدمير الشامل والكامل لسوريا وتداعياته السلبية«؟، وكيف سيكون بوسعنا أن نحترمه ونصدّقه عندما يشير، خصوصاً، إلى المسؤولية و«المصلحة الأخلاقية« لبلاده في البحث عن «وسيلة لتجنّب أن تتفاقم الكارثة الجارية أكثر«، في سورية؟!.

أما بالنسبة للرئيس بوتين، وبصرف النظر عن دوافع وخلفيات دخوله «المجوقل« إلى سورية، ولافتات مكافحة «الإرهاب« التي يرفعها مبرراً هذا التدخل، فيمكن القول بكل اختصار وبساطة؛ إذا كنت قد جئت إلى هذه البلد لإنقاذ ما تبقى من الدولة السورية حقاً، فإن الطريق، أو السبيل المفضي لذلك معروف، ولا حاجة إلى التذاكي أو الاجتهاد بشأنه؟، أما إذا كنت قد قدمت لإنقاذ حليفك الأسد وحده، واستمرار فرضه قسراً وكرهاً كرئيس، فإن طريقك إلى ذلك ستكون شاقة وصعبة، وربما مستحيلة ـ وقد يصحّ هنا الحديث عن الاستدراج وإيقاع «الدببة« في المصيدة ـ ومن ينزلق إلى هذا «المستنقع«، سوف لن يقل «تشوّشاً واضطراباً ذهنياً« عن الآخرين؟!.

() كاتب من سوريا

المستقبل

 

 

 

 

 

سورية فيديرالية” برعاية روسيا و”الحرس القديم”/ جورج سمعان

التدخل الروسي في سورية محكوم بسقف زمني. سقف تحمكه اعتبارات سياسية وعسكرية واقتصادية. هذا ما كرره الرئيس فلاديمير بوتين. أكد أن التدخل «محدود زمنياً». حتى نهاية السنة. لا يرغب في انخراط ميداني مفتوح. لذلك استعجل إطلاق المسار السياسي بحثاً عن تسوية. وكان لقاء فيينا قبل ثلاثة أيام إقراراً بالتخلي عن أولوية الحرب على الإرهاب. وهو ما تمسك به الكرملين في لقاء جنيف الثاني. وما كان النظام في دمشق يكرره حتى الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد لموسكو، مطلع الأسبوع الفائت. إنها خطوة تلتقي مع إصرار خصوم النظام في الداخل والخارج على وجوب إطلاق المسارين معاً. بات الجميع مقتنعين بأن لا إمكان لمواجهة الحركات الجهادية من دون حشد كل الجهود في هذه المواجهة. ويستلزم ذلك، كما صرح المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، انجاز تغيير سياسي.

هذا التغيير في سلم الأولويات ليس وحيداً. أطلقت الديبلوماسية الروسية تصورها للتسوية. ولعل أهم ما في النقاش الدائر اليوم هو مصير الرئيس الأسد ودوره في مستقبل سورية. لم يعد ممكناً إطلاق القطار من دون التفاهم على هذه النقطة. هي البداية. وهذا تطور كبير. لن تعلن موسكو أو تكشف علناً على الأقل موقفها من هذه النقطة، البند الرئيس في الحوار المقبل. ليس مألوفاً في أي مفاوضات أن تكشف الأطراف المعنية كل أوراقها. تظل هذه رهن مسيرة الحوار. ولو لم تكن هناك أفكار نضجت وتشكل قاعدة انطلاق لما دعا الرئيس بوتين نظيره السوري إلى لقاء عاجل ومفاجىء. أراد أن يسمع منه، وأن يُسمعه أيضاً تصوره لعناوين الحل. لم يكشف ما دار بينهما. اكتفى بالقول غداة اجتماعهما أن الرئيس الأسد استحسن فكرة دعم قواته فصائل مسلحة على الأرض تحارب الحركات الإرهابية. تماماً كما تساعد القوات الروسية الجيش السوري. لكن عودة إلى الوراء ربما كشفت بعض ما دار في اللقاء.

لم تخف الديبلوماسية الروسية استياءها من تصرف وفد النظام السوري إلى لقاء موسكو الثاني الربيع الماضي. إذ لم يبد أي اهتمام بسعيها إلى تحقيق اختراق وإن صغير في جدار الأزمة. وترجم الكرملين هذا الاستياء بارسال موفد رفيع إلى دمشق حاملاً أسئلة محددة إلى الرئيس الأسد مباشرة: كيف يرى إلى مستقبل الحملة العسكرية في ظل استحالة الحسم الميداني؟ وما هي رؤيته لعناصر أي تسوية سياسية. لكن الرئيس بوتين لم يحصل على أي جواب. وهو ما دفعه إلى تأخير بعض شحنات الأسلحة إلى سورية اعتبرت بمثابة إنذار أو تعبير عن امتعاض كبير. وكانت رسالة لها تداعياتها على الصعيد الميداني. وقد أظهر التدخل العسكري الروسي المباشر أهميته وفاعليته في وقف تقهقر النظام وقواته وحمايته من التداعي. لذلك من الطبيعي أن يكون الرئيس بوتين قدم تصوره للتسوية وعناصرها. لا يحتاج إلى فرضها على ضيفه، ما دام الأخير يدرك لغة التخاطب الديبلوماسي وأعرافه. وبدا واضحاً من لقاء فيينا أن البحث تركز على المرحلة الانتقالية وجدولها الزمني ودور الأسد فيها ومدة بقائه حتى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

لم يكشف الرئيس بوتين كل أوراقه أمام ضيفه. وكذلك فعل وزير خارجيته سيرغي لافروف في فيينا. لن يكشف الروس تصورهم لخروج الرئيس الأسد. هم مقتنعون بأن بقاءه يبدو مستحيلاً، بل عقبة رئيسية في وجه التسوية. يبقى ترتيب خروجه. وهذا أمر منوط بتقدم المفاوضات التي لن تتوقف. ثمة إجماع على قيام مرحلة انتقالية. ولا شك في أن الرئيس السوري سمع ما عليه أن يقدم من صلاحيات وتنازلات إلى الهيئة الإنتقالية. ويمكن القول هنا إن الصلاحيات العسكرية والأمنية لم تعد عقدة صعبة. بات أمر هيئة الأركان وإدارة الحرب بأيدي الجنرالات الروس المنخرطين في القتال وفي إعادة تأهيل المؤسسة العسكرية وهيكلتها. بل هم يسعون إلى استعادة زملاء لهم باتوا خارج الخدمة الميدانية والاستخبارية ليشكلوا أداة استشارية تكون لها كلمة مسموعة في أداء المؤسسة ومهماتها ودورها المقبل في أي تسوية. والأرجح أن في ذهن الروس بعث «الحرس القديم» مع انتهاء حكم «البعث». وأن تؤول وزارة الدفاع إلى ما يمثل هذا الحرس، إلى الأقلية العلوية لمزيد من طمأنتها وباقي الأقليات. وليس قليلاً أن يطرح الوزير لافروف فكرة دمج فصائل «الجيش الحر» في الجيش النظامي. ومعروف أن هذه الفصائل التي يصنفها الجميع بأنها معتدلة يقدر عديدها بنحو عشرين ألفاً في المناطق الشمالية للبلاد. ونحو أربعين ألفاً في «الجبهة الجنوبية» التي تلقى دعماً من الأميركيين وبعض الدول العربية المعنية. أي أن عناصرها قد تضاهي عدداً القوات النظامية المنخرطة في القتال. لكن السؤال هنا ما الذي سيقدمه لافروف لإقناع هذا «الجيش» بعرضه السخي بعد كل التضحيات التي قدمها، أم أن ثمة خطة لشقه وتبديد فصائله؟

وقبل لقاء فيينا، نشطت موسكو منذ بداية تدخلها العسكري، بحثاً عن شخصيات لتولي رئاسة الحكومة في المرحلة الانتقالية. وطرحت نحو ثلاثة أسماء بينها فاروق الشرع من الداخل وشخصية مقبولة في الخارج وآخر مسؤول سابق من حلب. وتردد أن بعض أطياف «الائتلاف الوطني» أبدى استعداداً للقبول بنائب الرئيس «الغائب» أو «المغيب» عن المشهد السياسي منذ توليه إدارة أول حوار مع بداية الأزمة. ولم تبد أطياف معارضة اعتراضاً كبيراً. بل إن روسيا ألحت على النظام لكسر الطوق المضروب على الشرع. وواضح من تحركاتها أنها تسعى إلى بناء منظومة تشكل عماد النظام المقبل، على غرار بعض الأنظمة القائمة في الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى: ديموقراطية على الطريقة الروسية برموز عاصرت وتحملت مسؤوليات زمن حلف وارسو.

إذا كان الرئيس الأسد هو العقبة، فإن موسكو لن تغامر بدفن التسوية السياسية لأنها لن تغامر في تخطي السقف الزمني الذي يسمح به تدخلها العسكري. فلا طاقة لاقتصادها على خوض حرب مفتوحة، خصوصاً أن حلفاء الفصائل المعارضة لم يقصروا ولن يقصروا في مدها بما تحتاج من عتاد وأسلحة نوعية. ولو كانت روسيا واثقة من تحقيق هزيمة كاسحة لخصوم النظام لما عجلت في طرح رؤيتها للتسوية. الثابت أنها ستسعى إلى تدعيم مواقع النظام بما يحقق الأمان لمناطق وجوده من العاصمة إلى حلب مروراً بحمص وحماة وتدمر. فإذا لم تثمر مساعيها في المسار السياسي لن تغامر في مواصلة الحرب على «داعش». ويعني ذلك أنها ستقف في العقبة التي توقف عندها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. لا بد إذاً من التنازل الكبير عن الرئيس الأسد. وثمة مخارج كثيرة لرحيله. لا يتعلق الأمر بتوقيت محدد تلتزمه أمام خصومه. قد يسلك المسار وجهة تفضي إلى رحيل طبيعي. كأن تقنعه بالضغط المباشر، أو عبر الاعتماد على ضغط تمارسه حاضنته لعدم الترشح في الانتخابات المبكرة.

الخريطة الروسية لمسار التسوية تواجه بالتأكيد عقبات وحواجز وتعرجات وعراقيل جمة. ليس لأن المطلوب أولاً تفاهم مع الولايات المتحدة فقط. فالراجح أن الخلاف بين القوتين يتعلق بالوضع في العراق أكثر منه في سورية. وليس سراً أن واشنطن أتاحت لموسكو منذ البداية أن تؤدي دوراً واسعاً في بلاد الشام. وأن ما يجري في بلاد الرافدين يستأثر بسلم أولوياتها. ألم تعلن صراحة منذ قيام التحالف الدولي أن التركيز سينصب على قتال «داعش» في العراق؟ وهي تخوض صراعاً مريراً هناك في مواجهة القوى الحليفة لإيران. وتسعى إلى مساندة رئيس الوزراء حيدر العبادي والحؤول دون تمدد التدخل الروسي شرقاً. وإذا كانت رضخت أخيراً لضغوط «الحشد الشعبي» الذي أصر على المشاركة في تحرير الرمادي، فإن قرار العبادي تبني مقاتلي العشائر قوة رسمية محاولة لإقامة نوع من التوازن مع ميليشيات الحشد التي باتت تنافس الجيش النظامي وتتخطاه.

كذلك إن الاستراتيجية الروسية تتجاوز الحدود السورية. والتسوية في سورية لا يمكن فصلها عما يجري في الإقليم كله. من هنا إصرار موسكو على إشراك إيران وآخرين في لقاءات فيينا. لكن المملكة العربية السعودية وشريكاتها ستظل ترفض مشاركة طهران في أي مفاوضات ما لم تتقدم هذه خطوات تؤسس لنوع من التوازن بينها وبين خصومها العرب. أي أن تدفع نحو تسهيل الحل في اليمن. وأن تكف عن تمدد حلفائها تحت الرايات المتعددة للحرب على الارهاب، سواء في العراق أو سورية. أي أن تعترف بأن سياستها لم تتح لها إطلاق يدها في المنطقة، بقدر ما تسبب لها استنزافاً قاتلاً من جهة، وتشكل تهديداً لمزيد من التفتيت والصراعات المذهبية والعرقية. صحيح أن تدخل موسكو العسكري قدم نفوذها على نفوذ الآخرين وعلى رأسهم الجمهورية الإسلامية. لكن يبقى عليها أن تترجم ذلك في بناء التوازن الغائب في بلاد الشام، وأن تترجم فعلاً انفتاحها على الفصائل المعارضة في سورية. فهل تكرر موقفها هنا كما فعلت في اليمن قبل أشهر؟ أياً كانت نتائج المفاوضات قد يجد السوريون، الغائب الأكبر عن «جنيف 1» و»فيينا 1»، أن سورية فيديرالية قد تكون الحل الوحيد المتاح!

الحياة

 

 

 

 

الأهداف الروسية في سورية بين تجريب السلاح وإيجاد التسوية/ رضا علام

طرح التدخل العسكري في سورية قبل نحو شهر أسئلة عدة لدى المتابعين، حول أهدافه ونتائجه وتأثيراته على تطورات الأزمة.

وبدأت روسيا في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي حملة جوية في سورية استجابة لطلب دمشق، قالت إنها تستهدف تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) ومجموعات «إرهابية» أخرى، فيما انتقدت الدول الغربية موسكو لشنها ضربات ضد فصائل المعارضة السورية.

ويطرح حديث موسكو يومياً عن «إنجازات ملموسة» تستخدم فيها تقنيات لم يرَها الروس والعالم إلا في نشرات تعريفية، أو خلال عروض مهيبة تنظّم في الساحة الحمراء كل سنة، السؤال المهم: هل غدت سورية ميدان تجارب للأسلحة الروسية الحديثة؟ فالمسؤولين عن القطاع الإقتصادي في الحكومة الروسية أعلنوا، منذ بدء العمليات العسكرية، أنها تموَّل من موازنة وزارة الدفاع (كلفتها ضخمة وتزيد عن 80 بليون دولار)، وتحديداً من باب في الموازنة مخصص للتدريبات والمناورات العسكرية وتجارب الصواريخ والأسلحة الحديثة.

ودفعت هذه التصريحات والعمليات العسكرية المراقبين إلى القول إن موسكو نقلت ميدان التجارب والتدريبات الى الأراضي السورية، وهو ما يفسر التشديد على «المدة المحدودة».

أما السؤال الثاني الذي يتوجب طرحه بعد مرور نحو شهر على العمليات، ما الذي تختبره روسيا في سورية عسكرياً؟ بخلاف الضربات الكثيرة التي استُخدمت فيها غالباً قذائف «غبية» غير موجّهة، بدا استعراض صواريخ «كاليبر» التي أُطلِقت من بحر قزوين لافتاً، وضجت الصحافة الروسية الموجّهة بالتحليلات عن «المفاجأة» التي أحدثها إطلاق الصواريخ لدى الغرب. وعلى رغم تقارير عن «تعثر» 4 من 26 صاروخاً وسقوطها في إيران، لكن الأمر ليس غريباً، بل يحدث في أي تدريب.

وتكمن أهمية الحدث في أنها المرة الأولى التي تُجرَّب فيها تلك الصواريخ ميدانياً، كما أن النسخ التي قدمتها روسيا سابقاً في المعارض والندوات المتخصصة، كان مداها 300 كيلومتر، بينما فاجأت موسكو الغرب بقدرتها على ضرب أهداف على بعد 1500 كيلومتر.

وهي أيضاً المرة الأولى التي تختبر فيها موسكو ميدانياً منظومة «غلوناس» الفضائية للتحكُّم والتوجيه، وتباهى الناطقون العسكريون بنتائج «ممتازة» على هذا الصعيد.

ومع قدرات الصواريخ والمقاتلات، استعرضت روسيا إمكانات قذائفها الموجّهة في سورية، وبرزت منها قذيفة «كا ا بي 500» القادرة على اختراق تحصينات تحت الأرض وتدميرها. إلى ذلك، دخلت «الخدمة الميدانية» في سورية طائرات تجسس بلا طيار، وهي مزودة بتقنيات رادار مطوّرة تحدِّد الأهداف وترسل إشارات إلكترونية لتعديل مسار الضربات تلقائياً. وبين التقنيات الأخرى الحديثة، راجمة قذائف أُطلِق عليها «الشمس الحارقة»، حصل عليها النظام السوري اخيراً، وبدأ «يجربها» في ريف اللاذقية ومناطق أخرى.

ولا يخفِ العسكريون الروس ارتياحهم إلى ما أُنجِز حتى الآن، والأهم لديهم من تدمير معاقل «الإرهاب» هو درس رد فعل الغرب على التقنيات الحديثة المستخدمة، وهذا واحد من الأهداف البعيدة للحملة.

لكن السفير الروسي لدى السعودية أوليغ أوزيروف أكد أن موسكو لديها هدف أساس هو إيجاد التسوية في سورية على أسس ديموقراطية، تحترم مصالح كل القوى الوطنية والقوميات والطوائف الدينية، بما في ذلك الأكراد. ولفت إلى أن هذه التسوية يجب أن تؤمّن حقوق كل الأقليات، الدينية والعرقية، في إطار دولة علمانية ذات سيادة موحدة.

وشدد أوزيروف على أن مصير سورية أهم من مصير رئيسها بشار الأسد، وأن موسكو منفتحة على كل فصائل المعارضة السورية إلا الإرهابية منها. وتابع: “نحن نؤيد إعادة بناء سيادة سورية الموحدة على أسس ديموقراطية”.

وعلى رغم أن روسيا كانت تتحدث عن حل سياسي في سورية، ومن ثم أصبحت رأس حربة في المعركة السورية، لكن السفير قال: “نحن نتمسك بالحل السياسي، لكن قبل أن ننتقل إليه من المهم جداً أن نزيل العامل الإرهابي من الساحة، وفي ظل مشاركة الإرهابيين نرفض الحل السياسي. فكيف تتصورون عملية سياسية وثلث الأراضي السورية، أو مساحة كبيرة منها، تحت سيطرة الإرهابيين. هذا مستحيل”.

وشدد على أن “روسيا لا تملك طموحات استعمارية أو مصالح توسعية في الشرق الأوسط. نحن لا نحتاج إلى النفط والغاز والأنابيب، فلدينا كل شيء. لدينا 38 في المئة من الموارد الطبيعية التي يملكها العالم كله، ونحن نصدر. لكن لدينا مصالح أمنية، ومصالح مرتبطة باستقرار المنطقة”. وأضاف أن من أبرز الأهداف الأمنية أن «تركيا لا تطلب من مواطنينا تأشيرة دخول أراضيها. وبالتالي يهرب المقاتل الروسي من سورية، ويركب الطائرة من تركيا، ومن الممكن أن يأتي إلى روسيا. ونحن لا نريد أن يعود هؤلاء إلينا، لا نريدهم».

وأشار إلى أنه في حال القضاء على القوى الإرهابية، وانتهاء العامل الإرهابي من الساحة، سيكون دور روسيا هو الإسهام في توحيد القوى الوطنية السورية، بما في ذلك المعارضة، لانطلاق العملية السياسية والحوار السياسي، لإيجاد حل طويل الأمد في سورية.

الحياة

 

 

 

عقيدة بوتين العسكرية واللغز السوري/ عفيف رزق

يُعرّف المحللون العسكريون العقيدة العسكرية الدفاعية بأنها «منظومة المفاهيم المتبناة رسمياً في دولة ما» لضمان الأمن القومي ولمواجهة التهديدات المحتملة أو المفترضة، كما أنها نظام لرؤية متطورة بهدف تحضير البلاد والقوات المسلحة للدفاع عن الوطن. ومن خصائص هذه العقيدة أولاً أنها محددة زمنياً، يُصار بعد انقضاء مدتها إلى تعديل أو إلغاء مضمونها ليحل محلها نص جديد لعقيدة جديدة. وثانية هذه الخصائص أنها مرتبطة في شكل وثيق بنفوذ الدولة المعنية، وكلما امتد واتسع النفوذ اتسعت هي الأخرى للمحافظة على هذا النفوذ. وكما هو السائد في الدول الكبرى يمكن أن تشمل الدفاع، ليس فقط عن وجود الدولة وأمن المواطن على الحدود وداخلها، بل أيضاً عن النفوذ أو المصالح خارج هذه الحدود. وثالثة هذه الخصائص، المرونة كي تتيح التعديل تبعاً للأحداث والتطورات التي تطرأ على الساحتين الداخلية والدولية.

في 4 شباط (فبراير) 2010، وقع الرئيس الروسي يومها ديمتري ميدفيديف على وثيقة «العقيدة الدفاعية الروسية»، وقبل استعراض أهم ما تضمنته الوثيقة، لا بد من الإشارة إلى أنه، ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق مطلع التسعينات، والحكم الروسي الجديد الذي استولى على الإرث السوفياتي المتنوع يعمل جاهداً لاسترجاع النفوذ في الجوار الروسي القريب. فلا غرابة في أن يستحوذ هذا الأمر على العقائد الدفاعية الروسية، خصوصاً منذ 2000 عندما تولى فلاديمير بوتين السلطة في الكرملين. أما آخر عقيدة روسية، فوقعها وصادق عليها بوتين في 26 كانون الأول (ديسمبر) 2014. وعندما نشر الكرملين النسخة الجديدة للعقيدة العسكرية، تبين أنها تعتبر حلف شمال الاطلسي يُشكل تهديداً أساسياً لأمن البلاد، كما تنظر بقلق إلى «تعزيز القدرات الهجومية للحلف الأطلسي على أبواب روسيا مباشرة والإجراءات التي اتخذها لنشر منظومة شاملة مضادة للصواريخ».

في تحليله لهذه العقيدة، قال جيمس كوين ليفن، كبير محللي بحوث العمليات بمؤسسة «راند»، إن العلاقات بين روسيا من جهة والدول الاوروبية والولايات المتحدة من جهة ثانية والتطورات العسكرية عوامل ألقت بظلالها على تطور العقيدة العسكرية الروسية لتتجه بها نحو الحرب الباردة. ويضيف المحلل أن شبكة القيادة الاوروبية رصدت 40 حادثة تورط قام بها السلاح الجوي الروسي ما بين آذار (مارس) وتشرين الثاني (نوفمبر) 2014، وأنه في 2007 عادت الطائرات الروسية للعمل في ميدان التشويش والاستفزاز بعد انقطاع دام 16 عاماً منذ بداية 1991.

ويؤكد كثير من المراقبين المقربين من الكرملين أن قرار فلاديمير بوتين، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية، القاضي بالدفع بالمقاتلات والقاذفات الروسية إلى ما وراء حدود الدولة الروسية بهدف «ضرب معاقل تنظيم داعش المتطرف وغيره من التنظيمات الإرهابية»، لم يكن وليد اللحظة، ولعل التفكير فيه كان يسبق بكثير زمنياً الموعد الذي بوغت به العالم بعد عودة بوتين من الأمم المتحدة ولقائه هناك نظيره الاميركي باراك أوباما. وقد استند الرئيس الروسي في قراره «الضربة الجوية» في سورية على «عجز بيّن» خلال ما يزيد على العام في نشاط الائتلاف الدولي الذي أعلنت الولايات المتحدة تشكيله وضم زهاء الستين دولة لمحاربة إرهاب تنظيم «داعش». كما استندت القيادة الروسية لتنفيذ سلسلة ضرباتها الجوية على ما سبق وأجراه بوتين من تغييرات في العقيدة العسكرية التي صادق عليها مؤخراً، ونصت هذه التغييرات على حق روسيا في استخدام قواتها المسلحة خارج حدودها لمواجهة أي خطر يهدد أمنها القومي.

وفي ما خص التواجد العسكري الروسي في سورية، فإن كثيرين من المراقبين يرون أنه لا يزال لغزاً بالنسبة للرأي العام الروسي حيث لم تحدد النخبة الحاكمة، حتى الآن، حجم هذا التواجد وأسلحته، علماً أن روسيا وعلى مدار السنوات الماضية كانت تُقلص تواجدها العسكري خارج حدودها، حتى أنها أغلقت عدداً من قواعدها العسكرية. لكن منذ مطلع هذا العام، أدخلت الإدارة الروسية في العقيدة العسكرية الجديدة 14 خطراً عسكرياً خارجياً أساسياً تهدد روسيا، منها: نشاطات أجهزة الاستخبارت والمنظمات الأجنبية، تهديدات التطرف والإرهاب في ظروف عدم كفاية التعاون الدولي في هذا المجال، وأيضاً انتشار أسلحة الدمار الشامل، والصواريخ وتقنياتها، كما نصت على الأخطار العسكرية المتوقعة على أمن روسيا وكان أبرزها إقامة ونشر منظومة الدفاع الصاروخي الاميركية في اوروبا، باعتبارها تقوض الاستقرار العالمي وتنتهك ميزان القوة الصاروخية والنووية القائم. وعلاوة على ذلك، ضمت قائمة الأخطار العسكرية الخارجية استخدام القوة العسكرية في أراضي دول الجوار في انتهاك لقواعد القانون الدولي، وظهور بؤر للنزاعات العسكرية هناك وتصعيدها، وأيضاً إقامة أنظمة في الدول المجاورة تكون سياستها مهددة للمصالح الروسية. وترافق ذلك مع تفاقم الصراع داخل اوكرانيا التي كانت قد خطت العام الماضي خطوة نحو الحلف الأطلسي، متخلية عن وضعها كدولة غير منحازة، في إجراء رمزي أثار غضب موسكو لأنه يفتح الباب أمام كييف لطلب الانضمام مستقبلاً إلى الحلف. وبسبب مصادقة بوتين على العقيدة الجديدة، أصبح بمقدوره نشر القوات الروسية داخل القرم وفي أقاليم شرق أوكرانيا.

في هذا السياق، يأتي تدخل روسيا في الأزمة السورية حيث توالت الإمدادات المكثفة من الأسلحة وكذلك الخبراء، كما كشفت المصادر الروسية عن اتفاق وقّعته دمشق وموسكو على تشييد قاعدة جوية في مدينة جبلة، مع تعزيز قدرات مطار اللاذقية. وقد لاحظ بعض المراقبين أن روسيا لا يمكن أن تدخل المواجهة ضد «داعش» منفردة، حتى لا يكون لهذه المواجهة آثار سلبية في أوساط المسلمين الروس الذين يصل تعدادهم إلى أكثر من عشرين مليون مسلم، فكان التحالف الإقليمي الدولي الذي دعا الكرملين إلى تشكيله. وهكذا انضمت أطراف إقليمية ودولية كإيران والصين إلى تحالف لتصفية التنظيم الإرهابي.

وأخيراً، لا شك في أن هذا الوجود العسكري الروسي في سورية سيكون دعماً لنظام الأسد، وقد ينقذه من أي ضربة خارجية، لكنه في الوقت نفسه يضمن لموسكو مصالحها ونفوذها في المنطقة. أما في ما خص العقيدة الروسية الجديدة، فقد اتسمت بلهجة أكثر دفاعية عن سابقتها، لكنها أكدت خطورة حلف الناتو، والقلق المتزايد من الحشود التي يقودها على الأراضي المتاخمة لروسيا، فضلاً عن تركيزها على تحسين القدرات العسكرية الروسية على استخدام الأسلحة التقليدية.

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

 

 

الجمر وأصابع القيصر/ غسان شربل

ما هرب منه باراك أوباما وقع فيه فلاديمير بوتين. من موقع آخر وحسابات أخرى. إنه الانخراط العسكري المباشر في الحريق السوري. وهذا يعني تحمل عبء الأزمة. وربط صورته وهيبة بلاده بمسارها ومصيرها. ولأن بوتين لا ينوي شن حرب برية واسعة فهذا يعني أنه حرّك جمر الحرب السورية لاستعجال الحل. لكن البحث عن حل في سورية أكثر صعوبة من الاستمرار في الحرب. أدخل القيصر يديه وبلاده في حقل الجمر السوري.

يعرف بوتين أن سورية السابقة قتلت في الحرب. ويعرف أن الحريق السوري هو مجموعة حروب متداخلة ومتشابكة. هناك حرب بين معارضة ونظام لم يعتد على رؤية معارضة ومعارضين. بنيته لا تسمح بفتح النوافذ. وهناك حرب بين مكونين سوريين لا يمكن فصلها عن النزاع السني – الشيعي في الإقليم. وهناك مكون كردي تعلم من أكراد العراق ألا يضيع الفرصة الذهبية التي قد لا تتكرر.

هناك أيضاً حرب بين ما تبقى من النظام وإرهابيين وفدوا من بلدان قريبة وبعيدة. وحرب يأمل فريق بأن تؤدي إلى تقطيع أوصال «الهلال الإيراني» بينما يأمل الآخر بترميم خريطة هذا الهلال. وحرب على الموقع الأول في الإقليم وملامح النظام الإقليمي الجديد. وحرب على النفوذ الدولي في سورية المتهالكة والشرق الأوسط المريض. وهناك سقوط الحدود والتعايش وهجرة مجموعات وتهجير جماعات.

انتظر بوتين نتائج الاستنزاف الكبير. انحسرت مناطق النظام وأُصيب جيشه بالوهن. فشلت إيران في لعب دور الدولة الكبرى المحلية. لم تستطع قلب مسار الأحداث عبر خبرائها والميليشيات الحليفة. بدت تركيا منشغلة بالأحداث على أرضها. والسعودية بالنزاع الدائر في اليمن. وأوروبا بأمواج اللاجئين. وبدا أوباما سعيداً بإبعاد أصابعه عن الجمر السوري. طلب النظام السوري من الكرملين إنقاذه فرد بعملية جوية مشروطة لا بحرب برية مفتوحة.

لهذا، بدا بوتين كمن ينظر إلى ساعته. حرص على استقبال الرئيس بشار الأسد قبل أن يؤدي التدخل الروسي إلى تغييرات ميدانية بارزة. للتوقيت معناه. ربما تخوف أن يؤدي أي تحول ميداني إلى اقتناع النظام يأنه لا يحتاج إلى تقديم تنازلات. استقبل الرئيس السوري وحده. كأنه يلقي عليه شخصيًا عبء تقديم التنازلات الضرورية لإطلاق الحل. التنازلات الضرورية لمنع «الجنرال وقت» من تحويل التدخل الروسي إلى تورط روسي.

فور شيوع نبأ الزيارة سارع بوتين إلى ديبلوماسية الهاتف. بدأ بالاتصال بالدول الأكثر إلحاحاً على مغادرة الأسد. أراد الإيحاء بأنه حصل على ما يفتح كوة في الجدار. وهذا ما أشار إليه اللقاء الرباعي في فيينا. لم يكن متوقعاً أن يحمل لافروف إلى ذلك اللقاء كلاماً قاطعاً أو واضحاً حول مستقبل الرئيس السوري. لا تحسم المفاوضات المعقدة في بداياتها.

مفيد أن يكون لك حليف كبير. وأن يهبّ لمساعدتك حين تناديه. لكن الدول الكبرى ليست جمعيات خيرية. لاستجابتها ثمن لا بد من دفعه. وهكذا تقدمت أجندة موسكو على أجندة دمشق. دخل لقاء فيينا في تفاصيل الحل وهو ما كانت دمشق تفضل إرجاء البحث فيه إلى ما بعد الانتصار على الإرهاب.

أكثر من ذلك. بدا لافروف كمن ينظر إلى ساعته. سارع إلى إطلاق الاقتراحات ولو مرفقة ببعض الالتباسات. بدأ يلوح بتوزيع الضمادات والضمانات. وصل به الأمر حد اكتشاف وجود «الجيش الحر» وعرض مساعدة جوية روسية عليه في الحرب على «داعش».

الحل الداخلي ليس بسيطاً. لا بد من حل يرضي السنّة ويطمئن العلويين ويقبله الأكراد. ولا بد من توازنات ترضي تركيا والسعودية وإيران. وهذه ليست بسيطة أيضاً. ليس هناك من حل يعيد إلى إيران ما كانت عليه في سورية قبل اندلاع الأحداث. لم تعد هذه الحلقة من «الهلال» مضمونة. الأمر يعني أيضاً «حزب الله» في لبنان.

أدخل بوتين يديه في الجمر السوري. يحصل سريعاً من النظام وإيران على تنازلات تكفي لإطلاق حل أو يتحول التدخل تورطاً وخيم العواقب. «الجنرال وقت» لا يرحم. وإذا حصل ذلك فإن البحث سينتقل من إنقاذ سورية على يد روسيا إلى البحث في إنقاذ روسيا من مغامرتها في سورية.

الحياة

 

 

 

ثمن خروج بشار/ الياس حرفوش

شئنا أم أبينا، نجح فلاديمير بوتين في فرض روسيا لاعباً أساسياً في حل الأزمة السورية. خرج الحل بالكامل من يد القوى الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، التي لم تستطع على مدى السنوات الأربع الماضية أن تفرض شروطها لإخراج بشار الأسد من الحكم، لا عن طريق الديبلوماسية، التي عطلتها موسكو في مجلس الأمن، ولا عن طريق المواجهة المسلحة من خلال دعم المعارضة، وهو دعم بقي هزيلاً على كل حال، ورد عليه نظام الأسد بالإمعان بمزيد من التدمير والقتل.

الحوار الدولي الجاري الآن في شأن مصير سورية ومستقبل بشار الأسد يمر بالضرورة عبر موسكو. عبء اللاجئين القادمين بمعظمهم من سورية كما من دول أخرى، أصبح عبئاً كبيراً على القارة الاوروبية، التي اكتشفت فجأة أن سورية تقيم قريباً من حدودها. ومثله توسع نشاط التنظيمات الإرهابية في سورية الذي أصبح هو أيضاً مصدر قلق للأمن الاوروبي.

وجد بوتين أن القلق الدولي من تفاقم الأزمة السورية يفتح له باباً يدخل منه ليفرض الشراكة الروسية في البحث عن حل. هذه هي الرسالة التي أراد أن يبعثها من خلال صورة الزيارة الليلية لبشار الأسد إلى موسكو: مصير الأسد في يدي. وإذا أردتم التفاوض على هذا المصير أو البحث عن مخارج، فالعنوان معروف، وهو الكرملين في موسكو.

طبعاً يمكن أن يقال الكثير عن المشهد المحزن للرئيس السوري في غرفة الاستجواب تلك في الكرملين، وحيداً بين كبار المسؤولين الروس الذين أصبحوا يملكون قرار إبقائه في الحكم. كما يمكن أن يقال الكثير أيضاً عن لقاء فيينا بين وزراء الخارجية الاميركي والروسي والسعودي والتركي، الذي عقد خصيصاً للبحث في مصير الأسد، فيما هو أبرز الغائبين عن الطاولة. غير أن ما يثير الشفقة أكثر من هذا كله، أن الأسد لا يزال يجد عبارات: سيادة سورية ووحدة أراضيها، وضرورة أن يقرر الشعب السوري بنفسه مصير قيادته، صالحة للاستخدام، فيما العالم كله يبحث مستقبل سورية ومصير قيادتها وطبيعة الحكم فيها، في غياب الشعب السوري والمسؤولين المفترضين عنه.

بوتين شريك أساسي في الحل السوري. صحيح. لكنّ المتفاوضين مع موسكو حول هذا الحل، من عرب وغربيين، يدركون أيضاً أن هناك «ثمناً» لهذه الشراكة لا بد من دفعه، وخصوصاً إذا كانت للروس اليد الكبرى في تقرير مصير الأسد، الذي أصبح إبعاده مخرجاً لا بد منه للتوصل إلى حل.

ولا بد أن السؤال الذي يتداوله المسؤولون والمعنيون بالتفاوض مع موسكو يتعلق بالوسيلة التي يمكن بها إقناع القيادة الروسية بالتفاهم على صيغة تنهي الأزمة السورية وتحفظ مصالح الجميع، بمن فيهم موسكو، من دون أن تؤدي إلى تقسيم فعلي لسورية أو سيطرة كاملة للتنظيمات الإرهابية.

وما توحي به التصريحات الغامضة التي خرجت حتى الآن، سواء عن اجتماع فيينا، أو عن الاستجواب الليلي لبشار في الكرملين، أن هناك تقدماً على هذا الطريق، أوضح مساره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بحديثه عن استعداد موسكو لدعم المعارضة المعتدلة، وهو ما يختلف عن مواقف سابقة تعتبر كل معارضي الأسد «إرهابيين»، والموافقة على إجراء انتخابات نيابية ورئاسية جديدة في سورية، ما يعني أن موسكو لا تتبنى نظرية «شرعية الأسد» بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجراها العام الماضي، ويفترض أن تبقيه في الحكم لسبع سنوات.

أما من الجانب الاميركي، فقد كان مثيراً للانتباه وصف الوزير جون كيري اجتماع فيينا بـ «البناء والمثمر الذي نجح في الخروج ببعض الأفكار التي لن أكشف عنها»، واستعداده للموافقة على مشاركة ايران في المفاوضات المنتظرة الأسبوع المقبل، وهو ما رفضته واشنطن سابقاً تجاوباً مع رغبة حلفائها العرب، ويمكن أن يعتبر التراجع عن هذا الرفض اليوم إرضاء أيضاً لموسكو، التي تعتبر طهران طرفاً ضرورياً للحل.

ربما كان من التسرع الحديث عن ايجابيات على طريق التسوية في سورية بعد المساعي الكثيرة الفاشلة والخيبات المتكررة، غير أن الأكيد أن لا تسرع في القول أن بشار الأسد صار خارج صورة المستقبل السوري، سواء كان ذلك غداً أو بعد غد.

الحياة

 

 

 

 

 

ساعة الرمل الروسية/ امين قمورية

قبل ان يزج بوتين بأسلحته في سوريا لا بد انه استرجع الذاكرة الروسية في أفغانستان. الأوجاع التي لا تزال تلازم مفاصل الكرملين منذ تلك التجربة المرة تجعل القيصر يفكر مرتين قبل تكرارها. المقتلة السوفياتية في عنق آسيا وقعت بعدما دخل الجيش الأحمر وضيّع طريق الخروج. الأمر نفسه قد يتكرر في سوريا إذا طال الوقت ولم تظهر النتائج المرجوة.

محو المحنة الأفغانية من الذاكرة الروسية لا يكون إلا بتجربة ناجحة في سوريا. سياسة الأرض المحروقة التي طبّقها الجنود الحمر في أفغانستان لم تجنّبهم طعم الخسارة المرة. التفوق العسكري وحده لا يحقق نصراً في بلاد غريبة منقسمة على نفسها، نصف أهلها يقاتلون النصف الآخر وكل منهما يستجدي أجنبياً للاستقواء به على شريكه في الوطن. والمتدخل الأجنبي لا يفرض احترامه وحلّه على الجميع الا بتقديمه تسوية مقبولة لدى طرفي الصراع، لئلا يصير محتلاً مرذولاً لدى النصف الآخر وداعميه الأجانب.

الروسي لم يضيع وقتاً في سوريا، أطلق مسارين في وقت واحد، عسكرياً لإظهار القوة، وسياسياً بحثاً عن حل وتسوية. ما يجمع النظام والمعارضة ضرورة التخلص من إرهاب “داعش”، وما يفرقهما كثير أبرزه مصير الأسد في سوريا المستقبل. الاتفاق بين الطرفين يعبّد الطريق لطرد الإرهاب. خريطة الطريق الروسية للحل وضعت على الورق، بعضها صار معروفاً والآخر لا يزال مستوراً. الأولوية الروسية هي لإعادة توحيد الجيش بعد انهياره لئلا يتكرر في سوريا ماحصل في العراق وليبيا على ان تتولى وزارة الدفاع الأقلية العلوية لطمأنتها وباقي الأقليات. لكن هذه المؤسسة لا تكون لكل السوريين إلا بإعادة الضباط المنشقين إليها، وهذا ما يفسر اقتراح لافروف التعاون مع فصائل “الجيش السوري الحر” ودمجهما بالجيش النظامي لمحاربة الإرهاب معاً تمهيداً للتوحيد. وعديد “الحر” قد يوازي عديد النظامي وربما تجاوزه. وبات من المسلّم به ان يحظى رئيس الوزراء المقبل الذي يمثل الأكثرية السنية بصلاحيات فعلية ومؤثرة على حساب صلاحيات الرئيس العلوي، على غرار ما هو الوضع في العراق. لكن العقدة لا تزال هوية وزير المال الذي يوقع موازنة الدفاع والأمن. أما العقدة الكبرى فهي الرئيس الحالي: هل يرأس المرحلة الانتقالية؟ هل يحق له المشاركة في الانتخابات المبكرة التي تريد موسكو اجراءها؟

موسكو تكرر ان الشعب السوري هو وحده من يختار رئيسه، لكنها تدرك ان ساعة الرمل التي جعلتها توقيتاً لعمليتها السورية تكاد تنفد، لأسباب عدة منها ما هو اقتصادي ومنها الخوف من جرها الى الرمال المتحركة، فاما ان تسوّق حلاً مقبولاً لدى الجميع لهذه المعضلة وإما ان تغامر بنفسها وتصير هي المعضلة.

النهار

 

 

 

 

 

التدخل الروسي في سوريا: عندما يتشابك التاريخ والدين والنفط والمصالح السياسية!/ رامي الريس

لا يختلف إثنان على أن التدخل الروسي في الحرب السورية سيشكل نقطة تحول في مجريات الصراع وفي موازين القوى الدولية والإقليمية. غنيٌ عن القول أيضاً إن أحد أبرز أسباب هذا التدخل هو التخبط الغربي عموماً والأميركي خصوصاً حيال الأزمة السورية!

فالرئيس الأميركي باراك أوباما كرر عشرات المرات ضرورة، لا بل حتمية، رحيل الرئيس السوري بشار الأسد لكنه لم يرسم مع إدارته السياسات الكفيلة تحقيق ذلك ولم يتخذ أياً من الخطوات العملية التي تساعد على تحقيق هذا الأمر. وهو أبقى المواقف الأميركية منضبطة تحت سقف عدم التفكير في التدخل العسكري على خلفية محاولته التخلص من إرث سلفه الرئيس جورج بوش الذي خاض حربي أفغانستان والعراق وكانت نتائجهما كارثية على السياسة الأميركية برمتها وليس فقط على آسيا الوسطى والشرق الأوسط والمنطقة العربية.

أوباما، للتذكير أيضاً، سبق أن حذّر من إستخدام السلاح الكيميائي في سوريا واكتفى، بعد حصول ذلك، بعقد صفقة مع موسكو لإخراجه من سوريا، مقدماً من خلال هذه الخطوة خدمة مجانية لحليفته الإستراتيجية إسرائيل التي تتفرج على السقوط السوري المريع بفرح وغبطة وإهتمام! كل هذه العوامل ساعدت على أن تدخل موسكو على خط ملء الفراغ السياسي والعسكري والإستراتيجي ولا سيما أن النظام السوري هو من أبرز حلفائها في الشرق الأوسط بعد إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا من دون التشاور معها، وإسقاط نظام صدام حسين قبل ذلك. معلوم أن تلك الأنظمة الثلاثة (حافظ الأسد، معمر القذافي، وصدام حسين) شكلت المثلث الإستراتيجي لروسيا (وقبله الإتحاد السوفياتي) في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

مع إنطلاق المقاتلات الروسية إلى الأجواء السورية ومباشرتها القصف الجوي (الذي كانت باشرته واشنطن والتحالف العربي منذ أشهر من دون جدوى في ما يتعلق بإضعاف تنظيم “الدولة الاسلامية”)، توالت التحليلات حول الإستعادة التاريخية للدور الروسي في الشرق الأوسط. لعل المحطة الأبرز كانت إحتلال بيروت في 1772 وما تلاها من حوادث سياسية وعسكرية.

لكن الأهم من التوصيف العسكري لمجريات التطورات هو البحث في الخلفيات الفكرية والنظرية التي يتحرك الكرملين من خلالها والتي ترتكز على إعتبار موسكو حامية الأرثوذكسية المسيحية في الشرق التي تجاهر بأنها ورثتها من سقوط القسطنطينية في العام 1435. لذلك، فإن المنظور “القيصري” الروسي هو ذاك الذي يقدم نفسه على أنه حامي المسيحيين في البلقان والعالم العربي والمناطق المقدسة في فلسطين المحتلة، ومن تلك الزاوية يمكن تحليل وفهم الحرب التي خاضتها كاترين مع العثمانيين في العام 1768. وانتهت بمغادرة الروس المنطقة في العام 1774 بعدما تخلت موسكو عن حلفائها السوريين آنذاك مقابل تنازلات عثمانية في القرم وأوكرانيا.

هذه الواقعة التاريخية تماثل جانباً من الواقع الدولي اليوم حيث توترت العلاقات الدولية بعد أزمة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. اليوم، تعيد موسكو تدخلها في الشرق الوسط من خلال الحرب السورية لتحصل على تنازلات ما في مكانٍ ما، ومن غير المستبعد أن تتخلى مرة جديدة عن أولوياتها الراهنة تحقيقاً لمصالحها في مواقع أخرى.

إن هذه النظرة القيصرية الروسية كانت عبّرت عن ذاتها أيضاً خلال الحرب العالمية الأولى ولا سيما مع اجتياح القوات الروسية آنذاك المناطق الإيرانية والعراق الذي كان تحت السيطرة العثمانية ووصلت إلى مشارف بغداد. وفي العام 1916، شارك وزير الخارجية الروسي سيرغي سميرنوف (في عهد القيصر نيكولاس الثاني) بفاعلية في محادثات مارك سايكس وفرنسوا بيكو لتقسيم الشرق. وكانت الحصة الروسية آنذاك تضم اسطنبول وأجزاء من تركيا، كردستان وقسما من القدس مقابل سوريا ولبنان لفرنسا والعراق وفلسطين والأردن لبريطانيا، لكن الثورة البولشفية أطاحت الأمبراطورية القيصرية وأحلامها وخططها للمنطقة.

الخلاصة أنه ليس المطلوب إعادة تنشيط الذاكرة التاريخية بهدف إعادة سرد الوقائع بقدر ما المطلوب البحث في تلك الحقائق التاريخية لإستخلاص أبرز الأهداف الروسية من هذه الحملة العسكرية على الشرق ولا سيما أن الرئيس الروسي بحاجة دائمة لتظهير صورته داخلياً على أنه الزعيم الدولي القادر على مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا والغرب عموماً، وفي ذلك أيضاً يغطي على حال القمع التي يمارسها نظامه ضد الشعب السوري من خلال إسكات المعارضة والتعرض للصحافيين.

منذ أعوام قليلية، وتحديداً في العام 2008 صدر كتاب للباحث إدوارد لوكاس عنوانه “الحرب الباردة الجديدة: كيف يخدع الكرملين روسيا والغرب؟”. يروي الكاتب تفاصيل صعود الضابط الإستخباراتي فلاديمير بوتين إلى رأس السلطة في موسكو وكيف قبض جهاز الإستخبارات الروسي (KGB) على أبرز مفاصلها شارحاً “القيصرية الجديدة” والحسابات الروسية لناحية المال والنفط والغاز ودور هذه الحسابات في علاقاتها الدولية.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فهل يمكن تناسي واقعة أن حافظ الأسد نفسه تلقى تدريبه العسكري في موسكو وهو الذي منحها قاعدة طرطوس عند توليه الحكم؟

النهار

 

 

 

وعاد الحضور الروسي../ تركي عبدالله السديري

اليوم تعود روسيا إلى مسرح الشرق الأوسط بعد سنين تجاوزت ثلاثة عقود من الابتعاد، بعد أن اقتنع السادات بأن الأمريكان هم الرهان الكاسب، وتورّط الاتحاد السوفييتي بحرب أفغانستان ثم الانهيار والتفكك.. وبقي العرب مع أمريكا في المنطقة فلم توفق بتحقيق السلام واستعادة الشرعية للشعب الفلسطيني، ووعود أخرى كثيرة لم تتحقق في تطبيق الديموقراطية ومحاربة الطائفية في العراق وإنقاذ الشعب السوري مما هو فيه.. وأخيراً الحرب على داعش.. والواقع يكشف عكس هذه الوعود الأمريكية..

فجأة عادت روسيا للمنطقة دون أن تكون عدوّة لدولة معينة، بل على العكس تجمعها بأغلب الدول العربية علاقات إيجابية وفرص للنمو والتقارب.. في وقت ضاق العرب فيه من الوعود الأمريكية؛ خصوصاً ضد داعش والنظام السوري وإسرائيل، لتصنع عودة روسيا للمنطقة كسر محرج (للاحتكار) الأمريكي، وبداية تغيّر يجب على العرب التعامل معها بحذر وبراغماتية وقواعد لعبة تختلف عن الماضي في الستينيات؛ حيث الصراع لم يعد أيدولوجياً، بل استراتيجي.. العرب يبحثون عن الاستقرار، والأمريكان يريدون العرب أن يكونوا دائماً في حاجتهم، والروس بحاجة إلى حلفاء حول العالم لإيقاف التدخّلات الغربية في خاصرة روسيا خصوصاً جزيرة القرم..

أتمنى ألا يُفهم من حديثي بأن عودة روسيا للمنطقة حدث إيجابي، بل هي فرصة من الممكن أن توظف إيجابياً إذا راهن العرب على مصالحهم في مدى طويل واستراتيجي لتدمير داعش وإيقاف التمدّد الإيراني دون استنزاف العرب مادياً وعسكرياً، لئلا نحقق أهدافهم، بل لأن يحققوا أهدافنا..

الرياض

 

 

«كارنيغي»: ما الذي يريد أن يصل إليه «بوتين» حقا في سوريا؟

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

تم طرح هذا السؤال على عدد من كبار الباحثين في مركز «كارنيغي» للسلام وكانت هذه بعض الأجوبة المنتقاة لكبار الباحثين في المركز:

شخص مرتجل وانتهازي

الناس في كثير من أنحاء العالم يثقون في «بوتين» كاستراتيجي محنك. ولكني على النقيض أرى أنه مرتجل وانتهازي من الطراز الأول. صحيح أنه يحاول ملء بعض الفراغات في الشرق الأوسط وسوريا بعد أن اختارت الولايات المتحدة التأني بشأن أي تدخل عسكري بالمنطقة،  ولكني في نفس الوقت أشك بأن «بوتين» يفكر خطوتين أو ثلاثة خطوات إلى الأمام. الحرب في سوريا على وشك أن تصبح أكثر سوءا وسوف تغرق روسيا في منتصفها. كما أنها ليست سوى مسألة وقت قبل أن نرى موجة من النشاط الجهادي تستهدف الروس سواء داخل سوريا، أو حتى في شوارع موسكو. صحيح أن تحرك روسيا سوف يشجع نظام «بشار الأسد» ولكنه أيضا سوف يحفز قوى الجهاد العالمي.

لقد رأينا هذا النمط بالفعل: العدوان الذي شنه «بوتين» ضد أوكرانيا قد تحول إلى كارثة بكل المقاييس. مغامرة سوريا لديها كل ما يؤهلها لأن تصير مأساة مماثلة، كما أنها تخربنا الكثيرة حول الطبيعة المتسرعة وغير المنظمة لجهود صناعة القرارات المتعلقة بالأمن القومي داخل الكريملين. أنا أيضا أشعر بالقلق حول أن «بوتين» قد أقحم رأسه وبدأ بالتورط في نشاط حركي في ساحة معركة معقدة للغاية في سوريا دون إجراء محادثات جادة حول كيفية إدارة النزاعات مع وزارة الدفاع الأمريكية أو غيرها من أعضاء التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية». جهود اجتثاث نشوب النزاعات لا تزال في مهدها. إنها مغامرة خطرة في غياب جهود الاتصال بين جيشه وبين القوى العاملة هناك.

«أندرو فايس» نائب رئيس قسم الدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

الصديق الأقرب في الشرق الأوسط

«فلاديمير بوتين» لديه العديد من الأسباب كي يرغب بالتورط في سوريا كما أن «أوباما» لديه العديد من الأسباب للبقاء خارجها.

يرى النظام الروسي الحالي أن «سوريا الأسد» هي الصديق الأقرب له في منطقة الشرق الأوسط بل ويراه فيه انعكاسا له في المنطقة، نظام علماني أوتوقراطي لحزب أوحد يحارب المعارضة الداخلية والتطرف السني. الدعم النشط للأسد يعزز اثنين من العقائد التي يحملها «بوتين» منذ فترة طويلة: الحاجة إلى متابعة الحرب على الإرهاب بأكبر قوة ممكنة (وهي فكرة كان بوتين يعتز بها حتى من قبل جورج دبليو بوش)، والحساسية تجاه تغيير النظام. وبالتالي فإن العملية تستدعي ذكريات بدايات «بوتين» كرئيس لروسيا حين اندفع نحو الحرب في الشيشان عام 1999 كما أنها تكشف أيضا خوفه من نهايته.

«روسيا بوتين» هي أيضا «ديكتاتورية قائمة على المعلومات»، والتي تستمد شرعيتها من دعم أولئك العوام الذين يشاهدون التلفاز. بعد أن تدهور التدخل في أوكرانيا نحو فوضى مستعصية سيئة، فإن الحرب ضد «الدولة الإسلامية سوف تصبح هي السلسلة التليفزيونية الشعبية الجديدة في روسيا التي تحارب بشجاعة مرة أخرى الإرهابيين وتقوم بخداع الغرب. كما تعودنا مع «بوتين»، الأمر يبدو وكأنه حب للاستئثار بالظهور ولكنه أيضا جزء من استراتيجية طويلة الأجل.

«توماس دي وال»: زميل بمعهد كارنيغي بأوروبا

مجموعة أهداف مركبة

من خلال إطلاق حملة القصف الخاصة به في سوريا، فقد أثبت السيد «بوتين» أن روسيا يمكن أن تقوم بدورها في المساهمة في فوضى الشرق الأوسط. بخلاف ذلك، فإنه ربما يسعى إلى متابعة عدة أهداف: دعم «الأسد» من خلال تدمير أعدائه، شاملا كافة جماعات المعارضة وليس فقط «الدولة الإسلامية». بعض هذه الجماعات يقال أنها تشمل مقاتلين من روسيا وهو ما يعطي السيد «بوتين» مصلحة إضافية. وقد قام بنجاح في تحويل اتجاه الحوار بعيدا عن عدوانه على أوكرانيا، وهي فائدة جانبية أخرى للتورط في سوريا. وقد وضع نفسه كوسيط للحرب في سوريا إلا أنه لا يستطيع أن يقدم حلولا للوضع هناك كما أنه لا يمكن أن تقدم حلول في غيابه أيضا. وقد نجح في إثبات وجوده على حساب الولايات المتحدة، كما يشكو من ذلك حلفاء الولايات المتحدة أنفسهم، ولكن الولايات المتحدة لا تملك أن تفعل سوى القليل بخصوص الضربات الجوية الروسية التي تستهدف الميليشيات التي تدعمها ضد «الأسد».

وقد ثبت مرة أخرى أن النقاد قد أخطئوا أن روسيا سوف تكون معوقة بواسطة العقوبات الغربية وانخفاض أسعار النفط. أين سيذهب السيد «بوتين» لاحقا؟ ربما هو نفسه لا يعرف ويعتمد على قدرته على تكييف تكتيكاته مع تغير الأوضاع. وليس من الواضح وجود استراتيجية وراء ذلك. وعلى حد تعبير الراحل« يوغي بيرا»، إذا كان لا يعرف أين يذهب فسوف ينتهي به الحال في مكان آخر.

«يوجين رومر» مدير برنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

المصدر | كارنيغي

 

 

 

 

التدخل العسكري الروسي ما بعد الاتحاد السوفياتي/ أنّـا ماريـا لوكـا

تدخل روسيا في سوريا

في نهاية شهر أيلول وبعد أكثر من أربع سنوات على بدء الحرب السورية ومعارضة روسيا لأيّ تدخّل أجنبي لوقف سفك الدماء فيها، سمح الكرملين رسمياً بتنفيذ ضربات جوّية ضد المجموعات المعارضة.

 

وعلى الرغم من أنّ المسؤولين الروس تحدّثوا أولاً عن مواجهة تهديد الدولة الإسلامية، سرعان ما اتضّح أنّ الضربات الجوّية كانت تستهدف كل القوى المُعارضة لنظام بشار الأسد، سواء أكانت من جبهة النصرة التابعة للقاعدة أو من كتائب الثوار المدعومة من الولايات المتحدة. حيث يُنظر إلى التدخّل الروسي في سوريا كمُساعدة لقوات النظام وحلفائه على الأرض، من الميليشيات المدعومة من إيران و”حزب الله”.

لكن على المستوى الدولي، تخطّت روسيا ألعابها الإقليمية وطمحت إلى أن تصبح لاعباً دولياً مرة أخرى من خلال فرض النظام في منطقة تردّدت الدول الغربية في التدخّل فيها.

لدى موسكو تاريخ طويل من السعي إلى تشريع إمساكها بأراض أجنبية في محيطها الإقليمي. ينظر موقع NOW إلى كيفية قيام الحكومة الروسية بتأطير أعمالها والسعي إلى تشريع تدخلاتها العسكرية على المستوى العالمي. فالتدخلات الأجنبية الروسية توضع في العادة ضمن إطار عمليات حفظ السلام مثل ما حصل في مولدوفا، أو محاربة الإرهاب مثل طاجكستان، وتؤدي في العادة الى صراعات باردة تستمر لعقود من الزمن، كما في جورجيا.

1991 مولدوفا

بدأت جهود روسيا للحفاظ على نفوذها الإقليمي في ترانسنيستريا، وهي شريط واقع رسمياً في مولدوفا، على الجانب الشمالي من نهر دنستيريا، على الحدود مع أوكرانيا. ولا تزال المنطقة تضم 1500 جندي روسي تصر موسكو على أنّهم جنود حفظ سلام.

انفصلت المنطقة عن مولدوفا في أيلول 1991 بعد بروز تيار سياسي قوي في الحكومة المولدوفية دعم إعادة اتحادها مع رومانيا. معظم الأراضي المولدوفية، المعروفة كذلك باسم بصربيا، كانت جزءاً من رومانيا قبل عام 1939 واستولى عليها الاتحاد السوفياتي بعد معاهدة مولوتوف- ريبنتروب عام 1939. ومن ثم أضاف الاتحاد السوفياتي لاحقاً منطقة ترانسنيسريا التي يتحدث معظم قاطنيها اللغة الروسية، إلى بصربيا وشكّل الجمهورية المولدوفية السوفياتية الاشتراكية.

عندما بدأ تيار اعادة التوحيد في مولدوفا بعد الانفجار الداخلي للاتحاد السوفياتي، تدفّقت قوات القوزاق الروسية من كافة أنحاء الاتحاد الروسي الى ترانسنيسريا لمساعدة الانفصاليين. وتصاعدت حدة الاشتباكات المسلحة بين الحكومة المولدوفية وانفصاليي ترانسنيسريا في صيف 1992. وتدخّلت موسكو مباشرةً في الصراع.

كان يُقدّر بأن يكون عديد الجيش الروسي الـ14، المتمركز في مولدوفا وأوكرانيا منذ عام 1945، بـ 10000 الى 20000 جندي، في ذلك الوقت، وقالت موسكو إنّ العديد من الجنود تركوه وانضموا الى انفصاليي دنستيسريا، آخذين معهم عتادهم العسكري. غير أنّ تقارير وردت في وسائل الاعلام الروسية والدولية نقلت عن المسؤولين الروس قولهم إنّ الكرملين أعطى للجيش الـ 14 الأمر بالتدخّل في القتال من أجل الدفاع عن المناطق التي تتحدّث اللغة الروسية.

في تموز 1992، أصبح عدد جنود الانفصاليين يفوق جنود الحكومة المولدوفية وأُجبرت على الالتماس من موسكو التدخّل. عام 1992، انتهى العنف مع وقف إطلاق نار بوساطة روسية واتفاق على حياد الجيش الـ14. في آب 1992، أُرسل 3000 جندي إضافي الى ترانسنيسريا لمساعدة وحدات الجيش الـ14 في حفظ السلام. وبقيت جمهورية ترانسنيسريا أرضاً مستقلّة داخل مولدوفا، حيث لم يكن مرحّباً فيها بالمواطنين الذين يتحدثون الرومانية. عام 2008، تبنّت الجمعية البرلمانية للناتو قراراً يحثّ روسيا على “احترام التعهدات التي اتخذتها في قمة اسطنبول لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1999 وعلى سحب وجودها العسكري من ترانسنيسريا”.

منذ عام 2015، نشرت روسيا أكثر من 1000 جندي نظامي كجزء من مجموعة ناشطة في ترانسنيستريا، في حين تساعد قوة دولية لحفظ السلام وبرنامج وساطة من المفاوضات في الحفاظ على الهدوء الهش. في أيار من هذا العام، علّقت أوكرانيا معاهدات التعاون العسكري مع روسيا التي سمحت لجيوش موسكو بالمرور في الأراضي الأوكرانية. وترك هذا التحرّك الجيوش في ترانسنيستريا مشرّدة. حيث يُعتبر مطار كيشيناو، عاصمة مولدوفا، المدخل الوحيد لروسيا إلى جيوشها، ومولدوفا غير ملزمة قانونياً بالسماح لأعضاء المجموعة الناشطة بدخول أراضيها.

1992 طاجكستان

من بين كافة تدخلات روسيا، تدخّلها في طاجكستان هو الأقرب إلى السيناريو السوري. حيث كانت طاجكستان، وهو بلد فقير ويعاني من اضطرابات دينية، مؤلّف من نحو 5.2 مليون نسمة، مسرحاً لحرب أهلية في التسعينات.

في أيار 1992، أسقط إئتلاف القوى المعارضة حكومة طاجكستان الشيوعية سابقاً والمدعومة من موسكو برئاسة رحمن نابياف، الذي كان انتُخب في تشرين الثاني 1991، لكن في آذار- نيسان 1992 نزلت المعارضة إلى الشارع مُطالبةً بانتخابات ديمقراطية جديدة. وأدّت الخلافات السياسية إلى حرب أهلية دامية بين الشيوعيين المدعومين من الروس والفصائل الإسلامية المدعومة من الثوار في أفغانستان المجاورة. توفي 150000 شخص في الحرب.

مع الدعم الروسي، قبض الشيوعيون السابقون على دوشنبه في كانون الأول 1992 وأقاموا حكومتهم الخاصة برئاسة ايموميلي رحمن. ولم تكتفِ الجيوش الروسية والأوزبكية بتسليح الشيوعيين، بل وشاركت أيضاً في معركة دوشنبه. وجرى التدخل الروسي تحت ذريعة أن الإيرانيين والأفغان كانوا يحاولون التسلل إلى طاجكستان لدعم المعارضة.

كان الدافع الرسمي للتدخل الروسي في طاجكستان هو أن موسكو لن تتحمل أي تدخل خارجي فيها. “مثل هذا التطور سوف يهدد أمن ليس فقط دول آسيا الوسطى، بل كذلك أمن روسيا”، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية آنذاك سرجي ياسترومبسكي. وأوضح أنّ الجيوش الروسية، التي تُساعد في حماية حدود طاجكستان مع أفغانستان، كانت تقوم بحماية أكثر من 16000 لاجئ من القتال.

لا يزال رحمن، وهو صاحب مزرعة قطن سابقاً وانتُخب رئيساً عام 1994، في السلطة في دوشنبه. ولا يزال البلد معتمداً على روسيا اقتصادياً وأمنياً. إلا أنّ البلد لا يزال يُحارب التمرّد الإسلامي، وقد هاجم رحمن الحزب الإسلامي الوحيد في آسيا الوسطى، في تحرّك انتهك اتفاق السلام الذي وُقّع بعد الحرب الأهلية.

من وجهة نظر الحكومة الروسية، لدى طاجكستان موقع استراتيجي بما أنّها تحدّ محافظة قندوز في أفغانستان. والحرب الأهلية في أفغانستان باتت على مقربة من الحدود الطاجكية، مع حصول قتال بين قوات الحكومة وطالبان في مقاطعة إمام صهيب. وفي أيار قام الجيش الروسي، الذي لا يزال يحتفظ بجنوده في البلد، بتنظيم ألعاب حرب على نطاق واسع عند الحدود مع أفغانستان. بالاضافة الى ذلك، نشرت موسكو العديد من طائرات الهليكوبتر المهاجمة من طراز Ni-24P في قاعدتها الجوية في طاجكستان في بداية تشرين الأول.

وفي هذا الشهر، بعد لقاء بين بوتين ورحمن، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري باسكوف: “الوجود الروسي الحالي في طاجكستان حاصل بما يتوافق مع القانون الدولي والاتفاقات الثنائية. وهو هدف الى ضمان الاستقرار والأمن في هذه المنطقة المتوترة فعلياً”.

2008 جورجيا

في وقت مبكر من صباح يوم الأول من آب 2008، قيل إنّ انفصاليين من جنوب أوسيتيا قاموا بتفجير شاحنة شرطة جورجية. ورداً على ذلك، قتل قناصة في اليوم نفسه، أربعة أوسيتيين. وكان الحدث ذريعة لحرب قصيرة ولكن شرسة بين جورجيا وروسيا في ذلك الشهر.

أعلنت جورجيا استقلالها عام 1991، وبعد ذلك بفترة قصيرة، إنهمكت الحكومة الجديدة بحرب طائفية مع انفصاليين مدعومين من موسكو في منطقة مستقلّة في أوسيتيا الجنوبية. وأدّت الحرب إلى قيام قوة مشتركة مؤلّفة من روس، وأوستيين، وجورجيين بحفظ السلام في المنطقة. وحدث الأمر نفسه في أبخازيا، وهي منطقة مستقلّة أخرى طالب فيها انفصاليون مدعمون من الروس بالانفصال عن جورجيا في 1992-1993.

وبقي الصراعان مجمدين حتى عام 2008، عندما كانت الحكومة الجورجية تقوم بمفاوضات للانضمام الى الناتو. فسّرت روسيا هذا التحرّك على أنّه تحدِّ، ويأتي في سياق العديد من الأحداث الدبلوماسية بين البلدين بعد الثورة الوردية التي جاءت بحكومة موالية للغرب الى تبليسي عام 2003، وأدى الى التدخل الروسي في الحرب الداخلية في جورجيا.

في الأول من آب، بدأ انفصاليون أوسيتيون بقصف المناطق المدنية في جورجيا. وبعد أسبوع، أرسل الجيش الجورجي إلى المنطقة واستولى مجدداً على العاصمة الأوسيتية تسخينفالي. واتّهمت روسيا جورجيا بالاعتداء على أوسيتيا الجنوبية وأطلقت “عملية لفرض السلام” في جورجيا. ونجحت الجيوش الروسية والأوسيتية بإخراج الجيش الجورجي من أوسيتيا الجنوبية في غضون أربعة أيام، في حين هاجم الانفصاليون في أبخازيا المدعومون من القوات الروسية الأراضي الجورجية. وقامت البحرية الروسية كذلك بمحاصرة الساحل الجورجي.

على الرغم من وقف اطلاق النار بوساطة فرنسية الذي تم التفاوض عليه في 12 آب، احتلّت جيوش روسية المدن الجورجية زوغديدي، وسيناكي، وبوتي، وغوري وسلبت القواعد العسكرية الجورجية. بالاضافة الى ذلك، اعترفت روسيا بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية كجمهوريتين مستقلتين في 26 آب. وسحبت روسيا جنودها من جورجيا في تشرين الأول 2008.

أبقت روسيا جنودها في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية منتهكةً وقف إطلاق النار. واتهمت جورجيا مؤخراً روسيا بانتهاك القانون الدولي بعد أن نصبت علامات حدودية جديدة في منطقة أوسيتيا الجنوبية المتنازع عليها، مستوليةً على جزء من أنبوب نفط بريطاني في خضم هذه العملية.

مستوحياً ما قام به الإنفصاليون في القرم الذين صوتوا للانفصال عن أوكرانيا وللتوحّد مع روسيا في آذار 2014، تحدث الزعيم الانفصالي لأوسيتيا الجنوبية عن مشاريع لإقامة استفتاء حول ضرورة انضمام المنطقة إلى روسيا أو لا.

2014 أوكرانيا

بعد أزمة عام 2014 في القرم، قيل إن جنودا روس في ثياب مدنية ساعدوا انفصاليين موالين للروس في الاستيلاء على مواقع استراتيجية للسيطرة على البنى التحتية بعد أن ألحقت روسيا المنطقة الأوكرانية بها بعد استفتاء مثير للجدل. وفي آذار 2014، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على معاهدة لضم القرم الى روسيا. ووصفت أوكرانيا ذلك بالإلحاق.

ودافعت روسيا عن إلحاق القرم بها على اعتبار أنّها جزء “مستعاد” من الأرض. حيث منح القائد السوفياتي نيكيتا خروشكيف القرم إلى أوكرانيا في الخمسينات.

ومباشرةً بعد إلحاق القرم، بدأت مجموعات موالية لروسيا مظاهرات في منطقة دونباس في أوكرانيا، وارتفعت حدة التوترات مباشرةً لتتحوّل الى صراع مسلّح بين انفصاليين مسلحين وقوات الحكومة الأوكرانية. نفت روسيا تدخّلها عسكرياً في أوكرانيا- فزعم الكرملين إنّ متطوعين وجنوداً كانوا في عطلة هم الذين حاربوا إلى جانب الثوار في شرقي أوكرانيا، لكن كييف ومنظمات غربية، ومراقبين دوليين، يقولون إنّ روسيا هي التي أرسلت جنودها. حيث جرى الحديث عن معدات عسكرية روسية في أوكرانيا، وفي آب، قيل إنّ دبابات روسية عبرت الحدود في العديد من المواقع في منطقة دونيتسك. واعتبرت الحكومة في كييف أنّ الجيش الروسي هو المسؤول عن هزيمة القوات الأوكرانية في أيلول 2014.

هذا ولاحظت بعثة مراقبة تابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا مواكب أسلحة ثقيلة ودبابات في الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون. وذكر مراقبو البعثة وجود مركبات مموهّة على انها مواكب مساعدات انسانية تنقل ذخائر وجنود موتى عبر الحدود الروسية- الأوكرانية. وحاول الكرملين إسكات ناشطي حقوق الإنسان الذي حاولوا التوعية على موضوع الجنود الروس الذين يعودون الى ديارهم محملين في نعوش.

جرى التوقيع على وقف لإطلاق النار في شباط 2015، لكن أياً من الجانبين لم يحترمه. وفي بداية أيلول، اتّفق الإنفصاليون والحكومة على حد سواء على وقف الانتهاكات وفرض تطبيق وقف إطلاق النار.

آنا ماريا لوكا على تويتر @aml1609

هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور

موقع لبنان ناو

 

 

 

 

 

موسكو ورحلة البحث عن مخرج من سوريا/ عامر راشد

مؤشر التوقعات الروسية

استنفاد بنك الأهداف

البحث عن مخرج

تغير في الموقف

تواصل الغارات الجوية الروسية في سوريا ترافق في الأيام القليلة الماضية مع تغير واضح في الخطاب السياسي لموسكو مع تقديرات بأن بنك أهداف تدخلها العسكري آخذ بالنفاد، أو تعثر ما بقي منه، مع بروز تناقضات واسعة بين رؤيتها وأهدافها ورؤية وأهداف القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة السورية، الأمر الذي لا بد أن يدفع الكرملين للبحث عن مخرج سريع من خلال البحث عن مقاربات مع تلك القوى.

تبدي القيادتان السياسية والعسكرية في روسيا ارتياحهما للنتائج الميدانية التي تمخضت حتى الآن عن التدخل العسكري الروسي في سوريا، حيث تؤكد موسكو أنها حققت أغلب الأهداف المباشرة، ويعبر عن ذلك في الخطاب الرسمي بالحديث عن توجيه “ضربات ساحقة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والجماعات المتطرفة الأخرى”، واستخدام أسلحة متطورة وفتاكة تستخدم للمرة الأولى.

ويرى العديد من الخبراء العسكريين والسياسيين في موسكو أن تجريب هذه الأسلحة كان على رأس قائمة التدخل العسكري الروسي في سوريا، جنبا إلى جنب مع تحويل العمليات إلى ساحة تدريب لقواتها الجوية والبحرية، لكن قراءة تلك التأكيدات الروسية من زاوية أخرى يفهم منها أن موسكو بدأت تستنفد بنك أهدافها المعلنة، وفي حال لم تستطع أن تقطف ثمارا سياسية لتدخلها العسكري ستكون أمام خيارات صعبة.

مؤشر التوقعات الروسية

قبيل التدخل العسكري -وفي الأيام الأولى من بدء الغارات الجوية المكثفة- رفعت موسكو سقف توقعاتها إزاء المكاسب السياسية التي يمكن أن تحققها، والشروط التي يمكن أن تفرضها على الأطراف الأخرى -الدولية والإقليمية- الفاعلة في الأزمة السورية، إلا أن مؤشر تلك التوقعات ما لبث أن بدأ بالنزول على نحو ملحوظ في ذروة تركيز الخطاب السياسي الدعائي الروسي على “تواصل الإنجازات العسكرية الروسية على الأرض في سوريا”.

وترافق ذلك مع السعي إلى تنشيط قنوات الاتصال السياسية مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وتركيا والسعودية للبحث عن تقاطعات إزاء شكل وأسس الحل السياسي المطلوب في سوريا، أو بمعنى آخر ردم الهوة الواسعة بين القراءة الروسية والقراءة الأميركية والأوروبية الغربية والتركية والخليجية للبيان الختامي الذي صدر عن مؤتمر جنيف1 في يونيو/حزيران 2012.

يشار هنا إلى أن قرار موسكو بالتدخل العسكري في سوريا استند إلى تقديرات تقول الأوساط السياسية الروسية إنها خضعت لبحث معمق على المستويين السياسي والعسكري انطلق من أن الظروف الدولية والإقليمية مواتية للإقدام على التدخل العسكري، حيث يمكن استغلال ضعف موقف الإدارة الأميركية وتخبطها، وانكفاء تركيا على ملفاتها الداخلية استعدادا للانتخابات التشريعية المبكرة ومواجهات الجيش مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي، وانشغال السعودية ودول الخليج العربي بالحرب في اليمن، واستمالة روسيا مواقف بعض الدول المؤثرة نسبيا في الصراع السوري، ولا سيما مصر، فضلا عن انقسام المعارضة السورية على نفسها بشقيها السياسي والعسكري.

غير أن الحسابات الروسية أخذت بعين الاعتبار ضرورة احتواء ردود الفعل الدولية والإقليمية على تدخلها العسكري، وكان تقدير موسكو أن ذلك ممكن إذا ما أحسنت توظيف التقاطعات بين مواقفها ومواقف القوى الأخرى مثل الموقف من داعش، وضرورة الحفاظ على الدولة السورية ومنع انهيارها، وهو ما تردده المواقف الأميركية والأوروبية على وجه الخصوص، واحتواء النفوذ الإيراني في سوريا.

وتعاملت الدبلوماسية الروسية مع تلك التقاطعات كرسائل طمأنة لمختلف الأطراف المؤثرة في الأزمة السورية، ولعل هذا ما يفسر ردود الفعل الدولية والإقليمية “المنضبطة” في البداية قبل أن تبدأ المواقف بالتغير بدرجات مختلفة على ضوء استهداف موجة الضربات الجوية الروسية مواقع المعارضة السورية التي تصنف عربيا وغربيا بأنها “معتدلة”، واستغلال الجيش النظامي بدعم من إيران وحزب الله تلك الضربات في محاولة لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، خصوصا في محافظات حمص وإدلب وحلب وحماة واللاذقية، أو على الأقل لإيجاد مناطق عازلة لتقوية دفاعات المناطق التي ما زال النظام يسيطر عليها.

استنفاد بنك الأهداف

في تلخيص المعادلة السابقة، الواضح أن رسائل الطمأنة الروسية استنفدت أغراضها مبكرا، وبالتالي تبدو موسكو أمام معضلة استنفاد أهداف تدخلها العسكري في سوريا، وليس أمامها سوى البحث عن مقاربات مع القوى الدولية والإقليمية سيرتب التأخر في الوصول إليها خسائر لروسيا.

وقبل التطرق إلى تأثير مواقف الأطراف المختلفة على التدخل العسكري الروسي في سوريا لا بد من الإشارة إلى أن روسيا لا تستطيع أن تخوض حربا طويلة الأمد في سوريا، ناهيك عن أنها لا تريد أن توسع نطاق تدخلها العسكري إلى عمليات برية، وعندما تم التخطيط للتدخل العسكري كانت المراهنة على ما يمكن أن تحدثه صدمة الضربات الجوية في الأيام الأولى على المعارضة المسلحة، وفي الإطار الأوسع ما سينتجه التدخل العسكري من حراك سياسي دولي وإقليمي.

في النقطة الأولى، خطة التدخل العسكري الروسي كانت تقوم على توقيت زمني محدود سقفه ثلاثة أشهر انطلاقا من تقدير أنها كافية لتغيير الميزان العسكري على الأرض لخلق معادلة سياسية جديدة تفرض فهما جديدا لبيان جنيف1 أقرب إلى الفهم الروسي.

غير أن المعارضة السورية استطاعت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية أن تمتص بدرجة جيدة نسبيا صدمة التدخل الروسي، بينما كان أداء الجيش النظامي السوري وحلفائه الذين يقاتلون إلى جانبه على الأرض ضعيفا جدا، مما يعني أن المعركة ما زالت طويلة ومعقدة بصرف النظر عن الخسائر التي ألحقتها الغارات الجوية الروسية بالمعارضة السورية المسلحة، كتائب الجيش السوري الحر والكتائب الأخرى ذات التوجه الإسلامي، وهي خسائر تجمع عليها الأغلبية الساحقة من التقديرات -وعلى نطاق واسع- بأنها أكثر بكثير من الخسائر التي مني بها تنظيم الدولة جراء الضربات الجوية الروسية.

وفي النقطة الثانية، إن تصريح وزير الدفاع الأميركي بأن روسيا ستخسر الحرب في سوريا يفهم منه أن الولايات المتحدة ستعمل على ذلك بالتعاون مع حلفائها في الملف السوري، ورغم أن واشنطن لن تقدم على تزويد المعارضة السورية المسلحة بصواريخ أرض جو محمولة على الكتف، ليس بسبب الفيتو الروسي بل بسبب الفيتو الإسرائيلي فإن تزويد المعارضة السورية المسلحة بصواريخ مضادة للدروع وصنوف أخرى من الأسلحة سيفوت على روسيا أن تحقق ضرباتها الجوية أهدافا كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا، وبالتالي تقليص الهدف السياسي من دعم بقاء النظام إلى تأخير سقوطه.

نقطة أخرى من الضروري الإشارة إليها في هذا السياق، وهي أن كلفة التدخل العسكري الروسي ما زالت محدودة، وهناك تكتم كبير على النفقات والتكاليف، لكن النتائج الأولى ظهرت في مشروع موازنة 2016، ويقدر العجز بـ3%، ويمكن أن تزيد النتائج السلبية في حال تورطت روسيا أكثر، خاصة بعد فشل تعويل السياسيين والاقتصاديين الروس على ارتفاع أسعار النفط.

البحث عن مخرج

مع عودة حديث موسكو عن أولوية التسوية السياسية للحرب في سوريا أدلى رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيدف بتصريح لفضائية روسيا24 قال فيه “نحن بالطبع لا نقاتل لصالح قادة محددين، وإنما ندافع عن مصالحنا القومية.. مسألة الرئاسة السورية أمر يقرره الشعب السوري”. جاء ذلك عشية رفض واشنطن استقباله على رأس وفد روسي رفيع المستوى وتزايد الخشية من إغضاب أنقرة لما قد يترتب على ذلك من ارتدادات سياسية واقتصادية تبعا لمحورية الدور التركي في الأزمة السورية، وأهمية السيل التركي للغاز بعد توقف السيل الجنوبي، وعدم كفاية السيل الشمالي للغاز، وحجم التبادل التجاري بين البلدين.. إلخ.

وعلى الصعيد العملي، قبلت روسيا المشاركة في اجتماع اقترحته الولايات المتحدة، ويضم أيضا تركيا والسعودية دون مشاركة إيران، ولوحظ أيضا تغيير في اللهجة الروسية إزاء الجيش السوري الحر، وليس بعيدا عن أجواء التغيير الملحوظ والمتلاحق في المواقف ما نقلته وكالة “رويترز” عن مراجع تركية كشفت عن أن أنقرة تقبل أن يكون رحيل الرئيس بشار الأسد بعد ستة أشهر.

وجاءت تحليلات المراقبين لحيثيات ونتائج الزيارة الخاطفة والسرية التي قام بها الأسد إلى موسكو لتصب باتجاه التشديد على أن الموضوع لم يعد بقاء الأسد في السلطة أو رحيله بل متى سيرحل، والأسابيع وربما الأيام القليلة القادمة ستكشف عن ذلك وسط اعتقاد رائج بأن الأمر أصبح مبدئيا محل توافق على نطاق واسع.

تغير في الموقف

في هذا السياق، تأتي الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لأطراف النزاع في سوريا للحوار من أجل التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية، مع تعهد خطي بعدم ترشح الأسد فيها كما أبدى لافروف في لقاء مع قناة روسيا1 بعد الاجتماع الرباعي في فيينا استعداد روسيا لتقديم دعم جوي للمعارضة السورية بما في ذلك الجيش السوري الحر من أجل محاربة “داعش”.

وبالتدقيق في دعوة لافروف هناك تراجع عن مطلب ترشح الأسد في أي انتخابات رئاسية قادمة، والاستعداد لموقف مختلف تجاه الجيش السوري الحر، ويبدو أن اقتراح إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية هو محاولة لجس النبض ليس أكثر، وبداية عملية تفاوضية لمقاربات حول فهم وترجمة بيان جنيف1.

ولعل موسكو تقدر مسبقا أن مقترح الانتخابات بالصيغة التي طرحتها لن يكون مقبولا من الأطراف الأخرى، فإذا ما وضعنا جانبا عدم إمكانية توفير ظروف إجراء انتخابات فإن صيغته المقترح تتجاوز نص بيان جنيف1 على مرحلة انتقالية تتولى الحكم فيها هيئة انتقالية باستطاعتها تأمين بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وإعادة النظر بالمنظومة القانونية والدستورية قبل إجراء أي انتخابات، والمساءلة عن الأفعال المرتكبة وإعداد مجموعة شاملة من أدوات العدالة الانتقالية.. إلخ.

وبالتالي لا بد من الوصول إلى نقطة وسط يتطلب الوصول إليها اقتراب روسيا من فهم باقي الأطراف لمضمون بيان جنيف1، والكيفية التي سينفذ فيها.

لكن -وفي كل الأحوال- فإن الحديث عن إيجاد مخرج لا يدور تحت سقف زمني مفتوح، وتدرك موسكو ذلك وبدأت تأخذه بعين الاعتبار، وستحاول أن تبذل كل ما بوسعها من أجل الإبقاء على الشق الثاني من خطة تدخلها العسكري في سوريا التي يقال إنها أبلغتها للأطراف الدولية الفاعلة ولم تنفذ كما يجب.

فالشق الأول ضرب داعش وإضعاف دور إيران وحزب الله، بينما يقضي الشق الثاني بانتهاء دور الأسد لمصلحة رئيس وزراء “سني” قوي بعد مدة محددة من تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، مع المحافظة على مؤسسات الدولة، خاصة الجيش، لكن عقدة المنشار تبقى في المسؤولية عن الأجهزة الأمنية والجيش، ناهيك عن عقدة الخلاف على توقيت رحيل الأسد عن السلطة.

الجزيرة نت

 

 

 

التدخل العسكري الروسي في سوريا: أسبابه، وتداعياته، وآفاقه المستقبلية

ماجد أبو دياك

مقدمة

أعاد التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا توجيه دفة الأحداث؛ فقد بدأ النظام السوري في الأشهر القليلة الماضية يفقد مواقعه أمام تقدم المعارضة المسلحة في الشمال الشرقي، وباتت قاعدته الرئيسية في اللاذقية مهددة تهديدًا جديًّا.

وكان يمكن لتغيير موازين القوى على الصعيد الميداني أن يفسح المجال أمام البحث عن حلٍّ سياسي يتضمن رحيل الأسد، لكن التدخل الروسي تحت غطاء حماية النظام ومحاربة الإرهاب خلَطَ الأوراق من جديد وعقَّد مسار التسوية السياسية، وجعل احتمال قبول الأسد بالرحيل أضعف من السابق.

فما هي أسباب وسياقات التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا؟ ما أهدافه واستراتيجيته؟ كيف سيؤثِّر على وضع النظام السوري وحلفائه الإقليميين؟ ما تأثيراته على المعارضة وحلفائها؟ وهل ما زال بالإمكان الوصول إلى تسوية سياسية في المدى القريب؟

حول هذا الموضوع، نظَّم مركز الجزيرة للدراسات، الاثنين 19 أكتوبر/تشرين الأول، ندوة عامة بعنوان: “التدخل العسكري الروسي في سوريا: أسبابه، وتداعياته، وآفاقه المستقبلية”.

وتحدَّث في الندوة المذكورة كل من: الأستاذ جمال خاشقجي، الإعلامي والكاتب السعودي، ومدير عام قناة العرب الإخبارية، والمؤرِّخ الدكتور بشير موسى نافع، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، والشيخ محفوظ ولد الوالد (أبو حفص الموريتاني) مفتي تنظيم القاعدة سابقًا، والأستاذ غالب دالاي، مدير الأبحاث في منتدى الشرق، الباحث التركي المشارك في مركز الجزيرة للدراسات، إضافة إلى ميشيل كيلو، الكاتب والمعارض السوري وعضو الائتلاف الوطني المعارض، والدكتور لؤي صافي، المعارض السوري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة حمد بن خليفة.

إنقاذ النظام ومنع الانهيار

وافتتح المعارض السوري ميشيل كيلو الندوة بالقول: إن التدخل الروسي هو عدوان مباشر ومرتبط بسرعة انهيار النظام، وذلك بعد كسر الحصار في الغوطة الشرقية ما أدى إلى انهيار النظام في المنطقة على أييد المعارضة حيث دخلت منطقة تشرين وحي الثورة في دوما بحوزة الثوار؛ الأمر الذي شكَّل تقدمًا مهمًّا مهَّد الطريق للوصول إلى دمشق.

وقال كيلو: إن روسيا ستواجه في سوريا حجم مشكلات هائلة إذ إنها قوة عسكرية متقدمة ولكنها متوسطة في بقية المجالات؛ حيث ستعطِّل قلَّة إمكاناتها الاقتصادية دورَها في بقية مناطق العالم مثل أوروبا الشرقية وأفغانستان والعالم العربي.

وأشار المعارض السوري إلى محاولة روسيا تعزيز دورها في العالم عن طريق دخول سوريا بعد أن كانت ترفض التدخل الغربي فيها، وذلك بهدف الإمساك بمفاصل القرار العالمي.

وختم كيلو مداخلته بالقول: إن الوجود الروسي في سوريا سيطول حتى مع الحل السياسي.

أمَّا الأستاذ جمال خاشقجي فأكَّد أن روسيا أرادت استنقاذ النظام من السقوط وإسقاط الثورة السورية التي حققت نجاحات على الأرض مؤخرًا، مستبعدًا نظريات من قبيل التواجد على الساحل السوري وحماية قواعدهم هناك أو منع قيام دولة إسلامية على يد داعش أو حتى محاولة الحدِّ من وجود الإيرانيين مشيرًا إلى أن هؤلاء لاعبون كبار ومن الصعب إخراجهم من المنطقة، بل على العكس إن الوجود الروسي يعزِّز الوجود الإيراني ويدعمه، كما ترى السعودية.

وأشار الكاتب السعودي إلى التوتر الذي سيخلقه العدوان الروسي مع السعودية، مشيرًا إلى أن دولًا خليجية لا تُقاسِم السعودية نظرتها لهذا العدوان كما حصل في اليمن.

وقال خاشقجي: إن روسيا لن تكتفي بتقسيم سوريا في حالة فشلها في هزيمة المعارضة، مشيرًا إلى أن هذا التقسيم لن تقبل به سوى إسرائيل، فيما تعتبر إيران أن لها حقًّا تاريخيًّا في سوريا وأن ذلك يجب أن ترفضه مصر التي كانت تعتبر الجيش السوري هو الجيش المصري الأول لحمايتها من التمدد الإيراني ولم تعد كذلك الآن.

أزمة طويلة الأمد

من ناحيته، قال الباحث بشير نافع: إن سوريا أهم في علاقات روسيا التحالفية من إيران، مستشهدًا بذلك بالقاعدة الروسية في طرطوس ومراكز التنصت في جبال اللاذقية والتي لا مثيل لها لروسيا في العالم.

ولكنَّ نافع أكَّد أن روسيا تريد أن تُعامَل كقوة رئيسية في العالم منذ ما جرى في جورجيا، وأنها متحسِّسة جدًّا من ملامسة توسُّع الناتو لحدودها إلى درجة نشر صواريخ من دول كثيرة أوروبية عليها ثم جاء انفصال أوكرانيا التي تعتبرها الحاضنة الدينية لها وشبيهة بأهميتها الدينية لأهمية القدس لدى المسلمين ليزيد الطين بلَّة لروسيا.

وقال نافع: إن بوتين تبنَّى منطقًا شبيهًا بمنطق الصين الذي يرى أن تشجيع الولايات المتحدة للتحول الديمقراطي في المنطقة سيصل آسيا وربما أوكرانيا نفسها وهو الأمر الذي دفعه لمعارضة هذا التوسع.

ولهذا كله، يرى المؤرِّخ والباحث الأول في مركز الدراسات أن التدخل الروسي في سوريا هو تدخل بالغ الجدية ويزيد الوضع تعقيدًا، وربما يطول لفترة لا ترتبط بما يحققه من إنجازات على الأرض.

وأكَّد نافع أن روسيا ستحاول مساعدة النظام على استعادة ما فقد من أراض، أو على الأقل السعي لتعزيز وضع النظام في الساحل والسعي دون تحول بقية المناطق إلى مناطق نفوذ لداعش وعدم تقسيم سوريا. وأضاف: إن التدخل الروسي قد لا يصل إلى التدخل الميداني لأنها جرَّبته في أفغانستان وفشل.

وختم نافع كلمته بالقول: إن السعودية وتركيا وقطر تستطيع إفشال التدخل بدعم أميركي-غربي.

من ناحيته، قال لؤي صافي: إن التدخل كان لقطع الطريق على التدخل الإيراني، مشيرًا في هذا السياق إلى تقاطع المصالح الذي حصل بين موسكو وواشنطن مدلِّلًا على ذلك بسحب حلف الناتو قبل شهرين من التدخل الروسي لصواريخ باتريوت؛ ما يعني أن واشطن ربما تكون قررت إعطاء فرصة لروسيا لوقف تنظيم داعش.

ومع ذلك، يشير صافي إلى أنه ليس هناك تطابق في المواقف إذ إن روسيا ضربت مواقع للمعارضة المعتدلة والمدعومة من قبل واشنطن، وأن ما يجري هو عدم اكتراث الدول الأساسية بمصلحة الشعب السوري، وتحويل سوريا إلى منطقة مدمَّرة تحت سيطرة التطرف.

تأخير الانهيار

أمَّا الشيخ محفوظ ولد الوالد فأكَّد من جانبه على أن التدخل جاء بعد اتساع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتلقِّي إيران هزائم كبيرة في سوريا.

وأشار مفتي القاعدة السابق إلى أن التدخل سيؤخِّر من انهيار النظام فقط ولن يمنع ذلك. وأشار إلى أن روسيا كانت تعاني أصلًا من عزلة وأن بوتين مسكون بالقيصرية الروسية وعَكَسَ ذلك من خلال حربه في غروزني، كما أشار إلى مباركة الكنيسة الأرثوذكسية التي اعتبرت حربه على سوريا حربًا دينية؛ الأمر الذي ينذر بتحويل الصراع في المنطقة إلى حرب دينية بالفعل.

ولفت الشيخ محفوظ إلى محاولة روسيا استخدام ترسانتها للعودة إلى المسرح الدولي بعد غياب منذ 1973، وبعد فشل استخدام الفيتو ضد أي قرار ضد سوريا 4 مرات متتالية.

واعتبر مفتي القاعدة أن التدخل الروسي لن يكون حاسمًا في سوريا في ظلِّ الحصار الاقتصادي الذي تعيشه روسيا وهبوط الدخل المعتمد على الطاقة، وعدم دقة الصواريخ التي استخدمتها، مع إمكانية حصول الثوار على صواريخ مضادة للطيران.

سوريا بلا أسد

أمَّا الباحث غالب دالاي فركَّز على الدور التركي ومواجهتها لروسيا في الحرب مشيرًا إلى معاناة تركيا من السياسات الروسية في المنطقة، بما في ذلك اختراق مجالها الجوي مؤخرًا.

وأكَّد دالاي على مطالبة تركيا بسوريا بدون الأسد كشرط لأي حلٍّ سياسي، وأن لا يكون تأثير للجوار بما في ذلك العراق ومحاولة حلِّ مشاكله بالحوار. كما طالب بتجهيز المعارضة بكل ما يلزم بما في ذلك السلاح في حل فشل الحل السياسي في سوريا.

وأكَّد الباحث التركي على مطلب تركيا بمنطقة حظر للطيران في شمال العراق والسماح لقواعدها العسكرية بتوفير ملاذ آمن لحماية المدنيين على أن تتمدد المنطقة العازلة لاحقًا باتجاه الجنوب في وجه الهجرات المتزايدة والتي لا تستطيع تركيا استيعابها بالكامل.

وحذَّر دالاي من تحول الأزمة من محاربة النظام إلى محاربة داعش، مشيرًا إلى منع روسيا من استمرار اختراق المجال الجوي التركي الذي يحتاج لدفاعات الناتو ونشر صواريخ باتريوت لوقفه.

الخلاصة

خلص الباحثون في ندوة التدخل العسكري الروسي في سوريا إلى أن الهدف كان لإنقاذ النظام الآيل للسقوط بعد سلسلة الانتصارات التي حققتها المعارضة في شمال شرق سوريا واقترابها من اللاذقية. وأكد الباحثون انعدام فرصة التدخل في تحقيق إنجاز وازن لروسيا في المنطقة أو تحقيق قفزة في وضعها الإقليمي، لأسباب اقتصادية داخلية وأسباب خارجية تتعلق بدور المعارضة المتعاظم والدور الغربي الداعم.

وتحدث الباحثون عن مآل التدخل الذي قالوا: إنه قد يسفر عن وقف التدهور وحفاظ النظام على دمشق واللاذقية (سوريا التاريخية) مستبعدين إمكانية إعادة النظام إلى ما كان عليه.

_____________________________

ماجد أبو دياك – باحث في مركز الجزيرة للدراسات

 

 

 

روسيا تبحث عن صيغة «لا غالب ولا مغلوب» عسكرياً/ عبدالوهاب بدرخان

في البيئة الموالية لبشار الأسد، كما في الحلقة الضيقة للنظام، فرضت «نهاية العهد» مناخها على الجميع. سبق أن مرّوا في الأعوام الماضية بمراحل مشابهة، إلا أنها هذه المرّة أكثر عمقاً وجديّة. كان نقل رئيس النظام وحده في طائرة عسكرية، وجلوسه وحده في مواجهة سادة الكرملين، كافيَين لاستنتاج أن الأمر يتعلّق بالأسد شخصياً وليس بمحادثات بين دولتين، وإلا لوجب حضور بعض «المرافقين» من وزراء أو مستشارين. وطالما أن البحث «شخصي» فهو ما كان ليعني سوى «مصير الأسد» الذي يعتبر معظم عواصم العالم أن حسمه يفتح الطريق إلى الحل السياسي. في الحقبة السابقة، جعل الإيرانيون من «بقاء الأسد» نوعاً من «خطٍّ أحمر»، أما الروس فجعلوه قيد التداول بعد ثلاثة أسابيع من بدء عملياتهم الجوية، لكنهم يحاولون إيجاد الإخراج المناسب.

وفي البيئة الموالية أيضاً، ازدادت الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، متناولة الأسد في مسائل شخصية أو أنشطة القريبين منه، خصوصاً في النزاعات الناشبة بين «مكتب متابعة الشؤون الاجتماعية» و «الأمانة السورية للتنمية» على ميزانيات «دعم أسر الشهداء» وعلى الحصص من تجارة «مساعدات الأمم المتحدة» التي يوزَّع بعض منها ويصادر جُلّها ليعاد بيعه. وكانت الهزائم التي تعرضت لها قوات النظام جعلت عائلات العسكريين القتلى تسلّط الأضواء على الفساد المتفشّي وبذخ فئة معينة من الضباط و «جيوش الشبّيحة المرافقين» التي تواكبهم. كما أن ظروف سقوط بعض المواقع وشَت بتواطؤ ضباط أو ارتشائهم، لكنهم مع ذلك استمرّوا على رأس عملهم دون مساءلة، في حين أشار البعض إلى أن الرصاص الذي يطلق ابتهاجاً بخطب الأسد كان يكفي لإنقاذ أولادهم الذين قضوا بسبب نفاد ذخيرتهم.

لم يسبق لمتابعي أوضاع النظام عن كثب أن لمسوا مثل هذه المرارة لدى الموالين الذين ينهشون الأسد حالياً ويحملونه مسؤولية ما حصل، من الفشل في إدارة الأزمة ثم الفشل في حسمها، وصولاً إلى «بيع البلد» إلى الإيرانيين ومن ثَمّ تسليمه إلى الروس. فالمزاج الداخلي لم يعد مختلفاً عن الجو الخارجي، وفقاً لشهادات موالين يتمنّون الآن أن يستمر الضغط الدولي لتأكيد «رحيل الأسد»، ورغم أنهم يختلفون مع المعارضة في منطلقاتها إلا أنهم صاروا يلتقون معها على أن بقاءه إطالة للأزمة من دون أي فائدة. ويبدو أن الوجود الروسي أسقط آخر الأوهام لدى الموالين الذين سجّلوا أن بنيامين نتانياهو كان آخر مَن اجتمع مع فلاديمير بوتين للاتفاق على قواعد الاشتباك قبل أن يعطي الأخير أوامره للبدء بالحملة الجوية، وهالهم أن تقصف إسرائيل في الجولان في اليوم التالي ردّاً على قصف من الجانب السوري، ورغم أن دمشق نفت، إلا أن الإسرائيليين أكدوا قصف ما تسمّى «كتائب المقاومة السورية» التي اختفت ولم تعد تظهر في المنطقة.

راهن النظام على روسيا، وانتعش بالضربات الأولى، لكن مسار المعارك البرّية خيّب توقعات الروس، لذلك فضّلوا العودة سريعاً إلى سيناريو الحل السياسي. وراهن الإيرانيون على روسيا، بل شاركوها في التخطيط، ورحّبوا بالتغيير الذي طرأ على المعادلة الميدانية، لكن التنسيق الروسي المتوقّع مع إسرائيل صدمهم، إلى حدّ أنهم لم يعلّقوا عليه سلباً أو إيجاباً، كما لو أنه لم يحصل. لا يستطيع النظام وإيران القول أن الروس فاجأوهما، لكنهما ربما توقّعا أن تؤجل موسكو طرح الجانب السياسي إلى ما بعد الشهر الثالث من التدخّل، أقلّه لمنح المعارك البرّية فرصة كاملة. صحيح أن هذه الفرصة لم تُلغَ، لكن الواضح أن الروس لم يشأوا رهن خياراتهم بها أو بتنسيقهم الأساسي مع الإيرانيين. والأرجح أن توقيت استدعاء الأسد لمفاتحته بتزامن المسارين العسكري والسياسي شكّل صدمة أخرى. قبل ذلك، كانت دمشق وطهران تيقنتا بأن روسيا تعمل وفقاً لحساباتها أولاً، وبأنها ألزمت نفسها بخطّة زمنية غير مريحة لهما، لكن الأهم أنها تعمل بالشروط والمحدّدات التي شرحتها لكل من اتصلت بهم.

ماذا قال الروس وماذا فعلوا؟ قالوا أنهم يريدون إعادة الاعتبار للجيش السوري، الذي كان يُعتبر دائماً ورقتهم السورية الأكثر أهمية. عندما تحدث الأسد في خطابه الأخير عن هزائم الجيش وشكا من نقص في العديد والسلاح، «كان يتوجّه إلينا» وكان يشير عملياً إلى أن إيران «لم تحقق شيئاً على الأرض»، كما قال ميخائيل بوغدانوف للعديد ممن التقاهم، «لذا قررنا القيام بعمل إسعافي، فقد دعونا دائماً إلى الحفاظ على المؤسسات وأبرزها الجيش، ولذلك سنضرب كل مَن هو خارج الجيش، بما في ذلك الجيش الحرّ، وسنتيح الفرصة للجميع إما للالتحاق بالجيش أو للانضمام إليه». وفي نهاية الأسبوع الأول من تشرين الأول (اكتوبر) الجاري، التقى بوغدانوف على مدى ثلاثة أيام في باريس مع اثنين وأربعين ضابطاً جاء معظمهم من تركيا ليعرض عليهم أهداف التدخل الروسي. ويبدو أن موسكو، التي تجاهلت كلياً معاناة الشعب السوري وطموحاته، لم تستطع على الأقل تجاهل الأسباب التي دفعت بهؤلاء العسكريين إلى الانشقاق أو النأي بأنفسهم عن الصراع، ولا يمكنها الآن أن تدعوهم للعودة إلى الجيش بأوضاعه وهيكليته التي فضّلوا الابتعاد عنها.

لم تتأخر موسكو، بعد الضربات الأولى لـ «الجيش الحرّ» ونفيها استهدافه، عن إطلاق الرسائل بلسان سيرغي لافروف إلى هذا «الجيش» بدءاً بعدم اعتباره «منظمة إرهابية» وصولاً إلى إبداء الاستعداد لإسناده بقصف جوي إذا قاتل تنظيم «داعش». وعندما ذُكر أن قوات للنظام في الحفّة وحمص وإدلب وغوطة دمشق تعرضت «بالخطأ» لقصف من الطيران الروسي، تبيّن أنها لم تضرب خطأً وأنها ليست تابعة للنظام، أي للجيش، بل هي لميليشيات «جيش الدفاع الوطني» و «اللجان الشعبية» و «كتائب البعث» التي أنشأتها إيران ودرّبتها وسلّحتها، وهي الآن مدعوة للانضمام إلى «الفيلق الرابع» المستحدث لاستيعابها خارج الإمرة الإيرانية. ولعل هذا المناخ الجديد الذي يحاول الروس إشاعته هو ما دعا «الجيش الحرّ» في الجبهة الجنوبية (درعا) إلى توجيه «رسالة إلى الشعب الروسي» وتولّى أحد الضباط بثّها على اليوتيوب باللغة الروسية، ليلفت إلى أنه تعلّم وتدرّب في روسيا ولا يريد «افغانستان ثانية» يقاتل فيها ورفاقه ضد الروس.

بمعزل عن المسار السياسي الذي يُفترض أن يتعامل مع مشهد بالغ التشرذم والتعقيد، ويواجه تسويات صعبة خصوصاً في ما يتعلّق بتعارض المواقف الدولية من «مصير الأسد»، يبرز التحرك نحو إعادة توحيد الجيش كهدف رئيسي لروسيا، فمن خلاله ستمسك بورقتها الأقوى وستتمكّن من تأمين مصالحها، ولا يبدو أن دورها هذا يلقى اعتراضات جوهرية، إلا أن إيران لم تقل كلمتها بعد، فهي بدأت تخسر مما بنته على المستوى العسكري والأمني. ولترتيب ذلك، يروّج الروس لـ «مجلس عسكري» يبحثون حالياً في تركيبته التي يجب أن تبعث برسالة ثقة إلى سائر العسكريين، ومن البديهي أن ينكبّ على إعادة هيكلة الجيش وتنظيمه، لكن مثل هذه المهمة لن تكون متاحة بإشراف الأسد وتحتاج إلى صلاحيات يملكها هو حالياً ولا بدّ من نقلها كلياً أو جزئياً إلى هذا «المجلس».

ما يشجّع أطرافاً خارجية كثيرة على دعم هذا التحرّك الروسي أنه يوحي بالحفاظ على الدولة المركزية واستبعاد التشطير التقسيمي للبلد. إذ يسعى الروس إلى إقناع العسكريين بصيغة مفادها أن الجميع قاتل وصمد وحقق ما يستطيعه، أي إلى صيغة «لا غالب ولا مغلوب» كمدخل لترغيبهم بالانخراط في إعادة توحيد القوات المسلحة باعتبارها الجيش السوري وليس «الجيش الأسدي»، وأن الجيش وحده يضمن وحدة سورية. ليس مؤكداً أن عملية استقطاب العسكريين ستكون سهلة، خصوصاً إذا لم تترافق بوضوح مع الجانب السياسي حيث لا تنفع صيغة «لا غالب ولا مغلوب» ولا بد من عدالة انتقالية لإنصاف مئات الآلاف الذين ظلموا كما لا بد من محاسبة النظام ورموزه.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

 

الوجود الروسي وطموحات إيران!/ الياس الديري

يبدو أن القيصر فلاديمير بوتين مقتنعٌ بأهميّة إشراك الدول العربيّة الفاعلة في صنع الحلّ السياسي للكارثة السوريّة التي تضاهي كل ما حلّ بدول المنطقة.

وهذا الاقتناع يعني، في رأي الخبراء والمخضرمين، أن على إيران أن تتحضّر نفسيّاً وعمليّاً وسياسيّاً لإعادة النظر في خريطة طموحاتها، كما في سعيها إلى فرض نفوذها على المنطقة كزعيمة وحيدة، مُطلقة اليد، مُطلقة الصلاحيّات.

ماذا يعني ذلك في العرف السياسي؟

يعني في رأي المجرّبين أن حساب الحقل لم يطابق مع طهران حساب البيدر. وكان من الطبيعي أن يتلخبط كل ما رسمته.

لقد اضطرت الجمهوريّة الإسلاميّة الطامحة إلى مركز الامبراطوريّة “القديمة” إلى دبّ الصوت، والاستغاثة بالقيصر الروسي. وهنا عند هذه النقطة اختلط النقل بالزعرور. واستيقظ القادة الكبار في طهران من رقدة النشوة والنوم على حرير المخطّطات بعد الانسحاب الأميركي من رمال الشرق الأوسط ووحوله.

إلا أن الواقع على الأرض في سوريا والعراق واليمن وليبيا يشهد بالأدلّة، والبيّنات، والوقائع أن إيران لم تتمكّن، على رغم كل ما بذلته، من إنقاذ الحليف السوري القديم هو ونظامه.

فالاحتكام سيكون إلى الحلول السياسيّة، التي يحرص بوتين على إشراك مصر والمملكة العربيّة السعوديّة وتركيا والأردن ودول أخرى في البحث عنها، وعن الطرق والوسائل المؤدّية إليها.

إنما لن يكون أي حلّ، يتم التوصّل إليه، في مصلحة الأحلام والمخطّطات الإيرانيّة، بل ربما أخذ في طريقه حتى أقرب الاحتمالات وأقرب الدول إلى إيران، وربما لبنان أيضاً وتلقائيّاً.

فالقيصر أعلن بصراحة أنه جاء إلى المنطقة مع أساطيله ليوقف الحروب العبثيّة، ويوفّر الحماية للأقليّات والمسيحيّين، وللبنان أيضاً.

وهذا الفارق البسيط في الحسابات والتطوّرات سيحدث حتماً التبدّل التاريخي في المنطقة، ودولها، والدول المتطلّعة إلى انتشار نفوذها وهيمنتها منذ عشرات السنين.

فعلى هذا النوع من الحالمين، مهما بلغ من الذكاء، أن يحسب حساباً خاصاً لـ”لعبة الأمم” التي لم يقدر الاتحاد السوفياتي نفسه على الوقوف في وجهها.

وفي هذا السياق، وتأكيداً لكل الاحتمالات، يُفضَّل الاستعانة بالموقف السعودي الجديد. فالملك سلمان بن عبد العزيز حرص على الإعلان أنه “يقيّم عالياً الدور النشيط الذي تلعبه روسيا في العملية السلميّة في سوريا”. وقد تلقى مكالمة في هذا الخصوص من الرئيس فلاديمير بوتين.

يبقى أن المتوقّع والمنتظر حصول تغييرات جذريّة في مختلف المعادلة، وإيقاف رحلة الضياع والانهيار الجماعي.

فهل تَصْدُق قارئة الفنجان؟

النهار

 

 

 

 

السوخوي” تمهّد للانتقال السياسي؟/ راجح الخوري

بعد يومين من بداية العمليات العسكرية الروسية في سوريا، تعمّد فلاديمير بوتين الكشف عن جدول زمني محدد لهذا التدخل، عندما قال ان العملية العسكرية يفترض أن تنتهي مع بداية السنة المقبلة أي أن تستمر أربعة أشهر.

هل هذا يعني ان بوتين يتوهّم أنه سيتمكن في أربعة أشهر، من أن يحسم المعركة المحتدمة منذ أربعة أعوام ونيف، والتي خسر فيها حليفه بشار الأسد ٨٠٪‏ من مساحة سوريا على رغم الدعم الروسي والقتال الميداني الى جانبه من حلفائه الايرانيين؟

قطعاً لا، ليست هذه حسابات بوتين الذي يدرك جيداً منذ البداية، ان تدخله المباشر في سوريا يمكن ان يتحول نزفاً عسكرياً ودموياً لا طاقة لروسيا على تحمّله فترة طويلة، لا من الناحية العسكرية ولا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية السياسية الأخلاقية في بلد يسبح في الدماء!

وسط هذه الحسابات، هل كان من الضروري استعجال تنظيم رحلة جيمسبوندية في طائرة عسكرية روسية لبشار الأسد الى موسكو، حتى قبل ان يؤدي القصف الروسي الى نتائج ثابتة لمصلحة النظام، وماذا يمكن ان يقدم الأسد في موسكو ما لا يقدمه من معاقله المحاصرة في سوريا كما قال بوتين شخصياً؟

ليس خافياً ان بوتين استعجل دعوة الأسد الى موسكو، لأنه يريد ان يستعجل تحريك الحل السياسي الذي يراوح منذ ٣٠ حزيران ٢٠١٢ عند عقدة واحدة، هي كيفية الاتفاق على روزنامة تحدد مراحل عملية الانتقال السياسي وموقع الأسد فيها وبعدها. صحيح ان التصريحات الروسية توحي بالتمسك ببقائه، لكن بوتين المتفق بالضرورة والتأكيد مع الأميركيين على تدخله العسكري، لا يريد ان يظهر فوراً في موقع من يتولى مهمة اخراج الأسد!

لكن بوتين وقد اختار توقيتاً بارعاً للدخول في المستنقع السوري، أولاً في ظل انشغالات الدول الاقليمية التي تدعم المعارضة، وثانياً مع الرغبة الأميركية في عدم الانجرار الى المستنقع السوري، وهو ما يلائم سعيه لاعادة روسيا لاعباً فاعلاً الى المسرح الدولي عبر عرض القوة في اوكرانيا ثم في سوريا، فمن الواضح انه يحرص على اختيار خروج بارع من هذا المستنقع عبر توليه هندسة عملية الانتقال السياسي ان من حيث المضمون أم من حيث الشكل والروزنامة الزمنية لرحيل الأسد!

دعونا من كل التصريحات والمماحكات فهذه من عدة الشغل السياسي ومن مستلزمات دخان التعمية الضروري لانضاج المواقف، فبعد مؤتمر موسكو قنّن بوتين شحنات السلاح للأسد فتراجع ميدانياً وصار أكثر قبولاً لشروط الانتقال السياسي، والقصف الآن على المعارضة يتم للهدف عينه، ولم يكن عادل الجبير ليقول ان الحل آخذ في الاقتراب لو لم تكن ترتيبات العملية الانتقالية آخذة في التقدم والأسد منهمك بحزم حقائبه!

النهار

 

 

 

ألغاز روسيّة: انتحار الجندي وتقدم تنظيم «الدولة»

رأي القدس

أطلق إعلان الجيش الروسي أمس انتحار أحد جنود المنتشرين في سوريا عدّاد أول خسارة رسمية على الأراضي السورية منذ بدء تدخل موسكو العسكري في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي. وزارة الدفاع الروسية أوضحت أن الجندي الذي يعمل بصفة تقني انتحر بسبب «مشاكل مع فتاة في حياته الخاصة».

أحد الجنود الذين خدموا مع فاديم كوستنكو، المنتحر حسب السلطات الروسية، نفى فرضية الانتحار، وهو أمر، إذا لم يبعث الشكّ في الرواية الرسمية الروسية، فهو يفتح الباب لاحتمالات أخرى لوفاة الجندي، قد يكون بينها احتمال مقتله خلال النزاع العسكري الجاري أو ربما اغتياله.

لا يتوقع أحد أن تؤدي هذه الوفاة إلى أي تأثير يذكر في قرار سلطات الكرملين، وباستثناء عائلته وأصدقائه الذين سيفتقدونه ربما، فسيعتبر موته، بل وربما موت العشرات غيره من الجنود الروس، لو حصل لاحقاً، أمراً مجيداً في سبيل توطيد أسس الإمبراطورية الروسية العتيدة، كما أن الأمر لن يغيّر من مواقف نواب «الدوما» الروس، أو من دعم النخبة السياسية الروسية للحرب.

تقول صحيفة «فايننشال تايمز» في عددها الصادر الاثنين الماضي إن تكلفة التدخل العسكري الروسي في سوريا تتراوح بين 2.3 إلى 4 ملايين دولار في اليوم، وهذا المبلغ يشكل قسطاً بسيطاً من ميزانية الدفاع الروسية التي تبلغ هذا العام قرابة 51 مليار دولار، وبالتالي، والقول للصحيفة، فإن مصروفات الحملة العسكرية السورية ستختفي (كما الجندي المنتحر) في «الثقب الأسود لميزانية روسيا العسكرية».

لا يستغرب، والحالة هذه، أن تتحرّك الدبلوماسية الروسية بثقة وأن تردّ على كل خطوات خصومها الافتراضيين بخطوات مكافئة في الاتجاه الآخر، فبعد لقاء يوم الجمعة الماضي الذي عقده وزير خارجيتها سيرغي لافروف مع نظرائه الأمريكي والسعودي والتركي، طرح لافروف أمس إجراء جولة جديدة من المفاوضات بمشاركة إيران يوم الجمعة المقبل، كما طرح إطاراً تمثيليا يضم مصر إلى جانب إيران، والدول المجاورة لسوريا، وهو إطار يعكس ثقل روسيا المستجد في سوريا والمنطقة، ويواجه الوزن السياسي لتركيا بمصر، والسعودية بإيران، كما يوازن الأردن، القريب من دول الخليج، مع لبنان الذي يحتكر «حزب الله» سياسته الخارجية.

بحسب تصريحات كثيرين من معلقيها وإعلامييها فإن روسيا جعلت من المجال الجوي السوري منطقة حظر جوّي خاصة بها، وأنها أجبرت واشنطن على القبول بهذا الواقع، ومن قرأ تصريح وزير الدفاع الأمريكي أمس أن «الجيش الأمريكي سيواصل دعم القوات المحلية بضربات جوية أو نشاط مباشر على الأرض»، سيفهمه باعتباره استمراراً لدعم «قوات الحماية الشعبية» ذراع حزب العمال الكردستاني التركي في سوريا، لا دعماً لمعارضي النظام السوري، مما يعني – من دون الحاجة إلى الكثير من تدوير الزوايا – أن التنسيق الجوّي الروسي الأمريكي، هو نموذج للتنسيق السياسي أيضاً، وأن ما يفعله الأمريكيون عملياً هو الضغط على حلفائهم لقبول فهمهم الضيّق للقضية السورية، الذي يمرّ ضد مصلحة تركيّا والشعب السوري، ويراكم الصعوبات على المعارضة السورية السياسية والمسلحة، ويحاول إقناع السعودية بحسنات بقاء النظام السوري خلال «الفترة الانتقالية»، التي هي، بحسب هذا النظام، لن تبدأ «حتى التخلص من الإرهاب».

هناك جانب مخفيّ يتلاعب الأمريكيون والروس بحيثياته، وهو يشبه انتحار الجنديّ الروسيّ، غير أن هذا التلاعب، يتجاهل فعلاً عناصر الأزمة السورية، ولا يفعل غير أن يفتح شهية «الثقب الأسود» للمنطقة لـ»انتحار» المزيد من الجنود.

وإلا ما الذي يفسّر أنه رغم وجود تحالفين عالميين وإقليميين مزعومين ضد «الدولة الإسلامية» فقد تمكنت من دخول بلدة «السفيرة» حيث توجد أكبر معامل تصنيع أسلحة النظام السوري أمس؟

القدس العربي

 

 

 

التدخل الروسي في سوريا: منطلقاته وآفاقه/ د. سعيد الشهابي

ليس واضحا بعد ما إذا كان الدخول الروسي على خط الازمة السورية سيساهم في ايجاد حل لها ام سيوسع دائرة الصراع في المنطقة. لا شك ان عدم اعتراض الدول الاخرى خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك يخفف من احتمالات نشوب ازمة عالمية كبيرة، ولكن بعض الدول الاقليمية غير راض عن ذلك التدخل، ويرى فيه دعما مباشرا لنظام بشار الأسد، وانحيازا واضحا لمحور سياسي بدأت ملامحه تتبلور في الاعوام الاخيرة ويضم كلا من إيران.

هذا الاستقطاب الذي يزداد وضوحا كل يوم توازيه حالة من الاضطراب في المواقف والتحالفات الاقليمية الاخرى. فتصاعد الانتفاضة الفلسطينية وتزايد سقوط الشهداء عامل لم يكن في حسبان الفرقاء الذين يخوضون صراعات محلية واقليمية. فاذا كانت قوى الثورة المضادة قد نجحت في الاعوام الاخيرة في تهميش القضية الفلسطينية وابعادها عن اهتمام الطبقات المثقفة والنخب، فان تصاعد لهيبها في الاسابيع الاخيرة من شأنه ان يؤثر على الاستقطابات والانتماءات التي تبلورت في مرحلة ما بعد الربيع العربي.

تاريخيا يعتبر المحور الشرقي (السوفييتي) مرادفا لمقولات «الثورة» و«التقدم» و«محاربة الرجعية» و«التصدي للامبريالية». كما كان الانتماء للمحور الغربي (الذي تقوده أمريكا وبريطانيا) مرتبطا بالمقولات المضادة لما سبق. فما الذي تغير سواء في طبيعة قوى هذين المحورين ام في مشاعر القوى التقدمية وولاءاتها وتوجهاتها؟ ولماذا اعيدت الحياة لما تبقى من «المحور التقدمي»؟ لا شك ان سقوط نظامي صدام حسين ومعمر القذافي وتغير اتجاه القيادات الفلسطينية بالاضافة لتصدع الاتحاد السوفييتي، ساهم في هذا التحول وادى لصعود ما سمي لاحقا بـ «محور الاعتدال العربي» الذي استطاع «شرعنة» التعامل مع أمريكا والتطبيع مع «اسرائيل»، وساهم في تطويع الشعوب العربية للانظمة التي كانت تعتبر «رجعية» او «عميلة» او «استبدادية».

ثمة حقائق يجدر طرحها في هذا الاطار. اولها ان روسيا اليوم تختلف ايديولوجيا عن الاتحاد السوفييتي السابق. كانت موسكو تعبر عن امرين: الشيوعية وما يستتبعها من شعارات، والصراع مع النظام الراسمالي ممثلا بأمريكا. اما اليوم فقد غاب البعد الايديولوجي وبقي التنافس بين موسكو والغرب. والامر ينطبق على الصين التي اصبحت مستهدفة من أمريكا ليس على اساس ايديولوجي بل بسبب ما تمثله من تحد اقتصادي ونفوذ سياسي وعسكري. وأكدت زيارة الرئيس الصيني لبريطانيا الاسبوع الماضي ان بريطانيا الرأسمالية قادرة على التعايش والتعاون والتقارب مع الصين، التي تعتبر، من الناحية النظرية، النظام الشيوعي الوحيد في العالم. كما ان الموقف الصيني الداعم للتدخل الروسي في سوريا وعدم اثارته بقوة في زيارة لندن، فرض نفسه بقوة المال والنفوذ، وان الغرب يتطلع لتحييده ايديولوجيا والاستفادة منه اقتصاديا. وتبقى منطقة الشرق الاوسط محورا للتنافس بين الشرق والغرب، كما كانت خلال الحرب الباردة. الفرق ان النخب العربية فقدت هويتها التقدمية وتراجعت عن المشاركة في الصراع من اجل التغيير. ولذلك لا توجد اعتراضات حقيقية على التدخلات الأمريكية العسكرية والسياسية في دول العالمين العربي والإسلامي. وشتان ما بين الوضع العربي الحالي وما كان عليه قبل ربع قرن، عندما عمت العواصم العربية موجات احتجاجات واسعة ضد استدعاء القوات الاجنبية من قبل السعودية لاخراج القوات العراقية من الكويت. يومها اضطرت السعودية لجمع اكثر من 400 من علماء الدين (من بينهم فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي) في مكة لاستصدار فتوى تبيح الاستعانة بأمريكا ضد قوات صدام حسين. مع ذلك لم تقتنع الجماهير بذلك، بل ان بعض الانظمة احجم عن دعم تلك الخطوة، ومنها الاردن واليمن والجزائر وليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية. واستمرت هذه المفارقة بين الاتجاهين إلى ما قبل خمسة اعوام فحسب. فدعمت الجماهير العربية قوى المقاومة اولا في لبنان إبان العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان، وثانيا في عدوانه على غزة في 2008 و2009. كانت قوى «الاعتدال العربي» تمثل الاقلية، بينما كان المزاج العام داعما للمقاومة، وضد الاحتلال الاسرائيلي والتدخلات الغربية، ويعتبر أمريكا العدوة اللدودة للشعوب العربية وقضاياها.

ولذلك تتعمق التساؤلات عن التغير العميق في المزاج العربي ـ الإسلامي الذي جعله يقترب من محور الاعتدال ويبتعد تدريجيا عما يسمى «محور المقاومة». هذا الاضطراب الايديولوجي والسياسي ساهم في اسقاط مقولة «السيادة»، فاصبحت البلدان والشعوب مستباحة، سواء بالتدخلات العسكرية المباشرة ام بطائرات «درون» التي تفتك بالبشر. فأين هي السيادة في العراق؟ او سوريا؟ او ليبيا؟ او اليمن؟ او البحرين؟ الغريب في الامر ان قوى «الاعتدال العربي» التي اصبح بعضها ضمن ما سمي لاحقا «قوى الثورة المضادة» اثبتت قدرة على اعادة تموضعها القومي وربما الوطني ايضا، فاستطاعت مصادرة لغة النخبة وتبنتها لنفسها بعد ان افرغتها من محتوياتها. فكيف يمكن استيعاب استعداد السودان لارسال 6000 جندي للمشاركة في الحرب البرية باليمن، وهو الذي لم يستطع حماية ارضه وفقد ثلثها؟ وقد يغيب عن الاذهان ان الخرطوم هي التي سلمت كارلوس لفرنسا، وهو الشخص الذي كان الفلسطينيون يعتبرونه صديقا لهم. وكيف تترك ليبيا وشأنها، تحترق من داخلها بدون ان يكون هناك من يساهم في لملمة شملها والنهوض مجددا؟ وفيما يتصاعد العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني، لماذا يغيب الاهتمام العربي بتلك القضية التي ما تزال تحظى بدعم القوى التقدمية في العالم؟ اين هي الردود على رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي اتهم علنا الحاج امين الحسيني بتحريض هتلر لابادة اليهود؟ اما الشعب السوري فيدفع ثمن التدخلات الخارجية في ارضه التي تحرق كل يوم بلا رحمة. ويأتي التدخل الروسي ليضيف تعقيدات اخرى على المشهد المعقد، وان كان شعاره التصدي للمجموعات الإرهابية التي توافقت كلمة كافة الفرقاء على التصدي لها. الروس يبررون تدخلهم بانه جاء بناء على طلب النظام السوري، ويستشهدون بالتدخل السعودي في البحرين في 2011 الذي برر بانه استجابة لطلب حكومتها، وكذلك التدخل السعودي في اليمن استجابة لطلب «رئيسها» عبد ربه هادي. الامر المؤكد ان التدخلات الخارجية تعبير عن تلاشي سيادة الدولة على اراضيها، وغياب الموقف الدولي المسؤول الذي يحمي الشعوب والدول من الاعتداءات او التدخلات الخارجية. لقد اصبح الجميع مقتنعا بضرورة انهاء مأساة الشعب السوري بعد ان مزقته الحرب الاهلية ودفعت نصف سكانه للهجرة من اراضيهم. وفي ضوء تدفق عشرات الآلاف من المهاجرين إلى اوروبا في الاسابيع الأخيرة، جاء التدخل الروسي ليحقق اهدافا عديدة من بينها التصدي للمجموعات الإرهابية ومنع تقسيم البلاد، ولكن اي تدخل مباشر يحمل معه تعقيداته وتبعاته الخطرة. لقد اصبح السوريون بين مطرقة النظام وسندان المجموعات الإرهابية، ويقتضي الانتماء للدين والانسانية المساهمة في رفع معاناته، ليس بمزيد من الحروب، بل باعادة الامل إلى نفوس اهله بحتمية انتصار الارادة المحلية وكسر كافة محاولات التمزيق والتقسيم وبث المذهبية والتحاقد على اسس الانتماء العرقي او الديني او المذهبي.

روسيا لن تصنع السلام في سوريا، كما ان أمريكا اثبتت عدم مصداقيتها في ما يسمى «الحرب ضد الإرهاب». وقد يدفعها التدخل الروسي لتغيير موقفها، خصوصا بعد ان ألمح قادة العراق لاحتمال الاستعانة بالروس. كما ان افغانستان المحت، على لسان السيد عبد الله عبد الله، المسؤول التنفيذي الاول، لاحتمال طلب مساعدة روسيا في التصدي للمجموعات المسلحة. ولم تساهم الدول الاخرى إلا بصب الزيت على النار. وبذلك تحولت سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة، الامر الذي ينذر بتداعيات على البلدان المجاورة خصوصا في ظل ظواهر التطرف والعنف والإرهاب والطائفية.

لقد تحولت المنطقة إلى ساحة للمنافسة بين ارادات الدول الكبرى والاقليمية. وهي منافسة تتخذ اشكالا شتى في ميادين متعددة. ومهما تكون نتائج تلك المنافسة فمن المؤكد ان المنطقة وشعوبها سيدفعون ثمن ذلك: خسائر مادية وفقدان السيادة وتعمق الصراع البيني المؤدي للتمزيق والتفتيت، واضعاف البلدان وربما تمزقها. لقد حان الوقت لصحوة ضميرية ووعي فكري وسياسي وارادة حرة لانهاء المعاناة ليس عبر وسائط التمايز العرقي او الديني او المذهبي، بل بكسر محاولات التضليل والتشويش، ومحاصرة مشاريع منع التغيير في منظومة الحكم العربية.

٭ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

القدس العربي

 

 

 

 

واشنطن تحاور الأسد في دمشق/ فادي الداهوك

انتهت محادثات فيينا، يوم الجمعة الماضي، من دون أن يصدر موقف، أو بيان، عن وزراء خارجية أميركا وروسيا والسعودية وتركيا. يتكشّف من ذلك الأمر أن المحادثات لم تجرِ على ما يرام، وأن هناك من سعى إلى إفشالها، أو تأخير التوصل إلى تفاهمات، من أجل تحصيل “اتفاق” مرضٍ.

تبدو واشنطن في موقف المراقب للانخراط الروسي في العمليات العسكرية على الأرض السورية. في هذا القول شيء من الصحة إذا كانت المقارنة بين محدودية الدور الأميركي العسكري في سوريا، واقتصاره على تقديم أسلحة محدودة التأثير للمعارضة، وبين دعم روسي واسع للنظام بلغ مرحلة إشراك المقاتلات الروسية في الحرب. لكن في موازاة ذلك، تشتغل الولايات المتحدة على مسارات أخرى تحقق لها شرط الفوز على روسيا، بمساعدة لاعبين إقليميين، تشير معطيات كثيرة إلى أن إيران في مقدمتهم.

معظم ما تسرب مؤخراً من مبادرات طُرحت في فيينا، أو من قبل موسكو، يبدو غير منطقي، خصوصاً لناحية الحديث عن خريطة طريق تتضمن انتخابات مبكّرة، ودمج مقاتلي المعارضة مع الجيش السوري، وضرب الأطراف التي قد ترفض هذا الأمر من الفصائل المعارضة… في تلك الأحاديث استسهال كبير أمام أزمة مرّ عليها خمس سنوات، وقد تبدو خريطة الطريق المصرية التي طُرحت في العام 2013، خير ردّ على ذلك الاستسهال، علماً أن مصر لم تشهد حرباً، ولا تدخلات خارجية عسكرية على شاكلة التدخل الإيراني والروسي وحزب الله، ولم تعرف نفيراً للجهاديين من كل قارات العالم تقريباً.

تشكل إيران وروسيا حالياً، قوتا التأثير الأعظم على النظام السوري. لكن بين الدور الروسي والإيراني، تبدو طهران صاحبة الغلبة وتتفوق على روسيا بمراحل عديدة. وعلى من يرغب في حلّ الأزمة السورية أن يسأل عن صاحب النفوذ الأكبر، والمتنفّذ بشبكة علاقات مع كل الأطراف المتصارعة، قبل أن يستمع إلى ما في جعبة بوتين.

طيلة السنوات الماضية، تمكّنت إيران من السيطرة على معظم المفاصل الحساسة في الهيكلية التي تدار الدولة السورية بموجبها، فأصبحت تتحكم بالاقتصاد السوري، وسيطرت على الأجهزة الأمنية، ونظّمت ميليشيا “الدفاع الوطني” وطوّعتها لتصبح بمثابة قوة عسكرية رديفة للجيش النظامي، وأحياناً كثيرة تفوقه بامتيازات كبيرة، تؤهلها إلى لعب دور رادع لأي قوة أخرى قد تهدد النفوذ الإيراني في سوريا مستقبلاً؛ وهذا النهج يبدو استنساخاً لتجربة دعم الميليشيات الشيعية في العراق وتمكينها من الانخراط في العملية السياسية لاحقاً، مع الإقرار بأن النسخة السورية تضم نسبة من السنة، هي أعلى من تلك التي كانت في صفوف الميليشيات العراقية، وهذه نقطة إضافية لتعزيز نجاح التجربة في سوريا. ما تتفوق به طهران على روسيا أيضاً، هو أنها تملك خطوط اتصال مع المعارضة، ومع التنظيمات السلفية الجهادية، وتفاوضهم على مبادلة جثث مقاتليها بالمعتقلين، وعلى الهدن، وهندسة بعض المناطق في سوريا ديموغرافياً، في الوقت الذي يسخر فيه بوتين من المجتمع الدولي بسؤاله “أين هو هذا الجيش السوري الحر؟”.

خلال محادثات فيينا الأخيرة، طرحت روسيا دعوة دول إضافية للاشتراك في المحادثات، وبالطبع من ضمنها إيران. تلك الدعوة قد تكون نابعة من التقدير الروسي لحجم النفوذ الإيراني في سوريا، وعدم إمكان القفز من فوقه لإيجاد تسوية بذلت طهران أكلافاً باهظة من أجل أن تكون مرضية لها أيضاً. وكذلك، قد تكون الدعوة شكلية، لعلم روسيا أن السعودية لن تقبل بالجلوس مع طهران للتفاوض حول سوريا والحرب لا تزال قائمة بينهما في اليمن، وقد تتخذ تركيا موقفاً مماثلاً، فيما تنحّت واشنطن جانباً، وأعلنت بصيغة غير مباشرة أنها لن تعارض دعوة إيران إذا ما نال الأمر إجماع المتباحثين، خصوصاً أنها بوجود السعودية ليست مضطرة إلى اتخاذ موقف كهذا.

من ذلك، تسعى واشنطن باتجاه آخر، يبدو للوهلة الأولى وكأنه سيفضي إلى تحالف مع طهران، اللاعب الأقوى في الأرض السورية، مع إعطاء روسيا ما لا ضير في أن تأخذه من حصتها في حل الأزمة السورية. فما بين واشنطن وموسكو تاريخ حادّ من المواجهات، وما بين واشنطن وطهران اتفاق نووي!

تتضح مؤشرات هذا السيناريو مع زيارة وزير الخارجية العُمانية يوسف بن علوي إلى دمشق قبل أيام، ولقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد. تلك الزيارة لم تحفّز موسكو على إبداء موقف أو التعليق عليها. وفي تجاهل الإعلام الروسي، لهذا التطور بالغ الأهمية، ما يعزز الاعتقاد بأن هذه الخطوة أثارت استياءً في الكرملين.

خلال المباحثات حول البرنامج النووي الإيراني، استضافت سلطنة عُمان محادثات حاسمة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، أفضت إلى “اتفاق إطار” سبق الاتفاق النهائي في فيينا. وبالنظر إلى دائرة المحتاجين للقناة العُمانية في التواصل مع النظام السوري لطرح مبادرة ما، أو تبادل للأفكار، تنفردُ واشنطن بذلك؛ وتضع ما تحاول روسيا بحثه مع الدول المعنية في فيينا، أمام الأسد، على طاولته في دمشق، من دون تجاهل إيران.

المدن

 

 

 

الحل الروسي المستحيل لأزمة سوريا/ إيلـي فــواز

ما يرشح عن الاقتراحات الروسية والأميركية بشأن الحل السياسي في سوريا يرتكز على أفكار باتت واضحة وتدور أساساً حول أولوية محاربة التطرف، بالإضافة الى الحفاظ على المؤسسات الأمنية او الكلام عن تجنب الفراغ الدستوري، وطبعًا بقاء بشار الأسد مدة انتقالية، والحديث هنا عن مدة زمنية تمتد على 18 شهراً، يستطيع بعدها الترشح مجدداً لمنصب الرئاسة السورية، بعد أنْ كان أكد الغرب والولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية انه لا يمكن للأسد ان يكون جزءاً من أي حل سياسي.

هذه الأفكار التي تسوقها روسيا بموافقة أميركية هي دعوة للمعارضة السورية لإلقاء السلاح والتغاضي عن كل التضحيات التي دفعها الشعب السوري ثمناً لتغيير النظام.

فجأةً لم يعد تغيير النظام أولوية، ونسي العالم أن الأسد هو المسؤول المباشر عن قتل أكثر من نصف مليون سوري وتهجير أكثر من عشرة ملايين، في ما يعتبر أكبر كارثة إنسانية في عصرنا. فكيف يمكن لمن يجب ان يحاكم بتهم جرائم ضد الإنسانية ان يصبح جزءاً من الحل وأن يكون له كما يسوَق الروس فرصة التقدم للانتخابات الرئاسية المقبلة؟

الكلام عن الحفاظ على المؤسسات الأمنية أيضاً فيه شيء من المهزلة، فهي انهارت يوم دخل حزب الله والحرس الثوري الايراني والسوخوي الروسي المعركة السورية، فتحولت الى مجرد ميليشيا الى جانب الميليشيات الأخرى المتواجدة على الأرض السورية. فكيف يمكن الحفاظ عليها من خلال بقاء المسؤولين المباشرين عن ماكينة القتل الاسدية في سدة مسؤولياتهم؟ او كيف يمكن التفكير حتى بإمكانية دمج مقاتلي الأسد مع مقاتلي المعارضة ووضعها تحت مظلة أمنية واحدة؟ بمن سيأتمر مقاتلي المعارضة؟ ومن سيعطيهم السلاح؟ ماذا سيكون دور قياداتها في حال اندماجها مع قوات الأسد؟

نائب روسي نقل عن الأسد استعداده لإجراء انتخابات رئاسية لكن بعد تحرير سوريا من تنظيم داعش. وهو ما يتعارض مع ما يعرضه الروس حول مدة زمنية محددة من 6 او 18 شهراً. من هنا إصرار الروس على أولوية محاربة الإرهاب وربطه ببقاء الأسد، كما وضعه شرطاً أساسياً لأي حل سياسي ممكن.

على كل الأحوال ليست تلك الصعوبات الوحيدة التي تواجه تلك الخطة العجيبة التي تهدي في جوهرها انتصاراً للأسد بالسياسة عجز عن تحقيقه بالحرب. والسؤال عندما يتحدث الرئيس الروسي عن المعارضة من تراه يعني؟ من هو الطرف المخول الحديث نيابة عن المعارضة؟ من هي الفصائل المعارضة التي ستتمثل على طاولة الحوار؟ وماذا عن جبهة النصرة والفصائل الأخرى التي تلقى دعماً شعبياً في سوريا؟ من سيطبق القرارات على الأرض؟

ببساطة الحل الروسي يطالب الدول الداعمة لكل الفصائل المعارضة التوقف عن مدها بالمال والسلاح. ببساطة أكبر الحل الروسي يريد من المعارضين الثوار الاستسلام ليصار من بعدها الى فرض تعديل بسيط على النظام – طبعاً “يحفظ حقوق العلويين” و”يحاكي مخاوفهم”- تمهيداً لإعادة انتخاب الأسد كضمانة لمحاربة الإرهاب. وهذه لازمة يعتقد البعض أنها تحاكي مخاوف الغرب وقد يقبل بها ويعمل لتطبيقها، متناسياً ان الشعب السوري سيرفضها حتماً وسيتابع قتاله حتى رحيل الأسد.

موقع لبنان ناو

 

 

 

 

بداية نهاية الحرب السورية/ توفيق بوعشرين

جاء الروسي متأخراً إلى أرض المعركة السورية، لكنه الآن في الصف الأول، يعرض حلولاً سياسية للحرب، بعد أن ملأ السماء بطائراته الحربية التي تقصف أعداء بشار الأسد، ولا تميّز بين الجيش الحر ومليشيا داعش ومقاتلي جيش الفتح. لا أحد كان يتوقع من الروسي أن يعيد أخطاء تورط السوفيات في حرب أفغانستان الطويلة، فحروب العصر الراهن قصيرة جداً مهما كانت عنيفة ودموية، والدول الكبرى، كما الصغرى، لم تعد تتحمل أكلاف المعارك الطويلة. ولهذا، جاءت طائرات روسيا المقاتلة توفر غطاء للحل السياسي الذي كان جاهزاً قبل إعلان الحرب.

قرأ الروسي جيداً حالة الارتباك التي يتخبط فيها الأميركي والأوروبي والعربي والتركي، وحتى الإيراني، إزاء الأزمة السورية، ورأى الرئيس فلاديمير بوتين، من بعيد، عجز الجميع عن إيجاد حل عسكري أو دبلوماسي لأزمة طالت خمس سنوات. وبحسها السياسي، وخبرتها القديمة في المنطقة، رأت موسكو حالة التعب التي أصابت كل الأطراف، بعد أن استنزفت الحرب قواها، فلا الأسد يستطيع حسم المعركة عسكرياً، ولو جاءه الدعم من إيران وحزب الله، ولا داعش استمرت في تمددها، بعد أن وصل توحشها إلى نهايته، ولا تركيا مستعدة للتورط أكثر في المستنقع السوري، وقد خسر الرئيس رجب أردوغان، بسببه، أغلبيةً لحزبه في البرلمان كانت في جيبه، ولا دول الخليج تريد للجرح في دمشق أن يبقى مفتوحاً على كل المخاطر، وأولها العدوى التي قد تنتقل إلى أراضيها، حتى أوروبا البعيدة أصبحت الأزمة السورية جزءاً من يوميات السياسة فيها، بعد أن تدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين طلبا للأمان فيها.

ليست مسودة الحل الروسي كلها سيئة، فيها نقاط يمكن أن تقود إلى إيجاد حل وسط تاريخي، يخرج سورية من فكي الحرب التي قتلت أكثر من 400 ألف، وشرّدت الملايين ورجعت بالبلاد نصف قرن إلى الوراء. روسيا وإيران وحزب الله اقتنعوا أن ورقة الأسد سقطت. ولهذا، اقترحوا انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، لا يترشح فيها الأسد. وفي المقابل، لا يقفل الباب أمام واحد من عائلته أو من أقطاب النظام ليترشح للمنصب الأول في سورية، ولا أحد يمكن أن يقبل أياً من عائلة الأسد غداً في سورية، لكن الروسي يناور بهذا الشرط، ليكسب مرشحاً متوافقاً عليه، حتى قبل إجراء الانتخابات، لكي يضمن للطائفة العلوية عدم انتقام الأغلبية السنية منها، ولكي لا يترك الانتخابات مفتوحة على مرشحٍ، لا تعرف هويته، قد لا يستطيع تنفيذ بنود التسوية ما بعد المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها المصالحة الوطنية، والعفو العام عن أركان النظام، وضمان عدم محاكمة الأسد أو أحد من عائلته.

يقدّم الروسي نفسه، في مسودة الحل، ضامناً وحيداً للاتفاق، برعاية الأمم المتحدة، في مقابل أن يبقي على قواته العسكرية على الأرض، بغطاء أممي. وهنا، سيربح بوتين على جهتين، سيثبت نفوذه وقواعده العسكرية في مياه المتوسط الدافئة، وسيثبت لأوروبا وأميركا أنه شريك دولي موثوق به، قادر على حل أعقد الأزمات التي عجزت القوى الكبرى عن حلها. ولهذا، على العالم أن يعترف لبوتين بأنه رئيس دولة قوية، تسعى إلى استعادة أمجاد الامبراطورية السّوفياتية، من دون أيديولوجية شيوعية، بل على قاعدة قومية وخط سياسي براغماتي، يناوئ استفراد أميركا بشؤون العالم.

لكل حرب بداية ونهاية، ولا يتحرك القتال إلا عندما تتراجع السياسة، لكن السلاح، في النهاية، يعيد السياسة إلى الواجهة على قاعدة موازين قوى جديدة. تنتهي المعارك بانتصار طرف أو هزيمة طرف أو اقتناع الطرفين أن النصر مستحيل، والهزيمة غير ممكنة. هنا، تظهر بوادر التسوية، بعد أن تقتنع الأطراف جميعاً أن أهدافها لا تتحقق بالسلاح، وأن ما عجزت عن أخذه بالقتال لا تستطيع أن تصل إليه بالمفاوضات، وهذا ما ينطبق الآن على الأزمة السورية التي تعقدت إلى درجة أصبحت الأطراف جميعها تخشى منها، ومن تطوراتها التي لا يمكن لأحد أن يزعم أنه يتحكم فيها.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

 

سورية المستنقع الجديد لروسيا بعد أوكرانيا/ دميتري أوريشكين

سقطت فكرة الانتصار الروسي في حرب خاطفة في سورية. فضرب قواعد الإرهابيين التي ترى روسيا أنها تشمل «داعش» والمعارضة المعتدلة، أمر غير ممكن عملياً. ففي سورية عدد كبير من التنظيمات المستقلة المقاتلة التي تنتهج نهج حرب عصابات. ولا تملك هذه التنظيمات بنية مركزية ولا إدارة مركزية. وعليه، استهدافها بالقصف هو مثل ضرب السيف في المياه أو الهواء.

والحق أن الانتصار على حركات شعبية بواسطة القصف الجوي مستحيل ومتعذر تقنياً. وهو يقتضي عملية برية يرفض الكرملين شنها. وكان من المفترض أن تتولاها (العملية البرية) قوات الأسد. ولكن يبدو ان قدراتها غير كافية. إذ تعثرت السيطرة على حلب، وهذا واقع لا ينكره المحللون العسكريون الروس الأكثر قرباً من الكرملين.

ولم يبلغ هجوم الأسد أهدافه، ورقعة المنطقة الواقعة في قبضته لم تتوسع. ولذا، تجبه روسيا البوتينية مشكلة خطيرة. وقضت خطة بوتين بأن تشن القوات الروسية الضربات الجوية، وأن يقود الأسد الهجوم البري، ليبسط سيطرته ويوسع رقعة الأراضي الواقعة تحت سيطرته. ولو نجحت الخطة لوسع روسيا العودة من الحملة منتصرة إثر مساعدة حليفها، وتعزيز مكانتها في الساحة الدولية، وإجبار الآخرين على الاستماع الى رأيها. ولكن الإخفاق أدى الى استدعاء الكرملين الأسد إلى موسكو من أجل البحث في استراتيجية جديدة.

ولكن لا استراتيجية جديدة. فأي اقتراح جديد يقضي لا محالة بتخلي الرئيس السوري عن منصبه، وتنحيه. وهو غير مستعد لذلك. ومصالح الأسد واضحة. وهو يحتاج، على أقل تقدير، الى أسلحة جديدة، والى مزيد من الجنود. لكن ليس في امكان بوتين أن يرسل قوات برية. وعلى خلاف ما تقوله وسائل الإعلام، فالجيش الروسي لا يريد القتال في سورية. فهذا القتال سيودي بروسيا إلى أفغانستان جديدة، وهو ما لا يروق لإدارة الرئيس الروسي. وفي الإمكان إرسال المسلحين الروس من دونيتسك إلى سورية. وعلى رغم أن هذه الخطوة لن تحل المشكلة، تساعد في تخفيف توتر الجمهور القومي الذي يعتبر ان بوتين خائن وجبان بسبب تنازله عن الدونباس في أوكرانيا. ولكن لن يكتب النجاح للعملية العسكرية في سورية بمساعدة هؤلاء البلطجية والمرتزقة ولن يحلوا المعضلة البوتينية.

ويسعى بوتين الى حمل الأسد على قبول نوع مــن تسوية. وسلــم أولويات الرئيس الروسي يتغير. في المــاضي القريب، حاول الرئيس الروسي الخروج من الحرب الخاطفة منتصراً، واليوم، يسعى الى أداء دور صانع السلام. فالرئيس الروسي سيحمل الأسد على مفاوضة بعض المعارضة السورية. ولكن الأسد يستصعب التنازلات. ويترتب على الحكومة الإئتلافية في الأمد الطويل، خسارته كل سلطاته وهي صنو الإعدام. فيفقد السيطرة على الأجهزة الأمنية، ويصبح أسير الاجراءات الديموقراطية. وفي وقت يناصبه السوريون العداء والكراهية، يرجح أن يلقى، عاجلاً أم أجلاً، مصير القذافي.

ووصل الأسد الى موسكو وهو يتأمل في الحصول على دعم جديد. ولكن يبدو أن بوتين طلب منه إبداء قدر أكبر من المرونة (فيخرج الرئيس الروسي من الأزمة السورية بهيئة صانع السلام). ولكن هل نجحت روسيا في إقناع الزعيم السوري بتنازلات؟ الجواب طي الكتمان. ولم يعد في وسع الرئيس الروسي الحفاظ على صورته كزعيم قوي ومؤثر في السياسة العالمية. ويرى الرأي العام الروسي أن بوتين رجل قوي يخشاه أعداؤه. ولكن واقع الحال مختلف. فهو خسر في أوكرانيا خسارة كاملة. وهذا ما لا يخفى على الجنرالات الروس. ولم تكن أوكرانيا يوماً معادية لروسيا ومؤيدة للغرب، كما هي اليوم. واليوم، يثير القول إن الأوكرانيين والروس هما شعب واحد الضحك. لا بل أنّ أحداً لم يعزز الهوية الوطنية الأوكرانية مثلما فعل فلاديمير بوتين. وهو يستحق نصباً تذكارياً لشده لحمة الهوية الأوكرانية.

ما جرى الحديث عنه في لقاء الأسد بوتين مجهول. ولكن روسيا ستضطر الى مده بمزيد من المساعدات العسكرية. لكن بوتين لن يخاطر بحياة الجنود الروس، لأن التوابيت (عودة الجثامين) هي مصدر متاعب للحكم. ويرجح أنّ الرئيسين الروسي والسوري خلال اللقاء حاولا الاتفاق على موقف موحد. طبعاً لدى بوتين موارد أكثر من الأسد، والأخير سيكون مضطراً الى تنازلات. والحرب الخاطفة الروسية في سورية لم تعد خاطفة، ومع الأشهر سيظهر الاخفاق إلى العلن، ولن يخفى انصار بوتين، الذين توقعوا انتصاراً سريعاً. عليه، ليس أمام بوتين سوى البحث عن خيار آخر. والمخرج الديبلوماسي من الأزمة (الحل) عسير، بسبب انعدام الثقة بين الغرب من جهة والأسد وبوتين من جهة أخرى. بوتين يشعر بأن عليه التحرك سريعاً لأن المأزق الأوكراني بدأ بالتضييق عليه، ولكن ما العمل حين يُخفق في الأزمة السورية والى اين الهرب؟ عاجلاً أم آجلاً ستدرك غالبية الروس حقيقة الأمر، وحينها ينتهي عهد بوتين.

* محلل سياسي روسي، عن موقع «نوفوي فريميا» الأوكراني، 23/10/2015، إعداد علي شرف الدين

الحياة

 

 

 

لماذا يُحجِّم بوتين إيران؟/ زهير قصيباتي

أن يحقّق «داعش» تقدُّماً في محيط معقلٍ للنظام السوري أمر لا يثير غرابة. ما يستدعي التعجُّب أن يتقدّم التنظيم على حساب النظام، رغم كثافة النار الروسية في فضاء سورية الذي يبدو أنه سينبلج تدريجاً… بعد خمس سنوات تقريباً من القتل والظلام.

بحسابات بسيطة، ورغم خروج المشهد السوري عن كل المألوف في المعادلات العسكرية والسياسية، ليس مبالغة القول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دشّن حملة ديبلوماسية مكثّفة لاستعجال نهاية لغارات «سوخوي».

مبدئياً، ورغم كل التحفُّظات الأولى على التدخُّل العسكري الروسي المفاجئ في سورية، قد يتفق معظم الدول العربية المؤثّرة وتركيا على أن المقاربة الروسية لمسارَي الحرب على الإرهاب والتسوية التي ستطلق المرحلة الانتقالية، ليست بعيدة من التطلُّع إلى بدء هذه المرحلة. وإن بدا ساطعاً الخلاف على الأولويات بين الكرملين ونظام الرئيس بشار الأسد، فنفي موسكو كذلك أنها ستقدّم ضمانات بعدم ترشُّح الأسد لولاية جديدة، لا يلغي جدّية ذاك الخلاف الذي ظهرت ملامحه بعد «استدعاء» بوتين للرئيس السوري. الأخير يريد «حرباً على الإرهاب» تستمر إلى ما لا نهاية، ليضمن بقاء المظلة الجوية الروسية و «الخبرات» الإيرانية وأذرع طهران إلى جانبه، وفي قلب سورية وسمائها. لكنه بالتأكيد لا يتساءل عن الثمن الذي على الروس التضحية به لصون نظام يتداعى ما بقي منه.

بعد كل ما شهدته المنطقة من صراعات وحروب، وتجاذب إقليمي ودولي، وتأجيج براكين المذهبية، وتدمير أركان الدولة العربية في سورية والعراق وليبيا واليمن، توجّه موسكو رسائل في كل الاتجاهات، لتُعلن أن وقت التسويات حان، وعلى الجميع الاستعداد لركوب قطارها. فشلت إيران في إنقاذ النظام السوري، وفي محو فضائح عهد حليفها نوري المالكي ومحو كارثة سقوط الموصل وتمدُّد «داعش»، كما فشل مشروعها في اليمن لتمكين الحوثيين من تغيير هوية البلد ومؤسساته. باغتها تدخُّل التحالف العربي بقيادة السعودية لإعادة الشرعية. صُدمت طهران بارتباك حكم حيدر العبادي في بغداد، و «ممالأته» الأميركيين. جيَّشت مشروع «الحشد الشعبي»، فأجّجت المذهبية، من دون أن تُقلِق «دولة» أبي بكر البغدادي.

عملياً، قد تكون أوضح رسائل الروس في محاولتهم استعادة النفوذ الإقليمي، موجّهة إلى المرشد علي خامنئي والرئيس الأميركي باراك أوباما في آن: انتهى الوقت الضائع، لا تفرُّج واشنطن على دمار الشرق الأوسط يمكن احتماله أكثر، ولا رهان طهران على عض الأصابع مع مَنْ كان «الشيطان الأكبر»، يمكن الاطمئنان إلى نهاياته. في الحالين يتمدد «داعش» وفي صفوفه من المسلحين من آسيا الوسطى والقوقاز، ما يكفي لمشروع موصل ثانية على كتف روسيا.

مع كل ذلك، لا تغيب دوافع الروس للثأر من العقوبات الغربية، لكنهم يراهنون بالتأكيد على الثأر لماضي الاتحاد السوفياتي. لا يبالغون في تبرير الحاجة إلى نظام عالمي جديد، وهم باتوا أقرب من الأميركيين إلى توازنات المصالح، بعيداً من «حكمة» أوباما التي لم تُنقذ حليفاً ولا صديقاً.

وبحساب النقاط التي سجّلها بوتين منذ تدخُّله العسكري في سورية، يَرِد تحجيم الدور الإيراني الذي توهّمت طهران بأنه سيقرر مصير المنطقة والعرب. ويَرِد كذلك تسجيل هدف آخر في المرمى الأميركي، باستعجال الضغوط لإشراك كل الإقليم في البحث عن مخرج لكابوس «داعش»، لا بد أن يتلازم مع مرحلة انتقالية في سورية. وأما طرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مسألة الانتخابات النيابية والرئاسية، فيزيل حتماً لدى نظام الأسد غشاوة «سحر» الحلف الإيراني الذي ظنّه أبدياً.

كان النظام ولا يزال في ورطة انفصام، كانت إيران ولا تزال في مأزق الطموحات الامبراطورية، واستخدام المذهبية وقوداً لكسر روح المصالح المشتركة بين الدول العربية في المنطقة. وأما روسيا فليست بريئة من السعي الى فرض دور لها، يوازن بين القوة العسكرية وورقة «الفيتو» في مجلس الأمن، وحصص التجارة والأسواق. الفارق بين أوباما وبوتين أن الأول توهّم حصاداً مجّانياً للأهداف بلا قطرة دم أميركية، فيما الثاني اقتنص لحظة للتمرُّد على الحصار والذل، وفرض خريطة جديدة للمصالح الدولية.

في اجتماع فيينا غداً، بعد تفكيك عقدة حضور طهران، لن يعلن الروس تدشين قطار الحل السوري، ولن يعلن الإيرانيون تطوُّعهم في تأمين مخرج آمن للرئيس الأسد. طريق الحل ما زال طويلاً، لكن معظم اللاعبين أُرغِم على المشاركة في حسابات الربح والخسارة.

الحياة

 

 

 

 

الشتاء القادم على روسيا/ الياس حرفوش

نذكر جميعاً غاري كاسباروف كبطل عالمي للشطرنج، تربّع على عرش هذه اللعبة عشرين سنة (من فوزه على اناتولي كاربوف سنة 1985 حتى تقاعده سنة 2005). غير أن كاسباروف هو الآن احد ابرز الوجوه السياسية الروسية المعارضة لحكم فلاديمير بوتين، وأشدها انتقاداً لأسلوبه الدكتاتوري في الحكم، وتدخله في شؤون الدول المجاورة، وتلك التي هي أبعد من المجاورة. حتى أن هناك في الغرب من يقارن كاسباروف بأحد اشهر كتاب روسيا، الكسندر سولجنتسين، الذي عرف بانتقاده لأعمال الاعتقال والتعذيب والقتل التي كانت تمارسها الاستخبارات السوفياتية البائدة (الكا جي بي). وفاز بجائزة نوبل للآداب عن روايته الرائعة «ارخبيل الغولاغ». وعلى رغم ما في هذه المقارنة من مبالغة، فان مقارنة ما كان عليه الاتحاد السوفياتي بالأمس بما يجري في روسيا اليوم لا تخلو من دلالات.

كتاب كاسباروف الأخير «الشتاء قادم» الذي صدر هذا الأسبوع، هو استعراض انتقادي للمرحلة التي تعيشها روسيا اليوم، في ظل بوتين، في السياسة والاقتصاد والأوضاع الاجتماعية. والعنوان بالغ الإيحاء في إشارته إلى المستقبل الذي يتوقعه كاسباروف لبلاده، التي هرب منها إلى الولايات المتحدة، خوفاً من المصير الذي يلاحق معارضي الرئيس الروسي أو الذين ينتقدون أسلوبه المتفرد في الحكم، وأبرزهم الكسندر ليتفيننكو، الذي لاحقته يد بوتين إلى لندن، حيث تم اغتياله بالسم في عام 2006، وآخرهم بوريس نيمتسوف، الذي كان نائباً لرئيس الوزراء في زمن بوريس يلتسين، واختلف مع بوتين، بعد انتقاده عملية غزو شبه جزيرة القرم وضمها إلى روسيا، وكان مصيره الاغتيال فوق احد الجسور القريبة من الساحة الحمراء والكرملين، في شهر شباط (فبراير) الماضي. وبالطبع، وكما مع تسمّم ليتفيننكو، أنكرت الأجهزة الروسية التي تتلقى أوامرها مباشرة من بوتين، أي معرفة أو مسؤولية عن الاغتيال، بل هي أعلنت نيتها التحقيق وملاحقة المسؤولين!

يقول كاسباروف انه اختار إصدار كتابه في هذا الوقت ليرافق حملات الانتخابات التمهيدية بين المرشحين للرئاسة الأميركية التي ستجري العام المقبل. فهو يرى أن هناك مسؤولية يجب أن يتحملها الرئيس الأميركي المقبل لمواجهة بوتين، بعد استنكاف باراك أوباما وخذلانه للأصوات الليبرالية في روسيا، التي كانت تحلم بمصير آخر لبلدها، غير هذا «الشتاء» الذي ينتظرها على يد بوتين. كاسباروف يعتبر انه بقدر ما تتحمل الأجهزة الروسية المسؤولية عن صعود رئيسها الحالي، التي استخدم كل أساليب الخداع والترهيب واستغلال المشاعر القومية، فان الدول الغربية، والولايات المتحدة تحديداً، هي أيضاً شريكة في المسؤولية. ويلقي المسؤولية على جورج بوش الأب وبيل كلينتون، وصولاً إلى جورج بوش الابن وأوباما، وكلهم تساهلوا في رأيه مع استمرار الشيوعيين في حكم روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. اذ على عكس ما حصل في دول أوروبا الشرقية. اختار الغرب التعامل مع روسيا بلامبالاة بمصير شعبها، وجهل بتطوراتها الداخلية والصراعات القائمة بين تياراتها السياسية، وبحسن نية مع قادتها لم يكن في محله.

هكذا استطاع بوتين أن يلعب أوراقه بذكاء، معتمداً الحيلة حيناً والاستفادة من الفرص للهجوم أحياناً أخرى، وهو ما فعله في أوكرانيا، مستغلاً صراعاتها الداخلية لقضم أجزاء من مناطقها الشرقية، أو كما يفعل الآن في سورية، حيث عمل على تعطيل أي توافق سياسي دولي لإنهاء الأزمة فيها، إلى أن أتاحت له الفرصة أن يتدخل عسكرياً، فارضاً روسيا كطرف في الحل، فيما هي شريكة في المسؤولية عن استمرار الحرب، لا تقل هذه المسؤولية عن تلك التي تتحملها إيران ونظام بشار الأسد.

لا يتوقع كاسباروف أن ينجح بوتين في تحقيق أحلامه واستعادة الأمجاد القيصرية، مهما حاول توظيف الكنيسة الأرثوذكسية أو مشاعر العداء للغرب لخدمة طموحاته. فهو يرى انه لا بد من انتفاضة شعبية مع انهيار مستوى معيشة الطبقة المتوسطة. فحتى مع سعر برميل النفط في حدود 50 دولاراً، لن يستطيع الاقتصاد الروسي أن يصمد اكثر من سنة ونصف السنة في أحسن الحالات بسبب فقدان السيولة.

لفهم شخصية بوتين، لا يحتاج المرء في نظر كاسباروف إلى العودة إلى كارل ماركس أو النظريات الانتهازية لماكيافيلي. يكفي كتاب «العراب» لماريو بوزو، حيث صورة شخصية «دون كورليوني» التي تجسد أسلوب بوتين: خيانات واغتيالات وجرائم وجواسيس، ومخططات سرية ضد الحلفاء والخصوم.

الحياة

 

 

 

 

 

كم تنفق روسيا على عملياتها العسكرية في سورية؟

موسكو ــ العربي الجديد

ذكرت وكالة “إر بي كا” الروسية للأنباء الاقتصادية أن العمليات العسكرية الروسية في سورية تكلف موسكو أكثر من 2.5 مليون دولار يوميا.

ورغم أن تكاليف الطلعات العسكرية تعتبر سرا من أسرار الدولة، إلا أن الوكالة نقلت عن مصادر عسكرية قولها إن كلفة ساعة طيران تراوح بين أربعة ملايين وسبعة ملايين روبل (ما بين 65 ألفا و110 آلاف دولار تقريبا).

ويشمل هذا الرقم تكاليف الوقود، وتوفير الأوكسجين للطاقم، وغاز النيتروجين لدعم الضغط في خزانات الوقود ومنع اشتعالها في حال إلحاق ضرر بها، والكهرباء من المولدات الموجودة على الأرض، إضافة إلى النفقات المتعلقة بالسيارات والمعدات بالقاعدة حميميم في محافظة اللاذقية.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن 80% من الطلعات الجوية قصيرة المدى وتنفذ في محافظات إدلب وحماة وحمص وريف دمشق. أما نسبة الطلعات المتوسطة والبعيدة المدى في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، فلا تزيد عن 20%.

وأوضح مصدر مقرب من القوات الجوية الروسية أن مدة الطلعات القصيرة المدى لا تزيد عن 40 دقيقة، بينما تراوح مدة الطلعات المتوسطة بين ساعة وساعة ونصف الساعة.

وبالنسبة إلى الذخيرة، يتضح من المقاطع المصورة أن معظمها عبارة عن قنابل قديمة وغير موجهة. وبذلك، فإن تكلفة استخدامها ضعيفة جدا، لأنه في حال انتهاء فترة صلاحيتها، سيكون إتلافها عملية مكلفة ومعقدة.

وفي ما يتعلق بالقنابل الحديثة والموجهة، فقدر المصدر تكاليف الذخيرة المستخدمة في كل طلعة بما لا يزيد عن 500 ألف روبل (حوالي 8 آلاف دولار).

وبينما نفذ الطيران الحربي الروسي 934 طلعة قتالية من قاعدة حميميم الجوية خلال أول 25 يوما من العملية، أي بواقع 37 طلعة يوميا في المتوسط، قدرت “إر بي كا” تكاليفها الإجمالية بـ3.6 مليارات روبل (حوالي 61 مليون دولار) أو 146 مليون روبل (حوالي 2.4 مليون دولار) يوميا.

ويضاف إلى هذا الرقم ما لا يقل عن 160 ألف دولار يوميا تنفق على توفير وجبات الغذاء للعسكريين الذين قدر عددهم بحوالي 1600 فرد، وصرف البدلات لهم، وأيضا النفقات اللوجستية.

وخلصت الوكالة نفسها إلى أن العملية العسكرية في سورية تكلف روسيا أكثر من 2.5 مليون دولار يوميا غير شاملة نفقات تجهيز قاعدة حميميم، وإنشاء المباني المؤقتة، وعملية إطلاق صواريخ “كاليبر” المجنحة من بحر قزوين التي لا تقل تكلفتها عن 20 مليون دولار بأي حال من الأحوال.

ومع ذلك، تعتبر هذه المبالغ أقل كثيرا من النفقات الأميركية المتعلقة بالعمليات الجوية التي تقودها واشنطن ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسورية، إذ قدرتها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في العام الماضي بحوالي 7 إلى 8 ملايين دولار يوميا.

وسبق لكبار المسؤولين الروس أن طمأنوا المواطنين فور بدء التدخل المباشر في سورية يوم 30 أيلول/سبتمبر الماضي، بأن العمليات تنفذ ضمن الميزانية العسكرية الروسية لعام 2015 والبالغة نحو 50 مليار دولار، وبالتالي، لن تشكل عبئا إضافيا على الاقتصاد الروسي.

العربي الجديد

 

 

 

 

خطة تحرك لمواجهة الحلف الإيراني الروسي/ أنيس الوهيبي

لا تقترب المنطقة من حلّ لأزمتها الممتدة، فقد بات التصعيد أقرب الاحتمالات، على الرغم من أن كل شيء منوط بالسياسة السعودية. ويبدو أن الحلف الذي لاحقته السعودية، طوال السنوات الماضية، أصبح قاب قوسين أو أدنى.

لم يعد في وسع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أن يمنّي نفسه بحلف مع إيران أو تقارب أو حتى تفاهم. قطع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، طريق واشنطن طهران في المحطة السورية، وقلب المرشد علي خامنئي ظهر المجن للرئيس حسن روحاني. تفاهم إيراني تركي حول شمال سورية لم يعد متاحاً أيضاً. بات العامل الروسي راجحاً في الشمال، انطلاقاً من حماة واللاذقية. لن تستطيع تركيا وحدها الرد على التحدي الروسي. حتى الدول الأوروبية قد تخرج من المعادلة السورية، ومن معادلات الهلال الخصيب عامةً، وقد يترك لها التحالف الروسي الإيراني الراجح في سورية أدواراً هامشية، ربما إنسانية، أو في مرحلة إعادة الإعمار.

وقع الجميع في المأزق، وغدت السعودية محور أي تحرك مضاد، لكن الورطة اليمنية تحد من قدراتها. إذاً لا بديل عن تقوية الحلف السعودي القطري التركي، لمواجهة الترتيبات الروسية الإيرانية، في سورية خصوصاً وفي الهلال الخصيب. ولا شك في أن دعم واشنطن الحاسم مظلة في مواجهة قوة كبرى تدّعي لنفسها الأحقية في وراثة القوة العظمى الآفلة، والمنسحبة باتجاه الشرق الأقصى.

أما لماذا الرياض، فلأنها القوة الجغرافية المتماسّة مع جميع ساحات الصراع، ولأنها الأشد تهديداً من المدحلة الروسية الإيرانية، إذ تحتل السعودية موقعاً راسخاً في جغرافية المنطقة. من الغرب باتجاه الشرق: وادي النيل، شبه الجزيرة العربية، الصحراء الشامية، الهضبة الأناضولية، ما بين النهرين، الهضبة الإيرانية. لا تخلو هذه التقسيمات من ظواهر جغرافية فرعية، كهضبة حلب التي تشرف على الصحراء الشامية، وتصل جغرافيا آسيا الوسطى بالهلال الخصيب، أو الهضبة النجدية وسط شبه الجزيرة العربية، وتشرف على الصحراء الشامية والخليج العربي وخليج العقبة، وبحر العرب والبحر الأحمر. وفي الوضع الراهن، تزداد أهمية الجغرافية السعودية، وينبع ذلك من تفجر الصراعات في اليمن والعراق وسورية ومصر، وهي دول تجاور السعودية.

خلال العقد الماضي، تعاونت سياسات جورج بوش قصيرة النظر، وإيران الانتهازية والطامحة للهيمنة على العالم العربي، وانقلاب بشار الأسد على سياسات أبيه الإقليمية، على إدخال المنطقة في أتون فوضى لا ترحم. وبمواجهة هذه الفوضى، ارتبكت السياسة السعودية، ولم تستطع اجتراح سياسة متماسكة، لوقف تداعي منظومة الأمن القومي العربي. فقد أدت ثورات الربيع العربي المترافقة مع إعادة تشكيل أوباما موقف بلاده في الشرق الأوسط، ومساعي إيران وتركيا لاستغلال هذين التطورين من أجل ملء فراغ القوة في المنطقة، والناجم عن الانسحاب الأميركي والاضطرابات العربية، إلى أن تحسم الرياض موقفها، وتتخذ قراراً بالاعتماد على نفسها في مواجهة التحديات الإقليمية.

أعادت السعودية، وحلفاؤها القطريون والإماراتيون، الأمن والاستقرار إلى البحرين في

“السياسة السعودية النشطة معرّضة لانتكاسات كبيرة، جرّاء تصميم التحالف الروسي الإيراني على إضعاف الرياض، ودحر مواقعها الإقليمية” 2011، واجترحت مع دول مجلس التعاون الخليجي، في العام نفسه، حلاً للأزمة اليمنية، كما دعمت الثورة السورية، على الأقل منذ تحول بشار الأسد النهائي إلى الحل العسكري لمواجهة الاحتجاجات المطالبة بتنحيه عن السلطة. وبكلفة باهظة على الصعد السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، دعمت السعودية حكم عبد الفتاح السيسي في مصر، منذ منتصف 2013. وما إن احتل تنظيم داعش الموصل في العراق في يونيو/حزيران 2014، حتى انضمت الرياض إلى التحالف الذي شكلته واشنطن لمواجهة “داعش” في سورية.

بلغ هذا المسار الجديد للسياسة السعودية ذروة جديدة، عندما شكل الملك سلمان تحالفاً جوياً، رداً على نسف الحوثيين وعلي عبد الله صالح المبادرة الخليجية، باحتلالهم العاصمة اليمنية صنعاء، وتطويرهم هجوماً باتجاه مدينة عدن الاستراتيجية. وبإرسال التحالف العربي أكثر من عشرة آلاف عسكري إلى اليمن، أكدت السعودية عزمها على المضي في استراتيجيتها اليمنية المستندة إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2216. واتفق الملك سلمان مع الرئيس التركي أردوغان على مواجهة الاندفاعة الإيرانية في سورية، بالترافق مع تغطية أنقرة “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل” في اليمن. وهذه السياسة السعودية النشطة معرّضة لانتكاسات كبيرة، جرّاء تصميم التحالف الروسي الإيراني على إضعاف الرياض، ودحر مواقعها الإقليمية.

للتمويه على التدخل الذي اختمرت فكرته في ذهن بوتين منذ أشهر، نفذت موسكو مناورات تكتيكية ناجحة؛ فقد استهل بوتين تدخله في سورية بعرض وساطة من شعبتين. الأولى بين النظام ومعارضيه. الثانية بين النظام وأعدائه الإقليميين، وخصوصاً السعودية. وأوحى أنه يقترب من الرياض، من دون أن يذكر أي دور لإيران، في ما يتعلق برؤيته تشكيل حلف دولي لمواجهة الإرهاب، يستند على الجيشين السوري والعراقي والبيشمركة. وتشير هذه المناورات السياسية والدبلوماسية التي مهدت موسكو، من خلالها، لتدخلها في سورية، إلى وجود نيات لدى بوتين، لكي ينسف، بالتعاون مع خامنئي ومندوبه السامي لشؤون الهلال الخصيب، قاسم سليماني، النفوذ السعودي في سورية والهلال الخصيب، أو هزيمته قبل احتوائه، ضمن تصميم روسي جديد للمنطقة.

وفي البداية، حرصت موسكو على جذب حلفاء الرياض المترددين (مصر، الأردن، الإمارات) بعيداً عنها. ولاحقاً، صلّب الوجود الروسي مواقف هؤلاء الحلفاء الرافضة استراتيجية السعودية في سورية أو اليمن، أو انفتاحها على تركيا وجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة. وهكذا كان بوتين عاملاً رئيسياً في إضعاف التماسك الإقليمي من حول السعودية.

وإذا كان خامنئي قد رأى أن موازين القوى الإقليمية تحركت ضد إيران، بعد التحالف بين السعودية وتركيا اللتين تمكنتا من قلب الطاولة في وجه طهران على امتداد المنطقة، بالترافق مع محاولات بغداد التفلت من القبضة الإيرانية شديدة الوطأة، فإنه قرّر الاستعانة ببوتين لوقف الانهيار الشامل للموقف الإيراني في الشرق الأوسط، والثمن توحيد السياسات الإيرانية والروسية عبر المنطقة.

ويبدو أن إيران وروسيا متفقتان على توزيع أدوار في سورية والعراق. ففي الأولى، تلعب القوات الروسية الدور الأكبر، براً وجواً، بالتعاون مع قوات إيرانية، ومع الحشد الشعبي وحزب الله، في مقابل تعهد إيران بتهيئة البيئة لتغلغل النفوذ الروسي في العراق، بدايةً من صفقات السلاح، وصولاً إلى تأسيس مركز بغداد للتنسيق العسكري والأمني، وربما الضغط على الحكومة العراقية، من أجل طلب تدخل روسي “جوي”.

وربما كان من بنود التحالف الإيراني الروسي في المنطقة، إطلاق موسكو يد طهران لكبح جماح السعودية وحلفائها في اليمن، مع توافق العاصمتين على تعويم وساطة مصرية، لإنهاء الحرب في الخاصرة السعودية سياسياً. وهكذا ستجد السعودية وتركيا أن روسيا وإيران تعملان على تطويقهما وإضعافهما، وبالتالي، لا بد من اجتراح خطة للتحرك.

وبشأن خطة التحرك، داخل سورية، لا بد من تزخيم التدخل الجوي العربي التركي تحت غطاء التحالف الدولي. وسيحد ذلك من قدرات الروس على الطيران في الأجواء السورية، والدعم الأميركي حاسم للمضي في خطوة كهذه. وبالترافق مع فرض المنطقة المطهرة من تنظيم داعش في شمال حلب، ولو رفضتها روسيا، لا بد من تكثيف الضغط على الأكراد، لتحديد اتجاههم النهائي. ويبدو رفع بعض الخطوط الحمر بالنسبة للعمل ضد بيئة النظام منطقياً بكل تأكيد.

على الصعيد الإقليمي، يجب أن ترفع السعودية القيد عن التحالف الكامل مع التجمع اليمني للإصلاح، ولو كان الثمن مراجعة مصر والإمارات موقفيهما من التحالف العربي في اليمن، فمن دون دور “التجمع” الكامل، ستأخذ عملية تحرير صنعاء وشمال اليمن وقتاً أطول من اللازم، وتغدو حرب اليمن استنزافاً للسعودية عن بقية قضايا المنطقة المتفجرة. إعلان نهاية محاصرة الإخوان في المنطقة. زيادة حدة التناقضات داخل العراق. السهر على فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية المقبلة. تطوير العلاقات الخليجية مع دول أوروبا الشرقية والبلقان الخائفة من النهوض الروسي.

ولا بد من اتخاذ خطوات حيال الكرملين وداخل روسيا، منها استصدار قرارات من منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، تدعو روسيا إلى تلمس خطورة خطوتها، بما تستدعيه من إرث الحرب الأفغانية. عقد اتصالات دبلوماسية مع المسؤولين الروس في أراضيهم، بهدف مخاطبة الرأي العام الروسي، بالترافق مع تنظيم حملات من الدبلوماسية العامة الموجهة إلى المواطنين الروس، لشرح مخاطر سياسة بوتين الجديدة، وعقمها، واستغلال الطبيعة الحساسة للرأي العام في روسيا.

العربي الجديد

 

 

 

العلويون مع روسيا..لا مع إيران/ منير الربيع

تساؤلات عديدة تطرح حول العلاقة بين الضباط العلويين و”الحرس الثوري الإيراني” في سوريا، في ظل إتهامات توجه إلى إيران بتصفية العديد من ضباط وقادة قوات النظام، خاصة من الطائفة العلوية، ممن لم يوافقوا على تزايد النفوذ الإيراني في جميع المفاصل السياسية والعسكرية في سوريا.

كان لإيران يد في إذكاء الحرب السورية، رغبة منها في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل آذار/مارس 2011. واليوم بموازاة إطلاق تحرك سياسي دولي لإيجاد حل للأزمة السورية، تبدو إيران معرقلة لأي حل سياسي، إذ أنها مازالت تراهن على إمكان الحل العسكري. فأي تسوية سياسية قد تتسبب في خفض نفوذها في سوريا.

لماذا قد يكون الدور المستقبلي الإيراني في سوريا، منخفض الفاعلية، في إطار تسوية سياسية سلمية؟ أولاً، ليس لإيران بيئة شعبية أو أهلية حاضنة، على عكس جمهور الشيعة في لبنان، الداعمين لـ”حزب الله”، أو كالحوثيين في اليمن، والشيعة في العراق. في سوريا لا بيئة حاضنة لإيران، فالعلويون لا يميلون إلى إيران التي قرنت مساعدتها لهم، بفرض التشيّع، فيما ينظر العلويون إلى روسيا كمنقذ لهم ومخلص لمصيرهم، بعد كل ما اقترفوه من أعمال قتل مذهبي وطائفي. العلويون ارتموا في أحضان موسكو فور وصول ماكينتها العسكرية.

في بيان صادر عن الرئيس بشار الأسد، رداً على كل المساعي السياسية بما فيها الروس، جاء فيه أن لا حل سياسياً قبل القضاء على الإرهاب. من البديهي إعتبار موقف الأسد هو استمرار لموقف إيراني بحت، لأن إيران هي التي تمسك بالميدان العسكري والسياسي في سوريا، على الرغم من التدخل الروسي. ولذلك تحرص إيران على عدم التخلي عن هذه الورقة من يدها. من مصلحة إيران عدم انجاح أي تسوية سياسية في سوريا لأنها في النهاية ستخسر الكثير بعدما قدمت تضحيات مالية وبشرية وعسكرية، للحفاظ على النظام السوري بشخص رئيسه، لا للوصول إلى مرحلة التنحي أو المرحلة الإنتقالية.

أول بوادر استشعار إيران للخسارة في سوريا، هي محاولة عرقلتها أي حل سياسي، وتصعيد الصراع على الحلبة السياسية الدولية حول سوريا، خصوصاً بعدما جرى استبعادها من إجتماع فيينا الأول لمناقشة الأزمة السورية وسبل حلّها. ولذلك فقد تشددت إيران أكثر للحصول على دعوة وحضور المؤتمر الثاني.

اللافت أن روسيا، وليس أميركا، من وجه الدعوة إلى طهران، وهذا يفتح الباب أمام إحتمالين: أولاً، أن أميركا حريصة على التعاون مع إيران بعد توقيع الإتفاق النووي، إنطلاقاً من وجهة النظر الأميركية القائلة بالعمل مع الجميع، ولذلك لم تعترض واشنطن على دعوة طهران. ثانياً، قد يكون في عدم الاعتراض الأميركي، رغبة بزرع الشقاق بين روسيا وإيران، لأن تضارب وجهات النظر بين الطرفين واضح، خصوصاً أن المبادرة الإيرانية لحل الأزمة السورية متناقضة تماماً مع المبادرة الروسية.

على المدى الطويل ستبدو إيران، وكأنها معزولة، لأنها لن تستطيع تحقيق خرق لدى السنة، والعلويون يفضلون الروس، فهم كأقلية سيختارون من لا يطلب تغييراً ثقافياً وعقائدياً لقاء المساعدة، فضلا عن أن روسيا دولة عظمى.

كما أن مرحلة ما بعد الحرب وبداية التسوية، قد تحمل بعداً إضافياً لأهمية الدور الروسي، الذي بامكانه فتح آفاق المصالحة مع السنة والدول العربية، فيما إيران قد تشكل للعلويين عامل تصعيد ونفور وليس عامل مصالحة.

وإذا كان حلّ الأزمة السورية في نهاية المطاف، سيتخذ منحى مناطق النفوذ للدول الإقليمية واستتباع أقليات في سوريا، فإن خسارة إيران ستكون ملحوظة، فلا حضور بشرياً لها في سوريا، بنسبة شيعة فيها لا تتجاوز الواحد في المئة.

المدن

 

 

 

 

تدخل بوتين في سوريا يغير قواعد اللعبة: ما هى أهداف الإمبريالية الروسية في سوريا؟

يرى المفكر الفرنسي برنارد هنري ليفي أن بوتين ليس مجرد لاعب بأعواد الثقاب يضرم النيران فحسب، بل إنه إمبريالي من الطراز القديم، والهدف من عمليته في سوريا جزئياً هو لفت الأنظار بعيداً عن تقطيعه لأوصال أوكرانيا. كما أن تهديداته شبه الصريحة لدول البلطيق وبولندا وفنلندا والآن لتركيا كشفت إستراتيجيته العدوانية، والتي تهدف أساساً إلى إضعاف أوروبا.

لم يلُحْ أي حل جيد في أفق سوريا منذ تلك الجمعة السوداء في أغسطس/آب 2013 عندما قامت آلة حرب الرئيس السوري بشار الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية، متخطية بذلك “الخط الأحمر”، الذي كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد حذر من أن تخطيه سيعقبه رد أميركي عسكري. صمدت المعارضة المعتدلة بينما لم يكن تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) حينها قد خرجت بعد، أما أوباما فقد فاجأ الجميع باستدارة كاملة على عقبيه في آخر لحظة ورفض التدخل.

تلك كانت غلطةً ولا يمكن إصلاحها، لكن بعض الخيارات أسوأ من بعضها الآخر ضمن مجموعة الحلول التعيسة للشأن السوري، ولعل الحلّ الذي تفتق عنه ذهن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو أتعس هذه الحلول على الإطلاق وأصلاها جحيماً.

لقد تركزت ضربات صواريخ سوخوي الروسية على أهداف في مدن إدلب وحمص وحماة، وهي جميعها مناطق غير خاضعة لنفوذ داعش حسب ما يؤكده مراقبون مستقلون ومراقبون للجهاديين وغيرهم من مراقبي مقاطع الفيديو التي تنشرها السلطات الروسية بنفسها على الإنترنت. هذا يعني أن الهدف الرئيسي من هجمات روسيا هو إضعاف المعارضة كلها، بما في ذلك المعارضة الديموقراطية في مواجهتها مع نظام الأسد.

هدف التدخل الروسي هو إنقاذ نظام الأسد المتهاوي

إذاً هدف التدخل الروسي ليس المساهمة في إطار الجهود ضد “الإرهاب” كما يدعي قادة حملة الكرملين الدعائية، وإنما الهدف إعادة السيطرة السياسية – مهما كلف ثمنها – إلى النظام الذي زرع بذور الإرهاب في المقام الأول. وبدقة أكثر فإن هدف روسيا الآن – بعدما قامت لفترة طويلة بتقديم مساعداتها عن بُعد – أن تنقذَ الدكتاتورية التي وصفتها السلطات الأميركية والفرنسية بالمسؤولة عن مقتل 260000 شخصاً منذ 2011.

ولا شك أن أسلوب النظام كان له الإسهام الكبير في ظهور داعش المرعب أيضاً، مما شكل ورقة اللعب الرابحة في يد الأسد ليحظى بالدعم الدولي في مواجهة داعش، ومما أعطى روسيا أيضاً ورقة التين لتغطي هجماتها.

قد يقول البعض إن ما “فات قد مات” وأن التدخل الروسي، في ضوء الأزمة السورية بشكل عام، قد يفيد في وقف السقوط الحر لهذه الدولة في أعماق الهاوية. لكن هجمة بوتين – الذي يطبق أساليب مجربة في حربين خاضهما في الشيشان، والذي لا يكترث بالتدابير والاحتياطات العسكرية التي اتخذتها الدول الغربية – ستكون نتيجتها الأولى زيادة – وليس إنقاص – عدد الضحايا من المدنيين.

قام الرئيس السوري بشار الأسد “بزيارة عمل” مفاجئة إلى موسكو مساء أمس الثلاثاء حيث التقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين كما أعلن الكرملين اليوم الأربعاء (21 أكتوبر/ تشرين الأول 2015) ، وذلك في أول زيارة له إلى الخارج منذ بدء النزاع في سوريا في 2011. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “مساء أمس قام رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد بزيارة عمل إلى موسكو”، مضيفا أن الأسد اجتمع مع بوتين. وأضاف الكرملين أن الأسد أكد لبوتين أن التدخل العسكري الروسي في سوريا حال دون توسع نطاق “الإرهاب”.

قام الرئيس السوري بشار الأسد “بزيارة عمل” مفاجئة إلى موسكو مساء أمس الثلاثاء حيث التقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين كما أعلن الكرملين اليوم الأربعاء (21 أكتوبر/ تشرين الأول 2015) ، وذلك في أول زيارة له إلى الخارج منذ بدء النزاع في سوريا في 2011. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “مساء أمس قام رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد بزيارة عمل إلى موسكو”، مضيفا أن الأسد اجتمع مع بوتين. وأضاف الكرملين أن الأسد أكد لبوتين أن التدخل العسكري الروسي في سوريا حال دون توسع نطاق “الإرهاب”.

لقد كان مع دول العالم كل الحق عندما هلعت أمام غلطة أميركا الأخيرة في ضربها مستشفى “أطباء بلا حدود” في قندوز بأفغانستان، لكن ترى كم قندوزاً سورياً سنرى على يد الهجمات الروسية إن استمر الكرملين باستخدام المتفجرات بدلاً من الصواريخ الموجهة؟ وهذه فقط واحدة من تكتيكات روسيا، لكنها تكشف إلى أي مدى ينوي بوتين المضي في آخر مغامراته خارج البلاد.

وترى هل هناك من يصدق ولو للحظة أن التدخل الروسي سيقلل مشكلة اللاجئين السوريين بدلاً من زيادة طينها بِلة؟ إن طرق بوتين تجبر عشرات الآلاف من المدنيين على الهرب من الضربات الجوية التي لا تفرق بين عدو وصديق، مما يفتح الباب أمام فرق الموت التابعة لنظام ظهرت عليه في الأشهر الأخيرة علامات التعب، مما يجعل الأمل يتلاشى بتخصيص مناطق آمنة فاعلة في شمال الأردن وجنوب تركيا.

وهكذا سيغدو حتى آخر الثابتين في وجه النظام من أفراد المعارضة على طرقات الهجرة إلى أوروبا، واسمع كلامي جيداً وانتبه فهم لن يتجهوا أبداً إلى روسيا، فبعكس ألمانيا أو فرنسا لن يتورع بوتين عن إغلاق الباب وإيصاده في وجه لاجئي غد الذين يرهبهم بسلاحه.

كما ليس لدى بوتين أدنى حرج من دوافعه ونواياه في سوريا، ففي خبر تناقله الإعلام الروسي ولم يلقِ الغرب له بالاً، قامت روسيا بنقل حاملة صواريخها “موسكفا” التي تحمل عشرات الصواريخ المضادة للطائرات إلى ميناء اللاذقية.

لكن داعش لم تقم من وراء ظهر الجميع–عدا بوتين–بالحصول على قوات جوية لكي نحتاج لتدميرها. على العكس، يظهر أن الكرملين سيرى هدفاً سائغاً مشروعاً في أي طائرة تمر عبر أراضي يعدها خاضعة لسيطرته. ولأن أي طائرة من هذا القبيل ستكون حاملة للعلم الأميركي أو البريطاني أو الفرنسي أو التركي أو علم أي دولة من التحالف ضد داعش، فليس صعباً أبداً تصور كيف سيؤدي التدخل الروسي إلى تصعيد دولي لحرب سوريا الأهلية.

لحسن الحظ أن الأمور لم تصل إلى ذاك الحد بعد، لكن دعونا لا نتظاهر بأن عمليات روسيا العسكرية- والتي كانت دوماً وحتى تاريخه تهدف إلى تأمين السيطرة الروسية على المجال الجوي السوري وحماية مصالحها أرضاً- دعونا لا نتظاهر أن هذه العمليات الروسية تصب في إطار الجهود المبذولة لهزم داعش.

بات الأمر جليًا في سوريا: لا مجال هناك لحل جيدٌ

بوتين ليس مجرد لاعب بأعواد الثقاب يضرم النيران فحسب، بل إنه إمبريالي من الطراز القديم، والهدف من عمليته في سوريا جزئياً هو لفت الأنظار بعيداً عن تقطيعه لأوصال أوكرانيا. كما أن تهديداته شبه الصريحة لدول البلطيق وبولندا وفنلندا والآن تركيا -والتي باتت طائرات الميغ تمشط مجالها الجوي وعلاقاتها مع الناتو على الدوام – كشفت استراتيجيته العدوانية، والتي تهدف أساساً إلى إضعاف أوروبا.

على الأوروبيين أن يفيقوا قبل أن تداهمهم مخططات بوتين قبل فوات الأوان، ففي فرنسا باتت نغمة التهدئة الغَرورة صيحةً وطنية للحشود من أقصى يمين الجبهة الوطنية وحتى أقصى اليسار، بل وحتى بين الأعداد المتزايدة من رجال سياسة الأغلبية من كل الطبقات. نعم لقد سعى الكرملين بدأب وتؤدة إلى تنمية أمناء حزب له في أوروبا، وهذه الشبكة ذات الخيوط غير المرئية باتت أقرب لـ”حزب بوتين” في أوروبا.

لو كان حزب بوتين مقتصراً على مخاطبة ديماغوجيي أوروبا الشعبيين المعتادين بدءاً من نايجل فاريج في بريطانيا وحتى فيكتور أوربان في المجر، لكان ذلك من التعاسة بمكان.لكن عندما يبدأ قادة نعدّهُم من رجال الدولة وأهل المسؤولية – مثل رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رنزي – بتسويغ أفعال بوتين، فعندها تكون أوروبا قد دخلت خطر زعزعة الأرضية الصلبة المتينة التي بنت عليها اتحادها ووفرتها الاقتصادية.

برنارد هنري ليفي

يعد المفكر الفرنسي برنارد هنري ليفي أحد مؤسسي حركة “الفلاسفة الجدد”. من كتبه “اليسار في الأوقات المظلمة: موقف ضد البربرية الجديدة”.

موقع قنطرة ينشر المقال بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”

حقوق النشر محفوظة لـ”بروجيكت سنديكيت” 2015

اقرأ أيضًا: موضوعات متعلقة من موقع قنطرة

 

 

 

 

النتائج الميدانية المتحركة في سورية/ وليد شقير

حقق التدخل العسكري الروسي في سورية أهدافاً ميدانية عدة حتى الآن. تمكّن الكرملين من المراهنة على دفع البحث في الحل السياسي إلى الأمام.

أول هذه الأهداف، الاستبعاد الكامل لفكرة قيام منطقة آمنة شمال سورية، كان التوافق الأميركي – التركي يقترب من التفاهم عليها في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي. فالتحليق الكثيف للطيران الروسي في سماء الشمال السوري والساحل… جعل هذا الخيار الذي تصر عليه أنقرة منذ أكثر من سنة، غير قابل للتطبيق. وبدلاً منه، اضطرت الولايات المتحدة الاميركية للاتفاق مع موسكو على قواعد تحليق طائراتها التي توجه ضربات إلى «داعش» و «النصرة» و «القاعدة» على الأراضي السورية، كي لا تصطدم بالطائرات الروسية.

وكان الأتراك يأملون بالمنطقة الآمنة، بعد توسع سيطرة المعارضة في محيط مدينة حلب، ليتم نقل نازحين من تركيا إلى داخل الأرض السورية، وبأن تتمكن قيادة المعارضة من أن تنقل بعض مقارها إلى هذه المنطقة المحمية من الجو.

أما الهدف الثاني، فهو نجاح القصف الروسي الجوي والصاروخي البعيد المدى في شل قدرات «الجيش السوري الحر» والتشكيلات العسكرية الأخرى المصنفة «معتدلة»، في بعض المناطق وإعاقة تقدمها، الذي استدعى هذا التدخل، نحو الاستيلاء على مواقع جديدة تابعة لقوات النظام وحلفائه في الميليشيات المدعومة من إيران.

أما الهدف الثالث، فهو وضع إعادة ترتيب أوضاع الجيش السوري على السكة، بنية دمج الميليشيات السورية التي أشرفت إيران على إنشائها وتدريبها، في هيكلية الجيش بعد أن ثبت فشلها في الدفاع عن المناطق التي تقدمت فيها قوات المعارضة في الأشهر الماضية.

اعتبرت موسكو أن تحقيقها هذه الأهداف، تحت عنوان محاربة «داعش» والإرهاب حيناً والحؤول دون سقوط بشار الأسد عسكرياً أحياناً أخرى، يمكنها من طرح صيغة للحل السياسي، لأنها تكون استعادت المبادرة في التخاطب مع الدول المعادية للنظام، ومع النظام نفسه، لعلها تحقق نصراً سياسياً يشكل نموذجاً لعودتها لاعباً رئيساً على الساحة الدولية بقوة التدخل العسكري. وهي لذلك استعجلت تقصير عمر هذا التدخل، عبر الانتقال إلى التفاوض السياسي على الحل قبل أن تتعاظم أثمان العمليات العسكرية عليها. فإطالة أمد الحرب، على رغم استعدادها لها، احتمال وارد إذا غاب أفق التسوية السياسية.

فإلغاء فرضية المنطقة الآمنة عبر تدخلها، يقابله إمكان حصول الثوار السوريين، من الدول التي تدعمهم، على صواريخ أرض – جو. وهو أمر تعلم موسكو أنه بات ممكناً وأن بعض التشكيلات العسكرية تمكنت من اقتناء هذه الصواريخ، لكن مع قرار بعدم إجازة استخدامها، إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في المفاوضات النشطة على الحل السياسي.

ومع أن القيادة الروسية حذرت من إعطاء الثوار السوريين هذا النوع من الأسلحة، فإن الدول المعنية بتسليمها إلى هؤلاء الثوار قد تجيز استخدامها ضد الطيران السوري، لا الروسي في مرحلة أولى، ما يعيد إظهار الأسد في مظهر الضعف إزاء إصراره على عرقلة الحل الذي يقضي بتسليم صلاحياته للهيئة الانتقالية. وقد تعيد هذه الصواريخ، مثلما فعّلت الصواريخ المضادة للدبابات التي انتشرت بين الميليشيات المعارضة التدخل الروسي، إلى «الجيش الحر» والتشكيلات المشابهة، القدرة على المبادرة…

عامل آخر قد يؤخر الحل هو الممانعة الإيرانية التي ظهرت في تناقضات تصريحات بشار الأسد عن استعداده للحل السياسي، تارة بقبوله وأخرى بعودته إلى اشتراط القضاء على الإرهاب قبل أي تفاوض. ومن المؤكد أن طهران لن تقبل تقليص دور الميليشيات التي تشرف عليها، سواء السورية أم الآتية من الخارج، مقابل الإصرار الروسي على عدم فاعليتها وعلى وجوب دمجها بالجيش أسوة بصيغة لاحقة لدمج «الجيش الحر» وغيره، في إطار الحل السياسي. فطهران عززت وجودها العسكري المباشر، إضافة إلى دور «حزب الله» والميليشيات الأخرى رداً على الخيارات المطروحة للتسوية السياسية.

بات مستقبل الوضع الميداني الذي حركته موسكو، متوقفاً على مفاوضات فيينا. فعلى نتائجها، تقرر موسكو إطالة الحرب أم تقصيرها. وفيها تتقرر حصيلة الاختبار الذي تنتظره الدول العربية الطامحة لاتفاق على مدة قصيرة لبقاء الأسد، لتقرر بعده خياراتها الميدانية.

 

ماذا سيعطي بوتين؟/ راجح الخوري

مضى شهر على بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا، وما حصل عليه بوتين في السياسة حتى الآن أكبر بكثير مما حققه في الميدان، لهذا ينظر البعض الى محادثات “فيينا – ٢” الموسعة على أنها قد تكون تغطية فضفاضة لعمليات القصف الجوي أو تمويهاً لبداية التخبط في المستنقع السوري!

لهذا يجب ألا يشكّل مسلسل المشاورات غطاءً يحجب ما يجري على الأرض، فالمعارضة تقول إن القصف لم يغيّر الواقع الميداني وأنه لم يستهدف “داعش”، ربما لأن فلاديمير بوتين يعتبر كل معارض إرهابياً وإن كان سيرغي لافروف أبدى استعداده لمحاورة “الجيش السوري الحر” الذي تردد ان وفداً منه زار موسكو في الأيام الأخيرة.

حتى الآن حصل بوتين على أثمان سياسية مبكّرة، بعدما خطا المعارضون لبقاء الأسد خطوتين في اتجاه الموقف الروسي:

الخطوة الأولى هي القبول ببقاء الأسد مرحلياً الى أن يتم ترتيب عملية الإنتقال السياسي التي نص عليها بيان “جنيف – ١”، وهنا ليس قليلاً ان توافق السعودية وتركيا وعدد كبير من الدول الأوروبية على مرحلية بقائه وان كان الخلاف مستمراً على مداها الزمني.

الخطوة الثانية هي الموافقة على انضمام ايران الى محادثات فيينا، فالاتراك والسعوديون والفرنسيون الذين طالما عارضوا ضم ايران لأنها تقاتل مع الأسد، لم يعترضوا على جلوس محمد جواد ظريف الى الطاولة، وثمة ما يوحي ان الأميركيين تحمسوا وعملوا سعاة بريد لنقل الدعوة الروسية الى طهران!

صحيح ان اللقاء الرباعي الروسي – الأميركي – السعودي – التركي ضروري لتمهيد الأجواء وترطيبها قبل ساعات من الإجتماع الموسع الذي يحضره لبنان [من غير شر]، وصحيح أن وجود الروسي والإيراني في فيينا يغني كلياً عن حضور الأسد، باعتبار ان ما يقبلان به لا يستطيع ان يرفضه او حتى ان يناقش فيه، لكن العبرة تبقى في ما سيعطي بوتين في مقابل ما حصل عليه حتى الآن.

وعلى هذا الأساس تبرز مجموعة من الأسئلة:

ما هو شكل الهيئة الانتقالية التي ستتولى السلطة، وما هي حصص الأسد والمعارضة والروس والإيرانيين فيها، متى تتشكل وكم من الوقت يتطلب تشكيلها، متى تتسلم مسؤولية ادارة الدولة والأمن، كيف سيضم جيش النظام الى جيش المعارضة لتشكيل القوة الوحيدة التي يفترض ان تقاتل “داعش” لأن القصف الجوي لن يقدم أو يؤخّر… والأهم متى سيرحل الأسد؟

اذا كان بوتين سيراوح في فيينا عند نظرية أن “الحل السياسي يأتي بعد القضاء على الإرهاب”، فمن الضروري تركه يتخبط في المستنقع السوري الذي أعلن أنه يريد استعجال الخروج منه، ولكي ينجح الحل السياسي عليه تقديم روزنامة تجيب عن هذه الأسئلة!

النهار

 

 

 

 

بوتين يريد حصة الأسد/ إدريس الكنبوري

بعد أربع سنوات، وصلت روسيا أخيراً إلى الربيع العربي الذي حرك المنطقة العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الفاتر. طوال الأحداث والتموجات والمخاضات التي حصلت إبّان تلك المرحلة الحرجة، لم تكن روسيا شيئاً مذكوراً، أو هكذا يظهر؛ فقد دخلت الولايات المتحدة الأميركية على الخط مبكراً للدفاع في اتجاه هندسة معينة للأمور، بحيث تضمن عدم الانزلاق في الاتجاه غير المرغوب فيه، ولعب الاتحاد الأوروبي الأدوار التي يفرضها عليه موقعه وطموحاته، خصوصا في منطقة شمال أفريقيا، فيما ظل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يحتسي قهوته، ويتأمل من بعيد ما يجري ويدور، متحسباً ما ستسفر عنه عاقبة الأمور.

منذ نهاية الحرب الباردة والاعتقاد الشائع أن روسيا أدارت ظهرها تماما لمنطقة الشرق الأوسط، وأبقت على نفوذ محدود مع حلفائها التقليديين هناك، خصوصاً النظام السوري الذي لم يقطع حبل السرة مع موسكو، حتى بعدما أصبحت مجرد عاصمة لدولة كبرى، لا رمزاً لامبراطورية. وقد توهمت الولايات المتحدة أن هناك علاقة قوية بين الإيديولوجيا والقوة، وأن زوال الشيوعية يعني تراجع التطلع الروسي إلى التمدد، واطمأنت إلى هذه الفكرة، بشكل خاص عندما غرقت روسيا في مستنقع الأزمات الإقليمية، منذ حرب الشيشان الأولى، وصولا إلى أوكرانيا.

بيد أن استمرار الأزمة السورية ودخولها العام الرابع، خلط الحسابات لدى الإدارة الأميركية، لكي تجد روسيا كوة تنفذ منها إلى المنطقة، وتحرك قواتها العسكرية التي لم تغادر البلاد منذ نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينيات. أدرك بوتين، الخبير في تفكيك المعلومات وإعادة تركيبها بالنظر إلى خلفيته المهنية، أن واشنطن تريد أن تعمل الشيء نفسه. لكن، ليس بالمعلومات هذه المرة، وإنما بالترتيبات العملية على الأرض، فتطلع إلى أن يكون له موقع يتفاوض عليه من بوابة الأزمة السورية، عبر الحضور المباشر لدعم حلفائه عسكريا، ومزاحمة النفوذ الأميركي.

تريد روسيا أن تلعب لعبة الحسم، فبعد سنة على تشكيل التحالف الدولي لضرب تنظيم داعش الذي دعت إليه إدارة باراك أوباما، بدا أن هذا التحالف بقي قيد المراوحة، على الرغم من أن هناك عشرات الدول التي تشارك فيه، وهذا بسبب الانقسامات بين مكوناته، بخصوص موقع

“بشار الأسد ليس ابن عمة بوتين، وهو لم يأت إلى المنطقة للدفاع عن نظامه، كما فعل نابليون عندما زحف على إسبانيا لحماية نظام صهره في القرن التاسع عشر” الرئيس السوري، بشار الأسد، من معادلة الحل واختلاف الرهانات على الفصائل الموجودة على الأرض في مواجهة دمشق؛ وهو ما عزّز أطروحة العجز عن الحسم. ويظهر أن موسكو التقطت الرسالة في لحظة مفصلية؛ وإذا كانت تركز على الضربات الانتقائية، بعيداً عن الأهداف المعلنة، إلا أنها توفقت إعلاميا في تركيز الضوء على أهدافها العسكرية، بحيث يبدو وكأن الذين وضعوا أمام الأمر الواقع والتعاطي مع التدخل الروسي بدأوا يجهرون بالشكوى حول السياسة الانتقائية لموسكو، وليس بشأن حضورها من أصله.

خصصت أسبوعية “الإيكونوميست” البريطانية غلاف عدد جديد لها للتدخل الروسي في الشرق الأوسط و”اللعبة الجديدة” التي أخذت تتشكل، بعد أن أصبح بوتين يجلس وجها لوجه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ليسمع منه ويرد عليه. وتقول المجلة إن واشنطن ـ التي كان لديها سوء تقدير للأوضاع، في الفترة الماضية، باتت منزعجة من احتمال أن تقطف روسيا ثمار التدخل الأميركي، طوال السنوات السابقة في المنطقة، فقد أنفقت الخزينة الأميركية حتى اليوم (بحسب المجلة) مئات البلايين من الدولارات وآلاف الضحايا من الجيش الأميركي، لتنهض من النوم في أحد الصباحات، فترى شرقاً أوسط جديداً أمام عينيها، لكنها بدلا من ذلك، بدأت ترى الصواريخ الروسية التي تذكّرها بالحرب الكوبية.

كلنا يعرف أن بشار الأسد ليس ابن عمة بوتين، وهو لم يأت إلى المنطقة للدفاع عن نظامه، كما فعل نابليون عندما زحف على إسبانيا لحماية نظام صهره في القرن التاسع عشر، بيد أنه يعي جيداً أن النظام السوري بمثابة الورقة الوحيدة التي بقيت في جيبه، لكي يلعبها مع أوباما. وهذا من التفسيرات الممكنة للضربات الانتقائية لموسكو ضد داعش والتنظيمات الأخرى، والتصويب على “الجيش الحر”، لأنه يفهم جيداً أن عليه البدء بإبعاد خصوم الأسد المباشرين الذين يمكن أن يشكلوا بديلا له، أما الدولة الإسلامية، داعش، فلا أحد يريدها بديلا، ومن ثم لا بد أن ينتقل التحالف الدولي إلى السرعة القصوى غداً، لكي يتفرق دمها بين القبائل، ويبقى النظام السوري الذي، من خلاله وحده، يمكن ضمان حل سياسي، تكون لبوتين حصة الأسد فيه.

العربي الجديد

 

 

لا حل مع بوتين/ جمال خاشقجي

يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن «يتشطر» على السعوديين والأتراك، بتقديم أفكار لحل مستحيل، ظاهره سلمي وباطنه استنساخ النظام نفسه الذي ثار عليه الشعب السوري، ولكن من دون بشار الأسد، وكأن المشكلة هي الأسد!

لا أعتقد بأن بوتين جاهل بالمنطقة وواقع الحال في سورية، إنه يعرف قواعدها جيداً ولكنه يعتمد في مناوراته على حقيقة أنه «قوة عظمى» لا يريد أحد مواجهتها في شكل مباشر، ومستفيد أيضاً من قوى إقليمية كارهة أو خائفة من «قوة التغيير المستمرة» التي أحدثها زلزال الربيع العربي، ومستعدة للقبول بنظام قبيح، بل حتى إيراني الهوى يهدّد الأمن القومي العربي، ولا تقبل بقوة ديموقراطية إسلامية يبدو مجيئها إلى الحكم في دمشق حتمياً حال سقوط النظام.

إنه يستخدم تكتيكاً ميكافيلياً قديماً، تضييع الوقت، باتصالات ومبادرات خاوية، نقاط تسع، بعد جولة مفاوضات تختصر إلى سبع، ثم تزداد واحدة بعد جولة ثالثة وهكذا، بينما تستمر آلة قتله في حربها على الثورة السورية بالتعاون مع شركائه الطائفيين، النظام وإيران والعراق و»حزب الله» في ما اتفق على تسميته «غرفة 4+1» الموجودة في بغداد.

فهو يعلم أن السعوديين والأتراك لن يقبلوا باستمرار بشار، فبقاؤه يعني استمرار الحرب، وانتصاره يعني انتصار إيران، وهم ومعهم قطر لا يريدون الحرب التي تعطّل مصالحهم، تجارة ونفطاً وغازاً، ولا يريدون أيضاً إيران في سورية، وليس هذا بالموقف السياسي التفاوضي، إنه موقف إستراتيجي ثابت لن يتغير.

هو لديه موقف إستراتيجي ثابت، فهو وإيران يعلمان أن لا مستقبل لهما في شرق المتوسط لو انتصرت الثورة السورية، فالشعب السوري وقتها سينظر إليهما مثلما نظرت إيران الخميني إلى الولايات المتحدة، التي حمّلتها كل كوارث إيران منذ ثورة مصدق، والتي لا تقارن بكارثة الشعب السوري نتيجة نصرتهما نظام بشار، وجعلت منها (حتى توقيع اتفاق برنامجها النووي في حزيران – يونيو الماضي) عقيدة سياسية عاشت بها 35 عاماً. الشعب السوري لن يسامح الروس وسيكره الإيرانيين. ربما يحتاجون إلى جيل أو جيلين لتجاوز ذلك.

لذلك هم في حاجة إلى إعادة إنتاج نظام «آل الأسد» ليحكم سورية مستقبلاً، نظام طائفي غير ديموقراطي وقمعي، ولكن من دون «آل الأسد»، إلا أن إعادة ترتيب النظام من جديد غير ممكنة في ستة أشهر مثلاً أو حتى عام، مثلما يصرّ السعوديون عندما يقولون للروس إن أقصى تعريف ممكن لمفهوم «مرحلة انتقالية» هو ستة أشهر، فترة «استلام وتسليم». الروس يريدون لبشار أن يكمل مدته الرئاسية المفترضة، أي إلى عام 2021، ثم تظاهروا بإبداء بعض اللين وتحدثوا عن سنوات أقل يتفق عليها الشعب السوري بعد المصالحة التي يقترحونها بين النظام والمعارضة!

يعلم بوتين أن من المستحيل الجمع بين مقاتلي المعارضة، الذين يفضّلون تسمية «المجاهدين» على الثوار، مع جيش النظام، كما اقترح وزير خارجيته لافروف في مشروعه للمرحلة الانتقالية، ولكي يزيد من رونق اقتراحه الغريب يقول: إن ذلك نواة لجيش وطني يحارب الإرهاب! لقد توقف الروس عن استخدام مسمى «داعش» إذ إن استهدافهم كل فصائل الثورة كذّب مقولتهم الأولى إنهم أتوا للقضاء على «داعش»، الذي توسّع في مناطق المعارضة بفضل قصفهم.

فكيف يمكن أن يجلس زعيم حركة «أحرار الشام» المهندس الشاب مهند المصري بخلفيته الإسلامية السلفية وتطلعه إلى بناء سورية تشاركية، ولكن تحكم بالشريعة، مع بعثي عتيق كرئيس الاستخبارات وسجّانه السابق اللواء علي مملوك، مسافة زمنية هائلة بين الإثنين لن يردمها غير الدم، لذلك استحدث الروس فكرة جديدة وحاولوا تسويقها على السعوديين والأتراك في فيينا، تقول بـ «محاربة من يرفض اتفاق السلام بعد التوصل إليه». الغريب أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري وقع في فخ هذا العرض وكرّره في مؤتمر صحافي، إنه الوزير نفسه الذي وقع في فخّ الروس بتجريد بشار من الأسلحة الكيماوية في أيلول (سبتمبر) 2013 في مقابل عدم شنّ هجوم صاروخي أميركي وافق عليه الرئيس أوباما بتردد شديد، فما أن سمع من كيري بالعرض الروسي حتى تراجع عن التزامه وخطّه الأحمر ليُمد في عمر بشار إلى يومنا هذا.

لذلك أستبعد أن تسفر كل هذه الاتصالات والاجتماعات عن حل. يجب أن يشعر الروس بمرارة وألم دخولهم سورية أولاً، لكي يتعاملوا مع الوضع بجدية أكثر، فلن يخرج أي مسؤول سعودي ويصرّح في مؤتمر صحافي عن أعداد الصواريخ المضادة للدبابات التي وصلت إلى الثوار بتمويل سعودي أو قطري، أو يتحدث عن نياتها في تسليح المعارضة بصواريخ أرض جو، ولكنها في الغالب تفعل كل ذلك مع حليفتيها قطر وتركيا.

الموقف السعودي يختصر في الجملة التالية: لا مكان لإيران في سورية، أعطوني حلاً يخرج إيران وميليشياتها ثم نتحدث، ولن تصدق الروس ومن يروّج لهم أنهم جاؤوا لكي يخرجوا إيران من سورية، فالحشد الإيراني يزداد، وما ارتفاع عدد قتلاهم هناك إلا نتيجة ارتفاع تعداد قواتهم ومشاركتهم المباشرة في الحرب، إذ لا يعقل أن يترك الإيرانيون سورية «جوهرة تاجهم» ودليل انتصارهم على التاريخ، بعدما ينتصرون للسيد بوتين وقواعده شرق المتوسط.

إنهم جميعاً شركاء ضد الشعب السوري، ونحن شركاء مع الشعب السوري.

* إعلامي وكاتب سعودي

الحياة

 

 

 

 

الناتو” والغرب وروسيا.. والعرب/ عبد النور بن عنتر

تعتبر المنطقة الممتدة من أوكرانيا إلى المغرب العربي، مروراً بأفغانستان والمشرق العربي، قوس أزمات جديداً بالنسبة لحلف الأطلسي (الناتو). وهي منطقة تشتمل على بؤر توتر محلية، ذات أبعاد إقليمية ودولية، ويقع بعضها في التخوم المباشرة لدول أعضاء في الحلف ما يعطيها ميزة إستراتيجية، ومنها خصوصاً أوكرانيا وأفغانستان وسورية. وإذا كان لبؤر الصراع المختلفة هذه، والموزعة على منطقة شاسعة، محددات خاصة بها، فإنها تشترك، فيما بينها، في طرحها إشكالية التدخل، بغض النظر عن هوية المتدخل. ففي الحالات الأفغانية والعراقية والليبية، القوى الغربية هي المتدخلة و”الناتو” تحديداً في الحالتين الأولى والثانية. أما في الحالة الأوكرانية، فالتدخل روسي، ولو بشكل غير مباشر (عبر الجزء الشرقي من أوكرانيا الموالي لروسيا). وهنا يدين بالطبع الغرب ومعه “الناتو” ما يعتبرانه تدخلاً روسياً سافراً في شؤون أوكرانيا، ويرفضان ضم كريميا، لكنهما يتعاملان مع الأمر الواقع بحكم ثقل روسيا. أما في الحالة السورية، فالقوى الغربية أول من تدخل، ما جعلها تفتح الطريق لتدخلات أخرى، إذ استغلت روسيا هذه الثغرة لتتدخل، هي الأخرى، في البلاد لدعم حليفها (النظام القائم) نكاية ومناكفة في القوى الغربية التي تدعم حليفها (المعارضة). بالطبع، تبرر القوى الغربية تدخلها باعتبارات أخلاقية، وهي، في واقع الحال، مجرد مسوّغ لخدمة مصالحها، فهي لا تقول بهذه الاعتبارات الأخلاقية لمّا يتعلق الأمر بفلسطين، أيْن ميعت التمييز بين المعتدي والمعتدى عليه باستخدام عبارة “الطرفين” أو “الجانبين”.

لسان حال روسيا والغرب محاربة الإرهاب وتنظيم داعش تحديداً، لكن الجميع يعلم أن التدخل، مهما كانت أهدافه، سينجم عنه المزيد من عدم الاستقرار والمزيد من الإرهاب، خصوصاً أن حروب الجماعات الإرهابية صفرية. وبالتالي، التدخل الأجنبي يغذيها ويمدّها عملياً بالمزيد من المقاتلين، لأن هناك من يقاتل الآن في سورية، ليس بالضرورة حباً في داعش، وإنما كرهاً في القوى الغربية. ونظراً للمشهد المعقد للغاية في سورية، عكس ليبيا، لا يجد “الناتو” مدخلاً لأي دور له في الصراع إلى حد الآن، خصوصاً بعد التدخل الروسي الذي يجعل أي تحرك أطلسي في غاية من الحساسية، فقد تعتبره روسيا عودة علنية إلى نظام الحرب البادرة.

لا شك في أن التمدد الأطلسي على حساب روسيا ومناطق نفوذها شرقاً وصل إلى حدوده

“التمدد الأطلسي على حساب روسيا ومناطق نفوذها شرقاً وصل إلى حدوده القصوى من منظور روسيا التي قبلت على مضض توسع “الناتو” شرقاً، معتبرة أوكرانيا خطاً أحمر لا يجب تخطيه” القصوى من منظور روسيا التي قبلت على مضض توسع “الناتو” شرقاً، معتبرة أوكرانيا خطاً أحمر لا يجب تخطيه. وهذا ما يفسر رد فعلها القوي لإبقاء أوكرانيا، أو على الأقل، جزء منها تحت نفوذها. والواضح أن روسيا تسعى إلى أن تجعل كلفة انضمام أوكرانيا المحتمل إلى الاتحاد الأوروبي و”الناتو” عالية جداً: تقسيم البلاد. مشهد اتضحت ملامحه مع توحد شرق البلاد ضد غربها وضم كريميا إلى روسيا.

وسبق لروسيا أن دخلت في حرب مع جورجيا، على الرغم من تنديد القوى الغربية ودعمها الأخيرة. وهذا يذكّرنا بالتنديد الروسي بالتدخل الأميركي في العراق الذي لم يمنع الولايات المتحدة من غزوه واحتلاله. والمعادلة الإستراتيجية هنا واضحة، يعي الغرب أن التخوم المباشرة لروسيا خط أحمر، يقتضي تعاملاً حذراً، ما يجعله يلتزم سياسة ضبط النفس. أما روسيا فاعتبرت أن العراق مصدر قلق أميركي ذو أولوية قصوى. لذا، التزمت هي الأخرى ضبط النفس إزاء الغزو الأميركي.

أما حالة سورية فمختلفة بعض الشيء. أولاً، الدعم الروسي للنظام السوري يعود إلى العلاقة التحالفية التقليدية بين البلدين، وإلى انسجام مواقف النظام السوري (عكس نظام صدام حسين). ثانياً، يُفسر أيضاً بالطريقة التي تم فيها التدخل الغربي في ليبيا. فروسيا ما زالت تقول إنه لم يستند إلى شرعية أممية، وإن القوى الغربية فسرت قرار مجلس الأمن على هواها. ومن ثم، هي تسعى إلى أن تدفع القوى الغربية في سورية ثمن تدخلها في ليبيا. ثالثاً، بتدخلها في سورية، بغض النظر عن المسوغات، فتحت القوى الغربية، بل وشرعنت عملياً التدخل الروسي، على الرغم من علمها مسبقاً أن روسيا تقف إلى جانب النظام.

والمشهد الصراعي لصالح روسيا جزئياً بالنظر لطبيعة المتنافسين. فروسيا دولة واحدة وغير ديمقراطية بما فيه الكفاية، وبالتالي، فحسابات المصالح واضحة، وعملية صنع القرار غير معقدة، بينما القوى الغربية تختلف رؤاها وتصوراتها، وإن التقت مصالحها. أما “الناتو” فهو منقسم حول كيفية التعاطي مع روسيا. فحتى وإن كانت كل دوله الأعضاء تقول بضرورة الوقوف في وجهها، فإن قراءتها التهديد مختلفة، فدول أوروبا الشرقية تعتبر روسيا مصدر قلق، بغض النظر عن الأزمة الأوكرانية، أما الدول الأوروبية الأخرى الأكثر نفوذاً فهي منشغلة بها أيضاً، لدواع إستراتيجية أوسع من أن تُختزل في الأزمة الأوكرانية. أضف إلى ذلك عدم اهتمام دول “الناتو” الشمالية بما يحدث في المنطقة المتوسطية التي تعتبرها دوله الجنوبية (الأعضاء في الناتو) مصدر قلق لأمنها القومي.

من هنا، يمكن القول إن الحرب الدائرة في سورية بين القوى الغربية وروسيا هي أيضاً بمثابة عملية تصفيات حسابات إستراتيجية، تعود إلى الأزمتين، الليبية والأوكرانية، فالقوى الغربية تعاكس روسيا في سورية لتنتقم مما يحدث في أوكرانيا. أما روسيا فتنتقم من القوى الغربية لأنها تجرأت، حسب الرؤية الروسية، على المساس بأمنها القومي، بمحاولة وضع أوكرانيا تحت نفوذها. كما أن الصراع في سورية وعليها يعد أيضاً جولة ثانية، في إطار زماني ومكاني مختلف، للأزمة الليبية. والجدير بالملاحظة أن التدخل في سورية هو أول تدخل لروسيا في منطقة الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب الباردة، بينما تدخل الغرب عموماً في عدة دول (الصومال 1992، أفغانستان 2001، العراق 2003 وليبيا 2011). إحصائياً القوى الغربية هي الأكثر تدخلاً في المنطقة (فضلاً عن تدخلها في كوسوفو في 1999 – على حساب روسيا حليف صربيا). والغائب الأكبر في حسابات التدخل هذه اليمن، الذي تتدخل فيه السعودية، والذي لا تذكره لا القوى الغربية ولا “الناتو”، كما لا تذكر تدخل السعودية في البحرين.

أي إغفال لهذه المتغيرات، ولتصفية الحسابات الإستراتيجية بين القوى الغربية و”الناتو” من جهة وروسيا من جهة أخرى يجعل تحليل المشهد التدخلي في المنطقة مبتوراً. فالعداء العربي، بغض النظر عن شرعيته من عدمها، لأميركا أو لروسيا أو للقوتين معاً لا ينفع التحليل في شيء، بل يجعل العربي يأخذ رغباته على أنها حقائق. ولا نبالغ إذا قلنا إن ثقافة التنديد والشجب بلغت مستويات عالية جداً في العالم العربي، حتى أصبحت عقبة أمام الفهم العقلاني والبارد (وليس العاطفي) لوضع الأمة. العامل الحاسم ليس في قوة الآخر (الغربي أو الروسي أو كليهما)، وإنما في انكشاف العرب في زمن القابلية للتدخل. فقد أصبح التدخل مرغوباً ومطلوباً عربيا (بينياً وفي العلاقة مع الأجنبي). وكأنه كلما ابتعدت الدولة العربية عن سنوات الاستقلال فقدت رشدها السياسي! إنها دلالة قوية على انتكاسة بناء الدولة في المنطقة العربية.

العربي الجديد

 

 

 

«فورين بوليسي»: «بوتين» هو من أرسل القوات الأمريكية إلى سوريا

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

أمر «فلاديمير بوتين» القوات الأمريكية بالذهاب للمشاركة في سوريا. هذا ليس بالطبع ما قاله السكرتير الصحفي للبيت الأبيض «جوش إرنست» عندما شرح قرار إرسال ما يقرب من 50 من قوات العمليات الخاصة لتولي مهام التدريب والمساعد وتقديم الاستشارات في سوريا، لكن هذا هو الواقع. إذا لم يكن الرئيس الروسي قد اتخذ خطوته الجريئة في سوريا فإن الولايات المتحدة لم تكن لتصبح مضطرة في النهاية، بشكل متأخر، إلى حشد الدعم لحفائها المناهضين للدولة الإسلامية ولنظام «الأسد» في هذا البلد المعذب المحاصر.

كيف نعرف ذلك؟ مسار السنوات الثلاث الماضية يخبرنا بوضوح كيف نعرف ذلك. كانت تلك السنوات هي الفترة التي لم يتمكن خلالها مستشارو الأمن القومي للرئيس من اتخاذ إجراءات أكثر حسما لوقف التحلل في سوريا، والذي لا يمنح فقط الوقود للاضطرابات التي تتصاعد من بل المتطرفين الإسلاميين حول العالم ولكنه أيضا يتسبب في فيض من اللاجئين لدول أوروبا ودول الشرق الأوسط المجاورة. لكن «بوتين»، على ما يبدو، لديه المزيد من النفوذ في المكتب البيضاوي أكثر من «هيلاري كلينتون»، «روبرت غيتس»، «ليون بانيتا»، «ديفيد بترايوس»، الذين ذهبت نصائحهم أدراج الرياح طوال الفترة الماضية.

تدخل «بوتين» الحاسم في سوريا تسبب في تحويل ميزان القوى في هذا البلد. ومما لا شك فيه أنه قد عزز نفوذ الرئيس السوري «بشار الأسد» كما بعث رسالة مفادها أن معارضي «الأسد» (بما في ذلك بعض حلفاء الولايات المتحدة المزعومين من المقاتلين المتمردين في سوريا) في طريقهم ليكونوا هدفا لأشرس الهجمات العسكرية ربما أكثر من متطرفي «الدولة الإسلامية» التي تسعى الولايات المتحدة وتحالفها إلى هزيمتهم. تحدث الروس كثيرا عن معارضتهم للدولة الإسلامية، ولكن أشار نمط الضربات الأولية أن الهدف الأساسي كان حماية رجلهم في دمشق. دوافع «بوتين» على المدى الطويل في سوريا لا يزال يساء فهمها من قبل الكثيرين في واشنطن.

لا يبدو أنهم يفهمون أن الرجل لا يسعى إلى تحويل البلاد أو القيام بأي من الأمور التي من شأنها جعل مشاركة روسيا تبدو كمستنقع خطير بالنسبة له. إنه ببساطة يسعى للتأكد من أن النظام المسيطر على العاصمة السورية سيظل مقبولا بالنسبة لروسيا سواء أكان ذلك يعني إبقاء «الأسد» في مكانه أو المشاركة بدور فاعل في اختيار خليفته. هذا هو كل شيء. وكلما تمزقت البلاد وأرسلت المزيد من اللاجئين إلى أوربا متسببة في حشد القوميين وإضعاف نفوذ الاتحاد الأوربي كلما كان ذلك أفضل بالنسبة لـ«بوتين».

أهداف سياسية

أيا كان ما يذكر حول أهداف هذه القوة الأمريكية في مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» فإنها أيضا، وفي المقام الأول ربما، ذات غرض سياسي. (كقاعدة عامة، إذا كان العمل العسكري يبدو صغيرا جدا لتعزيز هدف عسكري فإنه هدفه يصبح على الأرجح سياسيا). وعلى الصعيد المحلي، فإن إرسال القوات الخاصة الأمريكية إلى سوريا يساعد «أوباما» في مواجهة النظرة الأمريكية السائدة حول أن تقاعسه عن العمل قد أسهم في التدخل الروسي، في الوقت الذي يساعده أيضا على معالجة المخاوف حول أن جهود الإدارة لتدريب المعارضة السورية قد باءت بالفشل حتى الآن. كما أنه يضفي مصداقية على دور أمريكا المطلوب في دفع محادثات متعددة الأطراف حول مستقبل سوريا تجري في فيينا هذا الأسبوع. إنه يقول بوضوح أن الولايات المتحدة مشتركة في الأمر كما أنه يرسل رسالة إلى الروس مفادها أن الصراع قد يصبح أكثر تعقيدا بالنسبة لهم. لذا فإنه يوفر القليل من الضغط على هذه الجبهة أيضا.

في الواقع، فإن الأمر ينتهي أيضا إلى مغزى أنه في المستقبل المنظور في سوريا، سوف تكون هناك مجموعات كبيرة من الأحداث المتضاربة. لذا فإن الولايات المتحدة وحلفائها، والروس والإيرانيين والسوريين من ناحية أخرى يجب أن يعملوا على ضمان أن الضباب والخلط في الحرب السورية، خصوصا في المناطق التي تتقاتل فيها عشرات الفصائل، لا تشمل أضراره الجانبية زعزعة العلاقات المستقرة بين القوى الكبرى. والنتيجة اللاحقة التي يبدو لا مفر منها على أي حال، نظرا لتعقيد الصراع السوري، هي أن الروس والإيرانيين سوف يبدأون على نحو مباشر في مهاجمة المقاتلين الوكلاء للسعوديين والقطريين وغيرهم. وحين يحدث ذلك فإننا سوف نرى وضعا كارثيا غير مسبوق.

أنا أتفهم قرار البيت الأبيض جيدا، ومن الناحية السياسية فإنهم يحمل مغزى بشكل ما. وقد يكون مفيدا في دفع المناقشات السياسية بشأن سوريا إلى الأمام في المستقبل. وزير الخارجية «جون كيري» يضغط بشدة على هذه الجبهة ولكن في الوقت الراهن فإن هناك الكثير من الأجزاء المتحركة تعوق إحراز تقدم حقيقي. وكما هو الحال في الصراعات الأخرى، كما الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ورغم أن صيغة الاتفاق النهائي تبدو واضحة فإن دفع السياسيين للاعتراف بها هو المهمة الأصعب. وسوف تبدو الصفقة المرجحة في النهاية على هذه الشاكلة: بقاء «الأسد» لمرحلة انتقالية مع منحه حصانة صم استبداله في وقت لاحق ببديل مقبول من قبل موسكو وطهران على أن يكون هناك وعد بمثابة ورقة التوت التجميلية من الحكومة السورية بالتزام الديمقراطية أو احترام حقوق الإنسان، في حين ستظل البلاد في حالة اضطراب لأن الحكومة في دمشق لن يمكنها بحال السيطرة على البلاد.

بين الفعل ورد الفعل

في السياسة الخارجية، كما هو الحال مع المسرح فإن أفضل ردود الأفعال هو ما يبدو تلقائيا وسريعا ويأتي دون تأخير. ولكن على الساحة العالمية، فإن ردود الأأعال بطبيعة الحال لا تكفي. يجب على القادة أن يؤدوا. يجب أن يكونوا على استعداد لاتخاذ الخطوة الأولى في بعض الأحيان وإبداء المبادرة ووضع القواعد وتحمل المخاطر. وهذا هو السبب في النبذ المعلب والعاطفي والغير مقنع من قبل المسؤولين الأمريكيين والمعلقين المتعاطفين في وسائل الإعلام لخطوات روسيا. الرئيس الروسي، في سوريا كما في أوكرانيا، قد أعان تعيين شروط اللعبة في الوقت الذي كان فريقه يخسر فيه على الأرض. وقد استفاد لأنه فعل ما هو أكثر بكثير من مجرد رد الفعل. (الجدال بأن بوتين لم يكسب شيئا في أوكرانيا هو في رأيي غير مقنع، نظرا لأن لديه شبه جزيرة القرم تحت سيطرته كما أنه يتلك معظم النفوذ في شرق أوكرانيا. أضرت العقوبات ببوتين اقتصاديا وليس سياسيا وقد تخطت شعبيته حاجز الـ90% بعد نشاطه في أوكرانيا والآن في سوريا).

هل سوف تعمل مناورة «بوتين» في سوريا كما يأمل؟ ربما لا، (على الرغم من أنني أراهن، كما هو الحال في أوكرانيا، أنه سيحصل على الكثير من ما يريد، حتى لو لم يكن كله، وحتى لو كان الثمن أعلى مما هو متوقع) ولكنه واحد من نوعية القادة الذين ينظرون إلى أنها الأشهر الأخيرة من ولاية «أوباما» ويرون السلبية الأمريكية على أنها دعوة لاغتنام الفرصة.

تسعى إيران، بقدر روسيا، إلى اغتنام المبادرة، بدءا من التعاون بين الجانبين في سوريا والعراق. ترى إيران أن الإغماء الأمريكي والصراعات التي تضرب الدول السنية الرئيسية، المملكة العربية السعودية ومصر، فرصة لكسب النفوذ. وبهذا المعنى إيران تقوم أيضا بالضبط بما تفعله روسيا: إحكام وبسط السيطرة قدر الإمكان والضغط بما كل ما أوتيت من قوة لتوسيع دائرة نفوذها. في هذه الحالة، لا بد من القول أن عجز أميركا عن القيادة يتم تعقيده أيضا بغياب أجندة سنية إيجابية ومعتدلة في المنطقة. مثل المرشحين الجمهوريين للرئاسة، فإن السعوديين والمصريين وسائر القادة السنة المعتدلين في المنطقة يعرفون بوضوح ما هم ضده ولكن لا يعرفون على وجه التحديد ما الذي يريدونه. . والنتيجة هي أن أي شخص لديه أجندة واضحة في الشرق الأوسط، سواء أكان براغماتيا مثل إيران أو صاحب أجندة شيطانية إيجابية مثل «الدولة الإسلامية»، سوف يحرز تقدما سياسيا وفكريا في الفراغات التي تم تركها.

هذا النمط السلوكي ليس خاصا بمنطقة الشرق الأوسط، فالصين تفعل الشيء نفسه في بحر الصين الجنوبي. في كل من هذه الحالات، تستغل الأطراف الفاعلة الخمول الأمريكي في محاولة التكهن بالخط الأحمر الحقيقي الذي من شأنه أن يؤدي رد فعل كبير من قبل الولايات المتحدة، ومن ثم أخذ زمام المبادرة إلى أبعد مدى لا يتجاوز هذا الخط. وهذه الجهات قد حققت مكاسب كبيرة في مناطق اللامبالاة الأمريكية حول العالم.

تكرر الولايات المتحدة نفس النمط من ردود الأفعال مرارا وتكرارا. إنها فقط تتبع أعمال هذه الجهات الانتهازية لأحد الخطوات التي تدفعها نحو العمل. هذا النوع من العمل قد يجعلنا نبدو مشاركين لكنه لا يغير فعليا من حقيقة الأوضاع. نشر مدمرات بحرية حول الجزر الصناعية في بحر الصين، عدد قليل من القوات وعربات الهامفي في بولندا أو حتى بعض قوات العمليات الخاصة في سوريا: إنها نسخة «أوباما» الخاصة من وهم العمل.

التمثيل قد يكون رد فعل على المسرح، ولكنه ليس كافيا للسياسة الخارجية وبالتأكيد فإنه ليس كافيا للقيادة. أحيانا، عليك أن تعرف ما تريد، وتكون على استعداد للتحلي بما يكفي من الشجاعة لاتخاذ الخطوة الأولى.

المصدر | دافيد روثكو، فورين بوليسي

 

 

التدخل الروسي والاضطراب الشديد/ د. نقولا زيدان

عندما أعلن رسمياً منذ أسابيع عن التدخل العسكري الروسي في سوريا فإن أموراً كثيرة في المنطقة العربية قد تغيرت أو أقلّه أصبحت تتطلب، وفي الحال، إعادة نظر ومراجعة. فقد بدأت وسائل الإعلام، والروسية منها بامتياز، تنشر صور الطائرات الروسية في مرفأ طرطوس، وبدأت وكالات الأنباء تتحدث عن تواجد خبراء واختصاصيين روس واحتمال قدوم قوات روسية وشيك.

أمور كثيرة أصبحت حقاً بحاجة إلى مراجعة وإعادة قراءة وتعديل. فروسيا ليست فقط دولة إقليمية وازنة يحسب لها حساب كتركيا وإيران ومصر والسعودية وإسرائيل، بل دولة عظمى تملك ترسانة نووية ضخمة تحرسها أساطيل جوية وبحرية وجيوش منشورة من الباسيفيك حتى البلطيق والبحر الأسود فالمتوسط. وهي عضو دائم في مجلس الأمن تتمتع بحق النقض (الفيتو). وروسيا هي التي سارعت منذ نيسان (أبريل) عام 2011 لإرسال شحنات الأسلحة والعتاد والذخيرة لنجدة النظام الأسدي الذي كان قد اتخذ قراره التاريخي بمواجهة الحراك الشعبي السوري المطالب بالإصلاح باللجوء إلى القوة العسكرية وإطلاق النار وسط موجة عاتية من الاعتقالات والتوقيفات بل بإنزال الزمر العسكرية الدموية إلى الشوارع وزرع الرعب في صفوف المتظاهرين المعارضين.

روسيا هي التي كانت منذ بدايات شروع نظام طهران الملالي بإنشاء أول مفاعلاته النووية في ناطنز وبوشهر قد انبرت لتلبية مطالب النظام هناك بتزويده بالتجهيزات والتقنيات والخبراء والعلماء الروس في مجال الطاقة النووية مقابل كتلة نقدية ضخمة من القطع النادر الذي كانت روسيا بحاجة ماسة له بعد سقوط الاتحاد السوفياتي (1989) وما رافق هذا الحدث الطاغي من تقشف وندرة في السلع الاستهلاكية وفوضى عارمة ضربت مختلف القطاعات. وبفضل بيعها إنتاج النفط سلفاً عبر عقود تجارية لسنوات مقبلة لكل من الصين واليابان والهند استطاعت طهران توفير أثمان الدعم الروسي المنشود. لا بل استطاعت روسيا الجديدة وقد خرجت من حربي الخليج (1990) و(2003) صفر اليدين، أن تعوض ما فاتها من بيعها السلاح وهي ثاني بلد بعد أميركا في هذا المجال، بفضل حاجات إيران العسكرية بخاصة بعد سقوط صدام حسين. إنها تسعى لاستعادة نفوذها في منطقتنا العربية.

إن النظام التوتاليتاري الأسدي منذ أيام الأسد الأب كان يرزح تحت ديون باهظة للاتحاد السوفياتي ثمناً للسلاح من المرجح أنها تصل إلى ما لا يقل عن 13 مليار دولار، كان حافظ الأسد يعمل على تأجيل موعد تسديدها، لا بل ورث نظام بشار هذه التركة الثقيلة، تماماً كما ورث ما لا يحصى من المتاعب والمشكلات الأخرى وكان الملف اللبناني يتصدر هذه المشكلات، هذا الملف الذي بعد أن كان مصدراً للمنافع والمكاسب والخدمات التي كان يجنيها نظام دمشق من خلال وصايته على لبنان، قد تحول بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى دليل اتهام دائم بوجه النظام الأسدي خصوصاً بعد انتفاضة 14 آذار واضطراره لسحب قواته مكرهاً من لبنان.

انطلقت باكورة الربيع العربي من لبنان كمشروع سياسي وطني ديموقراطي استقلالي بوجه مشروع آخر مناقض له تماماً هو المشروع الإيراني الأسدي. فأنظمة العسكر أو تلك التي تستند بنشأتها وتسلقها وتربعها على السلطة إلى البزات العسكرية بدت منذ ذلك الحين في أزمة مستعصية، بخاصة بعد فقدانها أحد أهم ذرائع استمرارها في الحكم: الورقة الفلسطينية. فقد أدى نشوء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، الورقة الفلسطينية. فقد أدى نشوء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، عملياً إلى اضطلاع الفلسطينيين أنفسهم بمهمة المفاوضات مع سلطة الاحتلال.

توالى سقوط الأنظمة العسكرية في تونس ومصر وليبيا واليمن في الوقت الذي لم تستطع روسيا ولا حليفتها إيران جني أي ثمار قط من هذه التطورات المثيرة، ولا تحقيق أي مكاسب لضمان مصالحها وطموحاتها الجيواستراتيجية. فكان جلّ ما استطاعت طهران إنجازه هو الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية من العراق ليتحول إلى محمية إيرانية بموافقة أميركية.

تحولت سوريا يومها (ومن ورائها لبنان) إلى الساحة الفعلية التي يحتدم فيها الصراع. وهو صراع تناحري مدمر بين طموحات النظام الإيراني ومن ورائه روسيا من جهة والدول العربية التي، وبصرف النظر عن تعثر الأنظمة الجديدة التي أرساها الربيع العربي، أحست بخطر داهم يتهددها من الشرق من جهة أخرى. ولم تنجح أي مساع عربية أو دولية قط في وقف النزيف السوري ولا بالوصول إلى حل سياسي من شأنه الحفاظ على وحدة سوريا ومؤسساتها الوطنية، لا بل فاقم في حدة الصراع وتشعبه وانتشاره السياسة العقيمة التي دأبت إدارة الرئيس الأميركي أوباما على المضي فيها، فهي التي على خلفية اعتبارها النظام الإيراني اللاعب الإقليمي الرئيسي وأن الوصول معه إلى اتفاق نووي تاريخي مشهود راحت تغرق في سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية القاتلة، فهي التي أدارت ظهرها للمعارضة السورية وحجبت عنها السلاح النوعي، وهي التي قدمت لبشار الأسد خشبة الخلاص من الغرق المحتوم بعد مجزرة الغوطة الشرقية (آب 2013)، وهي التي أظهرت ضعفاً فاضحاً في اتفاق لافروف كيري وهي التي لم تواجه بحزم إفشال جنيف-2 كي تستمر الحرب السورية وهي التي سكتت أمام تدفق قوات الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي حزب الله اللبناني وسائر الميليشيات المذهبية إلى سوريا، وهي التي كانت تتجاهل نشاط نوري المالكي وبشار الأسد في استنبات وإطلاق الإرهاب الآخر الدموي «داعش».

لا بل في المقلب الآخر، اكتفت سياسة «أوباما» في أوكرانيا بالزعاق والتنديد اللفظي بعد ضم القرم إلى روسيا وتورط موسكو في القتال في دانيتسك لشق أوكرانيا. بل أبعد من ذلك كانت واشنطن على علم بكل الاستعدادات والتحضيرات الجارية في اليمن على يد الحوثيين صالح حيث كانت تتدفق الأسلحة والذخائر الروسية والإيرانية لتفجير حرب «ما وراء البحار» لكسر العناد العربي في رفض الهيمنة الإيرانية على المنطقة العربية، بغية تحويل حرب اليمن إلى حرب استنزاف للنيل من التحالف العربي.

أسقط في يد بشار الأسد، بل راحت تنهار قدرات جيش نظامه في مواجهة فصائل المعارضة وتفككت سوريا إلى كيانات تحكمها الفصائل المسلحة والقوى المحلية. وتبين على أرض الواقع عجز التحالف الإيراني العريض عن كسر المعارضة السورية. وهكذا شهدنا قدوم آلة الحرب الروسية بذريعة مواجهة الإرهاب. إلا أن إرهاب «داعش» ليس سوى الذريعة والمسوغ والمبرر لأن الوقائع الميدانية تثبت أن المعارضة السورية هي الهدف والمبتغى من القصف الروسي المتواصل.

والآن تدعو موسكو المعارضة للحوار مع الأسد، لكنها في آن معاً ما زالت تصر على دور ما له في المرحلة الانتقالية، بل في آن معاً تطلق تصريحات متناقضة لحد الذهول من قبيل تجاهل وجود الجيش السوري الحر، ثم التشكيك بوجود حكومة سورية مركزية فاعلة قادرة على مواجهة الإرهاب، إلى الإيحاء بأن بشار الأسد باق في السلطة ما دام «الشعب السوري هو الذي سيقرر مصيره» إلخ…

التخبط الروسي يبلغ الذروة في اللحظة التاريخية الراهنة فهم يلوّحون بإمكانية الانضمام للتحالف الأممي لضرب «داعش» لكنهم لا يثبتون في اليوم التالي أن يعودوا عن ذلك. رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف يصرح بأن روسيا ليست متمسكة ببقاء الأسد لكن بوتين يتحدث عن انتخابات مزعومة تقرر مصيره.

إنها حالة من اللغط الشديد والضباب الكثيف الذي يكتنف منطقتنا العربية، حيث يسود شعور عام أن شيئاً يجري التحضير له في عواصم القرار. إلا أن كل ذلك ليس بمقدوره قط أن يغير شيئاً من جوهر الصراع القائم بين مشروعين: الإيراني من جهة والعربي من جهة أخرى ولا ثالث بينهما.

المستقبل

 

 

 

 

 

قراءة عسكرية للتدخل الروسي في سوريا/ عبد الجليل زيد المرهون

كيف يمكن قراءة التدخل الروسي في سوريا من خلفية عسكرية؟ وما النتائج السياسية لهذا التدخل؟ خاصة إزاء حدوث متغير رئيسي في بيئة الأزمة السورية، تمثل في الدخول العسكري الروسي المباشر لدعم الجيش السوري والقوى المؤتلفة معه.

لقد أنتج المتغير الروسي جملة متغيرات فرعية (تابعة)، على المستويات الأمنية والسياسية، محليا وخارجيا، قادت مجتمعة إلى إعادة تعريف البيئة الجيوسياسية للأزمة السورية بالمعنى العلمي النظامي للمصطلح.

إن إعادة تعريف البيئة الجيوسياسية مفهوم تحليلي نسبي، يرتكز على جمع العناصر المتغيرة، أو تلك التي في طور التغير أو التحول، وقياسها كميا، ثم إعادة قسمتها على إجمالي “العناصر” المكونة للبيئة، للتأكد من الغلبة النسبية الوازنة للبُعد المتغير.

وهذه بالطبع ليست عملية سهلة، بل هي معقدة بالضرورة، وتستلزم جهدا علميا واسعا، وبُعدا أكيدا عن أية ميول معيارية، كما أن الزمن عامل حاسم فيها. وكيف يُمكن لمتغير ما أن يحدث إعادة تعريف للبيئة الجيوسياسية في هذه السرعة القياسية؟

هذا يعود جزئيا إلى طبيعة المتغير ذاته، خاصة لجهة عنصر المفاجأة فيه. كما يرتبط ذلك، بالضرورة، بمدى الثبات أو السيولة في العناصر المختلفة المشكلة للبيئة الجيوسياسية، أمنيا وسياسيا، وعلى المستويات كافة.

من الواضح أن التدخل العسكري الروسي، بالحجم والكيفية التي حدث بها، قد امتلك عنصر المفاجأة، ومن الواضح أيضا أن بيئة الأزمة السورية على درجة كبيرة من السيولة (حالة التبدل والتغير في معطياتها) أمنيا وسياسيا، وهي لم تتخذ بعد صورة الثبات والتشكل النهائي.

وعليه، لا غرابة في القول إننا بصدد بيئة جيوسياسية متغيرة، أو بالتعبير المجمل (أو الكلي): بيئة إستراتيجية متحولة. والآن، دعونا نرى عواقب “المتغير الرئيسي” في أبعاده المحلية.

قاد التدخل العسكري الروسي إلى أمرين أساسيين: الأول، إعادة توزيع القوة على الأرض. والثاني، تأكيد مبدأ السيطرة الجوية. كان الأول نتاجا للثاني، وفيه استعاد الجيش السوري مناطق وبلدات كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة، وبعضها كان خاضعا لهذه المعارضة منذ أكثر من عامين.

تركزت المعارك البرية في سهل الغاب، وريف حماة عامة، وكذلك ريف اللاذقية الشمالي، على الرغم من أن المعركة الرئيسية قد تتجه إلى مكان آخر. إن المناطق التي دارت فيها المعارك تمثل خاصرة رخوة للساحل السوري، حيث البحر المتوسط. ومن هنا، بدت أهميتها بالمعيارين التكتيكي والإستراتيجي.

إن إعادة توزيع القوة، أو إعادة انتشارها، لم يدفع حتى الآن باتجاه إعادة تشكيل مسرح العمليات، (أو إعادة رسم صورته العامة أو الكلية) على مستوى الجغرافيا السورية، لكنه وضع اللبنات الأولية لإعادة التشكيل هذه. ولعل هذا هو المغزى في كل ما حدث.

وبالانتقال إلى مبدأ السيطرة الجوية يُمكن الإشارة بداية إلى أننا بصدد مفهوم حديث نسبيا في دراسات الدفاع، وهو يرتكز على المقاربة التي قدمها جون واردين، في كتابه (The Air Campaign Planning for Combat)، الصادر عام 1988، وهو كتاب مرجعي بالغ الأهمية.

لقد قالت هذه المقاربة باعتماد سلاح الجو كأساس لضرب مركز ثقل العدو، الأمر الذي يُمكن من ضرب الأهداف الأخرى بسهولة، وبذلك لا تكون هناك حاجة لاستخدام القوات البرية بداية، وعادة ما يكون استخدامها في هذه الحالات تاليا على نجاح العمليات الجوية.

وقد استندت القوات الأميركية إلى هذا المفهوم في حروبها الخمس الأخيرة، في كل من الخليج (حرب الخليج الثانية) والبوسنة وكوسوفو وأفغانستان والعراق.

لقد دامت الهجمات الأميركية على العراق خلال حرب الخليج الثانية 43 يوما، تبعتها أربعة أيام فقط من العمليات الأرضية. وفي البوسنة شمل القصف ثلاثمئة هدف تمت إصابتها، مقابل خسارة طائرتين، بعدما تكفل الحلفاء بالعمليات على الأرض. وفي كوسوفو دامت الحرب 78 يوما، ولم تعترف وزارة الدفاع الاميركية إلا بخسارة طائرة “إف 117” ونحو 15 طائرة بلا طيار.

ويرتبط بمفهوم السيطرة الجوية افتراضان أساسيان:

الأول، ضعف قدرات السلاح الجوي وأنظمة الدفاع الجوية لدى القوة المراد مهاجمتها (إن وجدت في الأصل)، وذلك قياسا إلى حداثة وتطور الأسلحة المستخدمة في الهجوم. والثاني، أو لنقل الموازي، حصانة ساحة الانطلاق، ومواقع القوة المهاجِمة، من رد الفعل الانتقامي الجوي والصاروخي.

البعد الأول لا يبدو موضع تحد أو امتحان، بالنسبة للعملية الروسية في سوريا، كون الحرب لا تجري بين دولتين أو مجموعة دول.

أما البعد الثاني، فقد جرى الاستعداد له بنشر منظومات دفاع جوي روسية، للمديين القريب والمتوسط، نصبت في حماة وجبلة، ومناطق أخرى من محافظة اللاذقية، وربما قريبا من الحدود مع تركيا. وهذه المنظومات لم تنصب في إطار التحسب لهجوم جوي من الداخل، بل من الخارج. ويشير هذا الأمر، في جوهره إلى بُعد غير منطوق به في مقاربة التدخل العسكري الروسي في سوريا.

وأيا يكن الأمر، فإن مفهوم السيطرة الجوية يجري تطبيقه الآن في سوريا من قبل ثنائي القوات الروسية (جوا) والسورية (برا)، وقد أضحت السيطرة الجوية سمة الحرب الدائرة في الكثير من المناطق السورية، وهذا -على وجه التحديد- هو المتغير الأهم في مسار هذه الحرب.

وإذا كان الروس قد استندوا في حملتهم الجوية إلى أجيال مختلفة من مقاتلات سوخوي (SU)، فإنهم عمدوا -في الوقت ذاته- إلى استخدام كثيف للمروحيات الهجومية، وهذا يعني -من المنظور العسكري- أنهم اقتربوا فعليا ممن ممارسة دور قتالي أرضي، أو لنقل إن حملتهم تسير بتناغم تام مع تحرك أرضي للقوات المؤازرة، وهي هنا الجيش السوري، والقوى المؤتلفة معه.

كما يعني ذلك أيضا أن القوتين الروسية والسورية الرسمية تعملان (في مناطق معينة) وفق منظومة سيطرة واتصال واحدة، وهذا أمر له مغزاه ومدلوله العسكري والسياسي، وهو يشير -ضمن أمور أخرى- إلى أن العلاقات الروسية السورية قد دخلت طورا جديدا، أو لنقل منعطفا تاريخيا في مسارها، وبلغت مدى لم تبلغه في أي وقت من الأوقات.

وإذا كانت النتائج الفعلية للحملة الروسية الواسعة في سوريا يصعب قياسها الآن، بل وحتى حصرها الدقيق، فإن بعض هذه النتائج تجلت في تشتيت قوى متمكنة على الأرض في أرياف حماة وحلب واللاذقية.

وفي سياق التطورات المتسارعة ميدانيا، تفيد المؤشرات بأن الروس ربما استخدموا في حملتهم الجوية قنابل خارقة للتحصينات لتدمير بعض الأنفاق الواقعة في أعماق متقدمة نسبيا من الأرض، كما حدث في سهل الغاب.

وفي الفترة السابقة، كان يجري التعامل مع مثل هذه الأنفاق بتفجيرها من الداخل، أو بإغراقها بالمياه. وهذا أمر لا يتاح إلا بعد تقدم القوات على الأرض. ولذا عمرت بعض الأنفاق، وتحولت إلى ما يشبه المغارات الصغيرة، التي تضم في الغالب غرف القيادة والاتصال.

ولم يلبث المزج بين البعد البري للحرب الراهنة في سوريا وبعدها الجوي أن عكس نفسه على حساب البعد البحري، وذلك متغير آخر (تابع) من متغيرات هذه الحرب.

وبالطبع، من الصعب في هذا الوقت الخروج بتقييم عسكري متكامل للمسار الجديد للحرب السورية، وسوف يستغرق الأمر أشهرا من الزمن، وأي تقييم يُطرح اليوم هو بالضرورة تقييم لبعض الصورة أو المشهد، ولا يُمكن أن يكون غير ذلك.

على الصعيد السياسي، لا يبدو الأمر أقل تشابكا، من حيث العناصر والمعطيات. إن الحملة الجوية الروسية هي تسييل أمني لتحالف سياسي، جرى توطيده في إطار ثلاثي سوري روسي إيراني، التحق به العراق، أو أكد التحاقه به مجددا.

وعلى الرغم من أن هذه الحملة جاءت بطلب رسمي مباشر من الدولة السورية، فإنها عبرت في جوهرها عن تحالف ثلاثي (أو رباعي) قائم، وترجمت مسارا جديدا في مقاربته للأزمة السورية، بدا هجوميا في الغالب، بعد أن كان أقرب إلى الدفاع، أو راوح تكتيكيا بين الدفاع والهجوم.

وفي ضوء المسار الجديد، بدت سوريا أقرب إلى روسيا وإيران معا، كما استعادت زخم روابطها مع العراق، بعد جمود مرحلي أعقب مغادرة نوري المالكي السلطة في بغداد.

هذا المسار دفع أيضا باتجاه تعميق الروابط الروسية الإيرانية، ومنحها بُعدا جديدا كانت تبحث عنه. وفي الوقت ذاته، بدا العراق وقد وجد نفسه في مناخ جديد من التحالفات لم يعهده من قبل.

في هذا المناخ، اقتربت بغداد من موسكو، وأضافت تأطيرا جديدا لتحالفها بطهران، ومدت جناحا لدمشق يحمل مغزى تاريخيا وبُعدا جيوسياسيا. وفي غضون ذلك كله، لم يخرج العراقيون عن منطوق علاقتهم الإستراتيجية بالولايات المتحدة.

وبالنسبة للروس، إذا قُدر للمسار الراهن أن يتقدم خطوة أخرى، ومُدت العمليات العسكرية الروسية إلى العراق، فسيكون ذلك تحولا تاريخيا في البيئة الجيوسياسية للشرق الأوسط، كما سيعيد هذا التطور تعريف البيئة الأمنية للخليج العربي، ويقدم قراءة جديدة لخيارات العراق الخارجية.

في هذه الأثناء، بدت الولايات المتحدة شديدة الاهتمام بالتطورات الجارية، إلا أن خياراتها ظلت مقيدة؛ فهي لا تستطيع -وفقا لمنطق الأشياء- أن ترفض كليا الحملة الجوية الروسية في سوريا (أو العراق)، لكونها تستند -ولو نظريا- إلى المبررات ذاتها التي انطلقت بموجبها الحملة الأميركية في الأجواء السورية والعراقية.

في المقابل، يدرك الأميركيون مدى التباينات القائمة مع الروس على مستوى المقاربة الكلية للأزمة السورية، ويدركون جيدا -في الوقت ذاته- ماهية المغزى السياسي الذي يُمثله تدخلا روسيا محتملا في العراق.

وعليه، نأت الولايات المتحدة بنفسها عن التعاون مع روسيا في حملتها الجوية في سوريا، واكتفت بالحديث عن ضرورة التنسيق بين القادة العسكريين لمنع أي احتكاك بين الطيران الأميركي ونظيره الروسي في الأجواء السورية.

وبالنسبة للاحتمالات الخاصة بالعراق، بدا التحفظ الأميركي هو الأصل، لكنه ظل دبلوماسيا.

وبين الحملة الروسية في سوريا، واحتمالات مدها نحو سماء العراق، ثمة انفتاح أميركي جديد، أو لنقل هناك مستوى جديد من هذا الانفتاح، على صعيد المقاربات السياسية الخاصة بالأزمة السورية. وهذا متغير آخر في البيئة الدولية لهذه الأزمة، ومتغير أولي ذو صلة بفضاء السياسة الخارجية الأميركية ذاتها.

وما يُمكن قوله خلاصة -في سياق هذا الإيجاز- هو أننا اليوم بصدد معادلة إقليمية أعيد تعريفها، بدت فيها الكثير من قضايا المنطقة متوقفة كثيرا على مستقبل الحدث السوري واتجاهاته، وبدت مقاربات التسوية السياسية في هذ اللحظة المصيرية وقد استعادت زخمها، ولعل فرص النجاح متاحة اليوم أكثر من أي وقت مضى. وهذه خلاصة تاريخية.

الجزيرة نت

 

 

 

القيصر يريد سوريا/ أسعد حيدر

«القيصر» فلاديمير بوتين، حارب مشاركة فرنسا في اجتماعات فيينا حتى اللحظة الأخيرة. في النهاية قَبِلَ على مضض، بعد أن حقق جزءاً من أهدافه.

أراد «القيصر»:

[ الضغط على باريس للتخفيف من حدّة مواقفها في سوريا ضدّ «رجله« الرئيس بشار الأسد، لتمرير اقتراحاته التي تصبّ في بقاء الأسد طويلاً. أكثر ما ضايق موسكو من موقف باريس أنّ تشدّدها خصوصاً ما يتعلق بمصير الأسد متطابق مع موقف السعودية، مما يشكّل «جداراً« مرتفعاً أمامها في كل ما يتعلق باقتراحاتها ومواقفها.

[ إفهام الجميع وخصوصاً باريس أنّ زمن «النظام الدولي الاحادي» بزعامة الولايات المتحدة الأميركية قد انتهى وأنّه في كل القرارات الدولية يجب الأخذ بعين الاعتبار موقف موسكو.

موقف باريس الذي تصفه موسكو بالمتشدّد يقوم على طرح متكامل ميدانياً وسياسياً.

باريس تطالب موسكو بـ:

[ تحديد مدّة الفترة الانتقالية التي تنتهي برحيل الأسد وعدم اللعب عليها، حتى لا يستثمرها الأسد في ترتيب أوضاعه وفتح الطريق أمامه لجعل شقيقه العقيد ماهر الأسد بديلاً عنه أو لتمرير مبدأ الانتخابات من جديد إذا لم يعترض الشعب. أسبوعية «البطة العرجاء« الساخرة نشرت كاريكاتوراً تعليقاً على ذلك، يقول فيه الأسد ساخراً «بالنهاية الانتخابات إذا بقيَ شعب سوري في سوريا.

من الاقتراحات المتداولة بقاء الأسد ستة أشهر يتم خلالها التغيير بالتدريج وستة أشهر يبقى ولا يتدخّل بشيء. المهم في كل المتداول أنّ السؤال الذي تعمل على أساسه الأغلبية المطلقة من الأعضاء المشاركين في فيينا لم يعد «هل يبقى الأسد أو لا يبقى، وإنما كم سيبقى الأسد في القصر الذي أطلق عليه قصر الشعب، فحوّل إلى «مدفن» مفتوح للشعب السوري.

[ إنّ توقف روسيا قصف طيرانها للمعارضة السورية وحصره بالمنظمات المتطرفة مثل «داعش«، لأنّ متابعة القصف بهذه الطريقة يعني تقوية الأسد، وأكثر ما ترفضه باريس شعار «يجب الاختيار بين الأسد وداعش« ذلك أنّ مثل هذا الشعار ينتج بقاء الأسد وتضخّم التطرّف. موسكو لن تقبل ذلك لأنّه برأيها يقيّد حرية طيرانها وسلة أهدافها الميدانية والسياسية.

[ عمل باريس على إصدار الأمم المتحدة قراراً بوقف القصف بالبراميل المتفجّرة. موسكو سارعت إلى رفض هذا التوجّه جملةً وتفصيلاً. مثل مشروع هذا القرار يُحرج موسكو إنسانياً وتعتمد موسكو على فرملة واشنطن لباريس التي ضغطت حتى حضرت الأخيرة إلى فيينا. واشنطن لا تريد برأي الخبراء في العاصمة الفرنسية «أن تغضب موسكو ولا أن تتخلى عن باريس»، لذلك قد تلعب لصالح تأجيل مثل هذا الاقتراح إلى مرحلة لاحقة.

اليوم في فيينا يجتمع طرفاً خارجياً، في حين الأطراف الداخلية المتقاتلة غائبة كلياً. الطرف الجديد هو إيران التي لم تشارك في جنيف واحد واثنين. الوزير جواد ظريف الذي «رقص» طويلاً على أنغام سيمفونية المفاوضات النووية سيلتقي مجدداً زميله الأميركي جون كيري وشريكه الروسي لافروف والفرنسي فابيوس. بعيداً عن اللياقات فإنّ هذا الاجتماع سيشكّل أول اختبار للسياسة الإيرانية الخارجية بعد الاتفاق النووي.

«القيصر» يعمل في سوريا على أساس أنّ روسيا باقية فيها دائماً، من ذلك، وحسب القادمين من اللاذقية، فإنّ الروس المتكتّمين بشدّة يعملون على بناء قاعدة عسكرية جديدة في جبلة التي تشرف على مطار «حميميم» الذي وضعوه بإدارة طيرانهم.

رغم ذلك فإنّ موسكو لن تنجح في تحقيق عودتها إلى الشرق الأوسط الذي لن يشبه الذي عرفته إلاّ إذا نجحت في خلق الشروط المناسبة لحل سياسي دولي يسمح للجميع بخروجهم من الجحيم السوري.

*نقلاً عن “المستقبل” اللبنانية

 

 

 

الدب الروسي وحائك السجاد/ كمال طربيه 

للمرة الأولى منذ بداية الأزمة السورية في العام 2011، تجلس الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية وجها لوجه حول طاولة محادثات في فيينا، تحت أنظار الراعيين الدوليين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وآخرين من دول الغرب والشرق الأوسط..

طبعا لا احد يتوقع أن تحدث الأعجوبة بحصول اتفاق مفاجئ بين عادل الجبير ومحمد جواد ظريف خلال هذا الاجتماع-الحدث الذي يمثل بكل المقاييس بداية واعدة وخطوة أولى على الطريق الصحيح. ولكن، لماذا تقرر اليوم دعوة إيران للمشاركة في مؤتمر دولي حول الأزمة السورية ولم يتقرر هذا الأمر بالأمس أو قبل أربعة أو خمسة أعوام ؟ يجيب البعض، وهذا البعض محق: تطلع بتركيز إلى براعة السياسة الروسية وميكيافلية فلاديمير بوتين !

منذ العام 2011 لم يكف “قيصر” روسيا الجديد عن المطالبة بإشراك طهران في الاجتماعات الدولية حول سوريا. ومنذ سنوات أربع لم تعره واشنطن والرياض آذنا صاغية. انعقد مؤتمر جنيف 1 في صيف العام 2012 ولم تدع إيران للمشاركة..بعد ذلك بسنتين انعقد مؤتمر جنيف 2 بغياب إيران أيضا التي دعاها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للمشاركة ثم سحب الدعوة.

بين مؤتمري جنيف الماضيين ومؤتمر فيينا الحالي، تبدلت المقاربات للأزمة السورية وسبل حلها..نظام الرئيس بشار الأسد وبراميله المتفجرة بات بنظر الدول الكبرى يحتل المرتبة الثانية إن لم يكن مرتبة متوازية مع خطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يدمر البشر والحجر في سوريا والعراق والعالم .

دخل فلاديمير بوتين بموازاة الولايات المتحدة وغيرها في الحرب ضد الإرهاب. رمى بآلته العسكرية الهائلة في سوريا مما عدل بموازين القوى على الأرض وسمح لجيش النظام باستعادة زمام المبادرة..وقائع سياسية وعسكرية جديدة أملت على الغرب وعلى المملكة العربية السعودية خاصة التسليم بالواقع والقبول بالتحاور المباشر مع إيران الحليف الأخر للنظام السوري..

قلنا في البداية إن مشاركة إيران تشكل خطوة أولى على الطريق الصحيح، ولكن مع دخول الدب الروسي وحائك السجاد الإيراني، يخشى أن تكون هذه الدرب طويلة وملئ بالمطبات.

 

 

 

 

التدخل الروسي العسكري في سوريا: قارب نجاة لإنقاذ الجميع/ عبد الحميد صيام

نيويورك ـ «القدس العربي»: تابع العالم بشغف شديد لقاءات فيينا على مدى يومين والتي شاركت فيها نحو 17 دولة لبحث المسألة السورية والتفكير بشكل جماعي في إيجاد مخرج للوضع الذي وصل إلى طريق مسدود رغم دوائر ستيفان دي مستورا الأربع والتي طرحها على العالم في أيلول/سبتمبر وأكد أن تفعيلها سيبدأ الشهر التالي. لكن الأحداث تجاوزت الدوائر الأربع والتي لا تساهم إلا في إطالة عقد العمل للسيد دي ميستورا مع الأمم المتحدة أكثر مما تساعد في حلحلة الوضع السوري الذي لم يعد يحتمل الانتظار مع تردي الأوضاع الإنسانية إلى درجة غير مسبوقة حيث وصل عدد من هم بحاجة إلى حماية ومساعدة نحو 13.5 مليون سوري، كما جاء في تقرير وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين يوم الثلاثاء الماضي.

جاء إلى فيينا اللاعبون الخمسة الكبار الذين يملكون مفاتيح الحل في سوريا وهم الولايات المتحدة والاتحاد الروسي والسعودية وإيران وتركيا، فاكتملت بذلك أطراف المعادلة المؤثرة على الداخل السوري. وبدون توافق في الآراء بين هذه المجموعة، التي بشكل أو بآخر تحارب داخل سوريا بالوكالة، لا يمكن التوصل إلى حل. تقاسمت روسيا وأمريكا المسرح والأضواء مناصفة بل إن الكفة كانت راجحة لصالح الوزير الروسي سيرغي لافروف. كما أن حضور إيران رسميا إلى الإجتماع وعلى مستوى وزير الخارجية أضاف بعدا إيجابيا جديدا للقاءات. لكن السؤال لماذا الآن؟ لماذا نشاهد الآن جدية أكثر وإنخراطا أكثر في العملية السياسية التي بدأت تتبلور معالمها شيئا فشيئا؟ السبب بكل بساطة هو التدخل العسكري الروسي بكثافة في سوريا. جاء التدخل الروسي لينقذ الجميع من ورطهم ويرمي لكل واحد منهم طوق نجاة ليصل إلى بر الأمان قبل غرق المركب بجميع من فيه. ولنوضح ما هي أزمة كل طرف وكيف كان التدخل الروسي جسر العبور إلى النجاة؟

وصل النظام السوري قبل التدخل الروسي إلى مرحلة الضعف المتناهي والاقتراب من الانهيار. لم يعد يسيطر إلا على نحو 20% من الأراضي السورية ومعنويات الجيش بدأت تتآكل والقدرة على تجنيد الآلاف لم تعد ممكنة وأصبح الفرار من سوريا حتى لو كان ثمنه الموت غرقا أحد أهم أحلام السوريين. التنظيمات الإرهابية بدأت تقترب من العاصمة والتفجيرات والقذائف تنهمر على الأحياء القريبة من دمشق كما أن تراجع إندفاع حزب الله في خوض المعارك وحسمها بعد دفنه لمزيد من القتلى وتموضعه المباشر أمام جماعات لا تخشى من القتال أو الموت بل إن الموت بالنسبة لها مطلب محبب إستعجالا للقاء السبعين حورية. الدعم الاقتصادي الإيراني وإن كان ما زال قائما لكن إيران لديها مشاغلها الكبرى بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول الغربية وجل إهتمامها في إعادة تأهيل نفسها جزءا من النظام العالمي إن لم يكن سياسيا فليكن اقتصاديا. التدخل الروسي جاء في الوقت المناسب ليرمي خشبة النجاة للنظام.

لقد ورطت الولايات نفسها وبطريقة ساذجة عندما أعلنت في بداية الأزمة السورية عن أن الهدف هو إسقاط نظام الأسد وأن أيامه معدودة. وورطت السعودية الولايات المتحدة بهذا الهدف الصعب بناء على معلومات إستخبارية خاطئة قدمها عملاء السعودية على الأرض بأن النظام على وشك السقوط مع منتصف 2012. لم تدرك الولايات المتحدة جدية الموقف الروسي بحماية النظام حتى بعد إستخدام الفيتو أكثر من مرة ولم تعط الولايات المتحدة وزنا للتدخل الإيراني. كما أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها الأساسيين عملوا على إستبعاد الاتحاد الروسي وإيران من معادلة الحل في سوريا وبعد إكتشاف ورطتهم أرادوا أن يتراجعوا عن هدف إسقاط النظام وهدف إبعاد روسيا وإيران وبطريقة تحفظ ماء الوجه.

الورطة الثانية هي أن الحملة الجوية التي تقودها ضد تنظيم الدولة لم تنتج عنها أي آثار حقيقية وملموسة إلا حماية الحدود الكردية في شمال العراق، وأصبحت موضع تشكيك بجديتها. حتى على الأرض واجهت الولايات المتحدة أزمة هروب معظم العناصر التي أشرفت على تدريبها في الأردن والانضمام إلى التنظيمات الإرهابية مثل النصرة والدولة. وجدت الولايات المتحدة بحلول أيلول/سبتمبر 2015 نفسها في ورطة عسكرية وأخرى سياسية وغير قادرة على حسم الأمور مما سهل لخصوم إدارة أوباما أن يشنوا حملة شعواء عليه وعلى سياسته الخارجية ويصلوا بالحملة إلى الحزب الديمقراطي في سنة انتخابية حاسمة.

السعودية متورطة وحتى أذنيها في اليمن حيث تحول الصراع إلى حرب إستنزاف للقدرات العسكرية والمالية السعودية. وقد تعرضت المملكة إلى انتقادات لاذعة من منظمات حقوق الإنسان وبدرجة أقل من الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، بسبب سقوط أعداد كبيرة من المدنيين وبنسة 73 % من مجموع الضحايا حسب تقرير ليلى زروقي الممثل الخاص للأمين العام للأطفال والصراعات المسلحة. السعودية لم تعد تحتمل تمويل الحربين في سوريا واليمن في ظل إنخفاض أسعار النفط والاحتقان الداخلي في البلاد من جهة وعدم إنضباط دول مجلس التعاون الخليجي للموقف السعودي. وبدأ التفلت الخليجي من الورط التي أدخلتهم فيها السعودية واضحا مثل زيارة وزير خارجية عمان لدمشق ولقاء الأسد الإثنين الماضي والتقارب العماني القطري مع إيران والتزام الكويت موقفا محايدا وتركيز جهودها على الناحية الإنسانية. إذن من مصلحة السعودية أن يحسم الصراع في سوريا سياسيا ولعل التقارب الروسي السعودي يصب في هذا الاتجاه.

أما تركيا ففي ورطة أصعب على الصعيدين الداخلي والخارجي. وكانت الانتخابات الأخيرة في حزيران/يونيو الماضي بمثابة إستفتاء على قيادة حزب العدالة والتنمية للبلاد وكثير من الأتراك يعتبرون أن أردوغان ورطهم في حربين خاسرتين واحدة مع سوريا وواحدة مع الأكراد.

بالنسبة لإيران فهي تريد أن تعود إلى المسرح الدولي بعد سنوات العزلة أيضا وتبحث عن دور يليق بها كقوة رئيسية في منطقة الشرق الأوسط لها تأثير كبير على أربع دول على الأقل وهي العراق وسوريا ولبنان واليمن. لقد فتح الاتفاق النووي شهية النظام على إمكانية الاعتراف دوليا بأن إيران دولة إقليمية قوية ومنيعة ولا أحد يمكن أن يغامر ويحاول المس بكرامتها ويمكنها أن تلعب دورا إيجابيا في حلحلة جميع الأزمات بشراكة مع حلفائها الروس.

فتحت اجتماعات فيينا طريق الحل. وكما قالت فريديكا موغريني، مفوضة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، أن هناك أرضية مشتركة بين المجتمعين في فيينا لإستئناف الحوار بعد أسبوعين. وبحث المجتمعون كافة الأمور بما فيها مصير الرئيس بشار الأسد. ويبدو من بين السطور أن الأفكار المشتركة تدور حول النقاط التالية:

– تبدأ العملية السياسية بوقف شامل لإطلاق النار إلا في مواجهة تنظيم الدولة الدولة.

– تجري عملية إغاثة إنسانية عاجلة وفك الحصار عن المناطق المعزولة وخاصة في دير الزور.

– تقوم القوى الفاعلة الخمس بتنظيم سلسلة اجتماعات لكافة القوى السورية بما فيها النظام وما يسمى بالمعارضة الوطنية أو الليبرالية باستبعاد تام للتنظيمات الإرهابية.

– بعد الاتفاق بين الأطراف السورية وبرعاية دولية تبدأ الفترة الانتقالية ومدتها ستة شهور كمرحلة إنتقالية يتم التحضير فيها لانتخابات تشريعية وربما رئاسية.

يتم إطلاق جميع المعتقلين السوريين في هذه المرحلة.

– يشرف على الانتخابات مراقبون دوليون لضمان الشفافية والحيادية والمهنية والسلمية وضمان عدم إنتاج الماضي أو السماح لأجهزة الأمن في الدولة أن تركب نتائج الانتخابات كما تشاء.

– يشكل الحزب أو الأحزاب الفائزة حكومة المستقبل وقد لا يكون للأسد دور فيها خاصة إذا عزف الناس بجدية عن انتخاب حزب البعث.

– تقوم الأمم المتحدة بنشر قوات مراقبة وقف إطلاق النار والإشراف على عودة اللاجئين والمهجرين وستعمل الدول جميعها على مشاريع الإنشاء وإعادة البناء.

مشروع سلام قيد البحث لم تكتمل عناصره بعد لكن هناك مرونة أكيدة من كافة الأطراف بمن فيهم الطرفان الحليفان الإيراني والروسي على قبول أن تكون سوريا المستقبل بدون عائلة الأسد إذا ما احتكم الشعب السوري للصندوق دون تزوير أو تخويف.

يبدو أن النظام إستشعر بشيء من القلق فأرسل طائراته إلى بلدة دوما والوزراء مجتمعون في فيينا فخلفت وراءها عشرات القتلى والجرحى كرسالة بليغة للمؤتمر والمؤتمرين.

القدس العربي

 

 

 

منطلقات الموقف الروسي من التسوية السياسية في سوريا… محادثات فيينا: عنق الزجاجة/ مالك العثامنة

بعيدا عن التكهنات المتفائلة بأن تنتهي لقاءات فيينا بحل سحري ينهي أعقد أزمات الشرق الأوسط الراهنة، وهي الأزمة السورية، فإن في اللقاء نفسه ـ حسب مراقبين ـ وبدون أي انسحابات مبكرة عناصر مبشرة لبدايات حوار سياسي قد يحل تدريجيا وبسرعة محل الحوار المسلح على الأرض.

وكانت موسكو قد كشفت في وقت مبكر من بدء المحادثات في فيينا نهار الجمعة، أن النقاط العامة في لقاء فيينا متفق عليها وتستند إلى بيان جنيف، وأن الأطراف المشاركة ستتبادل قوائم بالجماعات الإرهابية، والفصائل المعارضة التي ستنخرط بالعملية السياسية.

ميخائيل بوغدانوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية والذي كشف النقاب عن ذلك في تصريحات صحافية، شدد على ضرورة أن يتم بالتوازي مع المفاوضات السورية، تحديد الزمر الإرهابية، والجهات المسلحة القادرة على مكافحة الإرهاب والانخراط في العملية السياسية.

تصريحات بوغدانوف ترافقت مع تسريبات شبه رسمية كانت «القدس العربي» قد حصلت عليها الأسبوع الماضي ونشرتها تتعلق بوجود خطة سياسية روسية تشبة خريطة طريق تمهيدية لأي محادثات حول سوريا، وكانت مصادر «القدس العربي» قد أكدت ان واشنطن تلقت الخطة الروسية التي تم نشرها مباشرة في لقاء جمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري في فيينا الأسبوع المنصرم، وقد كان مجمل بنود الاقتراح الروسي حسب ما نشرناه سابقا كالتالي:

1 ـ إعداد «قائمة أهداف» وكل من يرفض الحل السياسي ستتم إضافته إلى القائمة، وسيتم قــصــفه بواســطة المقاتلات الروسية والأمريكية وحلفائهما في سوريا.

2 ـ وقف كل المعارك على الخطوط الأمامية بين قوات المعارضة السورية والجيش السوري.

3 ـ إعداد مؤتمر حوار يضم معارضة الداخل والجيش السوري الحر. ويتم الاتفاق بنهاية المؤتمر على: إطلاق كافة المعتقلين، التخطيط للانتخابات البرلمانية والرئاسية، إصدار عفو عام، تشكيل حكومة وحدة وطنية سورية، الموافقة على تغييرات في الدستور يتم بموجبها نقل صلاحيات الرئيس لرئيس الوزراء المنتخب.

4 ـ يقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه ضمانات بأن بشار الأسد لن يتم ترشيحه، ولن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية، لكن يمكن لشخصيات أخرى من عائلة الأسد أو شخصيات في النظام أن تترشح للانتخابات.

5 ـ على النظام والمعارضة التوافق على خطة لدمج قوات الدفاع الوطني والجيش السوري الحر وقوات أخرى في صفوف الجيش السوري والقوات الأمنية.

6 ـ تضمن روسيا عفوا عاما لكل أفراد المعارضة وناشطيها ومقاتليها داخل وخارج سوريا. في المقابل لن تقدم المعارضة على مقاضاة الأسد لجرائمه داخل وخارج سوريا.

7 ـ إنهاء الحظر المفروض على كل مؤيدي الأسد، وعلى مؤيدي مناطق المعارضة. تجميد كل أشكال القتال، وعلى كافة الدول المؤيدة والداعمة وقف الدعم العسكري لجميع الفرقاء في سوريا.

8 ـ تبقي روسيا على وجود قواتها في سوريا لضمان تطبيق خطة السلام بعد إقرار القوانين الخاصة بهذا الشأن في مجلس الأمن الدولي.

ألبرتو فيرناندز، السفير السابق في الخارجية الأمريكية، ونائب رئيس معهد الإعلام الشرق الأوسطي في واشنطن (ميمري)، علق على ما نشرته «القدس العربي» من تسريبات للخطة بقوله ( هنالك شيء ما يتم طبخه، وربما هذه الخطة هي الطبخة) مضيفا أن الأمريكان يتعلقون يائسين بأي حل أو مبادرة لأنهم يرغبون أن يتوقف تورطهم إلى هذا الحد في المنطقة.

ما هو الدور الروسي الجديد في الشرق الأوسط، وكيف تقود موسكو إدارة الصراع في المنطقة، وما هي مؤشرات لقاء فيينا ، كلها أسئلة حملتها «القدس العربي» بالجملة إلى مستشارة مدير معهد الدراسات الاستراتيجية في موسكو والمحللة السياسية إيلينا سوبونينا، التي بادرت بالرد أنها غير متفائلة كثيرا بلقاء فيينا للوصول إلى حل سياسي عاجل، وذلك حسب رأيها لأن الخلافات بين الأطراف المجتمعة كبيرة جدا.

لكن تستطرد سوبونينا أن المؤشرات الإيجابية تكمن في حقيقة أن الجميع هذه المرة مستعد للنقاش والحوار.

إيلينا أضافت لـ «القدس العربي» أن هذا لا يعني ان «الطبخة» جاهزة على حد تعبيرها، أو ان الحل قريب. وترى المحللة الروسية أن موسكو لديها اعتقاد بأن جميع الأطراف عليها العمل لكي تولد مبادرة، وأنه لا توجد مبادرة روسية لأنها أفكار لم تتبلور بعد.

إيلينا وفي معرض تزامن هذا التحرك السياسي مع العمليات العسكرية الروسية الأخيرة في سوريا، قالت أن على روسيا أن تفهم ان العمليات العسكرية يجب أن لا تطول كثيرا، مؤكدة ان تلك العمليات الروسية على الأرض السورية، ناتجة عن ضعف الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط مؤكدة أنه لو كانت إدارة أوباما قوية لما كانت هناك حاجة للتدخل العسكري الروسي.

الصحافي والإعلامي رائد جبر، المقيم في موسكو، من جهته أوضح لـ «القدس العربي» إعتقاده بأن تلك التسريبات عن الخطة الروسية تمثل السقف الأعلى للأفكار قبل اجتماع فيينا، خصوصا كما يقول جبر أن موسكو تراجعت فعليا عن بعض تلك الطروحات .

ويرى جبر المحلل المختص بالشؤون الروسية أن كل الأطراف أيضا ستعمل على طرح سقفها التفاوضي كبداية لعملية تسوية، وطرح مثالا في موضوع المرحلة الانتقالية التي ترى روسيا في تمديدها لأقصى حد ممكن بينما ترى أطراف أخرى من بينها السعودية إلى قصرها على 6 شهور.

ويستطرد جبر ان المرحلة الانتقالية تمثل العقدة الأولى في أي محادثات لحل الأزمة، بينمت تتمثل العقدة الثانية في رأيه في مصير الرئيس السوري بشار الأسد، فروسيا ترغب وبشدة في بقائه لطمأنة جمهوره الموالي، بينما الأطراف الأخرى مجتمعة لا ترى له أي وجود ولا أي صلاحيات.

وحسب رائد جبر فإن هناك ألغاما كثيرة في الأفكار الروسية وأنه على المجتمعين في فيينا بذل جهودا شاقة في سبيل عبور حقول الألغام الروسية الشائكة، مبررا الموقف الروسي أن روسيا تسعى للبقاء في سوريا حيث قواعدها الجديدة لفترة طويلة ولن تغادرها، وهذا يضع الموقف الروسي أمام سيناريوهين حسب جبر، الأول يكمن في سعي موسكو الجاد والحثيث للوصول إلى تسوية شاملة مع ضمان مصالح روسيا أو السيناريو الثاني والمبني على فشل التسوية وزيادة التعقيدات في الموقف فإن موسكو ـ حسب رأيه- ستراهن على الحفاظ على الجيب العلوي والودلة الساحلية بكل ما يعني ذلك من تقسيم.

من جهته، أعرب الإعلامي سامر إلياس المقيم في الدنمارك والذي عمل فترة طويلة في وسائل الإعلام الروسية عن اعتقاده بأن المبادرة الروسية التي نشرتها «القدس العربي» جيدة، لكن في رأيه تنقصها الجداول الزمنية، فهي تقر ضمنيا بعدم وجود دور للرئيس بشار الأسد في مستقبل سوريا، كما يقول، مضيفا أن الخلاف هو حول المدة الزمنية لبقاء الأسد في الفترة الانتقالية، وطول هذه الفترة.

وحول الموقف الروسي ومنطلقاته أكد إلياس أن خريطة الضربات الروسية حتى الآن رسمت «سوريا المفيدة» لموسكو وطهران وحزب الله متفقا مع رائد جبر بوجود الخطة «ب» في حال عدم التجاوب من القوى العظمى والإقليمية لتسوية شاملة فإن موسكو سوف تدافع عن هذه المنطقة باتجاه «دويلة علوية» متواصلة مع مناطق حزب الله ولها منفد بحري.

ويرى إلياس كذلك حسب قراءاته للتطورات وجود سيناريوهين أولهما يتعلق بتوافق دولي يتبعه مؤتمر «جنيف 3 « بوجود ممثلين عن الحكومة والمعارضة، وربما ـ حسب قوله ـ شهدنا في وقت لاحق «طائف» سورية على الطريقة اللبنانية في احدى العواصم الخليجية.

أما السيناريو الثاني فيرى إلياس أنه يكمن في رغبة واشنطن في توريط روسيا في حرب طويلة في سوريا، ويتم ذلك بخلافات حول أي جزئية في بنود الحل، أو التنفيذ، وحينها سوف نشهد تزويد معارضي الأسد بأسلحة حديثة وجديدة لتبدأ جولة أعنف من الحرب بين المعارضة والنظام على خطوط التماس من حلب إلى ادلب مرورا بحــمــاة وحتى حمص وريف دمشق.

جدير ذكره أن محادثات فيينا جمعت للمرة الأولى جميع القوى الخارجية المعنية بالصراع في سوريا، بما فيها إيران مع غياب كامل لكل أطراف الصراع الذين يتقاتلون على الأرض المتمثلين في حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، والمعارضة السياسية السورية، والمعارضة المسلحة عن تلك المحادثات. مع غياب واضح لأي ممثل عن الأكراد السوريين في محادثات يرى فيها مراقبون أكبر من تسوية للأزمة السورية بما قد يتجاوز حدودها الجغرافية إلى إعادة ترتيب خريطة الشرق الأوسط من جديد حسب مصالح القوى الدولية والإقليمية.

القدس العربي

 

 

 

 

الحرب الروسية في سوريا: عندما ينتهي الوكلاء الخارجيون من التنافس تسكت أفواه المدافع/ إبراهيم درويش

غيّر التدخل العسكري الروسي في سوريا من خريطة الحرب الأهلية السورية وأصبح الروس بطريقة أو بأخرى يملكون مفاتيح الأحداث العسكرية والسياسية في المدى القريب على الأقل. وأعطى حشدهم العسكري الجيش السوري دفعة ليخوض معارك هجومية مع قوى المعارضة السورية، ودفع بالإيرانيين لإظهار مشاركتهم العسكرية في المعارك الجارية حول حلب وغيرها بشكل واضح وهو ما لم يفعلوه خلال السنوات الماضية، رغم الدور الهام الذي لعبوه في دعم وإطالة عمر النظام. وأثرت طلعات المقاتلات الروسية على حجم ووتيرة الطلعات الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا بطريقة أجبرت المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) للتأكيد أن تراجع وتيرة غارات التحالف الدولي لا علاقة لها بالروس. وأهم ما كشف عنه التدخل الروسي هو أنه أعاد النقاش ومن جديد حول ضعف وتشتت الاستراتيجية الأمريكية في سوريا بطريقة أدت لإستقالة المفوض الخاص للتحالف الجنرال جون ألن الذي لم يستطع التأثير على قرارات العسكريين ولم يكن قادرا على تفسير التحركات الروسية والتدخل بشكل عام (نيويورك تايمز 26/10/2015). ولم يحقق التدخل الروسي اختراقات هامة بعد، إلا ان ما قيل من تفسير لقرار التورط الروسي وما تبع ذلك من زيارة للرئيس السوري بشار الأسد وهي الأولى له خارج البلاد منذ اندلاع الانتفاضة عام 2011 واجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما قدمه الكرملين من مبادرة النقاط التسع التي حملها سيرغي لافروف إلى مؤتمر فيينا الذي انعقد يوم الجمعة 30/10/2015 إلا أن تعامل الغرب مع القرار الروسي ظل من خلال مفهوم الحرب الباردة والحرب بالوكالة الدائرة على أرض سوريا. فقد راهن الرئيس الأمريكي باراك أوباما على غوص بوتين في وحل الحرب السورية وحذر من مخاطر عرض العضلات الروسية، كما حذر المعلقون وخبراء «ثينك تانك» من أفغانستان جديدة في سوريا حيث جرى استحضار الهزيمة السوفييتية هناك في ثمانينيات القرن الماضي. وهو ما عادت مفوضة الشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي فردريكا موغريني للتذكير به يوم الأربعاء 28/10/2015. ولا يمكن التقليل من أهمية ما يقوله الغربيون ولكن هناك فهما أو سوء فهم متعمد لتاريخ العلاقة الروسية أو السوفييتية مع سوريا والتي تمتد لعقود. فدمشق ليست آخر منطقة للتأثير الروسي في المنطقة فقط بل وظلت في عز الحرب الباردة أساسا لتحركات السوفييت في المنطقة ومحاولتهم مواجهة التأثير البريطاني والأمريكي فيها. وعليه فالتاريخ مهم في سبر أعماق القرار الروسي. وكان يفغيني بريماكوف (1929-2015) الدبلوماسي المخضرم ورئيس الوزراء الروسي السابق واضحا في رؤيته للدور الذي يجب أن تلعبه موسكو في منطقة الشرق الأوسط. ويعتقد المعلق ديفيد إغناطيوس في صحيفة «واشنطن بوست» (21/10/2015) أن بريماكوف هو عراب التدخل الروسي في سوريا الذي ظل يؤمن بالقوة الروسية حتى بعد انهيار الإتحاد السوفييتي عام 1989. ورفض فكرة تحول روسيا كلاعب صغير في ظل القطب الأمريكي. وعليه فالتدخل الروسي في سوريا كان يتقدم ببطء ولم يلتفت أحد لأبعاده العسكرية. وكان بوتين يقوم بتحقيق حلم بريماكوف حيث جاء التدخل بذريعة مكافحة الإرهاب. وبخلاف الحرب الأمريكية في العراق والتي كانت حربا «اختيارية» فحرب بوتين في سوريا صورت بالحرب الوجودية. وهي مقامرة محفوفة بالمخاطر ستغير معالم اللعبة في سوريا وما حولها. وفي ظل تغير أدوار اللاعبين وتداخلها فالدراما السورية مفتوحة على كل الإحتمالات ومرتبطة بصراع الإرادات التي ظلت سوريا مكانا لها.

 

من التاريخ

 

وفي هذا السياق حلل باحث إسرائيلي من جامعة بن غوريون سلسلة من الوثائق الدبلوماسية السورية تعود للفترة ما بين 1944- 1948 عثر عليها في الأرشيف الفرنسي واختار 13 وثيقة من بين 300 وثيقة تقدم إضاءة على النوايا السوفييتية في سوريا. وكتب هذه الوثائق مسؤولون في الخارجية السورية وسفير سوريا في موسكو وممثل الإتحاد السوفييتي في دمشق دانييل سولود. ووجد مير زامير في مقال نشره موقع «سيريا كومينت» (27/10/2015) الذي يشرف عليه جوشوا لانديز، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما أن السوفييت كانوا قلقين من تحركات الحكومة السورية ومحاولتها مقايضة الإحتلال الفرنسي بالتأثير البريطاني. وعبرالسوفييت عن استعدادهم لتوفير الدعم لحكومة دمشق ضد طموحات الملك عبدالله الأول الذي كان يرغب بإقامة «سوريا كبرى» تحت الحكم الهاشمي. وتعطي الوثائق صورة عن أهمية سوريا بالنسبة للتفكير السوفييتي حيث حققت موسكو نفوذها هناك في السبعينيات وأكدت على وجودها في وقت قررت مصر السادات التوجه نحو الغرب وطرد الخبراء الروس. وتؤكد وثيقة أخرى أعدها دبلوماسيون ورجال استخبارات بريطانيون الأمر.

وجرى تداول الوثيقة بين مسؤولي حكومة هارولد ماكميلان في عام 1957 ولو استبدلنا الأسماء والتواريخ لصدقت الوثيقة على تحرك بوتين الجديد. وجاء فيها أن الاتحاد السوفييتي «سيتعامل مع الإطاحة بالنظام السوري باعتباره تراجعا خطيرا له في المنطقة». وأضافت المذكرة «سيحاولون (السوفييت) إحباطها وسيتعاملون معها كحرب مع الغرب» كل هذا يؤكد أهمية سوريا للتفكير الاستراتيجي الروسي. فقد ظلت بوابته للشرق الأوسط وللبحار الدافئة. وعليه فقد عاد الروس من جديد لممارسة تأثيرهم في المنطقة. وتزامن هذا مع تراجع للتأثير الأمريكي حيث بادرت موسكو لملأ الفراغ. وبعيدا عن الوثائق التاريخية لا يمكن لروسيا حل المعضلة السورية وحدها، فهي أعقد من أن تتصدى لها دولة بعينها ولهذا كان الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر واضحا في تأكيده أن حل الحرب الأهلية يتطلب تسوية سياسية بين القوى الخارجية المؤثرة في الملف السوري حيث كتب في «نيويورك تايمز» (23/10/2015) أن اتفاق خمس دول فيما بينها كفيل بتسوية في سوريا. وهذه الدول هي الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران والسعودية. وهو ما سمعه كارتر من بوتين ويراه ضروريا في أي تسوية. ويعتقد الرئيس السابق أن إيران باعتبارها الحليف القوي لنظام دمشق مهمة في أي محادثات، فلم يكن الأسد الذي وصفه بـ «العنيد» ليتنازل عن السلاح الكيميائي لولا الضغط الروسي والإيراني.

 

اللاعبون من الخارج

 

وفي تشخيصه للأزمة السورية يرى كارتر أن المشكلة ليست في الفصائل السورية ولكن في الدول الكبرى التي يمنعها كبرها عن التحادث معا. وبخلاف هذه فقد أثبتت السنوات الماضية أن النظام قد يتفاوض مع المعارضة حالة وجد أن هناك فرصة لتحقيق مكاسب محلية. ووافق مع المعارضة على سلسلة من لوقف إطلاق النار في حمص ودمشق وحلب حيث تحدث مع المعارضة مباشرة أو عبر وسطاء. وتزامن التدخل الروسي مع وقف إطلاق للنار توصل إليه الإيرانيون مع المعارضة في الزبداني وقرى في إدلب. وانهار الإتفاق مع بدء الغارات الجوية التي استهدفت قوات المعارضة حيث لم يفرق الروس بين معارضة جهادية وغير جهادية ووضعوهم جميعا في سلة الإرهابيين. كل هذا يشي أن ما يغذي الحرب الأهلية في سوريا هي الأطراف الخارجية التي تحاول أن تحمي مصالحها. وعندما يقول حسين أمير عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الإيراني لصحيفة «الغارديان» (22/10/2015) إن بلاده لا تعمل على تأبيد الأسد في الحكم وأن دوره مهم ولكن الخيار في يد السوريين ليختاروا من يريدون فهو يجانب الحقيقة لأن غالبية الشعب السوري ترى في الأسد مجرما وفاقدا شرعيته. ومن المفارقة أن يجتمع الفرقاء الخارجيين في فيينا ويغيب عنها قادة المعارضة والنظام وهما الطرفان الرئيسيان في الحل. ويبدو أن فشل السوريين بالتوصل إلى أرضية مشتركة دفع بالقوى الكبرى للتحاور نيابة عنهم. ومشكلة هذه القوى أنها تتحاور وتتحدث بلغة السلاح. فروسيا وإيران من جهة تقاتلان بالأسنان والأظافر دفاعا عن النظام أما الدول الداعمة للمعارضة خاصة السعودية فتؤكد مواصلة الدعم لها. وهنا لا بد من الإشارة أن روسيا ومعها إيران نجحتا في وضع خط أحمر تحت عبارة مصير الأسد على الأقل في الوقت الحالي. مع أن الولايات المتحدة لم تكن جادة بمساعيها للإطاحة بالنظام. فقد توفرت لها فرصة ذهبية عام 2013 كي تعاقب الأسد على ضرب شعبه بعد استخدامه السلاح الكيميائي ولكنها تركته يعمل آلة القتل في شعبه حتى وصل عدد الضحايا إلى أكثر من 30.000 سوري وملايين المشردين. فلم تكن أمريكا الواعية للظرف الجيوسياسي تريد افتعال حرب مع إيران أو روسيا وتعرف تداعيات الإطاحة بالأسد. وهو ما التفتت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» (28/10/2015) في ردها على دعاة التدخل العسكري وتحذيرها من مغبة التصعيد العسكري الذي قد يؤدي لقوات أمريكية على الأرض. فالإطاحة بالأسد المجرم وإن كانت مغرية إلا أن تداعياتها كارثية من ناحية إنهيار الدولة السورية وإمكانية إندلاع حرب أمريكية مع كل من روسيا وإيران. كما أن رحيل النظام بدون بديل مقنع يعني تسلم تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الجهادية للحكم في دمشق. وهو خيار يرفضه كل اللاعبين الخارجيين في المسألة السورية.

 

شكوك

 

ومع كل هذه المحاذير فالغرب لديه مشكلة مع روسيا ومصداقيتها. فقد يكون بوتين يطرح أفكارا مهمة لكن تصرفاته تقول العكس وسجله واضح في أوكرانيا وفي القرم. ومع أنه جاء للأمم المتحدة باحثا عن تحالف مع أمريكا ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلا أنه كان يحشد قواته في سوريا وبدأ القصف بعد لقائه أوباما في نيويورك. بل وأغضب الأمريكيين عندما استهدف جماعات تتلقى الدعم منهم. وأثار حنق الأوروبيين الذين خافوا من موجات لجوء جديدة تقف على أبوابهم. ومن هنا تعامل عدد من المعلقين مع المبادرة الروسية باعتبارها خديعة. وطالب ديفيد غاردنر بمقال بـ «فايننشال تايمز» (28/10/2015) امتحان نوايا بوتين أولا قبل المضي معه في لعبته. فعليه التوقف عن ضرب المعارضة السورية المعتدلة أولا وأن يوجه مقاتلاته ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وعاصمة ما تدعى الخلافة، الرقة وعليه الحفاظ على وحدة سوريا بدلا من تعزيز وجود الأسد على ما سيتبقى من الدولة السورية في دويلة تحكم مناطق العلويين فقط. مما يعني تفكيك سوريا. وتحتاج روسيا وحلفاؤها الإيرانيون تحقيق انتصار كبير، في الرقة ربما حتى يحقق التدخل الروسي أهدافه المنشودة وهي الحفاظ على الأسد أو الدولة السورية وحماية مصالح الكرملين في المنطقة العربية.

وبدون هذا فقد يكون للعملية العسكرية آثارا غير مباشرة من ناحية فتح الباب أمام القوى الإنفصالية في سوريا من الأكراد والعلويين وغيرهم وتأكيد حالة الإنقسام. يعرف بوتين أن الطيران وحده لا يكفي لهزيمة الجهاديين. ويعرف أن مصالح موسكو وطهران وإن تلاقت على حماية النظام إلا أن إيران لن ترضى بالصيغة التي يحاول الروس ترويجها وهي تعيين فاروق الشرع، ليقود المرحلة الإنتقالية مع الجنرال مناف طلاس الذي سيعمل كما يقول روجر بويز في «التايمز» (28/10/2015) على منع تحول سوريا إلى محمية إيرانية. ويرى بويز أن الروس والإيرانيين يلعبون ضد بعضهم البعض فكلا من الشرع وطلاس لا يحظيان بقبول من السنة نظرا لعلاقتهما الطويلة مع الأسد. وعليه فلن تضحي إيران بجنودها من أجل السماح لهذين الشخصين الفوز بالسلطة. وكلما تعمقت الخلافات بين إيران وروسيا كلما تعقدت مهمة بوتين. فهو بحاجة لتحقيق نتائج وفي أقرب وقت ممكن. وإلا لتحول النزاع في سوريا إلى حرب مجمدة كتلك الحروب التي بدأها الرئيس الروسي ولم تنته.

القدس العربي

 

 

 

 

فشل سياسة روسيا وحلفائها/ مايكل ماكفول

بعد تدخله العسكري الروسي في سورية، أجرى الرئيس فلاديمير بوتين هذا الأسبوع اجتماعا وجها لوجه في موسكو مع بشار الأسد. وعلى غرار ما حدث عقب تدخل بوتين في أوكرانيا العام الماضي، فقد صدر كثير من التعليقات حول عبقريته الاستراتيجية المفترضة، تعليقات ترى في معظمها أن الرئيس الروسي تحرك على نحو حاسم، ويمسك بزمام المبادرة، ويخلق حقائق على الأرض، على عكس تحركات الغرب الضعيفة وغير الفعالة في سورية.. ولكن العكس هو الصحيح.

قبل خمس سنوات، كانت روسيا في موقف أقوى بكثير، سواء داخليا أو خارجيا. أما اليوم، فإن بوتين يقف موقفا دفاعيا ويمعن في اتخاذ القرارات الخاطئة، مسترشدا في ذلك بنظرية قديمة في السياسة الدولية عفا عنها الزمن. بيد أن إدراك أخطاء روسيا لا يضمن فشلا في المستقبل. ولذلك، فإنه لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الوقوف موقف المتفرج وانتظار فشل روسيا، بل عليها أن تتبنى استراتيجية شاملة لتقليل العواقب السلبية لأعمال روسيا وتعظيم التأثيرات الإيجابية لأعمالنا.

بعد فشل سياسته مع فيكتور يانوكوفيتش، حليفه السابق في أوكرانيا، فشلت سياسة بوتين أيضا مع حليف آخر، الأسد. فرغم عرقلته قرارات مجلس الأمن الدولي ضد نظام الأسد، وتزويده دمشق بالأسلحة، وحثه حلفاء سورية على القدوم لنجدة النظام، إلا أن جهود بوتين لم تفض إلى تعزيز حُكم الأسد. ذلك أنه بعد زهاء أربع سنوات من الحرب الأهلية، يحكم الأسد مناطق أقل اليوم ويواجه خصوما أقوى. ولهذا السبب، قد اضطر بوتين للتدخل لإنقاذ حليفه المستبد من الهزيمة.

وعلى الرغم من أن بوتين يبرع في الرد التكتيكي على الانتكاسات على المدى القصير، إلا أنه يبدو أقل براعة في التخطيط الاستراتيجي على المدى الطويل. ولذلك فإنه حتى من دون رد من الغرب، فإن مآل مغامرات بوتين الخارجية هو الفشل في النهاية، خصوصا مع ازدياد المشاكل الاقتصادية الداخلية تفاقما.

ولذا فإنه يتعيَّن على الولايات المتحدة وحلفائها السعي إلى تقصير تلك المدة عبر التصدي لروسيا على عدة جبهات، إذ بينما ينخرط بوتين كليا في سورية لدعم حليفه، علينا أن نقوم بالمثل مع شركائنا وحلفائنا – ليس في سورية فحسب، بل في أوروبا وعبر العالم أيضا.

وفي أماكن أخرى من أوروبا، ينبغي أن يقوم حلف “الناتو” بنشر قوات برية في بلدان حلفائنا الذين يواجهون أكبر قدر من التهديد من روسيا. فضم روسيا لشبه جزيرة القرم وتدخلها في شرق أوكرانيا شكّلا انتهاكا واضحا للاتفاقية الموقعة بين “الناتو” وروسيا عام 1997 في باريس حول طبيعة العلاقة بين الجانبين، واتفاقيات أخرى. وردا على ذلك، يستحق منا حلفاؤنا في الناتو التزامات جديدة ذات مصداقية.

الوطن السعودية

 

 

 

 

روسيا هي الحل!/ فهد الفانك

تدور حرب إعلامية حول ما إذا كانت الطائرات الروسية تضرب الإرهاب أي داعش والنصرة ، أم تضرب ما يسمى بالمعارضة المعتدلة ، وكل طرف يطلق صفة الاعتدال على التنظيمات التي يدعمها بالمال والسلاح.

لا يبدو أن التدخل الروسي يتعامل مع هذا التصنيف ، فقد جاء إلى سوريا بطلب من الحكومة السورية لمساعدتها على الصمود في مواجهة المنظمات المسلحة.

هدف هذا التدخل معلن وهو حماية الحكم (النظام) وضرب من يحمل السلاح في وجهه ، سواء كان متشدداً أو معتدلاً بالتصنيف الأميركي.

من الناحية العمليـة لا فرق جوهرياً بين تنظيم متشدد وآخر معتدل ، فالمبدأ واحد ، والمرجعية واحدة ، وأسلوب العمل واحد.

أميركا وتركيا وبعض الدول العربية الداعمة لهذا الفصيل أو ذاك من المعارضة المسلحة يهمها إسقاط النظام (الدولة) ولا فرق من هذه الناحية بين متشدد ومعتدل ، لأن أهداف الجانبين واحدة.

في ضربها للتنظيمات الإرهابية المسلحة لا بد أن لدى القيادة الروسية نظاماً للأولويات ، فهي ، لأسباب أمنية مفهومة ، تبدأ بتطهير المناطق المحيطة بقاعدتها وقواتها ومطاراتها ، بدءاً من طرطوس واللاذقية. وإذا صادف وجود معارضة (معتدلة) في هذه المناطق فهذه مشكلتها.

يطبق الروس على الأرض نظرية نقطة الزيت أي تطهير منطقة معينة ثم التمدد والانتشار حولها لتوسيعها بالتدريج.

مع ذلك فلا توجد مناطق في سوريا بعيدة على الطائرات الروسية ، وقد تم بالفعل توجيه ضربات جراحية إلى داعش في الرقة ، والنصرة في درعا ، مما يشكل رداً على الذين يدًعون أن روسيا لا تستهدف سوى المعتدلين.

هل ُيحسم الصراع في سوريا عسكرياً أم سياسياً؟ تفضل جميع الأطراف الإدعاء بأنها تسعى إلى حل سياسي وحكم انتقالي ، ولكنهم يعرفون جيداً ان هذا الموقف يصلح إعلامياً ودبلوماسياً ولكنه عبث على أرض الواقع.

خذ مثلاً مؤتمراً ينعقد في باريس بغياب روسيا ، وآخر ينعقد في فيينا بغياب أصحاب الشأن ، النظام السوري والمنظمات الإرهابية. ولنفرض أن المجتمعين اتفقوا على حل سياسي ، فهل ستكون داعش والنصرة وجيش الفتح وأحرار الشام إلى آخره جزءاً من هذا الاتفاق وتلتزم به ، أم أنها ستواصل (الجهاد) لاستكمال تدمير الدولة السورية وإقامة الدولة الظلامية التي تحلم بها.

الحل السياسي ممكن ولكن ليس قبل القضاء على الإرهاب.

* الرأي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى