صفحات مميزة

التدخل الروسي في سورية –مقالات مختارة-

 

مقالات لكتاب سوريين

 

سورية على فوهة بركان الصراعات الدولية/ برهان غليون

تنفذ موسكو مخططاً واضحاً في سورية، يستهدف سحق المعارضة المسلحة وتحييد المليشيات الإيرانية واستعادة سيطرة الدولة تحت سلطة الأسد، قبل الانتقال إلى مرحلة مفاوضات تفرض فيها رؤيتها للحل، وتكرس مركزها المتفوق في المشرق العربي، في مواجهة النفوذ الأميركي الأوروبي. وهي تستفيد في تنفيذ هذا المخطط من دعم دول عربية أصبحت تتبنى موقف نظام الأسد في وسم جميع قوى المعارضة بالإسلامية، وتطمح أن تتمكن روسيا من القضاء عليها جميعاً، وتطهير المنطقة منها، كما تستفيد من دعم أطراف من المعارضة السورية، وقفت باستمرار ضد التيار الغالب في المعارضة، ورفضت الاعتراف بالقوى المسلحة التي تشكلت للدفاع عن النفس، وكرد فعل على الهمجية والأساليب الوحشية التي اعتمدتها أجهزة الأسد ومليشيات النظام في قمع المتظاهرين السلميين، ثم في المواجهة المسلحة المكشوفة لكل مظاهر الثورة والاحتجاج.

حدود المواجهة الروسية الأطلسية في سورية

على الرغم من أن المخطط الروسي، الرامي إلى تصفية المعارضة وإجبار السوريين والعالم على الاختيار بين داعش ونظام الأسد، يهدف إلى تقويض استراتيجية الدول الغربية التي تراهن على وجود شريك من خارجهما، لتبرير الانتقال السياسي، إلا أن من غير المحتمل أن يستثير هذا العمل رد فعل قوي من هؤلاء. وصحيح أن الروس، بقضائهم على المعارضة “المعتدلة”، يضعون الغربيين أمام تحدي الدفاع عن حلفائهم، ويظهرون تخاذلهم، ولا صدقية التزاماتهم في سورية والمشرق، والعالم عموما، لكنهم لا يمسّون لهم مصالح استراتيجية ملموسة، وربما ساعدهم الهجوم الروسي في حرف الأنظار عن المحنة الإنسانية التي يعيشها السوريون، منذ أكثر من أربع سنوات، بسبب سوء إدارتهم الأزمة، ويقدم لهم ذريعة جديدة لتبرير تقاعسهم وشماعة روسية يعلقون عليها فشل سياستهم وخططهم السورية، ويشكل بالنسبة لهم فرصة جديدة للتملص من التزاماتهم التي أعلنوها مراراً تجاه الشعب السوري، تماماً كما قدم لهم الفيتو الروسي من قبل الذريعة، للتحلل من مسؤولياتهم تجاه حماية المدنيين السوريين، ومساعدة الثوار على تحقيق أهدافهم التي أجمعوا على مشروعيتها.

“سورية ليست بالنسبة لروسيا سوى فرصة للاقتصاص من الغرب، ومسرحاً لاستعراض القوة وتصفية الحسابات، وتقويض الصدقية الاستراتيجية للولايات المتحدة”

لا يعني هذا أن الانفراد الروسي بعمل يقلب ميزان القوى في سورية، ويقوّض سمعة الغرب لن يستدعي أي رد، فهو سيدفع، لا محالة، إلى انخراطٍ أكبر للولايات المتحدة في دعم الثوار، أو إلى مرونة أكبر في التعامل مع تسليحهم بأسلحةٍ كفيلة بإفشال موسكو، ودفعها إلى التخبط في حربٍ لا أفق لها. لكن، ما لم تحصل تطورات غير محسوبة، من المستبعد أن تؤدي أزمة العلاقات الروسية الغربية الراهنة إلى مجابهة مباشرة حول سورية. وسوف يستمر الروس، من دون خوف من أي رد فعل قوي، في تحقيق ما يعتقدون أنه يخدم مصالحهم، ويرد على استثماراتهم في النظام السوري، ومن بعد، في التدخل لحمايته ومنعه من السقوط. وعلى الأغلب، سيراهن الغربيون على غرق الحملة الروسية في الوحول السورية، وينتظرون عودة الروس إلى منطق التعاون، لحل الأزمات الدولية، من دون الاضطرار إلى تقديم تنازلات استراتيجية كبرى لهم، أو الاعتراف بهم شريكاً في صوغ أجندة السياسة العالمية.

أما موسكو، فهي ليست معنية، ولم تكن في أي فترة سابقة، معنية بمصير سورية والسوريين. فسورية ليست بالنسبة لروسيا سوى فرصة للاقتصاص من الغرب، ومسرحاً لاستعراض القوة وتصفية الحسابات، وتقويض الصدقية الاستراتيجية للولايات المتحدة وهيبتها الدولية، على أمل فرض نفسها على المجتمع الدولي بمثابة دولة عظمى، من وزن الولايات المتحدة والصين، وإجبار الغرب على التراجع في مسائل العقوبات الاقتصادية وأوكرانيا، وتوسع دائرة الحلف الأطلسي في اتجاه أوروبا الشرقية.

يستخدم بوتين الأسد، مثل ما يستخدم سورية نفسها، وحياة الملايين من أبنائها، ورقة للضغط والمساومة، ولا يعنيه وجوده من عدمه في شيء. ما يهمه مصالح روسيا، وهذه اليوم في نظر بوتين فرض إرادته زعيماً عالمياً والاعتراف بمركزيته، ولا علاقة لذلك، لا بتحقيق السلام في سورية، ولا بإنقاذ اللاجئين والمشردين السوريين.

ولأن سورية لا تعني له شيئاً، فهو لا يهتم بتقديم أي عرض لحل الأزمة التي تمزقها، بل لا يعترف حتى بوجود أزمة، ولا أقول ثورة، ويقترح تحالفاً من الجيش الحر وجيش الأسد لمواجهة داعش، ويرفض الالتزام بأي رؤية للخروج من الأزمة، ويردد أسطوانة واحدة، منذ البداية إلى النهاية، هي معارضة التدخلات الأجنبية، وترك الشعب يقرر مصيره، أي ترك الأسد يقرر مصير سورية والشعب السوري معاً، ما دام الروس يعرفون أن السوريين ليسوا في وضع وظروف تسمح لهم بتقرير مصيرهم بحرية في ظل نظام خارج على القانون، يشن عليهم حرباً تدميرية.

وقد لفتني أن بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية ومستشار بوتين لشؤون الشرق الأوسط قلل، في لقاءاته أخيراً، مع معارضين سوريين، من رهانات التدخل العسكري إلى درجة مضحكة، مؤكدا أن كل ما تهدف إليه بلاده من إرسالها قواتها الجوية هو القضاء على المتطوعين الروس في المنظمات الإرهابية، قبل أن يعودوا إلى روسيا. وفي اعتقادي، إن إشاعة هذا التفسير الهزلي لهدف التدخل يعني أن الروس يبقون رهاناتهم مفتوحة، ولا يريدون تقييد تدخلهم بأي التزامات، ولا تحمل أي مسؤوليات في الأزمة السورية، ولا تقديم أي عرض، ولا إعطاء أي وعود.

ترجمة هذا الموقف على الأرض تعني أن سورية، وخصوصاً في الشمال الغربي وسهل الغاب وريف حمص ومحيطها، مقبلة على تصعيد عسكري من نوع جديد، وأن القتل والدمار سوف يصلان إلى مستويات غير مسبوقة. ولن يتردد الروس في اللجوء إلى أقصى درجات العنف، لتحقيق أهدافهم. ولن تكون هناك معايير واضحة لمعنى الربح والخسارة في العملية الروسية. ما يهم الروس هو تكبيد المعارضة أكثر ما يمكن من الخسائر، وتحقيق أوسع تدمير ممكن في البنية التحتية للبلاد. وهذه أيضا كانت، ولا تزال، حسابات الأسد. فهو يعتبر نفسه رابحاً، حتى الآن، لأنه نجح في تدمير المناطق التي لا تخضع لسلطته، أو التي خرجت عنها، كما نجح في قتل أكثر ما كان في وسعه أن يقتله من المعارضين والمحتجين والرافضين لحكمه من المدنيين. وهذه أيضا كانت سياسة بوتين في الشيشان.

الرد على التدخل الروسي

لا يطرح هذا الموقف تحديات كبيرة على الدول الأطلسية التي تنتظر فشل الحملة الروسية في سورية، من دون أن تغامر بشيء، أو يلحق بمصالحها الأساسية أي أذى، لكنه يطرح تحديات كبيرة على الدول الخليجية وتركيا، لأنه يقوّض استراتيجيتهم العسكرية والسياسية التي تراهن على تنحية الأسد، مقدمة للإعداد لمرحلة انتقال سياسي، يغير من نمط السلطة والحكم في سورية، ويحبط الأطماع الإيرانية في تحويل سورية إلى منصة للحشد والتجييش ضد بلدان الخليج وبقية البلدان العربية وتركيا. وليس أمام هذه الدول سوى الارتقاء بمستوى التنسيق والتعاون في ما بينها، وزيادة دعمها المعارضة السورية المسلحة، حتى تتمكن من مجابهة العاصفة الروسية والبقاء رقماً أساسياً في المعادلة السورية والإقليمية.

أما التحدي الأكبر فهو موجه للمعارضة السورية التي تجد نفسها أمام تهديداتٍ خطيرةٍ، لا سابق لها. فما يستهدفه التدخل الروسي هو رأس المعارضة نفسه، ووجودها، طالما أنه يعتبرها تمرداً على الحكومة الشرعية، ولا يتردّد في إعلان تغطيته الجوية هجومات النظام البرية على الفصائل المسلحة جميعا. وبمقدار ما يسعى إلى فرض الأمر الواقع بالقوة، يقوّض هذا التدخل كل الجهود الدولية، للبحث عن حل سياسي ومرجعية جنيف التي قام عليها، كما يدفع إلى إطالة أمد الحرب، ويهدّد بتحويل سورية إلى أفغانستان جديدة، مع ما يعنيه ذلك من تفاقم موجات النزوح وتفريغ البلاد من سكانها، وتنامي مخاطر تقسيم البلاد وتعميق القطيعة بين جماعاتها المختلفة. وبدل أن يقضي على الإرهاب، كما تقول بياناته، سوف يزيد التدخل الروسي من جاذبية المنظمات المتطرفة التي تجعل من الحرب ضد روسيا قضية وطنية ودينية في الوقت نفسه. وفي موازاة ذلك، سوف تعزز الحرب الدولية بالوكالة من تبعية السوريين، في الحكم والمعارضة، للدول الأجنبية الداعمة، ويقوّض أمل السوريين في التفاهم والتقارب والعودة إلى الوطنية الجامعة.

“التحدي الأكبر فهو موجه للمعارضة السورية التي تجد نفسها أمام تهديداتٍ خطيرةٍ، لا سابق لها. فما يستهدفه التدخل الروسي هو رأس المعارضة نفسه، ووجودها”

لن ينجح الروس، مهما فعلوا في فرض إرادتهم على شعب يدافع عن حقوقه على أرضه، وقدم حتى الآن أكثر من 300 ألف ضحية، لكنهم يستطيعون إسالة مزيد من الدماء، وتعميم الدمار الذي أوغل فيه من قبل بشار الأسد، صنيعتهم الدائمة، وتأخير أجل الخلاص وزيادة معاناة السوريين ومحنتهم، وتسعير النزاعات الطائفية والمذهبية، وتوتير العلاقات الإقليمية والدولية أكثر مما هي عليه الآن. وقد خسرت موسكو منذ الآن رهاناتها السياسية، بمقدار ما أججت روح العداء عند الفصائل المستهدفة، ودفعت المقاتلين إلى التقارب والالتفاف حول الأكثر راديكالية، وضاعفت من جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة، ومن مكانة ودور القوى الأكثر تعصباً وتشدداً فيها. وما كان لحديث البطريرك كيريل عن الحرب المقدسة إلا أن يزيد في شحن العواطف الدينية، وتفاقم التوترات المذهبية المتفاقمة أصلاً.

لكن فشل التدخل الروسي ليس عزاءً كافياً للسوريين، ولا يمكن أن يشكل هدفاً لكفاحهم التاريخي. وليس المطلوب منهم، اليوم، تكرار أسطورة أفغانستان أو ملحمة فيتنام المأساويتين. ينبغي أن يكون هدف المعارضة وقف الكارثة، وإنهاء الحرب، وإنقاذ ما تبقى من سورية وشعبها من احتمال الانخراط في حربٍ قاتلة ومدمرة طويلة. ولا يمكن تحقيق ذلك من دون مواجهة المسألة الأبرز، ومكمن العطب الرئيس الذي لا نزال نهرب من مواجهته، والذي كان السبب الأول في خسارتنا تعاطف الدول والرأي العام العالمي، على الرغم من التضحيات الأسطورية للشعب السوري ومأساته، أعني مسألة الانقسام والتشتت والنزاع الداخلي التي جعلت الثورة تبدو، ثم بعد ذلك المعارضة، كتلة هلامية متعددة الرؤوس والأطراف، لا يمكن التعامل معها، ولا الثقة بمشاريعها وخططها والرهان عليها لإعادة بناء سورية دولةً ومجتمعاً وشعباً متفاهماً ومتضامناً. ولا يقتصر هذا التحدي على تجميع الفصائل في كتلة واحدة، أو تحت قيادة عسكرية مشتركة. ولكن، في تحويلها إلى قوة سياسية واعية، وتزويدها بمشروع وطني واضح ومتفق عليه ومقبول من الجميع، واختيارها قيادة قوية ودائمة تمثلها، منبثقة من الأرض ومرتبطة بها، وقادرة على اتخاذ القرارات الكبرى التي تعكس إرادة القوى التي تمثلها، تنال ثقة المجتمع الدولي والعالم، لأنها تحظى بثقة القوى المقاتلة على الأرض، وتستجيب لمطالبها، وتضمن مصالحها، وتدافع عن أمنها وسلامتها. من دون حل هذه المسألة الحيوية، لن نستطيع أن نتقدم، بعد الآن، خطوة واحدة في تقصير أجل الحرب وإيقافها والدخول في عصر السلام وإعادة البناء، لأننا لن نستطيع، من دونه، أن نكسب ثقة العالم الذي نحتاج مساعدته في تحقيق التغيير السياسي والاجتماعي الذي نأمله، ومواجهة الأوضاع المأساوية التي هي أوضاعنا.

ثم إن تفاقم عواقب الأزمة ومضاعفاتها والتدهور السريع في شروط الحياة في سورية ومحيطها، سوف يدفع الدول إلى ممارسة مزيد من الضغوط، من أجل إيجاد حل يوقف عملية الموت والانتحار الجماعي، ويضع حداً لعملية التدمير المنهجي الذي لا يعوّض. وفي غياب ممثل حقيقي للشعب، مسموع ومقبول، يحظى بثقة السوريين، والمقاتلين في طليعتهم، وكذلك بالضرورة بثقة العالم، سوف تأتي جميع الحلول المقترحة على حساب الشعب وضده. وفي حال استمرار الانقسام الراهن، والافتقار لقيادة معتمدة تدافع عن حقوق الشعب ورؤية المعارضة وخياراتها ومصالحها، سوف تزداد الضغوط من أجل القبول بأي حلٍ يوقف سيل الدماء الجاري، من دون أي اعتبار لميزان الحق والعدالة. وغداً لن تكون روسيا الوحيدة التي ترى المخرج في تحييد المعارضة المسلحة، واستبعادها من كل الحسابات، وفي فرض التسوية التي تراعي مصالح القوى الأخرى المحلية والدولية، ولكن سيصف إلى جانبها مزيد من الدول المحبطة واليائسة من ارتقاء المعارضة السورية إلى مستوى المسؤولية التاريخية.

لن نستطيع أن نتغلب على الموقف الروسي، وهو وضع العالم أمام الخيار الصعب بين الاستسلام لداعش أو التسليم لنظام العنف الوحشي، إلا بجعل الخيار الثالث جدياً وذا مصداقية، وأعني به خيار المعارضة، بما تشمله من جيش حر ومنظمات سياسية ومدنية مؤيدة لقيم الثورة، ونابعة منها. وهذا يتطلب ارتقاء المعارضة في وعيها وممارستها وتعاملها مع الوضع السياسي والعسكري إلى مستوى التحديات المعقدة التي يطرحها مخاض التحول والانتقال، بدءاً من كسب خيار الحل السياسي والتفاوض، ووقف الحرب، وانتهاءً بإعادة بناء الدولة، مروراً بتوحيد الشعب، وتطمين مختلف الجماعات وتنظيم شؤون المناطق والمحليات. هذا هو الخيار الذي أنكره زعيم الدبلوماسية الروسية، عندما تساءل في ما إذا كان هناك وجود لجيش حر، وهو الخيار الذي يحلم بالقضاء عليه كل من يرفض خيار التغيير والانتقال السياسي، ويسعى إلى وضع السوريين والعالم أمام الاختيار المستحيل بين نظام إرهاب الدولة وتنظيم دولة الإرهاب.

(أكاديمي وأول رئيس للمجلس الوطني السوري)

العربي الجديد

 

 

 

 

 

من بشار الإيراني إلى بشار الروسي/ عمر قدور

على التوالي التقى الرئيس الروسي بوتين، يوم الأحد الماضي(11 تشرين الأول)، ولي عهد أبو ظبي وولي ولي العهد السعودي، وبحسب ما تسرب من أخبار ثمة ليونة في مواقف البلدين إزاء التدخل الروسي في سوريا. الموقف الإماراتي كان متوقعاً، وراجت تسريبات صحافية من قبل عن دعم الإمارات تدخل موسكو، بخاصة عندما التقى بوتين ولي عهد أبو ظبي وملك الأردن والرئيس المصري قبل نحو ثلاثة أسابيع. الذي تخلله بعض من التغيير هو الموقف السعودي، فبحسب ما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن وزير الخارجية السعودي: السعودية ترغب في تشكيل حكومة انتقالية في سوريا، ستقود في نهاية المطاف إلى رحيل بشار الأسد عن السلطة.

بيت القصيد في التصريح السابق هو استخدام تعبير “حكومة انتقالية” بدل “هيئة حكم انتقالية” كاملة الصلاحيات، بحسب التفسير السعودي المعهود لبيان جنيف1، وأيضاً الإشارة إلى رحيل بشار في نهاية المرحلة الانتقالية، لا تعني اشتراطا لرحيله الفوري، أو خلال مدة قصيرة جداً. لكن الدلالة على التقارب في الموقفين الروسي والسعودي لا تقتصر على تلك التصريحات، بل تتعداها إلى المضي في العديد من مشاريع التعاون المشترك، بما فيها التعاون العسكري في سوريا بحسب تصريح لافروف!

لقد كُتب سابقاً الكثير عن يأس خليجي من إدارة أوباما التي أدارت ظهرها لحلفائها كرمى للاتفاق النووي الإيراني، ما دفع دول الخليج إلى المبادرة تجاه موسكو لإيجاد نوع من التوازن في علاقاتها الدولية، وأيضاً محاولة منها لاستمالة موسكو وفكّ تحالفها الوثيق مع طهران. في الجانب السوري، سيكون مفيداً هنا تذكر زيارة المسؤول الأمني البارز في نظام الأسد “علي مملوك” ولقائه ولي ولي العهد السعودي في الأسبوع الأول من شهر يوليو الفائت. فبحسب ما سرّبته وسائل الإعلام السعودية عُرضت عليه مقايضة مفادها انسحاب ميليشيات حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى من سوريا، مقابل وقف السعودية دعمها المعارضة. المطلب الذي عدّته الأوساط السعودية إحراجاً لنظام الأسد أمام موسكو، تستطيع الأخيرة القول بأن تدخلها يحققه الآن. فبشار المرتهن تماماً للحرس الثوري الإيراني لم يعد كذلك بعد أن أصبح في عهدتها. تستطيع موسكو أيضاً تأييد مزاعمها بأنها بدأت فعلاً بتفكيك ميليشيات الدفاع الوطني، وهي ذراع إيران في سوريا، وبأنها الآن هي التي تدير غرفة العمليات العسكرية من دون مشاركة الحرس الثوري.

ما تبيعه موسكو هو التالي: لقد جربتم بشار الإيراني، ولم يكن مسموحاً لكم إسقاطه، بل رأيتم كيف تغلغل النفوذ الإيراني في المنطقة، إذاً عليكم المفاضلة بين بشار الإيراني وبشار الروسي. مع بشار الروسي تتخلصون من التبعات المرهقة للصراع الشيعي السني، من دون أن تخسروا شيئاً بما أن سوريا لن تكون لكم ولن تكون لإيران. هو أيضاً ذاته ما تبيعه موسكو لإسرائيل، فموسكو الممسكة تماماً بالنظام، والتي تربطها علاقة ممتازة بتل أبيب، أفضل للأخيرة من طهران، وقد لا تحتاج مع وجود ضمانة روسية أكيدة إلى قصف شحنات أسلحة تشك في وجهتها. تل أبيب التي لا تريد إيران على حدودها، وتخشى سيطرة جماعات متطرفة على الجانب السوري من حدودها، لا يُستبعد أن ترى في الجار الروسي الجديد حلاً أمثل حالياً.

غير أن ما تسوقه موسكو إقليمياً لا يملك القيمة ذاتها سورياً. فالسوريون لا يضعون أنفسهم أصلاً على خط الصراع السني الشيعي في المنطقة، لسبب بسيط هو أن عدد الشيعة في سوريا هو من التواضع بحيث لا يثير أدنى مشكلة. المشكلة بدأتها إيران عندما وضعت السوريين في خانة أعدائها السنّة. بخلاف لبنان والعراق، لا تملك إيران في سوريا قاعدة مذهبية تمكّنها من بسط نفوذ مستدام. ولم يكن السوريون عموماً ينظرون إلى طهران وحزب الله كعدو قبل أن يضعا ميليشياتهما في هذا الموقع. أي أن القضية السورية منفصلة إلى حد كبير عما يسمى صراعاً سنياً شيعياً في المنطقة، وإن تحولت سوريا إلى ساحة معركة لذلك الصراع فهذا لا يحجب الصراع الأصل، وهو صراع داخلي على نوعية السلطة وعدالة تمثيلها. حتى المسألة الطائفية في سوريا يصعب إدراجها ضمن الصراع الطائفي الإقليمي على المدى البعيد، لأن المظلوميات الأقلوية السورية التاريخية لا تتغذى من فكرة الثأر المقدس المرتبطة بحرب يزيد والحسين.

الجانب الأهم هو أن السوريين غير معنيين بالفوارق التي تريد موسكو ترويجها بين بشار الإيراني وبشار الروسي. مشكلة السوريين هي مع بشار الكيماوي وبشار البراميلي… إلى آخر ما هنالك من أصناف الأسلحة التي استخدمها ضد إرادتهم. ولو أصبح بشار الأسد غداً أمريكياً أو سعودياً أو إماراتياً، على سبيل المثال، لما انتفت المشكلة ولن يتوقف سعيهم إلى التغيير. والحل الذي يطالب به السوريون، وإن بدأ برحيل بشار فهو لا يتوقف عنده، هو الحل الذي يضمن حقوقهم وكراماتهم التي لا ينبغي أن يُنتقص منها في أية تسوية دولية أو إقليمية. إذا كان النظام قد أصبح وكيلاً للاحتلال الإيراني والروسي على التوالي فالسوريون لم يرهنوا إراداتهم على نحو ما فعل النظام، ولا تستطيع أية قوة إقليمية أو دولية المباهاة بسيطرتها عليهم، حتى إذا سيطرت على بعض أطر المعارضة أو بعض الفصائل المقاتلة على الأرض. نعم، يحدث في أية حرب أن يكون هناك تقاطع في المصالح، ويحدث أيضاً أن تفترق مصالح الحلفاء، وربما لا يرى بعض القوى الدولية والإقليمية ضرراً في منح موسكو مهلة لاختبار النوايا. السوريون لا يملكون ترف الانتظار، فهم قد خبروا نوايا موسكو منذ بدء الثورة.

المدن

 

 

 

 

روسيا:الهروب الى الامام/ علي العبدالله

لم يكن القصف الروسي بصواريخ “كروز”من بحر قزوين، الذي يبعد عن الأراضي السورية أكثر من ألف وخمسمائة كيلومترا، عملا منطقيا في سياق المعركة الدائرة، فلا طبيعة المعركة ولا قوة الخصم تستدعي قصفا من هذا البُعد والإفراط في استخدام قوة تدميرية هائلة (11700 كغم الوزن الكلي للرؤوس الحربية التي أطلقت) لضرب مواقع متاح تدميرها بسهولة أكبر وبتكلفة أقل.

جاء القصف الروسي بصواريخ “كروز” ردا عصبيا غاضبا على رفض الغرب للتدخل الروسي في سوريا ولتصورها للحل، وكذلك لتجاهله الدعوات الروسية للتعاون العسكري في سوريا، وتصعيدا كبيرا للموقف في سوريا٬ ولكنه، وعلى الرغم من اثارته غضب واشنطن واستياءها، حيث أن موسكو لم تبلغ واشنطن بإطلاق الصواريخ، وأنها مرت في أجواء تحلّق فيها طائرات التحالف الدولي – العربي، كان من الممكن ان يؤدي إلى صدام عسكري أمريكي – روسي، ناهيك عن استهدافه لقوات معارضة تدعمها واشنطن، فانه لم يحقق هدفه الرئيس: ارغام الادارة الامريكية على قبول تدخلها في سوريا والتعاون معها، فقد ردت واشنطن برفض التعاون وأشارت إلى السبب بوضوح: رفض التعاون بسبب الإستراتيجية الروسية التي تراها واشنطن “معيبة بشكل مأساوي”، وفق تعبير وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، مع قبول التنسيق العسكري، لتلافي الاصطدامات والتضارب في البرامج، لحفظ سلامة طياري البلدين(قدمت الولايات المتحدة اقتراحات تتعلق ببروتوكولات سلامة بسيطة٬ مثل الحفاظ على مسافة آمنة بين الطائرات الروسية والأمريكية٬ واستخدام ترددات راديو مشتركة لنداءات الاستغاثة)، والتنسيق يختلف عن التعاون، الاول تقني بحت والثاني سياسي ويعني اعطاء شرعية للتدخل الروسي، ودفع (القصف/التصعيد) واشنطن الى القبول باقتراحات دول اقليمية حليفة برفع مستوى دعم المعارضة وتزويدها بذخيرة ومضادات دروع لـ “مواجهة القوة الروسية”، ووقف حملة قوات النظام المدعومة بغطاء جوي روسي لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في محافظات حماة وادلب واللاذقية، ومنعها من تحقيق انتصارات ميدانية كبرى في الأشهر الثلاثة المقبلة(نقل أن حوالي 500 صاروخ “تاو” أمريكي قد وصلت إلى فصائل سورية معارضة، وأن دفعة أخرى ستصل إلى “جيش الفتح”، الذي يضم فصائل إسلامية ويعمل في ريفي حماة وإدلب، و”الجيش السوري الحر”، الذي يعمل في مناطق مختلفة من البلاد. قال مسؤول سعودي لهيئة الإذاعة البريطانية:”إن السعودية ستزود ثلاثة فصائل في سوريا بأسلحة مضادة للدروع، وربما للطيران، رداً على التدخل الروسي الأخير، وأكد المسؤول الذي لم تكشف الهيئة عن هويته، إن الأسلحة الجديدة ستقدم لكل من فصائل الجيش الحر وجيش الفتح  والجبهة الجنوبية، ولم يستبعد المسؤول دعم الثوار بمضادات للطيران على الرغم من معارضة الغرب الكبيرة لذلك، وذلك خشية من وصولها إلى يد المتطرفين”). كما لعب التدخل الروسي في سوريا والقصف بصواريخ “كروز” من بحر قزوين الى ارتفاع حدة الانتقادات الاقليمية والدولية والسورية المعارضة لرد الفعل الامريكي “الفاتر”، وزاد الدعوات الى رد مناسب يرتفع الى مستوى التحدي، فقد دعا زبيغينو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في ادارة الرئيس الامريكي جيمي كارتر، إلى ما أسماه بـ “التحلي بجرأة إستراتيجية”، قائلا:”تمس الحاجة إلى توسل القوة الامريكية في السعي الى صيغة جديدة للاستقرار الإقليمي”(لتعاون موسكو مع واشنطن في سورية، الحياة:7/10/2015). ودعت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية من 2005- 2009، وروبرت غيتس، وزير الدفاع الأمريكي من 2006-2011، في مقال مشترك إلى “خلق توازن عسكري أفضل على الأرض، إذا كنا نريد التوصل إلى حل سياسي مقبول لنا ولحلفائنا”(واشنطن ومواجهة بوتين في سوريا، جريدة الاتحاد الإماراتية:11/10/2015). واقترح دينس روس، مساعد خاص سابق للرئيس باراك أوباما، ردا على مطالبة الرئيس الامريكي بـ “أفكار ناضجة”، “الموافقة على إقامة ملاذ آمن وحظر جوي”، قال:”لنذهب إلى الأتراك والسعوديين والقطريين والأوروبيين بهدوء ولنقل لهم إن الوقت قد حان لإقامة ملاذ آمن حقيقي بمحاذاة الحدود التركية السورية. وهو شيء لطالما دعا إليه الأتراك والخليجيون، وشيء يحتاجه الأوروبيون لوقف تدفق اللاجئين. ولنشرح لهم أننا سنضطلع بدورنا في فرض احترام منطقة “حظر الطيران”، لكن فقط إذا ساهمت أوروبا بقواتها الجوية، ووافقت تركيا على تأمين المنطقة ميدانيا لمنع تسلل عناصر “داعش”، ووافقت السعودية وقطر على تمويل البنية التحتية الخاصة باللاجئين وعلى قبول مرور كل المساعدات المادية الخاصة بتدريب قوات المعارضة  في المنطقة عبرنا”. ودعا اللفتنانت كولونيل جون بارنيت إلى تحرك أمريكي تركي ضد روسيا في آسيا الوسطى، فأردوغان يشارك واشنطن مصلحتها في احتواء روسيا قبل أن تتمكن من توسيع وجودها على طول الحدود التركية، “باستغلال ميزاتهما الخاصة، أي القرب الجغرافي والجيل الخامس من الطائرات، من خلال عرض مفاجئ للقوة، ورفع وتيرة المناورات والتدريبات المشتركة مع دول القوقاز، ووضع خارطة طريق لانضمام جورجيا إلى حلف الناتو” (مغامرة بوتين في سوريا فرصة لواشنطن وأنقرة، موقع معهد واشنطن:6/10/2015). وقد نقلت تقارير إعلامية عن ضوء اخضر أعطته وزارة الدفاع البريطانية لجميع طياريها المشاركين في الحرب على “داعش”، باستخدام جميع وسائل الدفاع المتاحة ضد أي هجوم روسي، بما في ذلك تزويد طائراتهم التي تحلق فوق العراق، وقريباً فوق سوريا، بصواريخ جوـ جو للدفاع عن نفسها ضد المقاتلات الروسية. هذا بالإضافة الى رد الفعل العربي والاسلامي السني، حيث نُظر الى التدخل الروسي كاصطفاف الى جانب الشيعة ضد السنة، وتحذير السعودية من انزلاق روسيا الى حرب مذهبية، وما لذلك من أثر على مسلمي روسيا واغلبيتهم من السنة.

أرادت روسيا من قصفها بصواريخ “كروز” عرض قوتها وإظهار نهوضها وقدرتها على مواجهة الغرب(انخفض وهج الخطوة بسبب سقوط عدد من هذه الصواريخ، بين 4 و 6، على الأراضي الإيرانية، وقد استعادت الحطام لدراستها)، والضغط عليه وعلى حلفائه الاقليميين للقبول بالتدخل الروسي وبالحل الذي تتبناه موسكو للصراع السوري، وقد أسقط في يدها لان هؤلاء الخصوم لم يبدوا استعدادا للرضوخ والمقايضة، وان فرصتها في تنفيذ الحل محدودة جدا لان لا احد من هؤلاء الخصوم سيمنحها فرصة تحقيق نصر سهل بتغيير توازن القوى وصياغة النظام الاقليمي، خاصة بعد ان انتقلت من دور الوسيط الى دور طرف مشاركة في الصراع. لقد انزلقت إلى خيار عالي المخاطر، يمكن أن يتحول بسهولة إلى مستنقع، خاصة إذا اضطرت إلى الانتقال من القصف الى النزول على الارض، مع العلم إن التدخل يتم وهي تعاني من أزمة اقتصادية حادة وخطيرة ما قد يجعل محاولة استعادة هيبتها على الساحة الدولية ليس باهظة الثمن وحسب بل قد تكون كارثية.

المدن

 

 

الدور التركي بعد تدخل روسيا في سورية/ حسين عبدالعزيز

وجّه التدخل العسكري الروسي في سورية ضربة قوية للدول الإقليمية الداعمة للمعارضة السورية وأربك حساباتها العسكرية، حيث كشفت الغارات الروسية أن هدفها الحقيقي هو إضعاف قوة الفصائل العسكرية السورية المدعومة من تركيا والسعودية وقطر، بعيد فشل موسكو في إقناع صانعي القرار في أنقرة والرياض بالانضمام إلى تحالف إقليمي لمواجهة الإرهاب يكون النظام السوري جزءاً أساسياً فيه.

لكن تركيا تعتبر أكبر الخاسرين من التدخل العسكري الروسي بحكم جوارها الجغرافي لسورية وتأثيرها الكبير في الشمال، فمن شأن هذا التدخل أن يتجاوز بتداعياته مسألة «داعش» إلى التأثير سلباً على وضع المعارضة السورية المدعومة من تركيا في الشمال، ومن ثم الدور الكردي في شمالي البلاد.

بين البلدين مصالح مهمة. تشكل روسيا إمبراطورية عظمى ليس في محيطها الجغرافي القريب فحسب، بل أيضا في محيطها الاستراتيجي الأبعد، وبالتالي لا تستطيع أي دولة في الإقليم التغاضي عن هذه الحقيقة بما فيها تركيا. في المقابل تشكل تركيا بالنسبة الى روسيا دولة مهمة، فهي صلة الوصل بين آسيا وأوروبا براً وبحراً، وعضو في «الناتو»، ولها تأثير في محيطها الإقليمي.

هذه الجغرافيا السياسية فرضت على البلدين التعاون، بعدما ظلا طوال عقود في حالة عداء زمن الثنائية القطبية، وانعكس هذا الأمر بشكل جلي في الجانب الاقتصادي الذي يشكل حجر الزاوية في متانة العلاقات بين الجانبين على الرغم من وجود خلافات سياسية حول شبه جزيرة القرم وأرمينيا والبوسفور.

لكن التدخل العسكري الروسي في سورية يختلف استراتيجياً عن كل ما عداه، حيث يضع روسيا على الحدود الجنوبية لتركيا، ولاعباً رئيسياً يسعى إلى تغيير قواعد الصراع داخل الحدود السورية، وما يستتبع ذلك من آثار سلبية قد تصيب عمق الأمن القومي التركي.

تبدو تركيا حتى الآن عاجزة عن التصرف حيال هذا التطور الكبير على صعيد تغيير قواعد اللعبة الميدانية في سورية، فلا تسمح إمكاناتها مع حلفائها الإقليميين بمواجهة القوة العسكرية الروسية بشكل مباشر.

يظهر العجز التركي في ثلاث قضايا:

1- المنطقة الآمنة التي طالما دعت إليها أضحت في مهب الريح، حيث تتطلب حظراً جوياً لا سبيل إلى تحقيقه من دون تدخل مباشر من «الناتو»، وهو أمر ما زال مرفوضاً من قبل الأميركي والأوروبي سابقاً، فكيف الحال الآن بعد الوجود العسكري الروسي والخشية من حدوث اشتباك بين الجانبين من شأنه أن يفجر حرباً باردة غير مرغوب بها.

وقد أظهر الروس حزماً شديداً حيال التفكير في إقامة مثل هذه المنطقة في معرض ردهم على تصريحات رئيس المجلس الأوروبي التي أعلن فيها عقب لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن الاتحاد الاوروبي مستعد لمناقشة كل الموضوعات مع تركيا بما فيها المنطقة العازلة.

2- كيفية تقديم تركيا الدعم العسكري والبشري للفصائل المسلحة المدعومة من قبلها بعد توجيه موسكو تحذيراً شديد اللهجة إلى أنقرة من أن الطيران الروسي سيقصف كل المراكز التي يمر عبرها المقاتلون الأجانب في حال سمحت الحكومة التركية لمقاتلين بعبور الحدود نحو سورية.

وتخشى القيادة التركية أن يؤدي دعمها المباشر للفصائل المسلحة إلى حدوث تصادم بين الجانبين بدت نذره مع انتهاك طائرات روسية المجال الجوي التركي.

3- التعاطي التركي مع الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي طلب المشاركة في العمليات العسكرية الروسية، وأصبح بذلك حليفاً للولايات المتحدة وروسيا على السواء، وستفكر أنقرة ملياً في كيفية التعامل مع الحزب الذي يحاول فرض أجندة كردية شمالي سورية.

ضمن هذه المعطيات، لا يوجد أمام تركيا سوى خيارين: إما القبول بالأمر الواقع في ظل تراخ أميركي ربما يكون مقصوداً، أو التوجه نحو إجراء تنسيق عال مع الرياض والدوحة لزيادة الدعم العسكري للمعارضة المسلحة، وتجاوز الفيتو الأميركي الذي يمنع تزويد المعارضة بأسلحة متطورة أولاً، ومحاولة تشكيل جبهة عسكرية تضم فصائل مسلحة على رأسها «أحرار الشام» و «جبهة النصرة» ثانياً، لكن عدم مشاركة «النصرة» في البيان الذي أصدره نحو 40 فصيلاً مسلحاً يدعو دول المنطقة إلى تشكيل تحالف لمواجهة التدخل الروسي، يطرح أسئلة حول إمكان نجاح مثل هذه الجبهة الموحدة.

من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور في سورية، في ظل الانكفاء الأميركي، والتردد الأوروبي، وحدود قوة الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة السورية، لكن من الواضح حتى الآن أن التدخل العسكري الروسي أربك الجميع وفي مقدمهم تركيا، وجعل فرص تحركهم قليلة أو شبه معدومة على الأقل في المرحلة الحالية.

* إعلامي وكاتب سوري

الحياة

 

 

 

ما اسم بوتين؟/ ميشيل كيلو

هو عبد الأمير أبو التين، ابن جاسم أبو التين، بائع التين المجفف في الشتاء والأخضر في الصيف، المعروف من أبناء مدينة “الناصرية” العراقية بتدينه الشديد، وإيمانه بآل البيت، والذي اضطره فقره للهجرة إلى روسيا، حيث تزوج من روسية اسمها، ماريا لافنونوفا، أنجبت له صبياً أسماه عبد الأمير، لكن صعوبة النطق باسمه جعلت والده يوافق على تسميته فلاديمير، بينما صار اسمه هو بوتين، بدل أبو التين العراقية.

بعد شكسبير الذي ولد، مثل عبد الأمير أبو التين، جنوب العراق، في بلدة صغيرة اسمها الزبير، وكان شيخاً معروفاً بحبه آل البيت، لكن ظروفه أجبرته على الهجرة إلى بريطانيا، حيث تحول من الشيخ زبير إلى شكسبير، وكان أول شيعي عراقي يدهش العالم بإبداعه الأدبي. أما عبد الأمير أبو التين اليوم فيعد أول شيعي عراقي تذهل عبقريته العسكرية البشرية جمعاء، بما ابتدعه من طرق حربية لم تكن معروفة قبله، منها إرسال طائرات حربية وسفن قتالية ودبابات لإنقاذ إخوته العراقيين والسوريين في العقيدة، فضلا عن إصداره أمراً بإطلاق صواريخ مجنحة وطوافة لقتل خصومهم، كفار كفرنبل واللطامنة وكفرزيتا وباقي قرى أرياف حمص وحماة وإدلب، الذين وصلت جحافلهم إلى مشارف العتبات المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء وسامراء. ولولا لطف الله وغيرة عبد الأمير الدينية، لكانوا احتلوها وأبادوا المؤمنين من سكانها، لكن عبد الأمير هبّ للدفاع عن دينه، وصاح: يا إمام، قبل أن تتولى قواته تدمير كفار سورية، وإنقاذ أتباع آل البيت الأبرار.

هناك رواية أخرى، تجعل أسرة عبد الأمير من أصول أذربيجانية ذات جذور إيرانية، وتقول إنها لعبت دوراً كبيراً في نشر التشيع في أذربيجان وجوارها، وبفضل تمسكها قروناً بحب آل البيت، وتربية أطفالها على الولاء لهم، هب حفيدها عبد الأمير لحماية شيعة سورية، وأعلن استعداده لحماية شيعة العراق أيضا، وهو ينتظر اليوم رد حكومتهم، فإن جاء سلبياً رفضه، وتدخل بدافع من وازعه الديني وواجبه الإلهي، وأرسل جيشه لرد كفار الفلوجة والرمادي والموصل عن أتباع آل البيت، مثلما فعل في سورية. أيجوز، بعد هذه الإنجازات الإيمانية، أن لا يُمنح أبو التين لقب آية الله، تقديراً لتدينه وإنقاذ أهله في سورية والعراق؟

هل نضحك عند قراءة هذه التخريفات التي تبعث على البكاء بمرارة وحرقة؟ وهل نتوقف عند ما فيها من احتقار صارخ لقيادات سورية والعراق السياسية والعسكرية التي يدفع عجزها عن صيانة أمن شعبها وحياته إلى تعيّش كثير من مواطنيه على قصصٍ تثير أحقاداً مزمنة، تحرّض قطاعاته بعضها ضد بعضها الآخر، وتغرقهم في خرافاتٍ تسوّرها بخزعبلاتٍ تضفي القداسة على مجرمٍ مثل بوتين، رئيس روسيا الذي أرسل جيشه خدمة لمصالح استعمارية روسية، ولم يرسله دفاعا عن “آل البيت أو الفيلا أو الشاليه”، تكمن فاعليتها كخرافات في مضامينها المذهبية والشعورية اللاغية للعقل ومحاكماته المنطقية، والقادرة على إبعاد من يصدقها عن الأسباب الحقيقية لما يعانيه من مشكلاتٍ، ينتجها من يحرّضونه على شركائه في معاناة الظلم والفقر والقهر، كي لا يتحد وإياهم ضدهم.

لا أعرف كم من الناس صدّق رواية عبد الأمير أبو التين، لكنني أثق بأن عدداً هائلا من السوريين يعتقد أن اسم رئيس روسيا الأصلي هو “بوطين”، مثنى بوط، حذاء العسكر الذي كثيراً ما ألغى لابسوه عقولهم، وفكّروا بواسطته، كما يفعل رائد المخابرات السوفييتية السابق، بوطين.

العربي الجديد

 

 

 

 

ماذا يريد بوتين؟/ ميشيل كيلو

في الحد الأعلى، يريد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كسر ظهر الثورة السورية، ممثلة بالجيش الحر، لاعتقاده أن هذا الجيش اليوم نواة الثورة الصلبة وعمودها الفقري، وأن القضاء على قواه الرئيسة سيجعل من السهل تهميش المعارضات السياسية، أو احتواءها وإخراجها من حسابات الصراع الحاسمة. ويريد، في الحد الأدنى، استعادة ما كان الوضع عليه قبل سقوط إدلب وصمود الزبداني وفك الحصار عن الغوطة الشرقية، واختراق دفاعات النظام ومواقعه حول دمشق، وقد أيقن بوتين أن النظام يسقط بسرعة. لذلك، قرر المسارعة إلى نجدته بالقتال بدلاً عنه، ريثما يمده بشيء من القوة عبر تدريب عصاباته وتسليحها.

ليس صحيحاً أن السياسة الروسية لا تدري ما تفعل، وتجهل خطوتها التالية، فدخول الروس إلى الحرب وراءه سببان:

ـ اعتبار قوى الثورة السورية بفصائلها كافة، ومنذ أول يوم انطلقت فيه، تنظيمات إرهابية تمارس إرهاباً عجز النظام عن احتوائه، أو كسر شوكته، على الرغم مما وصل إليه من مساعدات، ما يحتم تدخلاً عسكرياً مباشراً، وبغزو واسع يستخدم أفتك الأسلحة والذخائر وأحدثها، يفرضه السياق العام للسياسة الروسية تجاه الربيع العربي عموماً، وثورة الحرية السورية خصوصاً.

ـ انتزاع المبادرة الاستراتيجية من واشنطن، وفرض حل روسي/ إيراني/ أسدي بقوة واقع ميداني، تبدلت موازين قواه جذرياً لصالح النظام، بالتوازي مع تبدل علاقات القوى الدولية والإقليمية/ العربية لصالح تحالف يمسك بمفاصل المنطقة، ويخترق مجتمعاتها ودولها، يضم موسكو وطهران ودمشق وبغداد، وقوى تنتمي إلى الإرهاب الأصولي، بشقيه الشيعي والسني.

من تحصيل الحاصل القول إن روسيا لم تغزُ سورية، لتدخل في حلقة مفرغة، تكون فيها متفوقة تارة، ومغلوبة تارة أخرى. دخلت الحرب كي تنتصر، ليس فقط على الجيش الحر والسوريين، بل كذلك على داعميهم، حقيقيين كان هؤلاء أو مزعومين. ويعلم بوتين، بلا شك، أن فشله أو هزيمته يعنيان نهاية روسيا قوة كبرى ونهايته الشخصية. لذلك، لن يتراجع عن حربه ما لم يدرك أنه سيفشل أو يهزم. ولن يكفي أي كلام في إقناعه بالخروج من الصراع على سورية وفيها. من هنا، إعلان موسكو عزمها على جعل وجودها في سورية محدوداً زمنياً يقصد بها الإعلان عن تصميمها على استخدام قوة مفرطة، بل ساحقة، ضد الجيش الحر، وتجاهل أي قانون أو عرف أو اعتبار دولي أو إنساني، وعزمها على تحقيق أهدافها، مهما كان ثمنها السوري مرتفعاً.

من تحصيل الحاصل القول أيضاً إن هدف روسيا الرئيس هو إعادة الوضع السوري إلى ما

“ستؤدي سيطرة روسيا على الشرق الأوسط إلى إمساكها مفاصل تتحكم بصور حاسمة في الصراع الدولي حول منطقتنا وخارجها” كان عليه قبل الثورة، ساحة سياسية يملؤها نظام طائفي مجرم، وشعب مذبوح، خاضع وخانع، طرد الأسد معظمه من وطنه، بينما تحول من بقي حياً منه إلى أسرى في معسكر اعتقال كبير، تسهل تصفيتهم واحداً بعد آخر، فإن استحال تحقيق هذا الحد الأعلى، غدا هدف روسيا كسر الجيش الحر وقتل قياداته وتدميره، وإخراجه من معادلات القوة، واحتواء المعارضات السياسية باستكمال ما بدأه الروس في لقائي موسكو، بإقناع بعض المعارضين بـ “إنقاذ ما يمكن إنقاذه “، بحجة تخلي العالم عن الشعب وضرورة قبول عرض الأسد بالاندماج في نظامه “سبيلاً إلى التغيير”.

دخل جيش روسيا بلادنا لكي يحسم الصراع لصالح النظام بسرعة، وفي وقت قصير. وستظهر حقيقة نياته في أثناء الهجوم الأرضي الذي سيشنه جيش الأسد ومرتزقة إيران ومليشياتها على المناطق التي خسروها شمال وطننا وجنوبه، وفي تدمر في مرحلة لاحقة، حيث تمسي الحاجة إلى إخراج “داعش” منها، لإقامة اتصال أرضي مفتوح بين طهران ولبنان. دخلت روسيا المعركة، وهدفها شرق أوسط هي سيدته الآمرة الناهية، بحصة ما لطهران، وذلك وضع جيواستراتيجي جديد، ستكون له عواقب كارثية على أميركا والغرب، الذي سيفقد منطقة هي درة العالم الاستراتيجية، ستؤدي سيطرة روسيا عليها إلى إمساكها مفاصل تتحكم بصور حاسمة في الصراع الدولي حول منطقتنا وخارجها، من دون أن ننسى الأثمان الباهظة التي سندفعها نحن العرب، ومنها اكتمال تحولنا إلى مستعمراتٍ، يمسك بها الكرملين، وتشرف طهران ومرتزقتها عليها.

هل يستطيع أوباما قبول هزيمة أميركا وتحجيمها أو إخراجها من المنطقة بالقوة على يد شراكة روسية مع طهران؟ لا نستطيع، سوريين وعرب، قبول تحولنا إلى عبيد والقضاء علينا، ولا خيار لنا غير الرد بكل ما يتطلبه الرد من جهود وتحالفات وتضحيات، لأن انتصارنا سيكون بمثابة ولادة جديدة لشعبنا الذي سينعم بعده بما يقاتل من أجله: حريته وكرامته الإنسانية.

العربي الجديد

 

 

 

 

ما بعد التدخّل الروسيّ/ سمير العيطة

خلق التدخّل الروسيّ ديناميّة جديدة في الأزمة السوريّة. أبرز معالمها في المرحلة الحاليّة القصف الجويّ والمعارك على الأرض. وكلاهما يتمحوران الآن حول أرياف حمص وحماه وإدلب. من الواضح إذاً أن الأولويّة في الأهداف حاليّاً ليست لتوجيه ضربة قاصمة لـ «داعش» ولإحداث خرق رئيس في جبهات القتال معها. بل هي لتمكين الجيش السوريّ على الأرض وصدّ «جيش الفتح» ودفعه إلى التراجع عن المناطق التي كسبها مؤخّراً.

ليس واضحاً كيف ستتعامل القوى الإقليميّة الداعمة لـ «جيش الفتح» مع هذه الأولويّة، وما إذا كانت ستذهب في دعمها إلى تصعيد المواجهة إلى حدودٍ قصوى. في حين يتضح أن الولايات المتحدة ما زالت أولويّاتها في عدم دعم سوى مَن يقاتل «داعش»، أي «وحدات حماية الشعب» YPG التي نظّمها «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي PYD ومن يتحالف معه، لتجد «وحدات الحماية» هذه نفسها مدعومة من الدولتين الكبيرتين سويّة، أي أميركا وروسيا.

يبقى أنّ هذه الديناميّة الجديدة لا يُمكن لها سياسيّاً ومعنويّاً الاستمرار طويلاً، من دون الانتقال سريعاً إلى مرحلة ثانية والتوجّه مباشرة وبشكلٍ كبير لمواجهة «داعش» ذاتها. إذ ستفقد روسيا، إذا ما استمرّت الأولويّات كما هي الآن، التعامل الحيادي أو المرتبك لكثير من الأوساط المعارضة في سوريا تجاه تدخّلها على أنّه، على عكس التدخّل الإيرانيّ، يُمكن أن يُخرِج الصراع السوريّ من احتقانه الطائفيّ. خصوصاً أنّ القصف العشوائيّ بالبراميل على المدنيين قد تقلّص في الآونة الأخيرة. كما ستفقد أيضاً التعامل الحياديّ الخجول من كثيرٍ من الدول الأوروبيّة إذا ما ظهر أنّ «داعش» ستكون هي المستفيدة من انخراطها في الصراع. كذلك لا يُمكن للولايات المتحدة الاعتماد على «وحدات حماية الشعب» وحدها للدفع إلى معركة كبيرة ضدّ «داعش»، وإلاّ سيفسّر الأمر توجّهاً نحو تقسيم سوريا.

كلّ هذه التطوّرات الميدانيّة ومآلاتها المتعدّدة المُمكنة تضع العمليّة السياسيّة بالانتظار، وخاصّة تلك التي أطلقها المبعوث الأمميّ ستيفان دي ميستورا. إذ لا يبدو أنّ مجمـــوعة الاتصال الدوليّة ستجــــتمع قريباً، طالما أن التباين ما زال كبيراً بين مواقف الأطراف الإقليميّة، وبين روسيا والولايات المتحدة. وربّما سيتّجه المبعوث الأمميّ إلى إحلال ديبلوماسيّة مكوكيّة بين الأطراف بدلاً من جلبها جميعها إلى طاولة تفاوض واحدة.

كذلك هو الأمر بالنسبة لمجموعات العمل السوريّة ـ السوريّة المقترحة، حتّى بعدما قام الأمين العام للأمم المتحدة بتسميّة «ميسّريها». إذ تتضارب الدعوة لمجموعة العمل العسكريّة والأمنيّة الأمميّة مع الرغبة الروسية للاجتماع بالمعارضة المسلّحة للتفاوض مباشرة مع الجيش السوريّ. كذلك انقسمت توجّهات المعارضة السياسيّة بين متسرّعٍ للانخراط في مجموعة العمل السياسيّة الأمميّة وبين رافضٍ كليّاً لها بعد تردّدٍ طويل. وهنا أيضاً قد يستبدل المبعوث الأمميّ طاولة التفاوض في المرحلة الحاليّة بالديبلوماسيّة المكوكيّة.

والحقيقة أنّ هذه الديبلوماسيّة المكوكيّة ضروريّة، خاصّة للمواضيع التي كان يجب أن تعالجها مجموعة العمل المختصّة بالشؤون الإنسانيّة. إذ إن ديناميّة الحرب الجديدة ستؤدّي إلى ضحايا جدد وإلى ضرورات إنسانيّة ملحّة أكثر وإلى موجات نزوح كبيرة لمئات آلاف من السوريين الذين لن يعرفوا إلى أين سيتوجّهون بين الحدود التركيّة المغلقة وممارسات السلطة في سوريا.

المقصود بالديبلوماسيّة المكوكيّة في هذه الحالة خلق آليّات تواصل بين جميع الأطراف الحريصة على وحدة سوريا وسلامة أبنائها لإيجاد نقاط تلاقٍ وقواسم مشتركة… على الأقل على المستوى الإنسانيّ ولوقف الحرب ولو في مناطق معيّنة.

أمّا على الصعيد السياسيّ، فما زال الطريق عسيراً وطويلاً كي يتذكّر السوريون أنّهم في النهاية سيعيشون جنباً إلى جنب يوماً ما حين ستنتهي الحرب.

السفير

 

 

 

وحدةُ» السوريين «مُعادِلاً» موضوعياً للوجود الروسي/ وائل مرزا

بقراءةٍ عاجلة، تحمل العبارة أعلاه بعضَ مبالغة. لكن التاريخ معرضُ المستحيلات، كما يقولون. وهناك، دائماً، مقاربةً «ثقافية» أكثر شمولاً، تعطي مثل هذه المواضيع أفقاً يتجاوز السائد في طرق التحليل.

ليست هذه دراسةً «كمية» في مسائل العتاد والعديد العسكري الروسي، وحسابات ما يجب أن يتوافر للسوريين لمواجهته من صواريخ مضادة للدروع والطائرات. هذا أمرٌ مهم، لاشك في ذلك. لكنه، في رؤية المقال هنا، لا هو «المدخل» ولا العامل الرئيس في حسم المعركة. هو في الحقيقة «عنصرٌ» من المعادلة، لكنه ليس عنصراً حراً في ما يتعلق بقيمته ودوره وتأثيره في نتيجتها.

ثمة عناصر أخرى، كثيرة، يمكن لها ألا تجعل ذلك العنصر هامشياً فقط، بل وتُحوّله سبب هزيمةٍ كبرى لروسيا بوتين، ليس كثيراً على الاجتماع البشري وتاريخه أن يجعلها نسخةً أخرى من هزيمة روسيا بريجينيف في أفغانستان. المفارقة هنا أن الزعيم السوفياتي المخضرم كان يُدرك خطورة التدخل وآثاره الممكنة، ما جعله يرفض ثمانية عشرة طلباً للتدخل، قبل أن يعود، مريضاً ومُتعباً، للرضوخ وإصدار قرار التدخل، بسبب ضغوط قادةٍ مهووسين بمنطق القوة. تماماً كما هي حالُ بوتين الذي كان يومها ضابطاً شاباً في جهاز أمن الدولة، ليُتابع بعد ذلك مسيرةً مِهَنية تغرس كل مرحلةٍ منها في أعماق تكوينه ذلك الهوَس.

بِفهمٍ أكبر للتاريخ والاجتماع البشري، فيما نحسب، حاول بريجينيف تجنيب بلاده مصيراً كان يرى ملامحه، رغم أن التدخل كان في خاصرة الاتحاد السوفياتي الحساسة، ورغم الضغط الذي غالباً ما تُشكلُه حسابات «جيوبوليتيكس»، كثيراً ما تُخيف صانعي القرار لدرجة الغفلة عن كل كل مُعطىً آخر.

في المقابل، يقفز بوتين إلى بقعة نارٍ ملتهبة، بعيداً من مجاله الحيوي المباشر، في خطوةٍ صارخة المعاني، من الواضح أنه يراهن فيها باسمه ودوره ومستقبله السياسي، لكيلا نتحدث عن أمرٍ هو في آخر اهتماماته، يتعلق باسم روسيا ومصالحها القومية الحقيقية كدولةٍ وأمة.

من «الهزل» في مقام الجد هنا الحديثُ عن مكاسب روسية تتعلقُ بالوصول، أخيراً، إلى المياه الدافئة. وكذلك الوهمُ بأن روسيا تملأ، بتدخلها، فراغاً خلقه عجزُ أميركا و»تردّد» أوباما. فبحسبةٍ معقولة، يمكن التأكيد بأن «فيتو» حقيقية من واشنطن تجاه الخطوة الروسية كانت قمينةً بقتلها في مَهدها.

لا ينبع هذا من قناعةٍ (اختزالية) تفترض سيطرةً كونيةً مُطلقةً لأميركا على قرارات روسيا وغيرها، وإنما يتعلق باستشراف طريقةٍ ومستوى من الفكر السياسي في أميركا، فريدٍ من نوعه، تتعايش فيه الأخطاء والخطايا بالتناوب مع عمليات الاستدراك والاستيعاب والتوظيف، آنياً أو لاحقاً، للأخطاء نفسها، في كسب أوراق تكتيكية أو استراتيجية.

من دون كثير تفصيل، لا يبدو «التغاضي» عن التدخل الروسي، مع استطلاعات رأي تُظهر أن غالبية الروس ضدّ التدخل، وبتوظيفٍ كاريكاتوري للكنيسة الأرثوذوكسية، في مُحيطٍ «جيوبولوتيكي» هائج من الفوضى العسكرية والأمنية، والتناقضات السياسية، والكراهية الثقافية والاجتماعية، إلا دعوةً لحفلٍ للانتحار بشكلٍ مهيبٍ واستعراضي مُغرٍ، لا يشتري تذاكره عادةً إلا أمثال بوتين. مشهدٌ يدعو الأميركان إلى أن يضحكوا في أعماقهم سراً، إلى أن يكشفه، كعادته… «توماس فريدمان».

يطولُ التحليل عن الملابسات «الروسية» في القضية في شكلٍ لا يحتمله المقام. نُركز، لذلك، من هنا، على عنصر يهمنا أكثر في إطار البحث، يتعلق بالسوريين، وما يمكن أن يقوموا به، هم من دون غيرهم، لدعم احتمالات «الإمكان» الوارد في عنوان المقال.

والحقيقة أن الوضع السوري الراهن يحمل في طياته مفارقةً غريبة. فعلى مدى قرابة خمس سنوات، كان السوريون، من أهل الثورة، يصبون جام غضبهم، وكل ما في طاقتهم من استنكارٍ وانتقاد على معارضةٍ سورية، سياسية وعسكرية، كان عنوانُ ممارساتها الأبرز الخصام والتشرذم والخلاف بكل أنواعه ودرجاته وخلفياته.

لهذا، كانت الدعوة إلى تجاوز ذلك الواقع قضيةً أساسية بين النشطاء والمثقفين والإعلاميين. بل إنه كان «الثيمة» الأبرز في أحاديث وكتابات و»تغريدات» مئات الآلاف من السوريين.

لكن تطوّر الأحداث، وضغطها، يبدو وكأنه دفعَ شرائح المعارضة، السياسية والعسكرية، لتدرك «عبثية» الممارسات السابقة. ورغم كل الملاحظات الممكنة على طُرُق عملها وتفكيرها، في السياسة تحديداً، تَظهر في أوساطها، اليوم، ملامحُ وعيٍ سياسي متقدم، نسبياً، لا ينبغي أن يُصرﱠ بعضهم على إنكاره، لأسباب شخصية أو أيديولوجية، وربما البناء عليه.

نعم. شرائح المعارضة تتقاربُ اليوم، تحت ضغط الواقع وإكراهاته، أكثر من أي وقتٍ آخر. اجتمع الائتلافُ الوطني مع الفصائل مرات عدة، واتفقوا على لقاءات دورية ومزيد من التنسيق. وهناك إرهاصات لإعادة هيكلة الائتلاف نفسه في شكلٍ يجمعُ المزيد من أطياف المعارضة. والرسالة التي أرسلها مُعارضون إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة جاءت بتوقيع أسماء، بعضُها لم يكن يقبل مجرد الاجتماع مع الآخرين. وثمة حديثٌ متصاعد عن تشكيل رؤيةٍ سياسية موحّدة، يُشارك فيها خبراء ومثقفون وساسة لم يتفقوا من قبل على وثيقة.

لكن الملاحظَ، بغرابة، أن ثمة سلبيةً مُطلقةً بين السوريين اليوم في ما يتعلق بهذا الحراك. يسودُ هذا بين النُشطاء والمثقفين والكتاب والإعلاميين، وبين عامة السوريين، ممن لا يزالون يكتبون ويتحدّثون في ألف موضوعٍ وموضوعٍ آخر، وكأن ما يجري في أوساط المعارضة، في موضوع الوحدة تحديداً، يأتي في آخر جدول اهتماماتهم!

لا تَضارُب، في فكرٍ سياسي محترف، يحمل أيضاً روح الثورة، بين استثمار الواقع الراهن، والإقرار بكل ما حصل في المراحل السابقة من اختلافات، وخلافات، عميقة وجذرية بين «حاملي» لواء الثورة في كل مجال، شخصياً، ومصلحياً، ومبدئياً، وأيديولوجياً، وحزبياً، ومناطقياً. ولا مع إمكانية استمرارها في المستقبل.

لكن «كل» ما حصل لا يمثل «لعنةً» تاريخيةً نهائيةً أصابت سورية وشعبها وثورتها، كأنها قدرٌ لا فكاك من آثاره التدميرية، بالطريقة التي يفكر بها سوريون كُثُر. فتلك طريقةٌ في التفكير ليست، فقط، مدعاةً لليأس والإحباط والسلبية في أعلى درجاتها، وإنما هي أيضاً، مع الاعتذار، نوعٌ من التفكير الطفولي، لا يليق بشعبٍ بدأ ثورةً من أعظم ثورات التاريخ.

شعبُ سورية يعيش، في نهاية المطاف، «نصيبه» من قصة البشرية على هذه الأرض. بكل ما فيها من صراعٍ وطموحات وتضحيات وآلام عاشت المجتمعات مثلها، وستعيش، في يومٍ من الأيام.

وما يجري في أوساط المعارضة جيد، إذا كان السوريون واقعيين، وحاولوا فهم منطق التاريخ وآليات التطور الثقافي لدى الشعوب. من هنا، يمكن السوريين أن يلتقطوا خيط الأمل هذا، وينسجوا منه، تدريجياً، ثوب الوحدة. وسيكون بمثابة الانتحار أن يزهدوا بالممارسات السابق ذكرُها، ودلالاتها، مهما كانت ملاحظاتهم مشروعةً على المعارضة، ومهما كان عتبهم كبيراً عليها.

مجمل الكلام أعلاه يحمل مؤشرات ولادة ثقافةٍ سياسية جديدة يحتاجُ إليها السوريون، وثورتهم وبلادهم، اليـــــوم أكثر من أي وقتٍ آخر.

وثـــمة حـــاجةٌ كبيرةٌ الآن لتشكيل رأيٍ عامٍ سوريٍ ضاغط على المعارضة لتستمر في طريق وحــــدةٍ ستكون شرطاً لازماً، تُبنى عليه أي قرارات إقليمية توفر لهم الدعم الحقيقي. رأيٌ يكون رافداً وطنياً جامعاً لتلك الوحدة في أنظار العالم، وسابقةً لظهور روح «رقابةٍ» شعبية تكون، بـــدورها، ذُروةً لتلك الثقافة الجديدة.

بقراءةٍ ثقافية «أوسعَ صدراً»، ليس بعيداً أن تصبح هذه المعاني مجتمعةً، وما يتولد عنها من حراك عملي، العنصر الرئيس والأكثر تأثيراً في المعادلة المذكورة أعلاه في المقال، وأن تُثبت صدقية عنوانه العتيد.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

 

 

نوادر الإعلام الروسي/ باسل العودات

لم تكن مفاجئة طريقة تعامل الإعلام الروسي الرسمي وشبه الرسمي مع التدخل العسكري الروسي في سورية، فبلد تحكمه سلطة شمولية تَعتبر الإعلام ملكها ووسيلة للترويج لها، لا يمكن أن تقبل إعلاماً يُقدّم الحقيقة المجردة ويلتزم بشرف المهنة.

أثبتت وسائل الإعلام الروسية التي تنطق بالعربية، الرسمية منها وشبه الرسمية، خلال الأسابيع الأخيرة أنها أداة تنفيذية لما تأمر به السلطة السياسية، وأنها ليست إلا وسائل إعلام لسلطة شمولية ترى بعين واحدة وتتجاهل أخطاء النظام السياسي، وتُسوّق للسلطة السياسية بطريقة فجّة استعراضية لا تخلو من الكثير من المبالغات والأكاذيب، وتنسى أن مهمتها الأساسية (النظرية على الأقل) هي أن تكون وسيلة للتقارب بين الحضارات والشعوب.

تابع العربي عموماً والسوري خصوصاً الكم الهائل من الأخبار والتعليقات والبرامج التي بثتها وسائل الإعلام الروسية من أجل محاولة فهم الموقف الروسي من الأزمة السورية والأسباب الحقيقية وراء تدخل موسكو، لكنهم فوجئوا بحجم تبعية الإعلام الروسي للسلطة السياسية الروسية ومقدار التحيّز للنظام السوري.

يفقأ العين التحيز الفجّ لوسائل الإعلام هذه للنظام السوري، رغم كل (البراميل) التي ألقاها ويلقيها على شعب كان يوماً يتغنى بصداقته للشعب الروسي، كذلك تثير الانتباه التقارير والأخبار التي تبثها لتضخيم الآلة العسكرية الروسية بأي طريقة لترهيب المعارضة السورية (وغيرها)، حتى لو كانت كاريكاتيرية يخجل أن يصنعها محترفون، مثل تقارير عن “الصواريخ المفاجأة”، وأخرى عن “الأسلحة الروسية الخارقة”، و”السلاح الروسي السري الذي سيهزم العالم”، و”الجيش الروسي الذي لا يُقهر”، و”صدمة في العالم من الأسلحة الروسية”، و”الدبابة الروسية التي تهزم مائة دبابة أمريكية” وغيرها الكثير من (النوادر).

في السياق، لا يخفي الإعلام الروسي الجهود الاستثنائية التي يبذلها لتضخيم شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، (رامبو) الشرق و(هرقل) الجديد، الوسيم الخارق وبطل كمال الأجسام، الجامع لفكر وأخلاق تولستوي وفلسفة فرويد وحكمة لقمان، (زير) النساء ومحبوب المراهقات حول العالم، (آل باتشينو) موسكو ونجم نجوم رؤساء العالم.

بالمقابل، لم يعرف هذا الإعلام كيف (يُرقّع) أخطاء جيشه، ولا سبب سقوط صواريخه (الدقيقة جداً) في إيران بدلاً من سورية، ولم يُفسّر كيف استطاع الطيران الروسي تدمير 60% من مقدرات تنظيم الدولة الإسلامية خلال خمسة أيام وبثلاثين طلعة جوية فقط، فيما عرف جهابذته أن يُذكّروا بأن (الطقس مناسب) لقصف سورية، وأن (جحافل الإرهابيين) يفرون من سورية أفواجاً خوفاً من الدب الروسي، وأن روسيا قتلت مئات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في بلدات لم يطأها مقاتل من هذا التنظيم يوماً.

كل هذا التوصيف ليس تركيباً كاريكاتيرياً، وليس اتهاماً لهذا الإعلام بأنه أصبح إعلاماً (تشبيحياً) كما هو إعلام النظام السوري، ولا (تحاملاً) على موسكو التي (صمتت دهراً ونطقت كفراً)، بل هو حقيقة يمكن أن يجدها بسهولة من يبحث عن كل ما صدر عن هذا الإعلام خلال الأسابيع الماضية، حيث يتولد بسهولة للمتابع انطباع بأن القائمين على هذه المؤسسات من العرب والروس هم ممن احترفوا تحريف الحقائق لحساب أنظمة مهترئة ويحملون في عمقهم أمراضها.

يمكن الحديث دون حرج عمن يستضيفهم هذا الإعلام من خبراء سياسيين واستراتيجيين، يتحدثون عن كل شيء ويَفتون به، وهم في الحقيقة لا يملكون أساسيات الفكر التحليلي، ويجزمون بوحدانية آرائهم وصوابيتها، ماهرون بخلق كره بينهم وبين المتلقي وكأنهم يبحثون عمداً عن أي وسيلة لاستفزازه وإخراجه عن طوره.

لا يعرف السوريون من ورث عن من، هل النظام السوري ورث (التشبيح) الإعلامي عن النظام الروسي أم العكس، فكلا الإعلامين نتاج سلطة شمولية، ووسائل لتقييد الحريات ورفض الرأي الآخر، ومنابر لتلميع السلطان وحاشيته، ووسائل لمنع كشف الفساد السياسي والمالي والأخلاقي، وتوجههما الأجهزة الأمنية ومؤسسات الظل، في بلدين لا يعترفان بالحرية وحق التعبير، وكلاهما يتبعان نظرية (غوبلز) وزير الدعاية الألماني النازي التي تقول (إكذب، إكذب، حتى يصدقك الناس).

رغم أن زمن (غوبلز) ليس زماننا، وظروفه غير ظروفنا، إلا أن النظامين الروسي والسوري مازالا عالقين في ذلك الزمان لا يعرفان أن الدنيا أصبحت قرية صغيرة.

المدن

 

 

الدب الروسي في معرض الزجاج السوري/ سعيد لحدو

من المعلوم أن الدببة لا تتعاطى السياسة، وشهرة الروس في ألعاب السيرك وفنونها لم تكن يوماً انعكاساً لتجارب مدربيهم الفاشلين في ألعاب السياسة. لذا فإن استعارة القيصر بوتين ووزير خارجيته الأزلي لافروف لبعض بهلوانيات السيرك لاستخدامها في السياسة تعتبر قفزة خارج إجراءات الأمان التي تتخذ عادة في ألعاب السيرك.

الدب الروسي الذي سُحبَت قدمه إلى الشتاء السوري في غفلة منه، قد لاتطول به الأيام حتى يداهمه الإحساس بالغربة عن بيئته القطبية، بعد أن يصحو من غفلته تلك. ولقد قيل في المصطلح الشعبي السوري: (ياغافل إلك الله). لكن يبدو أن الله لم يعد يكترث لمن سكن أكثر من سبعة عقود في بيت الشيوعية الذي تداعى على ساكنيه بسبب التكاذب والنفاق والتعاظم المزيف، وما زالت أشباح ستالين وبريجنيف تداعب أحلام قياصرة روسيا الجدد ببناء أمجاد واهية على حساب دماء وحياة السوريين، ومستقبلهم.

إعادة الحياة لعظام ستالين أسهل ألف مرة من إعادة الروح لمصطلح استعماري قديم سئمه الناس وكرهوه، وكرهوا أكثر وأكثر مستخدميه، ابتداءاً بدعاوى الاستعمار القديم وليس انتهاءاً ببشار وحماته الطامعين بـ (الحج والناس راجعة).

حماية الأقليات، الذريعة الواهية التي عاد إليها القياصرة الجدد بعد استفاقة متأخرة، هي سبب معلن لجلب الدب الروسي للكرم السوري. لكن ذريعة حماية الأقليات تلك لم تعد شعاراً يستوجب سوى السخرية والاحتقار لمستخدميه، وبخاصة إذا علمنا مافعلته روسيا الأورثوذكسية عبر تاريخها لمسيحيي المنطقة، الأورثوذكس منهم بشكل خاص، وهم يشهدون المذابح والقتل والتهجير على حدودها، ولم تحرك ساكناً. لا بل دعمت وساعدت القتلة بكل ما استطاعت. ومذابح المسيحيين الأورثوذكس الأرمن والسريان الآشوريين واليونان قبل مائة عام على أراضي الامبراطورية العثمانية لا تغفلها عين الراصد. وما يزيد الجرح إيلاماً أن تبارك الكنيسة الأورثوذكسية الروسية اليوم جهود المافيا الروسية-الأسدية في القضاء على ماتبقى من أحلام للشعب السوري في الحياة.

لن يُحسَد السيد دي مستورا على الحال الذي وجد نفسه عليها، وهو يخطط ويضع الأطر لتجسيد آماله في الحل السوري البعيد، عندما داهمه الدب الروسي ليقطع عليه خلوته وهو يتأمل بكل دقة تفاصيل معرض الزجاج السوري الهش، ليتحطم كل شيء في لحظة غير محسوبة. وليدرك الجميع كم كان الروس جادون في بحثهم عن أرقام متسلسلة جديدة لمؤتمرات موسكو المتقادمة بفعل سياسة الدببة تلك. فهل علينا أن نتمعَّن بما خلفه الدب الروسي وراءه من خربطة أوراق كان الوضع السوري بغنى عنها في ظل التداخل والتعقيد والحساسية التي تميزت بها الحالة السورية أصلاً.

ليس بعيداً عن ملاعب الدب الروسي تلك، جرَّبت إيران العمامة تلو الأخرى من آياتها المعصومة علَّها تضفي شيئاً من القداسة على درر سياساتها البعيدة، لكنها لم تكن يوماً أبعد عن مكة مما هي عليه اليوم. فهل ستكون مخالب الدب الروسي أقدس من كل تلك العمامات لتقربها ولو قيد أنملة؟؟؟

ولعل القريب الأبعد هو هذا العجز العربي عن ،الفعل رغم القدرة، بإلقاء شبكة المصالح لتقييد الدب الروسي بها وإبعاده ولو إلى حين عن معرض الزجاج السوري القابل للكسر عند كل صدمة غير محسوبة.

يبقى الدور الأهم للمايسترو الذي أعطى الأدوار ووزع المهام مسبقاً، والذي بات همه الأكبر الآن السهر على حسن التزام كل لاعب بدوره المرسوم له غير مكترث بآلام الشعب السوري المتوجع حتى الموت في هذه التراجيديا الإنسانية.

أما الرابح الأوحد والذي لم يستثمر فلساً واحداً في كل هذا المهرجان المسرحي فهو كما هي الحال دائماً، دولة إسرائيل (الشقيقة)!!!

 

 

 

خطيئة بوتين/ د. رياض نعسان آغا

لن تغفر شعوب روسيا الاتحادية لبوتين خطيئته في احتلال سوريا حتى لو أيدته الكنيسة، ولن يقبل بذلك ملايين من المسلمين في الكومونولث الروسي، ولم يكن في سوريا أحد يعادي الروس، وبيننا وبينهم تاريخ صداقة عريقة، ولم يكن السوريون عشاقاً قط للولايات المتحدة، ولكنهم صاروا في حال الغريق الذي يتلمس قشة يمسك بها قبل الغرق.

وقد استجاب كثير من المعارضين لدعوات روسيا للبحث عن حل في مؤتمرات موسكو، ولكنهم لم يجدوا جدية روسية في دعم الشعب، فقد كانت روسيا تحاول اصطناع معارضة تدعو للنظام بأشد مما يدعو الموالون له، حتى بدا الأمر مدعاة سخرية.

وأما خطيئة بوتين في تدخله العسكري، فهي أنه أعلن عداءه للشعب السوري عامة، حين قال إنه يعتبر المعارضة المعتدلة إرهابية، بمعنى أنه سيقاتل كل من اعترض على الحل العسكري الذي انتهجه النظام في سوريا، وهو الحل الذي قاد البلاد إلى الدمار بدعم وتشجيع روسي إيراني، ولم يستطع النظام أن ينهي ثورة الشعب ولا أن يحقق انتصاراً، سوى أنه فقد سيادته وقراره، وبات الإيرانيون يفاوضون أهل الزبداني مثلاً في غياب كامل للنظام. ولم يستطع النظام أن يفيد من دعمه الخفي للتنظيمات المتطرفة التي منحته دليلاً على زعمه الأسبق بأنه يواجه إرهاباً، فقد وقف الشعب كله ضد هذا الإرهاب، وأصر على أنه يريد الحرية والكرامة فقط، ويريد بناء دولة مدنية ديمقراطية. وحين شعر الروس بأن النظام اهترأ وأن الإيرانيين صاروا حكام سوريا الفاعلين، سارع بوتين للتدخل العسكري، لكنه أخطأ حين تدخل معلناً أنه ضد مطالب الشعب. ولا يغيب عنا أنه قدم هذا الإعلان كي يحصل على شرعية التدخل في كونه يلبي دعوة النظام، ولو أنه كان ذكياً لفعل كما فعل الأميركان الذي تدخلوا دون شرعية وهم لم يقفوا مع الشعب، لكنهم لم يتورطوا بالقول إنهم قادمون لدعمه، مع أنهم في العمق لم يهاجموه إلا بالتصريحات التي صار الشعب السوري يسخر منها ويتهكم.

ولو أن بوتين قال، إنه قادم ليحارب «داعش» فقط فربما كان السوريون لن يسموا تدخله احتلالاً، مع أنهم يكرهون كل تدخل خارجي، وهم يعرفون أن «داعش» وسواها من التنظيمات المتطرفة تستمد بقاءها من بقاء النظام، وحين ينتهي لن يبقى أحد مع المتطرفين؛ لأن غالبية من التحقوا بهم هم من الشباب الباحث عن لقمة عيش أو عن جدار يستندون إليه. أما الفكر الديني المتطرف، فهو عند الأغلبية مجرد ستار يختبئون خلفه، أو ردة فعل على تطرف أشد ستنتهي حين ينتهي التطرف المقابل.

وقد بدا أن العالم يريد إبقاء مؤسسة النظام خوفاً من انهيار شامل، ويعلن حرصه على مؤسسات الدولة، وشعبنا أشد حرصاً على مؤسساته؛ لأنه هو الذي بناها، وأعتقد أن غالبية المعارضين متفقون على أن السبيل إلى حل سلمي ينهي هذه المأساة هو في بداية حكم انتقالي لا يكون لأحد من المجرمين والقتلة دور فيه، ويجب أن تبدأ هذه المرحلة التمهيدية بتشكيل مجلس عسكري يقوم بإعادة هيكلة الجيش النظامي وقوى الأمن والجيش الحر، ونحن نحرص على أن يعود الجيش وطنياً يدافع عن سوريا وليس عن أشخاص. وكذلك نحرص على أجهزة الأمن التي ينبغي أن تكون مدافعة عن أمن المواطن وليس مهددة لأمنه، ولن تنجح أية مساعٍ تريد فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية. ومهما ازداد العنف ضد الشعب، فإن الموت واحد، وقد اعتاده شعبنا ولم يعد مرعباً له منذ أن أعلن أنه يفضل الموت على المذلة. وربما سيفيد الشعب السوري من الاحتلال الروسي بأن يتوحد في مقاومته للاحتلال، وأن يتحرك أصدقاء سوريا الذين لن يغيب عنهم أن بوتين يحقق حضور روسيا في المنطقة على حساب غيابهم، وندعو الله أن نرى نتائج إيجابية في الأيام القادمة بعد سلسلة اللقاءات العربية الروسية، وبخاصة مباحثات قادة السعودية والإمارات مع بوتين، ونحن واثقون من أنهم عبروا عما في وجدان الشعب السوري، وأنهم يحرصون على تلبية مطالب شعبنا في إيجاد حل نهائي يضمن وحدة سوريا، وانتصار شعبها، وبناء دولة مدنية ديمقراطية ينتهي فيها الاستبداد الذي قاد إلى هذا الدمار.

الاتحاد

 

 

 

سيّد واحد للكرملين إنّما بسياستين مسيحيّة وإسلاميّة/ حسان القالش

باحتلال روسيا سورية تتأكّد عودة «المسألة الشرقية» مجدّداً. فبينما تعزّز إيران وجودها العسكري هناك حماية لمشروعها المذهبي، تصرّ تركيا على أخذ ما تعتبره الحدّ الأدنى من حصّتها الكامنة في عمق الشّمال السّوري كخطوة باتّجاه طموحها لإحياء عثمانيّة جديدة تستعيد زعامة الإسلام السنيّ.

أما المشروع الروسيّ فيبدو أكثر تعقيداً، إذ يحاول بوتين ومُنظّروه المزجَ بين سياستين متناقضتين اعتمدتهما روسيا قبل الثورة البلشفيّة وبعدها، تقوم إحداهما على تعزيز الشعور القوميّ وشدّ العصَب الأورثوذكسي المترافق مع العداء للإسلام، بينما تميل الثانية إلى استيعاب نسبيّ للإسلام.

هكذا، يتوجّه الرّوس إلى المشرق، بسياسة ذات وجهَين، ساعين إلى تحقيق غايتين رئيسيّتين تتفرّع عنهما مكاسب كثيرة، تتمثّل أولاهما باستعادة الكنيسة المشرقيّة، ما يشكّل انتصاراً معنويّاً وقوميّاً. وهذا ما يفسّر تديين التدخّل في سورية، وحملة البروباغندا المرافقة له، فضلاً عن دعوات التطوّع للقتال هناك التي ظهرت في مواقع الإنترنت الروسيّة والهادفة إلى تشكيل ميليشيات سيكون طابعها الدينيّ أوضح ممّا كانته في شرق أوكرانيا، وستبدو أشبه بالميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية. بينما تتمثّل الثانية في تعميم نموذج العلاقة الروسية – الشيشانيّة الراهنة في ما يتعلّق بضبط الإسلام واستخدامه في ما يخدم مصالحها فقط، وهنا تحديداً تكمن ملامح سياسة بوتين الإسلاميّة.

وبعيداً من استحالة تطبيق هذه السياسة، لا شكّ في أنّها ستصطدم بالمشروعَين الآخرَين. فإذا صحّ أنّ روسيا ستعمّق حلفها مع إيران، ما يسمح بتوسيع عملياتها العسكريّة لتشمل العراق، فهذا ما لا يمكن أن تقبل به غالبية مسلمي روسيا والقوقاز التي ستعتبر الأمر نوعاً من الاستفزاز والتهديد لهويّتها الدينيّة. ذاك أنّ الإسلام السنّي، الصّوفي تحديداً، يشكّل منذ أواسط القرن التاسع عشر ملمَحاً أساسيّاً من ملامح الانتماء الوطني لمسلمي القوقاز، فضلاً عن الحجم الكبير الذي بات يحتله الإسلام السلفي منذ الحرب الشيشانية الأولى في 1994، وهذا عدا ارتباطه الروحي بالمشرق.

ومن جهة أخرى، سيكون الاصطدام مع الأتراك أكثر تعقيداً نظراً إلى تعقيد العلاقة نفسها. ذاك أنّ تركيا الحالية، التي استبدلت طموحها الأوروبيّ بحلمها العثماني، لن ترضى بأن تفرض روسيا رؤيتها الإسلاميّة على منطقة تعتبرها إرثها التاريخي ومجالها الحيويّ الواعد المرشّح للتوسّع في هذه الحالة، ما يعني تفعيل تركيا علاقاتها التاريخيّة بمسلمي القوقاز والبلقان، وقدرتها على كسبهم، بخاصّة أنّ روسيا لم تقدّر تهاون تركيا في مسألة ضمّها إلى شبه جزيرة القرم كنوع من تسوية تاريخيّة وسياسيّة غير معلنة ترسم حدود طموح كل منهما.

بهذا، ستغرق سورية أكثر في دماء المشرق وتضيع بين أرجُل المتصارعين على تركة «الرجل المريض».

* كاتب وصحافي سوري

الحياة

 

 

 

 

سورية والحرب المقدسة/ فاطمة ياسين

على الأرض، سمعنا، أخيراً، عن انتصارات ميدانية للثوار في شمال حماة، وبضعة أجزاء من حلب. ومع إضافة أخبار سقوط طائرات روسية وخسائر من الدبابات، يحق لنا، بوصفنا متابعين للأحداث، أن نبدي مفاجأة من هذا الواقع الميداني، وأن نتخيل أن شيئاً ما يحدث خلف الستار، لن تجري بموجبه الرياح كما يشتهي الروس، أو على الأقل كما يخططون.

مجدداً صار للحرب السورية في الإعلام، وعلى شاشات الفضائيات، شكل إيجابي من معارضي النظام، بعد التدخل الروسي الفج، لكن الخطاب انتقل من الدفاع عن ثورة شعبية تريد أن تنتزع حرية أبنائها من دكتاتور مستبد إلى الدفاع عن حق طبيعي لشعبٍ يقاتل قوة احتلال لبلده، مدعومة من رئيس عميل لها في الداخل، خصوصاً إذا أضفنا إلى هذا التدخل التصريحات الروسية عن الحرب المقدسة في سورية، فيما يشبه ما اعتاد العالم سماعه من زعماء دولة تنوي احتلال دول أخرى، أو خوض حرب ضدها.

لن نذكّر بمحاضرات النظام عن مساوئ التدخل الخارجي، ولا بقراءات سفير النظام السوري في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، عن مخاطر دخول الغرباء إلى “بلاده”، لأن الجميع كانوا يعلمون أن الإيرانيين والمليشيا اللبنانية يحاربون على الأرض، منذ وقت طويل، لكن الحديث، هنا، عن روسيا وتصريحات زعمائها، التي لا تكل ولا تمل عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وعن انحيازهم، أي الزعماء الروس، المستدام لإرادة الشعب السوري، وحقه في اختيار رئيسه من دون تدخل من أحد.. وهنا، نستطيع التصفيق لصواريخ التاو التي تقصف خطاباتهم المزيفة، كما دباباتهم الثقيلة، من دون أن يحق لأحد الغمز واللمز عن المصدر المشبوه لهذه الصواريخ، بعد أن أصبح اللعب على المكشوف.

مرّ النظام ومعارضوه بمد وجزر أخلاقيين، خصوصاً فيما يتعلق بموضوع التدخل الخارجي. وعلى الرغم من اعترافنا جميعاً بقدسية فعل الثورة، فإننا لا ننكر أن الثوار، ومَن قاتل في صفهم، أو إلى جانبهم، ارتكبوا موبقاتٍ كثيرة، أضيفت إليها تلفيقات وإشاعات عن ممارسات ألصقت بهم، بقصد الإساءة، استساغ العالمُ تصديقها. لكن، بقي طلب بعضهم التدخل الخارجي عنواناً مهماً ساعد النظام على رسم صورة عن الثورة، وكأنها تمرد بضع موتورين، يعملون لصالح الخارج، أو بدعم منه، لتحقيق أهداف شخصية أو طائفية عن طريق قلب الحكم الممانع والمقاوم في سورية. واستُثمر وجود هذه القوى الظلامية التي تقاتل باسم الدين الإسلامي بشكل واسع في إعلام النظام، على أنه الشكل الوحيد المتوفر للمعارضة، ووصل الأمر إلى حد تنبيه الغرب وإسرائيل من خطورة هؤلاء الإسلاميين، في لعب مكشوف على مخاوف هذا الغرب من كل من يقول “لا إله إلا الله”، خصوصاً بعد أن تخلى لهم النظام عن مناطق حدودية واسعة مع تركيا والعراق، من دون قتال يذكر.. لتأتي روسيا فيما بعد، وتحارب هذا الشر المستطير، وتنقذ الغرب الخائف والنظام المهزوم في دمشق من الأخطار المحدقة به وبالعالم.

لكن، لا بد من أن يتنبه الروس، ويعودوا قليلاً بالذاكرة إلى السنوات الأخيرة من ثمانينيات القرن الماضي، أيام الانسحاب المذل من أفغانستان، ويتذكّروا أن هذا العالم ليس بالسذاجة التي يتوقعها ورثة الاتحاد السوفييتي، فما زالت عقول عسكرية خبيرة تستطيع أن تكشف، بسهولة، عن أن الروس عدو يحاول التمدد على حساب غيره، في هذه البقعة وبقاع أخرى من الكرة الأرضية. وهذا، بالتأكيد، ما جعلنا نرى أسلحة متطورة تسجل انتصارات مهمة على الأرض، ضد مدرعات روسيا الاتحادية وطائراتها الحديثة، انتصارات سبقت، وستلي، تصريحات وزير الدفاع الأميركي عن تزويد المعارضة بالأسلحة!.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

التدخل الروسي في سوريا يقود المسيحيين إلى المقصلة/ باسل العودات

إن لم تضع روسيا حدّا لتدخلها الفوضوي المنحاز بعبثية للدكتاتورية فإنها لا شك ستقود المنطقة برمتها إلى حروب مذهبية دميمة بلا نهاية

كما توقع الكثير من المراقبين، لم تتأخر كثيرا عواقب التدخل العسكري الروسي في سوريا تحت شعار “محاربة الإرهاب” ومباركة هذا التدخل من قبل بطريرك الكنيسة الروسية ووصفه لهذا التدخل بـ”المعركة المقدسة” على المسيحيين السوريين. وكرد مباشر وسريع على المزاعم الروسية والتصريحات غير المسؤولة لبطريرك روسيا التي تتنافى مع جوهر العقيدة المسيحية الرافضة للقتل والحروب المقدسة، أعدم مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية ثلاثة مخطوفين آشوريين لدى التنظيم الإرهابي من أصل نحو 200 آشوري مازالوا في معتقلات تنظيم داعش بعد أن اختطفهم من القرى الآشورية على نهر الخابور في محافظة الحسكة عندما غزاها في فبراير الماضي.

عرض التنظيم مقطع فيديو يظهر فيه قيام مقاتلين مُلثّمين بإطلاق الرصاص على رؤوس ثلاثة شبان آشوريين مخطوفين لديه (عبد المسيح نويا وآشـور إبراهام وبسام ميشائيل)، كما ظهر ثلاثة آخرون يرتدون الزي البرتقالي المعد لتنفيذ الإعدامات عند تنظيم داعش ليوجهوا نداء استغاثة لإنقاذهم قبل فوات الأوان، ما يعني أن مصيرهم في خطر وينتظرون اقتيادهم إلى مقصلة التنظيم، ورجّح المرصد الآشوري لحقوق الإنسان أن يكون الإعدام قد تمّ تنفيذه خلال فترة عيد الأضحى الماضي.

دماء وأرواح مسيحية بريئة وقعت ضحية وثمن المزاعم الروسية حول تدخلهم في الحرب السورية لأجل حماية مسيحيي سوريا والمنطقة من إرهاب التنظيمات الإسلامية، وهذه الجريمة قوبلت بإدانات واسعة من قبل مختلف الأوساط الآشورية (سريانية/ كلدانية) والمسيحية، وكذلك لدى أوساط واسعة من المسلمين، كذلك زادت من الاستياء المسيحي على التدخل الروسي في الحرب السورية وعلى تصريحات بطريرك روسيا العبثية.

الناشط السياسي السوري سليمان يوسف الباحث في قضايا الأقليات، رأى في تصريح لـ”العرب” أن جميع أطراف وقوى الصراع في سوريا (المحلية والإقليمية والدولية) تتحمل بشكل أو بآخر مسؤولية خطف المسيحيين والمصير الدموي الذي وصلوا إليه، فالجميع برأيه “تخلوا عن آشوريي سوريا ولم يُحرّكوا ساكنا من أجل إطلاق سراح مختطفيهم الذين أصبحوا بالمئات في الحسكة والقريتين، وهذا لا يعني تبرير جرائم تنظيم الدولة الإسلامية بحق المسيحيين والمسلمين على حد سواء، سوريا كان أم عراقيا”.

وحمّل مسؤولية إضافية للمؤسسات والهيئات والمنظمات والأحزاب المسيحية (الآشورية والسريانية وغيرها) في سوريا ودول الشتات لأنها “لم تقم بواجبها كما يجب تجاه قضية المخطوفين، ولم تتحرك من أجل الإفراج عنهم، إن كان على الصعيد الدبلوماسي وحث قوى الصراع والقوى الدولية النافذة على التحرك للإفراج عنهم، أم على صعيد جمع المال اللازم دفعه كفدية لقاء الإفراج عنهم إذا ما كان هذا هو شرط الإفراج عنهم رغم شكوكي الشخصية بهذا الأمر”.

إلى ذلك قالت مصادر آشورية سورية من مدينة الحسكة لـ”العرب” إن تنظيم الدولة الإسلامية طلب فدية 10 مليون دولار مقابل إطلاق سراح المختطفين الآشوريين من قرى الخابور شمال سوريا، وأشارت إلى أن الكنيسة المحلية لم تستطع جمع المبلغ، فيما رفض كثيرون المساهمة بدفع الفدية خوفا من أن تصبح قاعدة وتساهم في زيادة عدد المختطفين المسيحيين في سوريا.

ويرى بعض المسيحيين السوريين أن إفراج داعش عن 21 رهينة آشورية بعد أسابيع قليلة من اختطافهم وإفراجه عن بعض المسنين دون مقابل، كانت رسالة إيجابية من التنظيم للآشوريين لكن المؤسسات والكنائس والأحزاب الآشورية لم تتلق الرسالة وراهنت فقط على عامل الزمن وتركت مصير المخطوفين للمجهول.

جميل ديار بكرلي، مدير المرصد الآشوري لحقوق الإنسان، قال لـ”العرب”: هذه الجريمة الأولى من نوعها بحق مختطفين مسيحيين في سوريا لدى تنظيم الدولة الإسلامية، ويجب أن لا ننسى أن لدى داعش بالإضافة إلى 185 مختطفا آشوريا مسيحيا من محافظة الحسكة، أكثر من مئة أسرة مسيحية مختطفة من بلدة القريتين المتاخمة للبادية السورية والتابعة لمحافظة حمص اختطفهم بعد سيطرته على البلدة في أغسطس الماضي. ويبقى لتنظيم الدولة الإسلامية حساباته السياسية وغير السياسية في طريقة تعاطيه مع المخطوفين لديه، لكن المؤكد أن فرص الإفراج عن المختطفين المسيحيين كان من الممكن أن تكون أكبر قبل التدخل الروسي في الحرب السورية وقبل التصريحات التي أطلقها بطريرك روسيا.

بعد التدخل الروسي وتداعياته من المؤكد أن قضية المخطوفين الآشوريين على يد داعش باتت أكثر تعقيدا وتشابكا مع الأزمة السورية، ويطالب السوريون الكنيسة الروسية بسحب تصريحات البطريرك وأن يُقدّم اعتذاره للسوريين، مسلمين ومسيحيين، وهو ما طالب به سليمان يوسف أيضا حيث قال “نطالب من بطريرك روسيا سحب تصريحاته والاعتذار عمّا قاله لأجل تسهيل عملية الإفراج عن الآشوريين المخطوفين لدى تنظيم الدولة، ورغم عدم معرفتنا إن كان التنظيم يقبل الوساطات أو الفدى المالية للإفراج عن المخطوفين، لكن ما نخشاه بعد بدء الهجمات الروسية أن يستخدم التنظيم المخطوفين كدروع بشرية يحتمي بهم من الضربات الروسية”.

التدخل الروسي العسكري و(الديني) في سوريا بدأ يجر الويلات على أكثر من صعيد، وأول الغيث قطرة، وإن لم تضع روسيا حدّا لتدخلها الفوضوي المنحاز بعبثية للدكتاتورية فإنها لا شك ستقود المنطقة برمتها إلى حروب مذهبية دميمة بلا نهاية.

العرب

 

 

 

روسيا المخادعة والمستنقع السوري/ حواس محمود ()

تحاول روسيا تغطية تدخلها العدواني السافر في سورية بأساليب استعمارية مخادعة، ولعل افضل مثال على ذلك افتتاح اكبر مسجد بموسكو، والذي تمت تسميته بمسجد موسكو؛ وتمت دعوة قادة عدة دول اسلامية وعربية منهم محمود عباس الرئيس الفلسطيني ورجب طيب إردوغان الرئيس التركي.

روسيا صاحبة مهلة الـ15 عشر يوماً للرئيس السوري لتنفيذ اصلاحات في بدء الثورة السورية ضد نظام بشار الاسد ومن ثم العودة عنها سريعاً، روسيا صاحبة الفيتوات الثلاثة ضد ارادة الشعب السوري عندما كانت الثورة السورية سلمية مئة بالمئة باعتراف رأس النظام المجرم بشار الاسد، روسيا مهندسة الصفقة الكيماوية لتسليم وتدمير السلاح الكيماوي السوري من قبل النظام السوري بعد ان ضرب الشعب السوري بها وضرب عرض الحائط بكل الكلام الفارغ الذي كان ينافق به أوباما على الشعب السوري والعالم من أن استعمال السلاح الكيماوي في سورية خط أحمر، روسيا التي قدمت السلاح المتطور من طائرات وصواريخ وبراميل جهنم المتفجرة للنظام لاستعماله ضد اطفال ونساء سوريا، روسيا التي تتلعثم وتخجل ولا تعترف بفشلها في سورية تقوم بادخال قواتها وجنودها الى الارض السورية وبخاصة مناطق الساحل، ولكنها تدعي انها تدافع عن الشعب السوري وتحارب داعش لأن داعش ارهابية ولكن ألا تشكل روسيا داعمة للارهاب الحكومي السوري الذي يحرق الاخضر واليابس، تدخل روسيا المستنقع السوري بكل قوتها وجبروتها، وهي تعلن الحرب على الشعب السوري، وتبدأ بقصف القوات المعارضة للنظام، وهذا اتضح جلياً مع بداية عملياتها العسكرية في سورية، وذلك في ظروف وأجواء دولية غامضة، اذ ان الموقف الأميركي غامض ومتناقض وغير حاسم تجاه هذا التدخل الروسي في سورية، كما أن التدخل يجري في ظل مشاورات روسية اسرائيلية وأميركية تشي بتحولات خطيرة جداً في سوريا ودول المنطقة.

إذ بات التقسيم مسألة أمر واقع، بقيام الروس بحماية النظام في مناطق تواجده أو ما يسمى بـ«سورية المفيدة« وهذا يشكل خطراً كبيراً داهماً، ويكشف الاطماع الاستعمارية الروسية في المنطقة، وكأن روسيا تنتقم لعدم تدخلها بليبيا وذلك على حساب الشعب السوري الذي تجمع العالم كله لمحاربته اينما كان وحيثما وجد.

ان ما يجري تعميم لنموذج الاقليات وفرضه على الأكثريات وهذا بحد ذاته لعب بالديموغرافية بالمنطقة العربية ويستتبع نتائج عمودية بالغة الحساسية والخطورة.

ومما يؤسف له حقاً ان الموقف العربي باهت وهش وخجول جداً، اذ كيف يقبل العرب انتهاك سيادة الشعب السوري والأرض السورية وهم يتفرجون؟! لا قمة طارئة للجامعة العربية تنعقد لتعلن رفضها للتدخل الروسي، ولا مظاهرات تنطلق بالشوارع العربية لتعلن التنديد بهذا التدخل العدواني السافر على الشعب السوري، ولا حتى الفعاليات العربية هي ليست بمستوى ما يحدث بالأرض السورية.

لم ينفع روسيا اختفاءها وراء بوابة الامم المتحدة والشرعية الدولية طيلة اربع سنوات ونصف اذ ان بنادق الثوار وآهات الاطفال قد اوصلتها الى ان تمرغ انفها في المستنقع السوري لتخرج أخيراً منه – وهذه حتمية تاريخية لا مناص منها – ملطخة بأوحالها الكبيرة جداً.

لتعلم روسيا جيداً ان «دخول الحمام ليس كالخروج منه«، كما يقول المثل الشامي، لذا عليها الاستعداد لصراع عنيف وطويل مهلك للقوات الروسية، ففي حياة الشعوب والحضارات وفي مسارات التاريخ لم ينتصر الاستعمار السافر على أي شعب من شعوب العالم.

كما أن ادعاء الروس انهم سيحاربون الارهاب ما هو إلا كذبة كبرى، لأن التدخل نفسه يشجع الارهاب ناهيك عن قيامها بقصف قوات المعارضة المعتدلة ولا يمكن حجب الشمس بغربال كما يقولون، ولن تتوقف آلة الارهاب طالما ان مسببه هو بشار الاسد ونظامه وطالما ان الروس قد ربطوا مصيرهم كدولة كبرى معه فإن الخسارة للاثنين قادمة ومبشرة.

() كاتب من سوريا

المستقبل

 

 

 

 

+++++++++++++++++++++++

 

 

 

مقالات لكتاب عرب وأجانب

 

 

 

 

الحرب الروسية في سوريا: الأسباب والمآلات

ملخص

ليس ثمة شك في أن موسكو حققت نصرًا تكتيكيًّا في انخراطها المباشر والمفاجيء في سوريا، ولكن من المبكر، والمبكر جدًّا، الحكم على مآلات هذه الخطوة الروسية وأثرها على الأزمة السورية وعلى موقع روسيا ودورها في العالم.

تضافرت جملة من الدوافع، الاسترتيجية والآنية، على السواء، في جعل الانخراط الروسي المتزايد في الأزمة السورية أوسع بكثير من هدف محاربة تنظيم الدولة، الذي رفعته موسكو عنوانًا رئيسًا لعملياتها في سوريا عند انطلاق هذه العمليات.

مقدمة

بعد عدة أسابيع من بدء عملية نقل هادئة وبطيئة للعتاد والجنود إلى قاعدة حميميم السورية في منطقة اللاذقية، بدأت الطائرات الحربية الروسية في 30 سبتمبر/أيلول غاراتها في شمال وشمال البلاد الغربي. تقارير صحفية واستخباراتية، إضافة إلى شهود عيان، أكَّدت أن أغلب هذه الغارات استهدف مواقع المعارضة السورية المسلحة، وليس تنظيم الدولة الإسلامية كما أعلنت موسكو. ولم تستبعد مصادر روسية انخراط متطوعين روس، سيما أولئك الذين قاتلوا في شرق أوكرانيا، في القتال إلى جانب قوات النظام السوري.

بالرغم من أن روسيا ظلَّت منذ اندلاع الثورة السورية في 2011 المصدر الرئيس لتسليح نظام بشار الأسد، وأن خبراء روسيين تواجدوا طوال الوقت في سوريا، فليس ثمة شك في أن انخراط روسيا المباشر في القتال، حتى إن ظل على مستوى سلاح الجو، يعتبر تصعيدًا نوعيًّا في التدخل الروسي في الأزمة السورية. وقد أثار هذا التصعيد ردود فعل واسعة النطاق، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. فلماذا اتخذت موسكو هذه الخطوة؟ وما هي الاحتمالات التي تواجه مثل هذا التدخل، والمخاطر التي قد يتركها على دائرة الصراع المحتدم على سوريا؟ ما هي الآليات التي تمتلكها الأطراف الإقليمية والدولية المختلفة، المؤيِّدة للثورة السورية، للرد على الخطوة الروسية؟ وإلى أي حدٍّ يمكن للتدخل الروسي المباشر في الأزمة السورية التأثير على ميزان القوى بين النظام ومعارضيه؟

الدوافع الروسية

يجب عدم النظر إلى هذا التصعيد في الانخراط الروسي في الأزمة السورية باعتباره خطوة متعجلة وغير مفكَّر فيها. هذا قرار دُرِس بعناية في موسكو، وربما بدأ العمل عليه منذ مايو/أيار الماضي على الأقل، وبالتفاهم مع إيران، الحليف الرئيس الآخر لنظام بشار الأسد. ولذا، فلابد أن يُنظر إلى الدوافع الروسية خلف هذه الخطوة من زاويتين، زاوية تفصيلية، تتعلق بتطورات الصراع على سوريا، وزاوية استراتيجية تتعلق بتصور روسيا لدورها وموقعها في الساحة الدولية.

من جهة الدوافع التفصيلية لمجريات الصراع، اتخذت موسكو قرار الانخراط المباشر في سوريا مدفوعة بلا شك بالانهيارات المتسارعة في الوضع العسكري لنظام الأسد، التي أصبحت أكثر وضوحًا منذ بداية هذا العام (2015). فرض الثوار السوريون تراجعات ملموسة على النظام في الجبهتين الجنوبية والشمالية على السواء، بينما استمرت تراجعات القوات السورية أمام تنظيم الدولة الإسلامية في شرق البلاد. أصبح الثوار في الجنوب على حدود محافظة السويداء المضطربة، بينما دخلت مجموعات مسلحة من الثوار بالفعل إلى مشارف ريف اللاذقية في الشمال، بعد أن حرَّرت كل محافظة إدلب وجزءًا كبيرًا من محافظة حلب، وأحرزت تقدمًا ملموسًا في ريفي حمص وحماة. وبدا واضحًا، بالرغم من الدعم البشري الذي يوفره حزب الله وميليشيات شيعية أخرى، والمساندة العسكرية النوعية التي يقدمها مستشارون عسكريون إيرانيون، أن النظام لم يعد قادرًا على الحفاظ على خطوط دفاعه، وأن كلًّا من محيط دمشق الريفي وشمال المنطقة العلوية الساحلية بات مهددًا.

مشكلة النظام العسكرية الرئيسية على الأرجح لا تتعلق بالمعدات والذخائر، بل بعجزه المتزايد عن توفير العنصر البشري المدرَّب جيدًا لرفد قواته المسلحة، المنهكة والمتآكلة. كما أن الخبرات القتالية المتراكمة لمجموعات الثوار السوريين والدعم التسليحي الجيد نسبيًّا، الذي وصلهم خلال هذا العام، جعلها أكثر قدرة على مواجهة تفوق النظام المطلق في الجو، بحيث انحصرت نتائج هذا التفوق في المجازر التي تُوقِعها طائرات النظام في صفوف المدنيين أكثر من أثرها الفعَّال في جبهات القتال.

بيد أن التدخل الروسي لم يأتِ لمجرد انقاذ النظام من التراجعات المستمرة والمخاطر التي باتت تهدد وجوده وحسب، بل ضمن إطار وحسابات استراتيجية روسية أوسع أيضًا. فمنذ الأزمة الجورجية في 2008، على الأقل، وبعد أن استطاع بوتين إعادة التماسك السياسي والاقتصادي للدولة الروسية، اعتبرت موسكو أن من حقها أن تكون شريكًا، ولو ثانيًا، في القرار الدولي. في المقابل، لم تقم الولايات المتحدة، لا في سنوات إدارة بوش الابن الأخيرة، ولا طوال السنوات السبع الماضية من إدارة أوباما، بالاعتراف لروسيا بمثل هذا الدور. وسواء فيما يتعلق بنشر الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ في أوروبا، أو في الأزمة الأوكرانية، بدا أن الغرب يزحف بلا هوادة إلى الحدود الروسية، بدون اكتراث يُذكر باحتجاجات موسكو. وما إن أقدمت روسيا على ضم القرم وتشجيع المقاطعات الأوكرانية الشرقية على التمرد، بعد الإطاحة بالنظام الموالي لروسيا في كييف، حتى فرضت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية عقوبات اقتصادية ومالية على روسيا كأنها ليست أكثر من دولة مارقة على النظام الدولي. ولا يخفى أن العقوبات الغربية، التي جاءت في فترة تراجع حادٍّ في أسعار النفط، تركت أثرًا بالغًا على الاقتصاد والمالية العامة الروسية.

بهذا المعنى وفَّرت الأزمة السورية فرصة لتوكيد دور روسيا على المستوى الدولي، في مواجهة تجاهل واستخفاف غربيين، وردًّا على ما تراه موسكو حصارًا غربيًّا استراتيجيًّا واقتصاديًّا. وحتى من الناحية الاستراتيجية المجردة، وبغضِّ النظر عن العلاقات الروسية-الغربية المتوترة، تحتفظ موسكو بقاعدة بحرية عسكرية في طرطوس، هي القاعدة الوحيدة للروس في حوض المتوسط، ومركز تنصت تجسسي رئيسي في جبال اللاذقية، هو الوحيد في الشرق الأوسط. وتعتقد موسكو أن انهيار النظام في دمشق، أو الإطاحة به في صفقة سياسية لا دور لروسيا فيها، سيؤدي بالضرورة إلى خسارة قاعدة طرطوس البحرية ومركز التنصت في اللاذقية.

إضافة إلى ذلك، تنظر موسكو إلى سوريا ضمن إطار أوسع من الصراع الأيديولوجي على مستقبل العالم. وربما توفر الكلمة التي ألقاها بوتين في الجمعية العامة يوم 28 سبتمبر/أيلول 2015 نافذة على وجهة النظر الروسية هذه. في كلمته، وجَّه بوتين نقدًا حادًّا ولاذعًا للولايات المتحدة، والقوى الغربية بصورة عامة، لإصرارها على نشر نموذجها الديمقراطي عبر العالم، وما تسبب به هذا التوجه الغربي من عدم استقرار وتصاعد للإرهاب، مشيرًا بصورة خاصة إلى العراق وليبيا، ومستبطنًا بلا شك أوكرانيا. ولم يتردد بوتين في تشبيه هذا التوجه بالسياسات الأيديولوجية العقيمة التي اتبعها الاتحاد السوفيتي. يؤمن بوتين، كما ظهر واضحًا في روسيا ذاتها منذ تولَّى قيادتها، إيمانًا مطلقًا بأن الاستقرار والأمن يرتبطان بقوة الدولة وبقائها، وأن الإطاحة بالدولة، مهما كانت النوايا خيِّرة، لن تؤدي إلا إلى فقدان الاستقرار والفوضى وسفك الدماء.

وبعد أن فرض الغرب على روسيا تراجعات كبرى في هذا المجال، منذ انهيار الكتلة الشرقية إلى انهيار النظام الموالي لموسكو في أوكرانيا، يجد بوتين في الأزمة السورية فرصة للوقوف أمام الاندفاعة الغربية الديمقراطية. ولا يتعلق قلق روسيا اليوم بمستقبل سوريا وحسب، بل وأن تستمر الاندفاعة الغربية الديمقراطية بلا رادع نحو وسط آسيا، التي لا تقل ديكتاتورياتها عن نظام الأسد.

طبيعة التصعيد الروسي وأهدافه

جملة هذه الدوافع، الاسترتيجية والآنية، على السواء، هي ما يجعل الانخراط الروسي المتزايد في الأزمة السورية أوسع بكثير من هدف محاربة تنظيم الدولة، الذي رفعته موسكو عنوانًا رئيسًا لعملياتها في سوريا عند انطلاق هذه العمليات.

خلال الأسبوع الأول من العمليات، ارتفع معدل الغارات الروسية من حوالي العشرين إلى أكثر من ستين غارة جوية في اليوم، تركزت أغلبيتها العظمى على مواقع الثوار السوريين من كافة المجموعات، في مناطق ريف اللاذقية وحماة وحمص وحلب، ومدينة حلب ذاتها. وربما لم تزد الغارات على مواقع تنظيم الدولة على 5 بالمئة فقط من مجموع الغارات الجوية. مثل هذا المعدل للغارات لا يمكن استمراره بدون توفر أقل من ثمانين طائرة؛ بل إن هناك تقارير تُقدِّر عدد الطائرات الروسية في قاعدة اللاذقية بأكثر من هذا، بما في ذلك طائرات سوخوي وميغ حديثة، لم تبعها روسيا بعدُ لأية دولة أخرى. كما نقل الروس إلى قاعدة اللاذقية وجوارها عشرات من الدبابات الحديثة، بما في ذلك ت 90، الأحدث في الترسانة المدرعة الروسية. ولكن الأهم، أن التواجد الروسي يضم أيضًا بطاريات مضادة للطائرات، وطائرات اعتراضية. وبالنظر إلى أن الثوار السوريين لا يتمتعون بأي تواجد جوي، فالواضح أن الهدف من مضادات الطائرات والطائرات الاعتراضية ردع القوى الإقليمية والدولية المؤيدة للثوار السوريين.

أكَّد المسؤولون الروس، كما تضمن قرار البرلمان الروسي الذي وفَّر الغطاء التشريعي للعمليات في سوريا، على أن التدخل الروسي العسكري سيقتصر على سلاح الجو ولا يتضمن دعمًا بريًّا لقوات النظام. وكانت النيويورك تايمز نشرت في 6 أكتوبر/تشرين الأول، تصريحًا لرئيس لجنة القوات المسلحة في البرلمان الروسي، لم يستبعد فيه وفود متطوعين روس على سوريا، من عسكريين سابقين، مثل المتطوعين الذين نشطوا في المقاطعات الأوكرانية الشرقية. ولكن هذا التصريح، حتى إن تحوَّل إلى واقع ملموس، لا يعني أن روسيا ستُلقي بثقل عسكري بري في سوريا. على الأقل هذا ما يبدو عليه الوضع في الأسبوع الأول من العمليات. وبالنظر إلى الذاكرة الروسية في أفغانستان، وإلى أن ميزان القوى في سوريا أكثر اختلالًا لصالح الثوار مما كان عليه الوضع في أفغانستان 1979، فإن أية خطوة للتدخل البري لن تجد دعمًا من الرأي العام الروسي.

على أن الحروب -كما هو معروف- ليست شأنًا عقلانيًّا بحتًا، يمكن حسابه دائمًا بدقة مسبقة. ولذا، فإن أخفقت العمليات الجوية الروسية في إيقاع تغيير إيجابي ملموس لمصلحة النظام، فلا يمكن استبعاد اتساع نطاق التورط الروسي كلية.

عمومًا، سيعتمد مدى وزمن العمليات الروسية في سوريا على حقيقة الهدف من الانخراط الروسي المباشر في الأزمة. إذ ليس من الواضح بعد ما إن كان هدف موسكو الحفاظ على النظام وسيطرته، وتأمين هذه السيطرة، ضمن دائرة وجود النظام الحالية في محيط دمشق والساحل العلوي وحمص وحماة؛ أو أن الهدف مساعدة النظام على استرداد سيادته الكاملة على كافة الأراضي السورية؛ أو حتى إيجاد مناخ وميزان قوى مُواتٍ لحل سياسي. كما أن اتضاح حقيقة الهدف الروسي من العمليات، هذا إن قامت موسكو بالإفصاح عن هذا الهدف فعلًا، سيحدد أيضًا طبيعة ردِّ فعل القوى الإقليمية والدولية المؤيدة للثورة السورية، التي أعربت عن معارضتها للتدخل الروسي.

الآثار الإقليمية والدولية للتصعيد الروسي

الواضح، بالرغم من أن عملية نقل المعدات والجنود والاستعدادات العسكرية جرت تحت نظر أقمار الرقابة الأميركية، أن الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، كما القوى الإقليمية المؤيدة للثورة السورية، مثل تركيا والسعودية وقطر، فوجئت بحجم التواجد الروسي العسكري في قاعدة اللاذقية ونوعيته، كما في الانطلاقة السريعة للعمليات الجوية، مباشرة بعد اكتمال الاستعدادات العسكرية الضرورية، وانعكست هذه المفاجأة بالضرورة على ردود الفعل الإقليمية والدولية المختلفة.

من الجهة القانونية الدولية، تمتَّع التدخل الروسي بغطاء قانوني، تمثَّل في طلب دمشق الرسمي من موسكو المساندة العسكرية، سيما أن نظام دمشق لم يزل معتَرَفًا به دوليًّا وهو الممثِّل لسوريا في المنظمات الدولية. الغطاء القانوني لا يعني بالطبع غطاءً أخلاقيًّا؛ ولكن بوتين لم يُظهر، لا في سوريا ولا في غيرها من الأزمات، أي اكتراث جاد بالغطاء الأخلاقي، على أية حال. وسارع الروس من بدء العمليات، عبر اختراقين متتاليين للأجواء التركية، بإرسال رسالة ضمنية للقوى الإقليمية وحلف الناتو، على السواء، بعزمهم الإقدام على المزيد من التصعيد إن تطلب الأمر.

جاءت ردود الفعل الدولية والإقليمية خلال الأسبوع الأول من العمليات الروسية مرتبكة ولم ترتقِ إلى مستوى التحدي. كل الدول الغربية تقريبًا، إضافة إلى تركيا وقطر والسعودية، أبدت دهشتها من الانخراط الروسي العسكري المباشر في سوريا، ومعارضتها له؛ وأعرب جميعها عن شجبه لاستهداف مجموعات الثوار السوريين من غير تنظيم الدولة، إضافة إلى الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين السوريين جرَّاء الغارات الجوية الروسية. وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت سبع دول (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وتركيا، والسعودية، وقطر) بيانًا مشتركًا ضد التدخل الروسي. في اليوم نفسه، صدر عن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تصريح ذو جانبين؛ فمن جهة أكَّد على أن واشنطن لن تلجأ إلى استخدام سوريا ساحة حرب بالوكالة مع روسيا، ومن جهة أخرى قال: إن سوريا ستتحول إلى مستنقع للروس.

ولكن، ومهما كانت طبيعة التصريحات، فإن المواقف الغربية والإقليمية لم ترتقِ بعد إلى مستوى الرد الملموس على الخطوة الروسية. الاتفاق الأميركي-الروسي حول التنسيق العسكري في أجواء سوريا، بهدف تجنُّب وقوع اشتباك بين الطائرات الروسية وطائرات الدول المتحالفة ضد تنظيم الدولة، قد لا يمثِّل نهاية الطريق للموقفين الأميركي والإقليمي. وتبدو احتمالات الاحتكاك في سماء، باتت مزدحمة بالطائرات، وكأنها ليست أكثر من جانب صغير وهامشي لعواقب الخطوة الروسية في سوريا.

والحقيقة، أن الولايات المتحدة ومنذ بداية الأزمة، لم تُبدِ اكتراثًا جادًّا بمصير سوريا، وقاومت ضغوط حلفائها في الجوار السوري لمزيد من التدخل. ولكن الانخراط الروسي العسكري المباشر يرفع من مستوى الرهانات، وقد يجعل من سوريا بؤرة تحد روسي لدعوة واشنطن وحلفائها الإقليميين إلى حلٍّ في سوريا لا يشمل بشار الأسد. وبالنظر إلى أن الأزمة السورية هي الآن في منتصف سنتها الخامسة، فإن أسبوعًا واحدًا من العلميات الروسية واضطراب ردود الفعل الغربية والإقليمية ليس سوى زمن قصير جدًّا للحكم على مآلات الأحداث. ففي حال قررت الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر خوض مواجهة مع الروس في سوريا، فليس ثمة شك أن باستطاعتها إفشال بوتين أو جرَّه إلى معركة استنزاف طويلة.

مثل هذه المواجهة يمكن أن تُنجَز على مستويين:

الأول: يتمثَّل في توفير دعم عسكري متزايد ومستمر لمجموعات الثوار على مستوى السلاح التقليدي، الذي أتاهم طوال العامين الماضيين. وربما كانت المعركة الناجحة التي خاضها الثوار في ريف حماة صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأوقعت خسائر فادحة في قوات النظام المهاجمة، مثالًا على ما يعنيه توفر مضادات الدبابات والرشاشات الثقيلة لمجموعات الثوار. فبالرغم من المساندة الجوية الروسية طوال المعركة، فشلت قوات النظام في تحقيق أي تقدم وسرعان ما أُجبرت على التراجع.

أمَّا المستوى الثاني، فيتعلق بتقديم صواريخ مضادة للطائرات للثوار السوريين من قبل الدول الداعمة، تهدد فعالية سلاح الجو الروسي، وتدفع الصراع إلى مستويات عالية وغير مسبوقة. ولابد من التذكر دائمًا أن تورطًا روسيًّا واسعًا وطويلًا في سوريا سيشكِّل عبئًا معنويًّا واقتصاديًّا هائلًا على رئاسة بوتين، المثقلة بالأعباء أصلًا.

هذا لا يعني بالطبع أن التصعيد في التدخل الروسي في سوريا لم يجد مؤيدين؛ فإلى جانب التأييد المتوقَّع من إيران وحزب الله، والتأييد الخفي من العراق، أبدت القاهرة تأييدًا خجولًا للخطوة الروسية، ولوحظ غياب الإمارات والأردن عن بيان الدول السبع المندِّد بالتدخل الروسي، بالرغم من أن الإمارات والأردن عضوتان في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة. كما لوحظ أن الجامعة العربية أحجمت عن عقد اجتماع لمناقشة الخطوة الروسية، حتى بعد أن تكرر طلب التحالف الوطني السوري المعارض عقد مثل هذا الاجتماع؛ مما يعني أن الخلافات العربية حول تطورات الأزمة السورية تتجاوز مواقف الأردن والإمارات والعراق ومصر.

الموقف الإسرائيلي ليس بعيدًا عن تأييد الخطوة الروسية. يُقدِّر الإسرائيليون التزام نظام الأسد التاريخي بالحفاظ على هدوء جبهة الجولان منذ نهاية حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. وبالرغم من أن دمشق شكَّلت إزعاجًا ملموسًا للإسرائيليين لبعض الوقت، في مرحلة دعم مقاومة حزب الله وقوى المقاومة الفلسطينية، يعتقد الإسرائيليون أن النظام قد ضعف إلى درجة كبيرة، تمنعه من أن يعود للعب مثل هذا الدور في المدى المتوسط. ولذا، فإن بقاء النظام من وجهة نظر الإسرائيليين أفضل بكثير من تحول سوريا إلى ساحة لنشاطات مجموعات إسلامية وغير إسلامية مسلحة، لا تكترث كثيرًا بالتزامات الدول. وليس ثمة شك في أن الانطباعات التي تركتها زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لموسكو، والسرعة التي تم بها عقد لقاء التنسيق العسكري بين الجنرالات الإسرائيليين والروس، وتوكيد بوتين في خطاب الجمعية العامة على مصالح الدولة العبرية في سوريا، تشير جميعًا إلى توافق روسي-إسرائيلي حول الدور الذي باتت موسكو تلعبه في الأزمة السورية.

آفاق الأزمة السورية بعد التدخل الروسي المباشر

ليس ثمة شك أن موسكو حققت نصرًا تكتيكيًّا بانخراطها المباشر والمفاجئ في سوريا، ولكن من المبكر، والمبكر جدًّا، الحكم على مآلات هذه الخطوة الروسية وأثرها على الأزمة السورية وعلى موقع روسيا ودورها في العالم.

إن نجحت روسيا في تغيير موازين القوة في سوريا وأجبرت الدول المؤيدة للثورة السورية على التفاوض على حلٍّ سياسي أقرب إلى وجهة النظر الروسية والإيرانية، فسيكون لهذه الخطوة أثر ملموس على تغيير طبيعة التعامل الأميركي والغربي مع روسيا، ليس في الشرق الأوسط وحسب، بل وفي أزمات أخرى في العالم. ولكن النجاح الروسي يتطلب جملة واسعة من الشروط، ليس أقلها تسليم واشنطن وأنقرة والرياض بأن لروسيا الحق في التدخل في سوريا وبالطريقة التي تراها مناسبة. ما تراه الولايات المتحدة أمامها، حتى مع كون روسيا قوة نووية كبرى، أن روسيا دولة في وضع اقتصادي بالغ السوء، بإمكانات تكنولوجية من الدرجة الثانية، تعاني من تناقص مستمر في تعدادها السكاني. وستحتاج روسيا إلى الكثير قبل أن تُقِرَّ لها واشنطن بدور الشريك في النظام الدولي.

بصورة عامة، وعلى المستوى المباشر للأزمة السورية، ثمة احتمالان رئيسيان لمآلات الانخراط الروسي العسكري في سوريا:

الأول: أن تساعد هذه الخطوة على الإسراع في مسار الحل السياسي. بمعنى أن تصل أطراف الأزمة الدولية والإقليمية إلى قناعة بأن قواعد اللعبة في سوريا قد تغيرت وأن اللجوء إلى مواجهة التدخل الروسي بتصعيد الدعم للثوار السوريين لن يأتي بنتيجة وسيزيد من معاناة الشعب السوري ومن معدلات اللجوء من سوريا إلى دول الجوار وأوروبا. ومن جهة أخرى، يمكن أن يتطور الموقف الروسي نحو التخلي عن هدف استمرار بشار الأسد في الحكم، سيما إنْ رأى الروس أن وجودهم العسكري الملموس سيضمن استمرار وتماسك ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية والإتيان بقيادة بديلة لمجموعة الأسد، تحافظ على العلاقات مع موسكو والمصالح الروسية في سوريا. في هاتين الحالتين، يُتوقَّع أن تنعقد مجموعة الاتصال حول سوريا قريبًا، وربما تصبح قناة التوصل إلى حلٍّ توافقي للأزمة.

الاحتمال الثاني: أن تصب الخطوة الروسية في اتجاه المزيد من تعقيد الأزمة، وتصاعد حدَّة الصراع؛ سيما إنْ قررت الدول الداعمة للثورة السورية، أو حتى بعض هذه الدول أن زمن الحل السياسي لم يأتِ بعد وأن من الضروري إفشال التدخل الروسي-الإيراني قبل التفكير في طبيعة الحل الممكن للأزمة. في هذه الحالة، سترتفع حدَّة الصراع إلى مستويات جديدة، وتصبح سوريا عرضة لمزيد من الدمار والخسائر البشرية، ويشهد الجوار السوري موجات لجوء سوري جديدة وكبيرة. ولكن ثمة ما هو أكثر فداحة وأخطر؛ إذ ليس من المستبعد أن تتسع ساحة الصراع لتشمل العراق أيضًا، وأن تزداد احتمالات الصدام الروسي-التركي. ومن المؤكد أن تتزايد معدلات تدفق المقاتلين الإسلاميين من غير السوريين على سوريا، وأن تستطيع جماعات مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة تعزيز قوتها ونفوذها.

ومهما كان الاتجاه الذي ستتخذه الأزمة فمن الواضح أن مشروع إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، الذي تبنَّته تركيا بأكثر من صيغة في الشهور القليلة الماضية، أصبح غير ممكن عمليًّا بدون صدام مسلح مع الطيران الروسي. في المقابل، على المستوى الميداني، ومهما بلغ عدد الغارات الجوية يوميًّا، من المستبعد أن تحقق العمليات الروسية انقلابًا سريعًا في ميزان القوى. فالحقيقة، أن النظام حافظ على تفوق دائم في الجو، منذ بداية النزاع المسلح في سوريا، بدون أن يستطيع توظيف هذا التفوق في إيقاع الهزيمة بمجموعات الثوار. بدون تواجد عسكري فعَّال على الأرض، لن يستطيع الطيران الروسي سوى الحفاظ على مواقع النظام الحالية ومنع المزيد من تقدم جماعات المعارضة السورية.

على مستوى الرأي العام، تحولت روسيا بتدخلها المباشر في سوريا إلى هدف لكراهية القطاع الأكبر من الشعوب العربية والإسلامية، وباتت تُرى اليوم من عموم العرب والمسلمين، وبصورة تفوق حتى حقبة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، باعتبارها قوة إمبريالية، تقف ضد خيارات الشعوب وإرادتها. وسواء كان لمشاعر الكراهية هذه انعكاسات ملموسة على أرض الواقع أم لا، فقد يمر زمن طويل قبل أن تستطيع موسكو محو هذه الصورة السلبية.

الأثر الأخطر للخطوة الروسية، والذي لا يبدو أن إدارة بوتين تحسَّبت لتداعياته، أن الدعم السافر الذي قدمته الكنيسة الأرثوذكسية للرئيس الروسي وسياسته، وما صدر عن الكنيسة من توصيف الحرب في سوريا باعتبارها حربًا مقدسة، يهدِّد بزرع الكراهية والانقسام في صفوف عرب المشرق. الأكثرية العربية المسيحية، كما هو معروف، تنتمي للكنيسة الأرثوذكسية، وبالرغم من حوادث احتكاك وتوتر نادرة بين العرب المسلمين ومواطنيهم الأرثوذكس، فإن علاقات التعايش والمواطنة بين الطرفين ظلَّت عميقة ومتماسكة. اليوم، وفي حال تعقد الصراع وتكرر دعم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لحرب بوتين في سوريا، فإن العلاقات الإسلامية-الأرثوذكسية ستتعرض لمحنة كبيرة.

مثَّل التدخل الروسي المباشر في سوريا نجاحًا تكتيكيًّا، لكنه يواجه عقبات كبيرة، تحول دون تحويله إلى نجاح استراتيجي، بل قد تجعله حرب استنزاف تقضي على النتيجة السياسية المتوخاة.

مركز الجزيرة للدراسات

 

 

 

 

هل ينجح نموذج بوتين حيث فشل الآخرون؟/ جورج سمعان

الرئيس فلاديمير بوتين استعجل تحريك ديبلوماسيته مثلما استعجل في زج قواته في الحرب السورية. لا يريد لانخراطه الميداني أن يطول ويضيع في متاهات ومواجهات بدأت تلوح في الأفق. لن يترك لخصومه فرصة إعادة رسم خططهم وسياساتهم. يريد فرض واقع يتيح له فرض التسوية التي تناسب مصالحه أولاً وأخيراً. يريد توسيع انتشاره في المنطقة، ما دام عاجزاً عن إقناع خصومه الغربيين بهضم ما انتزع وينتزع من أوكرانيا. أرهقته العقوبات وتدني أسعار النفط ومتاعب اقتصاده وتراجع الروبل. ولا سبيل لامتصاص أي نقمة في الداخل سوى اللجوء إلى الفضاء القريب والبعيد تحت شعار استعادة مجد الإمبراطورية. لكن هذه السياسة قد لا تنجح. ولن يستطيع مساعد وزير خارجيته ميخائيل بوغدانوف إقناع أطياف المعارضة، خصوصاً المسلحة بمشروعه للتسوية. إلحاق خلل فادح في ميزان القوى وتغليب كفة النظام لا ينتج تسوية. وتركيز حربه على الجبهات الساخنة مع خصوم النظام لن تقنع هؤلاء بوجوب التسليم، بل إن توجه الأطراف الخارجية إلى تعزيز قدرات هؤلاء عتاداً وأسلحة فعالة سيدفعهم إلى مزيد من التشدد.

تحريك موسكو عجلة الديبلوماسية مواكبة لحملتها العسكرية هدفه تقليص أمد انخراطها في الحرب، وفرض أجندتها وأولوياتها في التسوية، والتي تتجاوز حدود سورية إلى ما بعد أوكرانيا. كان هذا واضحاً بعد اللقاءات التي عقدها الزعيم الروسي مع نظرائه الغربيين. مشكلته أن هؤلاء، خصوصاً الأميركي، لم يُبدوا أي استعداد للمقايضة بين أزمة وأخرى. علماً أن سكوتهم عن مواجهته في السابق، في جورجيا ثم في أوكرانيا، دفعه إلى إعادة الانتشار فوق ما كان يعد للاتحاد السوفياتي وقبله للقيصرية. لم تأت القوات الروسية للحفاظ على النظام في دمشق أو لمواجهة «داعش» فحسب، أتت للحفاظ على مصالحها وحماية النظام في موسكو. «الدولة الإسلامية» قامت قبل نحو سنة ونصف السنة، وتعرض النظام في سورية لتهديدات كبيرة في السنوات الأربع الماضية، لكن الكرملين لم يتحرك. وعودة بالذاكرة إلى بداية الأزمة تلقي الضوء على ما يجري هذه الأيام: الرئيس ديمتري مدفيدف في نهاية عام 2011، دعا نظيره السوري إلى تطبيق إصلاحات أو التنحي. وكان حذره قبل ذلك من «مصير محزن» ما لم يستمع إلى مطالب المعارضين. وكان رئيس وزرائه يومذاك فلاديمير بوتين سبقه إلى أن بلاده «ليست لها مصالح واستثمارات في سورية للدفاع عنها»!

ولكن، على رغم ذلك لم تتخلَّ موسكو عن الـ «فيتو» في مجلس الأمن في أي قرار يخص دمشق. لا تريد خسارة هذا البلد، وخسارة صفقات السلاح معه ومع غيره في المنطقة كلها. وتريد تحويل موطئ قدم أسطولها في طرطوس قاعدة عسكرية كبيرة في المتوسط وشرقه. تريد العودة إلى ماضيها في مصر والعراق وغيرهما. ولا ترغب في تكرار التجربة الليبية، حيث وجدت نفسها خارج ما يرسم لمستقبل هذا البلد. عارضت بشدة ولا تزال أي محاولة لتغيير أي نظام لا تروق سياسته للغرب، على حد زعمها. لكنها تدرك جيداً أن ليبيا لم تكن درساً لها وحدها. شكلت درساً لواشنطن أيضاً بعد درس العراق. والواقع أن ما تريده العاصمتان هو ألا يتكرر في سورية ما حصل في هذين البلدين. كما أن تأكيد الرئيس باراك أوباما استعداده للتعاون مع نظيره بوتين اعتراف صريح بأن بلاده عاجزة وحدها عن فرض الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط. ومنع المنطقة من الانزلاق إلى مزيد من الانهيارات والتفكك. ولو كانت قادرة على التحرك وحيدة في شرق تنهشه الحروب الأهلية والمذهبية والعرقية، لما نادت قوى أخرى إلى المساعدة. والذين ينتظرون منجزات نوعية لتدخل روسيا اليوم، يجب ألا يغيب عن بالهم أن القوة مهما عظمت لا يمكنها فرض التسويات من خارج. هذا ما حصل للقوة الأميركية الضاربة في أرض الرافدين. وهذا ما حصل لقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان أيضاً. لم تستطع كل هذه القوى فرض نظام سياسي في بغداد تجمع عليه كل المكونات، بل واجهت جيوش الغرب حروباً ومقاومات متعددة. ولا تزال قوى كثيرة ترفض حتى اليوم تدخلهم الميداني. تستنجد بغداد بالأميركيين لغطاء جوي هنا وهناك. وتلومهم على عجزهم وعجز تحالفهم الدولي الواسع في احتواء «الدولة الإسلامية» والقضاء عليها. كأن الجيوش الأميركية قوات مرتزقة لوقت الحاجة!

ما دفع الرئيس بوتين على مغامراته العسكرية، حماية نظامه في الداخل ومصالح بلاده في الخارج. وساعده انكفاء خصمه، إذ كان واضحاً أن الرئيس أوباما منذ وصوله إلى البيت الأبيض ظل أسير شعاراته والتزاماته لإعادة الجنود الأميركيين إلى بلادهم، وتصفية «الحروب الاستباقية». وأنه لن يجازف في خوض حروب جديدة. وهو إلى اليوم لا يريد الانجرار إلى بؤر التوتر في المنطقة. والذين يصفونه بالتردد وغياب الرؤية والحزم والمجازفة بسمعة أميركا يعرفون أنه لم يحد عن سياسته المرسومة منذ اليوم الأول. استراتيجيته هي دعوة أهل الإقليم إلى تسوية مشاكلهم بأنفسهم. ولا شك في أن الاتفاق النووي مع إيران طوى صفحة توتر دائم مع طهران. لكن هذا الاتفاق لم يصرفه إلى الاهتمام بقضايا أخرى نحّاها جانباً طوال فترة المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية والدول الست الكبرى على برنامجها النووي. لم يتحرك لضبط التوازن بين هذه الجمهورية والقوى الأخرى، خصوصاً العربية. لم يفعل ذلك حتى عندما فرضت طهران حليفها نوري المالكي رئيساً لولاية ثانية عام 2010. ولم يتحرك لتصويب سياسة حكومة زعيم «دولة القانون» التي انتهت بقيام «دولة أبي بكر البغدادي». ولم يتحرك لوقف تمدد الحوثيين في اليمن. ولم يلجأ إلى دعم فصائل المعارضة السورية بمواجهة الدعم الإيراني والروسي للنظام. ترك للقوى الإقليمية أن تصحح بنفسها ميزان القوى على الأرض، لإيمانه بأن مثل هذا الأمر يعفيه من الانخراط الميداني المباشر لتصحيح الخلل.

وأمام عجز الأطراف الإقليميين المتصارعين، عرباً وإيرانيين وأتراكاً، عن التفاهم على الحد الأدنى وادارة أزمات المنطقة وتسويته، دفعهم إلى الاستنجاد بالقوى الكبرى. وهو ما أتاح لروسيا أن تتدخل بقوة لملء الفراغ أولاً. وسعياً إلى فرض توازنات جديدة على الأرض تسمح لها برسم التسويات بما يرسخ مصالحها. لكن الحرب التي تخوضها في سورية لا تنبئ بأن كسر التوازن لمصلحة النظام يمكن أن ينتج حلاً سياسياً للأزمة. ذلك أن عمليات قواتها لا تستهدف «داعش» بقدر ما تستهدف الفصائل المعارضة التي يفترض أنها معنية بالتسوية، وبالحركة الديبلوماسية التي يقودها بوغدانوف. وإذا قيض للتدخل العسكري الروسي أن يغلب كفة دمشق في الميدان، فإن تسويق موسكو فكرة الحكومة الوطنية الجامعة قد لا يلقى قبول معظم أطياف المعارضة… وحتى النظام أيضاً. على رغم أنها مهّدت لديبلوماسيتها برسائل إلى جميع المعنيين بالأزمة: فرضت حل ميليشيات «الدفاع الوطني» التي رأى إليها كثيرون في الداخل والخارج الذراع الرئيسية لإيران، والبديل المقبل من المؤسسة العسكرية. ونشطت في إعادة تأهيل القوات النظامية. أراحت جموع أهل الساحل وطمأنتهم إلى المستقبل والمصير. سيتضاءل تعلقهم بالرئيس بشار الأسد الذي ولّد تسليمه القياد لـ «الحرس الثوري» وحلفائه في إدارة البلاد والعباد بعد المعارك، استياء وغضباً. ستتراجع هيبته أكثر عندما يُلزمه الحل بالتنازل عن صلاحياته الشاملة وإشراك الآخرين. كما أن هذه الإجراءات تخفف من وطأة اليد الإيرانية، وتضع اليد الروسية فوقها. وفي ذلك بعض الاطمئنان للأقليات، ولأهل السنّة ومن يساندهم في دول الجوار. بل لعل ذلك يستجيب رغبة كثيرين من المتصارعين على الأرض السورية، ما دام أنه يؤدي إلى منع انهيار المؤسسات أو ما بقي منها كما حصل في ليبيا والعراق.

صحيح أن تدخل روسيا فرض وقائع جديدة، لكن الصحيح أيضاً أن خصومها يتكيفون سريعاً مع هذه القواعد: مزيدٌ من العتاد والأسلحة الفعالة لفصائل المعارضة. وسياسة جديدة لواشنطن في التعامل مع عدد من الفصائل وقادتها بديلاً من برنامج التدريب الفاشل، واعتمادها خططاً مختلفة للتعامل مع «داعش». هذا التحول يشي بأن الانكفاء الأميركي ليس غياباً كلياً. ولم يقفل البابَ أمام خيارات لن تسمح لروسيا بضرب ميزان القوى على الأرض السورية والإخلال به لمصلحة الأسد، والاستئثار تالياً برسم النظام الإقليمي. إلا إذا برهن بوتين على أن «تحالفه» في قتال الإرهاب أكثر نجاعة من «تحالف» أوباما. وأثبت أن نموذجه «الديموقراطي» في روسيا يصلح لبلاد الشام ولأهل الإقليم عموماً حيث عجزت أو فشلت النماذج الأخرى: النموذج الأميركي في الشرق «الكبير»، والنموذج الإيراني في العراق وسورية واليمن، والنموذج الغربي عموماً في أفغانستان وليبيا أيضاً، وحتى نموذج «العدالة والتنمية» الأردوغاني… علماً أن ما حل بجورجيا وأوكرانيا لا يبشر بخير كثير. هناك اكتفت موسكو بما اقتطعت، واكتفى خصومها بحصاد الفوضى، وبالتنديد الذي لا يسمن ولا يغني! لن يكون الانتظار طويلاً لترى إدارة أوباما وشركاؤها ما بقي في جعبة بوتين من مفاجآت.

الحياة

 

 

 

إنها أكبر… إنها أخطر/ غسان شربل

هذه ليست مجرد مبارزة بين فلاديمير بوتين وأبو بكر البغدادي. ليست مجرد معركة لضمان موقع روسيا في سورية. ليست مجرد محاولة للاحتفاظ بوجود عسكري على شاطئ المتوسط. ليست مجرد عملية تتعلق بحسابات النفط والغاز والأنابيب والممرات. إنها أكبر. إنها أخطر.

هل ترانا نبالغ إذا قلنا إن التدخل العسكري الروسي في سورية بذيوله الإقليمية والدولية أخطر من هجمات 11 أيلول (سبتمبر). وإن إطلالة بوتين الجديدة عبر الصواريخ التي أطلقتها البوارج الروسية من بحر قزوين لا تقل خطورة عن إطلالة البغدادي من الموصل. وإن ما ألحقته صواريخ البوارج بصورة أميركا في المنطقة والعالم لا يقل عما ألحقته طائرات بن لادن بالبرجين. ففي الهجومين كانت هيبة أميركا هي الهدف الأول حتى ولو تغطى الهجوم الروسي بلافتات أخرى.

من المبكر المسارعة إلى عقد المقارنات بين قرار جورج بوش الذهاب إلى الحرب رداً على جرح نيويورك وقرار بوتين الذهاب إلى الحرب دفاعاً عن مصالح بلاده وصورتها وسعيه إلى تعزيز موقعها. لم نصل بعد إلى تلك المرحلة. وأغلب الظن أن بوتين لا يريد تكرار خطأ بريجنيف في أفغانستان وخطأ بوش في العراق. لكن التجارب تقول إن أرض المعركة قد تفاجئ أبرع الجنرالات وما دبجوه على الخرائط في غرف العمليات.

حين أعلن البغدادي «دولة الخلافة» لم يتوقع أن تنهمر عليه باقات الورود والتهاني وأن يتسابق السفراء لتقديم أوراق اعتمادهم. كان يعرف أن دولته انتحارية. وأن إعلانها على أجزاء من خريطتين يشكل أوسع عملية انتحارية في التاريخ المعاصر. يرجح أن البغدادي حلم بما تعذر على أسامة تحقيقه وهو استدراج الآلة العسكرية الأميركية إلى مكان يتعذر فيه الانتصار واستنزافها ثم إرغامها على المغادرة مثخنة كما حل بـ «الجيش الأحمر» السوفياتي.

اعتبر بوتين المحنة السورية فرصة كبرى لاستنزاف هيبة أميركا. شهر سيف الفيتو في مجلس الأمن. لن يسمح بتكرار ما يعتبره «الخديعة الليبية». أصيب الرئيس الأميركي المتردد بهاجس الابتعاد عن النار السورية. حين يطالب رئيس القوة العظمى الوحيدة رئيساً أن يرحل ولا يملك إرادة إرغامه وحين يضع «خطاً أحمر» ويتجاوزه المستهدف، يخسر صاحب الإنذار سريعاً معركة الهيبة والصورة. خدعه القيصر في محطة مفصلية. حين اكتفى أوباما بنزع السلاح الكيماوي من يد النظام السوري من دون اشتراط أن يتضمن الحل إطلاق مرحلة انتقالية سلّم عملياً ببقاء النظام. وحين يوافق أوباما على معاملة إيران وكأنها دولة كبرى في مفاوضات الاتفاق النووي، لماذا لا تتقدم روسيا للثأر من الإذلال الأميركي الطويل لموقعها وأسلحتها.

بدا الرئيس الأميركي المتردد مربكاً لحلفائه وحليفاً لأعدائه. قرأ بوتين المشهدين الدولي والإقليمي وسدد ضربته. لا يريد أوباما إنهاء إقامته في البيت الأبيض مستقبلاً جثث الجنود العائدة من الشرق الأوسط. أربع سنوات من الحرب في سورية أظهرت حدود الدور الإيراني وطابعه غير الحاسم. تركيا انزلقت إلى حرب على أراضيها والإرهاب نقل النار إلى الدار. وسلوك تركيا أقل بكثير من تهديدات سلطانها. السعودية منشغلة بحربها في اليمن وروسيا بادرتها بسلوك إيجابي في مجلس الأمن. أما أوروبا فمرتبكة بأمواج اللاجئين المرشحة للازدياد. سدد بوتين ضربته.

المسألة أكبر من إنهاء البغدادي ودولته. وأكبر من تحديد مصير الرئيس بشار الأسد ونظامه. وأكبر من تحويل الهلال الإيراني هلالاً روسياً – إيرانياً. إنها عملية انقلاب واسع على التوازنات التي قامت على ركام الامبراطورية السوفياتية. إنها عملية ثأر من أميركا التي انتزعت لقب القوة العظمى الوحيدة من دون أن تطلق رصاصة. وثأر من حلف الأطلسي الذي حرك بيادقه في اتجاه حدود الاتحاد الروسي. ثأر من سياسة التأديب والعقوبات والثورات الملونة والمجتمع المدني.

ليست مجرد معركة في سورية. وليست مجرد معركة على سورية. إنها معركة تسديد حسابات تؤثر نتائجها على ميزان القوى الدولي وملامح الشرق الأوسط ودوله وخرائطه وأقلياته. يستطيع بوتين تعديل ميزان القوى على الأرض لمصلحة النظام. الحسم الكامل متعذر وباهظ. يقدم سريعاً تصوراً لحل شبه مقنع أو يغرق تدخله في «سوريستان». لم يترك لخصومه خيارات كثيرة. سيتدفق السلاح والمقاتلون. وسيتردد صدى المعارك لدى مسلمي الاتحاد الروسي وجواره. سورية فرصة الثأر قد تتحول سريعاً سورية المستنقع التي تهدد باستنزاف القيصر وبلاده.

الشرق الأوسط في أحلك أيامه. دول خائفة. وخرائط قلقة. أكثرية متوجسة. وأقليات مذعورة. دوله الرئيسية تتعرض لاستنزاف غير مسبوق يعني سلامتها ودورها واستقرارها. تحارب خارج حدودها أو داخلها.

وسط بحيرات الدم أطل القيصر وسدد ضربته. بين المغامر والمقامر خيط رفيع. يفرض سريعاً حلاً شبه معقول في سورية أو يغرق مع البغدادي في «سوريستان».

الحياة

 

 

 

سوريا بين تدخل وانكفاء/ محمد ابرهيم

بعد أن نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تجميد الجبهة الأوكرانية مع الغرب عند المكتسبات التي حققها في شبه جزيرة القرم وفي “الجمهوريتين” الأوكرانيتين المحاذيتين للحدود الروسية انطلق في مغامرته السورية في ظل معطيات أفضل بكثير، بالنسبة إليه، من تلك التي كانت سائدة في مطلع الأزمة الأوكرانية.

استفاد بوتين من الخلاف الأميركي – التركي بشأن فرض منطقة حظر جوي فوق المناطق السورية المحاذية للحدود مع تركيا، ليفرض شبه هيمنة روسية على الأجواء السورية، وصلت إلى حد الاختراق المتكرر للأجواء التركية المشمولة بغطاء الحلف الأطلسي.

واستفاد بوتين من الالتباس في مسألة التحديد الغربي للإرهاب في سوريا، وخصوصا ما يتعلق ب”جبهة النصرة”، فرع “القاعدة” في سوريا، ليوجه ضربات إلى ما تعتبره واشنطن معارضة معتدلة. ذلك أن الحدود مائعة بين “النصرة” وبقية الفصائل الجهادية التي تشكل المكون الرئيسي للمعارضة المسلحة، مما يسمح للطيران الروسي باستهدافها جميعا، أي باستهداف مواقع المعارضة الأكثر تهديدا للنظام. وعلى المتذرعين بأن روسيا تهاجم المعارضة المعتدلة يرد المسؤولون الروس بسخرية العارفين بموازين القوى داخل المعارضة: “دلّونا على مواقع الجيش الحر لنتجنبها”.

وإذا كان استهداف مواقع “داعش” في العمق السوري يتطلب تنسيقا مع طيران الائتلاف الدولي، فإن القرار الروسي بتأمين التغطية الجوية الفاعلة لحركة القوات النظامية السورية وحلفائها لاستعادة مناطق خسرتها في الأشهر الأخيرة وخصوصا في الشمال الغربي، يوسّع تدريجا منطقة سيادة الطيران الروسي الخاصة على حساب طيران “الائتلاف”.

لقد انخرطت روسيا في معركة، حدّها الأدنى المحافظة على ما بات يسمى منذ الآن الدولة العلوية، وحدّها الأقصى إعادة اكتساح مناطق المعارضة. وكل ذلك تحدده طاقة الجيش السوري وحلفائه على الاستفادة من الغطاء الجوّي الروسي، في انتظار ان يتطوّر، ربما، التدخل الروسي ليشمل قوات برية، في حال ثبت أنه لا حدود لتردد الرئيس الأميركي، أو أنه هناك من يسعى، أميركيا، لاستدراج روسيا إلى أفغانستان جديدة.

والشوق العراقي المعلن، الرسمي والشعبي، إلى غطاء جوّي روسي فعّال على حساب الدور الأميركي، والاستعداد الروسي للتلبية، يجعلان روسيا الداعم الرسمي لمشروع إعادة وصل “الهلال الشيعي” الذي كسرته التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق. وإذا ما تطوّر التدخل الروسي، مع الانكفاء الأميركي، إلى تدخل بري أيضا، تكون اكتملت معطيات “الأفغنة”، أما الطريق الآخر، طريق تدخل أميركي مباشر مواز للتدخل الروسي فلا يبدو في أفق السنة الأخيرة من ولاية أوباما الثانية.

النهار

 

 

 

رهانات حرب بوتين في سوريا/ نصري الصايغ

حروب لا شفاء منها، ولا شفاء بعدها. هي حروب فاشلة بكلفة دول وشعوب ومجتمعات.

حرب جديدة اندلعت على «أمل» الشفاء من «الطاعون» السوري. التجارب الناجحة لا حظ لها. الخراب العربي بليغ. الحروب كلها أسفرت عن نهايات كابوسية وحلول هشّة كأحلام يقظة.

مفيد التذكّر: حضرت الطائرات الأميركية والفرنسية والقطرية لمساعدة «الثورة» في ليبيا، بهدف وضع حدّ للطغيان والاستبداد وإقامة الديموقراطية. النتيجة، سقط القذافي وسقطت ليبيا. ورثت «الجماهيرية» القبلية والإسلامية والمناطقية، بلداً كان موعوداً بتقليد تونس.

مفيد العودة إلى الماضي القريب. غزا السوفيات بلاد أفغانستان، بهدف إقامة نظام اشتراكي تقدمي يدور في الفلك السوفياتي. النتيجة، غَرَقُ السوفيات وتحطُّمُ أفغانستان واعتلاء «طالبان» وتحوّل «المجاهدين الأفغان» إلى «قاعدة» تهدّد عواصم العالم. سقوط برجي التجارة في نيويورك كانت رداً على «غزوة» الحليف الأميركي للعراق. الدرس الأفغاني مفيد. الحروب هناك استدرجت حروباً. لم تُشفَ أفغانستان من لوثة العنف وألوان الإرهاب، استقبالاً وتصديراً.

ضروري أن نعود إلى العراق: «الغزوة» الثانية بقيادة جورج دبليو بوش دمّرت العراق مرة أخرى. أفرغته من مؤسساته. بدّدت مكوّناته. صاغت له وضعاً يشرّع الانفصال والحروب المذهبية. الطائرات الأميركية والبوارج الحربية وأفواج المارينز، لم تخلّص العراق مما فيه. خلّصته مما هو عليه، ليصير إلى ما صار إليه: ساحة مفتوحة لأنماط عنف غير مسبوقة، براً وبحراً وجواً وإرهاباً.

لا مفرّ من مراجعة التجربة التي دشنتها «الدولة الإسلامية في العراق والشام». استيقظت بغداد، و «هولاكو» على أبوابها. هلع أصاب القيادة. الجيش انهار بأمر من قادته. اتصال ليلي بواشنطن: أنجدونا. تأسس «حلف» لمحاربة «داعش» جواً. لم تفلح طلعاته بإقناع أحد. حرب تدمّر ولا تصيب العدو. تعاظم دور «داعش» وتقلّص دور السلطة الغارقة في فساد وإفساد ونهب وتمذهب… لا الحرب الأولى أفادت ولا الحرب الثانية فازت ولا التحالف بقيادة أميركا أصاب.

حروب كثيرة لا شفاء منها… ولا شفاء بعدها.

في هذه الأثناء، كانت سوريا تتغيّر جغرافياً وسكانياً وسياسياً. تحوّلت إلى جبهات قتال مفتوحة، وإلى تهجير غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية. النظام يتراجع، المعارضة المسلحة تكسب، و «داعش» له الحصة الكبرى من العدوّين: النظام والمعارضة معاً. وككل حرب في كيان، هي حرب إقليمية برعايات دولية. النظام ضعف برغم الدعم الإيراني والتسليح الروسي والقتال النوعي الذي أضفاه «حزب الله» في الميادين. كل ذلك لم يجد نفعاً. تركيا تقود المعارك في الشمال السوري، وتقرع أبواب الساحل، معقل النظام. السعودية تموّل وتسلح وتأمر. قطر كذلك. وأميركا والغرب يفوزان بعقد الرعاية الدائمة للمعارضة… ومع ذلك، لم تنته الحرب.

فجأة، أمر فلاديمير بوتين قواته. حضرت إلى سوريا ودشنت حرباً جديدة بعنوان كبير مزدوج: قتال الإرهابيين وتأمين ظروف الحل السياسي على قاعدة وحدة سوريا وعلمانيتها. هدفان صعبان جداً. قتال «داعش» قد يكون شبيهاً بقتال «الجهاديين» في أفغانستان الذين حوّلوا البلاد إلى مقبرة للدبابات السوفياتية ولطائراتها، أما الحل السياسي، فيحتاج إلى اقتناع المشاركين بالحروب الإقليمية بوقف الحرب السورية، والبحث المضني عن حل لبقاء الأسد بعد الفترة الانتقالية أو لعدم بقائه، لا قبل ولا بعد الحل.

فهل تقتنع السعودية بذلك، وهي التي تخوض وباقي اليمن حرباً ضد إيران ممثلة بالحوثيين؟ هل ترضى، قبل تحقيق ادعائها بالانتصار في اليمن، بأن تترك الأسد، حليف طهران في السلطة؟ وهل يقتنع اردوغان الذي يعاقر حتى الإدمان، خمرة «إخوانية» تريه في جنون سكره بالعظمة، سقوط سوريا تحت قبضة نفوذه، وهي الجار الأقرب والأقوى وعلى تماس مع قوى ميدانية معارضة تتقدّم إلى معقل النظام؟

أسئلة أخرى برسم كل من أميركا وفرنسا، وأسئلة مضادة لكل من إيران وروسيا.

مرَّ الأسبوع الأول من الحرب. حزمة الإنجازات غير واضحة بعد. روسيا تقاتل المعارضة بفعالية وتلقي حمولاتها الجوية على «داعش» من دون معرفة الآثار التي خلّفتها. الغرب مرتبك. واشنطن تتلكأ. هي مع روسيا قليلاً وضد النظام كثيراً. تنسّق مع موسكو وتعترض. تزوّد المعارضة بأسلحة متطوّرة، للمواجهة في معارك ميدانية. تحاول «أفغنة» سوريا. تترك روسيا لتغرق في المستنقع، أو تترقب فشلها الذي يشبه فشل فرنسا وأميركا في ليبيا، وفشل الثانية في أفغانستان والعراق، وفشل السعودية في تحقيق انتصار، يُعيد اليمن إلى «العباءة السعودية».

الحرب الروسية في سوريا طويلة. كثيرون راهنوا على نهاية النظام وسقوط الأسد. رسموا خرائط. حدّدوا مواعيد. كانت بالأشهر في السنة الأولى. كانت على وشك بعد «جريمة الكيماوي»، ثم كانت على مقربة من السقوط بعد حصار دمشق وخسارة مواقع حساسة في الشمال والمناطق القريبة من الساحل السوري. لكن ذلك لم يحدث… وكان النظام السوري ومَن معه، يتوقعون نهاية المعارضة منذ اللحظة الأولى، حدّدوا لها مواعيد. كل ذلك صار هباء. بعد كل موعد، كانت الحرب تنطق بقول واحد: أنا هنا ولا أحد سواي. لم تنتصر المعارضة ولم يُهزم النظام. فالحرب في سوريا، هي حرب الجميع على الجميع، وحتى اللحظة، لم يفز أحد، ولم يخسر أحد.

حروب، لا شفاء منها. حروب، لا شفاء بعدها. ولنتذكر للمرة الأخيرة: «الربيع العربي» في تونس، نجا من العسكرة والأخونة والتدخل الخارجي، بالطرق السلمية… مصر، نجت من التدخّل الخارجي، ولكنها لم تنج من «الأخونة» العابرة و «العسكرة» المقيمة. لم تعرف حرباً فوق أرضها بعد ربيعها. فالذي قتل «الربيع العربي» عسكر الغرب الذي تدخّل في ليبيا والعراق وسوريا. والذي نحر العراق وسوريا واليمن، تحالف الأضداد على البلاد.

في لبنان، حراك سلميّ. مستقبله مرهون بسلميّته واستقلاله عن قوى أجنبية وإقليمية وداخلية. نجاحه رهن بقائه في لبنان، بلا معين خارجي أو وحي دولي أو رعاية أممية أو مرجعية عقائدية.

لبنان أمام تجربة تستحق الحياة والنجاح…

ليت ذلك يتحقّق.

السفير

 

 

روسيا الحرام وأمريكا الحلال!/ عبد الحليم قنديل

على كثير ممن يصفون أنفسهم بعلماء الدين أن يبتلعوا ألسنتهم، وأن يريحونا من شذوذهم العقلي والوجداني، وأن يسكتوا عما يجهلون، ومن قال لا أعلم فقد أفتى.

هؤلاء يبيعون الدين في أسواق النخاسة، ويقدمون الفتاوى بحسب الطلب، ويخضعون الدين لأهواء السياسة، ويتقلبون على الأجناب والجيوب، خدمة لمرامي سلطات سياسية أو تنظيمات سياسية، تبتغي عرض الدنيا، وتجند زرافات من العلماء إياهم، لخدمة أهداف ومصالح الوقت، ومن ذلك قول هؤلاء، إن التدخل الروسي في سوريا حرام، بينما التدخل الأمريكي حلال، وكأن التدخل الأجنبي تقاس خطورته وحرمته وحله بأسماء وعناوين المتدخلين، فتفرش الورود، وتهدي الفتاوى للتدخل والغزو الأمريكي للعراق، ثم للتدخل الأمريكي والأوروبى لتحطيم ليبيا، وإلى حد وصف غارات طائرات حلف الأطلنطي بأنها «الطير الأبابيل»، بينما الطائرات الروسية عناوين الشياطين.

وقد وصل الأمر بعشرات من العلماء الأدعياء إلى إصدار بيان عجيب، دعا لدعم من سماهم «المجاهدين» لصد الغزو والاحتلال الروسي، ووصف غارات الطائرات الروسية بأنها الهجمة «الصليبية الأرثوذكسية»، وكأن الصليبية صارت هي الأخرى على أنواع وأشكال وألوان، فلو كانت صليبية «أرثوذكسية» فهي مكروهة، ولو كانت صليبية «بروتستانتية» على الطريقة الأمريكية والبريطانية، أو صليبــــية «كاثوليكية» على الطريقة الفرنسية، فهي أعظم إيمانا وأدعى للاطمئنان، وأقرب حظوة للمسلمين، وهي الرحمة المهداة والخير العميم، ولذلك تجد العلماء الأدعياء في صف استعجال التدخل الأمريكي، ومناشدة أمريكا أن تتدخل جويا وبريا لإطاحة بشار الأسد، وكأن صالح المسلمين في يد أمريكا، التي تقيم قواعدها العسكرية في أقطار هؤلاء العلماء، ويتنعمون ببركتها وحمايتها، ولا مانع عندهم من التعامل مع المخابرات الأمريكية كأنها جماعة إسلامية، ومع الجنود الأمريكيين كأنهم حماة الديار، ومع الأمريكيين كأنهم أمة على وشك دخول الإسلام، بل ربما يكون الأمريكيون ـ بدون علمنا ـ قد دخلوا دين الإسلام أفواجا، وأصبح سيد البيت الأبيض خليفة لعموم المسلمين.

خطيئة هؤلاء أنهم يحشرون الدين في ما ليس فيه دين، وكاتب السطور ليس علمانيا، ويؤمن باستقلال السياسة عن الشريعة، في ما لم يرد به نص قطعي مقدس، ويميز بين دائرة الدين بأحكامه ونواهيه الإلهية والنبوية حصرا، ودائرة السياسة التي نحن أعلم بها، كما قال الرسول في حديثه الشريف «ما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به»، وطوال التاريخ الإسلامي، ظهرت آراء ونظريات لما سموه «السياسة الشرعية»، وما وصفوه بدار الحرب ودار الإسلام، وكانت مطبوعة مشفوعة بمواصفات وأحوال زمانها، تماما كما هي قصة الخلافة الإسلامية بعد الأئمة الراشدين الأربعة، فلم تكن هذه الخلافة سوى قصة دنيوية بحتة، أساءت وأحسنت، صعدت وهبطت، ازدهرت واندثرت، صنعت حضارة وقادت إلى تخلف، وكان رباطها واهيا بالدين في أغلب أزمان ملكها العضوض، ومراجعة كتب «السياسة الشرعية» تثبت هذه الحقيقة الدنيوية البسيطة، إقرأ مثلا كتاب «الأحكام السلطانية والولايات الدينية» للماوردي ذي المذهب الشافعي، وإقرأ معه كتاب «الأحكام السلطانية» لمعاصره أبو يعلى الفراء ذي المذهب الحنبلي، ولن تجد سوى كلاما طيبا مرصعا بالروايات والأحاديث عن الشورى في عهد الرسول (ص) والخلفاء الراشدين، والتقلبات المبكرة في نظام «أهل الحل والعقد»، واشتراطات عابرة ومتناقضة عن الحد الأدنى لأعدادهم المطلوبة، نهاية للقول بأنه يكفي وجود بيعة من خمسة، ثم إنقاص العدد الأدنى إلى ثلاثة أشخاص، ثم إلى واحد هو الذي يغلب بالسيف، فتكون الخلافة والإمامة لمن غلب، وتتوجب طاعته برا كان أو فاجرا، هكذا(!)، فلا تكاد تعرف حكمة في ما كتبوا، ولا تفهم معنى لصرفهم الجهد الجهيد في تدبيج هذه الكتب المطولة المملة، ما دامت الخلاصة على هذا القدر من الهزال العظيم، وترديد كلام لا يليق في مقام الخلق أو العقل أو الدين، وقادت إليه نزعات الإفتاء في أي شيء وكل شيء، حتى لو وهنت صلته بالأمر الديني، وابتداع أقوال تلصق بالدين وهو منها براء، وهي عادة رذيلة ظلت في حياتنا إلى اليوم، وتفاقمت في أجواء التخلف الروحي والحضاري، والتطوع «الديني» في خدمة الأعداء والظالمين، وإشاعة الفرقة بين الناس، وتكفير المسلمين بعد توثين غيرهم، واستسهال إصدار الأحكام بتكفير الخصوم، وابتداع إسلام على المقاس، والحكم على من لا يوافقك الرأي الدنيوي بدخول جهنم والعياذ بالله، وتسويـــغ عادة أن تفتي بغير علم، وأن تقيم من نفسك إلها يحكم على الناس، وهذا هو الكفر بعينه، فإن الله يغفر كل شيء إلا أن يشرك به. وقد أقام هؤلاء العلماء الأدعياء من أنفسهم آلهة.

ولو كان هذا «الجهل» مما يخص أصحابه، لقلنا سلاما وعفوا وإعراضا عن الجاهلين، لكن فتاوى الجهالات تزور وعي وحركة الناس وتنشر البلاوي، وتقتل وتسيل دما حرمه الله، وتدمر الأوطان والأديان، وتبيد الحرث والنسل، وتهلك الحجر والبشر، وعلى طريقة ما جرى ويجري في سوريا، فقد دمرت فتاوى الجهالات ثورة الشعب السوري السلمية ضد ديكتاتورية بشار الأسد، وساعدت الأسد نفسه على القفز على الثورة السلمية ومطالبها المشروعة، والهروب للأمام بدفن الثورة تحت الأنقاض، وإحلال حرب طائفية لا شرف فيها ولا دين ولا ضمير، قتلت من السوريين مئة ضعف الذين استشهدوا في كل الحروب مع كيان الاغتصاب الإسرائيلي، وحولت سوريا الجميلة إلى خرائب وأطلال، وانتهت بملايين السوريين ـ وهم أكرم الناس ـ إلى محنة العوز والتشرد واللجوء الهائم، وحولت البلد إلى غابة وحوش على طريقة وحشية جماعة الأسد، وإلى حدائق ديناصورات على طريقة الجماعات المسماة زورا بالإسلامية، التي لا تؤمن لا بثورة ولا بحرية ولا بعدالة ولا بمساواة، بل تؤمن فقط بالهلاك اللانهائي، وبدعوى إقامة خلافة وإمارة فوق جماجم السوريين، وتحويل سوريا إلى خلاء مفتوح، فقدت فيه القضية «سوريتها» بطمس الثورة السلمية، التي لم تستمر سوى لبضعة شهور، ثم جاءت أطيار الشؤم من كل جنس ومن مئة دولة، وتحولت المحنة إلى مأساة لا تبدو فيها من فرجة أمل، وفقد الوضع السوري «سوريته»، ثم فقدت قضية سوريا «عروبيتها» بتخاذل العرب، وبمسارعة بعضهم إلى تقديم عشرات مليارات الدولارات طعاما للنار، بهدف تحطيم سوريا بالكامل، وتسليم ركامها لقوى إقليمية من نوع تركيا وإيران، ثم جرى تجاوز «الأقلمة» إلى «الدولنة»، ودخول «الروسنة» ـ أي التدخل الروسي الكثيف ـ كآخر صيحة على خط التدويل، وبديهي أنه لا تركيا ولا إيران ولا أمريكا، ولا روسيا تريد خيرا للسوريين، فالكل يسعى لتأمين مصالحه على جثة سوريا، وتحويل الأراضي السورية ـ بعد هلاك البشر ـ إلى كعكة قابلة للتقسيم، وإلى مناطق نفوذ وامتيازات متبادلة، وفي ذلك، فلا يفترق التدخل الروسي عن التدخل الأمريكس، اللهم إلا في جدية روسيا وعزمها على حماية مصالحها وقواعدها ومناطق امتيازاتها على الشاطئ السورس بالذات، فلا «صليبية» ولا «أرثوذكسية» في الموضوع، إنما هو زمن تقسيم الغنائم السورية بعـــد إهلاك الثورة والبلد، والبركة في الفتاوى الجهولة، التي تنتقل من تدمير بلد عربي إلى آخر، وعلى طريقة ما جرى ويجـــري في العراق وسوريا واليمن والصومال والسودان وليبيا، حيث تبدو «داعش» كعنوان خراب نهائي، بينما فتاوى الجهالات من جماعات السلفيين والوهابيين والإخوان هي التي مهدت الأرض، وأخضعت الدين لملة الهلاك بالجملة، فـ»داعش» هي أعلى مراحل تطور ما يسمى بحركات الإسلام السياسي، إلا من عصم ربك وثاب إلى عقله ورشده.

وليست القضية في أن يبقى بشار الأسد أو أن يذهب، فلم نعد في ترف التطلع إلى نظام سياسي أفضل في سوريا، بل في محنة السؤال عن مصير سوريا نفسها، وعن فرص بقائها على خرائط الدنيا، وبعد أن بانت عليها الشروخ وعلامات التقسيم، فقرابة نصف الأراضي السورية يحتلها «داعش»، واسترد أكراد سوريا بعضا من أراضي دولة «داعش»، فيما ذهب خمس الأراضي السورية لسيطرة جبهة «النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» المدعومة من تركيا، وذهبت عشرة بالمئة من سوريا إلى جماعات وفصائل زواريب تعد بالمئات، وتبقى أقل من خمس أراضى سوريا، بما فيها المدن الكبرى وغالب السكان، في حوزة جماعة بشار الأسد المدعومة من إيران، ودخلت روسيا على الخط أخيرا، وبقوة نيران هائلة، وبهدف منع الإسقاط النهائي لبشار الأسد، واسترداد أراض ضائعة إلى حوزة نظامه، وجعل مركزه التفاوضي أفضل إذا أتى زمان التسويات، وجعل «سوريا المفيدة» لا سوريا الكاملة من نصيب النفوذ الروسي، فالخطر الماثل هو فناء سوريا، وتحطيم الدولة والجيش يعني ذهاب سوريا إلى دفاتر الذكريات وكتب التاريخ.

 

٭ كاتب مصري

القدس العربي

 

 

 

 

 

بوتين زعيما أوحد للثورة المضادة عالميا و عربيا/ مطاع صفدي

إنها الأمة المحرومة من وسائل الدفاع عن نفسها، ذلك هو المصير العاري من كل اعتذار الذي يجعل من أمة الثلاثمئة أو الأربعمئة مليون من البشر مكشوفة الصدر والظهر أمام كل عاصفة عابرة أو غادرة تضربها.

فالذلّ الذي ما زالت تنحدر في هاويته لم يعد يعني لها (هذه الأمة) أنها أكثر من كونه واقعاً قاهراً لا سبيل إلى مقاومته بالطرق المألوفة العقلانية أو أشباهها. هذا الوضع ليس استسلاماً بعْدُ وإن كانت له دلائله ماثلة للعيان. وقد يقال أن هناك طرقاً كثيرة لتجنّبه، للتطهر من وبائه قبل تمدده نحو كل نفس، فهل هذا يعني أن الذات العامة ما زالت محصنة ضد الاستسلام، ليس اعتماداً على قوى احتياطية سوف تستخدمها في لحظتها المناسبة، بل لأن الذات الجماهيرية ما اعتادت أن تعترف بأية هزيمة تحيق بها، وإن كانت واقعية إلى أبعد الحدود؛ أن هذه الذات ألفت من عمق تاريخها التعايش مع أشرّ الشرور التي نزلت على رأسها، فلن تكون أحوال العرب الراهنة والمستمرة أقل ضرراً بالناس من سابقاتها.

لكن حدث أخيراً أن تمّ تجريد هذه الذات العامة من جميع أدوار الدفاع الذاتي، غير أنها لم تخسر حتى الآن ما تبقى من عمومية وجودها، أي من قدرتها على كشف مصادر ومكامن حيوية كانت مجهولة، ولكن فظاعات الأحداث الشريرة المتوالية قد أيقظتها من سباتها لتكتشف هذه الذات العامة أنها خسرت أسلحة نهضتها الحديثة. فقدت أحزابها جملة وتفصيلاً، ضاع أقدسْها تحت طغيان سُفهاتها. خسرت الذات العامة الكثيرين مما اعتبروا أنفسهم من عناصر الطلائع. خسرت الذات العامة مجمل تجاربها الموصوفة بالمؤسسات الثورية. مَشَتْ على حطام من أفكار العدالة والمساواة والحرية. حتى أنها تمّت تعرية الذات العامة من كل فضائلها تلك كما لو كانت مجرد أقنعة لنضالاتها الحضارية السابقة. هذا معناه بكل بساطة أنه لا يمكن قتل الذات العامة. فقد تتلقى عوامل العطالة والبطالة الوجودية، لكنها ستجعل ـ هذه العواملَ ـ مجرد أسهم خشبية تتكسّر نِصالُها على بعضها.

هذا مع الاعتراف بأن أعداءنا لم يستهلكوا كل قواهم دفعة واحدة وهم لايزالون يفتكون بمواسم (الربيع) الصاعدة ما بين واحات وأنهار المشرق وموانئ الغرب.

بل لعل عرب المشرق يعلنون على الملأ أنه من غزارة المصائب النازلة في حقهم لم يعودوا يميزون أعداءهم من أصدقائهم. فالأكثرية من صنف الأعداء قد يقابلها أكثرية أخرى من صنف الأصدقاء. لكن الأحداث لا تترك صنفاً يتغلب على الآخر. وإن حدث ذلك فلن يكون إلا عرضاً عابراً. وقد كان أن استثمرت روسيا هذا الوضع، فأقبلت على مبادرة تضع الجميع مرة واحدة أسرى للعجز الفوري الذي يشل ضحاياه حتى عن بروز ردود الفعل ضد الهمجية (السوفييتية) المنبعثة مجدداً وهي ملتحفة بأكفان هزائمها السياسية والكيانية السابقة. إنها لن تكون كعودة المسيح (المنبعث) من قبره، فالميت لن يخيف انبعاثُه أحداً من عالَم الأحياء الحقيقيين، بينما يظل الميت ميتاً وإن تظاهر بقوى من ماضيه لم تعد من خصائصه أبداً.

أما الغرب التقليدي من شيوخ أوروبا ومعهم ملوك الجشع الأمريكي للنفوذ والسيطرة بأكثر من الجشع المعتاد تجاه الدولار هؤلاء القوم الذين يعتبرون أن العالم كله بات من ممتلكاتهم بشراً وحجراً، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً هؤلاء لا يكادون يعترفون أن بوتين استطاع أن يهز مقعداً من مقاعد عروشهم، سواء عندما فاجأ الغرب كله مع استرداده لشبه جزيرة القرم، أو حين تجرأ على إعلان استعماره الجديد لسوريا. ولربما كانت أسباب اللامبالاة السياسية الغربية هذه ليست ناجمة من عدم التقدير الجدي لقيمة أشباه هذه الأفعال العبثية فحسب، بل لأن بوتين إنما يتصرف كأنه خارج الزمن. فهو ذاهب إلى الميادين المغلقة ليفتح أبوابها على معارك الزمن البائد. إنه الذاهب وحده إلى جهنم، المطفأة نيرانها الكونية منذ أكثر من نصف قرن وأكثر فإشعال كومة من الحطب هنا أو هناك لن يضيف حقائق جديدة إلى الجحيم الأكبر بحرائق أخرى.

ليس من عقل دبلوماسي يمكنه أن يوافق على التدخل الروسي المفاجئ إذ تراه كل عين مجردة عن الدوافع الأنانية أن هذا التدخل لن يأتي بالحل إلى أية عقدة من عقد الأزمة السورية المستعصية. بل سيكون التدخل تطفلاً غريباً مستهتراً بأبسط قواعد الإغاثة الإنسانية ومعها الإطاحة بأبسط قواعد القانون الدولي حول سيادة واستقلال الأوطان.

غير أن اللامبالاة بالمفاجأة البوتينية لا يفسرها الراسخون في قراءات الماورائيات الدبلوماسية أنها تعبير عن عدم الجرأة في استئناف صراع جدي جديد مع هذا القائد المهووس باستعادة أمجاد الماضي السوفييتي. ولكن الغرب عامة فإن قاداته بانتظار التحرك الأمريكي، في الوقت الذي لا يكف فكر الغرب عن تعلق شعوبه بثقافته المشروعية المنظمة لمواقف الدول من بعضها وخاصة بالنسبة للعمل السياسي بل الدفاعي السلطوي كذلك.

أوباما يريد للسياسة الروسية أن تتابع طريق الغرق أكثر في وحول التخبط العقيم في المستنقع السوري الكبير. يريد لموسكو أن تمعن تورطاً أعمى في متاهات التناقض بين الأفعال والأقوال، أن تخسر حتى الحدود الدنيا من مسوّغات الحقيقة فيما تنتويه من اهدافها الظاهرة والباطنة، يريد المثقف الغربي أن يؤمّن بوتين كل العناصر المؤسسة لنموذج الديكتاتورية الأحدث. كيف يحقق بل يتجاوز ببساطة أمثلة الاستبداد التقليدية من فاشية ونازية، وكيف يضيف اليها تعديلات متنوعة تعكس مستجدات العصر في الظروف والمفاهيم وطرق الممارسة. يريد العقل الواعي المحايد أن يعيد إلى مركزية الحضارة اهتمامها الأول في كشف أصول الاستبداد العميقة والمحجوبة، والتي قد تغطي حقائقها وسائل الإعلام الإلكترونية المستحدثة؛ ذلك إن العالم لم يتقدم كثيراً عما وصل إليه إبان انهيار معسكرات الاشتراكيات الزائفة، فإن سقوط إمبراطوريتها الكبرى، الذي هو الاتحاد السوفييتي لم يحرر التاريخ كلياً من نزعات التسلط المنتشرة تحت جلود الأمم منذ البدء.

هاهي التجربة البوتينية تبرز إلى مقدمات المسارح الحديثة وكأنها تعلن أن هيكل الوجود الإنساني مبني من جماجم الأطفال. أن الشر المحض لايزال قابضاً على أسرار استمراريته. وكان مفتاحها السحري قد نجحت تجاربه الجديدة أن يفجّر نوع الجحيم الأرضي الأعمق، أن تقع ارهب الفظاعات، أن تستولي الفظاعة وحدها على ما كان يسمى بالسياسة والإيديولوجيا والكفاح والعدالة الخ.. أن تنقلب المذهبية إلى أوحش وحوش الغابة الإنسانية، أن تصبح مذابح سوريا والعراق، قصصاً خيالية كأنها تكتب واقعاً آخر سواها، أسطورياً أبعد من كل مخيال شيطاني.

التجربة الأسدية فتحت الطريق انطلاقاً من الاستبداد القطري إلى خط الاستبداد العالمي. فهل لن يتحرك هذا العالم الكئيب أخيراً ضد البؤرة الكبرى للطاعون الأسود، عندما لن يتبقى من الإنسانية إلا شعوب الطاعون، إن الموبوئين وحدهم الذين لن يجدوا آخرين يقبلون بدفنهم.. لن يجدوا من يحفر لهم قبورهم الخاصة ماداموا جميعاً أسْرى يعيشون في قبر واحد كبير يتسع للجميع، وقد يصيرون قريباً إلى جثث مكدسة فوق بعضها إلى ما لا نهاية.. لن تكون إلا مجرد نفايات لحضارة العنف المجنون الذي التهم لحمه الخاص بعد أن لم يَبْقِ على شيءٍ من لحوم أصحابها المنتحرين بغرورهم الحيواني.

هل يهنئ تاريخ (الشر المحض) نفسَه بعد أن تمكّن من إعادة إنشاء نادٍ جامع لعُتاة المستبدين في الارض. هل دشن بوتين افتتاح هذا النادي منذ أن قرر لدولته أن تلعب دور الحماية (المجانية) لأفظع بقايا جبابرة الاستبداد الشرقي. هذه الحماية التي يرى فيها الجميع أنها قريباً لن تتمكن حتى من حماية نفسها. ناقلو الطاعون لن ينجوا من عدواه طويلاً. فَلْيهنأ بوتين بمنصبه المكتسب بجهده البطولي أن يكون زعيماً لنادي بقايا المستبدين، فقد يجعله ذاك يعتقد أنه يحقق جوهر النظام القيصري منذ عمالقته الأوائل. وذلك بعد أن حرر هو الهمجية الراهنة من أقنعتها السياسية بإبراز النموذج السوري كيما يغدو مثالاً تحتذى فظاعاته لقفل ثوراتها قبل تفجرها أمر السعي إلى اغتيالها بشرذمة عناصرها أولاً. وكأن آخرها وأعنفها قناع الإمبراطورية السوفييتية. نعم بوتين هو القيصر الجديد الحقيقي. أما أجداده الماضون فقد أمسوا أمواتاً منسيين مجدداً مع مغامرة سليلها دون أية أسطورة سياسوية أو أيديولوجية سوى أن الطاعون هو أفعاله فحسب. والفعل البوتيني يريد أن يكون بتنفيذه المشروع من بابه إلى محرابه.. ها هو اليوم بانتظار أجوبة العالم على هذا التحدي المستحيل، لكنه مع ذلك القابل للاستخدام على الطريقة البوتينية عينها.

٭ مفكر عربي مقيم في باريس

القدس العربي

 

 

 

 

هل تتحالف أمريكا مع «الاسلام الجهادي» ضد روسيا وإيران؟/ د. عصام نعمان

تكشّفت الحروب في سوريا والعراق واليمن ومصر (سيناء) وليبيا وتونس والجزائر عن حقيقة صارخة: «الإسلام الجهادي»، بمختلف أركانه وتنظيماته، بات قوة ثالثة، سياسية وعسكرية، في مجتمع دولي متعدد الأقطاب.

لا يقتصر حضور «الإسلام الجهادي» على حروب يشنّها ضد دول وحكومات في بلاد العرب، بل يقود حروباً وعمليات إرهابية وعنفا أعمى في افغانستان وباكستان وتركيا، كما في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة واستراليا، ناهيك عن روسيا الاتحادية.

أبرز اركان «الإسلام الجهادي» وتنظيماته اثنان :»القاعدة» و»الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش». تنظيم «القاعدة» له حضور قوي في اليمن الجنوبي (عدن وحضرموت) كما في شمال غرب سوريا (محافظة ادلب). تنظيم «داعش» باتت له دولة فاعلة في غرب العراق (محافظات نينوى «الموصل» والأنبار وصلاح الدين) وفي شرق سوريا (مناطق من محافظات الرقة والحسكة ودير الزور وحلب).

الولايات المتحدة أدركت قبل غيرها قوة «الإسلام الجهادي» وحضوره، فحرصت على التسلل باستخباراتها إلى بعض تنظيماته، كما لم تتورع عن التعاون مع بعضها الآخر، ولاسيما مع «داعش» في العراق وسوريا، ومع «جبهة النصرة» في سوريا. التعاون مع هذين التنظيمين اتخذ صيغة إجارة الخدمات عند التقاء المصالح السياسية والاهداف الميدانية في الصراع مع خصوم مشتركين.

التعاون الميداني بين الولايات المتحدة و»داعش» انحسر مؤخراً نتيجةَ توسع «الدولة الإسلامية»، ولا سيما في العراق، ما هدد مصالح واشنطن وحلفائها المحليين. لكنه مرشح إلى العودة والتجدد حيال بروز تطور جديد وخطير: وثوب روسيا إلى سوريا وتكثيف وجودها العسكري فيها وتوسيع مشاركتها القتالية إلى جانب الجيش السوري في الحرب ضد مختلف تنظيمات «الإسلام الجهادي»، ولاسيما جناحه الإرهابي التكفيري.

تبدو الولايات المتحدة مرتبكة حيال «الهجمة» الروسية السريعة والواسعة الممتدة من بحر قزوين إلى البحر المتوسط، ناهيك عن اجواء سوريا في العمق، وفي محاذاة حدودها مع تركيا والعراق. ذلك أن تداعيات ومفاعيل عدّة نجمت عن «هجمة» روسيا، يمكن تلخيصها على النحو الآتي:

دعم الجيش السوري لوجستياً ونارياً وتمكينه من الانتقال من حال الدفاع إلى حال الهجوم في مناطق عدّة في وسط البلاد وشمالها الغربي.

رفع معنويات الشعب السوري وعودة شبّانه إلى تلبية نداء خدمة العلم أو التطوع في كتائب «الدفاع الوطني» المؤازرة للجيش.

انتعاش القوى المناهضة للولايات المتحدة في العراق وارتفاع أصوات المطالبين بأن يمدّ سلاح الجو الروسي نشاطه لضرب «داعش» في مواقعه العراقية، بعدما تكشّف هزال ضربات «التحالف الدولي» الذي تقوده أمريكا.

تراجع دور تركيا وفعاليتها في الساحة السورية، ولاسيما بعد اضطرار التنظيمات الإسلاموية الأجنبية (الشيشانية والتركستمانية والايغورية) المتحالفة معها إلى التقهقر باتجاه حدودها مع سوريا.

انتعاش قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية المتحالفة مع سوريا، خصوصاً قوى المقاومة ومناصريها في الضفة الغربية وغزة، وحتى في المناطق المحتلة عام 1948، وارتباك حكومة نتنياهو حيالها ناهيك عن عجزها عن السيطرة على انتفاضاتها الشعبية المتعاظمة.

إعلان مصر دعمها للتدخل العسكري الروسي في سوريا ضد «داعش»، ووضوح اغتباطها من انعكاس ذلك سلباً على «غريمتها» السياسية والإستراتيجية: تركيا.

تزايد مشاركة إيران ميدانياً في الحرب ضد الإرهاب في سوريا بدلالة إعلان الحرس الثوري الإيراني عن استشهاد أحد أركانه الجنرال حسين همداني، العامل كمستشار لدى الجيش السوري في منطقة حلب.

كل هذه الواقعات والتطورات تدرسها واشنطن بعناية، فماذا عساه يكون قرارها؟ هل تردّ ميدانياً على روسيا أم سياسياً ام بكليهما؟

تطور ذو دلالة أن يصرح وزير الدفاع الأمريكي اشتور كارتر محذراً روسيا في اجتماع وزراء الدفاع في دول حلف شمال الاطلسي بقوله: «خلال الأيام المقبلة سيبدأ الروس بتكبد خسائر بشرية». التصريح يحتمل تفسرين: تحذير موسكو من قيامها بدعم الجيش السوري بكتائب قتال برية، أو أن تكون واشنطن بصدد تزويد تنظيمات «الإسلام الجهادي» في سوريا اسلحةً فتاكة، من شأنها إلحاق خسائر فادحة بالقوات المحاربة، سواء كانت سورية أو روسية.

بعض مؤشرات التحذير الامريكي سرعان ما تبدّى على الارض: وحدات من «جبهة النصرة» قامت باستعمال صواريخ «تاو» المضادة للدروع، وأعلنت تحقيق «مجزرة دبابات» في الجانب السوري. القيادة السورية كذبت مزاعم «النصرة» ودعمت تكذيبها بسرد اسماء المواقع التي تمكّن الجيش السوري من السيطرة عليها في سهل الغاب وشمال محافظة حماة. إلى ذلك، أكدّ مصدر عسكري سوري أن صواريخ «تاو» التي استعملتها «النصرة» هي جزء من «كدسة» لا تقل عن الف صاروخ مضاد للدروع كانت تركيا زودتها «النصرة» عشيةَ السيطرة على بلدة جسر الشغور قبل اشهر.

الارجح أن قرار واشنطن النهائي في طبيعة الرد على موسكو سيُتخذ بعد تقويم احتمالات واعتبارات معينة، والإجابة عن الاسئلة التي تثيرها:

هل تدخّلُ روسيا العسكري مرده ومسوّغه دعمُ حضورها ونفوذها في سوريا، كما اختبار بعض اسلحتها الجديدة المتطورة؟ أم أنه ينطوي على أهداف أخرى أبعد مدى وخطورة؟

هل يؤدي دعم روسيا لسوريا إلى نجاح محور قوى المقاومة في طرد تنظيمات الإرهاب من بلاد الشام، وبالتالي تكريس وجود إيران على حدود فلسطين المحتلة من جهة ووصولها إلى مياه البحر المتوسط من جهـة اخرى؟

هل يؤدي التطوران السالفا الذكر إلى إضعاف، إن لم يكن إلى طرد نفوذ أمريكا من المشرق العربي، كما إلى تهديد أمن «اسرائيل»؟

في ضوء الإجابة عن هذه الاسئلة سيتقرر الرد الامريكي، سواء بصيغة سياسية أو عسكرية. اذا ما تبيّن أن التدخل الروسي ستكون له مفاعيل استراتيجية سريعة وقوية، فإن رد واشنطن سيكون، على الارجــــح، عسكرياً وذلك باعتماد صيغة متقدمة لحرب بالوكالة تتحـــقق بإقامة تحالف مرحلي مع قوى»الإسلام الجهادي» وتنظيماته الاقوى («داعش» و»النصرة» وغيرهما) وتزويدها أسلحةً فتاكة متطورة لكسر حدّة الهجمة السورية – الروسية المتعاظمة، والحؤول دون قيام رديف لها في العراق، والسماح لتركيا بمباشرة دور لوجستي وعسكري أوسع في شمال سوريا، والإيعاز إلى «اسرائيل» بأن تلعب دوراً مماثلاً في جنوب سوريا.

أما إذا كان تقدير واشنطن أن بإمكانها احتواء مفاعيل الحضور الروسي المتعاظم في سوريا (وربما في العراق) ضمن حدودٍ لا تؤذي نفودها ولا أمن اسرائيل، وتتضمن توافقاً على تسوية سياسية تحدد حصص الاطراف المتصارعة ليصار إلى تظهيرها واعتمادها في مجلس الامن الدولي أو في «مؤتمر جنيف -3»، فإنها سوف تستبعد (او تؤجل) أي ردٍ عسكري من الطراز المشار اليه آنفاً. أياً ما سيكون عليه قرار واشنطن وحظوظه من النجاح أو الفشل، فإن الحرب في سوريا وعليها ليست مرشحة لنهاية قريبة.

٭ كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

 

 

هل يغرق بوتين في الأوحال السورية؟/ سعد كيوان

تهدر المقاتلات الروسية في سماء سورية، شمالاً وغرباً، وتخترق الحدود مع تركيا، لترمي قنابلها على ما تقول القيادة الروسية إنها مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فيما تؤكد تركيا والولايات المتحدة أن عشر الغارات فقط من أصل نحو مائة استهدفت فعلاً مواقع التنظيم الإرهابي. لماذا أرسل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مقاتلاته إلى سورية، وهل سيتبعها بمغامرة إرسال قوات برية؟

يؤكد بشار الأسد جازماً أن الروس أتوا لمساندته بناء على طلبه، وقد أصبحت سلطته على حافة الانهيار، وبات يسيطر فقط على 20% من الأراضي السورية، على الرغم من البطولات المتخيلة التي يتحدث عنها حزب الله الذي يعد نفسه باستعادة زمام المبادرة والتحضير لهجوم بري بغطاء جوي روسي على الخط الساحلي من دمشق، باتجاه حمص واللاذقية (وفي الطريق معركة الزبداني المعلقة منذ أشهر). أما إيران عرّابة بشار التي تعتبر جنرالها الفاشل في العراق وفي سورية، قاسم سليماني، صاحب الفضل في إقناع بوتين بالتدخل. فهي تفاخر بأنها أعادت التوازن إلى الجبهة، وعوّضت عن عدم قدرتها على التدخل المباشر والمكشوف لأسباب واعتبارات عديدة ومختلفة، جيوسياسية ولوجيستية ومذهبية وغيرها. ناهيك عمن يعتبر أنه نجح في استدراج “الدب الروسي” إلى المنطقة ليعينه على حل مشكلاته، ويريده أن يتدخل أيضا في العراق، من أجل إيجاد توازن استراتيجي مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ولكن، هل يعرف بوتين نفسه فعلاً ماذا جاء يفعل، وماذا سيواجه، وما هو الثمن المحتمل الذي يمكن أن يدفعه، وهو الوارث للإمبراطورية السوفييتية المنهارة؟

لا شك، أولاً، أن رؤية “الحصان” الذي راهنت عليه روسيا منذ بداية شرارة الثورة السورية، لكي تتمكن من لعب أوراقها والحفاظ على دور لها في المنطقة (أنظر ما حصل لها في ليبيا)، ينهار على الرغم من الدعم السياسي والعسكري الذي قدمته له. فالأسد ليس سوى “حجر” في لعبة الشطرنج ضمن الصراع على رقعة النفوذ بين الدول الكبرى، وكذلك بالنسبة لإيران الساعية إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، وتثبيت موطئ قدم لها في المنطقة العربية، وعلى ساحل المتوسط عبر البوابة السورية. وثانياً، تعاني روسيا، ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، من خطر نمو التطرف الأصولي وتوسعه من حولها، تحديداً في الشيشان، وفي محاكاته المسلمين لديها.

وثالثاً، بوتين هو فعلا وريث الإمبراطورية السوفييتية التي جاء إلى السلطة من رحمها، والذي ما زال يشده الحنين إلى ذلك الزمن، وإلى عظمة السلطة القوية والتوسعية؛ وهو الذي نشأ وترعرع في حضن جهاز الاستخبارات السوفييتية (كي.جي.بي). وهذا النزوع تجسده الأزمة الأوكرانية مثالاً حياً، يجمعه، بطبيعة الحال، مع نموذج الأسد، سلطة قمعية وعقلية هيمنة ووصاية تجاه لبنان وفلسطين والمحيط. ولا بد من القول هنا إن واشنطن والحلف الأطلسي لم يوفرا منذ العام 2000 أي ضغط على موسكو، ولا أي محاولة لمحاصرتها في دول المحيط، منها جمهوريات كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق. ما دفع بوتين إلى العودة إلى أجواء الحرب الباردة، طمعاً بإحياء أمجاد غابرة.

“بوتين وريث الإمبراطورية السوفييتية التي جاء إلى السلطة من رحمها، والذي ما زال يشده الحنين إلى ذلك الزمن، وإلى عظمة السلطة القوية والتوسعية؛ وهو الذي نشأ وترعرع في حضن جهاز الاستخبارات السوفييتية”

كما أن اللافت هو عملية ترويجٍ “قيصر جديد”، رافقت التدخل الروسي المفاجئ، وانطلقت قبل أن تحط المقاتلات على الأرض السورية، في حملة تعبئة وتجييش في روسيا. وقد وصل التمجيد بشخصية بوتين الفذة وشجاعته “بطلاً قومياً” في الدفاع عن مصالح روسيا العظمى، إلى درجة وضع في التداول هاتف خليوي أطلق عليه تسمية “بوتين إيفون”، وثبّت في خلفيته رأس مذهب للرئيس الروسي. وها هي الكنيسة الأرثوذكسية تهب لنجدة سيد الكرملين، بإعلانها الوقوف إلى جانب التدخل بما هو “حق مقدس للدفاع عن الأقليات المسيحية في الشرق”، في خطوة استفزازية لمشاعر المسلمين السنة. إلا أن الوقائع التي رافقت الحملة العسكرية تظهر أن الإرباك هو سيد الموقف، على الرغم من البيانات والتصريحات اليومية التي تعدد عشرات الغارات التي تصيب أهدافها (غير الواضحة!) والبطولات التي تحققها، تماماً كما تعلن الولايات المتحدة ودول التحالف الغربي عن غاراتها، هي الأخرى، ضد تنظيم داعش. غارات كانت موسكو وطهران بالأمس تعتبرانها غير فعالة، ولن تقضي على الإرهابيين. ولماذا تركيز القصف إذاً على إدلب وحمص اللتين يسيطر عليهما “الجيش السوري الحر”، أو المعارضة المعتدلة كما يحلو لبعضهم تسميتها؟

يقول مسؤول روسي إن “الهدف من التدخل منع الإرهابيين من دخول دمشق والاستيلاء على السلطة، والدفع باتجاه قيام حوار بين الأسد والمعارضة غير المسلحة”. أي المعارضة التي اخترعها النظام السوري، وتجلس معه في الحكومة، ويدور بعضها في فلك موسكو؟ ثم تستدرك القيادة في اليوم الثاني، معلنة استعداد موسكو للحوار مع “الجيش السوري الحر” المسلح، ولتؤكد أنه لا خلاف مع واشنطن حول عملية الانتقال السياسي للسلطة، وأنها على تنسيق مع الولايات المتحدة، وحتى مع تركيا التي تستفزها، في الوقت عينه، بخروق لمجالها الجوي. وفي المقابل، تطمئن إسرائيل بأن حرية الطيران ستبقى متاحة لها فوق الأجواء السورية (وهذا ما فعلته تل أبيب بعد يومين على التدخل)، وأن القنيطرة لن تكون مسرحاً لحزب الله المحتفي بالحملة الروسية. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد أكد لبوتين أن “لا مشكلة لنا مع الأسد”، بعد أن اطلع بدون شك على ما كرره الأخير أن “المعركة الآن هي مع الإرهاب، وليست مع إسرائيل”.

فهل يسعى سيد الكرملين إلى فرض حل سياسي بالقوة عبر التدخل العسكري؟ انطلاقاً من موقف روسيا والنهج الذي سلكته في تعاطيها مع الثورة السورية، منذ اندلاعها في 15 مارس/آذار 2011، ووقوفها إلى جانب النظام، ثم دعوتها إلى تغليب حل سياسي، لا يستثني مسبقاً دوراً للأسد فيه، يصبح من المنطقي افتراض أن موسكو قررت التدخل العسكري لتعويم “ورقة الأسد” المنهارة، لتتمكن عبرها من فرض هذا الحل، وإجبار بشار على قبوله. ويجدر، في هذا السياق، لفت الانتباه الى ما صرح به الأسد نفسه لقناة الخبر الإيرانية، قبل أيام، وعبّر فيه عن استعداده للتنحي “إذا كان هذا سيساهم في حل سياسي بين السوريين”.

فهل سيستعمل بوتين الأشهر الأربعة التي أعطاها لنفسه من أجل فرض تسوية سياسيةٍ، تم التفاهم عليها مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وعلى أساسها حصل على الضوء الأخضر للتدخل؟ أم فضلت واشنطن اتخاذ موقف المتفرج، وتركته يتورّط في مغامرة عسكرية سوف تغرقه في الأوحال السورية، مثلما غرق الاتحاد السوفييتي السابق في أوحال أفغانستان.

العربي الجديد

 

 

 

 

سوريا بعد التدخل الروسي.. رهانات التوغّل البريّ/ نذير رضا

خلط التدخل العسكري الروسي في سوريا، الأوراق السياسية والميدانية مجددًا، وانسحبت تداعياته على الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية في سوريا منذ بدء الصراع، وسط مؤشرات على إعادة الصراع إلى ما قبل 25 مارس (آذار) 2015، ومخاوف من تمكين قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد من استعادة حضورها في مناطق استراتيجية، كانت قد خسرتها بشكل دراماتيكي إثر انهيارات متتالية في الشمال والشمال الغربي. وحسب مصدر معارض فإن المعارضة السورية «استبقت خطط الهجمات المعاكسة باجتماعات شاركت فيها الفصائل الفاعلة، وتوصلت إلى أن خيارات المواجهة قرار وجودي، على قاعدة أننا واجهنا النظام بكل آلاته وانتصرنا عليه، كما واجهنا تدخلا من قبل حزب الله، ولن يردعنا التدخل الروسي عن المواجهة».

يقرأ راصدو التدخل الروسي في سوريا أنه يرمي إلى إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد. فهو من جهة، يمهّد للقوات النظامية السورية وحلفائها، مثل حزب الله اللبناني وميليشيات حليفة لها، «لاستعادة قدرتها على التقاط الأنفاس في الميدان»، كما يقول معارضون في شمال سوريا. ومن جهة أخرى، «يسعى لتثبيت نفوذه في المنطقة، مقابل انحسار الدور الأميركي، وإحجام تركيا عن المبادرة، بفعل الحسابات الداخلية لحزب العدالة والتنمية، عشية الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية». وهذا، فضلاً عن أن موسكو «تستثمر في الميدان قبل إخراج رئيسها فلاديمير بوتين مبادرة جديدة للحل السياسي من جيبه، يكشف عنها بعد فترة وجيزة من الضغط العسكري لصالح النظام».

وسط تلك المؤشرات والحسابات السياسية، يتشارك الطرفان، النظام والمعارضة، الرهان على الحسابات الميدانية، لتغيير الواقع: فالنظام وحلفاؤه – بدعم روسي – يسعون لفرض شروط جديدة على أي طاولة متوقعة للمفاوضات، بينما تراهن المعارضة على إطلاق خصمها معركة برية، لكسره، ما دامت «مقوّمات الرد على القصف الجوي مفقودة، بغياب منظومات دفاع جوي لدينا».

* عنصر المباغتة

لم يغيّر التدخل الروسي، منذ أسبوع، الخريطة الميدانية على الأرض. إذ ما زالت قوات المعارضة تحتفظ بمواقعها في شمال ووسط سوريا، فضلاً عن أن بعض كتائبها، ما زالت قادرة على خوض الاشتباكات في ريفي محافظتي إدلب وحماه. وجلّ ما تحقق «ارتباك في صفوفنا»، كما قال مصدر معارض لـ«الشرق الأوسط»، مضيفًا: «الضربات المفاجئة، دفعتنا للتريث، وإخلاء المواقع بهدف إعادة تموضع، وتنفيذ انتشار جديد، يحول دون ضربنا، وهو ما قلص هجماتنا، نظرًا لعجزنا عن صد الهجمات الجوية».

ولا يعتبر هذا «الارتباك» مفاجئًا. فالخبير العسكري السوري عبد الناصر العايد شرح لـ«الشرق الأوسط» أن تجميد المعارك «هو أمر طبيعي في حالات مشابهة»، موضحًا: «حين تُشنّ الهجمات الأولى، ستؤثر حكمًا على عنصر المباغتة، كما أنه يتطلب وقتًا كي تتكيف القوات على الأرض مع طبيعة الهجمات». وأضاف العايد «المقرات والأسلحة هي هدف الطائرات الروسية اليوم، لذلك نمرّ بمرحلة حرص، وهذه ليست علامة على أن الطائرات الروسية قد حققت أهدافا كبيرة، لأننا ننتظر الميدان، كما أن النظام وحلفاءه، لا يستطيعون تحقيق أي إنجاز من غير توغّل برّي، ذلك أن الضربات لا يمكن أن تحسم شيئا أو تؤثر على تموضع قوات المعارضة».

العايد قال إنه «إذا كانت هناك أي مقارنة مع وضع عين العرب (كوباني) إثر الضربات الأميركية ضد (داعش)، فإن المقارنة هنا غير صحيحة، لأن عين العرب حدث صغير. المقارنة مع شمال سوريا، تصح مع الموصل أو الرمادي أو تكريت، لأن عدد الأهداف كبير جدًا، وكل مقاتل وعربة، هي هدف كبير». وإذ أكد أنه لا يمكن الحديث عن أربعين أو خمسين طائرة بوصفها تدخلاً حاسما، يلفت إلى أنها «عملية دعم وإسناد ستفقد أهميتها لحظة التلاحم الميداني حيث يفقد الطيران دوره».

لا تتخطى أهداف الطائرات الروسية المقرات العسكرية ومواقع مفترضة لقوات المعارضة، أخلتها منذ الضربة الأولى، حسب مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط». فالمستهدفون في شمال سوريا، «هم المدنيون في المقام الأول الذين تجاوز عددهم الخمسين، إضافة إلى عدد قليل من مقاتلي المعارضة»، وذلك «إثر صواريخ استراتيجية تقذفها الطائرات الروسية من خلال معدل يفوق العشر طلعات جوية يوميًا». وأوضح عبد الرحمن أن كل طلعة جوية «تشارك فيها 6 مقاتلات حربية وقاذفات استراتيجية، وترمي كل منها أربع صواريخ على الأقل». وذكر أن الصواريخ «تشبه حاويات القنابل العنقودية، لكن كل قنبلة ضمن الصاروخ، لها مفعول قوي يعيق الحركة ويدمر مساحات شاسعة».

* المنطقة المستهدفة بالغارات

تمتد الغارات في وسط وشمال سوريا، على شعاع يزيد على مائة كيلومتر، يبدأ من آخر نقاط سيطرة النظام في سهل الغاب ومرتفعات الساحل، وعمق يصل إلى ستين كيلومترًا في شمال حمص، وهي مناطق خاضعة بمجملها لسيطرة قوات المعارضة. وتُضاف إليها أهداف قريبة من مطارات استراتيجية في محافظة حماه وريفي محافظتي إدلب وحلب. ويجمع الخبراء على أن تلك الأهداف الروسية، تسعى إلى تحقيق غرضين: الأول يتمثل في إبعاد نيران قوات المعارضة عن مواقع النفوذ الروسي في الساحل، على ضوء امتلاك قوات المعارضة صواريخ «غراد» معدّلة يبلغ مداها أربعين كيلومترًا.. إلى جانب «خطط مرسومة لدى الروس، لإبعاد قوات المعارضة عن مطارات استراتيجية في العمق السوري»، كما يقول عبد الرحمن، مضيفًا أن موسكو «تنوي تطويرها واستخدامها كقواعد متقدّمة لخطوط الإمداد، مع تطوير عملياتها، وذلك لتوفير الوقت على طائرات لشن هجمات مواكبة لهجمات برّية متوقعة يشنها النظام وحلفاؤه في ريفي حماه وإدلب، وقرب مدينة حلب». وتابع عبد الرحمن أن تلك المطارات هي مطارا كويرس والنيرب في حلب، ومطار حماه، إضافة إلى مطارات ريف محافظة حمص الشرقي.

ويبدو أن خطة المطارات ستتوسّع إلى ريف دمشق، بحسب عبد الرحمن، مستشهدًا بحملة القصف الجوي المكثفة منذ أسبوع على مدينة داريا، بريف دمشق المُحاذية لمطار المزّة العسكري، بالبراميل المتفجرة. هذا، وأفاد إسماعيل الداراني، عضو مجلس قيادة الثورة في دمشق، لـ«الشرق الأوسط» عن أن الطيران المروحي النظامي أسقط خلال 45 يومًا 1150 برميلا متفجرًا على داريا، وذلك منذ سيطرة قوات المعارضة على كتل بنائية محاذية لمطار المزّة العسكري.

حسب عبد الناصر العايد وأوساط معارضة فإن الخطة المتوقعة للتوغّل في سوريا لم تتضح حتى الآن، وسط غارات تنفذ منذ 7 أيام. وشرح العايد «لا يستطيع الطيران الحربي الروسي أن يعطي النظام قدرة على الحسم، لأن التدخل الجوي غير مؤثر في الحروب. إذا كان يريد أن يحقق فارقًا عسكريًا في الميدان، فليس أمامه إلا توغّل المشاة، ولكن يبدو أن الروسي لن يقوم بها، وهو لن يقاتل في الأرض إلا بقوات حليفة وفق خطة عسكرية واضحة، وستكون هذه القوات من حزب الله وإيران، بينما يحاول هو تدمير خطوط الإمداد والبنية المادية للمعارضة، قبل اقتحامها».

وشدد العايد على أن القصف الجوي في سوريا «لا يستطيع قلب الموازين بين ليلة وضحاها»، لافتًا إلى أنه «كلما طال أمد المعركة، ستتلاشى الخيارات، وتزداد المراوحة». وأردف «إذا تمكنّا – أي المعارضة – من استيعاب الهجمة خلال شهر، وأعدنا الصراع إلى شكله القديم، أي المواجهات والالتحام، فإن محاولاته ستجهض في الميدان».

* رهان المعارضة

وحقًا تراهن قوات المعارضة السورية على تدخل برّي روسي، لبدء عملياتها. غير أن تحقيق الإنجازات، مرتبط بالحصول على تسليح استراتيجي. ووفق العايد «إذا تمرّدت الدول المناهضة لهذا التدخل الروسي، على الحظر الأميركي المفروض على تقديم أسلحة للثوار، فإنها ستقلب موازين المعركة، وهذا أمر محتمل».

والاحتمال نفسه يتردد على ألسنة عدد كبير من المعارضين والمطلعين على الشأن السوري، قائلين إن أمر وصول أسلحة «موعودون بها»، بات وشيكًا. فالقيادي المعارض في الشمال محمد الشامس قال لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه «أبلغنا من منافذ دولية أن الحصول على صواريخ مضادة للطائرات، هو أمر محال، لكن إمكانية رفدنا بصواريخ مضادة للدروع وصواريخ (تاو) محتملة جدًا، وذلك تعزيزًا للقدرات العسكرية الردعية الموجودة لدى الفصائل، التي استخدمتها في معارك واسعة في السابق». وأردف أن «أكثر من مائتي صاروخ مضاد للدروع، كانت موجودة بيد فصائل جيش الفتح خلال معاركها في إدلب وجسر الشغور وسهل الغاب».

بدوره، أشار إسماعيل الداراني إلى أن فصائل المعارضة في الشمال، موعودة بالحصول على دفاعات أرضية وصواريخ مضادة للدروع، إضافة إلى صواريخ أرض – أرض من نوع «غراد» محدث، لافتًا إلى أن تجربة «أحرار الشام» التي أطلقت 55 صاروخ «غراد» باتجاه الساحل الأسبوع الماضي «كانت بمثابة اختبار للقدرة على رمي ألف صاروخ باتجاه الساحل خلال يومين». وأوضح أن التحرك العسكري وتطوير القدرات «لا يقتصر على الشمال، نظرًا إلى أن الجبهة المؤثرة هي جبهة الجنوب، لتماسها مع دمشق، وستطلق عمليات واسعة، بعد الحصول على أسلحة نوعية». وإذ تحدث عن أن 12 قرية تسكنها غالبية علوية في سهل الغاب «لا تزال تحت سيطرة المقاتلين المعارضين»، أقر بأن «الأمور ستتغير، والتغيّر سيكون لصالحنا».

* المواجهة «قرار وجودي»

هذا، وتستبق قوات المعارضة التوغل البري المحتمل للنظام وحلفائه، بخطط عسكرية. إذ أبلغ محمد الشامي، القيادي المعارض المقرب من «حركة أحرار الشام الإسلامية» في الشمال «الشرق الأوسط» خلال اتصال معه أن قوات المعارضة في الشمال، «استبقت خطط الهجمات المعاكسة باجتماعات شاركت فيها الفصائل الفاعلة، بينها (جبهة النصرة) و(أحرار الشام) و(جيش الفتح) و(جيش الإسلام)، وتوصلت إلى أن خيارات المواجهة قرار وجودي، على قاعدة أننا واجهنا النظام بكل آلاته وانتصرنا عليه، كما واجهنا تدخلا من قبل حزب الله، ولن يردعنا التدخل الروسي عن المواجهة».

واستطرد الشامي «هناك خبراء لدينا وضعوا الخطط، وأعطينا تعليمات للفصائل بضرورة تنفيذ إعادة تموضع وتغيير سياسة الانتشار في المرحلة الحالية، بهدف النفاذ من القصف الروسي، وذلك بعد استهداف مقرين لفصيلين في حمص». وتابع قائلا إن مستودعات الذخيرة «جرى نقلها كحل مبدئي، لكننا ما زلنا موجودين على الأرض، ونواصل عملنا». كما أشار إلى أنه «خلال 48 ساعة، هناك مفاجأة ضخمة جارٍ تحضيرها عبر حركة أحرار الشام وجيش الفتح».

* «الكمون الاستراتيجي»

والواقع أن خيار المواجهة، أوصى به خبراء وقياديون عسكريون معارضون، بينهم الأكاديمي السوري الدكتور بشير زين العابدين، في دراسة أعدّها الاثنين لصالح «مركز عمران للدراسات». وللتعامل مع مخاطر الحشد الروسي وعملياته المرتقبة، أوصى زين العابدين بأن تبادر المعارضة إلى «تبني سياسة (الكمون الاستراتيجي) الذي يتمثل في امتصاص الضربات المبدئية، واستيعاب عنصر المفاجأة من خلال رصد التحركات واستقراء نمط العمليات المعادية، وتجنب استدراجها في مواجهات غير متكافئة في هذه الفترة الحاسمة». يضاف إلى ذلك «تنفيذ استراتيجية إعادة التموضع لتشتيت إحداثيات غرفة العمليات المشتركة ببغداد»، وإنشاء «غرفة عمليات سورية مشتركة»، حيث تمثل عملية إغلاق غرفة العمليات المشتركة في الأردن (الموك) فرصة سانحة لإنشاء غرفة عمليات سورية تعزز مفاهيم الأمن الوطني، وتمنح فصائل المعارضة ما تحتاجه من شخصية اعتبارية في المعادلة الإقليمية، وذلك من خلال تبني استراتيجيات «إدارة الأزمة»، واتباع وسائل احترافية لتبادل المعلومات، ورسم الخطط، وتقدير الموارد المطلوبة، وتوظيف مصادر القوة الكامنة بمختلف أبعادها، ووضع ذلك في إطار قالب تطبيقي يستوعب التحولات الإقليمية والدولية وآليات توظيفها في إفشال خطة التدخل الخارجي.

كذلك أوصى زين العابدين «بإعداد خطة للمحافظة على (المكتسبات الاستراتيجية) عبر تحديد الأولويات، وتنفيذ عمليات الإخلاء، وتنسيق خطط الكرّ والفرّ، وإعادة التشكل في إطار المحافظة على البؤر الاستراتيجية التي اكتسبتها المعارضة، ومن ثَم التوسّع في مناطق (الخاصرة الرخوة) التي لا تصل إليها ميليشيات المرتزقة ولا تطالها عمليات القصف الجوي». وذلك فضلاً عن «التركيز على العمليات النوعية والضربات الموضعية في المناطق الآمنة للنظام من خلال شن عمليات نوعية تطال النظام في مقراته الآمنة وتستثمر مشاعر السخط في صفوف خزانه البشري وخاصة في قلب العاصمة ومحيطها، فضلا عن محافظتي اللاذقية وطرطوس».

* البعد السياسي للتدخل

الواقع أن التدخل الروسي، لا يحمل مؤشرات عسكرية حصرًا. فثمة بعد سياسيّ، سوري ودولي، للانخراط الروسي المباشر في الحرب السورية.

على الصعيد السوري، يتوقع المعارضون أن هناك «خطة حل» أو مقترحات لحل سياسي لدى فلاديمير بوتين، يكشف عنها بعد العمل العسكري. وحسب رأي العايد «يبدو أن هناك في جيب بوتين مبادرة وخطة حل، سيقوي موقف حليفه قبل عرضها للتفاوض»، معتبرًا أنه «غالبًا لا يتمتع بدور الرعاية والإقدام لتنفيذها حتى الآن، وليس واضحًا حتى الآن حدود تدخله، وبعدها يعرض الخطة»، ولفت العايد إلى أن القيادة الروسية «بانتظار أن تنتهي من المرحلة العسكرية الأولى، ويعرض فكرته وتصوره، وهو الهدف الذي يأتي لأجله».

أما على الصعيد الدولي، فإن خطوة روسيا تأتي في لحظة «تراخٍ أميركي»، كما يقول معارضون، إذ كثف الروس وجودهم العسكري في سوريا، «بعد سحب حلف الأطلسي بطارية صواريخ باتريوت موجودة في أضنة التركية»، كما ورد في دراسة «التدخل الروسي في سوريا: المخاطر والفرص الكامنة». وأشارت إلى أن الدفاعات الجوية المتطورة التي نصبها الروس في قاعدة «حميميم»، مثل صواريخ أرض – جو SA15 وSA22. لا يمكن أن تكون موجهة ضد تنظيم داعش المتطرف الذي لا يملك أي مقاتلات أو منظومات دفاع صاروخي، بل إن الهدف الفعلي من نصب هذه هو إنشاء «منطقة عزل جوي» في المنطقة بالتزامن مع سحب حلف شمال الأطلسي (ناتو) دفاعاته الصاروخية، ومبادرة واشنطن إلى سحب بطاريات صواريخ «باتريوت» من منطقة أضنة، بجنوب تركيا، تحت ذريعة تحديث هذه البطاريات، ومن ثم سحب حاملة الطائرات الوحيدة «ثيودور روزفلت» تاركة المجال الجوي لمنطقة شرقي المتوسط بأسره للطيران الروسي.

* «زهد» واشنطن

المدير التنفيذي لمركز «عمران للدراسات» الدكتور عمار القحف قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه «من الواضح أن الدور الأميركي زاهد في الشرق الأوسط، والروس حاولوا استغلاله». وشدد على أن ما تسعى له موسكو «هو إعادة لنفوذها إلى المنطقة بشكل نوعي وجديد»، على قاعدة أنه «لا يصارع الوجود الأميركي، بل يثبّت دوره في بلد هو ضمن الحلف الروسي تاريخيًا».

وتابع القحف أن السياسية الأميركية اليوم «زاهدة، مقابل الموقف المتقدم لدول أخرى في الأزمة السورية، مثل دول الخليج العربي ودول غربية أخرى، كون واشنطن، لا تدعم ولا تعارض، بل تراقب، من غير أن تدخل إلى دائرة التأثير المباشر».

وهنا يرفض القحف القول إن الروس اليوم «ينافسون الوجود الإيراني ويحاولون تقويضه»، مؤكدًا أن الروس «لا يحاربون النفوذ الإيراني، بقدر ما هم يسيطرون على الجوّ، ويواكبون التحرك الإيراني على الأرض». كذلك رأى أن الروس اليوم «يضربون فعليًا كل من يحارب (داعش)، وليس معارضي الأسد، كون الفصائل التي يضربونها تحارب (داعش)، وهي مدعومة من الجهات الإقليمية والغرب، وعمليًا، يضعون أنفسهم في مواجهة غير مباشرة مع هذه الدول».

في المقابل لمس القحف «إشارات إيجابية في الوسط السياسي والعسكري السوري المعارض» على ضوء اتخاذ الفصائل، ما عدا المتطرفين، لأول مرة، موقفًا سياسيا يتطابق مع موقف الائتلاف الوطني، قائلا إنه «يتضمن نقلة نوعية بالعمل الجماعي، ويمثل بلوَرة لمستقبل إداري، كون أن جزءًا من الموقعين يمثلون فصائل الداخل ويمارسون دور الدولة البديلة». وأشار إلى «بوادر اتحاد نظرًا إلى أن هناك مفاصل تديرها المعارضة تساهم في توحيد الفصائل وتبني لتحالف سياسي قادم بدعم دول المنطقة، وتغيير موازين القوى على الأرض».

الشرق الأوسط

 

 

 

 

 

روسيا في سوريا: خلط أوراق عسكرية: توحد بندقية المعارضة/ غاندي المهتار

هذه روسيا، شاءت أم أبت، تغوص في الرمال السورية من دون أن تدري، فها هي البنادق المعارضة تتوحد ضد الروس، معززة بتهديد سعودي علني بمد المعارضة بالسلاح النوعي. فهل يصل خلط الأوراق العسكرية إلى “صفر” سياسة؟

بيروت: تلقى الحلف الروسي-الايراني، بمشاركة حزب الله وما بقي من قوة لنظام بشار الأسد، أول صفعة له في ريف حماه، حين تصيد عناصر الجيش الحر بصواريخ تاو الأميركية 18 دبابة هي طليعة القوة المهاجمة التي حشدها الإيرانيون كي يستعيدوا –تحت مظلة الطيران الروسي الحديث – مواقع خسرها النظام تعد استراتيجية لحماية سوريا المفيدة، أي الساحل السوري العلوي ودرّته القاعدة الروسية في طرطوس.

كانت مجزرة الدبابات في ريف حماه كفيلة بأن تردّ التمدد الروسي-الإيراني على أعقابه، ولو موقتًا، ليعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مناوراته السياسية، بعدما أدرك – أو أقنعوه – ولو موقتًا أيضًا بأن سوريا هي فعلًا أفغانستان أخرى، وبأن الحذر واجب على الطريقة الأميركية بعدما أبى الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تتحول سوريا  الى فيتنام أخرى.

توحد الفصائل: 6 آلاف مقاتل

تصديقًا على ذلك، اُعلن مساء الجمعة عن تشكيل “جيش الشام” في أرياف إدلب وحماة وحلب، بقيادة محمد طلال بازرباشي الملقب بـ “أبو عبد الرحمن السوري”، القيادي البارز السابق في حركة أحرار الشام الإسلامية.

يضم جيش الشام عددًا من قادة حركة أحرار الشام والجيش السوري الحر، بالإضافة إلى مجموعات صغيرة لا تتبع لفصائل كبيرة، يُقدر عددها بنحو 6 آلاف مقاتل، وفقًا للقيادي أبو العباس الشامي، الذي يقول الناشطون إنه بمثابة الأب الروحي لجيش الشام.

وفي أول بيان، قال جيش الشام إن شعاره سيكون “ثورة على الطغاة والغلاة”، أي أن هدفه هو قتال النظام السوري وتنظيم داعش، معلنًا رفع علم الثورة السورية بدلًا من الرايات التي ترفعها بقية الفصائل. وفاجأ جيش الشام الجميع بتحريره قرية تل سوسين بريف حلب في اليوم الأول من إعلان تشكيله، وقال عبر حسابه الرسمي على تويتر: “جيش الشام في أولى معاركه يزف إليكم خبر تحرير تل سوسين بريف حلب من كلاب داعش، بالاشتراك مع أحرار الشام والجبهة الشامية وفيلق الشام”، وهذه أول ثمرة لتوحيد بندقية الفصائل المقاتلة، والتي يتوقع المراقبون أن يتسع نطاقها في خطوة فرضها “الغزو” الروسي للأراضي السورية المحررة.

وبذلك، ثمة خريطتان تبحثان في سوريا، سياسية بجانب أخرى عسكرية، تحاول موسكو فرضهما معًا بسطوة طائرات سوخوي الحديثة.

منشق يرفض

في هذا الاطار، نقلت وكالة آكي الإيطالية للأنباء عن مصادر مطلعة على اتصالات تتم بين مسؤولين روس وضباط منشقين على النظام السوري، تأكيدهم أن روسيا عرضت على أحد كبار الضباط استلام منصب وزير الدفاع في سوريا، لكنه رفض الأمر نهائيًا.

وقالت المصادر إن روسيا تناقش منذ نحو ثلاثة أشهر “تشاركية في إطار مجلس عسكري مشترك بين النظام والمعارضة”، لكنها تصطدم برفض كبار الضباط المنشقين وجود أي صلاحيات عسكرية أو أمنية بيد الأسد، وإن الضابط المنشق رفض المنصب العسكري الحكومي الرفيع ضمن “حكومة وحدة وطنية”، مشددًا على أن أي خطوة عسكرية مشتركة لا يمكن أن تتم طالما بقيت صلاحية عسكرية بيد الأسد أو كبار ضباطه، معربًا عن موافقته بالنيابة عمن يمثلهم على أن يضم المجلس العسكري موالين للنظام لم تتلطخ أيديهم بالدماء وتضمنهم روسيا، ليس بمقدورهم اتخاذ أي قرار عسكري أو أمني منفرد من دون موافقة ضباط المعارضة.

وأكدت هذه  المصادر، التي تحفظت على ذكر اسم الضابط المنشق، أن روسيا تناور للتهرب من هذه الشروط بلا جدوى، وأن ثمة توافقًا أوروبيًا أميركيًا على هذه الخطة وعلى الشخصيات التي ستمثل المعارضة السورية في المرحلة الانتقالية.

هذه الاتصالات الروسية تشمل، بحسب مصادر المعارضة، العميد مناف طلاس، أحد قيادات الحرس الجمهوري الذي كان مقربًا من الأسد قبل أن ينشق عام 2012 ويغادر سوريا. وطلاس لم ينضم إلى أي مجموعة معارضة منذ مغادرته سوريا، وهو يلتزم الصمت في شأن الاتصالات الجارية، وأبدى في اتصال مع “النهار” اللبنانية تفاؤله بالمستقبل، مكتفيًا بالقول إنه “ضمن المشروع الجديد لسوريا”. إلا أن أحدًا لم يؤكد إن كان طلاس هو نفسه من رفض العرض الروسي آنف الذكر.

إطمئنوا! لن يستخدمها

وفي إطار العروض الروسية المستمرة، وبحسب الرأي الكويتية، قال الصحافي الإسرائيلي إيهود يعاري إن روسيا عرضت على إسرائيل المشاركة في تحالفها الشرق أوسطي ضد داعش، ويضم إيران والعراق والأسد وحزب الله.

وتضيف الرأي: كتب يعاري في مطالعته أن الروس عرضوا على إسرائيل إدارة حقول الغاز في مياهها الإقليمية، وقدموا للإسرائيليين ضمانات عسكرية مفادها أن حزب الله، الذي يملك صواريخ أرض-بحر روسية من نوع ياخونت، يبلغ مداها 300 كيلومتر، لن يهاجم منشآت الغاز البحرية الإسرائيلية”.

ولفتت الصحيفة إلى أن إيعاري يعمل حاليًا محللاً للقناة الثانية الإسرائيلية، كما يقدم المحاضرات حول العالم. وقد أجرى مقابلات مع قادة عرب كالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والملك الأردني الراحل حسين بن طلال، والرئيس المصري السابق حسني مبارك وعدد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، كما أجرى تغطيات صحافية من عواصم عربية، بينها بيروت.

موسكو-الرياض

وعلى المحور الجيوبوليتيكي، تلفت صحيفة فايننشال تايمز الأميركية إلى تزايد دعوات السنة للسعودية ودول الخليج بالتحرك دعمًا للمعارضة السورية التي تتعرض للغارات الروسية، غامزةً من قناة بيان رفعه 55 عالمًا سعوديًا دعوا فيه إلى الجهاد ضد الروس في سوريا، واتهموا فيه موسكو وإيران وحزب الله بدعم نظام الأسد في قتل الشعب السوري وتدميره.

وبحسب فايننشال تايمز، قال تيودر كاراسبيك، كبير مستشاري “غالف ستيت أنالاتيك”، وهي مؤسسة للاستشارات وتقدير المخاطر السياسية: “ستأتي كلمات السعودية بلا أفعال بشأن النشاطات الروسية في سوريا، فالرياض تحتاج إلى تركيز جهودها في حرب اليمن”، رغم تحذيرات وزير الخارجية السعودية من أن بلاده ستزود المعارضة السورية بسلاح نوعي.

الأكراد مع “دولتهم”

وبما أن الجميع قلب أوراقه وأظهرها، بقي أن يفهم موقف الأكراد. وفي هذا الاطار، نشر معهد واشنطن تقريرًا أعده فابريس بالونش، قال فيه إن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا سيتعاون مع دمشق وموسكو في الشمال السوري، إذا استمرت تركيا والولايات المتحدة في منع توحيد الأكراد في دولة واحدة، “إذ أصبح واضحًا أن هدف موسكو في سوريا هو حماية الأسد، وتعزيز نفوذها على ساحل المتوسط، وهي تستطيع تحقيق هذين الهدفين حتى لو لم يتبقّ للأسد سوى الساحل العلوي. فعلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يدفع بجنوده إلى داخل البلد، وبالذات حلب، إذا أراد أن يحفظ مكانه وسط رقعة الشطرنج السورية، لأن خسارة الأسد كل حلب تضعف وضعه التفاوضي”، علمًا أن حلب هي بوابة مهمة للأكراد إلى تركيا وشمال سوريا.

يضيف بالونش: “يسيطر النظام على ثلث حلب، وتتصل المنطقة ببقية المناطق التي يسيطر عليها النظام بممر ضيق محاصر من الشرق من داعش، ومن الغرب من النصرة، وليكسب الأسد معركة حلب عليه أن يتحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي، الحريص بدوره على ربط الجيوب حول كوباني وعفرين، وفتح ممر للشيخ مقصود، أي الحي الكردي الحلبي”. وقد أبدى صالح مسلم، زعيم الحزب، رغبةً في إقامة تحالف مع الأسد وروسيا لتحقيق هذا الهدف.

وبحسب التقرير، أبلغت تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي رفضها أن يتمدد غربًا بعد كوباني، وأي هجوم كردي كهذا سيكون خرقًا للاتفاق مع أميركا، التي لا تريد أن يسيطر الحزب على جرابلس وأعزاز.

يضيف بالونش: “مستحيل ألا يستغل الأكراد السوريون هذه الفرصة، فكثير منهم يعتقد أنها فرصة تاريخية قد حانت لتوحيد المناطق الكردية”.

ايلاف

 

 

 

 

 

مخاوف روسيا التقليدية من السُنّة تدفعها لدعم التحالف الشيعي

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

يسعى العالم السني إلى تسريع هجومه المضاد في وجه التدخل الروسي في سوريا. ومع محدودية الخيارات، فمن المرجح أن يقدم السنة المزيد من الموارد للمتمردين الإسلاميين الذي يقفون في وجه قوات النظام السوري.

 

معركة الثأر الدموي بين السنة والشيعة في سوريا سوف يتم تعميقها بسبب الهجمات الروسية. في الأيام الأخيرة، دعا عشرات من رجال الدين الإسلامي السعوديين العالم الإسلامي إلى « تقديم الدعم المادي والمعنوي والسياسي والعسكري للجهاد» ودعم الحرب المقدسة ضد الحكومة السورية ومؤيديها الإيرانيين والروسيين.

ويقارن بيان رجال الدين حول الدور الروسي اليوم بموقفهم إزاء التدخل السوفيتي في أفغانستان عام 1980. الأمر الذي دفع إلى ظهور الجهاد الدولي والانسحاب النهائي للقوات السوفيتية في نهاية المطاف.

الإعلامي السعودي البارز «جمال خاشقجي» الذي يرأس قناة إخبارية يملكها أحد الأمراء السعوديين نشر مقالا في الأسبوع الماضي على موقع قناة العربية الإخبارية وصحيفة الحياة اللندنية أشار خلاله إلى أن «المملكة العربية السعودية لن تحتمل النصر الإيراني في سوريا»، وحدد «خاشقجي» اثنين من الخطوط العريضة أمام السعوديين: أولا، تعزيز الدعم للمعارضة الإسلامية، باستثناء «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة. ثانيا، استخدام الدبلوماسية لخلق دعم دولي لموقفها ضد التحالف (الشيعي) الإيراني الروسي في سوريا.

الروس لا يدعمون فقط التحالف الشيعي الذي تقوده إيران والذي يتضمن نظام الرئيس السوري «بشار الأسد»، ولكنهم أيضا يدعمون الأقليات غير السنية الأخرى في المنطقة التي تشعر بأنها مهددة من قبل موجة الصعود السني في أعقاب الربيع العربي.

قامت صحيفة «المونيتور» في وقت سابق من هذا الشهر بإجراء مقابلة مع أحد الزعماء الأكراد السوريين الذي أظهر ارتياحا للتدخل العسكري الروسي في سوريا.

وقال «صالح مسلم»، الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي، أن روسيا «سوف تمنع التدخل التركي، ليس للدفاع عنا (أي الأكراد)، ولكن دفاعا عن الحدود السورية».

معركة وجودية مع الإسلام السني

«أرولد رود»، وهو زميل بارز في معهد «جاتستون» ومقره في نيويورك، والمستشار السابق في وزارة الدفاع قال لـ«جيروزاليم بوست» يوم الأربعاء أن الروس يعتقدون أنهم في معركة وجودية مع الإسلام السني. وقال إن «بوتين» قد أخبر العديد من الزعماء الأجانب أن يعتبر نفسه حاميا للثقافة الروسية.

«ثلث عدد سكان روسيا هم من المسلمين» وفقا لـ«رود». وبعضهم مقيمين بصورة غير قانونية. الروس لديهم معدل المواليد أقل من معدل المواليد المسلمين في البلاد والذي يتراجع أيضا ولكن بمعدل أبطأ من الروس. واحدة من طرق روسيا في التعامل مع هذا الأمر هي تشجيع مسلميها من الاتحاد السوفيتي السابق الذين يهاجرون إلى روسيا على التحول إلى المذهب الشيعي وهو ما قد يشيع فتنة بين المسلمين والروس.

معظم السكان المسلمين الروس هم من أصل تركي، وكذلك المسلمين الأيغور في الصين، العلويون السوريون، وإيران و«حزب الله»، والأكراد والأقليات الأخرى في الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، «كلها تسبح في بحر السنة».

يلاحظ «رود» أيضا الغالبية العظمى من الأكراد هم من السنة ولكنهم لا يزالون ينظرون إلى العرب السنة والأتراك كتهديد لهم.

وفي هذا السياق، كما وضح «رود»، يمكننا أن نفهم تعاون روسيا مع الائتلاف الشيعي بقيادة إيران.

منطقة «الأسد» العلوية حول معقله في اللاذقية هي المنطقة التي اختارها الروس لبناء قاعدتهم العسكرية في سوريا. هناك بعض السنة في المنطقة الساحلية، التي هي وطن العلويين التقليدي. لا يمانع الروس ولا العلويون إذا ذهب هؤلاء السنة إلى أماكن أخرى تاركين هذه المنطقة حصرا للعلويين. «هذا يعني أن الروس لديهم الآن حليف استراتيجي ضد العدو المشترك، أي السنة».

الأكثر من ذلك، فإن التوغل الجوي الروسي في المجال التركي يوم السبت كان يحوم حول محافظة هاتاي، وهي محافظة تركية علوية إلى حد كبير، حيث يقطن بها أقارب العلويين السوريين.

تتنازع كل من تركيا وسوريا منذ فترة طويلة على هذه المحافظة. «كان هذا تحذيرا واضحا من روسيا لتركيا  بعدم التدخل مع الأهداف العسكرية الروسية في سوريا».

خيارات سعودية محدودة

وفيما يتعلق بالموقف السعودي، أشار «رود» إلى قيامهم بتعزيز الجهاد في الخارج في مقابل الحصول على دعم من المؤسسة الدينية في البلاد. في حين أن السعوديين مولوا الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان خلال حقبة الثمانينيات، فإن الفارق الآن هو أن هناك المزيد من الجماعات الجهادية، ويبدو أن السعوديين قلقين من أن يصبحوا هم أنفسهم هدفا لأنشطتها.

في عام 1979، قامت عائلة آل سعود بعقد اتفاق مع المؤسسة الدينية الوهابية مفاده أن تقوم العائلة المالكة بتمويل الجهاد خارج البلاد مقابل عدم تشجيع الجهاد ضد النظام السعودي داخل البلاد. ولكن الجهاديين عادوا الآن ليطاردوهم. وتخشى السعودية حال انتصار الجماعات السنية الأصولية في سوريا من أنها قد تستخدم سوريا حينئذ كقاعدة لتهديد النظام السعودي. وأضاف «رود»: «هذا هو السبب في أن السعوديين يقومون بدعم من يصفونهم بالمعارضة السنية المعتدلة في سوريا».

«روسيا الآن تهاجم المعارضة السنية المعتدلة المدعومة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة .. يبدو الأمر كتحذير للمملكة العربية السعودية بعدم التدخل في الشؤون الروسية».

وردا على سؤال حول إذا ما كانت الجماهير السنية، التي يفوق عدد كبير من قوات التحالف الإيرانية الشيعية في سوريا، من شأنها أن تطيح في النهاية بـ«نظام الأسد»، أجاب «رود» أن القوة هي ما يهم في النهاية وأن «الروس ليس لديهم مشكلة في قصف المدنيين والقيام بأي شيء ضروري لتحقيق أهدافهم». «بوتين لا يعبأ كثيرا بردود الأفعال والانتقادات الدولية مثل إسرائيل».

وبالتالي، يشكك «رود» في أن النظام السوري العلوي سوف ينهار في أي وقت قريب وأن روسيا سوف تمنع ذلك من الحدوث. «قد يكون الأسد قد صار ورقة مستهلكة ولكن ليس النظام العلوي. وهذا هو واحد من أهم الأسباب التي تدعو الروس لدعم العلويين».

«ديفيد أندرو واينبرغ»، المتخصص في شؤون الخليج وزميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قال في تصريحات لنا أن هناك حاجة ماسة لامتلاك نظرة مستقبلية. «منذ فترة شهرين فقط كان الكثير من المراقبين يتوقعون أن المملكة العربية السعودية سوف تندفع في استجلاب الأسلحة من روسيا بدلا من الاستمرار في الاعتماد على الحماية الأمريكية».

« وفي حين أن نجل الملك السعودي تعهد بحزمة جديدة من الاستثمارات في روسيا، فإن زيارة العاهل السعودي المنتظرة لروسيا لم تحدث أبدا». يتوقع المحللون الآن اتجاها معاكسا بالكلية وهو أن المملكة العربية السعودية سوف تصعد بشكل كبير في مواجهة روسيا من أجل إسقاط «الأسد».

«إسقاط النظام في دمشق صار أكثر صعوبة على الرياض». ووفقا لـ«واينبرغ» فإن الرياض ليست مستعدة لمواجهة روسيا مباشرة بهذا الشكل. أما بالنسبة لرجال الدين السعوديين الذين دعوا لدعم الجهاد في سوريا في مواجهة العدوان الروسي هناك، قال «واينبرغ» أن الداعية الأبرز على هذه القائمة هو «ناصر العمر» وهو ليس مسؤولا رسميا في الدولة وهو مجرد شخصية بارزة تقتات على الفتات من قبول الدولة.

والتقى «العمر» أيضا الشهر الماضي مع «عبد المجيد الزنداني»، أحد معلمي «أسامة بن لادن»، والذي وقعت عليه عقوبات من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة بتهمة تمويل تنظيم القاعدة.

ووقع «العمر» في وقت سابق على عريضة تأييد المجاهدين في ائتلاف الجبهة الإسلامية في سوريا ضد «المشروع الأمريكي الصهيوني والمشروع الصفوي الرافضي».

«عيران سيغال»، وهو باحث في مركز غزري لدراسات إيران والخليج في جامعة حيفا قال في تصريحات له أن السعوديين يبدون وكأنهم قد صاروا محاصرين.

«بعد أن فشلت في إقناع الولايات المتحدة بالتدخل، تمكن السعوديون من إنشاء التحالف الذي كاد يطيح بحكم الأسد، ولكنهم الآن يواجهون الروس»، وفقا لـ«سيغال».

على الرغم من المحاولات الأخيرة، فإن السعوديين لم يكونوا قادرين على الفوز بتأييد الروس إلى جانبهم.

«في ظل عجز الميزانية المتزايد بسبب انخفاض أسعار النفط، سيكون على السعوديين أن يقرروا إذا ما كانوا على استعداد لاستثمار المزيد من الأموال في سوريا».

المصدر | جيروزاليم بوست

 

 

 

سوريا.. بين الوضوح الروسي والغموض الأميركي/ خيرالله خيرالله

في ظلّ الوضوح الروسي والغموض الأميركي، هناك حلقة ضائعة. هذه الحلقة هي الشعب السوري الذي لم يعد هناك من يحسب له حساباً على الرغم من أنّه يبقى إلى إشعار آخر اللاعب الأساسي على الأرض السورية. إنّه اللاعب الأساسي على الرغم من تدفق الأسلحة والمقاتلين الروس والإيرانيين وعناصر الميليشيات الشيعية.

تعمل كلّ هذه القوى من اجل اقامة «دولة علوية« تحتكر لنفسها الساحل السوري.

كان ملفتاً أنّ التدخل العسكري الروسي جاء من دون أي اعتبار للواقع السوري الذي تعبّر عنه ثورة شعبية مستمرّة منذ ما يزيد على أربع سنوات ونصف سنة. هذه الثورة، التي لم تشهد مثلها أي دولة عربية هي ثورة حقيقية وصادقة قبل أي شيء آخر. إنّها تعبير عن رغبة شعب في استعادة بعض من كرامته. هذا الشعب لا يعترف بنظام جاء نتيجة انقلاب عسكري. لم تكن للنظام السوري أي شرعية من أيّ نوع في يوم من الأيّام. الأكيد أن الإيراني والروسي لن يتمكنا من إيجاد شرعية لا لبشّار الأسد ولا للذين يُعِدّونه للحلول مكانه في الوقت المناسب.

بعد أيّام على بدء التصعيد العسكري الروسي في سوريا، وهو تصعيد يستهدف الشعب السوري قبل أيّ شيء آخر، تبدو الصورة واضحة كلّ الوضوح. هناك تنسيق روسي – ايراني في العمق. هناك بكل بساطة توزيع للأدوار بين الجانبين اللذين يسعيان بمشاركة ميليشيا مذهبية لبنانية هي «حزب الله« من أجل خلق واقع جديد على الأرض السورية.

يشمل هذا التنسيق، الذي يتضمن توزيعاً للأدوار، اقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بأن التطورات التي تشهدها سوريا، بما في ذلك وجود كلّ هذا العدد من الطائرات الروسية في منطقة الساحل السوري لا يمكن ان تشكّل أي خطر على اسرائيل. في المقابل، كان على نتانياهو اختبار وعود بوتين وان يؤكّد له أن بلاده لا يمكن ان تتهاون حيال كل ما من شأنه مسّ أمنها.

يبدو أنّ اسرائيل اختبرت النيات الروسية ومن خلفها النيات الايرانية، فوجّهت ضربات على مواقع محدّدة في الجولان لم يحصل أي ردّ عليها. كانت هذه الضربات التي جاءت مباشرة بعد زيارة نتانياهو لموسكو بمثابة دليل على ان التنسيق على خير ما يرام بين «حلف الممانعة« من جهة واسرائيل من جهة أخرى.

جاء التدخل العسكري الروسي المباشر في سياق خطة مرسومة وضعتها موسكو مع طهران. فالجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس« في «الحرس الثوري« الإيراني زار العاصمة الروسية مرّتين أخيراً وعقد اجتماعات مع العسكريين الروس بغية وضع الأسس للتنسيق بين الجانبين. كان هناك تعمّد للإعلان عن الزيارتين. اكثر من ذلك، إن معظم الطائرات الروسية التي تحط في اللاذقية ناقلة اسلحة ومعدات، تمرّ في الأجواء الإيرانية والعراقية وذلك لإثبات أن الحلف الروسي – الأميركي أقوى بكثير مما يعتقد.

ماذا يحصل الآن؟ هناك قوات ايرانية على الأرض، فضلاً عن قوات روسية لا تشارك في معارك برّية. وهناك اعادة تجميع للقوات السورية التي ما زالت موالية للنظام وللميليشيات التي انشأتها الأجهزة الأمنية وبعض النافذين. فضلاً عن ذلك، هناك مزيد من العناصر التي يرسلها «حزب الله« إلى الأراضي السورية. الهدف من ذلك كلّه، الإعداد لهجوم برّي يستعيد فيه النظام بعض الأراضي التي يحتاجها لتوسيع رقعة نفوذه وضمان قيام «دولة علوية« ذات امتداد في لبنان.

في اطار هذه الخطة، يلعب سلاح الجو الروسي دوراً يغطّي أي تقدّم على الأرض للقوات الإيرانية وتلك التابعة للنظام. ولذلك، كان أوّل ما فعلته الطائرات الروسية المرابطة في الساحل شنّ غارات على مواقع في مناطق قريبة من حمص وحماة وادلب تابعة لـ«الجيش الحر« ولتنظيمات اخرى معتدلة وليس لـ«داعش«.

ليس «داعش« في نهاية المطاف سوى مبرّر لمتابعة الحرب على الشعب السوري والسعي الى تصوير الثورة الشعبية في سوريا على غير حقيقتها وذلك خدمة لنظام طائفي امتهن مع حلفائه ممارسة الإرهاب بكل اشكاله منذ ما يزيد على خمسة واربعين عاماً، منذ ما قبل احتكار حافظ الأسد للسلطة في 1970.

في ضوء الموقف الأميركي المضحك – المبكي والتصريحات التي تتسم بالتناقض الصادرة عن المسؤولين الأميركيين، لا يمكن إلّا الاعتراف بأنّ الوضع السوري زاد تعقيداً. فالرئيس باراك اوباما، يتكلّم كقس بروتستانتي في قدّاس الأحد، ويبدو كأنّه يكتفي بالكلام الجميل عن الحرّية والديموقراطية والقانون الدولي، لكنّه يترك الأفعال لقيصر الكرملين الذي ينسّق كلّ خطوة من خطواته مع الجانب الإيراني. هذا الجانب الذي اثبت مرّة أخرى أنّه اخضع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لمشيئته. فاذا كانت تصريحات العبادي في شأن التطورات السورية تدلّ على شيء، فإنّها تدل على أن رئيس الوزراء العراقي الحالي ليس، في احسن الأحوال، سوى نسخة أخرى أقلّ فجاجة بقليل من سلفه نوري المالكي.

سوريا إلى أين؟ ليس صحيحاً أنّ العالم كلّه، على رأسه تركيا، تخلى عن سوريا والسوريين. هناك بعض العرب الشرفاء الذين يرفضون الرضوخ لما تسعى إلى فرضه واشنطن وموسكو وطهران وحتّى بعض العواصم الأوروبية من بينها برلين حيث الكلام المستغرب الصادر عن المستشارة انجيلا ميركل.

كلّما زاد الوضع السوري تعقيداً، زاد وضوحاً. هناك من لم يضع البوصلة، لا لشيء سوى لأن القضية السورية قضيّة شعب أوّلاً. صحيح أنّ سوريا، ككيان، مهدّدة بالتفتيت، لكنّ الصحيح أيضاً أن بقاء شعلة الثورة السورية مضاءة منذ آذار/مارس 2011، لم يكن من باب الصدفة. يصعب ايجاد شعب قادر على الصمود بالطريقة التي صمد بها السوريون على الرغم من كلّ هذا الحصار المفروض عليهم ومن غياب القيادة الواعية. ما لا يستوعبه الروسي والإيراني أن ليس في الإمكان شطب الشعب السوري من المعادلة، حتّى لو باتت طموحاتهما محدودة ومحصورة بـ«الدولة العلويّة«… التي لا يمكن ان تقوم يوماً، وان كانت تحظى بمباركة اسرائيلية. لن تقوم هذه الدولة لسبب في غاية البساطة يتمثل في ان كل حملات التطهير الطائفي والمذهبي والضربات الروسية والغارات الجوّية لا يمكن أن تلغي الأكثرية السنّية في كلّ منطقة من المناطق التي يتألّف منها الكيان السوري.

المستقبل

 

 

 

 

روسيا وإيران: أصدقاء أو أعداء؟/ ألكس راول

قُوبل قرار روسيا البدء بضربات جوّية في سوريا ضد مقاتلين معارضين للرئيس بشار الأسد، ربما على نحو مفاجئ، بحرارة رسمية الأسبوع الماضي ليس فقط من قبل النظام السوري المحاصَر، بل كذلك من قبل داعميه الإقليميين، وعلى رأسهم إيران.

“تُرحّب إيران بجهود روسيا ضد داعش”، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، مستخدماً اسمًا مختصرا للحديث عن تنظيم الدولة الاسلامية الذي يسيطر على معظم أجزاء سوريا الشرقية.

“الضربات الروسية في سوريا سوف تعزّز من قوة محور المقاومة في مواجهة المشروع التكفيري”، قال نبيل قاووق القيادي في حزب الله، الحليف العسكري اللبناني لإيران الذي حارب ثوار سوريا منذ عام 2012. “المعادلات التي اعتُمدت في سوريا اليوم كلّها لصالح محور المقاومة”، أضاف قاووق قائلاً، مشيراً الى الائتلاف المعارض لأميركا الفضفاض الذي يضم كل من إيران، وسوريا، و”حزب الله”، وفصائل إسلامية أخرى.

إلاّ أنّ تحت هذا التباهي بالانتصار، يعتقد بعض المراقبين بأنّ الصورة أكثر تعقيداً. إحدى الفرضيات ترى بأنّ السبب الحقيقي لتدخّل روسيا هو تنافسها الصامت مع إيران على المرتبة الأولى في المعسكر الموالي للأسد. وفي حين إنّ تحالف موسكو مع دمشق، الذي يعود إلى الحرب الباردة، هو أقدم من تحالف هذه الأخيرة مع طهران، فإنّ تأثير الدعم المالي والعسكري الأساسي من إيران لنظام الأسد منذ اندلاع الحرب السورية كان كبيرا جداً لدرجة أنّ العديدين رأوها بمثابة السيد الفعلي للبلد.

وعندما تم مثلاً عقد اتفاق لوقف اطلاق النار في آب بين ثوار ومقاتلين موالين للأسد في منطقتي القلمون وادلب، كانت طهران لا دمشق هي التي تفاوضت باسم سوريا. وقال دبلوماسي روسي سبق أن اتخذ من دمشق مقراً له إنّ هذه التطورات جعلت الأسد حذراً من الجمهورية الإسلامية، وممتنّاً لرؤية روسيا تُعيد التأكيد على موقعها.

وتتحدّث تقارير أخرى عن خلافات اضافية بين موسكو وطهران فيما خصّ مصير الأسد بعد الحرب، في حين يذهب بعض المحللين أبعد من ذلك، معتبرين أنّ روسيا الجريئة قد تعمل على الحد من طموحات إيران الاقليمية وحتى أن تفصل الأسد عن “محور المقاومة”.

وفي حين اعترف المحللون الذين تحدث إليهم NOW بأنّ ليس لدى روسيا التي- منذ عام 2010 دعمت فرض عقوبات مشددة على طهران في مجلس الأمن- أي أجندة مشابهة لأجندة إيران في الشرق الأوسط، فقد كانوا غير مقتنعين بأن تدخّل روسيا في سوريا سوف يكون على حساب السياسة الإيرانية.

“روسيا وإيران خصمان تقليديان. ثمّة منافسة خفية ما دائمًا في علاقاتهما. وبناءً على ذلك، لم تكن العلاقات بين حكومتي إيران وروسيا بهذا التقارب منذ 500 عام”، قالت آنا بورشكيفسكايا، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، مضيفة: “لا يزال هناك منافسة، ولكن عندما يتعلّق الأمر بسوريا، يبدو بأنهما يعملان بشكل متواز. لدى الإثنين هدف مشترك، هو ابقاء الأسد في السلطة”.

بدوره مايكل ويس، المساهم في تأليف كتاب “داعش: داخل جيش الرعب”، ورئيس تحرير صحيفة The Interpreter في معهد روسيا المعاصرة، والمساهم سابقاً في موقع NOW، يشكّك في اعتبار أن طهران وموسكو تتنافسان. ويقول ويس لـNOW: “صراحةً، أعتقد بأنّ روسيا تؤمّن غطاءً جوياً لا تستطيع إيران تأمينه، وإيران تؤمن القوى البرية، ويضيف: “من وجهة نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لديه أهداف بسيطة: هي البقاء على الأسد حياً، وملاحقة أي قوة معارضة لديها مصداقية على الأرض، مثل الجيش السوري الحر وغيره، والادّعاء بقصف داعش، ومنع الأميركيين من القيام بأي شيء يؤدي الى تغيير في الخطة […] ويريد القضاء على أي شيء يمكن أن يخرج الأسد من السلطة، على المستويين العسكري والدبلوماسي. وهذا ما لا أراه متعارضاً أبداً مع ما تريده إيران”.

وبعيداً عن هذه العوامل كلها، ترى بورشكيفسكايا بأنّ الاعتبارات الروسية الداخلية قد تكون مؤثّرة بقدر أهداف سياستها الخارجية: “يريد بوتين أن يظهر بمظهر القائد العظيم، كقائد قوي. وهو يقوم بذلك جزئياً لأنه غير قوي، فهو قائد ضعيف. الوضع الاقتصادي في روسيا فظيع، والوضع الاجتماعي يدور في دوّامة مفرغة، والقوات العسكرية تعاني من الكثير من المشاكل. وكافة هذه المشاكل الداخلية تعمل على إضعافه. فكيف له بأن يبقى في السلطة كقائد تعسّفي؟ إنه يشير الى أعداء خارجيين – أهمهم الولايات المتحدة”.

“وفيما خصّ الادعاء بأنّ روسيا تحاول الإبقاء على موقعها دبلوماسياً، أي ضمان حجز مكان لها على الطاولة عندما يتم أخيراً تقرير مصير سوريا”، كما قال أحد المحللين، يرى ويس على العكس من ذلك بأنّ موقع روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن ليس معرضاً للتهديد.

“أي مؤتمر سلام افتراضي يحظى بأي نوع من الترخيص من مجلس الأمن هو بحاجة الى روسيا”، قال ويس، وتابع: “لن تكون إيران القوة المسيّرة لأي نوع من اتفاق إرساء السلام في سوريا. روسيا هي التي ستقوم بذلك، أقلّه وفقاً لمقاييس وزارة الخارجية الأميركية، ويُنظر إلى الروس بهذا المنظار منذ عام 2011”.

ويس ليس مقتنعاً كذلك بأنّ تقريراً واحداً في الأسبوع الماضي زعم تحقيق الروس نصراً على الثوار في ساحة المعركة السورية قد يدلّ على قرب خروج الأسد من السلطة. ويقول: “منذ خمس سنوات وأنا أسمع بأنّ روسيا ليست متمسّكة ببشار الأسد، وكل ما تريده هو مجرّد عميل، هي فقط تريد الحفاظ على مصالحها. لكن الحقيقة هي أنّ روسيا إذا لم تكن متمسكة بالأسد، لن يبقى الأسد رئيساً لسوريا. هل يمكن أن أتخيّل بعد سنوات بأنّ روسيا قد تأتي الى الولايات المتحدة وتقول: صحيح لقد دمّرنا المعارضة السورية بأكملها التي تشكّل تهديداً حقيقياً للأسد، والآن فلنتفاوض على شروط استسلام الأسد؟ لا”.

ألكس راول يغرد على تويتر @disgraceofgod

هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنان ناو

 

 

 

 

الدور العسكري الروسي بسوريا.. حسابات إيرانية/ حسن أحمديان

قبل بضعة أشهر لم يكن التدخل العسكري الروسي في سوريا متوقعا بالشكل الذي جرى. إلا أن تغييرات الساحة السورية أنهت تذبذب الروس وأتت بهم إلى الساحل السوري محملين بالسلاح والطائرات والسفن الحربية.

وبعيدا عن الأهداف الروسية التى اختلف حولها الكتاب والباحثون، ليس ثمة شك بأن الدخول الروسي بهذا الحجم سيأتي بتغييرات جدية على الأزمة السورية.

من هذا المنظور تتابع دول الشرق الأوسط ومنها إيران وتحاول فهم مدى تأثير الواقع الجديد على سياستها تجاه سوريا وتبعاته عليها. وباعتبارها أحد الأطراف المؤثرة في القضية السورية، لم تقلق الغارات الروسية الاستراتيجي الإيراني. سنحاول في هذه الورقة تقييم تأثير التطور المذكور على سياسة إيران السورية وتبعاته عليها.

تعتبر إيران دخول روسيا عسكريا ضد داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والتنظيمات المسلحة الأخرى ترجيحا لكفة حليفها السوري في البُعد العسكري. وحسب العقلية الاستراتيجية الإيرانية، فإن الغارات الروسية تحمل ثلاثة أبعاد لا تخطئها العين في صالح سياسة إيران وحليفها السوري:

الموازنة الدولية: أولا يأتي التدخل الروسي للأزمة السورية بموازنة على المستوى الدولي، فطالما أدت الضغوط الغربية على النظام السوري إلى تشدد دول الشرق الأوسط المعادية له. بدأ ذلك مع خطاب الرئيس أوباما القائل بضرورة تنحي الأسد، والذي أدى بدوره إلى تمسك دول كتركيا والسعودية وغيرهما بخطاب متطرف لحل الصراع.

ومع دخول روسيا بشكل أكثر فاعلية في سوريا، اتضح للجميع أن هناك من يوازي الدور الغربي المعادي للأسد والداعم خطابيا لتنحيه، رغم ضآلة تدعيم ذلك الخطاب عمليا إلا بتسليح مجموعات ثبت عدم فاعليتها. بهذا المعنى، أدى دخول روسيا إلى إحداث موازنة دولية على المستويين الخطابي والعملياتي.

ومن المتوقع أن يكون لهذه الموازنة الدولية الجديدة أثر إقليمي أيضا، فالدول الإقليمية المعولة على الدور الغربي خيارا أمثل، تُدرك اليوم أن الغرب لن يجابه الروس لتحقيق هدف ما زال يتذبذب بشأنه بوضوح. ونتيجة لذلك، تعول طهران على عدول دول الشرق الأوسط الداعمة للمعارضة عن الخيارات الإقصائية كمقدمة لحل الصراع. فالموازنة اليوم لا تحتمل الشروط المسبقة للحل.

الموازنة الميدانية: إن إعادة الموازنة الميدانية للساحة السورية هو ثاني نتائج قيام روسيا بضربات جوية ضد التنظيمات المسلحة، فمنذ التغيير الذي طرأ على المعادلة السورية إثر تزويد المعارضة المسلحة بأسلحة نوعية وتوحيد صفوفها بمبادرة سعودية وقبول وتعاون تركي قطري، انحدرت إمكانية اللجوء للحلول السياسية. وأدركت روسيا في الوقت نفسه ضرورة الإمساك بأوراق ضغط فعالة إن كان سيُكتب لها النجاح في الإتيان بحلول سياسية للأزمة السورية.

وقد بحث الروس عن مراكمة رأسمالهم الاستراتيجي في الحوار مع الغرب عبر بوابة الشرق الأوسط السورية، وأتى تقدم المعارضة وإمكانية سقوط الأسد بموسكو إلى نتيجة فحواها أن الأوراق الروسية باتت تتساقط بسرعة، وإن لم يجر تدارك الموقف فستفقد آخر قاعدة لها في الشرق الأوسط وتفقد بالتالي أي إمكانية للتأثير على المعادلات الإقليمية.

وبعيدا عن الأهداف الروسية، تظل النتيجة واحدة: إعادة الموازنة الميدانية بعد الخلل الذي أصابها نتيجة إدخال كميات كبيرة من السلاح والمال إلى سوريا بعد التغير الذي حصل مؤخرا في سدة الحكم في السعودية. وقد يختلف المتابعون للوضع السوري حول جدوى الغارات الروسية والتغييرات التي ستُحدثها ميدانيا لصالح بقاء الأسد أو هزيمة أعدائه، إلا أن إعادة الموازنة الميدانية من النتائج المتوقعة له إن لم تكن قد تحققت حتى الآن.

الحد من الأعباء الاستراتيجية: يمثل تخفيف الأعباء الاستراتيجية لإيران وحلفائها ثالث النتائج لدخول المتغير الروسي إلى الصراع السوري، فقد ظهرت إيران بلباس الداعم الرئيسي للنظام السوري. ومن الواضح أن هذا الواقع ولد ضغوطا جمة على كل الصعد. فالمجابهات السياسية الإقليمية والدولية النابعة من الأزمة السورية أدت إلى زيادة دعم السعودية وتركيا وحلفائهما للمعارضة المسلحة بغرض ضرب الند الإيراني من جهة وزادت من الدعم -الخطابي على الأقل- للدول الغربية من خيار الإسقاط بالقوة من جهة ثانية.

كل ذلك زاد من حجم الأعباء الاستراتيجية على كاهل الاستراتيجي الإيراني الذي كان مُثقلا بالأساس بالملف النووي. وقد قلصت انفراجه اتفاق النووي من الأعباء الدولية، إلا أن زيادة الدعم للقوى المسلحة وتأسيس جيش الفتح، قلب موازين القوى في الشمال السوري وزاد الضغط على النظام السوري وحلفائه. وأدى ذلك بالتالي إلى تصلب موقف المعارضة -بشقيها المسلح وغير المسلح- و داعميها على حد سواء.

وزاد هذا الواقع بدوره من الضغوط على داعمي النظام السوري من جهة ومن تذمر روسيا -الحاضنة لحوار الحكومة والمعارضة المعتدلة- من جهة أخرى. وأتى التدخل الروسي بالتالي ردا على تغيير ميزان القوى وأعاد شيئا من الموازنة للمعادلة. فسوريا بعد دخول الروس تختلف عما قبلها وتعلم الدول الداعمة للخيار العسكري لإسقاط الأسد أن الوضع قد تغير. بهذا المعنى انحدر العبء الاستراتيجي على إيران وازداد الضغط في الوقت نفسه على دول الحل العسكري.

وما الحديث الروسي عن إمكانية توسيع العمليات لتشمل العراق والأردن ومصر إلا إشارة واضحة حول عزم موسكو التغلغل بمقاييس أكبر في ملفات الشرق الأوسط. الروس قادمون إذن للعب دور أكبر وأوسع من الساحل السوري. وعموما وحتى الآن لا تنظر إيران للتدخل الروسي إلا برضا وامتنان لإعادته الموازنات الدولية والإقليمية والميدانية ولتخفيفه الأعباء الاستراتيجية الثقيلة للأزمة السورية.

وبعيدا عن النتائج سالفة الذكر، يمكن تأطير تنامي الدور الروسي في سوريا والمنطقة بمنظور آخر هو زيادة قوة اللاعب الدولي على حساب اللاعب الإقليمي، فقد ازداد دور السياسة الإقليمية واللاعب الإقليمي على الحسابات الدولية ولاعبيها بعد الربيع العربي. وزاد تذبذب الغربيين بعد سقوط القذافي في صناعة هذا الواقع. بذلك أصبح اللاعب الإقليمي دون غيره يتحرك بحرية تجاه الملفات الإقليمية ويدعم ويمول ويسلح ويحاول رسم الواقع الجديد.

ولطبيعة موقف الولايات المتحدة النائي بنفسه عن تطورات الربيع العربي، تحمست حليفاتها لملء الفراغ بدعمها للمعارضة السورية المسلحة، كما ازداد دور حلفاء النظام السوري بدعمهم ووقوفهم أمام خيار أعدائه القائل بضرورة تنحيه، وأدى ضعف إدارة الأزمات على المستوى الإقليمي إلى تزايد الصراعات حدة واتساعا. لذلك يُشكل التحرك العسكري الروسي مدخلا لغلبة الطابع الدولي للأزمة السورية -وغيرها من الأزمات الإقليمية في المستقبل- على طابعه الإقليمي. وينحدر بذلك دور اللاعب الإقليمي.

ووفق مقولة شائعة لعلماء الجغرافيا السياسية، لا بد من الإتيان بحلول دولية للأزمات التي تأخذ طابعا جيوستراتيجيا، فلكل أزمة نطاق، ونطاق حل الأزمات الجيوستراتيجية لا يمكن أن يكون وطنيا أو حتى إقليميا. بذلك يمكن رؤية بصيص أمل لتقديم حل سياسي في سوريا بعد تصاعد دور اللاعبين الدوليين. يأتي ذلك نتيجة ضعف التعاون الإقليمي وتقديم الحلول الصفرية التي أتت في نهاية المطاف على دور اللاعبين الإقليميين.

إضافة لذلك وتبعا لتصاعد الدور الروسي والدولي بشكل عام على حساب الأدوار الإقليمية، من المتوقع حدوث صفقات حول القضية السورية. ولتراجع الدول الإقليمية عن لعب دور محوري، لن يملك اللاعب الإقليمي أدوات الضغط اللازمة لمقاومة المفروض دوليا. ويصدق هذا على منافسي إيران أكثر من طهران نفسها، إذ من المتوقع أن تهتم موسكو بأولويات طهران أكثر من اهتمامها أو اهتمام الأطراف الغربية بأولويات الرياض أو أنقرة مثلا.

وبعيدا عن هذا الواقع العام، يبقى السؤال قائما حول مدى قبول إيران بالسيناريوهات المطروحة بعد التدخل العسكري الروسي. تُدرك طهران أن الوضع السوري قد تغير على مر سنوات الأزمة وتطورت أولويات اللاعبين فيه توازيا مع هذه التغييرات. ومن الواضح أن إيران روحاني الظافرة باتفاق نووي على المستوى الدولي لا تبحث عن التصعيد على المستوى الإقليمي لسببين؛ الأول إبعاد الاتفاق النووي عن التأثر بالملفات الإقليمية، والثاني التخلص تدريجيا من أعباء السياسة الإقليمية. ويصب التدخل الروسي في صالح الهدفين.

لذلك ورغم ما يُثار في الإعلام، لم تعد قضية بقاء أو تغيير الأسد القضية المحورية اليوم، فالمهم لطهران كان إفشال مخطط إسقاط سوريا الأسد على يد أعدائها واستبدالها بنظام يعاديها وحلفاءها، أما الآن ومع الموازنة التي أضفتها روسيا على المعادلة، فستعد طهران أي حل سياسي عبر التفاوض، حتى لو حد من قوة حلفائها، مكسبا استراتيجيا يبني لدور إيراني أكثر نشاطا وأكثر تفاعلا مع الدول العربية.

بعبارة أخرى، يمكن تحديد هدف إيران المحوري اليوم بإيقاف الحرب السورية دون تسليم سوريا لأعدائها. وما الخطاب الإيراني الداعي لتقرير السوريين مصيرهم بأنفسهم إلا تعبير عن هذه الرؤية. بشكل عام يمكن تلخيص أهداف إيران في مرحلة ما بعد الدخول العسكري الروسي سوريا كالتالي:

– البناء على الموازنة الميدانية للدفع إلى واقعية أكبر في تعاطي المعارضة المسلحة مع النظام السوري للتوصل إلى حل سياسي.

– البناء على الموازنة الدولية للحد من التطرف الإقليمي تجاه إيران وحلفائها والأهداف المركزة ضدها بغية ضرب نفوذها.

– التركيز على ضرورة إيجاد فرص للحل السياسي الذي ستعده حكومة روحاني مكسبا استراتيجيا لها يدعم الاتفاق النووي.

– محاولة عدم الوقوف أمام الحلول الدولية القادمة على ألا تفرض على إيران وحلفائها.

بشكل عام، يتميز موقف طهران عن نظرائها ومنافسيها الإقليميين بالمرونة تجاه الروس، أصدقاء إيران المعتمدين، والدول الغربية، الشريكة لإيران في الاتفاق النووي. على هذا الواقع تعول طهران لإيصال أهدافها السورية إلى الحل النهائي.

وإن كان من المتوقع أن تحظى طهران كغيرها بجزء من المفروض دوليا على الإقليم في الملف السوري بعد أن بدأ إضعاف دور اللاعبين الإقليميين لصالح اللاعبين الدوليين، إلا أن الأبواب تبدو أكثر انفتاحا أمامها للاستمرار بالتأثير على الحل النهائي. هكذا يبدوا الوضع حاليا على الأقل رغم صعوبة توقع المستقبل.

الجزيرة نت

 

 

 

تَساءل «لافروف» عن الجيش الحر.. فجاءه الرد «بمجزرة الدبابات/ حسن بن سالم

< حملة إعلامية موسعة على الصعيد الداخلي والخارجي تقوم بها الحكومة الروسية، لتبرير تدخلها العسكري في سورية، وإقناع شعبها الروسي بشرعية هذا التدخل وأهميته، وأنها جاءت للحرب ضد الإرهاب، واتضح منذ أول يوم للغارات الروسية أن الإرهاب الذي يعنيه الروس، يشمل ويسع كل ما هو معارض لنظام الحليف بشار الأسد، الذي يواصل بدأب وبلا هوادة تدمير بلده وتهجير وقتل شعبه لخمس سنوات بلا رحمة.

الجيش الحر والمعارضة المعتدلة وبقية الفصائل التي تقاتل ضمن جيش الفتح على خطوط التماس في جبهات حماة وحمص وحلب، كانت المستهدف الأول من الغارات الجوية كافة، وذلك في محاولة منها لإبعادهم عن مواقع الخطر الذي يتهدد النظام، وأما «داعش» لم يأت إلا في ذيل وقائمة أولوياتها.

الحملة الإعلامية الروسية لم تكتف بالترويج لمبررات التحرك العسكري، بل أخذت على عاتقها مواجهة المعلومات والأخبار التي توردها وسائل الإعلام المختلفة، مرة لتكذيب المعلومات حول سقوط ضحايا مدنيين خلال أولى الضربات، ومرة أخرى للدعاية حول التفوق الروسي في حربه ضد الإرهاب.

وفي هذه الحملة التي تخوضها روسيا، تساءل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بصورة استنكارية أن روسيا مستعدة للاتصال بـ«الجيش الحر» في سورية إن كان موجوداً أصلاً؟ فأتاه الرد والجواب صريحاً واضحاً من الجيش الحر باللغة العسكرية ذاتها التي جاء بها إلى سورية، وكانت المفاجأة من ذلك الجيش الذي خفت نجمه، وتوارى تأثيره الميداني في الأعوام الثلاثة الماضية، وظن الكثيرون أنه أصبح جزءاً من ماضي الثورة السورية، فعاد إلى الساحة مرة أخرى، وسطر أروع الملاحم والبطولات، بتصديه للهجوم البري الكبير غير المسبوق الذي شنّته قوات النظام، المدعومة من الميليشيات الأجنبية والمحلية براً، وبغطاء جوي روسي على ستة محاور في وقتٍ واحد. إذ حظي هذا الهجوم باهتمام بالغ وبتغطية ودعاية إعلامية كبيرة، من الروس وجيش النظام السوري، فقناة روسيا اليوم اللسان المتحدث بالتدخل الروسي عنونت عنواناً بارزاً لذلك الهجوم: «السوخوي تضع المبادرة بيد الجيش السوري، ليتحول من الدفاع إلى الهجوم»، وإعلام النظام ظل يردد الأغاني الوطنية ابتهاجاً بانطلاق حملته العسكرية، وأشارت المعلومات إلى أن القصف شاركت فيه راجمات صواريخ حديثة روسية الصنع تستخدم للمرة الأولى في المعارك على الأراضي السورية، ولكن الجيش الحر وبمشاركة فصائل «أحرار الشام» و«فيلق الشام»، تمكن من التصدي والإفشال لهذا الهجوم، وأدت صواريخ تاو الأميركية، التي تملكها قوات الجيش الحر بتدمير 25 مدرّعة ودبابة لقوات النظام، خلال أقل من ستّ ساعات. وهو الأمر الذي لم يحصل أن وقع من قبل، لتضطر قوات النظام إلى التراجع من جميع النقاط التي تقدمت إليها، وتستعيد قوات المعارضة زمام المبادرة، وتكسب أولى الجولات، وبانتظار معركة جديدة تخوضها في منطقة سهل الغاب بريف حماة، وبذلك تكون فصائل الجيش الحر تمكنت من استثمار الضخ الإعلامي الذي رافق التدخل الروسي الأخير في سورية لمصلحتها، لتتمكن من إثبات نفسها على الأرض بعد يوم واحد فقط من نفي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وجود الجيش السوري الحر أو المعارضة السورية المعتدلة على الأرض. الأمر الذي دحضه النصر الكبير الذي حققته فصائل الجيش الحر بريف حماة أخيراً، ولا شك في أن هذا الانتصار الذي حققته المعارضة سيشكل دافعاً قوياً في رفع معنوياتها، ولعل من الأمور التي أسهمت في تعزيز قوة الجيش الحر واستعاد شيء من مكانته وقوته، هو إدراكه بأهمية توحيد تجمعاته وفصائله بدلاً من تفرقها، لذلك بعد أن توحد 16 فصيلاً تابعاً للجيش السوري الحر في غرفة عمليات مشتركة باسم «جيش النصر» منذ أقل من شهر ونصف الشهر، بهدف تحرير محافظة حماة بالكامل، استطاع توجيه صفعة قاسية للروس وجيش النظام وميليشياته، بل إن الصواريخ والغارات الروسية، كان لها دور كبير في توحد صفوف وفصائل المعارضة. وعلى غرار جيش النصر، أعلن مطلع هذا الأسبوع وتحت علم الثورة السورية المعروف ولادة وتشكيل «جيش الشام»، وهو جيش يهدف إلى توحيد المجموعات المقاتلة الصغيرة، غير المنضوية تحت راية فصائل كبرى، وأكد أن «الهدف الأساس للتشكيل الجديد هو محاربة داعش»، إذ استهل أعماله القتالية بالمشاركة في الهجوم المعاكس الذي نفَّذته الجبهة الشامية، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وفيلق الشام من أجل استعادة النقاط التي احتلها تنظيم «داعش» بريف حلب.

المعارضة هي بحاجة ماسة إلى خطوات أكثر في إذابة الفروقات، والتنسيق والتوحد في ما بينها، وعلى أصدقاء سورية عبء مد «المعارضة» بالسلاح النوعي، الذي يعيد التوازن إلى المعركة في سورية، فالروس وجيش النظام سيسعون إلى تضييق الخناق وقطع طرق الإمداد.

الجياة

 

 

 

 

كيف يُقنع بوتين السنّة بأن حربه غير دينية؟/ روزانا بومنصف

لا يكفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان يعلن ان “موسكو لا تريد التدخل في أي نزاع ديني في سوريا” وان “الرأي القائل بأن روسيا تقف في الحرب في سوريا الى جانب الشيعة ضد السنة هي فرضية وطرح خاطئ لانها لا تميز بين السنة والشيعة”. ذلك ان العامل الأهم مما يقوله بوتين في هذا الجانب هو الانطباع الذي تركه في اعلانه في حديث تلفزيوني في نيويورك في اثناء مشاركته في اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة من انه تدخل عسكرياً لانقاذ بشار الاسد، ما جعله حكما في خانة “المحور الشيعي” ضد “المحور السني” في المنطقة. فها هم الشيعة في العراق يهللون للدعم الذي تقدمه روسيا الى الاسد، ووفق تقارير اعلامية نقلتها صحف غربية كبرى أضحى اسم الرئيس الروسي “الشيخ بوتين”. ويصعب الا يصب التهليل الشيعي في خانة استفزاز السنة واثارة حساسيتهم في ظل ما تشهده المنطقة من صراع مذهبي حاد يعززه الخلاف السعودي – الايراني. وقد انتقلت عدوى الفرح من هذا الاصطفاف الروسي في الخط “الشيعي” الى بيروت بالذات. اذ حمل مناصرون للزعيم المسيحي العماد ميشال عون صورا للرئيس الروسي مهللين لتدخله العسكري لانقاذ النظام السوري في ذكرى هي للمفارقة ذكرى اطاحة النظام السوري بالذات زعيمهم من قصر بعبدا ووضعه اليد نهائياً على البلد قبل 25 عاماً، لاعتقاد هؤلاء الساذج على الارجح بان ترجيح كفة الرئيس السوري والمحور الشيعي مع ايران و”حزب الله” سيؤدي الى تغيير المعادلة السياسية في المنطقة وتاليا في لبنان لمصلحة الفريق الذي تدخل الروس من اجله. الامر الذي قد يؤدي الى وصول زعيمهم الى قصر بعبدا مجددا جنبا الى جنب مع انقاذ الاسد.

وسيكون صعباً على بوتين ان يدحض انعكاسات الضربات العسكرية التي يوجهها الى المعارضة السورية المعتدلة تمهيداً لاستعادة جيش النظام السوري بعض المدن والمواقع ما قد ينقذ موقعه على طاولة المفاوضات ويعزّز أوراقه ازاء معارضيه. لكن قبل الوصول الى طاولة المفاوضات التي لا تبدو قريبة وان كانت هدفاً نهائياً محتوماً، فان الروس تبلّغوا بعد عشرة أيام على بدء عملياتهم العسكرية الداعمة للأسد جملة مواقف الى جانب الواقع العدائي الذي بدأ يترجم على الارض في اصطفاف قسري لا يمكن دحضه كلياً ما دام اعلن عن غرفة عمليات مشتركة في بغداد تضمه وايران والعراق وسوريا فضلا عن ان الصواريخ التي وجهها من بحر قزوين انما استند فيها الى تعاون ” حلفائه” في ايران والعراق لكي تمر هذه الصواريخ فوق اراضيهم مستهدفة المعارضة السورية وهي تنتمي الى الطائفة السنية في غالبيتها. هذه المواقف جاءت من المملكة السعودية التي ابلغت موسكو صراحة عزمها على متابعة تقوية المعارضة السورية المعتدلة ودعمها لها محذرة الرئيس الروسي من انعكاسات خطيرة نتيجة الاصطفاف المذهبي الذي اعتمدته روسيا في تدخلها العسكري. اذ ان ما اعلنته السعودية في هذا الاطار يدحض مساعي بوتين لاظهار ان لقاءاته مع ولي ولي العهد السعودي ووزير خارجية المملكة كما لقاءه مع ولي عهد ابو ظبي يمكن ان يظهر التواصل مع الدول السنية المؤثرة وان ليس هناك خلافات جدية بما يمكن روسيا من متابعة سعيها الى انقاذ الاسد.

في أي حال، تقول مصادر ديبلوماسية ان ثمة التقاء عربياً غربياً على وضع الخطوط العريضة للموقف من التدخل الروسي بحيث ان الاتحاد الأوروبي لم يلبث بدوره ان اطلق مواقف غداة اللقاءات السعودية الروسية في سوتشي تحذر روسيا من تجاوزها مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية الى محاولة تدمير المعارضة السورية ومشددة على سقوف معينة لبقاء الاسد في المرحلة الانتقالية. لا بل ان الموقف السعودي محوري في هذا الاطار جنباً الى جنب مع الدول الخليجية السنية وحتى مع موقف تركيا التي استفزتها موسكو أيضاً في اطار رسمها الحدود من أجل انقاذ الاسد. وهذا في حده الأدنى أي عزم موسكو على استمرار عملياتها العسكرية في مقابل دعم السعودية والدول الداعمة للمعارضة لهذه الاخيرة، علماً ان الولايات المتحدة اندفعت خجلا على الارجح الى رمي 50 طناً من الذخائر للمعارضة لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية، يعني استمرار التصعيد على الارض في مقابل التصعيد الروسي. وهذه الحرب بالواسطة يخشى ان تتحول حرب استنزاف بحيث ان تقوية طرف سيقابله تقوية الطرف الآخر على نحو يشبه دائرة مقفلة لا خروج منها حتى ينهك الجميع ويقتنعوا بالجلوس الى طاولة المفاوضات ما لم تتحول الساحة السورية في ضوء استمرار المواقف على حالها الى ساحة عداء للروس كما كان العراق بالنسبة الى الاميركيين بعد احتلالهم العراق. وتخشى هذه المصادر ان تكون روسيا قد استفادت من فترة سماح نسبية في ضوء الصدمة التي أحدثها تدخلها العسكري المباشر لدى العرب والغرب على حد سواء في الأيام العشرة الأولى لبدء هذا التدخل حيث انتشلت الاسد من لجة الانهيار في ظل صمت لافت من الدول العربية في شكل خاص على ما فهمته استهدافا للسنة واصطفافا مع ايران. لكن الامور قد لا تبقى على ما هي عليه بعد تحديد المواقف واعلانها.

النهار

 

 

 

 

 

صواريخ بوتين سقطت في واشنطن؟/ راجح الخوري

في المعيار الجيوسياسي ليس من المبالغة القول إن صواريخ كروز التي اطلقتها روسيا من بحر قزوين على مسافة أكثر من ١٥٠٠ كيلومتر سقطت في حدائق البيت الأبيض قبل ان تنفجر في سوريا، فها هو فلاديمير بوتين يقول أمس ساخراً إن الاستخبارات الاميركية لا تعرف كل شيء ولا يتعيّن عليها ذلك!

من المؤكّد ان هذا يحدث دوياً مقلقاً داخل حلف شمال الاطلسي الذي يواصل تجرّع مرارة التحدي البوتيني في أوكرانيا، فالتدخل الروسي في سوريا أكّد تحدياته الفورية في تركيا العضو في الحلف مرتين: الأولى عندما خرقت مقاتلات، “السوخوي” أجواء اردوغان مرتين، والثانية عندما طلبت موسكو من واشنطن الخروج من الأجواء السورية عندما ينشط طيرانها في عملياته!

عندما يمضي بوتين بهذا الأسلوب الإقتحامي الواسع يصبح من الواضح جداً أنه لم يبدأ حربه في سوريا لأهداف تتعلق بالرئيس بشار الأسد ونظامه، ولا بما يمكن ان تفضي اليه هذه الحرب من تسوية سياسية في النهاية قد لا يكون الأسد من عناصرها، بل لأهداف تتصل بسعيه العنيد للعودة الى قواعد حقبة “الإستقطاب الثنائي” التي كانت سائدة قبل انهيار الإتحاد السوفياتي.

العناصر التي شجعته على ذلك، اولاً سياسة التردد الدائم والإنكفاء التصاعدي التي طبقتها إدارة باراك أوباما من القرم الى اوكرانيا وصولاً الى سوريا ومروراً بتعثرها المريع في ليبيا ورهانها الأعمى على “أخونة” المنطقة إنطلاقاً من مصر، وثانياً الفشل الذريع في مواجهة “داعش” والإرهابيين وهو ما جعل الكثيرين يعتبرون ان ادارة أوباما ليست مستعجلة لضرب “داعش” بل منهمكة في استعماله لنبش الأحقاد والكراهيات توصلاً الى اشعال فتنة بين السنّة والشيعة في المنطقة كلها!

في ١٠ أيلول من العام الماضي أعلن أوباما قيام “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب” وقد جاءت نتائجه الميدانية معيبة توازي على الأقل فضيحة إعلاناته الخادعة عن تدريب المعارضة السورية المعتدلة، والآن بعد المحادثات بين بوتين والأمير محمد بن سلمان ثم مع الشيخ محمد بن زايد، يبدو واضحاً ان بوتين يسعى لإقامة تحالف ضد الإرهاب يقوم على حطام التحالف الذي أعلنه أوباما، فهو يجري اتصالات دورية في هذا السياق مع عبد الفتاح السيسي، ويستعد لاستقبال الشيخ تميم بن حمد، وينهمك في اتصالات مكثفة مع عدد من العواصم العربية بهدف إقناعها بالإنضمام الى التحالف بين موسكو وطهران وبغداد ودمشق!

الأهم والأعمق من مصير الأسد هو النتائج المتصلة بقرار بوتين تعويم الدور الإستقطابي الروسي على المستوى الإستراتيجي، فعندما تتوارى المقاتلات الأميركية من الفضاء السوري تقريباً، وتنطلق الصواريخ من قزوين الى سوريا فوق رؤوس الأطلسيين، ليس كثيراً القول إنها سقطت في حدائق البيت الأبيض!

النهار

 

 

 

 

روسيا في الشرق الأوسط… امتناع التنازلات/ سيّار الجميل

بين العامين 1990 و2015، تغيّرت نظرة العالم إلى الشرق الأوسط، نجحت إسرائيل في دفع التحديات المحيطة بها نحو خارج تخومها، وانتقل الشرق الأوسط من مثلث للأزمات، كانت القدس نقطة الارتكاز فيه، إلى مربع للأزمات غدت بغداد نقطة الارتكاز فيه، لينتقل اليوم إلى دائرة دولية كبرى للأزمات، ستكون الموصل نقطة الارتكاز، بعد أن غدت مركزاً استراتيجياً لما تسمى الدولة الإسلامية، المخيفة بتحركاتها وإعلامياتها البشعة. ولأول مرة، يصبح إقليم الجزيرة الفراتية معقلاً ومسرحاً لها بين العراق وسورية، وبالأحرى بين الموصل وحلب. وهذا ما يخيف دول المنطقة، بما فيها إيران.

كان المراقبون يعتقدون أن ضعف الاقتصاد وتهديدات توسع الدولة الإسلامية في قلب مربع الأزمات قد يحدّان من بعض الأدوات المتاحة لروسيا في التحرّك نحو الشرق الأوسط. ولكن، من غير المرجّح أبداً أن تتغيّر النظرة الشاملة لموسكو في استراتيجيتها إزاء سورية. وكما تورطت واشنطن وطهران في العراق، بعد سقوط نظام صدام حسين، لإكمال سحقه، فإن جميع الدول المتورطة في الأزمة السورية ساهمت في سحق سورية، في الرهان على بشار الأسد ونظامه. وكانت روسيا، وهي من أكثر المناطق انعزالاً في السابق عن مشهد أحداث الشرق الأوسط، قد غدت حيوية إزاء سورية خصوصاً، وقد أحبطت مساعي الدول الغربية وحلفائها الإقليميين في سياساتها لإطاحة الرئيس بشار الأسد، وأصيبت تلك المحاولات، مراراً، بالفشل، في حين تفاقم تهديد (الجهاديين) والمعارضين على الأرض، وكان آخرها نموذج متوّحش اسمه الدولة الإسلامية (داعش) الذي وقفت من ورائه قوى خفيّة سابقاً، ولم تعد مجهولة اليوم، امدّته بالمساعدات اللوجستية والحركة والتنقّل من أجل ازدهار الفوضى في العراق وسورية.

لمربع الأزمات الذي غدت الموصل قاعدة توسعية زواياه الأربع حيث تقع كل من الشماليتين بين بحر قزوين والبحر الأسود، وتقع كل من الجنوبيتين بين رأس الخليج العربي ورأس البحر الأحمر، وتجد اللاعبين الإقليميين الحقيقيين منقسمين إلى جناحين من دول عدة، وقد ازدهرت في الفوضى في توسع مربع الأزمات إلى دائرة كبرى لها، بدخول روسيا لاعباً أساسياً إلى جانب إيران وحلفائها، ومشاركة الولايات المتحدة الأميركية لاعباً أساسياً إلى جانب تركيا والسعودية وحلفائهما. ولقد ضعف دور كل من العراق وسورية، بحيث باتت أراضيهما مسرحاً للغرباء والمرتزقة من كلّ العالم. وإذا كانت سياسة بشار الأسد تعمل ضمن مخطط إيران، فإن سياسة العراق تقودها مجموعة هزلية لا تعرف لمن تكون، فهي موالية لإيران، خاضعة للإرادة الأميركية وهي مشتتة المواقف. وإذا كانت الولايات المتحدة قد أبرمت اتفاقاً مع إيران بمشاركة الأوروبيين، فإن الدور الأوروبي أشد وضوحاً من الدور الأميركي إزاء أزمات الشرق الأوسط، فكانت أوروبا، ولم تزل، تحمل هموم الشرق الأوسط أكثر من الولايات المتحدة التي بدأ الناس يتهمونها علناً بأنها وراء وجود داعش وتحركاته السريعة والمباغتة، جرّاء ردود الفعل الأميركية اللامبالية تجاه ما حدث في كل من العراق وسورية منذ أكثر من عام، وقد شهد العالم كيف حطمت سياسات الرئيس باراك أوباما سمعة بلاده (العظمى) في العالم، جرّاء اتفاقاته المبهمة مع حلفائه في المنطقة من طرف، وإزاء الاتفاقية التي وقعها مع الإيرانيين من طرف آخر، والتي أعتقد أنه ستنجم عنها تداعيات كبيرة، بل وربما مفاجآت جديدة، ومن أكبر الاحتمالات أن لإسرائيل دوراً فيها.

“يخشى محللون روس، وعلى نطاق واسع، من أن يكون الشرق الأوسط فخاً نصبته الولايات المتحدة للروس، لكي يغدو مستنقعاً”

يشير بعضهم من المراقبين إلى أن ثمّة بنودا سريّة اتفّق عليها بين الأميركان والروس لما يمكن عمله إزاء الشرق الأوسط، ولا يمكن التكهّن إن كانت طهران طرفاً في ذلك أم لا. ولكن، يبدو أن روسيا وجدت في اندفاعها نحو السواحل والتراب السوريين تلبية لطموحاتها التي كانت تعمل من أجلها زمنا طويلاً، بربط قزوين، عبر البر الأذري الإيراني والكردستاني العراقي والسوري نحو سواحل المتوسط، سواء كانت التكاليف التي ستؤديها موسكو محدودة أم غير محدودة.

كيف تمّ ذلك؟ كانت الأحداث محسوسة لربط المنطقة كلّها في دوامة الصراع، ففي أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، اشتبك مسلحون إسلاميون مع القوات الروسية في غروزني، ما أسفر عن مقتل 20 منهم، وأثار مخاوف الروس من العنف المستوحى والمخطط له من داعش في شمال القوقاز. وقد انخفضت أسعار النفط إلى 65 $، ما أثر تأثيراً مباشراً على الكرملين وخفض ميزانية الروس 35%/ إضافة إلى العقوبات الغربية على روسيا، جرّاء التدّخل في أوكرانيا، وقد تراجعت قيمة الروبل بشكل مخيف، وبدأ شبح شلّ الاقتصاد الروسي، فكانت روسيا بحاجة إلى استراتيجية من نوع آخر، تضمنّت التدّخل في سورية، لا لإنقاذ بشار الأسد، بل لإنقاذ نفسها أساساً.

بداية الأزمة، اعتقد المحللون الغربيون خطأ أن دعم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، النظام في سورية كان يدور حول الحفاظ على مصالح بلاده في سورية، من خلال وجود بحري صغير في طرطوس، رفقة سوق سلاح متواضع. ويُعتقد أن مثل هذه المصالح المادية هي، في الواقع، هامشية. إذ بدلا من ذلك، وجد بوتين من خلال رؤيته أن سورية ينبغي أن تكون، في المقام الأول، من خلال عدسة جيو استراتيجية ليقود الأزمة، ويلعب دوره دولياً على حساب تراخي السياسة الأميركية، وتنكيل تلك السياسة بحلفائها في المنطقة، والذين وقفوا سياسياً وإعلامياً ضد الأسد ونظام حكمه في سورية. ويبدو واضحاً أن التراخي الأميركي سبّب اتساع دائرة أزمات الشرق الأوسط، فالتراخي وجدناه في تدخلات إيران في العراق واليمن وسورية والبحرين علناً، وصولا إلى التراخي الأميركي إزاء سياسات بشعة لداعش، وانتهاء بالتراخي الأميركي إزاء التدخل الروسي في سورية، وهو التراخي الذي أحرج الأوروبيين في التعامل مع القضايا المعقدة في الشرق الأوسط.

وكان بوتين قد رسم خطاً في منع أية تغييرات أنظمة سياسية من خلال تحركات يقودها الغرب، تحت يافطة مبدأ الدفاع عن سيادة الدولة، غير أن هذا ينتفي، جملة وتفصيلاً، مع حركة التدخلات الأخيرة لروسيا في سورية. ويخشى محللون روس، وعلى نطاق واسع، من أن يكون الشرق الأوسط فخاً نصبته الولايات المتحدة للروس، لكي يغدو مستنقعاً، لا قبل للروس به، إن دام الصراع طويلاً، ويعبر بعضهم، على الأقل، عن تخوفه في الحفاظ على الذات: كما يخشى كثيرون من أن موسكو ربما تكون الهدف، في نهاية المطاف، باشتراكها في دائرة أزمات الشرق الأوسط، بعد أن فشلت في تحقيق مكاسب لها في أماكن أخرى، ومن ذلك العقوبات المفروضة عليها بسبب أوكرانيا.

كانت روسيا، ضمن العوامل الجيوستراتيجية، حريصة على أن لا تغضب دول الإقليم، وخصوصا الدول الخليجية، كما أنها أعادت بناء جسورها معها، فضلا عن أن روسيا كانت حريصة في الحفاظ على تجارة مزدهرة مع تركيا، على الرغم من الخلافات بشأن سورية. وكانت روسيا ترد على الاعتراضات الإسرائيلية بشأن التسلح الروسي لسورية، وأعتقد أن أوضاعها اليوم هي غير أحوالها قبل نحو أربع سنوات، إذ لم تكن سياسة روسيا في سورية مكلفة للغاية بالنسبة لموسكو. ولكن، في عام 2015، وجدت روسيا نفسها أمام ضعف في الاقتصاد، وفي مواجهة حقيقية إزاء التهديدات الداخلية لداعش التي قد تحد من بعض الأدوات المتاحة. وتعني أحداث التطورات الأخيرة، ببساطة، توسع دائرة أزمات الشرق الأوسط واتباع سياسة مكلفة. ومع ذلك، لا تزال غير مستعدة لتقديم تنازلات. الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت حتى بدايات العام 2016.

العربي الجديد

 

 

 

 

هل تراجعت السعودية سورياً؟/ نديم قطيش

سياق اللقاء بين ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الامير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يكمن بأهمية مضمون المحادثات ونتائجها التي لن تتسرب بسهولة الى الاعلام.

الاشارة الابرز حيال المضمون كانت في تصريح وزير الخارجية عادل الجبير بعد اللقاء أن الرياض تريد “حكومة انتقالية في سوريا تؤدي في النهاية إلى رحيل الأسد”، وهو ما يشكل تعديلاً، جدياً وإن لم يكن جوهرياً، في الموقف السعودي السابق، القائل بوجوب رحيل الاسد فوراً ونقل صلاحياته الى حكومة إنتقالية. لا يزال الموقف السعودي أن لا مستقبل للأسد في سوريا.

“المرونة” السعودية التي عكسها موقف الجبير تفيد أن المحادثات الروسية السعودية تتقدم بموازاة استمرار الحذر السعودي من أهداف موسكو من التدخل العسكري في سوريا. السجل السياسي للرئيس الروسي يفيد أن الرجل يجيد لعبة الخداع والتضليل السياسي والاعلامي… ويكذب!

فعلها في أوكرانيا ولن يتردد في أن يفعلها في سوريا ما لم يكن قد كذب حتماً حتى الآن.

الأهم أن الموقف السعودي محكوم بسياق لا ينبغي إسقاطه في مقاربة السياسة السعودية وهي التأكيدات اليومية أن أميركا باراك أوباما خارج الشرق الاوسط وحروبه. أي متابع للسجالات السياسية في واشنطن والاوراق السياسية المتدوالة يعرف أن الفريق الأقرب الى “فكر” أوباما بات الفريق الداعي الى “سياسة خفض النزاع في سوريا بما تيسر من اتفاقات وقف اطلاق نار متناثرة وتأجيل البحث في رحيل الاسد”. وهو فريق يتصدره روبرت مالي، العضو رفيع المستوى في مجلس الأمن القومي الأميركي، على حساب كل من وزير الخارجية جون كيري ومندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سامنتا باور.

قبل ايام اعلن البنتاغون وقف برنامج التدريب للمعارضة المعتدلة، والأنباء الواردة من واشنطن تفيد ان بند إنشاء منطقة عازلة في سوريا شمالاً بالتعاون مع تركيا، او تفعيل جبهة الجنوب بالتعاون مع الاردن “لهز النظام في دمشق وجلبه الى طاولة التفاوض”، كما تقترح اصوات مهمة في جهاز الاستخبارات المركزية، كلها إقتراحات تسقط على اسوار المكتب البيضاوي في البيت الابيض!

بهذا المعنى تتعامل الرياض مع امر واقع أقليمي معقد وتمشي على درب التأقلم مع حقائق سياسية مستجدة في ادارة النزاعات في الاقليم، تتناسل من هذا الانسحاب الاميركي ومنها صعود الدور الروسي.

يقول مصدر سعودي أن حكومة بلاده تلمس من خلال اللقاءات والاتصالات مع موسكو، شهية بوتين “لإذلال” واشنطن كلما سنحت الفرصة، من دون ان يعني ذلك ان السياسة الروسية تهدف لتثبيت نفوذ محور المقاومة في ساحات الاشتباك على حساب المصالح السعودية خاصة والخليجية عامة.

على هامش مؤتمر نظمته “مؤسسة بيروت” ورئيستها الاعلامية راغدة درغام في أبوظبي، تحدثت الى الجنرال دايفيد بترايوس، الذي يعد واحداً من أبرز “المثقفين” بين النخبة الأميركية اليوم. يقول بترايوس أنه في ميادين الحروب، قد تخسر الجيوش خسارات حاسمة، لكنها لا تربح الحروب بشكل حاسم الا بقدر ما تستكمل انتصاراتها العسكرية بإنتصارات في السياسية. اي ان وظيفة العسكر، خلق بيئة حاضنة للحل السياسي وتوفير مكونات ميدانية لطبخة الحل، مؤكداً آن كل إنتصار لا يستكمل بالسياسة لا يعول عليه ويكون عرضة للتبدد السريع.

هذا جانب تدركه الرياض جيداً وتعرف أن العمليات التي تقودها في اليمن وتلك التي تقودها موسكو في سوريا تعني ان الطرفين في حاجة ماسة لبعضهما البعض في مراحل لاحقة لن تكون بعيدة، وان تقاطع المصالح بينهما يوفر ارضية عريضة لاتفاقات وتفاهمات عميقة.

في إطلالة اعلامية قبل يومين في الاعلام المحلي الروسي قال بوتين انه ما كان ليدخل في هذه المغامرة السورية لو لم يلمس مرونة عربية حيال خطوته. حين الح عليه المحاور أن يسمي هذه الجهات المرنة، سائلاً ما اذا كان يعني مصر، قال بوتين مصر وغيرها. وأضاف “أنصحك بمتابعة سجل الزيارات واللقاءات التي عقدناها في الاشهر القليلة الماضية”!

المدن

 

 

 

واشنطن والدعم الروسي للأسد/ جوش روجين

بعد سنوات من الجدل بشأن إقامة منطقة حظر طيران بقيادة الولايات المتحدة داخل سوريا لحماية المتمردين والمدنيين، فرض فلاديمير بوتين منطقته الخاصة في بحر أيام، من أجل حماية قاعدته الجديدة هناك. وكانت هناك دعوات متزايدة من جانب الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، للتحرك نحو إقامة شكل ما من أشكال مناطق حظر الطيران، أو منطقة عازلة، للأغراض الإنسانية في سوريا. في هذا السياق قالت هيلاري كلينتون في تصريح لها يوم الثلاثاء الماضي إنها لو ظلت في منصبها، لكانت قد دعت لإقامة منطقة حظر طيران لحماية المدنيين، والحد من تدفق اللاجئين، وأن بوتين قد جعل ذلك الأمر يبدو سهلاً. وكان الجنرال “فيليب بريدلاف” القائد الأعلى لقوات “الناتو” الموحدة في أوروبا أول مسؤول غربي كبير يعلن أن الإنشاءات العسكرية الجديدة لروسيا داخل سوريا، والتي تشمل منظومات دفاع جوي، هي في حقيقة الأمر، منطقة حظر طيران فعلية.

وكان من بين ما قاله الجنرال حول هذا الأمر أيضاً أن “قدرات الدفاع الجوي الروسية الفائقة التطور، ليست موجهة ضد داعش وإنما هي تتعلق بشيء آخر”،

وكان البنتاجون، قد أكد، من جانبه، وجود منطقة حظر طيران روسية في سوريا، عندما أعلن أن الولايات المتحدة وروسيا قد بدآ منذ فترة محادثات بشأن كيفية “تلافي أي صدام” بين عملياتهما العسكرية هناك، وأن الولايات المتحدة قد أعربت خلال تلك المحادثات التي تقودها من الجانب الأميركي القائمة بأعمال مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن القومي “إليسا سلوتكين” عن شعورها بالقلق لأن الضربات الجوية الروسية لا تبدو وكأنها تستهدف “داعش”، وإنما تستهدف بعض جماعات المعارضة الأخرى، بما في ذلك تلك المدعومة من جانب الولايات المتحدة.

وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره الروسي سيرجي لافروف قد عقدا ثلاثة اجتماعات هذا الأسبوع، لاستئناف المباحثات بين البلدين بشأن إيجاد حل سلمي في سوريا، وهي محادثات لن تسعى كما يبدو، لإنهاء الوجود العسكري الروسي في هذا البلد، الذي باتت إدارة أوباما تقبله الآن كأمر واقع.

وقد علمت من مسؤولين أميركيين، أن مسؤولي إدارة أوباما ظلوا لفترة تزيد على العام، يقولون للروس والإيرانيين، خلف الكواليس، إن الولايات المتحدة لن تعارض الدور العسكري الموسع لهم داخل سوريا، وأنها على استعداد لقبول ذلك مقابل الحصول على مساعدتهم لإخراج الأسد من السلطة.

“كانت الفكرة هي أن الأسد سيتنحى عن السلطة، وأن الروس والإيرانيين سيلعبون دوراً أكبر، وأن الولايات المتحدة سوف تذكر ذلك داخل إطار بيان جنيف” هذا ما قاله “أندرو تابلر” الزميل الرفيع المستوى في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي يضيف لما سبق قوله: “ولكنهم أخذوا ما قدمناه لهم، ولم يعطونا ما أردنا، وهو ما مثل مفاجأة لنا”. وزير الخارجية الأميركي قال علناً: إن الولايات المتحدة تتبنى موقفاً مرنا، فيما يتعلق بتوقيت رحيل الأسد.

ولم يقتصر الأمر على كيري بل إن هناك أصواتاً أخرى مقربة من البيت الأبيض ذهبت لما هو أبعد من ذلك. من هؤلاء “فيليب جوردون” منسق البيت الأبيض السابق للشرق الأوسط، الذي كتب هذا الأسبوع يقول: إن من الوهمي تخيل أن الضربات الجوية المحدودة، وتقديم السلاح للمعارضة، أو إقامة منطقة حظر طيران يمكن أن يدفع الأسد للتصرف بطريقة تختلف عن تلك التي تصرف بها صدام أو ميلوسيفيتش أو القذافي من قبل.

وفي حين كان الغرض الأساسي من منطقة حظر الطيران الأميركية المقترحة هو حماية المدنيين، فإن منطقة حظر الطيران الجديدة الخاصة ببوتين تفعل ما هو عكس ذلك تماماً. ذلك لأنه كلما سمح أوباما للقوات الروسية بمزيد من التمترس في سوريا، كلما تنامي الانطباع بأنه لم يعد يرغب في إخراج الأسد من السلطة في أقرب وقت ممكن.

كاتب متخصص في الأمن القومي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة “واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس”

 

 

 

 

 

رحيل بشار الأسد قبل «رحيل» أوباما؟/ د. أكرم سكرية

لن يستطيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوقوف على أعلى الشجرة السورية لأشهر طويلة. سيصرخ عاجلاً من شدة الألم.

الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يقفل أمامه باب العودة إلى الحل السياسي. فقد تركه على نصف فتحة بتأكيده الإستعداد المستمر للعمل على إيجاد حل سياسي.

المساحة المشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا واسعة في سوريا. الطرفان متفقان على ضرورة المحافظة على وحدة سوريا والمحافظة على مؤسسات الدولة السورية وكذلك مواجهة «داعش».

أما موضوع الخلاف الوحيد فيما بين الطرفين، الأميركي والروسي، هو مستقبل بشار الأسد.

لقد صدر بيان جنيف1 بشأن سوريا بإتفاق الطرفين، وأقر مجلس الأمن الدولي تشكيل لجنة تحقيق بإستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، بإتفاق الطرفين. وروسيا على علم مسبق بأن النظام السوري كان قد استخدم السلاح الكيماوي.

وأقرّ، مجلس الأمن الدولي، مشروع السيد دي مستورا للحل السياسي في سوريا بإتفاق الطرفين.

فهل يمكن أن يتحول التباين بين الطرفين حول مستقبل بشار الأسد إلى تناقض رئيسي بينهما مما يجعل من سوريا أرض حرب بالوكالة بينهما؟ لقد أكد الرئيس أوباما بأنه لا يرغب بذلك. فهل الرئيس بوتين يسعى لذلك وتجربة الجيش السوفياتي في أفغانستان ما زالت ماثلة أمامه؟

رفض مجلس الأمن الدولي، على لسان المندوب البريطاني، تشريع التدخل العسكري الروسي في سوريا.

تم إيقاف العمليات العسكرية على «داعش» في العراق.

الولايات المتحدة تدرس إحتمال الدعم العسكري للمعارضة السورية في وجه التدخل الروسي.

اسرائيل قامت بقصف مواقع لقوات النظام السوري في الاراضي السورية .

سيطر التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية على مضيق باب المندب. وبالتالي فالوجود العسكري الروسي في سوريا محاصر من كل اتجاه. فهل للرئيس بوتين أن يقفل باب الحل السياسي في سوريا؟

لقد أقرّ الرئيس أوباما أن حل الملف النووي مع إيران يجب أن يتم بالأساليب الدبلوماسية. وكان له ما أراد.

لقد أخذ الرئيس أوباما قرار الإنفتاح على كوبا، ورفع الحصار عنها، وكان له ما أراد. لقد أنذر عسكريتاريا كوريا الشمالية، بحدود المغامرات العسكرية في جنوب شرق آسيا، وكان له ما أراد.

ولقد أقرّ مشروع تنمية للقارة الإفريقية، في مجال الطاقة، بمليار دولار أميركي وكان له ما أراد.

وعند إستلامه رئاسة الولايات المتحدة الأميركية في الدورة الأولى، أرسل مبعوثاً دولياً خاصاً من أجل إيجاد حل سياسي بين إسرائيل وفلسطين على قاعدة قرارات الشرعية الدولية المرتكزة إلى مبدأ حل الدولتين.

رفض نتنياهو أن يكون شريكاً في هذا الحل واستمر الرئيس أوباما على موقفه وها هو العلم الفلسطيني يرفرف عالياً، مع أعلام الدول الأعضاء في المؤسسات الدولية بما فيها مبنى الأمم المتحدة والآتي قريب بمشروع قرار يعترف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة بدعم أميركي.

ولقد قال الرئيس أوباما برحيل بشار الأسد عن السلطة في سوريا، وها هو اليوم يكرّر ثباته على موقفه والآتي قريب، حين يصرخ الرئيس بوتين من شدّة الألم وهو في أعلى الشجرة السورية. والأشهر القليلة القادمة كفيلة بإطلاق تلك الصرخة الروسية.

الرئيس باراك أوباما، تؤكد التجارب، أنه إذا قال فعل. فلا مستقبل لبشار الأسد في سوريا. ورحيله سيكون خلال ما تبقى من فترة زمنية لولاية الرئيس أوباما أي في العام 2016.

أما إسترتيجية أوباما فقامت على قواعد أساسية:

1 عدم إرسال قوات أميركية للمشاركة في حروب الآخرين.

2 الحصول على موافقة مجلس الأمن بشأن تطبيق الرؤية الأميركية للحلول السياسية للمشكلات العالمية.

3 خلق توازنات عسكرية وسياسية إقليمية يتم من خلالها فرض الرؤية الأميركية للحلول السياسية للمشكلات العالمية.

هذا ما سيحصل للتدخل العسكري الروسي في سوريا. فالدعم الأميركي للمعارضة السورية بأنواع السلاح المتطور كفيل بأن يدفع بالرئيس بوتين لإطلاق عملية سياسية قوامها الجيش السوري الحر وجيش النظام، خاصة وأن كبار الضباط في الجيشين، كان قد تم تدريبهم في روسيا.

إن الأشهر القليلة القادمة ستضع بشار الأسد أمام خيارين: الإنكسار العسكري الكامل أو المغادرة المرعية من روسيا.

هذا ما أشار إليه الرئيس الروسي حين قال: على بشار الأسد أن يختار الحل الوسط.

وهذا ما توقف عنده وزير الخارجية الروسي حين قال:»الجيش السوري الحر منظمة غير إرهابية، إنه جزء من الحل السياسي».

وهذا ما تلمسه رئيس النظام السوري حين صرّح مؤخراً بأنه «إذا لم ينتصر التحالف الروسي، الإيراني، السوري، العراقي فإن المنطقة ستغرق في الفوضى الشاملة».

فإحتمال أن لاينتصر هذا التحالف ماثل أمام عيني طبيب العيون.

فلماذا كان التدخل العسكري الروسي وما هي حدوده؟

أولاً: إن النظام السوري كان على وشك السقوط بالرغم من الدعم الإيراني. وهذا ما يؤكد على قدرة المعارضة السورية.

ثانياً: إطالة أمد التدخل العسكري الروسي بدون الوصول إلى حل سياسي ينذر بسقوط روسيا في المستنقع السوري. وهذا ما لاتستطيع روسيا على تحمله.

ثالثاً: لن يكون هناك مواجهة عسكرية مباشرة بين حلف الأطلسي وروسيا في سوريا.

رابعاً: لن يكون هناك مساومة غربية مع روسيا على أوكرانيا والقرم وكذلك لأسباب إستراتيجية غربية.

خامساً: الرئيس الروسي لن يتخلى عن بشار الأسد إلا تحت الضغط العسكري.

سادساً: دعم المعارضة السورية هو الشرط الضروري لدفع الرئيس بوتين للتخلي عن بشار الأسد وإيجاد حل سياسي في سوريا تقبل به المعارضة؟

وبهذا يكون التدخل العسكري الروسي عامل تسريع في رحيل بشار الأسد، إلا إذا كانت هناك عودة فعلية لمناخ الحرب الباردة وهذا ما كان الرئيس بوتين قد نفاه منذ أشهر قائلاً: «بأن روسيا لاقدرة لها للعودة إلى زمن الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأميركية».

المستقبل

 

 

 

 

 

روسيا ومغامرتها السورية .. الحسابات والرهانات

مآلات التدخل

مع بدء تدخلها العسكري في سوريا، أصبحت روسيا بزعامة فلاديمير بوتين رسميا عنصرا مقررا في مسار الأزمة التي تلم بهذا البلد العربي، منذ أربعة أعوام ونصف.

حصل ذلك بعد ثبوت عدم فعالية التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وحربه على تنظيم الدولة الإسلامية. وتم أيضا إثر تراجعات ميدانية مشهودة لحليف موسكو نظام الرئيس بشار الأسد، تقلصت بنتيجتها سيطرته العسكرية إلى حدود دمشق وحمص والشريط الساحلي. أي: ما يوازي ربع الجغرافيا السورية.

وكان واضحا من ردود الفعل الأولية أن التدخل الروسي -المنسق مسبقا مع إيران وحلفائها المحليين باعتراف أمين عام حزب الله اللبناني- باغت الولايات المتحدة، وأجبرها على الدخول في عملية تنسيق ميداني مع مسؤولي وزارة الدفاع الروسية بعد الإعلان عن نشر الطائرات الروسية في اللاذقية نهاية سبتمبر/أيلول 2015. كما دخل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدوره على خط الأزمة في الفترة نفسها، وزار موسكو بحثا عما يعده حفاظا على مصالح أمنية لإسرائيل في سوريا.

يمثل التدخل الروسي الآتي تحت راية “مكافحة الإرهاب” منعطفا في مسار الأزمة السورية، سواء نجح في إيقاف نظام الرئيس بشار الأسد على قدميه، أو حد على الأقل من خسائره. ويحفل هذا التدخل بمغاز كثيرة، تبدأ بإشعار مسيحيي سوريا والعراق بالأمان بعدما هددوا بـ”الجزية” ، ولا تنتهي بمهمة مطاردة الشيشان والقوقازيين المنخرطين بتنظيم الدولة قبل انتقالهم إلى أرض روسيا.

الجزيرة نت تبحث في مآلات التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية، فتعرض بطاقات وتقارير عن جذور الوجود الروسي – السوفياتي في هذه الأرض العربية، وأشكال الحضور الروسي الحالية عسكرية وثقافية. كما تعرف بالمواقف الروسية في مجلس الأمن التي حمت نظام الرئيس الأسد في سنوات الثورة الأولى.

تعاون سوري – سوفياتي(روسي)

من جنيف 1 إلى الحرب

كثيرة هي المبادرات التي طرحت لحل الأزمة السورية، التي بدأت ثورةً شعبية تطالب برحيل الأسد في منتصف مارس/آذار 2011، وتحولت إلى نزاع مسلح، ثم إلى ساحة حرب وتصفية حسابات إقليمية ودولية.

أولى مبادرات الحل التي شكلت -حسب المراقبين- أساسا لإيجاد حل للأزمة السورية كانت اجتماعا عقدته مجموعة الاتصال حول سوريا بجنيف في نهاية يونيو/حزيران 2012، برعاية الأمم المتحدة والمبعوث الدولي العربي كوفي أنان، واصطلح على تسميته “جنيف 1”.

وحضر اجتماع جنيف وزيرا خارجية روسيا سيرغي لافروف والولايات المتحدة هيلاري كلنتون اللذان كانا قد عقدا اجتماعا ثنائيا قبل اجتماع مجموعة الاتصال يعتقد أنهما توافقا خلاله على بنود الحل الذي أعلنه أنان.

وأبرز النقاط الرئيسية التي تضمنتها الخطة الانتقالية لمعالجة الأزمة السورية كانت وجوب تشكيل حكومة انتقالية تملك كامل الصلاحيات التنفيذية، والبدء بمراجعة للدستور إضافة إلى إصلاحات قانونية، بعد الانتهاء من المراجعة الدستورية، يجب الإعداد لانتخابات حرة ومفتوحة أمام الأحزاب كافة. ويجب وضع حد لإراقة الدماء، وعلى كل الفرقاء أن يجددوا دعمهم لخطة النقاط الست التي قدمها كوفي أنان، خصوصا وقف إطلاق النار واحترام بعثة مراقبي الأمم المتحدة والتعاون معها. ويجب تأمين استمرارية المرفق العام أو ترميمه، ويشمل الجيش والأجهزة الأمنية، ستخصص إمكانات مادية هامة لإعادة إعمار سوريا.

هذه البنود بقيت حبرا على ورق، لأن الاتفاق لم يتمكن من تجاوز الخلافات بين الدول الغربية وروسيا بشأن رحيل نظام الرئيس السوري بشار الأسد ودوره في البلاد، واستمر النزاع في سوريا وتواصل معه البحث عن تسوية للأزمة السورية.

ففي مايو/أيار 2013 اتفق وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف على العمل من أجل “جمع الطرفين المتصارعين في سوريا على طاولة الحوار” لوقف الحرب.

وقال كيري إن البديل هو “اقتراب سوريا أكثر من حافة الهاوية والفوضى”. ورغم ذلك باءت المحاولات الأولى لترتيب المؤتمر بالفشل.

واكتسبت مبادرة كيري ولافروف زخما أكبر بعد هجوم بالأسلحة الكيميائية شنته القوات النظامية السورية على بلدة بريف دمشق في 21 أغسطس/آب 2013 وأسفر عن مقتل مئات الأشخاص.

وفي 27 سبتمبر/أيلول تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع قرارا طالب بتدمير أو التخلص من الترسانة السورية من الأسلحة الكيميائية بحلول منتصف العام الجاري 2014.

كما دعا القرار إلى “عقد مؤتمر دولي في أقرب وقت ممكن لتطبيق بيان جنيف1 وطالب كل الأطراف السورية بالمشاركة بشكل جاد وبناء والالتزام بتحقيق المصالحة والاستقرار.

الأمم المتحدة نجحت عبر مبعوثها الخاص لسوريا الأخضر الإبراهيمي في جمع المعارضة والنظام السوري وجها لوجه، فكانت الوجهة مرة أخرى مدينة جنيف السويسرية التي احتضنت مؤتمر “جنيف2” للسلام الذي افتتحه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بحضور ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة، ووفود من 40 دولة دون مشاركة إيران.

المؤتمر كسابقه لم يحقق الاختراق المطلوب، بل فاقم الخلاف بين الغرب وروسيا التي قال وزير خارجيتها سيرغي لافروف إن المفاوضات “لن تكون سهلة ولا سريعة”، داعيا اللاعبين الخارجيين إلى عدم التدخل في الشؤون السورية، وقال إن “الشعب السوري هو من يقرر مصيره، والحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة”.

“بدأت موسكو بالتحضير لمؤتمر للحوار الوطني السوري تحت مسمى “موسكو1″ في يناير/كانون الثاني 2015 ثم أتبعته بـ”موسكو 2″ في أبريل/نيسان الماضي، ولم يحقق المؤتمران أي نتيجة تذكر، خصوصا في غياب الائتلاف الوطني السوري المعارض.”

ويرى مراقبون أن التعنت الروسي في حل الأزمة السورية مرده إلى أملهم باستعادة مفاتيح حل الأزمة السورية من أيدي القوى الإقليمية والدولية، إلى الداخل السوري، مما يسمح بتفاهمات خارج الضغوط.

مجرد أفكار

ورغم الحديث عن “مبادرات روسية” كانت تطرح بالإعلام بين الحين والآخر لحل الأزمة، رأى مراقبون أن ما كان يجري الحديث عنه لا يتعدى كونه أفكارا لا ترقى إلى مصاف مبادرة متكاملة، كونهم يستغلون فراغا سياسيا ويحاولون شغله، في ظل غياب الفاعلين الآخرين في الملف السوري عن القيام بأي فعل لحل عقد أزمته.

إضافة إلى أن طروحاتهم لم تخرج إلى الآن عن دائرة فشلها، وفشل الخطط والمبادرات التي سبقتها، لذلك ما زالت على الهامش، متقوقعة حول جسّ نبض المعارضة السورية والقوى الدولية الغربية، حيال محاولاتهم القديمة الجديدة، الهادفة إلى جمع المعارضة السورية مع النظام السوري، للتفاوض والحوار، بغية التوصل إلى حلول للأزمة في البلاد.

هذا الفشل دفع بموسكو إلى عدم تكرار تجربتي “جنيف” الفاشلتين، وبدأت بالتحضير لمؤتمر للحوار الوطني السوري تحتضنه تحت مسمى “موسكو1″  في يناير/كانون الثاني 2015 ثم أتبعته بـ”موسكو 2” في أبريل/نيسان الماضي، ولم يحقق المؤتمران أي نتيجة تذكر، خصوصا في غياب الائتلاف الوطني السوري المعارض.

وكان السفير الروسي في بيروت كشف عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيلعن في خطاب بمقر الأمم المتحدة في 28 سبتمبر/أيلول الماضي عن مبادرة لحل الأزمة السورية ومواجهة الإرهاب، لكن الخطاب لم يأت بأي جديد.

أرصدة “الفيتو المزدوج”

استخدمت الدول الكبرى حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي سلاحا، بما يناسب مصالحها بغض النظر عن صوابية القرار المطروح من عدمه، وتحول التنافس في مجلس الأمن الدولي بين هذه الدول إلى مظهر من مظاهر تسجيل النقاط على الخصوم، وإفشال مشاريعهم.

فالولايات المتحدة ومعها الدول الغربية حاولت إظهار كل من روسيا والصين بوصفهما البلدين اللذين يتحملان وزر إطالة أمد الأزمة في سوريا، ومسؤولية ما يرتكبه النظام فيها من جرائم ومجازر وتدمير وخراب، وبالتالي ظهر الساسة الروس والصينيون مسؤولين أخلاقيا وإنسانيا عن إراقة المزيد من الدماء السورية.

في المقابل اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن استخدام روسيا والصين حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي أتاح إمكانية ظهور بوادر لتسوية الأزمة في سوريا. وقال لافروف إن الفيتو الروسي الصيني لم يسمح “بتحويل سوريا إلى ليبيا، التي تفككت كدولة”.

ورفعت روسيا والصين “الفيتو المزدوج” أربع مرات في وجه مشاريع القرارات بشأن الأزمة السورية:

1-    في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2011 أجهضت الصين وروسيا مشروع قرار يدعو “السلطات السورية إلى الوقف الفوري لانتهاكات حقوق الإنسان، والامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي المعمول به، كما دعا إلى عملية إصلاح سياسية شاملة بقيادة سورية حصرية للمعالجة الفعالة للتطلعات المشروعة ومخاوف شعب سوريا”.

2-    في الرابع من فبراير/شباط 2012 استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد مشروع قرار عربي-غربي لإقرار خطة الجامعة العربية التي تدعو إلى تنحي الرئيس بشار الأسد وتسليم سلطاته إلى نائبه. وأشار نص مشروع القرار إلى “تبني خطة عمل الجامعة والقرارات اللاحقة الصادرة عنها، بما في ذلك القرار الذي يهدف إلى التوصل إلى حل سلمي للأزمة، وأهمية ضمان العودة الطوعية للاجئين والمشردين داخليا إلى ديارهم في أمان وكرامة ووضع الدول الأعضاء في اعتبارها أن الاستقرار في سوريا هو مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة”.

3-    الفيتو المزدوج، الصيني والروسي، تكرر للمرة الثالثة في 18/07/2012، ضد مشروع قرار تقدمت به بريطانيا إلى مجلس الأمن، وينص على “تمديد مهمة المراقبين الدوليين لمدة 45 يوما، وفرض عقوبات على سوريا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذا لم يقم نظام الأسد بسحب الأسلحة الثقيلة من المناطق السكنية في غضون عشرة أيام من بداية تطبيق القرار”.

4-    المرة الرابعة كانت في 23/5/2014، حيث استخدم “الفيتو المزدوج” ضد مشروع قرار ينص على “إحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب من قبل طرفي النزاع”.

الترسانة الروسية الجديدة

نشرت روسيا 28 طائرة حربية وعدد غير محدد من الطائرات بدون طيار ودبابات تي 90 في شمال سوريا، على ما أفاد تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية وألحقتها بعشر طائرات صهريج على ما أفاد المتحدث باسم القوات الجوية الروسية في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2015.

“في تعريف بماهية السلاح الروسي الجديد قال الخبير العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية دوغلاس بيري إن “سوخوي 24 وسوخوي 25 طائرات قديمة نسبيا مصممة في الستينيات والسبعينيات”، مشيرا إلى أن عمليات تحديث هذه الطائرات لا تزال غير كافية للتنافس مع نظيراتها الغربية.”

وأشار التقرير إلى نشر أربع طائرات متعددة الأدوار من طراز سوخوي 30 أس أم، و12 طائرة هجومية سوخوي 25 و12 مقاتلة سوخوي أم 24 في قواعد جوية في شمال سوريا.

يأتي ذلك بعد أربع سنوات ونصف من انطلاق الثورة على النظام وما رافقها من انهيار تدريجي لسلاح الجو السوري لأسباب بينها فرار الطيارين أو مقتلهم أثناء الطلعات على مواقع الثوار، إضافة إلى خروج طائرات كثيرة من الخدمة بفعل التقادم أو النقص في قطع الغيار.

وكان العقيد طيار علي محمد عبود الذي أسره الثوار في 22 مارس/آذار 2015 بعد سقوط مروحيته في مهمة لإلقاء براميل متفجرة في ريف إدلب قال في مقابلة مع الجزيرة في 7 يونيو/حزيران الماضي إن مطار حميميم، حيث نشر السلاح الروسي، يضم 30 مروحية بحرية روسية الصنع من طراز مي 8 ومي 17 وعشرة طيارين فقط.

وفي تعريف بماهية السلاح الروسي الجديد قال الخبير العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية دوغلاس بيري إن “سوخوي 24 وسوخوي 25 طائرات قديمة نسبيا مصممة في الستينيات والسبعينيات”، مشيرا إلى أن عمليات تحديث هذه الطائرات لا تزال غير كافية للتنافس مع نظيراتها الغربية.

ثلاثة وظائف

وسوخوي 24 قاذفة طويلة المدى قادرة على الضرب بعيدا عن قاعدتها. أما سوخوي 25 فقد صممت للدعم الجوي وقادرة على التدخل مباشرة في ساحة المعركة. أما سوخوي 30 أس أم التي تسلمها الجيش الروسي في 2012 فإن هدفها في المقام الأول الدفاع الجوي.

“يقول الخبير الروسي بافل فلغينهاور إن “هذه الطائرات ليست دقيقة، نحن نفتقر إلى الإمكانيات مثل الأقمار الصناعية والرادارات وطائرات الاستطلاع. روسيا لديها أسلحة فعالة، لكن إذا كنت لا تعرف أين ستضرب، فسيكون ذلك دون تأثير كبير”

وردا على سؤال عن مشاركتها بنشاط في القتال في سوريا، أجاب بيري “نظرا لطبيعة المعارك، فإن استخدامها في دعم قوات بشار الأسد ميدانيا سيكون مفيدا جدا للجيش السوري”.

لكن الخبير الروسي بافل فلغينهاور يقول إن “هذه الطائرات ليست دقيقة، نحن نفتقر إلى الإمكانيات مثل الأقمار الصناعية والرادارات وطائرات الاستطلاع. روسيا لديها أسلحة فعالة، لكن إذا كنت لا تعرف أين ستضرب، فسيكون ذلك دون تأثير كبير”.

وقال بيري إن إرسال 28 طائرة لا يشكل “انتشارا واسعا. إنها قوة صغيرة نسبيا لكنها متنوعة”.

وأضاف أيضا أن روسيا نشرت عدة طائرات هليكوبتر، “استنادا إلى صور الأقمار الصناعية، فهي من طراز كا-29، وهي للنقل والدعم الجوي يمكن أن تقل العدد والعتاد، وهذا من شأنه أن يكون مفيدا للغاية”.

فجوة تكنولوجية

ويتوخى بيري الحذر مع الإعلان عن استخدام طائرات استطلاع روسية بدون طيار من قبل الجيش السوري، فروسيا تعاني من فجوة تكنولوجية في هذا المجال، لدرجة أن الطائرات بدون طيار الموثوق بها تعد إسرائيلية الصنع.

وقال في هذا الصدد “من الصعب أن يكون هناك معنى لكل ذلك، أعتقد أن بالإمكان مقارنتها مع طائرات بدون طيار مدنية قصيرة المدى”.

بدوره قال فيلغنهاور إن “الطائرات بدون طيار الروسية ليست فعالة حقا”، مؤكدا أن روسيا لم تنشر طائرات بدون طيار في سوريا.

ولوحظ وجود سبع دبابات تي90 أيضا في مطار باسل الأسد، جنوب اللاذقية.

وقد دخلت هذه الدبابة الخدمة عام 1992، وهي دبابة القتال الرئيسية للجيش الروسي الذي يملك أكثر من 500 من هذا الطراز. ويؤكد الخبراء أن الدبابات تتمركز في موقف دفاعي، حسب صور الأقمار الاصطناعية.

وفي مقابلة مع صحيفة روسيسكايا غازيتا، قال الرئيس التنفيذي لشركة أورالفا غونزافود الشركة العامة التي تنتج الدبابة إن هذا الطراز “نجح في بلد عربي”، معربا عن الأمل في إبرام “أول عقد تصدير قبل نهاية العام لبيع تي 90 إم إس”، النسخة الأكثر تطورا من تي 90.

تحالف بغداد

ترافق التدخل العسكري الجوي الروسي لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2012 مع الكشف عن إنشاء غرفة تنسيق أمني في العراق تجمع الدول الإقليمية الثلاث المنخرطة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (إيران والعراق وسوريا) إلى جانب روسيا.

وتشير صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله إلى أن الحزب جزء من هذا التحالف الأمني العسكري الذي أسمته ” تحالف 4+1″.

وأشار سعد الحديثي -المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي- في 27  سبمبر/أيلول -بتصريحات نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية- إلى تشكيل لجنة مشتركة بين ممثلي الدول الأربع ستضم ممثلا عن الاستخبارات العسكرية العراقية “لمتابعة خيوط الإرهاب ومتابعة الإرهابيين” ويلخص مهمة المركز بـ”تداول المعلومة وتبادلها وتحليلها بشكل مشترك”.

غير أن صحيفة “الأخبار” أفادت في تقرير نشرته في 30 سبتمبر/أيلول الماضي إلى أن التنسيق الأمني المذكور سيشمل سوريا والعراق مضيفة أن مهمته تتجاوز الجانب الاستخباري لتصل إلى تنسيق العمل الميداني.

مساعدة ميدانية

وذهبت الصحيفة -في تقرير كتبه رئيس تحريرها إبراهيم الأمين- إلى أن مهمة الغرفة المشتركة الأولى «توفير المساعدة الميدانية المباشرة خلال حصول العمليات والمواجهات” مضيفا أن ستة خبراء روس وصلوا إلى بغداد لهذا الغرض ومثلهم من إيران، على أن يتبعهم ستة من زملائهم السوريين.

وقال الأمين في تقريره أن مقرّ غرفة التنسيق سيكون في وزارة الدفاع العراقية، على أن يقيم أعضاؤها (ستة من كل دولة) في المنطقة الخضراء. أما طبيعة الأعضاء، فاتُّفق على أن يكونوا ضباطاً من الحرس الثوري الإيراني، وآخرين من الجيش العراقي النظامي ومن قوات «الحشد الشعبي»، فضلاً عن الضباط المنتمين إلى الجيشين السوري والروسي. كذلك اتُّفق على أن يترأس المركز الملحق العسكري في السفارة الإيرانية في بغداد، العقيد مصطفى مراديان.

وقد صرح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويجو من جهته في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2015 بأن بلاده أرسلت خبراءها إلى مركز التنسيق ببغداد، مشيرا إلى أن المركز أنشئ “للتنسيق بين الطائرات وعمل القوات البرية في سوريا”.

أما كامل مهام الغرفة فلخصها تقرير الصحيفة اللبنانية بـ”تقديم تقارير استخبارية يومية، وتوفير المساعدة الميدانية المباشرة، خلال حصول العمليات والمواجهات. فضلاً عن تحديد حاجات القوى الفاعلة على الأرض من جيش ومجموعات من أجل توفيرها، خصوصاً تلك المتعلقة بأسلحة هجومية وصواريخ ومدفعية ومضاد للدروع”.

نصر الله

يشار إلى أن حزب الله لم ينف علمه بهذه الترتيبات وإن لم يشر صراحة إلى اشتراكه فيها. في مقابلة بثها تلفزيون المنار المملوك من قبل الحزب قال أمينه العام حسن نصر الله “إن قرار المشاركة الروسية العسكرية في سوريا ليس وليد الساعة بل تمّ التحضير له مع الدول المعنية” في أشارة إلى سوريا والعراق وإيران.

وخلال المقابلة قال نصر الله إن “دخول العامل الروسي هو عامل إيجابي، وسيكون مؤثراً في مسار المعركة القادمة” في سوريا.

تفاهمات مع إسرائيل

بعد شيوع أنباء نشر أسلحة روسية جديدة في سوريا، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موسكو في 21 سبتمبر/أيلول، بمرافقه رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي غادي إيزنكوت، ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية هرتسي هاليفي ورئيس هيئة الأمن القومي يوسي كوهين، الذي تتوقع مصادر صحفية إسرائيلية تعيينه رئيسا للموساد، إضافة إلى السكرتير العسكري للحكومة يوسي طوليدانو.

إلى جانب مباحثات نتنياهو وبوتين التي استمرت لساعتين، عقد رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي اجتماعا مع نظيره الروسي فاليري غراسيموف بحث معه فيها تبعات الوجود العسكري الروسي على إسرائيل. واتفق رئيسا الأركان على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة برئاسة نائبيهما للتنسيق بين الجيشين، ولا سيما في المجالات الجوية والبحرية والإلكترونية، لمنع أي خطأ في التقديرات أو أي سوء فهم يؤدي إلى احتكاك غير مقصود بين الطرفين، خصوصا فيما يتعلق بنشاط سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا. وعقدت اللجنة اجتماعا مشتركا في 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري في إسرائيل بمشاركة نائب رئيس الأركان الروسي نيكولاي بوغدانوفسكي، لبحث ما أسماه المتحدث باسم جيشها” التنسيق الإقليمي”.

ومعلوم أنه منذ بداية 2013 شنت إسرائيل أكثر من عشر هجمات جوية على أهداف عسكرية شملت دمشق واللاذقية، دون أن تتلقى ردا.

حرية التحرك

وتشير تقديرات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن نتنياهو سعى من خلال الزيارة إلى الحفاظ على حرية التحرك العسكري الإسرائيلي في سوريا في ضوء انتشار القوات العسكرية الروسية في الساحل السوري ومناطق أخرى، والتنسيق بين الطرفين لمنع وقوع صدام غير مقصود بين الجيشين الروسي والإسرائيلي، وطلب مساعدة روسيا لمنع نقل أسلحة متطورة من سوريا إلى حزب الله، ومنع تواجد إيران وحزب الله في المنطقة الجنوبية المحاذية لإسرائيل، وضمان ألا يهدد وجود قوات إيرانية وحزب الله من سوريا أمن إسرائيل.

جندي إسرائيلي قرب القنيطرة بالجولان يراقب دخان منبعث جراء سقوط صواريخ في أبريل الماضي( الأوروبية)

ويرى الكاتب يوسي ميلمان في مقال نشر في صحيفة معاريف في 25 سبتمبر/أيلول 2015 أن إسرائيل غير معنية بالتدخل في الحرب  داخل سوريا. بل بالعكس فإن “استمرار الحرب الدموية يعزز التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة ويُضعف حزب الله وإيران”، وأضاف أن إسرائيل تدخلت في الحرب بين فترة وأخرى “كلما اعتقدت أن مصالحها الأمنية تستدعي ذلك”.

تنسيق اضطراري

ويقول الكاتب إن عمليات إسرائيل حتى الآن كانت تتم كلما توفرت لديها “معلومات استخبارية وتوفرت الجاهزية العملياتية، من دون الاضطرار لتنسيق ذلك مع أي جهة كانت”، وأضاف أنه “من الآن سوف تضطر إسرائيل للتنسيق سلفا بشأن عملياتها مع روسيا”.

ويؤكد الكاتب حاجة الطرفين إلى إنشاء آليات تنسيق مسبق، تقلص مخاطر الاحتكاك بين طائرات إسرائيلية وأخرى من سلاح الجو الروسي. وأضاف أن آلية كهذه يمكن تفعيلها عبر “استخدام خطوط هواتف مباشرة ساخنة أو حمراء تربط بين قيادتي الطرفين أو الاتفاق على أن طائرات سلاح الجو لهذا الطرف ترسل إشارات تعريف لطائرات سلاح جو الطرف الثاني وبالعكس”.

ويستدرك الكاتب قائلا إن مشكلة إسرائيل لا تكمن في شكل التنسيق، بل بما هو أشدّ جوهرية، وهو إمكانية “التوصل إلى تفاهمات مع روسيا حول تقسيم الأجواء السورية إلى مناطق نفوذ ونشاط”.

ويقول ميليمان في هذا الصدد إن إسرائيل تسعى للحيلولة دون عرقلة روسيا أو تدخلها في المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية، أو في العمليات التي ترى هي من الصواب القيام بها. في المقابل تتعهّد إسرائيل -والحديث لمليمان- بعدم الاقتراب من شمال الدولة، حيث تقيم روسيا قاعدة كبيرة في سوريا.

حرب الشيشان 3

في معرض تفسيره لدوافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتدخل العسكري المباشر في سوريا قال الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في صحيفة ” فايننشال تايمز” يوم 29 سبتمبر/أيلول 2015 إن “هدف التدخل الروسي هو التنسيق العسكري مع النظام السوري والبحث عن القادة الشيشانيين في داعش وقتلهم”. وأضاف أن بوتين مشغول باحتواء السنة في بلده وعددهم بعشرات الملايين، إضافة إلى احتواء بدايات تشكل تنظيم الدولة في شمال القوقاز.

والحقيقة أن بوتين نفسه لم يخف هذه التقديرات، بل جاهر بها في مقابلة أجرتها معه قناة “سي بي إس” التلفزيونية الأميركية قبل أيّام. ففي المقابلة المذكورة تطرق لـ”داعش” و”جبهة النصرة”، وتحدث عن وجود “أكثر من 2000 مقاتل من دول الاتحاد السوفياتي (السابق) على الأراضي السورية”.

وأعرب بوتين في المقابلة عن مخاوفه “من أنهم سيعودون إلينا، لذا فالأفضل لنا أن نقدم المساعدة للأسد للقتال ضدهم هناك على الأراضي السورية. وهذا هو الحافز الأساسي الذي يدفعنا إلى تقديم العون للأسد”.

ومعلوم أن بوتين ارتقى سلالم السلطة في روسيا مطلع الألفية الثانية على أنقاض الشيشان ذاتها. فبعد الحرب الأولى (1994-1996) والتي هزم فيها الجيش الروسي أمام ثوار الشيشان ووقع جنرالاته اتفاق سلام معهم برعاية الكرملين، تصدى بوتين عن تسلمه منصب رئيس الوزراء لخوض حرب ثانية (2000-2009) في الشيشان ضد المجاهدين انتهت بهزيمتهم، وتدمير مدن هذه الجمهورية القوقازية وإعادتها إلى كنف الاتحاد الروسي.

ويوجد مئات من المقاتلين الشيشان والقوقازيين في مختلف صفوف التنظيمات الجهادية العاملة في سوريا والعراق. وتشير مصادر صحفية لبنانية إلى أن الجهاديين القوقازيين ينقسمون في سوريا إلى ثلاثة أقسام، ينضوي أوّلهم تحت راية تنظيم الدولة الإسلاميّة. وينتظمُ ثانيهم في مجموعات دانت بـ”بيعات” لـ”جبهة النصرة – تنظيم القاعدة في بلاد الشّام”، فيما يتوزّع ثالثهم على مجموعات تدين بالولاء لـ”إمارة القوقاز الإسلاميّة” وهي مجموعات مستقلّة تنظيميّاً، وتُنسّق عسكريّاً مع باقي المجموعات.

حرب مقدسة

البطريرك كيريل راعي الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية يترأس احتفالا بذكرى  إعلان موسكو عاصمة لروسيا وفي الخلفية أحد أبراج الكرملين(أسوشيتدبرس)

كالقطرة التي أفاضت الكأس جاء دعم الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا لقرار موسكو شن غارات جوية في سوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ووصفت ذلك بأنه “معركة مقدسة”.

دعم الكنيسة هذا جاء في تصريح لرئيس قسم الشؤون العامة في الكنيسة، فسيفولود تشابلن، الذي قال إن “القتال ضد الإرهاب هو معركة مقدسة اليوم، وربما تكون بلادنا هي القوة الأنشط في العالم التي تقاتله”.

وأثار التصريح عاصفة من ردود الفعل الأمر الذي دفع ببطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس لإصدار بيان توضيحي أشارت فيه إلى أن “وسائل الإعلام المحلية تناقلت ترجمةً غير دقيقة تدل على سوء فهم أو استخدام لتصريح تشابلن” .

ويقول رئيس دير “سيدة البلمند البطريركي”، الأرشمندريت يعقوب خليل لصحيفة لبنانية إن “ما أدلى به تشابلن جاء في إطار مقابلة إذاعية، ولم يصدر بيان رسمي عن الكنيسة الروسية. وما قاله هو أن مقاومة الإرهاب أخلاقية، وإذا أردتم مقدسة. لم يقل إطلاقا إن الكنيسة الروسية أعلنت حربا أو معركة مقدسة، لم يتطرق إلى جهاد مقدس أو حرب دينية أو حرب مسيحية أو أرثوذكسية”.

مباركة دينية

ويؤشر دعم الكنيسة للتدخل الروسي في سوريا إلى الحرص على إضفاء صبغة دينية ومباركة من الكنيسة لخطوة الرئيس فلاديمير بوتين، إلى جانب كونه رسالة للمسيحيين أن لديهم ظهيرا دوليا يستطيعون الاعتماد عليه بعد فشل الأميركيين في مساعدة مسيحيي العراق وسوريا للتشبث بأرضهم.

ورغم أن القيادة الروسية لم تنبس ببنت شفة عن مسيحيي سوريا فإن أهدافها المعلنة من الحملة هي “القضاء على الإرهاب ومكافحة جماعاته ولا سيما تنظيم الدولة”، ولكن هناك من فهم كلام الكنيسة على أنه “حرب صليبية، ونحتاج إلى صلاح الدين جديد لتحقيق النصر”، كما غرد الخبير العسكري والاستراتيجي فايز الدويري.

ويبلغ عدد مسيحيي سوريا 1.5 مليون وفقا لأحدث المصادر الحكومية، ولكن العدد تناقص بشكل حاد مع استمرار الحرب السورية وازدياد الهجرة وسيطرة تنظيم الدولة على عدة مناطق يتواجد فيها المسيحيون، حيث فرض بمحافظة الرقة على المسيحيين دفع الجزية ذهبا وعدم إظهار ما يشير إلى دينهم مقابل “عهد أمان”.

وبث التنظيم إصدارا يتطرق إلى قيام “مسيحيي مدينة القريتين بريف حمص بإعطاء التنظيم “الجزية”، والتزامهم بعقد الذمة. ووجه أحد شرعيي تنظيم الدولة “رسالة إلى نصارى المشرق والمغرب، وإلى حامية الصليب أميركا، أسلموا تسلموا، وإن أبيتم فعليكم بدفع الجزية”.

كما تعرض عدد من رجال الدين المسيحيين والرهبان للقتل والاختطاف بينهم مطرانا حلب يوحنا إبراهيم وبولس يازجي، اللذان مر أكثر من عامين على اختطافهما من جهة مجهولة دون ورود أي أخبار عنهما.

“يشير مدير مركز الدراسات المسيحية الإسلامية في “جامعة البلمند” بلبنان الأب جورج مسّوح حازم إلى أنه “لا حرب مقدسة في المسيحية. كل حرب نرفضها، أكانت باسم إله اليهود، أم إله المسيحيين، أم إله المسلمين. لذلك، فإن موقف الكنيسة الروسية لا يعنينا، مسيحيو الشرق، يؤمنون بأن لا حرب مقدسة، ولا جهاد مقدس، ولا حقا إلهيا في الحرب”.”

ويعتبر أحد المراقبين أن الكنيسة الشرقيّة في سوريا أقرب للنظام، وتساءل عن أسباب صمت وعجز الكنيسة المارونيّة بلبنان عن “مواجهة المخطط الروسي الحثيث، السّاعي الى إعادة أمجاد الإمبراطوريّة والانتقام التاريخي المتمثّل بالهيمنة على الكنيسة الشرقيّة واستعادتها”.

ويقع في دمشق -التي زارها رأس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية البطريرك الراحل أليكسي الثاني وخلفه البطريرك كيريل عدة مرات- كرسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق.

ويشير مدير مركز الدراسات المسيحية الإسلامية في “جامعة البلمند” بلبنان الأب جورج مسّوح حازم إلى أنه “لا حرب مقدسة في المسيحية. كل حرب نرفضها، أكانت باسم إله اليهود، أم إله المسيحيين، أم إله المسلمين. لذلك، فإن موقف الكنيسة الروسية لا يعنينا، مسيحيو الشرق، يؤمنون بأن لا حرب مقدسة، ولا جهاد مقدس، ولا حقا إلهيا في الحرب”.

ويتابع -في حديث صحفي- أن “العودة إلى القرون الوسطى أمر مرفوض لا نريد أيضا الإمبراطورية البيزنطية والبابوية اللتين شنتا حروبا باسم الله. ولا نقبل أيضا بداعش أو بأي كان يقاتل باسم الله”.

تبرؤ

وتوجه إلى المسلمين بالقول “كما تتبرؤون من تنظيم الدولة وسواها ممن ينسب جهاده إلى الله، نحن أيضا لا علاقة لنا بالكنيسة الروسية وما أعلنته. للروس مصالح في هذه البلاد، المسيحيون الشرقيون لا يريدون إطلاقا دفع ثمن صراعات ونفوذ”.

ولا يختلف وضع المسيحيين في العراق عن سوريا حيث تشير تقديرات إلى أن عدد المسيحيين اليوم في العراق لا يتجاوز مئتي ألف بعد سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل بصيف العام 2014.

وعن هذا الواقع يقول سرود المَقدسي عضو برلمان كردستان العراق والقيادي في كيان أبناء النهرين، إن أوضاع المسيحيين في العراق تتجه من سيئ إلى أسوأ، ولفت إلى أن “الهجمة البربرية” التي استهدفت سهل نينوى والموصل أدت إلى نزوح أكثر من 150 ألف مسيحي إلى كردستان العراق وحده. وتحدث المقدسي بنبرة متشائمة قائلا إن المهجر المسيحي أصبح يرى نهاية النفق مظلمة وهو فاقد للأمل في هذه المرحلة.

مواقع التواصل ترد

بشكل قاس وحاسم رد رجال دين وساسة وإعلاميون ونخب ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على وصف الكنيسة الأرثوذكسية التدخل الروسي في سوريا بالحرب المقدسة، ووصل هذا الرد إلى حد رصد المسؤول الشرعي في جبهة النصرة “أبو حسن الكويتي” (علي العرجاني) جائزة قيمتها مليون ليرة سورية لمن يأسر جنديا روسيا، وذهب شرعي آخر من جبهة النصرة إلى رصد مليون ليرة آخر للفصيل الذي يأسر جنديا روسيا.

وعن “الحرب المقدسة” يغرد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ يوسف القرضاوي أنه “إذا دافعنا عن أوطاننا وبيوتنا وأعراضنا باسم الإسلام الذي نؤمن به نُتهم بالإرهاب بينما روسيا تقصف سوريا والمعارضة باسم الحرب المقدسة” ويسأل في تغريدة أخرى “من الذي بارك لروسيا قصف سوريا؟ هل باركها الله أم المسيح أم نصوص الإنجيل؟ هذه حرب ملعونة مذمومة باسم الأديان والقوانين والأخلاق والمواثيق”.

فيصل القاسم

ويرى الإعلامي فيصل القاسم في تغريدة أنه “عندما تصف الكنيسة الروسية التدخل الروسي في سوريا بأنه حرب مقدسة، فهي عملياً تدعو المسلمين إلى الجهاد”.

واعتبر الكاتب ياسر سعد الدين في تغريدة أنه “ليست كنيسة تلك التي تعتبر قتال أطفال سوريا حربا مقدسة، بل هي ماخور أخلاقي وسياسي” وفي تغريدة ثانية “الكنيسة الأرثوذكسية تؤيد جرائم بوتين ومجازره في سوريا وتعتبرها حربا مقدسة، الذبح باسم الدين فكر داعشي بنكهة روسية تعبق بحقد تاريخي دفين”.

القرضاوي: إذا دافعنا عن بيوتنا باسم الإسلام نتهم بالإرهاب (غيتي إيميجز)

وفي السياق يغرد الحقوقي الجزائري أنور مالك “خدمة كبرى قدمتها روسيا لداعش عندما وصف بطريرك كنيستها أن غزو بوتين لسوريا (حرب مقدسة)، سيتهاطل “متحمسون” على معاقل البغدادي من كل حدب”.

ويشير الداعية السعودي محمد العريفي إلى أن “التدخل الروسي في سوريا وتصريحهم بأنها حربٌ مُقدسة، ومباركة قساوستهم للاعتداء وصور قتلانا أطفالاً ونساءً واجتماع النصارى والنصيرية والفرس يُثبت أنهم يخشون من قوة الإسلام، ووحدة المسلمين واجتماعهم فيريدون كبته وحربه”.

ويغرد حساب “ميسر بن علي القحطاني” أن “أعداء الإسلام يقولون حرب مقدسة وما زال هناك من يقول الجهاد في الشام فتنة!!!… الجهاد يا أمة الإسلام الجهاد الجهاد”.

في السياق يلفت الأكاديمي السعودي محمد عبد الله الوهيبي في تغريدة “الصهاينة والأميركان والروس، يحتلون ديارنا، يقتلوننا، يقصفون البيوت والمساجد، كل ذلك عندهم “حرب مقدسة”.

نقاوم طغيانهم واحتلالهم نوصم بالإرهاب”.

ويغرد حساب (@KeNt_977) “الكنيسة الروسية: الحرب في سوريا حرب مقدسة، وقبلها المرجعيات الإيرانية، بينما لم يترك العرب فصيلا سنيا في سوريا إلا وخذلوه٠ راجعوا حساباتكم”.

ويغرد صلح العونان أن “تنزل الجيوش الصليبية في دابق وتسمى الشام آخر الساعة بأرض الملاحم ستجتمع ملل الكفر كلها”.

بسام جعارة

ياسر الزعاترة: بوتين هو بوش (الجزيرة) ويغرد الكاتب السوري بسام جعارة أن “دعوة الكنيسة الأرثوذكسية إلى حرب مقدسة في سوريا تستدعي الدعوة إلى إعلان الجهاد”.

ويعتبر الكاتب الأردني ياسر الزعاترة وصف الحرب بالمقدسة أن “بوتين هو بوش الجديد برايات صليبية وليست شيوعية”.

ويغرد الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري أن “الكنيسة الأرثوذكسية تدعم العمليات العسكرية الروسية في سوريا، إذن نحن أمام حرب صليبية، ونحتاج إلى صلاح الدين جديد لتحقيق النصر”.

ويرى الأكاديمي السعودي كساب العتيبي “هبّت رياح الروس إنقاذاً لمجرم حقير ونظامه المُشوّه عقدياً. وباركت الكنيسة الأرثوذكسية جيشها معتبرةً أنه يخوض حرباً مُقدّسة”.

 

 

 

قراءات في دور حزب الله بعد التدخل الروسي/ علي سعد-بيروت

منذ إعلان هدنة الزبداني وكفريا والفوعة بين حزب الله ومقاتلي المعارضة السورية المسلحة، غاب اسم الحزب عن الميدان السوري، وأصبح التدخل الروسي لصالح النظام السوري هو الموضوع المسيطر في الميدان مقابل تراجع أخبار المعارك البرية التي لا يزال الحزب يشارك فيها.

وسجل الحزب حضورا إعلاميا بنعيه أحد أبرز قياداته العسكرية في سوريا حسن حسين الحاج المعروف بكنيته “أبو محمد الإقليم” الذي قضى خلال المعارك الدائرة في قرية المنصورة بسهل الغاب في ريف إدلب. لكن التراجع الإعلامي للحزب يفتح الباب واسعا أمام التحليلات والتكهنات حول طبيعة دوره ومهامه في سوريا بعد التدخل الروسي المباشر.

قال العميد المتقاعد أمين حطيط المقرب من الحزب “إن الحاجة لدور حزب الله في سوريا أصبحت أكبر مع التدخل الروسي لتحقيق التوازن بين البر والجو، مما يضمن عملا عسكريا مكتملا. ووجود حزب الله إلى جانب الجيش السوري يعطي استثمارا أوسع للضربات الروسية”.

وأضاف حطيط “إذا كانت الحاجة لحزب الله قبل التدخل الروسي دفاعية فقط، فإنها أصبحت اليوم مزدوجة على الصعيد الدفاعي واستثمار الضربات الروسية للقيام بعمليات هجومية وتثبيتها بعمليات التطهير، وهذا بدا واضحا في العمليات الأخيرة في مثلث ريف إدلب وريف حماة وريف اللاذقية حيث النتائج أكبر وأسرع من المتوقع”.

ويرى أن وجود العنصر الروسي “ليس إلغاء للعناصر الموجودة، ولم يأت ليزيح العنصر الإيراني وحزب الله، بل ليضيف إليهما، وما يشاع عن استبدال الإيراني بالروسي يأتي في إطار الحرب الإعلامية الأميركية”.

وردا على سؤال حول غياب حزب الله إعلاميا، قال حطيط “إن الحزب لا يخرج ببيانات إلا عندما تكون المعركة مرتبطة مباشرة بالحدود السورية اللبنانية، ورأينا هذا في معارك القصير والقلمون والزبداني، وهو مستمر في هذه السياسة”.

أما أستاذ العلاقات الدولية سامي نادر فيرى عكس ذلك وقال “في معادلة الفريق الداعم لنظام الأسد أصبح الطرف الروسي الأرجح على حساب إيران التي لم يكن دعمها كافيا لإنقاذ النظام، مع الأخذ بعين الاعتبار قدرات روسيا العسكرية والدبلوماسية التي تؤهلها لمواجهة الولايات المتحدة”.

وأوضح نادر أن روسيا “استبقت تحركها العسكري بتحرك دبلوماسي أعادت خلاله فتح علاقاتها مع السعودية وقطر، مستفيدة من المواجهة بين إيران ودول الخليج. وهكذا أصبحت تقود العربة عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا، بينما في السابق كان حزب الله هو القوة الأولى”.

وأضاف “ونتيجة تراجع الدور الإيراني، تراجع دور حزب الله حتما، رغم أن في رصيده إنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد وإطالة عمره، لكن الحزب لم يسجل انتصارات كبيرة بل تكبد خسائر كبيرة، حتى معركة الزبداني لم تنجز كما كان يريد، وحزب الله دفع ثمنا سياسيا لمشاركته في الحرب السورية وتورط في معارك عربية ودم سني، وهذا قد يكون له آثار كبيرة على موقعه وعلى دوره الذي قد يتحجم بفعل عدم قدرته على التواصل والتفاعل مع المحيط العربي”.

ورغم ذلك لا يرى نادر أن دور الحزب انتفى نهائيا في سوريا، “إذ لا يزال هناك تكامل وعمليات مشتركة”، ولكن السؤال الذي يطرحه هو “إلى متى تستطيع روسيا الصمود في هذا الحلف ذي اللون الشيعي والذي سيظهر مستقبلا أنه في مواجهة الأكثرية السنية؟”.

الجزيرة نت

 

 

 

 

 

 

 

الحلف الرباعي غير المقدّس/ خالد غزال

لا تزال الأسئلة والتخمينات تغلب على الإجابات القاطعة عن الأهداف الروسية واندفاعتها في الغرق في الحرب السورية. إذا كانت السياسة الإيرانية معلنة الأهداف منذ تدخّلها في سورية وبعض الأقطار العربية، لجهة إثارة حروب مذهبية واستنفار أحقاد تاريخية بكل ما يعنيه من تأجيج الاستنفار الطائفي والمذهبي، تراه إيران ضرورياً لاستقطاب القوى المحلية حولها، فإن التساؤل عن الأهداف الروسية مشروع جداً: فهل اعتبرت روسيا أن الانحياز الى معسكر مذهبي في المنطقة ضد معسكر آخر ذي صفة مذهبية أيضاً، هو الممر اللازم لتثبيت مواقعها على الأرض وتأمين مصالحها على شاطئ المتوسط؟ وهل ترى روسيا أن هذا التدخل وتثبيت الموقع يساعدانها في تخفيف العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الأزمة الأوكرانية كما يذهب الى ذلك بعض المحللين الغربيين؟

الثابت أن روسيا دخلت في حلف سياسي ذي طابع مذهبي، والثابت أيضاً والمعلن أن هدفها الرئيسي حماية النظام السوري بقيادة بشار الأسد، والثابت كما أعلن الرئيس الروسي أن الذهاب الى محاربة الإرهاب في سورية هو دفاع مسبق عن الأمن القومي الروسي قبل أن ينتقل الإرهاب الى بلاد القياصرة، وهي النظرية نفسها لجورج بوش حول الذهاب الى محاربة الإرهاب في عقر داره قبل أن يأتي الى الأرض الأميركية. يتطلب الأمر بعض الوقت لتنجلي المواقف الروسية الحقيقية من «غزوها» الأراضي السورية، ثم الانتقال بعدها الى العراق كما بدأت التصريحات تتوالى.

في المعلن والبادي للعيان حتى الآن، أن روسيا بدأت الحرب على «داعش» في سورية. المعلومات شبه المؤكدة أن الطيران الروسي نفذ حوالى ستين طلعة قصف فيها أهدافاً سورية، لم تكن حصة مواقع «داعش» سوى موقعين فقط، فيما تركزت سائر الضربات على مواقع بعض القوى المعارضة المصنّفة معتدلة وعلى مواقع للجيش الحر. لم يحصل ذلك مصادفة، فروسيا أتت لدعم بشار الأسد، والأخير يعتبر أن الخطر على نظامه ليس مصدره «داعش» الذي أطلقه ورعاه واستثمره الى النهاية، بل الخطر هو من هذه المعارضة التي يمكن أن تشكل بديلاً مقبولاً في حكم سورية إذا ما حانت تسوية ما سيدفع النظام كلفة لتمريرها. أما محصلة العمليات العسكرية الروسية، فلم تكن سوى دمار مضاعف يصيب الشعب السوري، بشراً وحجراً، وتبدو أكلافه كبيرة جداً بالنظر الى الاستراتيجية الروسية في الأرض المحروقة، بحيث تبدو البراميل المتفجرة لبشار الأسد كألعاب أمام الصورايخ المدمرة لطائرات السوخوي.

إذا كانت أهداف الحلف الرباعي تتجه الى تسعير الصراع المذهبي تمهيداً لتقسيم سورية، بإقامة مركز عنوانه الدولة العلوية التي لم يعد الحديث عنها يدور في الهمس، بل بات معلناً، وأن يترك لـ «داعش» مناطق يحكمها في أراض سورية ويكرّس فيها دولته، وفي المقابل أن يتم تقسيم العراق بتثبيت الهيمنة المذهبية الشيعية، وترك الفوضى تسود في المناطق الأخرى، فإن هذا المخطط يؤشر الى حرب بعيدة المدى، لا يمكن الحسم فيها في وقت قريب. وهو ما يعيد طرح علامات الاستفهام حول الحقيقي وغير الحقيقي في محاربة «داعش»، سواء من التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة أو التحالف الجديد بقيادة روسيا. بل الأخطر توسّع الحرب المذهبية لتطاول الأرض الروسية نفسها، والبلاد الإيرانية غير المحصنة على اندلاع حروب مذهبية داخلها.

الانتصار على الإرهاب المتمثّل بـ «داعش» وأخواته، أو الإرهاب المقابل من الحكمين العراقي والسوري والمتّسمين بطابع مذهبي، لن يكون بغير تسوية سياسية، تنهي حكم بشار الأسد الراعي الأول للإرهاب في سورية، والذي يشكل دعامة سلطته، وكذلك بتسوية سياسية في العراق تسمح بإلغاء التمييز المذهبي في إدارة شؤون الحكم والتوقف عن قهر سائر المكونات الطائفية. من دون هذه الحلول، ستبقى الحرب المذهبية قائمة الى أمد غير محدود. ما يجري تنفيذه راهناً لا يصب في تسوية سياسية في البلدين، بل يصب في تكريس مشاريع استعمارية، روسية وإيرانية، ليست بعيدة من أهدافها إعادة قولبة أقطار عربية واللعب في كياناتها ومقوماتها الوطنية، بما يتيح تكريس هذه الهيمنة الاستعمارية.

أخيراً، وبرسم معسكر الممانعة، أن الحلف الرباعي الجديد، لم يكن ليندفع بهذه السهولة من دون تغطية أميركية باتت واضحة وجلية. كما أن الحلف يحظى بمباركة إسرائيلية لأنه في نظرها سيزيد من تدمير بنى الدول التي يمكن أن تشكل خطراً على كيانها في يوم من الأيام.

 

 

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

 

 

الروس يدفعون ثمن مغامرات الكرملين في سورية/ مكسيم بلانت

يجافي الصواب اعتبار أن أحداث الأسبوع الماضي هي شاهد على تضحية السلطات الروسية من جديد بالاقتصاد الروسي في سبيل السياسة. فالسلطة الروسية أطاحت السياسة والاقتصاد والعقل، في سبيل «عقدة» الإمبراطورية.

وفي مطلع الأسبوع الماضي، دارت أوهام بعض المراقبين على أن التورط الروسي في الحرب على الأراضي السورية يرمي إلى إعادة البلاد (روسيا) إلى السياسة الدولية، من طريق المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». ولكن في نهاية الأسبوع، تبددت كل الأوهام، وسادت الحيرة وفاحت الظنون حول حقيقة ما يجري وكفاءة الإدارة الروسية والتزامها العقلانية. وفي البدء، أمل الروس في أن قصف الطائرات الروسية حلفاء الولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية ناجم عن خطأ أو خداع جنرالات الأسد، وأن المقاتلات الروسية وقعت في خطأ فانتهكت المجال الجوي التركي وصوبت السلاح إلى الطائرات التركية. ولكن السلطات الروسية نفت الخطأ، وأعلنت أنّ نيرانها أطلقت على الإرهابيين الواجب القضاء عليهم، وأن الإرهابيين هم جميع معارضي بشار الأسد الذين حملوا السلاح. وكانت الولايات المتّحدة في وقت سابق من الأسبوع، بحثت في إمكان التنسيق مع الجيش الروسي، ولكن في ختام الأسبوع، بدأ حلف الناتو بالبحث عن سبل مواجهته.

ومن العسير فهم دواعي استفزاز تركيا المتعمد. فقبل بضعة أشهر، كان فلاديمير بوتين وألكسي ميلّر، رئيس شركة الغاز الروسية «غازبروم»، يحلفان بالصداقة الأبدية بين موسكو وأنقرة. واضطرت حينها روسيا إلى التقرب من تركيا، إثر إلغاء بروكسل مشروع «التيار الجنوبي» (ساوث ستريم)، وانتقلت إلى مشروع «التيار التركي». وإذا تخلت موسكو عن هذا المشروع، تعذر نقل الغاز الروسي إلى أوروبا من دون المرور بأوكرانيا. فالطريق الوحيد المتبقي هو «التيار الشمالي» (نورد ستريم). وقدرات هذا الخط ضعيفة ولا تكفي لنقل كميات ضخمة. والاستثمار الروسي في التيار الجنوبي بلغ بلايين الدولارات، وهذه الاستثمارات صارت في مهب الريح. وهدد الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، الأسبوع الماضي، باحتمال رفض أنقرة شراء الغاز الروسي بسبب تدهور العلاقات مع روسيا. ويقول أردوغان «نحن أكبر مشترٍ للغاز الطبيعي الروسي. وخسارة تركيا هي خسارة كبيرة على روسيا. وإذا لزم الأمر، يسع تركيا شراء الغاز الطبيعي من أماكن أخرى. والمسوغات الروسية حول انتهاكات مجالنا الجوي غير مقنعة». وإلى عقد الغاز، قد تفقد روسيا عقد بناء محطات الطاقة النووية في تركيا. والاستفزازات العسكرية الروسية في تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، محفوفة بمخاطر ردّ التحالف بأجمعه.

وذروة الجنون الذي مسّ موسكو طوال الأسبوع الماضي، هي قرار السلطات الروسية الأربعاء مصادرة مدخرات التقاعد، وزيادة العبء الضريبي على قطاع النفط والغاز، والحد من مقايسة المعاشات التقاعدية إلى 4 في المئة. وتضاف هذه الإجراءات إلى أعباء يتحملها دافعو الضرائب الروسية، وتقدر بعشرات الملايين من الدولارات كلفة إطلاق صواريخ الكروز من بحر قزوين على أهداف في سورية. ولا ترتجى فائدة عسكرية من إطلاق صواريخ الكروز. وهي أطلقت في مناسبة الاحتفال بعيد ميلاد بوتين.

والعزاء الوحيد في جنون الحكومة الروسية هذا، هو أنّ بوتين انتقل، أخيراً، من مشروع إنشاء «العالم الروسي»، إلى مشروع «إعادة النظام» في العالم العربي. وهذا عزاء ضعيف. فالروس يسددون من جيوبهم، وهي توشك على النضوب، ثمن مشاريع مثل «العالم الروسي» و «العربي».

* محلل سياسي- اقتصادي، عن موقع «يجيدنفني جورنال» الروسي، 9/10/201، إعداد علي شرف الدين

الحياة

 

 

 

 

التحالف مع بوتين خطأ استراتيجي/ برونو ترتريه

بادرت روسيا إلى ترجيح كفتها في اللعبة الاستراتيجية. وسلطت خطوتها السريعة الضوء على إخفاق المجتمع الدولي في سورية. وبلغ هذا الإخفاق مبلغاً يبدو فيه اليوم «التحالف مع موسكو» خياراً معقولاً. وذريعة المدافعين عن الخيار هذا هو النزول على دواعي الضرورة، أي التحالف مع أضعف الشرور، على نحو ما فعل الغرب مع الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين. ولكن هذه المقارنة لا تقوم لها قائمة وتفتقر إلى التماسك. فـ»داعش» من غير شك هو مصدر خطر بالغ، ولكنه لا يتهدد الغرب بالفناء والهلاك، ولا يسوغ، تالياً، المساومة مع موسكو ودمشق. وعلى المستوى العسكري، لا وجه شبه بين الحرب على العدو «الداعشي» وبين النزاع في الحرب العالمية الثانية. وهذه الحرب كانت كلاسيكية ودارت على ثلاث جبهات (الشرق والغرب ومنطقة المحيط الهادئ)، واقتضت تنسيق العمليات ومحاصرة قوات دول المحور. وكان موقع الاتحاد السوفياتي الجغرافي مركزياً، وقدراته العسكرية يعتد بها. و«داعش» لا تملك نظير هذه القوة أو المكانة.

وثمة تحالف دولي من ستين دولة يحارب «داعش»، ولكن بوتين يدعو إلى الانقلاب عليه (التحالف هذا)، والتخلي عن السنّة والتحالف مع الأقلية الشيعية في المنطقة. ولكن هذه الدعوة غير متماسكة ولا ترتجى منها فائدة ونتائجها سلبية.

ولا تجمع أهداف مشتركة ولا نهج واحد بين الغرب وروسيا بوتين. والرئيس الروسي يرغب في بقاء نظام بشار الأسد. فهو لن يحارب «داعش»- وهذا يسيطر على شرق البلاد- بل مجموعات معتدلة وسلفية تهدد المناطق العلوية في غرب سورية. لذا، استهدفت الضربات الجوية الروسية الأولى هذه المجموعات. ونهج روسيا في «مكافحة الإرهاب لا يتباين عن نهج النظام السوري، وركنه هو التدمير من غير تمييز. وهذا ما فعلته موسكو في غروزني الشيشانية. وموقف السلطة الروسية من حركة المقاتلين الإسلاميين ملتبس، وبوتين متهور ويلعب بالنار. فهو يبارك في الشيشان سلطة مافيوية مطلقة تجمع الشريعة إلى القانون الروسي. واليوم، إثر تشجيعها توجه مقاتلي القوقاز إلى سورية، تعد موسكو لجبه العائدين من سورية- وبعضهم من أشرس المقاتلين- إلى روسيا.

ولا حاجة بالغرب لتحالف جديد يزعم انه سبيل الحوار مع روسيا حول الخيارات السياسية في سورية. فالنقاش معها في هذه المسألة لم ينقطع منذ 2012. ولكنه، إلى اليوم، لم يفض إلى حل. وبوتين متمسك بالأسد. فثمة مبدأ روسي أثير على قلب بوتين: الديكتاتور لا يُطاح، فكيف إذا كان صديق روسيا.

ويدافع بوتين في سورية عن مُثله ومبادئه – وهي مختلفة عن مبادئ الغرب- وعن مصالحه التي لا تتقاطع غير تقاطع جزئي مع مصالحنا. والحوار متواصل مع روسيا. وفي الإمكان تنسيق العمليات العسكرية مع روسيا من غير الانضواء في حلف معها. ففي متناولنا، حين تدعو الحاجة، تبادل المعلومات مع موسكو على نحو ما هو حاصل في الحرب على «داعش» في العراق بين واشنطن وطهران.

ودعوة بوتين سلبية. فهي تقتضي الانفصال عن الحكومات السنّية، على رغم أن لا غنى عن تعاونها في النزاع السياسي والأيديولوجي والمالي ضد «داعش». وليس التحالف مع بوتين غير تحالف مع بشار الأسد. وهذا ليس حصناً منيعاً أمام تمدد داعش ولا سوراً يقي أوروبا من خطره. فهو أبرم علاقات وطيدة مع أكثر الجهاديين عنفاً ليظهر في صورة «الرجل المناسب في الوقت المناسب». وتظهر نظرة فحص وتمحيص إلى عمليات الأسد العسكرية أن تدمير القوى الإصلاحية والمجموعات الإسلامية المعتدلة تصدرت أولوياته. ففي 2011، كان لسان حال الأسد «إما أنا أو الفوضى». وفي 2015، لا يخفى انه يقول «أنا والفوضى». واختيار التحالف مع بوتين يفاقم خيبة شطر راجح من السوريين، ويساهم في رفع معدلات النزوح واللجوء إلى أوروبا. وهو يؤذن بالمشاركة في حرب ضروس طويلة الفصول، شأن حرب الثلاثين عاماً في أوروبا، ضد شطر كبير من العالم السنّي. وعمّ الفرح الدوائر الجهادية إثر التدخل الروسي في سورية. فهذا التدخل هو فرصة سانحة لتكرار حرب أفغانستان على السوفيات. وهذه الحرب آذنت بانطلاق الحركة الجهادية الحديثة! ورفع لواء مثل هذه الحرب هو السبيل الأمثل إلى تجنيد «داعش» المقاتلين. وأججت بطريركية موسكو الأزمة حين دار كلامها على «الحرب المقدسة».

والتحالف مع بوتين ليس سترة إنقاذ بل ضمانة الغرق أكثر فأكثر في الأزمة. وهو ليس صنو التزام نهج الواقعية في مواجهة نهج المثالية، ولا يرجح كفة النجاعة على العدالة، بل يؤذن بكارثة جغرافية – سياسية حالها أسوأ من الحال السورية اليوم.

وفي بداية عمليات القمع في 2011، كان في إمكان الغرب مد يد المساعدة إلى المعارضة المعتدلة، وتدريب القوات المعتدلة على وجه السرعة في مطلع الحرب الأهلية في 2012، ووقف سعار النظام اثر استخدامه الأسلحة الكيماوية في 2013. ولا شك في أن التاريخ لن يرحم إدارة الرئيس باراك أوباما. واختيار التحالف مع بوتين هو خطأ استراتيجي. وإذا وقع الغرب فيه، جمع الخطأ الاستراتيجي إلى الخطأ الأخلاقي، أي ترك السوريين لمصيرهم. والخطأ هذا هو خيار الحرب والخزي، في آن واحد.

* مدير البحوث في مؤسسة الابحاث الاستراتيجية الفرنسية، عن «لوموند» الفرنسية، 5/10/2015، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

 

أوباما “يؤفغن” سوريا؟/ راجح الخوري

هل قرر باراك أوباما إغراق فلاديمير بوتين في المستنقع الدموي السوري؟

السؤال ضروري بعدما ألقت أميركا جواً خمسين طناً من الذخائر الى مقاتلين من المعارضة، وهي دفعة أولى قال “البنتاغون” إنها تشكّل توجهاً جديداً عند الإدارة الأميركية، وهدفها التركيز على تزويد مجموعات منتقاة الأسلحة ومنها أسلحة نوعية، وتأمين دعم جوي لها لتكون قادرة على شن هجمات منسقة على “داعش”!

والسؤال ضروري ايضاً بعد قيام تحالف جديد اسمه “قوات سوريا الديموقراطية” يضم ثماني تنظيمات مقاتلة بينها “وحدات حماية الشعب الكردية” التي طردت “داعش” من كوباني، وهذه المجموعات تقاتل على جبهتين، جبهة ضد النظام وجبهة ضد “داعش”، وتصف التدخل العسكري الروسي بأنه عدوان على الشعب السوري.

صحيح ان القوات الأميركية وضعت العملية في إطار تعزيز قوات المعارضة ودعمها لطرد “داعش” من الرقة وكل الأراضي السورية، وصحيح ان هذه المجموعات تقاتل على الحدود الشمالية مع تركيا بعيداً من مواقع أخرى للمعارضة التي تقاتل على تخوم المناطق العلوية، لكن العملية ليست سباقاً أميركياً – روسياً على قصف “داعش”، بل ربما تحوّلت بداية حرب بالوكالة بين بوتين وأوباما.

عام ١٩٧٩ انزلقت موسكو الى الحرب الأفغانية التي استمرت عشرة أعوام في ظروف مشابهة، وليس خافياً على بوتين الآن وهو يقتحم المسرح السوري وسط معارضة دولية واسعة، ان ليس هناك من يؤيد هذا التدخل سوى بشار الأسد، وان حلفاءه الإيرانيين منزعجون ضمناً من اقتحام الدب الروسي سوريا حديقتهم الخلفية، وان كانوا يقاتلون مع الأسد على الأرض!

لكنه عندما يضع عمليات القصف التي ينفذها على روزنامة العمليات الميدانية التي يقررها النظام ويقول إن انتهاء عملياته الجوية مرتبط بانتهاء عمليات الجيش السوري على الأرض، فإنه يدخل الحرب علناً ضد المعارضة التي يبدو ان أوباما قرر الآن تزويدها أنياباً، وهو ما سيؤجج المواجهات ويزيد التورط الروسي، خصوصاً ان الأسلحة الاميركية التي تلقى في الشمال سرعان ما ستقاتل على تخوم حمص وحلب ودمشق.

يوم الأحد بالغ بوتين في السخرية من أوباما بقوله: لقد خططوا لتدريب ١٢ ألفاً ضمن برنامج الجيش الحر، وانخفض العدد الى ستة آلاف، وفي النهاية دربوا ٦٠ شخصاً لم يقاتل منهم سوى اربعة أو خمسة، لكنهم أنفقوا على ذلك ٥٠٠ مليون دولار، وكان من الأفضل لو أعطونا هذه الملايين لكنا استعملناها أحسن في مكافحة الإرهاب.

وقبل ان يصل كلام بوتين الى واشنطن كانت محطة “cnn” تذيع خبر إلقاء الأسلحة الى المعارضين في الشمال، لكن السؤال الأكثر إلحاحاً يتصل بما اذا كانت واشنطن ستصل الى حد تسليم المعارضين سلاحاً مضاداً للطائرات رفضت تسليمه اليهم دائماً على رغم المذابح التي ارتكبها القصف الجوي والبراميل المتفجرة !

النهار

 

 

 

 

 

روسيا في الراهن السوري.. ميدانياً وإقليمياً/ خيري حمدان

أصبح الوجود العسكري الروسي في سورية أمراً واقعاً، باعتراف روسي وسوري ودولي، وهدفه المعلن مواجهة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والقضاء عليه نهائيًا، حسبما تقول موسكو. وبات على المشاهد والمواطن الروسي الاستماع إلى أسماء لم تكن ترد في وسائل الإعلام الروسية حتى اللحظة، مثل طرطوس واللاذقية وإدلب وغيرها من أسماء المدن والمواقع السورية، وكان ممكناً خلال حقبة حكم حافظ الأسد شراء العطور السورية من على رفوف المحلات التجارية الروسية.

ومع التدخل العسكري الروسي الواضح في سورية، لم تتوقف الدبلوماسية الروسية عن خوض المحادثات مع الولايات المتحدة وأوروبا، سعيًا إلى تحقيق المصالحة مع الغرب والحرب بالنيابة ضدّ داعش. لكن، وكما نشرت مواقع إلكترونية روسية، رفض ضباط متعاقدون مع وزارة الدفاع الروسية المشاركة في عمليات القتال في سورية ورفعوا مظالمهم للادّعاء العام. ولم يكن تمردهم هذا بسبب الطلب منهم الذهاب إلى سورية، بقدر الغموض الذي يحيط بهذا الملف، ورفض القيادة العليا شرح تفاصيل التدخل العسكري الروسي هناك. ويرفض الضباط معاملتهم كالبهائم، وتحميلهم على متن القوارب العسكرية، من دون شرح مهماتهم وطبيعة العمليات التي سيقومون بها. ووعد الادّعاء الروسي بالنظر في هذه المطالب، والبتّ بها للتوصل إلى اتفاق ما بين الطرفين.

السيناريو الأفغاني

أخذ السخط الشعبي الذي ظهر في مواقع إعلامية عديدة، وعلى صفحات المدوّنين في روسيا، بالحسبان السيناريو الأفغاني، وتحديدًا أحداث ما بعد العام 1979 ومقتل الرئيس الأفغاني في حينه، حفيظ الله أمين، الأمر الذي وضع نقطة البداية لصراع امتدّ نحو عشر سنوات، عرف بالحرب الخفية، وخسر الاتحاد السوفييتي في أثناء تلك المواجهات قرابة 15 ألف مقاتل. وثمة من يرى أن الخسارة السياسية والعسكرية التي مني بها الاتحاد السوفييتي في أفغانستان كانت سبب انهياره لاحقًا. ويذكر أنّ الكرملين قد أوعز بقتل أمين، بعد فترة قصيرة من توليه الرئاسة، لمعاداته الصريحة الشيوعية في أفغانستان التي أدّى الغزو العسكري السوفييتي فيها إلى ظهور تنظيم القاعدة، بدعم أميركي بداية، لدحر الروس من أفغانستان. وقد يؤدّي التدخل العسكري الروسي في سورية إلى ردود فعل مفاجئة، من قبيل توحيد صفوف الجهاديين وانضمام مزيد من المؤيدين لهم لمقاتلة الروس. وستتغير المعادلة، حال بدء شحن جثامين المقاتلين الروس إلى موسكو، إذا كانت روسيا تنوي حقيقةً المشاركة في الأعمال القتالية ميدانيًا.

ويرى خبراء روس عديدون أنّ روسيا لا تسعى إلى زجّ قواتها العسكرية في حروب سورية، لكنّها مناسبة لتحسين العلاقة مع الغرب الذي يخشى مسلحي داعش وقدرات تنظيمهم المتنامية، وهناك مكسب آخر يتمثّل بتناسي الملف الأوكراني، والترحّم على شبه جزيرة القرم التي باتت جزءًا من الكيان الروسي، في مقابل وعود بالتهام الدبّ الروسي شبح الدولة الإسلامية في الإقليم، وعدم السماح له بالوصول إلى العمق الأوروبي.

من المبكّر الحديث عن تحالف أميركي روسي عسكري في سورية، فعدا عن الخلاف السياسي

“التدخل العسكري الروسي في سورية قد يؤدي إلى توحيد صفوف الجهاديين وانضمام مزيد من المؤيدين لهم لمقاتلة الروس” والأهداف المرتجاة من الطرفين، هناك خلاف أصولي بشأن الأوضاع في أوكرانيا، وما زالت قوات حلف الناتو تجري مناوراتها القتالية في شرق أوروبا ودول البلطيق. لكن، ليس من المستبعد ظهور نوع من التنسيق بين واشنطن وموسكو بشأن الصراع في سورية، كما اتضح في الاتصال الهاتفي بين وزيري الدفاع، الروسي سيرغي شويغو والأميركي آشتن كارتر، عشية اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن، كيف ستتطور الأمور في سورية في ضوء التحالفات الجديدة؟

في قراءة عاجلة، قد يعتقد بعضهم أنّ الموقفين، الروسي والأميركي، متباينان، فموسكو تدعم بشار الأسد ومتسمكة به، باعتبار أن الجيش السوري وحده القادر على خوض المعارك وكسبها، في وقت ترفض فيه أميركا هذا التحالف، وإن أبدت مرونةً، أخيراً، بشأن قبول الأسد خياراً مؤقتاً، حتى التوصل إلى قرار نهائي للأزمة، وطالبت أميركا، أخيراً، بوساطة إيرانية وروسية في محادثاتها مع الأسد. في الوقت نفسه، لا يمكن تأكيد أنّ موسكو متمسكة بالأسد بأيّ ثمن، إذ يصرح الكرملين بأنّه يدعم الرئيس السوري المنتخب، ولم يذكر الأسد تحديدًا. كما نرى، المواقف متشابكة وشديدة التعقيد ومرتبطة بالمصالح الآنية والبعيدة لواشنطن وموسكو وإسرائيل أيضًا، المستفيد الأكبر من التيه الذي تعيشه المنطقة.

دولة علوية

يدرك الكرملين والبيت الأبيض أنّ سورية التي بناها حافظ الأسد بيد من حديد أصبحت في عداد الماضي، وهدف موسكو من تدخلها الحالي الحفاظ على ما تبقّى من سورية تلك، كما صرّح رئيس تحرير صحيفة روسيا والسياسة العالمية، فيودور لوكيانوف. وذكر، في أحد نصوصه في صحيفة غازيتا، أنّ بوتين يسعى إلى تقديم المساعدة لتأسيس دولة علوية في ما تبقّى من مناطق نفوذ الأسد، وأطلق على الدولة تسمية “علوية إسرائيلية”، من دون ذكر أسباب هذه المقاربة، وعلى الأرجح، يعني الكاتب تقديم وطن قومي للعلويين، مبشّرًا بتقسيم سورية إلى دويلات صغيرة. الدولة العلوية بزعامة الأسد ومركزها طرطوس حيث توجد القاعدة العسكرية

“موسكو استفادت من الموقف السلبي للرئيس الأميركي، باراك أوباما، بعدم المخاطرة ولو بجنديّ أميركي واحد في الصراع المتواصل في الشرق الأوسط” الروسية، والتي يمكن تطويرها لتصبح قادرة على التدخل السريع وفرض القرار، ودويلة كردية وأخرى سنية وشيعية، وغير ذلك من الكانتونات والتقسيمات الإدارية. كما يأمل الكرملين بمواجهة داعش والجهاديين في عقر دارهم، لتجنب انتقالهم، في ما بعد، إلى ضرب المصالح الروسية داخل البلاد، بعد أن أعرب التنظيم عن أمله في الوصول إلى مكة المنورة والمدينة المنورة والقدس الشريف في حروبه المقبلة. ويمكن للقاعدة الروسية في طرطوس أن تفي بالغرض، والحيلولة دون طموحات داعش الاستراتيجية، حسب الخطاب الروسي. تجدر الإشارة كذلك إلى تصريحات خبراء روس عديدين، يرون إنّ الوجود العسكري لبلادهم في سورية سياسيّ أكثر منه عسكريًا وميدانيًا، بهدف استعادة النفوذ الروسي في إقليم الشرق الأوسط، بالتزامن مع اقتراب رفع الحظر الاقتصادي عن إيران، الدولة الحليف لموسكو ودمشق.

لا يرضي تحالف “موسكو – طهران – دمشق” أميركا وحلفاءها في الشرق الأوسط. لكنه، من المتوقع أن يبقى قائماً حتى قبول اللاعبين الجدد في المنطقة، ومنهم “داعش” وجبهة النصرة، عندها ستظهر معالم الحدود السابقة في مواقف كل من روسيا وأميركا وحلفائهما. حالياً، يمكن القول إنّ موسكو استفادت من الموقف السلبي للرئيس الأميركي، باراك أوباما، بعدم المخاطرة ولو بجنديّ أميركي واحد في الصراع المتواصل في الشرق الأوسط، وسارعت إلى نشر قواتها في المنطقة، والقيام بعمليات جوية استعراضية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، بعيدًا عن مناطق نفوذ داعش.

انعدام آفاق حلّ الأزمة

أوجد الصراع والاقتتال في سورية، في سنوات معدودة، أوضاعاً جديدة، وحقائق ميدانية تبدو كأنّها قد ترسّخت ويصعب التغلّب عليها. تنظيم الدولة يصدر قسائم مالية، ويجبي رسوماً جمركية من الشاحنات العابرة في مناطق نفوذه، مدموغة بشعار الدولة الإسلامية. وقريبًا سيسعى إلى تحسين صورته، ليصبح مقبولاً على الصعيدين، الإقليمي والدولي، حال فشل التدخّل الروسي والإبقاء على الخيار الأميركي والتحالف بعدم الهبوط إلى أرض المعركة، والاكتفاء بالقصف الجوي. الحقيقة الأخرى التي لا يمكن تجاهلها انحسار مناطق نفوذ الأسد، واستحالة عودة سورية إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الأهلية. لذا، سيأخذ الحلّ المتوقع بالاعتبار كلّ هذه العوامل، إذا شاء المعنيون التوصّل إلى اتفاق يرضي الأطراف كافة. وبالتالي، أصبح التقسيم هو الخلاص المنتظر، وغابت شعارات الوحدة وسيادة الدولة على كامل الأراضي، بعد أن غابت، جملة وتفصيلاً، من أجل الدفاع عن كرسي السلطة، واستمرار سلطة عائلة الأسد. لكن اتفاقاً مشتهى يحتاج إلى مزيد من الوقت، لإنهاك كل القوى المتقاتلة في المنطقة، وتثبيت الأطر والرؤية الجديدة وترسيم الحدود التي يراها بعضهم، في الوقت الراهن، وهمية، لكنّها سرعان ما ستصبح واقعاً يستحيل تجاوزه، وسينهمك رجال السياسة، في المرحلة المقبلة، بشرح التفاصيل المتعلقة بنظام التأشيرات، وربّما اعتماد السفارات والممثليات الدبلوماسية بين الدويلات الجديدة.

في الأثناء، تستمر موجات الهجرة إلى الغرب، وكما صرح الجنرال جون ألن الممثل الخاص لقوات التحالف التي تقودها أميركا ضدّ داعش، “الهجرة الهائلة التي تشهدها أوروبا نتيجة حالة الفقر واليأس التي يعيشها الملايين، وليست بالضرورة هرباً من الموت، ومن الضغوط التي يمارسها الجهاديون ضدّهم”. الحرب السورية بعيدة كلّ البعد عن الحلّ النهائي، لأنّها ما تزال قادرة على إيجاد الفوضى “غير الخلاقة”، ومزيد من العنف وتغيير الطبيعة الديمغرافية في كامل الإقليم، بما يضمن تفتيت الكيان العربي، والإبقاء على حالة القلق بين الأطراف كافة، وإمكانية إشعال فتيل الفتنة عند الضرورة، وفي أقرب فرصة ممكنة.

روسيا مستمرة بدعم الأزمات المجمدة

لم تتوقف روسيا عن دعم الدول التي تسير في مدارها، كأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهي جمهوريات ذات مساحات صغيرة وعدد سكان محدود واقتصاد محاصر، ويعود الفضل في بقائها للمساعدات المالية السخية التي تتلقاها من روسيا، مقابل الوجود العسكري الروسي فوق أراضيها. وهو وجود يعدّ بمثابة الفخّ، ولن يجرؤ اللاعبون الكبار على الاقتراب منها، للدفاع عن سيادة جورجيا أو مولدوفيا أو أوكرانيا، وهذا هو الثمن الحقيقي في مقابل الحقن المالية التي تتلقاها هذه الدول التي ستبقى ملتزمة وتابعة لمدارات روسيا، وحامية لمصالحها.

يفيد خبراء بأنّ روسيا تقدّم قرابة 300 مليون دولار لأبخازيا، وقرابة 100 مليون دولار

“اعترف الناتو بعحزه عن مواجهة أزمة تدفق الوافدين واللاجئين إلى أوروبا. لذا، قبل بتقديم الفرصة المتاحة لروسيا لمهاجمة داعش” لأوسيتيا الجنوبية، وقدّم الكرملين لشبه جزيرة القرم قرابة 2.42 مليار دولار وقرابة ملياري دولار للمنشقين الأوكرانيين في إقليم دونباس، اقتطعت من الموازنة الفدرالية العامة للعام 2015. على أيّة حال، لا تتجاوز قيمة هذه الأموال والمساعدات 3% من حجم الموازنة العامة للفدرالية الروسية.

يتوقع خبراء ومحللون إضافة الدويلة العلوية إلى هذه القائمة ومركزها اللاذقية، ويمثل العلويون قرابة 12% من تعداد سكان سورية، ويلعبون دوراً حاسماً بالدفاع عن النظام السوري في الوقت الراهن. ومن المتوقع أن تقلب روسيا المعادلة في إقليم غورني كاراباخ لصالح أذربيجان على حساب أرمينيا التي ستجد نفسها مضطرة لقبول التفاوض لحلّ أزمة الإقليم، في الأشهر القليلة المقبلة، وحال مشاركة القوات العسكرية الروسية لصالح باكو، بعد أن توطّدت العلاقات بين البلدين. ويعتبر إقليم كاراباخ من البؤر المجمّدة في الوقت الراهن، ولكن إلى أجل مسمّى. بهذا، تسعى روسيا إلى الدفاع عن أمنها القومي، بدعم الحواجز الجغرافية الطبيعية على البحر الأسود “القرم” والبحر الأبيض المتوسط “اللاذقية” ونهر “دنيبر” إلى الغرب والذي يمر في الأراضي الروسية وروسيا البيضاء وأوكرانيا، والنهر في غاية الأهمية لنقل السلع والفحم الحجري.

قد تبدو الاستثمارات الروسية في هذه البؤر رخيصة، لكنّها فاعلة نسبيًا، وتلجأ روسيا إلى تنشيطها، حين تجد نفسها محاصرةً، كما هو الحال في الوقت الراهن، للضغط على الطرف الأميركي، وضمان مشاركتها في الاتفاقيات والمفاوضات المقبلة، للحصول على نصيبها.

وتدرك روسيا جيّدًا حجم المخاوف الأوروبية والأميركية نتيجة تنامي قدرات داعش. لذا، لجأت إلى استخدام هذه الورقة الرابحة، ومحاولة الظهور بدور المخلّص، مع أنّها فضلت مهاجمة مواقع المعارضة السورية بداية. وقد اعترف حلف الناتو، أخيراً، بضرورة توجيه قدراته، للحيلولة دون قيام داعش والتنظيمات الجهادية بعمليات إرهابية في أوروبا، كما صرّح سورين دوكارو نائب السكرتير العام للحلف. كذلك اعترف الناتو بعحزه عن مواجهة أزمة تدفق الوافدين واللاجئين إلى أوروبا. لذا، قبل بتقديم الفرصة المتاحة لروسيا لمهاجمة داعش، وقد بات وجودها العسكري في سورية أمرًا واقعاً يصعب تجاوزه.

العربي الجديد

 

 

 

روسيا بعيون “حزب الله”: حليف مع وقف التنفيذ/ سامي خليفة

عندما يتكلم بعض المقربين من “حزب الله” عن النظرة إلى روسيا راهناً يصفونها بالصديق المزعج. التراكمات عبر التاريخ خصوصاً العلاقة غير المستقرة مع طهران، والتنسيق مع إسرائيل، واستراتيجية عدم التصادم مع الغرب، والتصويت ضد الحوثيين في اليمن، بنت جداراً عالياً من الشكوك وعدم الثقة.

اتسمت نظرة “حزب الله” في الثمانينات للاتحاد السوفييتي بالعداء المطلق. الشيوعية بنظرهم لم تكن مجرد خطر عابر، بل مصادمة مع الدين والعقيدة، وعليه تم تشبيهها بالسموم التي تفسد الدين، والتي بإمكانها أن تشكل خطراً إنقلابياً داخل إيران عبر حزب “تودة” ذي التوجهات الماركسية.

في هذا الوقت، انتقلت الخلافات الفكرية إلى لبنان على شكل صراع مفتوح، بين “حزب الله” والشيوعيين اللبنانيين لأسباب دينية وسياسية وعسكرية، خصوصاً أن عدداً كبيراً منهم كان ينتمي للطائفة الشيعية، وبما أن “حزب الله” كان يسعى لإحكام قبضته على الطائفة وإحتكار المواجهة مع إسرائيل، رأى أن العدو الأول هو “الفكر الضال”، وعليه مارس كل أنواع الإضطهاد والتهجير وصولاً الى الاغتيال..

مواقف الخميني والتيار الإسلامي في إيران من الشيوعية أوصلت العلاقات بين الطرفين إلى الحضيض، ولذلك دعم الإتحاد السوفييتي العراق في الحرب العراقية – الإيرانية. هذه التطورات بالإضافة إلى  اشتعال أزمة دبلوماسية بين البلدين بسبب ما تردد عن تورط دبلوماسيين سوفييت في التجسس على إيران، دفعت “حزب الله” إلى إطلاق لقب “الشيطان الأصغر” على الإتحاد لإشتراكه مع “الشيطان الأكبر” أي الولايات المتحدة في “تدمير الأمة”.

التطورات الجيوبوليتيكية والاستراتيجية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتطوير علاقة متوازنة بين إيران وروسيا الإتحادية كوريث شرعي وقانوني للاتحاد على الصعيد الدولي والتعاون بين البلدين لحل أزمات بلدان كثيرة كالبوسنة والهرسك وأرمينيا – أذربيجان وغيرها، فرضت عل “حزب الله مراجعة نظرته وموقفه الأيديولوجي من روسيا وإلغاء “الشيطنة”، وفتح صفحة جديدة تميزت بالتهدئة والإبتعاد عن المواقف السلبية. لكن هذا الاطمئنان لم يطل حيث أن اتباع بوريس يلتسين لسياسة تصالح مع الغرب والتعاون، بدءاً من أمن أوروبا، ووصولاً إلى الأمن العالمي، أعاد الحذر إلى نظرة “حزب الله” تخوفاً من اتباع موسكو سياسة معادية من إيران وحربه مع إسرائيل.

النظرة إلى روسيا في عهد بوتين وميدفيديف بين عامي 2000 و2010 تأرجحت صعوداً ونزولاً، ومع تحسن العلاقات بين إيران وروسيا لحفظ التوازن في منطقة وسط اسيا والتقارب في وجهات النظر حول ملفات الشرف الأوسط والتنسيق لمنع انهيار منظمومة أمن بحر قزوين، وتطوير العلاقات الإقتصادية والعسكرية، تعامل “حزب الله” بإيجابية مع الصديق الجديد وفُتحت منابر إعلام الحزب للشخصيات الدبلوماسية والمحللين الروس، لكن حسابات موسكو الجيوسياسية، وتأخير شركة “أوتومسترو إكسبورت” في إكمال مشروع تشييد محطة بوشهر، وعدم شحن صواريخ s300، وتبني قرارات فرض عقوبات ضد إيران في مجلس الأمن الدولي، دفع القيادة الإيرانية و”حزب الله” إلى شن هجوم لاذع ضد موسكو بين الفترة والأخرى، وسط تخبط في رسم صورة للعلاقة المستقبلية معها.

تأييد روسيا القوي للنظام السوري عند بداية الأزمة السورية تلقاه “حزب الله” بكثير من الغبطة والتبشير بأن موقف روسيا سيحمي المنطقة، ويكسر الأحادية القطبية لواشنطن وإنهاء دورها في المنطقة، لكن رياح السياسة الروسية لم تجرِ كما يشتهيها الحزب في اليمن، لأن حاجة روسيا إلى علاقات متوازنة مع القوى العربية الفاعلة جعلها ترفض استخدام حق النقض ضد أي قرار عربي في مجلس الأمن، ما أثار غضب “حزب الله”، حيث لم يتوانَ المقربون منه عن وصف روسيا بأنها دولة بلا أخلاق تضحي بالحلفاء والشعوب المضطهدة من أجل مصالحها.

انطلاق العمليات العسكرية الروسية مؤخراً في سوريا أشعر “حزب الله” بفائض القوة. وتشير مصادر مقربة منه لـ”المدن” إلى أن هناك ارتياحاَ لسير العمليات العسكرية، وتفاؤلاً واضحاً، لكن في المقابل ثمة حذر لدى البعض في الدوائر الضيقة، إذ تؤكد المصادر نفسها بأن هناك من يفضل التمهل في اتخاذ المواقف لأن تجارب العلاقة مع موسكو مليئة بالمفاجآت والحديث الأخير عن التنسيق وتشكيل فريق عسكري روسي – إسرائيلي بشأن سوريا لا يبشر بالخير، وثمة من يهمس بأن “موسكو يمكن أن تبيعنا عند أي منعطف” ما يحتم التعامل بحذر وعدم الإنجرار خلف العواطف.

المدن

 

 

 

روسيا وسيطاً بين السعودية وإيران/ أحمد مغربي

فلننس التشبيهات كلها. لا روسيا بوتين هي الاتحاد السوفياتي غابر المجد والزوال، ولا أنقرة رجب طيب أردوغان هي “الباب العالي” جامع جيوش المسلمين لتحارب “الكفرة الروس” في حرب القرم التي سبقت الحرب العالمية الأولى.

فلننس التشبيهات كلها. ليس باراك أوباما رئيساً عربيّاً ليكون “التخاذل” حجة عربيّة عليه (بما فيه التوصّل إلى الاتفاق النووي مع طهران)، ولا الزمن هو الحرب الباردة التي توزع الدول بين معسكرين متناقضين يكون الانضمام الى طرف فيها هو عداء للمعسكر الآخر.

مع تلك البديهات كلها، يكفي تذكّر أن “حرب السوخوي” الروسية في روسيا، سبقها “موسم الهجرة (الخليجيّة) إلى الشمال (الموسكوفي)”، وتلاها “موسم” مُشابِه تقريباً تلاقت فيه خطى وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ووزير خارجيته عادل الجبير، مع زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وكلاهما اجتمع مطوّلاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي على البحر الأسود. (للتذكير، السعودية ودول الخليج ما زالت في تحالف مع واشنطن، بل إن علاقتها مع الولايات المتحدة فائقة المتانة).

وبالترافق مع تلك الحوادث، تبرز موافقة أميركيّة ناطقة على الجهد الاستراتيجي الروسي في لقاءات وزارية (بوتين ولافروف عند بداية القصف الروسي نموذجاً)، وموافقة تواصل بين عسكر البنتاغون والكرملين، وموافقة صامتة على ضرب معارضة سوريّة مقاتلة كـ”النصرة” و”أحرار الشام”.

وتبدو إيران شبحاً حاضراً في خلفية تلك التحرّكات، خصوصاً في لقاءات “سوتشي” التي برز منها تقاطع روسي- خليجي على عدم الإصرار على أن يكون إسقاط النظام السوري، خصوصاً رأسه الديكتاتوري بشار الأسد، شرطاً لانطلاق الحل السياسي، بل حتى التقاطع القبول بمرحلة انتقاليّة “تفضي إلى إسقاط الأسد”.

وتقاطع قصف الطيران العراقي لموكب رأس “داعش” أبو بكر البغدادي في الكرابلة العراقيّة، مع الحديث عن مركز تنسيق في بغداد يضم إيران، وهي طرف مقاتل مع الروس في سوريا.

بذا، يصل الكلام إلى سؤال ربما بات مستطاعاً التفكير فيه: هل تكون روسيا وسيطاً بين السعودية وإيران؟

يأتي السؤال من بداهة أن “حواراً ما” (مع الإشارة إلى سيناريوهات مختلفة لذلك النوع من الحوار بين قوى اقليميّة متصارعة)، بين طهران والرياض يمثّل شرطاً شبه إجباري للحل في سوريا. لعل الاستدراك الرئيسي هو ضرورة حضور أنقرة أيضاً، إضافة إلى دول عربيّة يملك بعضها علاقات متفاوتة مع الرياض، لكن ذلك لا يمنع السعودية من أن تكون الثقل الرئيسي في تمثيل حضورها في حل الأزمة السوريّة.

لماذا الاشتراط يتعلق بتركيا والعرب، وليس بواشنطن وأوروبا؟ الجواب سهل نسبيّاً. تمثل واشنطن القوة الكبرى دوليّاً، مهما نظّر البعض لارتباكها و”ضعفها” في الشرق الأوسط. ربما يصح الحديث عن الارتباك والضعف الاستراتيجي، لكن ليس بالمنظار العربي الذي ينتشر كالفطر في الإعلام العربي. الأرجح أن البداية مع واشنطن تكون بالانطلاق من كونها القوة الكبرى عالميّاً، فيكون الحديث عن الضعف والارتباك وحال المؤسّسة السياسيّة في واشنطن وغيرها، انطلاقاً من ذلك المستوى الاستراتيجي. واستطراداً، يعني ذلك أن النقاش عن واشنطن يحتاج نقاشاً منفصلاً.

وليس مجازفة كبرى القول بأن الاتحاد الأوروبي هو عملاق سياسي واقتصادي، لكنه واهن القوى عسكريّاً. تبدو الجملة السابقة تعسفيّة لأنّها شديدة التعميم، لكنها ربما تنجح في وصف ملمح أساسي في حضور أوروبا في الأزمة السوريّة، وربما معظم التعقيد السياسي الراهن في الشرق الأوسط.

ومع اتفاق نووي عقدته واشنطن مع إيران، بمشاركة الاتحاد الأوروبي ودوله الوازنة (خصوصاً فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، إضافة إلى روسيا والصين؛ ترتسم مساحة دوليّة مؤاتية لجهد روسي في الوساطة بين طهران والرياض، خصوصاً أن أوروبا صارت تلهج بأشياء كـ”أزمة المهاجرين” و”تأثير الحرب بين السنة والشيعة في أوروبا” وما يشبه ذلك.

إذاً، هل تستكمل “حرب السوخوي” بوساطة روسيّة بين مركز وازن أساسي لدى السنّة العرب وبين طهران التي ينظر إليها كحصن لنوع مؤثّر من الشيعيّة السياسيّة التي تملك وزناً حاضراً في الأزمة السوريّة؟ لم لا؟ ألا يكاد أن يشفّ عن ذلك حديثُ بوتين عقب لقاءات “سوتشي”، عندما تكلم عن أولويّة الحل السياسي، والتقارب في الرؤى مع السعودية والخليج بشأن سوريا، واستبعاد قتال العسكر الموسكوفي في البر السوري (بمعنى المشاركة المقاتلة على الأرض، وعدم الاكتفاء بالدعم الجوي الذي “يشبه” الدعم الجوي الأميركي في العراق)؟

المعارضة المعتدلة: وجه غائب

تقاطعت ضربات الطائرات الروسيّة مع النقاشات الصاخبة عن سوريا في الأمم المتحدة، لإبراز معضلة الوجه الغائب للمعارضة المعتدلة. وفي ضجيج البيانات المؤيّدة والمعترضة التي تلت أولى ضربات الطائرات الروسيّة لمواقع المعارضة المسلّحة، تكرّر صمت كان مدوّياً في نقاشات الأمم المتحدّة: لا إسم للمعارضة السوريّة المعتدلة. على المنبر الأممي، سمّى الرؤساء والرسميّون الأشياء بأسمائها (دولاً وتنظيمات)، لكنهم لم يسمّوا مَن المقصود بـ”المعارضة السوريّة المعتدلة”. وتكرّر الأمر عينه بعد غارات روسيّة غير مسبوقة تاريخيّاً في سوريا، على الأقل ضمن ما هو معلن ومعروف.

هناك ثنيات كثيرة في ذلك الغياب. إذا توافق وزير الخارجية جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، على “سوريا علمانية وموحّدة”، هل تكون المعارضة المعتدلة هي تلك التي تتوافق مع ذلك الهدف؟ إذا كان الأمر كذلك، لا بد من الإشارة إلى صعوبة تحديد “العلماني” و”الموحّد” في الحال السوريّة. إذ يمكن أن يمتد العلماني من فصل الدين عن الدولة كمؤسّسة للوطن، ليمر بالمساواة في المسافة بين الدولة والأديان، والتخلي عن الدين كليّاً. الأهم هو: هل يقصد من ذلك أن نظام الأسد هو “علماني”؟ من الناحية النظريّة، من المستطاع إدراج حزب البعث ضمن علمانية ما، لكن ممارسته الفعليّة في سوريا (وكذلك العراق، وهو أمر مثير تماماً) أثبتت أنه كان معبراً إلى تسلّط أقلوي مكشوف، هو أبعد ما يكون عن أي “شبهة” بالعلمانيّة! مجدداً، هل اتفق كيري ولافروف على أن نظام الأسد علماني؟

من هو “الموحّد” سوريّاً؟ هل يندرج فيه نظام الأسد الذي مزّق النسيج الوطني السوري بقمع تستعد العيون الغربيّة لرؤية جزء منه حاضراً عبر “العملية قيصر: في قلب آلة الموت السوريّة”؟ هل مَن يتبنّى نظرية “حلف الأقليّات” يصنّف ساعيّاً لوحدة الوطن السوري؟

ثمة ثنية اخرى. دافعت روسيا عن ضرباتها بالقول إنها استهدفت مواقع متطرفين. لكن ضرباتها التي تمركزت حول حمص وريفها، لم تظهر ذلك الأمر. حتى لو جرى القبول بالتبرير الروسي لتلك الضربات، يبقى “جيش الفتح” الذي قالت روسيا أن طائراتها استهدفته، مسألة إشكاليّة. إذ يتألّف الجيش من تحالف “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”. هل الطرفان متطرّفان، على رغم المسافة الفاصلة بين “أحرار الشام” و”تنظيم القاعدة” الذي تبايعه “النصرة”؟ مع الإشارة إلى أن أميركا لم تقطع مفاوضاتها مع تنظيم “القاعدة” رغم حربها عليه!

ولعل تقليص أميركا خلافها مع روسيا على مسألة قصف تنظيم/ تنظيمات غير محسومة الهويّة لدى أميركا نفسها (إشكالية تدريب البنتاغون لمعارضين ثم انضمامهم إلى “النصرة”، مثالاً عن ذلك)، يزيد أيضاً في التفكير في مسألة المساحة الدوليّة المتاحة لوساطة روسيّة بين السعودية وطهران، في سياق تركيب آلية فعليّة لاطلاق حل سياسي في سوريا.

المدن

 

 

 

 

المواجهة السعودية الروسية في سوريا تستدعي ذكريات موسكو المؤلمة

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

بعد نشر أصولها البرية والجوية في جميع أنحاء روسيا. دخلت روسيا إلى اتفاق مع زعماء الشيعة من إيران والعراق لتنسيق الجهود العسكرية.

على منصة الأمم المتحدة، بدا الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» كما لو كان قد انتزع ببراعة مفاتيح القوة في الشرق الأوسط. ولكن يبدو أن «بوتين» نسي مخاطر سعيه نحو الهيمنة، والأهم من ذلك أنه نسى تاريخ روسيا مؤخرا بالتدخل في العالم الإسلامي. إذا أخذنا الماضي مؤشرا، فيبدو أننا في انتظار أحداث دموية.

الرئيس الأمريكي «باراك أوباما»، الذي يبدو بمظهر أضعف بعد استعرض العضلات الروسي في سوريا، حذر مؤخرا من أن الكرملين قد يكون متجها تحو مستنقع. هناك بلا شك شيء من المرارة يظهر هنا ولكن «أوباما» لديه الحق في نقطة، عشرات الفصائل السنية يقاتلون الآن في سوريا على حد سواء الجهاديين والمعتدلين. وهم الآن مجمعون تقريبا على الغضب من التوجه الروسي لدعم« الأسد»، وكذا داعميهم الماليين في دول الشرق الأوسط. وقد أعلنت المملكة العربية السعودية علنا رغبتها في إنهاء الغارات الجوية الروسية.

على السطح، فإن الأمور بين روسيا والسعودية تبدو ودية بما فيه الكفاية. في يوليو/ تموز، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستستثمر ما يصل إلى 10 مليارات دولار في المشاريع الروسية الزراعية ومشاريع الأدوية والخدمات اللوجستية وقطاعات العقارات. هذا الصيف، وقع البلدان اتفاق تعاون للطاقة النووية، يرافقه تقارير عن صفقات أسلحة محتملة قادمة.

وفي الوقت نفسه، فإن الحرب الاقتصادية السعودية ضد روسيا لا تزال جارية أيضا. في حين أن إيران هي الهدف الأساسي، فإن الروس هم من يتحملون العب الأكبر في هذه الحرب. في عام 2014، عندما أصبح من الواضح أن روسيا وإيران تلتزمان بشكل متزايد بدعم «الأسد» في سوريا، فقد رفضت المملكة العربية السعودية تقليص المعروض في أسواق النفط. وقد أضر هذا كل من موسكو وطهران اللتين تستند ميزانيتاهما على أسعار 90 دولارا و72 دولارا للبرميل على التوالي، في حين أن النفط يقبع حاليا عند سعر 45 دولارا للبرميل.

وكما قال أحد الدبلوماسيين السعوديين حول هذه الاستراتيجية الاقتصادية، «إذا كان النفط يمكن أن يكون حلا لإحلال السلام في سوريا، فأنا لا أرى أن المملكة العربية السعودية سوف تتراجع عن محاولة للتوصل إلى اتفاق». ومن غير المرجح أن روسيا، التي تعاني من انخفاض تكلفة النفط، وتعاني أيضا بسبب العقوبات الدولية بعد غزوها أوكرانيا سوف تنظر إلى المناورة السعودية بنية حسنة.

ذكريات أفغانستان

أرباح النفط كانت دوما هي اللعبة السعودية في الماضي. في السبعينيات على سبيل المثال أنفق السعوديون الثروة النفطية الهائلة للتصدي الحكومات الشيوعية والحركات السياسية التي تحظى بالدعم الروسي. وقد فعلوا ذلك مع أكثر من 10 مليارات من الدعم المالي والعسكري للحكومات في مصر وشمال اليمن وباكستان والسودان. وكان للتمويل السعودي بكل خاص دور فعال في دعم مكافحة الاتحاد السوفييتي ومكافحة التدخلات الليبية في أنغولا وتشاد وإريتريا، والصومال.

لم يقتصر الأمر على مجرد استراتيجية للتحصن. غذى السعوديون جيلا من المقاتلين الإسلاميين المتحمسين. السعوديون، الذين كانوا يعارضون بشكل خاص الأيدولوجية الشيوعية الملحدة، قد مولوا في نهاية المطاف 250 ألفا من المجاهدين في أعقاب غزو السوفييت لأفغانستان في ديسمبر/كانون الأول 1979. وبفضل الإلهام والمال السعودي، والخدمات اللوجستية الباكستانية، ومساعدة الولايات المتحدة، تم صب المجاهدين العرب في أفغانستان.

خسر السوفييت ما يقدر بـ­14500 جندي في الحرب الأفغانية خلال عشر سنوات (1979-1989) إضافة إلى العديد من الجرحى. الأهوال التي وقعت على خطوط الجبهة الأمامية لم تكن تصل إلى الشعب الروسي أولا بأول كما أبقى الاتحاد السوفيتي العديد من التفاصيل والوفيات سرية في السنوات الأولى. ولكن في النهاية اضطر الكرملين للتنازل. بعد عقد من خسائر فادحة، انسحب الجيش الأحمر، وسقطت الحكومة الوكيلة له في كابول بعد ذلك بوقت قصير.

وباختصار، فإن آخر مرة عمل فيها السعوديون على إفشال سياسات الروس قد انتهت بنهاية دامية وسيئة لهم. وفي هذه العملية، ولد جيل من المقاتلين الجهاديين في أفغانستان، وزرعت بذور طالبان والقاعدة. ليوم، تلك الجهات ما زالت تعيث فسادا رغم مرور ثلاثة عقود وقد أفرزت أجيالا أكثر راديكالية على شاكلة «الدولة الإسلامية».

من أفغانستان إلى سوريا

بالعودة إلى الحاضر، فإن الجهاديين يستهدفون الروس بالفعل في سوريا. لقد شهدنا بالفعل سلسلة من الهجمات بقذائف الهاون على السفارة الروسية في دمشق على مدى الأشهر القليلة الماضية، فضلا عن عدد من الهجمات الصاروخية استهدفت القاعدة الجوية الروسية جنوب اللاذقية.

هل السعوديون وراء أي شيء من هذا؟ نحن لا نعرف. ما نعرفه هو أن السعوديين قد أرسلوا أسلحة متطورة إلى المعارضة السورية منذ عام 2012 على الأقل عن طريق حلفائهم من القبائل السنية في العراق ولبنان. المستفيدون من السخاء السعودي ليسوا بالضرورة من دافعي الضرائب في سوريا. ولكن وسط ضباب الحرب، يبدو أن جماعات مثل جماعة جيش الإسلام وجيش الفتح قد تكون في المخيم السعودي.

وقد ادعى جيش الإسلام عددا من الهجمات البارزة ضد النظام السوري، بما في ذلك هجوم عام 2012 على مبنى الأمن القومي الذي قتل فيه وزير دفاع «الأسد» ونائب وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي. المجموعة أيضا أصدرت مقطع فيديو مؤخرا أعلنت خلاله الحرب على الجنود الروس في سوريا. وحذر قيادي في أحد جماعات جيش الفتح من أن روسيا تتطلع إلى إبادة قواتها.

من أجل أن تنجح تلك المجموعات الوكيلة فإنها سوف تحتاج إلى رفع تكلفة الضربات من الطائرات الحربية الروسية والسورية. قد طلب المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة أسلحة مضادة للطائرات لفعل ذلك. ومن غير الواضح ما إذا كان سيتم الوفاء بمتطلباتهم. ولكن من المهم أن نلاحظ أن هذا النوع من الأسلحة هو الذي حول مسار الحرب لصالح المجاهدين في أفغانستان في الثمانينيات حين بدأت الطائرات الروسية في السقوط من السماء. الحكومة السعودية أو المقربين من العائلة الحاكمة قد يكونون أقل اهتماما بمعارضة الولايات المتحدة لإرسال مثل هذه الأسلحة إلى سوريا. بعد كل شيء، فإن روسيا في الأساس تقف على عتباتهم.

الحرب المقدسة

وفي الوقت نفسه، فقد أصدر 52 من رجال الدين السعوديين ذوي الثقل بيانا يدين التدخل الروسي على أسس دينية. «عبد الله المحسيني»، وهو رجل دين سعودي في سوريا مرتبط بجبهة النصرة، حذر صراحة أن سوريا ستكون ”مقبرة“ وأفغانستان أخرى لموسكو.

بعبارة أخرى، فإن بعض رجال الدين السعوديين ينظرون إلى هذا الصراع باعتباره صراعا دينيا. وكما لو الجهاديون السنة في حاجة إلى المزيد من الذرائع لاعتبار سوريا مسرح الجهاد المقبل. في الوقت الذي قامت فيه الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في دعم التدخل الروسي في سوريا، واصفا إياه بأنه «معركة مقدسة». ما أعطى رجال الدين السعوديين فرصة للتنديد بالأمر ووصفه بأنه «حملة صليبية».

و من المؤكد أنه ليس هناك أي نقص في الدول العربية السنية التي ترغب في استهداف الروس. العديد من تلك الدول، بما في ذلك قطر والكويت، لديها بالفعل مجموعات على الأرض يمكنهم التعامل معها. من الصعب أن نعتقد أنه لن تتم تعبئة المزيد من الأصول للقيام بذلك، بينما تتشكل العمليات البرية الروسية على الأرض.

المصدر | ناشيونال إنترست

 

 

 

 

رشوة» أميركية للمعارضة السورية/ حسان حيدر

من المتوقع ان ينجز خبراء عسكريون من الولايات المتحدة وروسيا قريباً جداً تفاصيل اتفاق يتيح تلافي الصدام في الأجواء السورية، في تسليم أميركي واضح بأن الحملة الجوية المدمرة التي تشنها موسكو في سورية ستستمر وفي طريقها إلى التوسع، وأن من الأفضل تجنب أي احتكاك يورط واشنطن في ما لا تريد ولا تسعى إليه. وفي المقابل تلقي طائرات أميركية بعض الذخائر إلى المعارضة، في ما يصح اعتباره «رشوة» سخيفة لتغطية التخلي الأميركي الإرادي عن نجدة الثورة السورية.

وكانت الولايات المتحدة ألغت قبل أيام برنامجاً لتدريب معارضين أخضعوا لفحص «سي آي إي» لكشف «الاعتدال»، بعدما مني بفشل ذريع، وأرفقت ذلك بالحديث عن وصول دفعات جديدة من صواريخ «تاو» المضادة للدروع الى مناهضي نظام بشار الأسد لموازنة التدخل الروسي. لكن على عكس ما تشيعه، فإن هذه الصواريخ تسلمها المعارضون في جبهتي إدلب وحلب بشكل خاص، من جهات خليجية قبل سنة تقريباً، وظهر تأثيرها الواضح في التقدم الذي أحرزه الثوار منتصف العام الحالي على رغم غارات الطيران السوري، وهددوا عبره دمشق واللاذقية، ما دفع الجيش النظامي إلى حافة الانهيار وسرّع التدخل الروسي.

وبكلام آخر، فإن دخول صواريخ «تاو» المعركة سابق على انخراط موسكو المباشر فيها، والمعارضة السورية باتت الآن بحاجة إلى أكثر من ذلك، أي إلى صواريخ مضادة للطائرات للحد من التأثير المستجد للطيران الروسي. ذلك أن استمرار موجات القصف الجوي والصاروخي الروسي العنيف، وتأمينه التغطية لعمليات برية وشيكة تشنها قوات من «الحرس الثوري» الإيراني وميليشيا «حزب الله» اللبناني، سيضطر المعارضة في النهاية إلى إعادة الانتشار والتخلي عن مناطق خاضت معارك طويلة ومضنية لانتزاعها.

غير أن القرار الأميركي بهذا الخصوص لا يمكن أن يكون سهلاً، وقد لا يتخذ أبداً. فهو يتعلق بأمن الولايات المتحدة نفسها، لكنه يتعلق أيضاً، وربما بدرجة أكبر من الأهمية بالنسبة الى واشنطن، بأمن إسرائيل. إذ يكرر الأميركيون المخاوف من أنه لو تسرب صاروخ واحد من هذا النوع إلى أيدي مجموعة متطرفة، وهناك منها الكثير في سورية حالياً، لاستخدمته على الفور ضد الطائرات الأميركية والحليفة التي تغير على مواقع «داعش»، أو ضد الطائرات الحربية الإسرائيلية، أو أي طائرة مدنية تقع في مجاله. ولهذا يتشدد الأميركيون في شروط بيع هذا النوع من الصواريخ الى دول حليفة ويحظرون عليها تسليمه الى طرف ثالث من دون موافقتهم المسبقة.

ويعرف بوتين هذه الحقيقة القائمة منذ بداية الانتفاضة السورية، ولهذا اطمأن إلى أن طائراته لن تواجه أي مقاومة مثلما حصل في أفغانستان قبل عقود، بسبب وجود إسرائيل التي نسق عملياته معها تحاشياً لأي صدام عرضي.

لكن المعارضة السورية المعتدلة التي تلح على منحها وسائل التصدي للطيران الروسي ومروحيات البراميل المتفجرة التي يرسلها بشار الأسد، تعتبر هذه الحجة التفافاً أميركياً على طلبها وتهرباً معداً سلفاً من التعاون الفعلي معها، حتى في مستويات أخرى لا تتحفظ واشنطن عنها، وتؤكد أن هدف الأميركيين الحقيقي ليس فقط عدم الصدام مع الروس، بل خصوصاً الاستجابة لرغبة إسرائيل في إنقاذ النظام السوري.

فاستمرار الرفض الأميركي لتزويد المعارضة بما يتيح لها موازنة التدخل الروسي سيؤدي عملياً الى «تعويم» نظام الأسد وفرضه مفاوضاً أساسياً، ليس فقط في المرحلة الانتقالية، بل في ما بعدها، في حال نضجت ظروف التسوية السياسية، وستكون موسكو حققت هدفها بالحفاظ على حليفها وصانت نفوذها في شرق المتوسط، وتكون واشنطن حققت هدف إسرائيل بالحفاظ على حليفها غير المعلن نفسه، وأنجزت خروجها من المنطقة بما يتوافق مع خطة أوباما المعلنة بإنهاء عهده من دون تدخلات أميركية في الخارج.

الحياة

 

 

 

عودة إمبراطورية وصاية الأقليات الروسية/ د. بشير موسى نافع

كما أغلب العالم القديم، كان للمشرق طوال تاريخه ما قبل الحديث نصيبه، بل ما هو أكثر من نصيبه، من العنف والدمار والحروب. اعتدال المناخ، وتنوع الموارد، والموقع الوسيط، جعلت المشرق هدفاً للأمبراطوريات الطامحة، للمغامرين والمسكونين بأوهام الاختيار الإلهي، ولهجرات الأمم والشعوب. ولكن، ومنذ تبلور نظام الاجتماع السياسي الإسلامي، كان صراع الطبقات والقوى الفوقية الحاكمة مصدر أغلب هذا العنف. بخلاف القارة الأوروبية، مثلاً، لم يعرف المشرق عنفاً أهلياً واسع النطاق أو مستديماً، ولا حوادث إبادة وتهجير جماعي، كما وقع للمسلمين واليهود في الأندلس، أو ما عاشته الجماعات الكاثوليكية والبروتستانتية من هجرات متبادلة خلال الحروب الدينية، أو اليهود، مرة أخرى، خلال حقبة الصعود النازي والفاشي. ما أسس للسلم الاجتماعي في الحقبة الإسلامية، كان ما سيعرف في العهد العثماني بنظام الملل.

لم يكن العثمانيون من اخترع النظام، الذي وفر استقلالاً واسع النطاق للجماعات الدينية والإثنية، وما يشبه الإدارة الذاتية لشؤون الجماعات الداخلية، بل هم من أعطوه اسماً وجعلوا منه مؤسسة رسمية ذات تقاليد مكرسة. الحقيقة، أن نظام إدارة الجماعات المختلفة لشؤونها الذاتية، سيما الدينية والتعليمية، تبلور خلال قرون طويلة بعد الفتوحات الإسلامية المبكرة. وربما تعتبر الرؤية التشريعية الإسلامية للاجتماع السياسي اللبنة الأولى لهذا النظام. فبخلاف فكرة التسامح الأوروبية الحديثة، التي تقوم على أساس من تفوق الأغلبية المسيطرة وعطفها على الأقليات، افترض التشريع الإسلامي منذ بواكيره الأولى حقاً أولياً ومبدئياً بوجود الجماعات غير المسلمة في المجتمع الإسلامي. هذا لا يعني بالطبع أن التاريخ الإسلامي لم يشهد حالات اضطهاد وتمييز ضد الأقليات غير المسلمة. ولكن هذه كانت حالات نادرة ومتفرقة؛ مثل السياسة التمييزية ضد المسيحيين التي اتبعها الحاكم بأمر الله الفاطمي، وفترة التمييز القصيرة خلال الحكم المملوكي. والمعروف أن الحاكم بأمر الله اتبع سياسة تعسف واضطهاد لجميع رعيته، بمن في ذلك المسلمون؛ وأن السياسة المملوكية كانت في جوهرها رد فعل على إجراءات الإبادة والتهجير التي اتبعها الحكام الكاثوليك ضد مسلمي أسبانيا آنذاك.

ثمة جدل كبير اليوم حول نظام الملل، ولكن منتقديه يغفلون عن حقيقة أن هذا النظام كان السبب الرئيسي للحفاظ على التعددية الدينية والمذهبية التي عاشها المشرق ولم يزل، وأنه وفر حماية طويلة لهذه التعددية من توجهات الانصهار. كما أن نظام المواطنة الذي أصبح المثال العالمي للاجتماع السياسي هو نظام حديث إلى حد كبير، ويعود في جذوره إلى الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر. والملاحظ، على أية حال، أن بعض الجماعات الدينية في المشرق، كما الكنيسة القبطية المصرية، مثلاً، التي تعلي عادة من قيم المواطنة، تعتمد ممارسات فعلية تعود في اصولها إلى نظام الملل، بما في ذلك سعيها الحثيث لتمثيل الجماعة القبطية وبناء مؤسسة تعليمية موازية لأبنائها.

المهم، أن عملية انهيار نظام الملل، التي استمرت لأكثر من قرن قبل أن تقوم السلطنة العثمانية بالتخلي عنه رسمياً في النصف الثاني للقرن التاسع عشر، صاحبتها حالة انفجار للعنف الأهلي وانهيار السلم الاجتماعي. وهناك من يرى أن هذا العنف وفقدان الاستقرار لم يزالا مستمرين إلى اليوم. ويرتبط تقويض نظام الملل بتصاعد الصراع الدولي على المشرق وولادة نظام الوصاية الأوروبية على الجماعات المشرقية الدينية، مثل الأرثوذكس والكاثوليك والمارون واليهود والدروز. وليس ثمة شك أن سياسات الوصاية وحماية الأقليات، التي تبنتها القوى الإمبريالية الأوروبية مثلت أحد أبرز جوانب صراع هذه القوى على المشرق وتدافعها لوراثة السلطنة العثمانية. أول الإمبرياليات الأوروبية التي بدأت العبث في الاجتماع السياسي العثماني كانت روسيا القيصرية، والسبب خلف ذلك يعود إلى جذور الإمبراطورية الروسية وموقعها الجغرافي.

بدأت المسيحية الأرثوذكسية في الانتشار في الفضاء الذي يعرف اليوم باسم روسيا قبل عدة قرون من فتح العثمانيين لاسطنبول في منتصف القرن الخامس عشر ووضعهم نهاية للإمبراطورية البيزنطية. وقد رأى الأباطرة الروس أنفسهم ورثة بيزنطة، وعاصمتهم وريثة للقسطنطينية، بل وأورشليم جديدة، وتبنوا مباشرة لقب القيصر، الذي كان أصلاً لقب الإمبراطور البيزنطي. خلال القرون القليلة التالية، وبالرغم من أن العثمانيين استمروا في التوسع في شرق ووسط أوروبا، كان القياصرة الروس يعززون من مقدرات الإمبراطورية. في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وفي عهد الإمبراطورة كاثرين، بدأت المواجهة الطويلة والمريرة بين العثمانيين والإمبراطورية الروسية، التي لم تصل نهايتها إلا بعد الانهيار العثماني في الحرب العالمية الأولى.

في 1768، عبر أسطول البلطيق الروسي مضيق جبل طارق للمرة الأولى نحو المتوسط وخاض معركة بحرية كبرى، أوقعت خسائر باهظة بالأسطول العثماني. وبعد ذلك بأربعة أعوام، قصف الأسطول الروسي المدن السورية الساحلية، واحتل الروس فعلاً مدينة بيروت لوقت قصير، دعماً لعلي بك وظاهر العمر في حربهما ضد المركز العثماني. أشر ذلك التدخل ضد العثمانيين إلى بداية الحركة الروسية نحو البحار الدافئة وسعي الروس المستمر للسيطرة على اسطنبول والمضايق العثمانية. ولأن التحرك الروسي اكتسب منذ البداية صبغة دينية، افترض الروس لأنفسهم دور الحماية للأرثوذكس العثمانيين، في الشام والأناضول والبلقان، ووفرت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الغطاء الأيديولوجي لحروب القياصرة. وقد اكتسب هذا الدور شيئاً من المشروعية في نهاية الحرب العثمانية ـ الروسية في 1777 وتوقيع معاهدة قينارقنرجي، التي منحت الروس السيطرة على شبه جزيرة القرم، وجعلتهم للمرة الأولى شركاء في ساحل البحر الأسود، وأسست لدورهم الكنسي في المشرق ومدينة القدس. والحقيقة، أن شرارة حرب القرم، التي تطورت إلى ما يشبه الصدام الدولي، وانتهت بهزيمة الروس في 1856، أطلقت بفعل خلاف روسي ـ فرنسي (أرثوذكسي ـ كاثوليكي) على كنيسة القيامة في مدينة القدس.

عند ذلك الوقت، كان نظام الوصاية الغربي على أقليات المشرق قد أصبح مؤسسة قائمة بذاتها: الروس للأرثوذكس، الفرنسيون للكاثوليك، بما في ذلك المارون، والبريطانيون للدروز، ثم اليهود. وبذلك انفجرت التعددية المشرقية التاريخية في سلسلة لا حد لها من الصراعات الأهلية، التي تسببت في تقويض السلم الاجتماعي العثماني وإضعاف السلطنة في مواجهة الإمبرياليات الأوروبية.

ما يستدعي هذه الذاكرة اليوم كان الخطوة التي اتخذتها موسكو للتدخل العسكري المباشر في سوريا، والدعم الذي تلقاه الرئيس بوتين من الكنيسة الروسية. في لحظة بحث موسكو عن المجد الإمبراطوري من جديد، يتوجه قيصر روسيا الاتحادية ببصره مرة أخرى نحو الجنوب والبحار الدافئة، وتبارك الكنيسة الروسية خطوة بوتين ليس فقط بوصفها بأنها «حرب مقدسة،» ولكن أيضاً بالتأكيد على أن حرب روسيا في سوريا ليست سوى تجل «للدور الخاص الذي لعبته بلادنا دائماً في الشرق الأوسط».

المشكلة في هذا التماهي القيصري ـ الكنسي الجديد أن علاقات المسيحيين العرب الأرثوذكس، الذين يمثلون أغلبية مسيحيي المشرق، بمواطنيهم المسلمين، كانت طوال القرن الماضي علاقات قوية ومتماسكة. وبالرغم من أن المشرق يشهد اليوم تداعياً في علاقات الطوائف والإثنيات، فليس ثمة ما يشوب علاقات المسيحيين العرب الأرثوذكس مع الأغلبية العربية السنية. ولكن سياسة بوتين في المشرق، التي بات يراها كثيرون باعتبارها سياسة تدعم الهيمنة الأقلوية الطائفية (والتصور أحياناً أبلغ أثراً من الواقع)، وتدخل الكنيسة الروسية لتوفير غطاء ديني وأخلاقي لهذه السياسة، قد تتحول إلى مصدر تهديد كبير للعلاقات الإسلامية ـ الأرثوذكسية.

٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

القدس العربي

 

 

 

 

بوتين والسيرك البشري … بين منطق الاشتباك ولغة التعايش/ علي حرب

وأخيراً، حزمت روسيا أمرها، وقررت التدخل العسكري بصورة مباشرة في سورية إلى جانب نظام الأسد. لقد استغلّ الرئيس الروسي بوتين حالة الضعف والتردد لدى الأميركيين والأوروبيين، فأنزل جيوشه وأقام معسكره على الأرض السورية لمحاربة التنظيمات الإرهابية، وكما هي دوماً ذريعة التدخل من جانب جميع اللاعبين.

ومع أنه كانت لهذا التدخل السافر مقدماته، كما تشهد الفيتوات الروسية في مجلس الأمن ضد المقترحات لحل الأزمة السورية، فإنه شكل حدثاً غيّر قواعد اللعبة على المسرح السوري والإقليمي. فكيف نقرأ دلالات هذا الحدث وأبعاده ومفاعيله؟ إنه رسالة لكل اللاعبين الآخرين، أكانوا حلفاء وأصدقاء أم خصوماً وأعداء.

هو اولاً رسالة لإيران تقول لها إنها فشلت في مهمتها. فبعد أكثر من اربع سنوات من دعمها نظام الأسد بالسلاح والخبراء والأموال الطائلة، فضلاً عن تسخير «حزب الله» وبقية الميليشيات الشيعية الآتية من كل حدب وصوب، كانت النتيجة وصول النظام الأسدي إلى حافة الانهيار.

لذا أخال بوتين يقول للإيرانيين أنتم لا تنقذون نظام الأسد ولا تمنعون سقوطه كما يدعي ساستكم وجنرالاتكم. انا أقوم بذلك، فقفوا ورائي وادعموني بعد إخفاقكم الذريع في مشروعكم.

وإذا شئنا أن نقرأ الوجه الآخر للمسألة، في ما يتعدى التحالف بين روسيا وإيران، قد يكون للتدخل الروسي مفاعيله الإيجابية، عربياً، على المدى الطويل، بقدر ما يضع حداً للأخطبوط الإيراني برأسه وأذرعه في غير بلد عربي.

ولهذا فإن التدخل الروسي هو، في الوقت نفسه، رسالة للسعودية ولتركيا، في آن، مفادها بأن كلتيهما عجزتا عن مجابهة التوسع الإيراني في سورية والعراق ولبنان. هنا أيضاً أخال بوتين يقول للسعوديين والأتراك لقد اعتمدتم على الأميركيين، ولكن من غير جدوى. الأجدى أن نجلس معاً لكي نتباحث في إيجاد الحلول للأزمات المستعصية (هذا ما حصل فعلاً، إذ قام ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بزيارة إلى روسيا للتباحث مع الرئيس بوتين في شأن الأزمة السورية).

أنتقل من ذلك الى الوجه الآخر من الرسالة. فهي موجّهة بالدرجة الأولى إلى أميركا وأوروبا، بأن لا حلول في المنطقة من دون روسيا. ولعل ما فعله بوتين في سورية يشبه ما فعل الحوثيون في اليمن. فقد استغل هؤلاء، بالتواطؤ مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، الدور المشبوه الذي كان يقوم به مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى اليمن، تحت شعار المباحثات، لكي يخرجوا من صعدة ويستولوا على صنعاء، ثم يتابعون زحفهم نحو عدن.

وكانت النتيجة أن دول الخليج دفعت ثمن ترددها: انخراطها في هذه الحرب الضروس التي تخوضها من اجل ارجاع الأمور إلى نصابها المشروع في اليمن. كذلك الحال بالنسبة إلى الدول الغربية، فإنها سوف تدفع ثمن ترددها الذي جعل بوتين يضرب بعرض الحائط كل ما كانوا يقولونه، في أروقة الأمم المتحدة، لكي يقدم على غزو سورية، فيما هم عاجزون أو غافلون.

ولكن، هل سينجح بوتين في مهمته، أم يغرق في أتون حرب يُعرف متى تبدأ ولا يُعرف كيف تنتهي؟

التجارب المريرة شاهد كبير، فقد غرق أسلاف بوتين السوفيات في متاهات الحرب الأفغانية ووقعوا في أفخاخها لكي يخرجوا مهزومين. وهذا ما تشهد به أيضاً تجربة الأميركيين في أفغانستان وفي العراق. فالحرب على المنظمات الإرهابية قد أفضت بها إلى أن تزداد قوة وانتشاراً، ما يشهد على فشل الإستراتيجية الأميركية وعلى تخبّط أصحابها بين المواقف المتناقضة.

من هنا فإن مغامرة الرئيس الروسي هي مثار التساؤلات والمناقشات من جانب أكثر الذين يتناولونها بالقراءة والتحليل.

فما الذي يريد بوتين حقاً؟

هل يريد محاربة التنظيمات الإرهابية كما يدعي؟ لكن ذلك لا يتم بالتحالف مع دول وأنظمة وقوى تعد من صنّاع الإرهاب ورعاته؟

هل يريد انقاذ نظام الأسد، بعد كل هذه الأنهار من الدماء التي سالت في سورية والتي يُسأل عنها النظام نفسه؟ هل من داس على كل القيم والشرائع والمواثيق، يمكن أن يساهم في إخراج الشعب السوري من الجحيم الذي زجه فيه؟

هل هو يخوض حرباً مقدسة كما تعلن الكنيسة الأرثوذكسية؟ مثل هذا الإعلان يؤلب ضده العالم الإسلامي بأكثريته السنية، بقدر ما يجعل كل سني يتعامل مع تنظيم «داعش» بوصفه المنقذ.

هل يريد بوتين الثأر من الدول الغربية التي استبعدته من الحل في ليبيا؟ ولكن أين هو الحل؟ إن التدخل هناك أفضى الى ما تشهده ليبيا من الفوضى والعنف والخراب.

هل يريد كسر شوكة أميركا التي دعمت أوكرانيا في سعيها إلى الإنشقاق عن بلده، لفتح عهد جديد تكون فيه روسيا اللاعب الأبرز على الساحة العالمية؟ ولكن، قد ولى الزمن الأحادي التي تسيطر فيه دولة على العالم مهما علا شأنها. من هنا فإن محاولات الهيمنة و «التشبيح» الإستراتيجي، التي تصدر عن هذه الدولة أو تلك، أكانت كبيرة أم صغيرة، مآلها الفشل الذي تشهد عليه علائم التخبط والتورط والتواطؤ التي تسم سياسات اللاعبين على الساحة الدولية، وبالأخص في المنطقة العربية.

نحن إزاء مطالب مستحيلة، وإذاً مدمرة، سواء ما اختصّ منها ببقاء النظام أم بالحرب المقدسة أم بالتحالف الرباعي الجديد مع ايران وأتباعها من العرب؟

هل الحل إذاً هو ما تقترحه الدول الغربية؟ لا شك في أن ما قاله أوباما، في شأن مرحلة الانتقال التي تحتاج برأيه إلى «قيادة جديدة» في سورية، هو حل له معقوليته، وإن كان الشك يظل قائماً في صدقية ما تقول اميركا أو تعلنه.

وهذا ما يصدق في شكل خاص على الإستراتيجية الروسية. والدليل أن بوتين أكد أثناء وجوده في الأمم المتحدة، بأن مصير الأسد لا يقرره الرئيس الأميركي ولا الرئيس الفرنسي، بل الشعب السوري. لكنه سرعان ما نقض قوله ومسح كلامه، بعد عودته من نيويورك الى بلده، إذ أجاز لنفسه ما رفضه لغيره: التدخل في سورية لإنقاذ نظام أباد مئات الألوف من الشعب السوري عبر استخدام البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية، كل ذلك تم تحت نظر الرئيس الروسي وبدعم منه. ويالها من مفارقة فاضحة أن يتكلم بوتين على «الشعب السوري»، فيما هو يدافع عن رئيس فتك بشعبه قتلاً وتعذيباً أو تشريداً وتهجيراً. فأين هو الشعب السوري الذي يطالبه بوتين بتقرير مصيره!

الأجدى أن لا يندفع بوتين في مغامرته العسكرية التي لا أفق لها، والتي سوف تزيد الأمور تعقيداً وتأزماً. الأجدى ان يعود الى صوابه، فيتعقل ويقرر وقف الأعمال الحربية، في الأجواء السورية. عندئذ يكون تدخله بمثابة فرصة تفتح الإمكان أمام جميع اللاعبين والمعنيين، لكي يجلسوا على الطاولة، لا للبحث عن أدوار وحصص، أو لوضع صيغة جديدة لقواعد اللعب والاشتباك، بل لإيجاد حل لمأساة الشعب السوري أساسه مجابهة العدوين المتواطئين على خراب سورية، كما يعرف الجميع ذلك ويتجاهلونه: النظام الديكتاتوري والإرهاب الأصولي.

ولا ينخدعنّ بوتين بالألقاب الإمبريالية والفاشية التي يحاول تلبسها، كلقب «القيصر» الذي يطلقه عليه أنصاره في روسيا، أو لقب «أبو علي» الذي يخلعه عليه بعض العرب الذين رحبوا بغزوه لسورية، وكان العرب من قبل قد خلعوا هذا اللقب على النازي أدولف هتلر.

فليتعظ بوتين، لا شيء يعود الى الوراء كما كان عليه، إلا إرهاباً وخراباً. لقد ولى زمن البطولات التي دفع ثمنها العرب وســائر البشر أثماناً باهظة، في غير حرب أو مغامرة، كانت خلاصتها أن نصنع بطلاً لندمر بلداً، أو نعبد قائداً لنبيد شعباً، أو نقدس شعاراً لنشبع فقراً، أو نؤله حاكماً لكي نحصد توحشاً وبربرية.

أياً يكن، من غير الممكن معالجة المشكلات بالعقليات والأفكار التي ساهمت في إنتاجها. لذا لا حل ما دام الجميع يتعاملون مع سورية، وسواها من البلدان العربية، بوصفها غنيمة، أو ساحة للعب، أو موقعاً استراتيجياً لممارسة الهيمنة وبسط النفوذ.

لا حل ما دام كل لاعب أو فاعل، من الكبار والصغار، يفكر بمصالحه أو تحركه هواجسه، سواء اختصّ الأمر بأميركا وروسيا أو بإيران وتركيا وأوروبا. ولا أنسى الصين التي دخلت مؤخراً على مسرح الصدام و الاشتباك، لتحصل على قسم من الكعكة.

لا شك في أن العالم قد تغير وتغيرت معه مفاهيم الحقوق والعلاقات بين الدول. ففي عصر تتشابك فيه المصالح والمصائر على الساحة العالمية، بات من الجائز للواحد أن يتدخل في ما يحدث من أزمات وانفجارات خارج بلده، لكي يساهم في تركيب الحلول أو صوغ التسويات.

لكن التدخّل الفعال والبناء لا يتم بعقلية الانفراد أو الصدام أو الانتقام، ولا بمنطق ازدواج المعايير أو انتهاك القيم. فذلك لن يساهم إلا في انتاج ما ندعي محاربته من إرهاب أو استبداد أو فساد.

وما نحن فيه من بربرية يشهد علينا، بأن الأصل في ما نفكر فيه ونقوم به هو الخداع والتلاعب أو الطمــع والإقــصاء أوالقوة والغلبة…؟

أما من أمل بابتكار قواعد جديدة لتدبير الشؤون وتسيير الأمور في هذا السيرك البشري؟

أما من سبيل لفك منطق الصدام وقواعد الاشتباك، للعمل على خلق الإمكان للاعتراف والتعايش أو للتداول والتبادل، سواء على مستوى وطن أو على مستوى العالم؟ وإلا بماذا نتميّز عن الحيوان، هل باستخدام طاقتنا الفكرية لقتل بعضنا بعضاً، بالدبابات والطائرات والصواريخ العابرة، فضلاً عن الغازات السامة والمفاعلات النووية وسواها من اسلحة الدمار الشامل؟ هل أقول «سيرك بشري»، مع فارق أن هذا السيرك أكثر وحشية من السيرك الحيواني؟

* مفكر لبناني.

الحياة

 

 

 

الحرب بالوكالة» في سورية تستدرج سباقاً إلى الرقّة/ عبدالوهاب بدرخان

لا يحتاج فلاديمير بوتين الى مَن يقول له أن خطته في سورية «خاطئة» أو «وصفة كارثية» أو معطّلة لأي «حل سياسي»، كما لا يحتاج الى مَن يخبره بأن الحرب التي بدأها لن تتوصّل الى القضاء على الإرهاب بل لعلها تضاعف مخاطره، فهو يعرف كل ذلك وربما يقدّر عواقب استراتيجيته على سورية وحتى على العراق، لكنه مهتم فقط بالمقامرة التي يديرها مع الولايات المتحدة، ولديه شعور بأن ثمة ما يمكن أن يكسبه منها. وضع «القيصر» في حسابه أن الخصم الاميركي – الاوروبي لا يريد الانجرار الى تصعيد عسكري في سورية، وللتأكد من ذلك كان الاحتكاك المبكر بتركيا، فوصلت الرسالة الى حلف الأطلسي وجاء الجواب بأن «الناتو» معني بحماية تركيا، أي أنه لا يزال غير معني برعاية أو حماية أي دور لها في سورية. لذلك لم يبقَ لرجب طيب اردوغان، استبعاداً للخطر، سوى التذكير بـ «الصداقة» بين تركيا وروسيا. لكن بوتين لا يستطيع المراهنة على انعدام لانهائي للخيارات الاميركية والغربية.

كان ذلك هو الاختبار الأول للتصعيد في سورية، ولتمكّن بوتين من أن يحصل على تحييد موقت وجزئي لتركيا، موقت لأن المواجهة لا تزال في بدايتها، وجزئي لأنه لن يمنع أنقرة من مواصلة تقديم الدعم العسكري للفصائل المقاتلة في سورية. لكن حليفي موسكو في طهران ودمشق يعتبران هذا «التحييد» معطىً مهماً يمكن أن يبنيا عليه، وقد رأى رئيس مجلس الشورى الايراني، مثلاً، أن التفجيرين الأخيرين في أنقرة «جزء من الأزمة التي تعصف بالمنطقة». وإذ يرتاب الأتراك بأن «أطرافاً خارجية» تعمل على وضع تركيا وأمنها في سياق تلك «الأزمة» فإن معلوماتهم وشكوكهم أصبحت تساوي بين اتهاماتهم لتنظيم «داعش» وبين ضلوع «حزب العمال الكردستاني» في دور إيراني – أسدي. واللافت أن يكون هناك تناغم بين عمليات الطرفين («بي كي كي» و»داعش») لا يمكن أن يفسّر فقط باستغلالهما الظرفي للثغرات الأمنية بل بوجود جهة تخطّط وتحرّك، ولديها أهداف بعيدة المدى.

في أي حال، لم تعد طهران ودمشق تكتفيان بتسويق التدخل الروسي كعامل حاسم لمصلحة نظام بشار الاسد، بل راحتا تتحدّثان عن تغيير وجه المنطقة وخريطتها. أي أن مخططات الملالي عادت للانتعاش بعد مرحلة رمادية امتدّت لشهور واضطرّت خلالها ايران للظهور بمسلك «دولة مسؤولة» تستحق أن يُبرم «اتفاق نووي» معها، ومرحلة تخللتها هزائم للنظام في سورية ومعوقات قنّنت مشاركة ميليشيات «الحشد الشعبي» في الحرب على «داعش» في العراق مع اصرار اميركي على دور للعشائر في تحرير الأنبار والموصل، بل شابتها أيضاً حرب في اليمن فرضت تراجعاً على طموحات النفوذ الايرانية. وعلى رغم أن طهران كانت موافقة على طلب بغداد – نوري المالكي تدخلاً اميركياً لمواجهة انتشار «داعش»، إلا أنها لم تنجح في توجيه هذا التدخل أو في تحويله فرصة لها، لذا استكانت لجعله حافزاً للاميركيين في مسار التفاوض على الملف النووي ورفع العقوبات. وفيما كان الاميركيون والايرانيون يكثرون من مظاهر «تطبيع» تلقائي يسري في ما بينهم، كانت طهران وموسكو تناقشان خطط «ما بعد الاتفاق النووي»، ومنها على الأخص رفع درجة التدخل الروسي، وتغيير قواعد الحرب على الارهاب في سورية والعراق. وبعدما تأكد المرشد علي خامنئي بأن العمليات الروسية بدأت فعلاً ضد المعارضة في سورية عاد فجدّد حظر أي اتصال بالاميركيين خارج ما يتعلّق بتطبيق الاتفاق النووي.

في حدود ما هو معروف عن العمليات الروسية، حتى الآن، فإنها شديدة الارتباط برغبات نظامَي الأسد وأيران. وفي الجهة المقابلة لم يسجّل سوى المزيد من التحليل والتنبؤات بفشل روسي، غير أن الإفصاح عن تسليح أميركي لمجموعات معينة من المعارضين السوريين يشير الى نقلة نوعية في الردّ على التدخل الروسي. ثمة مؤشرات لتبدّل متسارع في خريطة تحالفات فصائل المعارضة المقاتلة في مناطق مختلفة، ما يعكس توصيات الدول الداعمة التي تحتاج الى وقت للتعرّف الى الخيارات الدولية، لا سيما الاميركية، ولبلورة التوجّهات التالية. واذا كانت المعارك البريّة الأولى لم تسفر عن تغيير ميداني واسع وسريع إلا أن نتائج المساندة الجوية الروسية وعدم تكافؤ السلاح لا بد أن تظهر قريباً، حتى لو لم تكن فيها ملامح حسم عسكري للصراع. وفيما يُضعف هذا التوجّه «الجدّية» الروسية في محاربة «داعش» ويجعلها مجرد ذريعة دعائية، إلا أنه يقوّي موقف الايرانيين ونظام الاسد الساعيين أولاً الى إضعاف المعارضة، وقد بيّنت استهدافات الاسبوعين الماضيين اهتمامهم الرئيسي بضرب بقايا «الجيش السوري الحرّ» وتزويدهم الطائرات الروسية قوائم بمواقعه، فهو عدوّهم الحقيقي الذي تضافرت الفصائل جميعاً لإضعافه.

في المقابل يبدو أن الاميركيين يريدون تسريع الحرب البريّة على «داعش»، وافتتاح حملة عليه في الرقّة قبل أن يشقّ الأسديّون والإيرانيون طريقهم اليها. وفي سياق الحديث عن تسليح معارضين سوريين أُشير فجأة الى ما سمّي «التحالف العربي السوري» الذي قيل أن الاميركيين يركّزون على تسليح مقاتليه ليباشروا فوراً محاربة «داعش»، تحديداً في الرقّة. وفُهم من المعلومات الأولية أن الأمر يتعلّق بمجموعات من «الجيش الحر» درّبتها وكالة الاستخبارات الاميركية (بشروط أقلّ تشدّداً من شروط البنتاغون) وحان وقت استخدامها لمنع الروس وحلفائهم من فرض خطّتهم لمحاربة الإرهاب. لكن الجديد أن هذه المجموعات تضم «مقاتلين عرباً»، ويُعتقد أن الغارات الروسية استهدفت مواقعها. وعدا أن هذا التطوّر يتضمّن ملامح تذكّر بسيناريوات مواجهة الغزو السوفياتي لأفغانستان قبل خمسة وثلاثين عاماً، إلا أن الأدوار تغيّرت. ففيما يواصل «داعش» التجنيد والدعوة الى «الجهاد» يحاذر الاميركيون وحلفاؤهم هذه المرّة الإشارة الى أي مغزى «جهادي» كالذي استُخدم لصدّ المدّ الشيوعي آنذاك ثم تطرّف لاحقاً وانزلق نحو الإرهاب.

والواقع أن التدخل الروسي طرح هذه المعضلة على الأطراف التي تواجهه، بل ذهب بعيداً عندما اقحم الكنيسة الارثوذكسية لتزكية ما سمّته «حرباً مقدسة» في الوقت الذي تجهد حكومات عربية وإسلامية لنزع الغطاء الديني الذي يتنكّر به «داعش» وأشباهه، وتصرّ على محاربته باعتباره تنظيماً اجرامياً لا علاقة له أو لأهدافه بأي دين. ومع إصرار روسيا على إغفال حقائق الصراع السوري والشروع في تجريب أسلحتها الفتّاكة ضد المعارضة فقد برهنت عزماً واعياً ليس فقط على استثارة البعد الديني بل خصوصاً على تفجير صراع مذهبي بمناصرتها الحلف الايراني ضد السنّة السوريين. أكثر من ذلك لم يخفِ الروس لامبالاتهم بتحذيرات تلقوها من مصادر عديدة تُلفت الى أن اسلوبهم في محاربة الإرهاب، اذا كانت هي الهدف فعلاً، سيكون بمثابة تعزيز لـ «داعش»، سواء بالتضييق على المعارضة وتدعيشها رغماً عنها أو بزرع أسباب اضافية للتشدد وفتح مرحلة جديدة من «الجهادية» المتهوّرة.

لكن مَن يعتقد أن الروس ذهبوا الى سورية لمحاربة الإرهاب فقد أخطأ ولا داعي لانتظار المزيد مما شهده حتى الآن كي يراجع موقفه. صحيح أن المآخذ على الاستراتيجية الأميركية وانتقاد عدم جدواها والتشكيك بمجرياتها وأهدافها كانت محقّة، لكن الاستراتيجية الروسية بدت سريعاً أكثر اقلاقاً لأنها تريد حسم الصراع السوري لمصلحة الأسد وايران اللذين لا يمانعان تعايشاً مع «داعش» شرط أن توفّر روسيا الوسائل اللازمة لاحتوائه. هذا يفترض أن بوتين جاء الى سورية لخدمتهما، أما الأرجح فهو أنه يتخذ من الحرب على الإرهاب والعبث بها وسيلة لاستفزاز الأميركيين والأوروبيين واستدراجهم الى التفاوض معه على أوكرانيا وملفات الأمن الاستراتيجي، لكنهم يرفضون ولا مانع لديهم من خوض مواجهة طويلة في سورية طالما أنهم لا يورّطون جنودهم. الاميركيون كما الروس متهمون باستخدام «داعش» والاستفادة من محاربته أو ادّعاء محاربته لتحقيق أهداف اخرى لا علاقة لها بسورية.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

ملامح كيان علوي في طور الاكتمال/ نادية عيلبوني

هذا على الأقل ما تشير إليه كل الإجراءات العملية على الأرض السورية، ويأتي التدخل الروسي بهذا الحجم الواسع لتدعيم المسار الذي يتلخّص بعبارة واحدة: «عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة».

هكذا يفكر رأس النظام لحماية وجوده واستمراره نتيجة عجزه الظاهر عن السيطرة على الأرض، وفقدانه أكثر من ثلثي مساحة سورية وتهديد المعارضة المسلّحة آخر معاقله على الساحل، وهو بات يرى نفسه مضطراً لإعادة ترتيب بيته الداخلي الذي لا يتعدى جغرافياً مدن الساحل وما حولها. ولكي يكون العصفور باليد تماماً، لا بد من استدعاء كل أسباب القوة وتركيزها في تلك المناطق التي تعتبر بديموغرافيتها حاضنة طائفية له حتى لا تحلق بعيداً في الطيران!

لقد جاء استدعاء التدخل الروسي في لحظات مصيرية حاسمة بالنسبة الى مستقبل النظام ككل. هذا على الأقل ما أدركه أيضاً حكام الكرملين الذين جاؤوا ليدافعوا عن منفذهم الوحيد على المتوسط بعد أن فقدوا منافذهم كافة، وآخرها المنفذ الليبي.

الواضح أن القوات الروسية لم تأتِ لتتورط عسكرياً في المناطق السورية التي يحتلها تنظيم «داعش»، وهي لن تتوسّع في عملياتها لتشمل تلك المناطق، ولن تكرر التجربة الأفغانية، فهي جاءت تحديداً للدفاع عن حدود الدولة العلوية المقبلة، ليس حباً بالنظام ولا بالطائفة العلوية، بل لأن قواعدها على المتوسط تقع هناك. هذا كله يبدو جلياً من خلال متابعة المواقع العسكرية التي تقصفها القوات الروسية، فهي لا تتعدى جوار اللاذقية وحماة وحمص وإدلب، تلك المدن التي تعتبر جدراناً بما يستدعي تأمينها بعد تفريغها من سكانها السنة وبالقوة. إيران التي فشلت حتى الآن في توسيع نفوذها في المنطقة، معنيّة أيضاً بوجود دولة طائفية موالية لها لضمان نفوذها الإقليمي في المنطقة، كما لا يستبعد أبداً أن تكون إيران قد أعدت مع النظام السوري وحزب الله سيناريو يرمي إلى اقتطاع مناطق لبنانية ذات أكثرية شيعية وضمّها إلى الدولة العلوية قيد التكوين.

المراقب لسلوك نظام دمشق وإجراءاته الفعلية على الأرض، لا بد من أن يستنتج أن نظام الأسد ما عاد معنياً بمصير سورية ككيان موحد، ليس فقط بسبب عجزه عسكرياً عن الاحتفاظ بها، بل أيضاً لإدراكه المتزايد بعقم الاحتفاظ بمناطق لا يدين سكانها له بالولاء الطائفي، بعد أن غرس خنجره الطائفي في لحمها ومارس عليها عمليات الإبادة والاقتلاع على أسس طائفية. فالجروح في الجسد السوري لا يمكنها الالتئام بوجود نظام يتصرف على أساس مذهبي، ولهذا لم يتبقَّ أمام بشار الأسد إلا خيار واحد ووحيد للنجاة: خلق كيان له على أساس طائفي.

النظام الذي يشعر بالعزلة عن شعبه، بات مدركاً، أكثر من أي وقت مضى، عبثية تبديد قوته العسكرية للاحتفاظ بمناطق شاسعة في سورية لا تدين له بالولاء، وهو بات يعي كذلك أن الاستمرار في االقتال في تلك المناطق استنزاف للقوة يأتي على حساب حماية معاقله الأساسية في الساحل.

كثيرة هي المؤشرات التي تقود إلى استنتاج مفاده تهيئة الأرض لإقامة كيان علوي في الساحل وما حوله، منها ما أعلنه الأسد شخصياً من دون لفّ أو دوران حين قال: «إن الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جواز سفره أو جنسيته، إنما لمن يدافع عنه ويحميه». هذا التصريح الذي تلى محاولة النظام سحب قواته من جبل العرب بحجة امتناع المواطنين الدروز عن مشاركته حربه ضد شعبه، كما اغتيال المعارض الدرزي وحيد البلعوس، بما هو استفزاز للمواطنين في الجبل، لجعلهم ينتفضون ضد مؤسسات الدولة، وفي السياق ذاته أتى سحب القطعات العسكرية من الجبل وإعادة نشرها في الساحل حيث معاقل النظام الأساسية، بالتزامن هذه المرة مع قيام أجهزة النظام الاستخبارية بحملات تطهير طائفي فعلي في بعض مناطق اللاذقية للسنّة، باعتبارهم خطراً وجسداً غريباً وقنابل موقوتة في جسد الدولة الطائفية المزمعة إقامتها، وهذا من دون نسيان انسحاب النظام من مدينة تدمر من دون قتال.

قصارى القول إن النظام لا يريد التقسيم وهو غير مهموم بمصير وحدة سورية. ما يريده فقط اقتطاع الأجزاء التي تهمه منها ليبني عليها دولته.

* كاتبة فلسطينية.

الحياة

 

 

 

 

 

بوتين ورواية محاربة “الجهاديين” سورياً: الخطر اﻷكبر داخل روسيا/ بيار عقيقي

“لن ننتظرهم حتى يأتوا إلينا، بل سنذهب لدحرهم هناك”. هكذا برر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تدخّل بلاده عسكرياً في سورية، في خطابه في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، بغرض مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على حد تعبيره، مع أنّ الغارات الروسية قلما تضرب “داعش” مقارنة مع استهداف تنظيمات المعارضة السورية التي تحارب “داعش. في المقابل، عكست تهديدات التنظيمات الجهادية لروسيا، التي شملت التلويح بورقة القوقاز، عدم استبعاد تأجيج المعركة في العمق الروسي، وخصوصاً بعد دعوة زعيم “جبهة النصرة”، أبو محمد الجولاني من سمّاهم “المجاهدين الأبطال في بلاد القوقاز إلى شن هجمات ضد أهداف مدنية وعسكرية في روسيا”.

لقد تحوّل بوتين إلى نسخة منقّحة عن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، لناحية إعلان “الحروب الاستباقية”، و”مطاردة” الأعداء حول العالم. غير أن رواية محاربة “المجاهدين” في سورية تبدو ضعيفة للغاية أمام الهدف الروسي الرئيسي الذي يختصر بمنع سقوط النظام السوري، وإن تطلب تحقيق هذا الهدف صياغة خطاب يرغبه الغرب حول “محاربة الارهاب”.

ولا تصمد رواية محاربة “الجهاديين” في سورية أمام تفنيد وضع هؤلاء “الجهاديين” داخل روسيا، أي أن بوتين يدرك لا شك، وأكثر من غيره، أنه لو كان فعلاً يريد محاربة خطر “جهادي” ما، لكان تفرّغ لذلك الخطر الموجود بالفعل داخل بلاده، تحديداً في سبع جمهوريات شمالي القوقاز، لم يطوَ ملف “الجهاديين” فيها بعد.

هناك، في تلك المناطق الجبلية، الممتدة بين بحري قزوين والأسود، تقع سبع جمهوريات ذات حكم ذاتي أو أقاليم، ضمن الاتحاد الروسي، وهي: جمهورية أديجيا، وكاراشاي ـ شيركيسيا، وكاباردينو ـ بالكاريا، وشمال أوسيتيا ـ ألانيا، وأنغوشيا، والشيشان، وداغستان. لم تعرف بعض تلك المناطق هدوءاً شاملاً، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1991، بل تطوّرت حروبها وتنوّعت. أما البعض الآخر، فكانت أشبه بمستنقعات حربية متناسخة، لعلّ أبرزها كانت الشيشان وداغستان، وبشكل أقلّ أنغوشيا.

في الشيشان، خاض الجيش الروسي حربين، الأولى بين عامي 1994 و1996، التي خسرها بصورة أقلّ ما يُقال عنها “إذلالية”، أما في الحرب الثانية، في عام 1999، فكان الانتصار العسكري، الذي مهّد الطريق لبوتين للوصول إلى رئاسة البلاد، بعد استقالة الرئيس الراحل بوريس يلتسين في مطلع عام 2000. وبعد مرحلة انتقالية، دامت بضع سنوات، توّج بوتين ما اعتُبر “نصراً شيشانياً”، بعد انتخاب حليفه رمضان قديروف، رئيساً لجمهورية الـ17300 كيلومتر مربع، وتسمية أغلى شارع في عاصمة الشيشان، غروزني، باسم “شارع فلاديمير بوتين”.

” وكما في الشيشان، كذلك في داغستان (50300 كيلومتر مربع)، يحظى بوتين بدعم رئيس البلاد، رمضان عبد اللطيبوف، كما يحظى بدعم رئيس أنغوشيا (3750 كيلومتراً مربعاً) يونس ـ بيك ييفكوروف، وتأييد يوري كوكوف، رئيس كاباردينو ـ بالكاريا (12500 كيلومتر مربع)، ومساندة رئيس أوسيتيا الشمالية ـ ألانيا (8000 كيلومتر مربع) تامرلان أغوزاروف.

حتى الآن، يبدو كأن كل شيء على ما يرام، وأن “الأمن مستتب” في بلاد شمال القوقاز، غير أن الواقع لا يفيد بذلك، إذ تدور حروب متفرقة، بين القوات الروسية وحلفائها في كل منطقة، إلى درجة أن الرئيس الروسي السابق، رئيس الوزراء الحالي ديمتري ميدفيديف، قد أعلن في 16 أبريل/نيسان 2009، بدء عملية قمع ما سُميّ بـ”تمرّد شمال القوقاز (قطاع شمال القوقاز وفقاً للتسمية الرسمية الروسية)”. العملية لا تزال مستمرة إلى اليوم، من دون ضجيج إعلامي، يتخللها أحداث إطلاق نار واغتيالات وكمائن، من دون الإشارة إليها إعلامياً بصورة وافية.

وبعد 6 سنوات ونيّف من تلك الحروب، تبدو الحصيلة مرعبة قياساً على “الصمت” الرسمي: حوالي 1046 قتيلاً و2384 جريحاً في صفوف القوات الروسية وحلفائها في الشيشان وداغستان وأنغوشيا وكاباردينو ـ بالكاريا وأوسيتيا الشمالية ـ ألانيا، في مقابل 1913 قتيلاً للمتمرّدين، للذين ينتمون إلى حوالي 35 مجموعة مسلّحة، كما أُلقي القبض على 2071 متمرّداً، وقُتل 538 مدنياً حتى عام 2013.

كل ذلك، ولم تتمكن روسيا من إنهاء هذا التمرّد، لا مباشرة ولا غير مباشرة، وعلى مساحة تمتد لـ74 ألف كيلومتر مربع تقريباً، تبدو موسكو وكأنها أمام أزمة لا تعرف النهاية، تماماً كما حصل حين تورّطت في أفغانستان (1979 ـ 1989)، تحت مسمى الاتحاد السوفييتي. خسرت موسكو الحرب هناك وانسحبت على وقع إصلاحات “الغلاسنوست” و”البيروسترويكا”، ما أدى لاحقاً إلى “وفاة” السوفييت.

” وما قد يُثير الهلع حالياً، فيما لو اختار متمرّدو شمال القوقاز، الهجوم بدلاً من الدفاع، مع بعض التحرّشات الأمنية، فقد تتحوّل تلك المناطق إلى أفغانستان أخرى، خصوصاً لجهة تشابه التضاريس الجغرافية الجبلية بينهما.

ولا يحمل التورّط الروسي في سورية خبراً جيداً للكرملين، بقدر ما قد يُوصف بأنه “ضرورة” و”حرب استباقية”، فروسيا تعمل على إرساء هدنة في الشرق الأوكراني، وفقاً لاتفاقية “مينسك 2” الموقّعة في فبراير/شباط الماضي. وتنوي موسكو تجميد القتال في منطقة دونباس (التي تضمّ إقليمي دونيتسك ولوغانسك)، أقلّه في الشتاء الحالي، خصوصاً أن وزارة الدفاع الروسية حدّدت مهلة تمتد بين 3 و4 أشهر لغاراتها الجوية في سورية. ولذلك كان بوتين هادئاً، وغير متشدد، في زيارته الأخيرة إلى باريس، يوم الجمعة 2 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ولقائه الرئيسين الفرنسي فرانسوا هولاند والأوكراني بيترو بوروشينكو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ضمن “مجموعة النورماندي”، المخصصة للملف الأوكراني.

ورغم ذلك، عزّزت القوات الروسية تواجدها الدفاعي في أراضيها على تخوم وسط آسيا، بعد مناورات أخيرة، هدفت منها إلى الإبقاء على جهوزيتها أمام أي تحرّك محتمل لأنصار “داعش”، انطلاقاً من أوزبكستان وطاجيسكتان ضدها. فعلت روسيا كل ذلك للتفرّغ لسورية بالكامل، علماً أنه هناك يتواجد أيضاً آلاف المسلّحين الشيشانيين، مما يشير إلى احتمال غياب أي نهاية قريبة، أقله روسياً.

المرحلة التالية أمام بوتين، متعلقة بقدرته على حسم النزاع في سورية لمصلحته، وسريعاً، وهو أمر غير وارد وفقاً للروس بالذات، الذين جهّزوا أنفسهم لأشهر طويلة من النزاع. ولا يُمكن تشبيه الوضع الحالي في الساحل السوري بضمّ شبه جزيرة القرم الأوكرانية في مارس/آذار 2014. عسكرياً كان القرم ساقطاً بيد الروس، أما في الساحل السوري، فالوضع مغاير، لأن لا حدود برية لروسيا مع سورية.

وعدم القدرة على الحسم في شمال القوقاز، يفسح المجال أمام “عدم حسم” آخر في سورية، خصوصاً أنه في القوقاز، تقاتل روسيا بمفردها مع حلفاء محليين، أما في سورية، فتواجه خليطاً إقليمياً ودولياً معقّداً، قد يعرقل مخططات الكرملين، ويستجلبه إلی مستنقع قد لا يخرج منه على قيد الحياة.

العربي الجديد

 

 

 

تركيا إلى إفشال الاحتلال الروسي لسورية/ ماجد عزام

تعاطت تركيا بغضب مع التدخل العسكري، أو بالأحرى الاحتلال، الروسي لسورية، وربما تجلى هذا الغضب في تحذير الرئيس رجب طيب أردوغان الدبلوماسي، والصارم في الوقت نفسه، لموسكو من الخسائر والأضرار الناجمة عن احتمال فقدان صداقتها تركيا نتيجة خطوتها غير المحسوبة وغير المبررة في سورية.

ثمة أسباب للغضب التركي من التدخل العسكري الروسي الكبير، والذي يصل إلى حدّ احتلال سورية، إذا ما أخذنا بالاعتبار حجم هذا التدخل، وإقامة قاعدتين عسكريتين في طرطوس واللاذقية، ونقل كميات كبيرة من العتاد العسكري المتطور لنظام الأسد، أو ما تبقى منه، والذي يسيطر فقط على 18% من الأراضي السورية. وأول أسباب هذا الغضب قناعة أنقرة أنها نجحت في ترتيب العلاقات مع روسيا، بناء على المصالح المشتركة، وفي تحييد أو تنظيم الخلاف حول الثورة السورية وتداعياتها، وهو ما تبدّى في الزيارات المتبادلة لقيادتي البلدين، كما في التبادل الاقتصادي الكبير، وما يعرف بـ”مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية”، وتالياً اليونان، بعدما تمنّعت بلغاريا وبولندا عن ذلك.

هذا فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية، أما بشأن الدلالات السياسية للاحتلال العسكري لسورية المفيدة، حسب التعبير الإيراني الطائفي واللئيم، والذي تم تسويقه لموسكو أيضاً، فثمة قلق تركي كبير واقتناع بأضراره الفادحة على سورية المستقلة الموحدة، كما على الإقليم برمته.

تعتقد أنقرة أن الاحتلال العسكري الروسي لسورية، أو لأجزاء منها على الأقل، يموّه على جذر المشكلة في هذا البلد، المتمثل أصلاً بالنظام، وتصوير الثورة، أو ما يجري في هذا البلد منذ أربع سنوات، وكأنّه حرب على الإرهاب، وأسوا من ذلك محاولة تلميع النظام، أو إعادة إنتاجه واعتباره جزءاً فاعلاً ومركزياً في هذه الحرب، وليس منتج الإرهاب وحاضنه. ومن هنا قناعة تركيا أن هذا التدخل الاحتلالي سيطيل عمر الأزمة السورية، وسيؤخر أي حلّ سياسي واقعي وجدّي وفق إعلان جنيف الذي وافقت عليه موسكو، ثم تحايلت، طوال الوقت، لتجاوزه أو إفراغه من محتواه.

في السياق نفسه، تتوجس أنقرة من حديث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن تحالف

“ترى أنقرة أن الاحتلال الروسي لسورية المتداخل مع احتلال إيراني مماثل يرسم صورة عن تحالف إيراني روسي، يأخذ في طريقه العراق الطائفي المفيد” الأقليات الداعم للنظام، أي للمرض في مواجهة العرض أو داعش، والذي يضم الحشد الشعبي، بتلويناته وأشكاله المختلفة، بما في ذلك الكردي، أي قوات الحماية الشعبية التي تعتبرها تركيا إرهابية، والتي لا تخفي رغبتها في إقامة كيان كردي ممتد ومتواصل على طول الحدود السورية التركية المشتركة، يعزل تركيا عن محيطها العربي والإسلامي، ويشجع أكرادها على المطالبة بالمثل، علماً أن هذا الأمر، أي إقحام الأكراد في تحالف الأقليات، يضرهم ويستغلّهم وقوداً في معركة يائسة وخاسرة للأقلية أمام الكتلة أو الأكثرية العربية الإسلامية في المنطقة.

في السياق الإقليمي، ترى أنقرة أن الاحتلال الروسي لسورية المتداخل مع احتلال إيراني مماثل يرسم صورة عن تحالف إيراني روسي، يأخذ في طريقه العراق الطائفي المفيد، وفق وجهة نظر طهران، أي حكومة المنطقة الخضراء المحمية أميركياً أيضاً، وهو ما يضفي سوريالية ما على المشهد الإقليمي المستجد المتضمن، في أحد أبعاده، تفاهماً روسياً إسرائيلياً على الخطوط الحمر، أو المصالح المشتركة في سورية، وهذا التحالف الجديد المندرج أيضاً ضمن الخطوط الحمر الأميركية المتعلقة بالنفط وأمن إسرائيل وحدود سايكس بيكو الشكلية ترى فيه أنقرة خطراً كبيراً على مصالحها في المنطقة، كما على علاقاتها التاريخية مع محيطها العربي الإسلامي، والذي عملت حكومة حزب العدالة والتنمية، طوال عقد تقريباً، على تقويتها وتمتينها في السياقات المختلفة السياسية الاقتصادية والاجتماعية.

كيف سترد تركيا على هذا التدخل الاحتلال في سورية؟ سترد تركيا على الخطوة الروسية المتغطرسة والفظّة في عدة سياقات سياسية اقتصادية عسكرية وأمنية، تشكل معاً حزمة استراتيجية قادرة على إفشال تلك الخطوة وهزيمتها، ولو بعد حين.

بدايةً، ومع التحذير الصريح لروسيا من فقدان صداقة تركيا، كما قال الرئيس رجب طيب أردوغان، وقدرة بلاده على الاستغناء عن الغاز الروسي، وتدبير بديل، ولو مرحلي، ما يضرّ أساساً بموسكو، خصوصاً أن مشروع تاناب لنقل الغاز الأذري إلى أوروبا عبر تركيا سيوفر الاكتفاء الذاتي للأخيرة، كما يكسر بالتأكيد احتكار موسكو سوق الغاز في القارة العجوز، ويضر بها وبمكاسبها الاستراتيجية، بعيداً عن ذهنية الصداقة والمنفعة العامة التي أرادتها أنقرة عبر استيراد الغاز الروسي، وحتى تسهيل وصوله إلى أوروبا عبر أراضيها.

استغلت أنقرة اختراق المقاتلات الروسية أجواءها، ليس فقط لتحذير موسكو، أو وضع خطوط

“ستعمل تركيا على بلورة تحالف عربي إسلامي، يضم السعودية وقطر والأردن وباكستان، وربما دول عربية وإسلامية أخرى لمواجهة الخطوة الروسية، وفرض العزلة العربية والإسلامية على موسكو” حمر لها بعدم التفكير في تكرار الأمر، وإنما أيضاً في وضع حلف الأطلسي أمام مسؤولياته، كون تركيا عضو أساسي فيه، اعتمد ويعتمد عليها الحلف في ملفات كثيرة، من أفغانستان إلى محاربة داعش والحدّ من تدفق اللاجئين إلى أوروبا. وبالتالي، لا بد من الالتزام بلائحته الداخلية، فيما يتعلق بمساعدة أحد أعضائه، إذا ما تعرض للخطر. وعلى الرغم من قلق أنقرة من سحب واشنطن وبرلين صواريخ الباتريوت من أراضيها، وفي توقيت حرج مريب، إلا أنها ستحاول الاستفادة من فكرة استنزاف روسيا في سورية، من دون أن تتحمّل وحدها الأعباء أو التبعات، على الرغم من إعلانها، صراحةً، أنها قادرة وحدها على الدفاع عن أمنها ومصالحها.

سياسياً؛ ستعمل تركيا كذلك على بلورة تحالف عربي إسلامي، يضم السعودية وقطر والأردن وباكستان، وربما دول عربية وإسلامية أخرى لمواجهة الخطوة الروسية، وفرض العزلة العربية والإسلامية ضد موسكو، والأهم تشكيل مظلة لحماية المعارضة السورية المقاتلة، وتحديداً جيش الفتح الذي كان أساساً نتاج تفاهم تركي سعودي، وتزويده بالأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسه، كما عن المكتسبات التي حققتها، في الفترة الأخيرة، في الشمال والجنوب، خصوصاً مع ميل موسكو إلى استهدافه بشكل مباشر، ضمن الاستراتيجية التي اتبعها نظام الأسد في إجهاض أي معارضة سلمية، ثم عسكرية معتدلة، تكريساً لمعادلة الأسد أو داعش التي ما فتئ تحالف موسكو – طهران يروّجها.

توجس العاصمة التركية من واشنطن، وتحميلها مسؤولية وصول الأوضاع إلى ما وصلت إليه، لن يمنعها من التنسيق أو السعي إلى التنسيق مع الإدارة الأميركية الراغبة حتماً في استنزاف روسيا ومنعها من التفكير في تغيير الواقع الراهن الذي تدخلت موسكو، أساساً، للحفاظ عليه، ومنع سقوط الأسد، أو اقتحام المعارضة معقله في الساحل، غير أن الغطرسة قد تدفع بوتين إلى التفكير في كسر جدّي للمعادلة الحالية، وهو ما سترفضه واشنطن حتماً، وفاء لموقفها الأساس، القاضي بمنع سقوط النظام حالياً، والحفاظ على الوضع الراهن إلى أجل غير مسمّى.

عموماً، ستواجه أنقرة المغامرة الروسية بالعناد التركي المعروف، وستجتهد لإفشالها استراتيجياً وفق الأجندة السابقة، وستدافع عن مصالحها وقناعاتها ولو وحدها، غير أنها تبدو واثقة أن ثمة قوى عديدة، محلية إقليمية ودولية، ستقف إلى جانبها لإفشال مغامرة بوتين، وإجباره على الانصياع للحل السياسي الواقعي الوحيد المتاح، أي إعلان جنيف، حيث لا مكان للأسد وأركان نظامه في مستقبل سورية.

العربي الجديد

 

 

 

 

من بحر قزوين إلى بحر الظلمات/ عادل سليمان

بحر قزوين مغلق، يقع فى غرب آسيا، وتطل عليه روسيا وإيران وتركمانستان وأذربيجان وأوزباكستان. ويعرف، أيضاً، باسم بحر الخزر، نسبة إلى قبيلة الخزر الشهيرة التى كانت تعيش على سواحله، وأقامت دولة الخزر اليهودية المعروفة تاريخياً بالقبيلة الثالثة عشر، لأنها لا تنتمى أنثروبولوجياً (عرقياً) إلى بني إسرائيل. برز اسم بحر قزوين في عناوين الأخبار، عندما أعلن وزير الدفاع الروسي في اجتماع مع الرئيس فلاديمير بوتين، يوم السابع من أكتوبر/تشرين أول الجاري، أن القوات الروسية أطلقت من أسطول بحر قزوين 26 صاروخاً باليستياً/ مجنحاً عابراً للقارات على أهداف فى الأراضى السورية على مسافة 1500 كم، وأنها أصابت أهدافها المتمثلة في قواعد ومراكز عسكرية لجماعات إسلامية متطرفة ومعارضة لنظام الأسد، بكل بدقة، بعد مرورها عبر الأراضى الإيرانية، والعراقية، وتجنبها الأراضى التركية.

تلك كانت افتتاحية العمليات العسكرية الروسية المباشرة في سورية، دعماً لنظام الأسد، والتي سبقتها عملية حشد عسكري، بدأت في يوليو/تموز الماضي، بتمركز عناصر من القوات الجوية والبحرية والبرية، سواء في القاعدة العسكرية في طرطوس، أو في ميناء اللاذقية، أو فى العاصمة دمشق نفسها، وبعض القواعد الباقية تحت سيطرة النظام السوري.

مثل الخبر مفاجأة لكثيرين، ليس لأنه يتضمن تدخلاً روسياً سافراً في سورية، لأن ذلك التدخل، بالإضافة إلى غيره، مثل تدخل إيران وحزب الله، كان وارداً، بل وتقابله باقي الأطراف التى تعلن دعمها الشعب السورى وثورته بكثير من غض الطرف. وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد أعلن في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أنه مستعد للتعاون مع روسيا وإيران فيما يتعلق بسورية، كما بحث الأمر فى اجتماع ثنائى مع بوتين، إذا لم يكن التدخل الروسى مفاجأة، حتى للأطراف العربية التي كانت تتابع عمليات الحشد الروسية العلنية، لكن المفاجأة للجميع كانت إطلاق مثل تلك الصواريخ المتطورة بعيدة المدى، من على متن قطع أسطول حديثة، تمتلك، بالقطع، نظام قيادة وسيطرة وتوجيه فائق الدقة، وتقبع في بحر قزوين المغلق. وبالتأكيد، لم تكن هناك أهداف سواء لتنظيم الدولة الإسلامية، أو لأي جماعات مسلحة أخرى فى سورية تحتاج استخدام تلك الصواريخ في ظل وجود وسائل عديدة متوفرة على الأراضي السورية، من طائرات وراجمات صواريخ وغيرها. وبالتالي، قد يكون الهدف الحقيقى هنا عملية استعراض للقوة، ورسالةً قد تكون موجهة إلى أطراف عديدة، داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها، مفادها أن روسيا قادرة على الوصول، بصواريخها المجنحة، ومن قواعد داخل أراضيها، إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية وألاسكا، وإلى أي مكان في أوروبا، وأيضاً في الشرق الأوسط.

ولعل هذا ما دفع وسائل إعلام ومصادر أميركية إلى الإعلان عن سقوط أربعة صواريخ

“من كان يتصور أن تُحلق في سماء سورية  قاذفات التورنيدو البريطانية والميراچ والرافال الفرنسية، والسوخوي والميغ الروسية، وإف 15 وإف 16 الأميركية، جنباً إلى جنب” باليستية روسية أطلقت من أسطول بحر قزوين على الأراضى الإيرانية، دلالة على فشل عملية الإطلاق، وقد سارعت وزارة الدفاع الروسية إلى نفى الخبر، لكن المصادر الأميركية تمسكت بموقفها.

على أي الأحوال، لم تكرر روسيا إطلاق صواريخها المجنحة، لكنها ركزت على عملياتها داخل سورية، براجمات الصواريخ التكتيكية والقوات الجوية، بعد أن أعادت تنظيم مجموعة قتال برية سورية من جيش الأسد وتسليحها، باسم المجموعة الرابعة، تقوم بالعمليات البرية تحت الغطاء الجوي والنيراني الروسي، سعياً إلى استعادة السيطرة على بعض المناطق الحيوية من المقاومة السورية المسلحة، في مخطط يهدف إلى حصر الصراع فى سورية بين طرفين فقط، نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية.

وسط هذه الأجواء، تخرج تصريحات من واشنطن، تحذر موسكو من تجاوز خطوط معينة، يبدو أنها متفق عليها مسبقاً، وتعلن إرسال شحنات كبيرة من السلاح والذخائر للمعارضة السورية، وتخرج تصريحات من موسكو، تقول إن هناك تنسيقاً عسكرياً وثيقاً بين الكرملين والبنتاغون فيما يتعلق بالعمليات على المسرح السوري. وتتردد أخبار من مصادر إعلامية غير رسمية أن دبابات وراجمات صواريخ روسية الصنع اتجهت من الإسكندرية إلى اللاذقية لإعادة تسليح الجيش السوري، بتنسيق مصري – روسي.

وتزداد علامات التعجب، يوماً بعد آخر، بأخبار زيارات عربية رفيعة المستوى إلى موسكو، ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع، محمد بن سلمان، يلتقي بوتين في حضور وفد كبير. ويخرج وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، ليؤكد موقف بلاده، ودعوة موسكو إلى المساهمة في الحل السياسي على أساس بيان “جنيڤ 1” ومرحلة انتقالية بدون الأسد. بينما يؤكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على استعداد موسكو للتعاون العسكري مع الرياض، للوصول إلى الحل السياسي. ثم وفي اليوم نفسه، وفي منتجع سوتشي، يلتقي بوتين مع ولي عهد أبو ظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات، محمد بن زايد، وتجري محادثاتهما عن سورية والدور الروسي، والموقف العربي منه. وفي اليوم التالي، يعلن لافروف، بوضوح، أن القوات الروسية فى سورية لدعم جيش بشار الأسد. ثم تأتي الحادثة الإرهابية البشعة التي تعرضت لها تركيا، تفجيران في أنقرة، يسقط نحو 120 قتيلاً و200 جريح، قبيل انتخابات إعادة برلمانية شديدة الأهمية، ما يُبعد تركيا، ولو مؤقتاً عن المشهد السوري، على الرغم من الاختراقات الجوية الروسية، ويؤكد “الناتو” دعمه تركيا ضد روسيا.

ووسط هذه المستجدات، والأخبار السلبية والمحبطة التى يعيش فيها المواطن العربي، يأتي خبر خارج السياق من أوسلو، حيث أُعلن منح جائزة نوبل للسلام لعام 2015 للجنة الرباعية التونسية التى أدارت الحوار الوطنى التونسي، وانتهى بالوفاق بين الفرقاء، في رسالة من لجنة الجائزة إلى العرب أن عليهم أن يتحاوروا، ويقبلوا الحلول الوسط، أو أنصاف الحلول، وأن يخفضوا من سقف طموحاتهم الثورية، فلا ثورات حاسمة، ولا سُلطات حكم غاشمة، ليصلوا إلى بر الأمان، وينعموا بالسلام.

هذا هو المشهد العربي، يقترب من الملهاة الإغريقية، المختلطة بالأساطير الخرافية، فمن كان يتصور أن تُحلق في سماء سورية “الحبيبة” العربية قاذفات التورنيدو البريطانية والميراچ والرافال الفرنسية، والسوخوي والميغ الروسية، وإف 15 وإف 16 الأميركية، جنباً إلى جنب.

ثم تأتي صواريخ كروز الروسية المجنحة من سفن بحر قزوين، لتدفع سفن العرب إلى بحر الظلمات.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

لا مكان للأسد.. وحتى إيران/ طارق الحميد

هناك شبه إجماع دولي على ألا مكان لبشار الأسد في سوريا، وقبل أيام أكدت المملكة العربية السعودية ذلك، والحقيقة أنه يجب أن يقال إنه لا مكان للأسد، ولا

حتى لإيران، وأتباعها وعملائها في سوريا ذات الأغلبية السنية الساحقة.

قد يقول البعض إن هذه دعوة للتصعيد، وتعنت، والحقيقة أنها ليست كذلك. ولأن الشيء بالشيء يذكر؛ فقبل عدة أيام نشرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية تقريرا

عن أسباب استدعاء الأسد للروس في سوريا، وخلص التقرير، الذي استقى معلومات من مصادر دبلوماسية روسية، وغربية، مطلعة عن كثب، حول ما يجري

في دمشق، إلى أن الأسد قرر دعوة الروس بعد أن استفحل الدور الإيراني في سوريا، وبات الإيرانيون هم من يحرسون الأسد جسديا الآن، وأصبح بمقدورهم

التخلص منه في أي لحظة، وذلك بعد أن تمكن الإيرانيون من إقصاء شخصيات مؤثرة من الدائرة الضيقة للأسد. ويشير التقرير إلى أن الإيرانيين باتوا يتعاملون

بتعال مع دوائر الأسد، وأنهم فاجأوا الأسد عندما قاموا بعقد اتفاق وقف إطلاق نار في الزبداني دون استشارته.

والقصة لا تقف عند هذا الحد؛ حيث يشير التقرير إلى أن الإيرانيين عمدوا إلى شراء أراض سورية بمواقع مهمة، وفرضوا تدريس المذهب الشيعي على

الأغلبية السنية، وليس هذا فحسب، بل إن تقرير مجلة «دير شبيغل»، التي منحها الأسد بعد الثورة مقابلة مطولة، ينقل عن أحد العلويين قوله إن الإيرانيين

يفرضون عليهم مفاهيم إيرانية مذهبية، قائلا: «إنهم يرموننا ألف عام إلى الوراء»! وبالطبع، فإن من ضمن ما لم تذكره المجلة الألمانية عن الغرور الإيراني في

سوريا، هو أن حسن نصر الله كان، ولفترة قريبة، يتحدث عن سوريا أكثر من الأسد الذي لو استطاع نصر الله أمنيا جلبه للضاحية للتوجيه وإعطاء الأوامر،

لفعل. وما لم تذكره المجلة أيضا، أن الأسد تحرك ودعا الروس بعد أن قدمت طهران مبادرة معدلة حول الأزمة، ومن أربع نقاط، ورفضها الأسد!

حسنا، هل يمكن بعد كل ذلك تصديق أن الأسد المتقزم أمام الإيرانيين يريد كسر الطوق الإيراني، ومن المصلحة فتح صفحة جديدة معه؟ بالطبع لا، وهذا عبث!

فأيا يكن مصير الأسد، فإنه غير مأسوف عليه، وهذه هي النتيجة الطبيعية، وهذا مآل كل من يتلحف بإيران، وأعوانها، طائفيا، أو ماليا، وسياسيا. الأصل هو أن

يرفض وجود الأسد، كما يرفض الوجود الإيراني في سوريا، الذي لم يتحمله حتى العلويون، فكيف بسنة سوريا وهم الأغلبية المطلقة؟ صحيح أن ما يحدث في

سوريا محزن، ومأساوي، لكن النتيجة الحتمية، طال الزمان أو قصر، ألا مكان للأسد، ولا إيران هناك، وسيدفع كل أتباعهم وعملائهم الثمن سواء في لبنان أو

العراق، لأنهم يلعبون بالنار، ويتجاهلون المخزن السني الحقيقي. وما يجب تذكره هنا، هو أن عملية تدوير الزوايا، وعلى الطريقة اللبنانية، لن تجدي نفعا بسوريا

ذات الزاوية الحادة، وحتى بعد التدخل الروسي هناك.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

بوتين ودبلوماسية «الروليت» في سورية/ يزيد صايغ

تسبّب التدخل العسكري الروسي في سورية بقدر كبير من الارتباك لدى الحكومات الأجنبية التي تعارض استمرار حكم الرئيس بشار الأسد. فهل يكون التحرّك الروسي مقدّمة للتوصّل إلى اتفاق سياسي ينهي الصراع السوري، وفي هذه الحالة هل ستقبل روسيا المطالب بتنحّي الأسد عن منصبه باعتباره نتيجة متَّفقاً عليها سلفاً للمفاوضات أو للفترة الانتقالية؟ حتى الآن ليس هناك الكثير مما يبرر هذا الأمل، وإذا تحقّقت أهداف روسيا المباشرة فستكون المبررات أقلّ. وإذا كان بوتين يسعى للتوصّل إلى حل سياسي، فإن ذلك من خلال فرض نسخة دبلوماسية من لعبة الروليت الروسية على الولايات المتحدة وشركائها في تحالف «أصدقاء سورية» (الميّت تقريباً): اقبلوا أن يكون هناك دور للأسد في أي مرحلة انتقالية -مع احتمال بقائه في السلطة بعد ذلك- أو ارفضوا وراقبوا استمرار الجمود العسكري الذي يضر كل الأطراف في سورية. ويبدو أن كلا الخيارين مقبول من بوتين والأسد.

لقد كانت للتدخّل الروسي آثار فورية، اذ يبدو أنه رفع الروح المعنوية بين موالي نظام الأسد وقوّى عزيمة الجيش. كما أنهى هذا التدخّل احتمال قيام تركيا بعمل عسكري مباشر لإقامة منطقة آمنة في شمال سورية، الأمر الذي كان موضع شكّ في أعقاب التصاعد الحادّ في الأعمال القتالية مع «حزب العمال الكردستاني». وتعهّد مسؤولون خليجيون بتزويد المعارضة السورية بأسلحة مشاة أكثر قدرة، غير أنه لا يوجد نقص في هذه الأسلحة في سورية ولن يكون لها تأثير ما لم ترفع الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي الحظر على تسليح مقاتلي المعارضة بصواريخ «ستينغر» أو ما يعادلها من أنظمة الصواريخ المتقدمة المضادة للطائرات. ومن المفارقات أن بدء الضربات الجوية الروسية أعقب دعوة مدير المخابرات المركزية الأميركية السابق ديفيد بترايوس يوم 22 أيلول (سبتمبر) الماضي الولايات المتحدة إلى إقامة مناطق آمنة في سورية للاجئين ومن ثم إسقاط طائرات النظام التي تهاجمها، غير أن هذا الأمر يبدو الآن بعيداً تماماً. فالحكومات الأجنبية التي لم تكن راغبة في إجبار نظام الأسد على وضع حدّ للقصف العشوائي للمدنيين لن تتحدّى منطقة الحظر الجوي الروسي على المناطق الموالية للنظام السوري. ومع إنهاء برنامج التدريب الأميركي لمقاتلي المعارضة، ثمّة احتمال ضئيل في أن يكون هناك أي نوع من التحدّي المباشر.

حققت روسيا حتى الآن أهدافها بتكاليف منخفضة. غير أن ذلك يعيد، على أكثر تقدير، توازناً موقّتاً فحسب بعد ستة أشهر من النكسات التي مني بها النظام في ميدان المعركة. وحتى لو تأكّدت شائعات المعارضة حول هجمات وشيكة للنظام بدعم من الجيش الإيراني، ورجال ميليشيا «الحشد الشعبي» العراقية و «حزب الله»، من المستبعد أن يحقق النظام أكثر من استعادة بعض الأراضي التي خسرها عام 2015. كما أن من غير المرجّح، خلافاً لتوقّعات البعض، أن تعمد روسيا (وإيران) إلى نشر قوة تدخل سريع كبيرة لترجيح كفّة الميزان بصورة حاسمة. في 5 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري ذكر رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الروسي، الأدميرال المتقاعد فلاديمير كومويدوف، بصورة عرضية، إمكان توجّه «متطوعين» روس إلى سورية، الأمر الذي أعاد الى الأذهان تهديد الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف في عام 1956 بدعم مصر بالمتطوعين في مواجهة العدوان الثلاثي في العام 1956، غير أن ذلك لم يغيّر الموازين آنذاك، ولن يغيّرها اليوم.

بعض معارضي التدخّل الروسي في سورية يقولون إنه سيتوسّع حتماً ليشمل دوراً واسعاً للقوات البرية، الأمر الذي سيثبت أن سورية ستكون أفغانستان روسيا الثانية. ويبدو من المؤكّد أن ذلك هو رأي الإسلاميين في سورية وبلدان أخرى في المنطقة، الذين ينادي بعضهم بـ «الجهاد» ضد الروس و «الصليبيين» الغربيين، بيد أن المؤكّد تقريباً أن هذا الرأي يبالغ في تقدير النوايا الروسية، أو يمثّل أماني من يرغبون في توسيع نطاق النزاع المسلّح، معتبرين أن ذلك لا يمكن إلا أن يصبّ في مصلحتهم.

على الجانب الآخر، يضخّم أنصار نظام الأسد أيضاً المشاركة الروسية. إذ يقال إن المسؤولين السوريين يعتقدون أن الظروف الدولية تتحوّل لصالح النظام، ولا تتيح له مجرّد البقاء على قيد الحياة وحسب، بل تحقيق نصر كامل. المكاسب المحتملة التي قد يحقّقها الجيش في محافظة حماة وشمال حلب قد تشجع أملاً كاذباً كما حدث في أواخر العام 2014، عندما تحدث بعض الموالين عن الانتقال من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها حول حلب الى انتزاع مدينة الرقة من تنظيم «الدولة الإسلامية». بيد أن من المستبعد أن تسعى روسيا إلى ما هو أكثر من الهدف الذي تحدث عنه بوتين للتلفزيون الروسي في 11 من هذا الشهر: استعادة «استقرار السلطة الشرعية» للأسد، فروسيا ليست بحاجة للقيام بما هو أكثر من ذلك. من الناحية النظرية، قد يؤدّي الانتشار العسكري الروسي في سورية إلى عقد صفقة سياسية. بيد أن هذا غير وارد فعلياً. وسواء كان بوتين صادقاً أم لا، حتى قليلاً، خلال مقابلته التلفزيونية بالقول إنه يريد «تهيئة الظروف الملائمة لتسوية سياسية»، فإن مواقف القوى الخارجية الرئيسة لا تزال متباعدة كما كانت في السابق بشأن وضع الأسد خلال فترة انتقالية أو مصيره في نهاية تلك الفترة. ونقل العديد من المصادر أحاديث خاصة مع محاورين روس (وإيرانيين) موثوقين يؤكدون فيها استعداد حكومتهم لتصوُّر رحيل الأسد في نهاية مرحلة انتقالية عن طريق التفاوض، بيد أن ذلك لا يزال أقلّ مما يمكن أن يقبل به علناً أي من أنصار المعارضة السورية الخارجيين.

ثمّة سبب وجيه للتركيز على مستقبل الأسد، إلا أنه يحجب الحاجة التي لا تقلّ أهمية للتوصل إلى أرضيّة مشتركة بين القوى الخارجية في ما يتعلق بالآليات والإجراءات الملموسة التي قد تنظّم عملية انتقالية محتملة في سورية. من الواضح أن مصير الأسد هو العنصر المفصلي، ولكن حتى لو كان بالإمكان حلّ هذه المسألة، ستكون هناك حاجة لخطّة مشتركة متفق عليها لأمور مثل ترتيبات تقاسم السلطة في إطار حكومة وحدة وطنية، وقيادة الجيش وقطاع الأمن الداخلي، وإدارة البنك المركزي. مع ذلك، ورغم بعض الجهود الجزئية التي تبذل من جانب واحد في بعض العواصم لصياغة هذه الخطوط العريضة، لا يزال الاتفاق بين القوى الخارجية الرئيسية بعيد المنال.

يبقى خياران أمام الدبلوماسية الفاعلة والمفيدة: أحدهما هو الاستثمار الحقيقي في الجهد الذي يقوم به مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستيفان دي ميستورا لتشكيل مجموعات عمل من شأنها صياغة الترتيبات الانتقالية في أربعة مجالات رئيسة، والاستثمار بجدّية في اقتراحه الموازي لتشكيل مجموعة اتصال دولية خاصة بسورية. غير أن بدء المهام القتالية الروسية دفع مجمل المعارضة المسلحة تقريباً للتنديد بمجموعات العمل باعتبارها «استنساخاً للنظام»، بينما تعرقل الخلافات المستمرّة بين القوى الخارجية الرئيسة بشأن عضوية مجموعة الاتصال ومهماتها، ما يحتمل أن تكون آلية مفيدة لحلّ النزاعات.

الخيار الأخير المتبقي للدبلوماسية هو البناء على وقف إطلاق النار المحدود الذي تم التوصّل إليه بوساطة إيران في 22 أيلول الماضي، والذي تضمّن إجلاء المدنيين والمقاتلين من بلدات الزبداني والفوعة وكفريا وتعليق عمليات القصف الجوي التي يقوم بها النظام في محافظة إدلب لمدة ستة أشهر. ومن الواضح أن التدخّل العسكري الروسي لا يغيّر الحقائق على الأرض بما يكفي لتحقيق تسوية سياسية عامة، غير أنه قد يكون كافياً للدفع باتجاه عقد هدنة مسلحة تشمل جميع المناطق التي يسيطر عليها النظام والمعارضة. من الناحية النظرية، هذا من شأنه إتاحة الفرصة أمام كل معسكر وداعميه الخارجيين للتركيز، كلّ على حدة، على مواجهة تنظيم «داعش»، وحتى لو لم يفعل هؤلاء شيئاً آخر، فإن عقد هدنة عامة سيجلب الانفراج للمواطنين المدنيين المنهكين.

مع ذلك، من المفجع أن الأطراف الفاعلة القوية من كلا الجانبين في سورية تعتمد على اقتصاد الحرب ولا تهتم كثيراً بقبول أو فرض هدنة، لأن بقاءها المالي مستمدّ من استمرار الصراع المسلح. ولا تملك أي قوة خارجية النفوذ أو التصميم السياسي اللازم لتخطيط مسار جديد. ومن هذا المنظور، يبدو نهج روسيا الحالي واقعياً جداً، على الرغم من أنه يجعل إعادة تأكيد الجمود الضارّ لكل الأطراف في سورية أمراً لا مفرّ منه. لقد انتهت لعبة الروليت.

* باحث أول، مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.

الحياة

 

 

 

 

علامَ يتفق الإسرائيليون مع الروس في سوريا/ رندة حيدر

منذ بداية التدخل العسكري الروسي في الحرب الاهلية السورية، سارع الإسرائيليون الى التوصل الى تفاهم مع الروس حفاظاً على مصالحهم الأمنية وفي طليعتها حرية تحليق طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في الاجواء السورية، والحق في التصدي لشحنات السلاح المتوجهة من سوريا الى “حزب الله”، والحؤول دون وصول سلاح كاسر للتوازن الى أيدي الحزب، ومنعه من اقامة بنية تحتية تابعة له وللحرس الثوري الإيراني في هضبة الجولان السورية.

قد يكون وصول وفد عسكري روسي رفيع المستوى الى إسرائيل مطلع هذا الشهر للاتفاق مع الطرف الإسرائيلي على سبل التنسيق دليلاً على رغبة الروس في عدم حصول اي احتكاك مع إسرائيل، الا انه يعكس أيضاً وجود التقاء معين للمصالح بين الدولتين.

في نظر عدد من المراقبين الإسرائيليين أن التدخل الروسي العسكري في الحرب السورية قد يشكل ثقلاً عسكرياً مقابلاً للنفوذ العسكري الإيراني الذي شهد خلال السنوات الاخيرة تعاظماً كبيراً على رغم التنسيق العسكري الكبير بين موسكو وطهران.

في نظر إسرائيل، تتصرف روسيا كقوة عظمى دولية في المنطقة وهي تملأ الفراغ الذي خلّفته الولايات المتحدة، ومن مصلحة إسرائيل ان تكون على توافق مع هذه الدولة، خصوصاً أن بينهما تاريخاً سابقاً من التنسيق العسكري، وثمة علاقات جيدة تربط سيد الكرملين بإسرائيل، إذ يصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استقبال المسؤولين الإسرائيليين في موسكو.

إسرائيل، على عكس الولايات المتحدة ودول الغرب، لا تقف مع طرف مقاتل في سوريا، وعلى رغم شبكة العلاقات التي اقامتها مع تنظيمات المعارضة السورية المسلحة المنتشرة بالقرب من حدودها وتوفيرها العناية الطبية لجرحاها، فهي لم تزودها قط السلاح أو العتاد. ولا تعتبر نفسها المستهدف الاول من تنظيم “الدولة الإسلامية” في الفترة الحالية. وهي ليست معنية فعلاً بمن يقاتل الروس في سوريا. أما في ما يتعلق بدفاع الروس عن بقاء بشار الأسد في الحكم، فيتخذ الإسرائيليون موقفاً محايداً لا بل أقرب الى الموقف الروسي بمعنى انهم يعتبرون وجود رئيس ديكتاتور مثل بشار الأسد أفضل من الفوضى المستشرية في المنطقة، إذ يظل يشكل عنواناً يمكن التوجه اليه والضغط عليه.

لكن الإسرائيليين يختلفون عن الروس في النظرة الى المستقبل السياسي لسوريا. فثمة اقتناع اسرائيلي بان لا مجال لعودة “سوريا القديمة” وأي محاولة روسية – إيرانية في هذا الاتجاه ستكون “عقيمة”، وان الفرصة الوحيدة لاعادة الهدوء هي إقامة كيانات إتنية – ديموغرافية ذات طابع كونفيديرالي، وأي شيء آخر هو استمرار للحرب الى ما لانهاية.

النهار

 

 

 

 

إيران القوة على الأرض لمواجهة “داعش” تدحض منطق روسيا بتعزيز جيش الأسد/ روزانا بومنصف

حين بررت روسيا التعزيزات العسكرية التي بدأت بارسالها الى سوريا بانها لمساعدة الجيش السوري بذريعة ” ان القوة الوحيدة القادرة على التصدي لتقدم داعش هي القوات المسلحة السورية “، لم تثر فرضية ان من سيتولى التقدم على الارض فيما يقصف الطيران الروسي من الجو هي عناصر ايرانية واخرى من “حزب الله” على ما بدا انه يحصل في حلب وحماه في محاولة لاستعادة هذه المدن تحت سيطرة بشار الاسد فيما لا يبدو من اثر للجيش السوري في المعارك التي تستهدف هذه المدن بالذات. صورة قائد الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني في ريف اللاذقية تعقد الوضع حتى امام روسيا ولا تسهله سواء كان يحصل بالتنسيق بين الجانبين الروسي والايراني او من دون هذا التنسيق. صورة سليماني في تكريت حجمت قدرة العراق ومعه قصف قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على مواصلة محاولة استعادة المدن العراقية التي احتلها تنظيم الدولة الاسلامية. وذريعة دعم قوات الاسد باعتبارها القوة الوحيدة على الارض القادرة على محاربة داعش لا تجد اسانيد قوية لها في المنطق الروسي مع ارسال ايران قوات اضافية الى سوريا. ايران والميليشيات التابعة لها هي قوة الاسد على الارض. وهذا يسقط هذه الذريعة الروسية مباشرة بعد اقل من اسابيع قليلة على سقوط الذريعة التي قالت بها روسيا للحرب التي تشنها في سوريا اي نيتها استهداف داعش فيما اجمعت التقارير الغربية على استهداف روسيا مواقع المعارضة المعتدلة. فحين يفترض المنطق انه من غير المحتمل ان تعمد روسيا الى استفزاز الدول الخليجية بالتواطوء مع ايران في سوريا الى هذه الدرجة بهدف دعم النظام، فانما يبنى ذلك من جهة على المنطق القائل بصعوبة تصور روسيا طرفا في حرب مذهبية بحكم ان الصراع مع ايران او الاصطفاف معها في موقع واحد يجعل من روسيا طرفا في هذه الحرب وذلك بسبب وجود نسبة كبيرة من المسلمين السنة في روسيا وجوارها كما من الصعوبة بمكان تخيل استعدائها الدول العربية للاسباب نفسها. ومن غير المرجح الا تكون القوات الايرانية التي دفعت الى الميدان احرجت موسكو التي تحاول ان تستدرج واشنطن من اجل التنسيق معها تخفيفا لحدة مواجهة اقليمية عربية مرتقبة معها خصوصا على وقع تنافس او ربما تعاون ايراني قد يكون بات محرجا، فيما تمد اليد الى اسرائيل من اجل مزيد من التنسيق كما قال المسؤولون الروس من اجل تفادي الصدام فوق سوريا فيما تساهم روسيا بذلك في تأمين مصلحة اسرائيل التي تضمن في بقاء الاسد تطويب الاراضي السورية المحتلة لها الى اجل غير مسمى باعتبار ان الاسد في حال بقائه عبر اي تسوية لن يتمتع يوما بالشرعية لا من اجل الذهاب الى معاهدة سلام ولا كذلك بالقدرة على محاولة استعادة الارض بالقوة علما انه لم يتمتع يوما بهذه القدرة او لم يستخدمها قط.

المشهد في سوريا يذهب في اتجاه ابعاد متعددة وفق مصادر ديبلوماسية مراقبة:

احدها انه حين كان يخشى قبيل توقيع الاتفاق النووي مع ايران من اتفاق جانبي مع الولايات المتحدة يقر بنفوذ ايران في المنطقة او يمهد لذلك وقطعت واشنطن وعودا في شأن ذلك لدول الخليج العربي، واتت روسيا لتظهر عقم الوعود الاميركية وفراغها من مضمونها من خلال الدفع مع ايران بالتواطؤ او الاتفاق الثنائي على قلب المعادلة التي تصب في خانة ما يعزز النفوذ الايراني ويوسعه لا بل يثبته اقليميا جنبا الى جنب مع عودة الروس الى المنطقة كلاعب اساسي من دون اعطاء واشنطن مؤشرات فعلية عن رغبتها على التصدي لهذا الواقع بحيث يخشى الا يبقى امام واشنطن لاحقا في ظل استمرار سياسة الادارة الحالية على حالها الا محاولة اقناع حلفائها في المنطقة بالقبول بالامر الواقع او التفاوض على اساس الامر الواقع الجديد. يسأل البعض هل هذه التطورات ترفع عن كاهل واشنطن مسؤولية افساح المجال امام الهيمنة الايرانية بعد الاتفاق النووي خصوصا ان الادارة الاميركية اظهرت مرونة كبيرة ازاء تدخل ايران في سوريا ودفاع هذه الاخيرة عن بشار الاسد. وفي حين ان الكرة هي في مرمى الولايات المتحدة بالذات فان واشنطن باتت تثير احباطا اكبر لشعوب المنطقة في مقاربتها للحرب السورية وفي عدم دعم حلفائها في منع سقوط سوريا كليا تحت نفوذ روسيا وايران.

ثانيها انه اذا تركت المسألة لتصارع الدول الاقليمية مع حلفاء النظام السوري على الاراضي السورية، فان ابواب الجحيم قد تكون فتحت في سوريا تحت وطأة توقعات بحروب دامية تصعيدية لن يسمح في ضوئها لايران بان يستتب الوضع لها في سوريا كما فعلت في العراق.

ثالثها غياب الافق لاي حل سياسي في ظل المعطيات الراهنة وطغيان صورة الحل العسكري الذي بات معتمدا راهنا في سوريا. وتكرار واشنطن ان لا حل عسكريا للحرب السورية بل حل سياسي قد يكون صحيحا في نهاية الامر، لكن الوقائع الميدانية تفرض موازين القوى على طاولة المفاوضات. وتتضارب الاراء بقوة في هذا الشأن بين من يعتقد ان حرب استنزاف طويلة بدأت ومن يعتقد ان الخطوط ترسم لتقاسم نفوذ لا بد منه في المنطقة.

النهار

 

 

 

 

موسكو والرياض بعد “سوتشي”/ هاني شادي

في الحادي عشر من تشرين الأول الحالي، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتجع «سوتشي» وللمرة الثانية هذا العام مع الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي. ولا شك في أن أجواء هذا اللقاء الثاني تختلف عن اللقاء الأول، الذي عُقد في بطرسبورغ في شهر حزيران 2015. فبعد اللقاء الأول، ساد بعض التفاؤل بشأن تطور العلاقات الروسية السعودية في مجالات عدة، منها الاقتصادي والسياسي، وحتى في مجالَي التسلح والطاقة النووية السلمية. لكن اللقاء الثاني جاء في ظل انخراط روسيا عسكرياً في سوريا، وهو ما انتقدته السعودية مع دول خليجية وغربية. ويبدو أن لقاء تشرين الأول في «سوتشي» لم يُغيّر كثيراً من مواقف البلدين تجاه الأزمة السورية، خاصة في ما يتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد. فقد كان المؤتمر الصحافي القصير بين وزيري خارجية روسيا والسعودية، لافروف والجبير، بعد لقاء فلاديمير بوتين ومحمد بن سلمان، كاشفاً بدرجة ما عدم حدوث اختراق كبير في هذه المواقف. ففي وقت حاول فيه الوزيران التحدث عن رغبة موسكو والرياض في تحسين العلاقات بينهما وحرصهما على التشاور السياسي والعسكري بشأن محاربة الإرهاب، جدد وزير الخارجية السعودي موقف بلاده المطالب برحيل الأسد. وفي هذا الشأن، أشار الجبير إلى أن الحوار السياسي يتعين أن يُفضي إلى تشكيل نظام انتقالي في سوريا وتنحية الرئيس السوري، قائلاً «إن بلاده تريد حكومة انتقالية في سوريا تؤدي في النهاية إلى رحيل الأسد عن السلطة». وهُنا يعتقد البعض أن تغيّراً طفيفاً حدث في الموقف السعودي، الذي كان يتحدّث منذ أسابيع عدة عن عدم وجود أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية. ولكن، في كل الأحوال، لا تزال الرياض تُصرّ على رحيل الأسد وتتفق مع موسكو في مسألة الحفاظ على الدولة السورية ومحاربة «داعش».

لقد عبر الجانب السعودي خلال محادثاته مع الرئيس الروسي عن قلقه من الانخراط العسكري للقوات الروسية في سوريا، وعن قلقه أيضاً من «محور روسيا والعراق وإيران وسوريا»، المتمثل في مركز التنسيق المعلوماتي لمحاربة الإرهاب الذي أُعلن عنه مؤخراً. ويبدو أن الروس قد خففوا من قلق الرياض بشأن «تحالف بغداد»، ولكنهم لم يخففوا من القلق المتعلق بالضربات الجوية السورية في سوريا. فالسعودية، مثلها مثل الولايات المتحدة ودول أخرى، ترى أن هذه الضربات تركز على ضرب المعارضة السورية المسلحة وليس تنظيم «داعش». وكان الرئيس بوتين قد استبق لقاء الأمير السعودي في «سوتشي» بتصريحات للتلفزيون الروسي، شدّد فيها على «أن الضربات الجوية الروسية في سوريا مُحددة زمنياً بتقدم الجيش السوري الحكومي على الأرض». وهو ما يعني استمرار دعم الجيش السوري في محاولاته لاسترجاع بعض أو كل الأراضي التي كان قد فقدها في الفترة السابقة. وهذا، في حد ذاته، يثير «حفيظة» المطالبين برحيل الرئيس السوري. تضاف إلى ذلك، تصريحات بعض المسؤولين الروس بشأن الهدف من العمليات الجوية في سوريا، والتي تبدو للبعض متناقضة بدرجة ما. فقد أعلن مؤخراً رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف أن العمليات الجوية الروسية في سوريا تهدف إلى حماية الشعب الروسي من الإرهاب، بينما يؤكد الكرملين على لسان المتحدث الصحافي للرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن الهدف من هذه العمليات يتمثل في دعم القوات الحكومية السورية في مواجهة الإرهاب.

من متابعة وسائل الإعلام الروسية التي تُدير حملة إعلامية صاخبة لكسب الرأي العام الروسي لمصلحة قرار الكرملين بالعمل العسكري في سوريا، يتبين أن خشية ما لدى المسؤولين الروس بدأت تظهر من تسليح المعارضة المسلحة في سوريا بأسلحة حديثة، ربما تُعقّد «المهمة» الروسية على الأرض السورية. وهذه الخشية، كما يبدو، تتعلق بالسعودية ودول خليجية أخرى، وبالطبع بالولايات المتحدة الأميركية. ولذلك نرى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في كلمة له في الرابع عشر من الشهر الحالي أمام نواب مجلس «الدوما»، يؤكد أن بلاده مهتمة بالتعاون العملي مع السعودية وتركيا والدول الأخرى في المنطقة من أجل تسوية الأزمة السورية. ويشتكي من أن واشنطن رفضت إرسال وفد إلى موسكو للتباحث بشأن التعاون في سوريا، ورفضت أيضاً استقبال وفد روسي برئاسة رئيس الوزراء دميتري ميدفيديف للغرض نفسه. ويدعو لافروف الغرب إلى تقديم المساعدة لموسكو في الاتصال بالتشكيلات المسلحة السورية التي ترفض الإرهاب. وفي ما يتعلق بالسعودية، يراهن الروس، كما يبدو، على ما تُسميه بعض وسائل الإعلام الروسية بـ «انشغال» الرياض بحربها في اليمن، وتجنب روسيا خلق مشاكل لها هناك. وتلمح صحيفة «نيزافيسيميا غازيتا» الروسية إلى احتمال اشتعال «حرب بالوكالة» بين روسيا، من ناحية، والولايات المتحدة وحلفائها، من الناحية الأخرى، على الأراضي السورية. وهذا في حد ذاته يمكن أن يُؤجل احتمال أي عملية للتسوية السياسية في سوريا في الفترة المقبلة.

يُذكّرنا اللقاء الثاني بين الرئيس الروسي وولي ولي العهد السعودي، بدرجة ما، بزيارة وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل في تشرين الثاني 2014 لموسكو. فحول هذه الزيارة دارت تكهنات بصفقة روسية سعودية بشأن الأزمة السورية، ولكن هذا لم يحدث. ولعل الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كانت العلاقات الروسية السعودية ستشهد تعقيداً أكثر بسبب الوضع في سوريا، أم أن هذه العلاقات ستسير نحو التفاهم. وسيرتبط ذلك، بدرجة كبيرة، بإتمام أو عدم إتمام زيارة العاهل السعودي إلى موسكو، والتي أعلن الجانبان قبل أيام من بداية الحشد العسكري الروسي في سوريا أنها ستتم قريباً.

السفير

 

 

 

معاني التدريبات الروسية الإسرائيلية فوق سوريا

رأي القدس

أعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس أن طيارين من روسيا وإسرائيل بدأوا تدريبات لضمان «تحليق الطائرات بأمان فوق سوريا»، وأن موسكو أقامت «خطا مباشرا» لتبادل المعلومات حول تحركات الطيران بين مركز قيادة الطيران الروسي في قاعدة حميميم الجوية في سوريا ومركز قيادة سلاح الجو الإسرائيلي.

الإعلان تبعه تصريح لمسؤول أمريكي في واشنطن يقول إن بروتوكول اتفاق بين واشنطن وموسكو «لتجنب الاصطدام في أجواء سوريا يمكن أن يوقع ويطبق في الأيام المقبلة»، كما أكدت موسكو من جانبها أن الاتفاق «بات وشيكا».

تبعث سرعة التوصل إلى اتفاق بين موسكو وتل أبيب وتدريبات طياري البلدين معا، أسئلة حول معانيها السياسية، قبل العسكرية، فالمفترض أن روسيا تقود تحالفاً يزعم محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، ويضمّ أنظمة إيران والعراق وسوريا، بينما تقف إسرائيل، على المستويات العسكرية والسياسية، تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها على خصومة شديدة مع إيران وحلفائها في المنطقة، وخصوصاً «حزب الله» اللبناني.

التنسيق الجوّي، يُفهم منه بالضرورة، أن على روسيا أن تعلم إسرائيل مسبقا عن الأهداف التي تقوم بقصفها، وخصوصاً في محافظات دمشق وريفها ودرعا والسويداء، وهي المحافظات القريبة من مراكز القيادة والسيطرة الجوية الإسرائيلية، وأن على تل أبيب أن تخبر موسكو بتحليق طائراتها لقصف أهداف قد تكون للجيش النظامي السوري أو لحزب الله اللبناني أو حتى قوات إيرانية!

سياسياً، يخلق هذا الوضع نوعاً من القاسم المشترك الأعظم بين المصلحتين الروسية والإسرائيلية يعني، فيما يعنيه، أن تل أبيب لن تكون معنية بمهاجمة روسيا لأي طرف عسكري معاد للنظام السوري، ولكنه يضمن بالمقابل «حق إسرائيل» في مهاجمة الجيش السوري أو أي فصائل تابعة له، أو حزب الله اللبناني، أو القوات الإيرانية، إذا قرّرت تل أبيب أن تحركاً لأحد هذه الأطراف يشكل خطراً عليها.

وتلخيص هذا أن كسر المصلحتين الروسية والإسرائيلية في سوريا يتعارض في الصورة ويلتقي في المخرج، وأن التحالفات الروسية المعلنة على الأرض ليست إلا تحريكاً لأدوات يمكن استخدامها واستهلاكها والتخلص منها على مذبح المصالح الاستراتيجية الكبرى، وأن التحالف الصلب الحقيقي هو تحالف روسيا مع نفسها فحسب!

في المقابل فإن الاتفاق الأمريكي الروسي المقبل سيكون اتفاق حدّ أدنى يمنع الاشتباك الجوّي بين طيّاري البلدين لكنه لن يوقف الصراع المحتدم على الأرض، والذي بدأ يتّسع اتساعاً مهولاً بعد اكتشاف واشنطن أن روسيا تريد استغلال انكفائها العالميّ لتفرض أجندتها بالقوة إلى حيث يمكن للمخيلة أن تصل، وليس صدفة أن نقرأ اليوم عن تنفيذ طائرات روسية مشروعا تدريبيا فوق المحيط الهادئ، وتقديم غطاء جوي لهجوم كبير للجيش السوري، بالتوازي مع تصريحات تصبّ في اتجاه استفاقة أمريكية متأخرة على وقع الدب الروسي، ومنها إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه سيبطئ وتيرة خطط سحب الجنود الأمريكيين من أفغانستان، والذي ردّت عليه روسيا بالتشكيك في أن قرار واشنطن سيخفف من حدة الوضع هناك، وتبعه إعلان روسي عن خطط لتنظيم دوريات على مناطق حدود طاجيكستان مع أفغانستان، كما رافقه تنديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ»الموقف غير البناء» للولايات المتحدة الأمريكية لرفضها زيارة وفد روسي لها، وهو موقف يتعلّق، بالضرورة، بانزعاج أمريكي من استخدام الكرملين دعوى محاربة «الدولة الإسلامية» للهجوم على المعارضة السورية المعادية لنظام بشار الأسد.

يكشف الوضع السوري مجموعة من الأوضاع المعلنة والسرّية المعقّدة، فالجميع متفقون ظاهراً على مكافحة «الدولة الإسلامية»، ولكنهم منخرطون في تحالفات غريبة، قد تتّفق في الجوّ، وتختلف على الأرض، أو تتبع تحالفاً ما وتغازل تحالفاً آخر، والكلّ يريد أن يفرض أجندته بغض النظر عن مصالح شعوب المنطقة.

أحد الأمثلة على ذلك (إضافة إلى المثال الإسرائيلي الروسي الفاقع)، هو «وحدات الحماية الشعبية» الكردية، وهي فرع لحزب العمال الكردستاني «الماركسي ـ اللينيني»، والتي تتلقى الأسلحة والذخائر من الولايات المتحدة الأمريكية (العدوّ المفضل لليسار العالمي)، وتتبادل الخدمات مع النظام السوري (ومنها مثلا تبرئته من الهجوم الكيميائي على الغوطة)، وتحضر اجتماعات المعارضة، وتطلب الانضمام للتحالف الروسي، فترحّب روسيا بها باعتبارها من «القوى البناءة» في سوريا!

… وفي خلفية كل ذلك تتابع تل أبيب ودمشق محرقتيهما ضد الشعبين الفلسطيني والسوري.

القدس العربي

 

 

 

روسيا على النهج السوفييتي/ محمد أحمد بنّيس

تدخل الأزمة السورية منعطفاً جديداً مع إقدام روسيا على تدخلها عسكرياً إلى هناك. وعلى الرغم من تذرعها بأن ذلك يدخل ضمن نطاق حماية أمنها القومي من خطر الإرهاب الذي تمثله الحركات الإسلامية المتطرفة، وفي مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سورية، إلا أن قرارها لا يمكن فصله عن التجاذبات الاستراتيجية التي تعرفها المنطقة، ما بدا جليا في استهداف طيرانها الحربي بعض فصائل المعارضة المسلحة، في مسعى دال منها لتغيير موازين القوى على الأرض، لصالح قوات النظام.

على ضوء ذلك، يبدو القرار الروسي ضمن معادلة إقليمية ودولية في غاية التعقيد، وخصوصاً مع انسداد آفاق الحل العسكري والسياسي. ميدانياً، وعلى الرغم من الدعم العسكري واللوجستي الكبير الذي قدمته إيران وحزب الله لقوات الأسد على امتداد الشهور الماضية، إلا أن ذلك لم يغير من واقع الأمر شيئاً، خصوصا مع المتغيرات التي عرفتها معارك ريف دمشق، أخيراً، ما الذي أثار مخاوف صناع القرار في روسيا من سقوط نظام بشار الأسد في أية لحظة، ما سيلحق، إن حدث، أضراراً كبيرة بمصالحها في المنطقة. من هنا، يندرج تدخلها في سياق محاولة تعديل موازين القوى، بما يرجح كفة قوات الأسد، ثم فرض “أمر واقع” يجنّب، من جهة، النظامَ تسويةً سياسية تلقي الأسد خارج ترتيبات المرحلة الانتقالية، ويضمن لها، من جهة ثانية، فرض نفسها فاعلا أساسياً في صياغة هذه التسوية بما يضمن مصالحها، وفي مقدمتها قاعدتها البحرية في طرطوس على المتوسط.

ويتزامن ذلك مع معطيات إقليمية لا يمكن التقليل من شأنها. فالاتفاق النووي الإيراني رتب التزامات على طهران، تدفعها إلى إعادة ترتيب حساباتها في المنطقة، ما يقلص نسبياً من هامش مناوراتها، على الأقل في هذه المرحلة. كما لا يمكن إغفال الأسباب الاقتصادية التي تقف خلف قرار موسكو، من قبيل تأثير انخفاض أسعار النفط على اقتصادها، وسعيها إلى الحصول على منفذ على الخليج، يؤهلها لتكون فاعلاً مؤثراً على الساحة الدولية، ضمن سعيها إلى الدفاع عن مصالحها، والحد من هيمنة الولايات المتحدة. يُضاف إلى ذلك أن هناك إحساساً في مختلف دوائر صنع القرار في موسكو بأن الروس قد خدعوا في ليبيـا، حين سمحوا لدول الناتو بالاستفراد بها، ونهب ثرواتها النفطية، والدفع بها إلى حافة الفوضى، وبالتالي، لا يمكن لهم أن يعيدوا الخطأ نفسه، مهما كلفهم ذلك من ثمن. لكن هذا قد يكون نصف الكأس الملآن. أما النصف الفارغ الذي ربما لا تراه موسكو، فيبدأ من “تمرير” المجموعة الدولية التدخلَ

“غموض” الموقف الأميركي بشأن الأزمة السورية ليس إلا تكتيكاً من واشنطن وحلفائها لإنهاك الدب الروسي” العسكري الروسي، وضرب مواقع المعارضة المسلحة، والتسبب في سقوط ضحايا بين المدنيين السوريين، ما يعني أن الأمر يتعلق بمخطط تشترك فيه قوى إقليمية ودولية لجر روسيا إلى حربٍ تستنزفها على المدى البعيد، وتجعلها تخسر أوراقاً مهمة في مواجهتها مع الغرب. في ضوء ذلك، قد لا يكون “غموض” الموقف الأميركي بشأن الأزمة السورية إلا تكتيكاً من واشنطن وحلفائها لإنهاك الدب الروسي، عبر تشتيت قوته والحد من فاعليته. بهذا، يعيد ما يحدث الآن في سورية إلى الأذهان السيناريو الأفغاني، حين تدخل الجيش الأحمر في نهاية عام 1979 لدعم الحكومة الموالية له في كابول، ما تحول إلى ورطة كبرى، استنزفت قواته هناك عشر سنوات في مواجهات ضارية، خاضها ضد تشكيلات المجاهدين الأفغان، المدعومين من الولايات المتحدة، قبل أن ينسحب، في نهاية الثمانينيات، بعد تكبده خسائر فادحة في العتاد والأرواح. ولم يقو الاقتصاد المنهار، آنذاك، على تحمل الكلفة الباهظة لهذه الحرب، وقد كان لذلك تأثير كبير على سقوط الاتحاد السوفييتي، وتفكيك إمبراطوريته في أوروبا الشرقية، ونهاية الحرب الباردة. ولذلك، يبدي روس كثيرون معارضتهم تدخل بلادهم في سورية، ويعتبرونه دليلاً على إخفاق سلطوية فلاديمير بوتين في إدارة البلاد وحل مشكلاتها الداخلية المتراكمة، خصوصاً أن هناك أوليات اقتصادية واجتماعية تجعل هذا التدخل مفتقداً مبرره الموضوعي، ومقدمةً لنكسة مدوية تلوح في الأفق.

ربما تكون شراسة روسيا في الملف السوري غير محسوبة، وتفتقد خارطةَ طريق واضحة تربط بين أسباب التدخل بالمكاسب المحتملة. كما أن تواضع أدائها الاستراتيجي في مواقع أخرى من العالم، لا يسمح بالحديث عن رؤية واضحة ومتسقة لمواجهة أطماع الولايات المتحدة، خصوصاً في آسيا الوسطى، ما يضعها، بشكل أو بآخر، على درب سلفها السوفييتي.

العربي الجديد

 

 

 

بوعلي بوتين/ روجيه عوطة

مع كتابة إسم “فلاديمير بوتين” باللغة العربية في خانة البحث في “فايسبوك”، تظهر عشرات الصفحات الخاصة والعامة التي تحمل هذا الإسم، وتضيف عليه لقباً أو تضعه في جملة مؤلفة لأجله.

يتأرجح بوتين بين “قيصريته” و”سوفياتيته”، وبين “البطل” و”بو علي”، وبين “الأصلي” و”الأسد”، عدا عن إشهار الحب له، أو تشبيهه بـ”ثعلب الـ كي.جي.بي”. ومن الممكن للمستخدم أن يجد مجموعات كثيرة تختص بالرئيس الروسي، تشكره، وتدخله في شعار مرفوع له، “الله روسيا بوتين…وبس” على وزن “الله سوريا بشار…وبس”.

فلا شك أن الإسم قد يُقرن بآخر من أسماء حلفائه الديكتاتوريين، أو بالأحرى مريديه. “بوتين سوريا الأسد”، “بوتين أبو علي سوريا”، “بوتين الأسد الفارسي”.

وعليه، يبدو “القيصر الماكر” في الموقع الأزرق إسماً لبطولة الممانعة وخلاصها، بالفضل عن كونه يطلق للإشارة إلى فتنتها وحُسنها، وبعبارة أخرى، لإعلان بوتين “ملك جمالها”.

ولما يتصفح المستخدم تلك الصفحات، لا سيما الشخصية، ينتبه إلى أن التشبه ببوتين غالباً ما يتخذ شكلاً ومضموناً موحّدين. حيث أن منفذه يختار صوراً مغبشة لقيصره، أو لموضوع متعلق به، كسلاح الكلاشينكوف أو البوارج الحربية أو أمين عام حزب الله حسن نصرالله، أو شعار “الحشد الشعبي”، أو بشار الأسد مع عائلته، أو الخامنئي إلخ.

فتلك الـ”بروفايلات” تُجمع فيها كل أسماء الممانعة ورموزها حول إسم بوتين، وتجعله الأبرز بينها، لا سيما أنه ذلك “الأجنبي” الذي انتقل من بلاده إلى بلادها بغاية دعمها والقضاء على “أعدائها”. فهو عندما يصور  بالقرب من سيارته، حاملاً سلاحه ومنظاره العسكري، يظهر كبطل هوليوودي، كما أنه ذلك النجم الجدير بهيام الممانعين والممانعات، الذين يذهبون بحبهم له إلى حد التكلم عن طائراته كأنها نوعاً من “طيور العشق”.

يلاحظ المستخدم أن أصحاب الصفحات الـ”بوتينية” لم ينسوا عيد ميلاد الرئيس الروسي، إذ وجهوا إليه معايداتهم ورسائلهم، تماماً مثلما يفعلون حيال قتلة ممانعتهم. كما أنهم لا ينسون تركيب الصور، التي يظهر فيها متحدثاً عن هؤلاء الزعماء، “لن أتخلى عن الأسد حتى لو أصبح القتال في شوارع موسكو”، أو يتفق معهم حول “الدولة الإسلامية” و”الغرب”، قائلاً “أي حل أو إتفاق سياسي لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد القضاء على الإرهاب”.

هذا، ويتنبه المستخدم إلى أن حضور بوتين كإسم شخصي، وكشخصية عامة، يترافق على الدوام مع نشر صور الفتيات الروسيات، وشعارات الشيوعية، بالإضافة إلى صور غيفارا ولينين وماركس. وبالتالي، يكون بوتين زير نساء، يُعلن الولاء من خلالهن، كأنه يختزلهن، أو كأنه شرط وجودهن بالتحديد.

فلا مجال عند الممانعين، المأخوذين بصورة “القبضاي”، سوى أن يسموا أنفسهم بإسمه، ويتماثلوا معه، بهدف استحضار معرفتهم البائسة عن روسيا، رابطين إياها بتاريخها السوفياتي، أو بتنميطها الذكري بنشر صور “الروسية”. بوتين، بحسبهم، إسم علم، وإسم صورة، وإسم إثارة، وإسم قوة، وإسم مفقودهم الذي صار على هذا الوضع مع انهيار جدار برلين، كما أنه إسم المستبدين بهم في سوريا ولبنان وإيران.

ولا يخفى على المستخدم أن أغلب مطلقين إسم “بو علي” على أنفسهم وصفحاتهم، يربطون عصبيتهم الطائفية بعصبيتهم البوتينية، التي، في بعض الأحيان، تتحول من إسم شخصي إلى طريقة تسمية روسية، كما هي حال الفايسبوكي “مازينوف أسدوف”. فالأخير، وقد رفع صورة بوتين لشخصه، وصورة حافظ الأسد كغطاء لها، ينشر بوستات “وطنية”، تتكلم عن “العرين” الذي يحميه السلاح السوري-الروسي، أي الأسدي-القيصري المشترك. وبالطبع، اللغة التي يستعملها الـ”بوتنيون” مليئة بالشتائم والإهانات، وهم يستندون إليها كي يمجدون “بطلهم”، مرةً، بتشبيهه بستالين، ومرةً، باعتباره “إبن أصل”.

لقد أطلق هؤلاء إسم بوتين على أنفسهم الفايسبوكية من أجل أن يشبهوا أنفسهم به، فيمدهم بما يرونه فيه من سمات القوة والنجومية والخلود والإثارة. فهم لا إسم لهم لولا وجوده، ولا صورة لهم لولا صورته، ثم، أنهم لا شيء يقولونه سوى أقواله وأفعاله، التي يشددون عليها نظراً إلى كونه “أجنبياً” وفي الوقت نفسه يدعم زعمائهم ويتولى أمور حربهم.

وقد نشر واحد من الممانعين، الذين يحملون إسم الرئيس الروسي، صورة لطائرة حربية، فعلق أحد رفاقه عليها: “هذه الأميرة سوخوي زوجة الأمير فلاديمير”!

المدن

 

 

 

لماذا تخشى إيران أيضا التدخل الروسي في سوريا؟

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

نشرت صحيفة «المونيتور» مقالا تحليليا لـ«عباس قايداري» وهو محلل إيراني في شؤون الأمن الدولي وقضايا الدفاع، يتحدث المقال حول المخاوف المحتملة لإيران من التدخل الروسي في سوريا، وأنه ربما لا يصب في مصلحتها كما يبدو في ظاهر الأمر.

ووفقا للمقال، فقد أصحبت الأوضاع المعقدة بالفعل في سوريا والعراق أكثر تعقيدا الآن بعد الإعلان عن قاعدة قيادة لتبادل المعلومات الاستخباراتية قد تشكلت من قبل إيران وروسيا وسوريا والعراق. من المقرر أن تقام القاعدة في بغداد، وتهدف إلى تعزيز التعاون في مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية».

وأشار المقال إلى التقارير الأولية حول هذه المبادرة في الأصل من قبل وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، ونقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي روسي قوله: «سيتم تشكيل هذه القاعدة للاستخبارات المشتركة من ممثلي رؤساء الأركان العسكرية المشتركة لكل من هذه الدول الأربع.. الهدف الأول للقاعدة هو جمع المعلومات الاستخباراتية بشأن المنطقة في إطار محاربة المجموعة الإرهابية».

وأضاف المصدر الروسي أنه «بعد جمع البيانات، سيتم تحليلها وسوف يتم في نهاية المطاف إرسالها إلى المنظمات ذات الصلة في القوات المسلحة من كل من هذه البلدان. ستنتقل قيادة القاعدة بالتناوب بين الدول الأعضاء كل ثلاثة أشهر وسوف يكون العراق هو الرئيس الدوري الأول». وذكر الممثل الرسمي لروسيا في القاعدة «سيرجي كيورالنكو» كذلك أن «البلدان الأربعة سيكون لها مسؤوليات متساوية في تنسيق مكافحة الدولة الإسلامية وسيتم تحديد مسؤوليات كل جانب عبر ميثاق خاص سيتم اعتماده قريبا».

على الرغم من أن وسائل الإعلام الروسية والمسؤولين الروس كانوا واضحين جدا وتفصيليين بشأن الحديث حول هذه القاعدة، يبدو أن المسؤولين الإيرانيين لا يزال لديهم شكوكهم. على سبيل المثال، السفير الإيراني لدى العراق «حسن دانيفار» قد قام بالرد على هذه الأنباء بالقول: «هذه مجرد شائعات .. ليس الأمر خطيرا كما يبدو. إيران لديها خططها الخاصة لمكافحة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وتشمل هذه الخطط اللوجستيات التشاور والتدريب ونحن نواصل بجد العمل عليها». وقال الرئيس الإيراني «حسن روحاني» أمام جمع من الإعلاميين خلال زيارته الأخيرة إلى نيويورك: «طلب مني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل شخصي تشكيل تحالف استراتيجي معه ضد الإرهاب في سوريا. ومع ذلك لا يوجد الآن تحالف استراتيجي بين طهران وموسكو».

في هذه الأثناء، يبدو المسؤولون العراقيون أكثر حماسا بشأن هذه القاعدة. وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي، «سعد الحديثي»، لوسائل الإعلام الفرنسية: «قاعدة تبادل المعلومات الاستخباراتية التي تبدو على وشك التشكيل هي عبارة عن لجنة تنسيق مشتركة بين البلدان الأربعة المذكورة. والقضايا الأمنية سوف تحدد بالضبط متى ستبدأ هذه اللجنة في أداء مهمها».

جدير بالذكر أن الولايات المتحدة لم ترحب بتشكيل هذا الائتلاف الاستخباراتي العسكري. وكان رد فعل نائب وزير الدفاع الأمريكي «روبرت وورك» على الأنباء حول القاعدة المشتركة بالقول: «تفاجئنا بدخول العراق إلى هذا الائتلاف مع سوريا وإيران وروسيا. ومن الواضح أننا لن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع سوريا أو روسيا او إيران. لذلك نحن في صدد العمل على معرفة ما الذي ينويه العراق بالضبط، نحن لن تقدم أي معلومات سرية لمساعدة تلك الجهات في ساحة المعركة».

خلال الأسابيع الماضية، قامت روسيا باستعراض عضلاتها في الشرق الأوسط. حيث قامت بإرسال عشرات الطائرات المقاتلة وقاذفات القنابل والدبابات والمدفعية وقوات الكوماندوز إلى سوريا من أجل محاربة الجماعات المعارضة لحكومة الرئيس «بشار الأسد»، رغبة موسكو الواضحة لزيادة وجودها العسكري في سوريا والمنطقة تدل على أن «بوتين» يتطلع لنظام إقليمي جديد. وكانت روسيا بالفعل نشطة في المنطقة، على سبيل المثال، عن طريق توفير المقاتلات سوخوي إلى العراق، وتوفير الدعم السياسي والعسكري لسوريا، وكذلك الحفاظ على الوجود البحري في الموانئ السورية في اللاذقية وطرطوس.

ومع ذلك، تظهر تصرفات روسيا مؤخرا أن موسكو عازمة على استبدال إيران وحزب الله، وأن تصبح هي القوة الجديدة المسؤولة عن العمليات العسكرية في العراق وسوريا. في موازاة ذلك، يبدو أن الحكومة الروسية قلقة حول بقاء «الأسد» في السلطة وبالتالي تسعى إلى تحقيق فكرة الدولة العلوية في المنطقة الساحلية السورية. وبوضع هذا الأمر الأخير في الاعتبار، فمن الواضح أن تشكيل قاعدة الاستخبارات المشتركة، فضلا عن الوجود العسكري المباشر لروسيا في سوريا، سوف يخلق مشاكل متعددة لإيران.

مخاوف إيران

وعدد المقال مجموعة من العوامل التي تتسبب في تعميق المخاوف الإيرانية من التواجد الروسي في سوريا:

أولا هذه العوامل، وفقا للصحيفة، هو أن التعاون الاستخباراتي ومشاركة البيانات العسكرية يمكن أن يؤدي إلى إكساب موسكو المزيد من المعلومات حول القدرات العسكرية لحزب الله. وبالنظر إلى صمت رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» وموافقته الضمنية بخصوص التدخل الروسي في سوريا فمن الممكن مستقبلا أن (إسرائيل) سوف تحظى بميزة الحصول على معلومات سرية بشأن إيران وقدرات حزب الله العسكرية عبر روسيا.

ثاني هذه العوامل هو أن كلا من إيران وحزب الله قد دفعا إلى الآن الثمن الأكبر عسكريا وأمنيا في سوريا. وجود روسيا قوية في البلاد يمكن أن يضعف بسهولة المواقف القوية لإيران وحزب الله. وبالتالي إضعاف موقف طهران في أي مفاوضات سياسية مقبلة حول مستقبل سوريا.

وثالثا، قامت إيران بالفعل بتقديم الدعم الاستخباراتي لكل من العراق وسوريا، وقد تم تقديم الاستخبارات البشرية وأشارات الاستخبارات لهذه البلدان باستخدام طائرات بدون طيار وفرق استخباراتية.

في الواقع، لا ينبغي أن يغيب عن البال أن هناك تاريخ من التعاون الأمني والاستخباراتي بين روسيا وإيران والعراق وسوريا، هذه الدول لديها بالفعل، بشكل منفصل عن بعضها البعض، اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

وأخيرا، فإن طمأنة روسيا لـ(إسرائيل) بشأن التطورات الجديدة في ساحات القتال في العراق وسوريا يجعل الوضع أكثر تعقيدا.

وهكذا، وفقا للمونيتور، يبدو أن إيران تعتقد أن العيوب والعقبات المحتملة للتدخل الروسي أكبر بكثير من مزاياه. وبناء على هذه الخفية فقد أشارت تقارير أن «المئات من القوات العسكرية الإيرانية دخلوا سوريا من أجل تنفيذ عمليات برية داخل هذا البلد».

وختمت الصحيفة مقالها بالقول إنه، واستنادا إلى البيانات المتاحة، يبدو أن إيران بطبيعة الحال لا ترغب في التنازل عن المناصب العليا في العراق وسوريا إلى بلد آخر، ومع ذلك، فإن طهران ترحب وتدعم رغبة روسيا في محاربة الإرهاب في المنطقة.

المونيتور

 

 

 

صواريخ كروز الروسية بين التأثير والدعاية/ فايز الدويري

اتخذت روسيا موقفا واضحا ومحددا من الأزمة السورية منذ انطلاقها، تلخص في دعم النظام السوري، وتمثل ذلك بتأمين الغطاء والحماية السياسية على المستوى الدولي، وتقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية له.

وتصاعدت وتيرة المساعدات العسكرية المقدمة، حيث اشتملت على أسلحة ومعدات وذخائر نوعية، كما بدأت روسيا في حشد قواتها في منطقة الساحل السوري، وتحديدا في قاعدة طرطوس البحرية وفي مطار حميميم وفي مدينة حماة.

صباح يوم الثلاثين من سبتمبر/أيلول الفائت بدأت روسيا حملتها الجوية تحت عنوان محاربة تنظيم الدولة، ولكن التقارير الاستخباراتية العالمية والتقارير الخارجة من الميدان أثبتت عدم صدقية التقارير الروسية، حيث ثبت أن 95% من الغارات الروسية استهدفت مواقع المعارضة السورية المعتدلة والمعارضة الإسلامية، وأن المناطق التي تم استهدافها تقع خارج سيطرة تنظيم الدولة منذ أكثر من عام ونصف العام، وقد أدت تلك الغارات إلى تدمير كبير في البنية التحتية، كما أدت إلى وقوع العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح، بينهم نساء وأطفال.

ومن أجل إيهام العالم بأنها تحارب الإرهاب قامت روسيا بتنفيذ ست غارات جوية على مواقع لتنظيم الدولة في مدينة القريتين ومدينة الرقة.

كما صعدت القوات الروسية هجماتها صباح الأربعاء الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتمثل ذلك في تقديم الإسناد الجوي القريب للقوات السورية التي شنت هجوما واسع النطاق على أربعة محاور في ريف حماة الشرقي والشمالي والغربي، وهجوما آخر في سهل الغاب، وجاء ذلك ترجمة عملية لتصريح الرئيس بوتين (إنه ستتم المزامنة بين عمليات الجيش الروسي وتلك التي ينفذها الجيش السوري على الأرض).

أما التصعيد الآخر فتمثل في قيام أربع سفن حربية روسية ترسو في بحر قزوين (على بعد 1500كيلومتر) بإطلاق 26 صاروخا من نوع كروز الروسي على 11 هدفا تمثل مواقع لتنظيم الدولة وجبهة النصرة تقع في محافظات الرقة وإدلب وحلب، جاء ذلك على لسان وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو عندما أبلغ الرئيس بوتين بذلك، مدعيا أنها أصابت أهدافها بدقة، في حين لم تأت التقارير القادمة من الداخل السوري على ذكر ذلك باستثناء موقع أعماق التابع لتنظيم الدولة الذي أشار إلى سقوط صاروخ في مدينة الطبقة محدثا دمارا كبيرا.

بينما ذكرت وكالة “سانا” -نقلا عن مصدر عسكري سوري- أن صواريخ كروز الروسية دمرت مواقع ومراكز قيادة ومستودعات أسلحة للإرهابيين.

الحملة العسكرية الروسية تعمل على مسارين متوازيين، هما:

– المسار العسكري المتمثل في الضربات الجوية على مواقع المعارضة المعتدلة والإسلامية، وتقديم الإسناد الجوي القريب للقوات السورية العاملة على الأرض.

– المسار الإعلامي، حيث حشد النظام الروسي وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب لتسويق غزو سوريا تحت عنوان الحرب على الإرهاب وحماية الأمن القومي الروسي من خطر عودة ما يقرب من 2400 مقاتل روسي مسلم حال انتصار الثورة السورية إلى روسيا، أي تطبيق مبدأ الضربة الاستباقية.

وقد وصلت درجة المبالغة الإعلامية أن أدرج خبر الحرب على تنظيم الدولة في النشرات الجوية التي أفادت بأن الطقس في سوريا يساعد على شن ضربات جوية ناجحة، كل ذلك من أجل حشد الرأي العام الروسي لدعم خطة الرئيس بوتين في الحرب على الإرهاب.

عدم تكرار القصف الصاروخي حتى الآن يشير إلى أن تلك المحاولة تأتي ضمن إطار استعراض القوة الروسية وبيان قدراتها القتالية الكبيرة أكثر منه استخداما عسكريا يسعى لتحقيق أهداف ميدانية وعملياتية، كما أنه يندرج تحت محاولة إقناع الشعب الروسي أولا بأن روسيا لا تزال قوة عالمية عظمى قادرة على منافسة الولايات المتحدة الأميركية، وليس كما يدعي البعض أن روسيا ليست سوى مجرد قوة إقليمية عظمى.

كما تهدف في رسالتها الثانية -وهي موجهة إلى المعارضة السورية وتنظيم الدولة- إلى أن روسيا جادة في حربها، وستحقق أهدافها بكافة الوسائل المتاحة لديها، والتي لا يستطيع الطرف الآخر مواجهتها.

من الضروري الإشارة إلى أن القدرات الروسية في مجال صواريخ كروز محدودة، وذلك استنادا إلى تصريح ألكسندر سوخورو موكوف نائب وزير الدفاع الروسي عام 2012، وملخصه أنه من المتوقع أن تصبح صواريخ كروز الإستراتيجية الجديدة من عتاد القوات الجوية الروسية، وقد أجريت عليها تجربتان ناجحتان.

في حين تحد معاهدة التخلص من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى التي أبرمت عام 1989 من إمكانية امتلاك روسيا صواريخ كروز تطلق من البر.

الجزيرة نت

 

 

 

التدخل الروسي يمنع تقسيم سورية أم يعجل فيه؟/ عادل مالك

الدب الروسي يتجول بحرية مطلقة في الأجواء السورية في «أم المعارك» مع تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وشركاه، فيما «زئير» طائرات «السوخوي» و «الميغ» يملأ الآفاق بعد تلقيها دعوة رسمية للتدخل في العمق السوري وفق تحركات الإرهاب التكفيري، وإصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الاحتفاظ بـ «حصة الأسد» («الحياة» السبت، 3/10/٢٠١٥).

ونظراً للازدحام الشديد في فضاء سورية من مختلف أنواع المقاتلات من شرق وغرب، فالضرورة تقضي بالتنسيق بين المعسكرين منعاً لأي اصطدام في الأجواء السورية. لذا بادر الرئيس بوتين إلى توجيه دعوة إلى واشنطن للتنسيق في هذا المجال منعاً لأي اصطدام، لكن الولايات المتحدة تباطأت بالرد، ما أغضب سيد الكرملين وجعله يفتح النار على الجانب الاميركي، ومما قاله: «طلبنا من واشنطن تزويدنا بلائحة الأهداف التي تهمهم، لكن الجواب كان لا، نحن غير مستعدين لذلك».

ومضى بوتين قائلاً: «عدنا وطرحنا سؤالاً آخر: قولوا لنا أين يجب أن نضرب؟ لكن لا جواب أيضاً. هذه ليست مزحة، فكيف يكون ممكناً العمل معاً؟

ولشدة غيظه من اللامبالاه، استشاط غضباً وقال: «أعتقد أن بعض شركائنا مصابون بتشويش ذهني، وليس لديهم أي فهم واضح لما يجري حقيقة وما هي الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها؟». وتعرض إلى «العملية المجوقلة» الخاصة بإلقاء الأسلحة إلى معارضي الرئيس الأسد بقوله: «إن الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أعلن عن إلقاء كميات من الذخيرة والعتاد من الطائرات لدعم الجيش السوري الحر، فأين هي الضمانات بأن هذه الذخيرة والعتاد لن تقع مجدداً في أيدي إرهابيي «داعش» كما حصل أثناء تدريب قوات أخرى للمعارضة السورية»؟

وحقيقة الأمر ان الطائرات الاميركية التي ألقت 50 طناً من الأسلحة والذخائر لمجموعات مقاتلة من الأكراد، سقط ما ألقته في موقع آخر. ووجد بوتين المناسبة للنيل من قوات التحالف فقال: «إن عمليات الائتلاف الدولي الذي شن أكثر من 500 غارة على الأراضي السورية منذ أكثر من سنة لم تسفر عن نتائج تذكر».

وأضاف: إن روسيا لا تسعى إلى الزعامة في سورية في أي شكل من الأشكال وإنما إلى المساهمة في مكافحة الإرهاب الذي يهدد الولايات المتحدة وروسيا والدول الاوروبية والعالم برمته… وكل العمــليات الروســـية تنفذ مع مراعاة صارمة لميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي، وهذا ما يميز الحملة الجوية الروسية في سورية عن الغارات التي يشنها الائتلاف الدولي الذي يعمل من دون تفويض مجلس الأمن وموافقة السلطات السورية».

من الواضح أن العملية «الانتخابية» الروسية أججت العلاقات بين موسكو وواشنطن بما يذكر بعهود الحرب الباردة. آنذاك كان اندريه غروميكو وزيراً للخارجية السوفياتية وبقي لفترة طويلة، لكن من يتولى وزارة الخارجية حالياً سيرغي لافروف يقوم بأدوار ديبلوماسية بارزة، وقد تابعت له عدة مواقف وسجلت له تصريحات ذات دلالات معينة. فقد قال في استقباله المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا في موسكو: «أكدنا مراراً أن حملتنا التي جاءت استجابة لطلب الحكومة السورية لا تعني جعل العملية السياسية تدخل طي النسيان. على العكس، هناك من يقول إن عملية سلاح الجو الروسي تعرقل العمل السياسي لكنني واثق من أن المراقبين الموضوعيين يرون بوضوح أن مثل هذا الربط يحمل طابعاً اصطناعياً. لقد دخلنا مرحلة حرجة مرتبطة بالجهود المبذولة لتسوية الأزمة». وطرح في حديث لقناة «ان- تي- في» الروسية أن «موسكو لا تشك في أن جزءاً كبيراً من الأسلحة التي ترسلها واشنطن إلى المعارضة السورية يقع في أيدي الإرهابيين».

ولمزيد من الصدقية، كشف الجنرال ايغور كونا شينكوف أن طائرات من نوع سوخوي 34 و24 و25 نفذت خلال 24 ساعة 88 طلعة قتالية وضربت 86 موقعاً للبنية التحتية التابعة للإرهابيين في الرقة وحماه وادلب واللاذقية وحلب.

وقد لاحظت وأنا أتابع المؤتمر الصحافي للوزير لافروف في الامم المتحدة أنه أشار إلى «ان العلويين في سورية يتعرضون للاضطهاد كما سائر الأقليات»، وهذه هي المرة الأولى التي يصدر مثل هذه التسمية عن الجانب الروسي. وفي سياق متصل، لوحظ أن الرئيس بوتين كرر عبارة: «عدم خوض حرب دينية في منطقة الشرق الأوسط»، مضيفاً: «نحن لا نتدخل في الخلاف القائم بين السنة والشيعة».

ويبدو أن بيان الكنيسة الارثوذكسية في موسكو في تأييد التدخل الروسي حرك حساسيات طائفية يغلي بها الشرق الأوسط، خاصة الآن.

وحول انخراط روسيا عسكرياً، صدر العديد من ردود الأفعال نتوقف عند أبرزها:

– قال بوتين ولأول مرة، وأيده وزير خارجيته، إن تدخل روسيا بالطيران تم «لمنع تقسيم سورية».

ويقابل هذا الكلام قول يشير بوضوح إلى أن مسار الأحداث قد يفضي إلى تغيير جذري جيو سياسي يقوم على التالي:

– طالما أن الرئيس الأسد لن يتمكن من استعادة السيطرة على كامل أجزاء سورية، يبقى «الخيار المزدوج»: سورية تجمع الأسد ومناصريه في جغرافيا محددة، فيما يتنازع باقي الأجزاء السورية من ستكون له الغلبة: بين «داعش» ومعارضات لم تتمكن حتى الآن من تقديم وجه بارز يتمتع بصدقية معينة.

– ويرى اميركيون ممن تعاطوا في السنوات الأخيرة مع «العامل السوري»، أن الاحداث الجارية لن تنتهي بمنتصر ومهزوم بل بمنتصرين ومهزومين معاً.

كيف؟ سورية الأسد وجيشه العقائدي الذي لن يعلن ولاءه لأي طرف آخر،»وسورية الأخرى» غير الواضحة المعالم حتى الآن.

ونحن في هذه المعلومات لا نسوّق لمشروع تقسيم سورية إطلاقاً، لكن التعاطي مع الواقع هو ما يقدم صورة عملية وصحيحة. فأي تغيير في الخريطة لا يهم فقط الداخل السوري بل ستكون له انعكاسات وترددات على عدد من دول المنطقة وخاصة دول الجوار.

ونذكّر بالحوار الذي جرى بين الأسد ووزير خارجية تركيا (في حينه) أحمد داوود اوغلو، بعد اجتماعهما على مدى ست ساعات ونصف الساعة.

قال اوغلو: أحمل لك ما يردده الرئيس اردوغان من أنه كان يتمنى ألا يتم تقسيم سورية في عهدك.

رد الأسد: سلم على رئيسك اردوغان وأبلغه: إذا ما تم تقسيم سورية فلن يقتصر الأمر عليها فحسب، بل إن دولاً عدة سيزحف إليها التقسيم وفي طليعتها تركيا.

ومعلوم أن العاصمة التركية انقره شهدت أخيراً تفجيراً إرهابياً كبيراً أسفر عن مقتل ما يقرب من مئة شخص وجرح المئات، ما أضعف الرصيد الشعبي للرئيس التركي اردوغان الذي فشل في الانتخابات الأخيرة في الحصول على الأكثرية، ويستعد للانتخابات الجديدة التي ستجرى خلال أيام قليلة، لكن الأمل يتضاءل بإمكانية حصول «حزب العدالة والتنمية» على أكثرية تمكنه من تأليف حكومة جديدة، وقد يضطر للاعتماد على الاحزاب المعارضة التي حققت في الانتخابات الأخيرة نتائج بارزة. وكل هذا يعني أن الغالبية الشعبية لم تعد توافق على سياسات اردوغان بما فيها الموقف من سورية.

كذلك قالت مجموعة الدول الاوروبية في بيان رسمي: «إن هذا التطور أحدث تغييراً أساسياً في اللعبة»، والسؤال: ما هي هذه اللعبة، واستطراداً: ما بديل هذه الخطة ومن هي الجهة المنفذة لها؟

ويبقى مصير الأسد من النقاط الرئيسة المختلف عليها، حيث تقول روسيا: «دعوا مصير الأسد يقرره السوريون في انتخابات عامة». ومصير الأسد، وغيرها من القضايا المعلقة متروكة للتطورات المرتقبة خلال الشهور القليلة المقبلة، عندما يتضح ما الإنجازات التي حققتها روسيا على صعيد محاربة «داعش» وسائر المجموعات الإرهابية. ويقول مصدر روسي بارز لـ «الحياة» ان الموقف الروسي يستهدف بالدرجة الأولى «تقليص إمكانات «داعش» والتنظيمات الارهابية الأخرى، لكن بوتين حذر جداً من أن يتحول الوجود الروسي في سورية إلى «حرب استنزاف»، وهذا ما لا تريده غالبية الشعب الروسي». ويضيف: «إن التقدير الذي وضعه بوتين مع القادة العسكريين يتطلب «إنجاز المهمة» في قصف إرهابيي «داعش» ما بين أربعة إلى ستة شهور». ونسأل: ماذا إذا لم يحدث ذلك؟ جواب: «عندها لكل حادث حديث وهذا يعني التغيير الجذري المنتظر في المنطقة والذي سيبدأ من سورية، والعراق استطراداً».

وهل هذا يعني حل… التقسيم؟ لا يلتزم المصدر الروسي بجواب محدد ويكتفي بتكرار القول إن وجود القوات الجوية الروسية في الأجواء السورية يمكّن أفراد الجيش السوري النظامي الذي لا يزال موالياً لسلطة الأسد من القيام بعمليات أكبر وأوسع في البر السوري (وهذا ما لوحظ فعلاً في الأيام الأخيرة)، وكأن الغطاء الجوي الروسي يؤمن الفضاء، فيما القوات البرية تتابع تعقبها لمقاتلي «داعش» و «النصرة».

وإذا كان التدخل الروسي قد يؤدي إلى إنقاذ نظام الأسد، فبوتين يصر على المضي في هذه «الحرب الاستباقية» خشية أن ينتقل مقاتلو «داعش» أو غيرهم من التنظيمات الارهابية إلى الداخل الروسي. والخشية الأساسية لموسكو هي أن ينضم إرهابيو سورية لإرهابيي روسيا من بقايا حرب الشيشان إلى مقاتلين آخرين ضد السلطة المركزية في الكرملين.

وبعد…

في اتصال لي مع المستشار السابق للأمن القومي الاميركي الدكتور زبغنيو بريجينسكي، يقول إنه «أيد الرئيس باراك اوباما بالامتناع عن استخدام القوة في المأساة السورية»،

مضيفاً: «إن اللجوء إلى القوة الاميركية في إطاحة الأسد ليس من المنطق في غياب الإجماع المحلي في سورية واميركا على حد سواء».

ويطرح بريجينسكي التصور التالي: «التدخل العسكري الروسي يسهم في تسليط الضوء على العجز السياسي الاميركي، وبالتالي مستقبل المنطقة وصدقية الاميركيين في أوساط دول الشرق الاوسط ووضعها على المحك».

إذاً ما الاقتراح الممكن؟ يرد بريجينسكي: «لا تملك الولايات المتحدة غير خيار واحد: دعم مصالحها في المنطقة، ودعوة موسكو لوقف الأعمال العسكرية التي تؤثر مباشرة على المصالح الاميركية وعدم منع روسيا من حقها في دعم الأسد».

ومن دون إعلان ذلك، يخشى مستشار الامن القومي السابق «أن تنتشر الفوضى الاقليمية إلى الشمال الشرقي وتتفشى عدواها في آسيا الوسطى وشمال شرق آسيا وألاّ تنجو الصين وروسيا من ارتدادات تفشي العنف والفوضى، ما يلحق الضرر بمصالح اميركا وأصدقائها ويقوض الاستقرار الاقليمي. لذا آن أوان التحلي بجرأة استراتيجية».

هكذا يفكر الاستراتيجيون على المدى القريب والمتوسط والبعيد. وعندما يتكلم بريجينسكي يجب الإصغاء له، فهو الأول الذي توقع انهيار الاتحاد السوفياتي قبل انهياره بثلاث سنوات.

ونخلص من هذا العرض إلى أن أزمة سورية ليست محصورة بحدودها فحسب، بل إن مخاطر ما يجري تتخطاها إلى أبعد من ذلك بكثير.

وأخيراً: ألا تذكرون أن»الاتفاق النووي الايراني قد بدأ سريان مفعوله؟

* إعلامي لبناني

الحياة

 

 

 

 

مزاد بوتين لبيع الأسد ونصرالله/ احمد عياش

نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى الآن في جذب العالم الى الملعب السوري فارضاً على الخصوم والحلفاء اللعب بشروطه الى حد بعيد. وحدد عند الانطلاق في العملية العسكرية اهدافها وسقفها الزمني على النحو الآتي: محاربة الارهاب وإيجاد حل سياسي في حدود أربعة أشهر.

في لبنان باشر السفير الروسي ألكسندر زاسبكين فور تبلغه قرار الدوما الروسي تغطية العملية في سوريا بعقد لقاءات عاجلة مع المسؤولين وسلمهم نسخة عن القرار. ما اهتم به “حزب الله” في القرار، هو عزم روسيا على استخدام سلاحيّ الطيران والصواريخ، والسبب يعود الى الاتفاق الذي عقده مسؤول إيراني كبير بتكليف من المرشد الامام علي خامنئي في موسكو عشية العملية الروسية يقضي بتوفير بوتين التغطية الجوية الكاملة مقابل توفير طهران التغطية البرية الكاملة. وهكذا يريد الرئيس الروسي أن يحقق مكاسبه جوا بينما يريد ولي الفقيه الايراني تحقيق مكاسبه أرضا. أما الرئيس السوري بشار الاسد فهو عالق ما بين الجو والارض ليتبين أي مصير ينتظره في نهاية مهلة بوتين.

آلاف المقاتلين الذين زجّ بهم الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في الحرب السورية حاليا بتكليف من خامنئي وآلاف المقاتلين الايرانيين الذين قالت مصادر عسكرية سورية انهم وصلوا خلال الايام الاخيرة الى مطار حميميم في اللاذقية هو ترجمة حرفية لاتفاق موسكو. أما التزامات بوتين الجوية فهي تُنفّذ على طريقته وفيها التنسيق مع واشنطن وإسرائيل معا. وكان لافتا في الساعات الماضية إعلان وزارة الدفاع الروسية عن إقامة خط مباشر بين مركز قيادة الطيران الروسي في قاعدة حميميم ومركز قيادة سلاح الجو الاسرائيلي.

لا أحد يعلم كيف ستنتهي العمليات العسكرية وما هي أكلافها في صفوف أطرافها والتي ستكون عالية جدا بسبب كثافتها ونوعية السلاح الذي يستخدم فيها. لكن ما هو معلوم أن بوتين ملزم احترام فترة السماح التي نالها من الغرب وبحماسة من المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل من أجل إيجاد حل سياسي خلال 4 أشهر. وحسبما يرى أندريه كوليسنكوف الصحافي الروسي في برنامج تحقيقات للـ”بي بي سي” فإن الاسد أصبح “الحليف الاخير” لموسكو في الشرق الاوسط بعدما فقدت الرئيسين العراقي والليبي صدام حسين ومعمر القذافي وإبرام طهران الاتفاق النووي. لكن الغرب متحد وراء مطلب تغيير الاسد الذي ستكون تكلفته باهظة على الكرملين إذا ما قرر الابقاء عليه. وأفادت وكالة “آكي” الايطالية نقلا عن مصادر لها صلات بالنظام السوري ان روسيا ستطلب قريبا خروج “حزب الله” من سوريا في إطار الحل الذي يحضّر له.

لماذا التزم بوتين مهلة الـ 4 أشهر والتي تنتهي عملياً في نهاية كانون الثاني المقبل؟ على ما يبدو أن الرئيس الروسي هندس المهلة على إيقاع تنفيذ الاتفاق النووي. أما خامنئي فيهندس تدخله على ما سيحققه على الارض. باختصار، المزاد قد انطلق.

النهار

 

 

 

 

 

المشوّشان بوتين وأوباما!/ راجح الخوري

عندما يقول فلاديمير بوتين إن الأميركيين مصابون بتشوّش ذهني، فهو يعني تحديداً ان باراك أوباما هو المجنون!

قد يكون أوباما في نظر الكثيرين من أعداء أميركا وحتى أصدقائها في الشرق الاوسط مجنوناً، وليس خافياً انه حتى في نظر كثيرين من الأميركيين، وبينهم جون ماكين وكوندوليزا رايس وروبرت غيتس ودينيس روس وروبرت فورد وفريديريك هوف وغيرهم من وزراء الدفاع الذين عملوا معه في ملفات الشرق الاوسط وخصوصاً الملف السوري، مشوش ذهنياً لأنه يواصل التراجع أمام الروس والإيرانيين، ويضعف أميركا ويسحبها من واجهة العالم الى الصفوف الخلفية!

ولكن أوليس بوتين مشوشاً ايضاً عندما يضع كل المعارضين السوريين للنظام السوري والرئيس بشار الأسد في سلة أبو بكر البغدادي ويعتبرهم دواعش ارهابيين يجب القضاء عليهم؟ أوليس مشوشاً عندما يعطّل التسوية السلمية منذ إعلان “المبادرة العربية” قبل اربعة أعوام، ثم عندما يحبط مؤتمر جنيف بنسف المحتوى التنفيذي لعملية الإنتقال السياسي، ليأتي الآن داعياً الى الحل السياسي الذي عرقله دائماً من طريق دعم الحرب على المعارضة السورية، ولم يكن هناك لا “داعش” ولا “نصرة” بل الكثير من الأحزان؟

بوتين يقول إن الأميركيين يتهمونه بقصف المعارضة السورية وتحييد “داعش”، وإنه عندما طلب منهم اعطاءه بنك الأهداف الداعشية أو إرشاده أين يجب ان يقصف رفضوا، فوجد في ذلك انهم مضطربون ومشوشون ذهنياً، لكنهم وفق حساباتهم سيكونون مضطربين ومشوشين عقلياً اذا وضعوا أنفسهم في خدمة الحملة العسكرية الروسية، التي تأتي بعد فشلهم في وقف “داعش” بعد عام على قيام الائتلاف الدولي لمحاربة الارهاب!

ولعل من ملامح التشوّش ان تواظب موسكو يومياً على دعوة واشنطن للإنضمام الى حملتها العسكرية في سوريا، بما يعني ان يكون أوباما أحد المرتزقة عند بوتين، لكن التشوّش الأميركي نافر وله دوي وخصوصاً مثلاً عندما يسارع الناطق باسم التحالف الدولي ستيف وورن الى الرد على سخرية بوتين من فشل برنامج أوباما لتدريب “الجيش السوري الحر”، فيقول إن البرنامج مستمر وان جزءاً كبيراً من مبلغ الـ ٥٠٠ مليون دولار سينفق على تزويد المعارضة السلاح، وان الخمسين طناً من الاسلحة التي ألقيت الى المعارضة تأتي في هذا السياق!

غريب، أوليس من التشوش ان يكتفي أوباما بتعداد القتلى زمناً، ليبدأ الآن بإسقاط الأسلحة الى “الجيش السوري الحر”، وقد سارع بوتين الى الإعراب عن خشيته ان تصل الى العناصر الإرهابية، في حين انه يعتبر ان كل معارض للنظام ارهابي؟

أوليس من التشوش ان يعلن سيرغي لافروف فجأة انه يريد الاتصال بـ”الجيش السوري الحر” الذي لم يكن يوماً موجوداً في نظره… عملياً لا يوازي تشوش بوتين ألا اضطراب أوباما والعثرة على السوريين!

النهار

 

 

 

 

بقاء الأسد وتوجيه بنادق «المعارضة المعتدلة» نحو «الجهاديين»… أهداف التسوية الروسية/ وائل عصام

لا خلاف جوهري بين الروس والأمريكيين حول صيغة الحل السياسي في سوريا، هم متفقون على بقاء «الدولة»، وبقاء الجيش النظامي، وتشاركهم في هذا الموقف السعودية، الدولة الراعية لـ»المعارضة المعتدلة».

كما أن هناك اتفاقا على محاربة «الإرهاب».. النقطة العالقة الآن هي بقاء شخص الأسد، ويبدو إصرار الأمريكيين والمعارضة المعتدلة وداعميها السعوديين هو إصرار من باب حفظ ماء الوجه أكثر منه نقطة خلاف جوهري. فحتى لو افترضنا تنحي الأسد وأبرز معاونيه، وظلت دولته الأمنية العميقة التي بناها والده لأربعين عاما، وظل الجيش النظامي الذي يسيطر عليه ضباط طائفته، التي تشكل عصب النظام حقيقة، فماذا سيكون قد تغير من أطراف الصراع الأساسيين في سوريا؟! لا شيء. إن مجرد القبول ببقاء جيش النظام، هو بحد ذاته خيار مر بالنسبة للولايات المتحدة والدول العربية الداعمة للمعارضة، كقطر والسعودية، فهذه الدول دعمت ولسنوات، عشرات الفصائل من أجل محاربته، ومجرد القبول ببقاء الدولة السورية هو بقاء للنظام الذي قامت الثورة السورية ورفعت شعارها الأبرز لإسقاطه.. لكنها مجرد تعابير بديلة لحفظ ماء الوجه، فيوصف النظام بالدولة. إن مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية في نظام طائفي مرتبط بحلف إقليمي عقائدي لا تتأثر بذهاب شخص أو حتى عائلة، فالنظام نفسه في سوريا هو مؤسسة من مؤسسات النظام الإقليمي الإيراني، والأسد ليس سوى مدير عام لإحداها في فرعها السوري. هذه التنازلات التي قبلت بها دول الاعتدال العربي والأمريكيين في سوريا هي نتيجة فشلهم في إدارة النزاع، إقليميا مع الإيرانيين، ولم يعد هذا الأمر خافيا على كل مراقب واقعي.

ولكن المثير، أن الروس والإيرانيين بالذات راغبين بتجريع خصومهم المزيد من الكأس المر بإصرارهم على بقاء شخص الأسد، معتبرين أن بقاءه يرمز لانتصار ساحق كما يعتقدون، رغم أنهم ليسوا مضطرين لذلك، فحتى لو رحل الأسد وظل النظام والجيش فهذا يعني نجاح الإيرانيين والروس والعلويين في سوريا بتخطي التمرد الذي هدد دولتهم لأربع سنوات.

الروس إذن يشنون عملا عسكريا لترجيح كفتهم بشكل حاسم بالمفاوضات، بحيث يبعد أي خطر عن النظام في الجيب الحيوي الذي تحدثنا عنه، لذلك بدأوا فعلا بالتركيز على إبعاد قوات المعارضة من مناطق النظام الاستراتيجية، سهل الغاب وغرب خط دمشق حمص حماة نحو اللاذقية، وعلى ما يبدو فإن الحملة الروسية ستحقق تقدما، وإن كان على مرحلة زمنية أطول، وبسياسة القضم للقرى ستتمكن من استرجاع مواقع تجعل النظام في وضع تفاوضي أقوى، لإرغام الامريكيين والدول المعتدلة على تجاوز نقطة الخلاف الوحيدة تقريبا. فأطراف النزاع الأساسيين، وكما قلنا، الروس والأمريكيين والسعودية وإيران متفقين على كل شيء تقريبا، بقاء الدولة والجيش، ومحاربة الإرهاب، وعندها إذا تمت الصفقة السياسية، لن يكون من الصعب على الأمريكيين والدول العربية الداعمة لفصائل المعارضة ترويض غضب المعارضين «المعتدلين»، فبعض المناصب الحكومية البراقة قد تغري الكثير منهم بتليين «مواقفه المعتدلة» ! كما انهم قد ينشغلون حينها على النزاع أيهما سيحصل على موقع رئيس الحكومة السورية الذي سيمنح لشخصية سنية «معتدلة» صلاحيتها الفخرية ستكون أقل حتى من رؤساء حكومات الأسد السابقين! كما لن تجد الدول العربية المعتدلة والولايات المتحدة صعوبة في ترويض مواقف الفصائل العسكرية والجيش الحر الخاضع أصلا لنفوذها الخارجي، عكس تنظيمات «النصرة» و»تنظيم الدولة»، وتوجيه بنادقهم لقتالهم كونهم الرافضين المتعنتين «غير المعتدلين» للحل السياسي الذي سيضمن بقاء أجهزة النظام الاساسية، وهو ما حدث في العراق تماما عندما اتفق الأمريكيون والايرانيون وفصائل سنية موالية للامريكيين و»أنظمة الاعتدال» على مواجهة «القاعدة»، عندما رفضت العملية السياسية، وحينها ستتوحد في سوريا كما في العراق جهود اعداء الامس وحلفاء اليوم (الروس والايرانيين والامريكيين والسعودية) لمواجهة عدوهم المشترك «الجهاديين».. الذين سيصبحون حينها، ويا لها من مفارقة، وحدهم الباقين المقاتلين لتحقيق غاية مطلب الثورة الاول «إسقاط النظام».

القدس العربي

 

 

 

 

الحاج محمد بوتين والأزمة السورية/ د. يحيى مصطفى كامل

في قصيدته الشهيرة «قتلناك يا آخر الأنبياء» التي يرثي فيها الراحل الكبير نزار قباني الراحل الكبير بدوره جمال عبد الناصر يزعم بأن اغتيال الصحابة والأولياء والأنبياء ليس بالأمر الجديد علينا. أعتقد أنه كان من الأحرى به أن يرى أن الأدق أن اختراع الزعماء وانتظار المخلصين هو الأقرب إلينا والأكثر ثبوتاً وتوثيقاً تاريخياً، فالحكام وعسكرهم هم من كانوا يقومون بقتل الأولياء لا الشعوب، التي ظلت ترفع رؤوسها إلى السماء منتظرة الفرج والمخلصين، الذين لا يأتون في الأغلب الأعم. «عادتنا التي لم نشترها» على قول المثل المصري السائر، وفي دورانية الزمن العربي، تتسع الدائرة لتشمل أبطالاً ومخلصين لا ينطقون بالضاد، ولا ينتسبون إلى الدين الحنيف بحسب تدني الوضع وبؤس الحال، فعلناها من قبل حين تصورنا أن هتلر هو البطل المغوار، الذي سيخلصنا من الاحتلال البريطاني، بل وأشيع أنه أسلم، كأن انتساب قاتلٍ جماعي عنصري وملتاث للإسلام أمرٌ مشرف ومرغوب. ولما كان وضع الدول العربية المشرقية بائساً تماماً ولا يبدو أفقه منفتحاً على أي حلول قابلة للحياة، ولا يوجد بين القادة العرب من يملك من الملكات أو الكاريزما والنفوذ ما يؤهله لدور المخلص القومي، فأخيراً وللأسف ربما ليس آخراً، عثر كثيرون من أنصار العودة إلى الماضي وأنصار نظام الأسد وكل المؤمنين بصنمية «الدولة»، في بوتين على ضالتهم، بوتين الرجل القوي، الصارم، العنيف، مفتول العضلات الذي يلعب «الجودو» ويركض عارياً وسط الثلوج.

أحياناً أتساءل عن مركبات النقص والرغبة السرية في التعويض لدى بعض المتحمسين، كما أنه مما يلاحظ ولا يخلو من طرافةٍ سوداء هو ذلك التطابق بين تركيبة الشرائح والتيارات المؤيدة للسيسي والمتحمسة لبوتين، من ذوي المصالح الرأسمالية الكبرى، الذين ارتبطوا بزمن مبارك، وها هم يلتفون حول السيسي وسيلتفون حول كل رئيسٍ مستبد، والمحافظين الذين يتمثل شعارهم في الفرم والسحق «أفرم يا سيسي» والقومجية وبعض فصائل اليسار الذين يبدو أن الأمر التبس عليهم فلم يدركوا أن الاتحاد السوفييتي، سقط وبالتالي يتعاملون مع روسيا، تلك الدولة الرأسمالية بامتياز، كونها الوريث الشرعي.

لا بد أن أعترف أن التدخل الروسي، وبتلك القسوة والشراسة، بدا محيراً لي بعض الشيء للوهلة الأولى، الأمر الذي تطلب مني الكثير من القراءة في محاولةٍ للفهم، وقد خلصت باختصار إلى كون الدافع للتدخل الروسي في سوريا أمرٌ روسي محض، روسيا بلدٌ كبير، عملاق، العالم ملعبه، والرجل الذي صعد من المجهول إلى قمة الهرم خبيرٌ في الاستفادة من الحروب والأزمات وأعمال التخريب، لتكريس سلطته وإحكام قبضته، فعلها فيما قبل في حربي الشيشان؛ لذا فمن ناحيةٍ تأتي هذه الخطوة للتخفيف على بوتين، حيث أن هبوط أسعار الطاقة وتأثير المقاطعة الاقتصادية على خلفية الأزمة الأوكرانية والصراع حولها يعرضانه للضغط الداخلي، ومن ناحيةٍ أخرى متصلة تماماً فإنه يسعى إلى استعادة مكانة روسيا على الساحة العالمية، هو يتابع ويرى ما يبدو من تضعضع القوة الأمريكية وتراجعها، يجوز أنها ما زالت قوة عظمى إلا أنها لم تعد القوة الوحيدة بكل تحديد، وليس بسرٍ أن ما يشغلها قبل أي شيءٍ آخر هو تنامي قدرة الصين، التي بدأت تناوئ وتتطلع إلى لعب دورٍ أكبر، خاصةً في محيطها الآسيوي الإقليمي. لقد رضيت إدارة أوباما بنوعٍ من التسوية مع إيران للتفرغ إلى ذلك النفوذ المتزايد للصين، وما تمثله من تهديدٍ اقتصادي وعسكري لا يستهان به، على تلك الساحة. وفي ظل تلك التناقضات والمتغيرات يلجأ بوتين إلى محاولة ملء الفراغات وشغل المساحات التي تخلفها أمريكا أو تنسحب منها بفعل الإرهاق أو الانشغال بما هو أهم لصناع القرار والساسة في الولايات المتحدة.

يتحرك بوتين لقطف أو صنع المزيد من الأوراق للمقايضة واللعب، بحيث تصبح سوريا، وهي منطقة نفوذ تقليدي وفيها قاعدة بحرية روسية في طرطوس، ورقة تفاوض ومقايضة لتخفيف العقوبات المفروضة على روسيا، على خلفية الأزمة الأوكرانية. كما يتعين ألا ننسى في هذا السياق الخوف الروسي الخاص من الإسلام السياسي والجهادي، نظراً لتجاربها في الشيشان، ومن قبل ذلك في أفغانستان، وبحسب مقالٍ منشورٍ في مجلة «نيوستيتسمان» فإن صحيفة «نوفايا جازيتا» الروسية المستقلة، نشرت تقريراً يفيد بتسهيل مرور قرابة ألفين وأربعمئة جهادي من جمهوريات الجنوب الإسلامية، أسفل بطن روسيا إلى سوريا من قبل السلطات الأمنية، الأمر الذي يفيد بأن روسيا تسعى إلى تحويل سوريا إلى مصيدة ذباب.

في سياقٍ آخر لكنه متصل، فإن هناك من يؤكد على كراهية بوتين الراسخة والعميقة للتغيير والعملية الديمقراطية برمتها، فالرجل ابن المؤسسة العسكرية السوفييتية بتراتبيتها الصارمة، ومن ثم جهاز المخابرات السوفييتية الشهير والمخيف في آنٍ معاً الـKGB، وقد رأى الفوضى التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفييتي وتراجع دور روسيا، على ذلك فهو سلطوي المزاج، يؤمن بالدولة وسلطتها المطلقة ويخشى من مطالب التغيير والنداء بالحريات التي لا يراها جالبةً سوى الخراب، وليس من عجبٍ أن ينتهي معارضوه، إما مقتولين في ظروفٍ غامضة لا يتم الكشف عن فاعليها بالطبع، وإما في السجن.. وغالباً ضحايا فضيحةٍ ما، عقلية بوتين قريبة جداً، بل لعلها مطابقة، لعقلية الرؤساء والملوك العرب والطبقات المحافظة في بلداننا، الذين يتحسسون مسدساتهم كلما سمعوا كلمة «حريات» و»ديمقراطية» ولا يرون فيها سوى محاولةٍ أمريكية شيطانية للتمدد، وهم بدورهم يرون في بوتين شخصاً أوضح وأريح في التعامل معه، حيث لا أوهام لديه ولا ورقة توت من دعاوى المبادئ .

العرب على باب الله، وقد انفجرت مجتمعاتهم بسبب التناقضات الداخلية، فالبنى السلطوية التي كرست للاستبداد عن طريق منظومات أمنٍ مريعة وما يرفدها من سردياتٍ ترسخ لهذه المسوخ، لم تستطع السيطرة في لحظةٍ تاريخيةٍ فارقة وأفلت منها الزمام، لكن موجة الحراك منيت بضرباتٍ موجعة وسقطت أيضاً تحت ضغط عوامل داخلية نابعة من موازين القوى على الأرض وربما بعض الخطوات الخاطئة وعدم نضج البديل وتجذره في قاعدةٍ شعبيةٍ بعد، الأمر الذي لا شك في كون ميراث التهميش وحل المجال العام قد أسهما فيها. لقد سقطت الصيغ والتصورات التي حكمت منطقتنا معظم القرن الماضي، ومع تغير خرائط النفوذ وتشكل أخرى جديدة تواكب صعود وتيرة صراع رأسمالي جديد تتغير خريطة منطقتنا التي تقع في قلب الأحداث.

بعد تدويل الصراع على سوريا، الذي كان إقليمياً في المقام الأول يصح الحديث عن «مسألةٍ سورية» على غرار المسألة الشرقية، أو عن مسألةٍ شرقيةٍ جديدة، أما الفقيد أو الرجل المريض هنا، فهو مشروع الحداثة العربي ودولة ما بعد التحرر الوطني، تلك التي خذلت شعوبها وكذبت كل وعودها ولم يتبق منها غير هياكل بائسة وقمعية ترسخ لحكم طائفةٍ بعينها أو عشيرةٍ أو عائلة ومحاسيبها.

لقد دخلت روسيا بثقلها، دخلت تثبت وجودها وتروج لسلاحها (وربما تجرب بعضاً منه) وتدافع عن مصلحتها، وهناك من الأخبار ما يفيد بكون ضرباتها العسكرية ناجعةً، ما يدفع الكثيرين للتشكيك المشروع في جدية الضربات الغربية بقيادة أمريكا، لكن لا بد هنا من التذكير أن بوتين ليس مخلصاً، وأن روسيا لم تدخل انتصاراً لحق ولا تكترث لمصير الشعب السوري ولا ضحاياه، فهي دولةٌ رأسمالية مافيوية لا تقل جشعاً ولا قسوةً عن أمريكا، فصراع القوى العظمى والإقليمية صراعٌ لا ملائكة فيه، الضحية الوحيدة هو الشعب السوري والأكثر إجراماً هو النظام الذي أوصلنا إلى هذه الطريق المسدودة. من الصعب الآن التكهن بطول الصراع في سوريا والدور الروسي فيه، ولا مدى نجاحه، لكنني أجزم بأنه بدون عمليةٍ سياسية وتغيير حقيقي، فمن المستحيل الخروج من هذا المأزق، واهمٌ من يتصور أنه بعد كل الدماء التي سفكت وكم الدمار، من الممكن العودة إلى ما كان الأمر عليه، كل الأطراف تدرك ذلك وربما على رأسها روسيا، التي قد تقبل بتقسيم سوريا مقابل الإبقاء على موطئ قدمٍ فيها على الساحل.

٭ كاتب مصري

القدس العربي

 

 

 

الحاج» فلاديمير بوتين/ محمد صلاح بوشتلة

بنبرة حزن وشجن لا يوصفان وبلغة مجروحة يصعب أن نجدها عند مؤرخ كبير كابن الأثير يتحدث الأخير في كتابه الكبير « الكامل في التاريخ «، نجده يصف بها دخول المغول لبلاد الإسلام، وكأن الرجل لا يصدق أخبار القتل والدمار الذي لحق الإسلام وشملت لعنتها أبناءه. يقف الرجل مشدوها أمامها، كأن التاريخ سيستثني الإسلام من منطقه الماكر الذي كان ابن الأثير الأصلح أكثر من هيغل نفسه لمعرفته بتواريخ الدول والمماليك أن يعترف بهذا المكر ويستريح، هذا المكر الذي عرفه وعرّف به ابن خلدون فيما بعد سقوط الأندلس واكتمال لعنة التاريخ على المسلمين بعد أن خنثتهم الحضارة وسلبتهم فضيلة العصبية بحسب المنطق الخلدوني.

بالتأكيد التاريخ، أي تاريخ ليس فقط تقدما خطيا لحضارة ما، ما فتئت تسعد به ويسعد بها، وترضى عن مصيرها ضمنه، إذ سرعان ما يمكر بالفرحين به، خاصة حينما يفتقدون للقدرة عن الدفاع عن أنفسهم، وبخاصة حينما يحتاج البشري إلى مساعدة خارجية ويتعلق قلبه بيد أجنبية تدافع عنه، إذاك يشرع في دخول دائرة انحطاطه، فينتهي به الأمر إلى الخضوع للطغاة ولنير قسوتهم، فيستلذون بدورهم باستعباده، فيما يُظهر هو تلذذا حزينا بعبادتهم، نظير حفاظهم على بقايا ما يشدهم إلى الأرض وما يربطهم بالحياة.

ابن الأثير ورغم تردده في التصديق بحالة الإسلام المأساوية تلك، بل وبالرغم من عدم قدرته على الكتابة عنها فقد ألزم نفسه ما لا تقدر عليه، يقول ابن الأثير « لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مِت قبل حدوثها وكنت نسياً منسياً، إلا أني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعاً، فنقول: عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم، وإلى الآن، لم يبتلوا بمثلها؛ لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها.»

المسلمون اليوم سواء صدقوا أو لم يصدقوا فهم اليوم يعيشون تحت رحمة غزاة آخرين في شدة وغلظة المغول المرعبين وفي نفس قسوتهم أو ربما أشد قليلا أو أكثر فتكا وقهرا ومأساوية وخبرة بأشكال الدمار والتدمير والقتل، فمسلمو اليوم هم أيضا يشبهون لحد بعيد مسلمي البارحة الذين فتحوا أبواب دار السلام لهولاكو وأسلموا بقية مدن الإسلام وعواصمه لتتار عن يدٍ وهم صاغرون ليخربوا بيت الحكمة ويبيعوا نساء المسلمين وصبيانهم ويبتاعونهم بأموال بيوت المسلمين المنهوبة، إنهم الآن في درجة الخوف والتخلف الذي صادف مجيء القبائل التتارية، ليكون الدمار نفسه الذي يملأ مدن الإسلام وأرواح المسلمين اليوم والذي ملأها ذات تاريخ بأخبار استطار شرّها وسار خبرها في بلاد الإسلام كسحاب استدبرته الريح.

من بين الأخبار التي تؤكد أن مسلمي الأمس المغولي هم أنفسهم مسلمو الغزو الروسي اليوم، هي أخبار الجنون نفسه الذي يتكرر وبنفس الحدة والعمق والعماء والعمالة للأجنبي والدعوات التي تتكرر ولا تنتهي للاستقواء به، فمن بين قصص الجنون الجموحة في مجونها التي تتكرر كل ذات غزو أجنبي لأرض المسلمين قصة إسلام بوتين الذي اكتشف البعض أن أصله عراقي واسمه الحقيقي عبد الأمير أبو التين، وأن أباه كان بقالا بسيطا يبيع التين في مدينة الناصرية جنوب العراق، واسمه هو جاسم أبو التين، وهذا الرجل الفقير كان يبيع فاكهة التين المجفف في فصل الشتاء والتين الطازج في فصل الصيف، وكون هذا الرجل غير متزوج فكانوا يطلقون عليه جاسم أبو التين، ولأن الرجل كان فقيراً في بلاد العروبة الغنية بالنفط فقد هاجر إلى روسيا، تزوج جاسم ابو التين هناك، من امرأة روسية اسمها « ماريا ﻻفنونوفا » وأنجبا طفلاً اسموه «عبد الأمير»، ولأن كان يصعب على الروس النطق به بهذا الشكل العربي المحرج لحبالهم الصوتية فقد اختصروا تسميته بـ «فلاديمير» لسهولة النطق، كما اطلقوا على جاسم أبو التين «بوتين» لسهولة النطق أيضاً، وأصبح اسم الابن في بطاقة الأحوال الشخصية «فلاديمير بوتين» أي عبد الأمير أبو التين.

القصة رغم أنها لا أساس لها من الصحة ويصعب على صاحب الجسد السليم دون أن يكون حتى صاحب عقل سليم أن يصدقها، غير أنها منتشرة بين كثير من العرب هذه الأيام، بل وهناك كثيرون من صدقها، خاصة مع التحريض الإعلامي المحموم لصالح التدخل الروسي في أرض الإسلام حد الاستعانة من إعلام أقرب للكوميديا والـ ( تهييس ) منه للواقع ومعالجة وقائعه بالفوتوشوب والرسوم المتحركة ومقاطع الرسوم المتحركة لربما ومشاهد ملفقة لأحداث لا توجد إلا على شاشات الألعاب الإلكترونية لإظهار القوة الروسية حاميتنا الجديدة القادرة على الفتك والمتمكنة من أساليب القتل والتي لا تلعب ولا « تهزر»، في عبادة جديدة للعدو وفي إعجاب بالغالب الذي يلخص عند ابن خلدون آخر درجات العدمية والانهزامية الحضارية.

بلا شك نحن لسنا إلا أمام استعادة تاريخية جديدة لقصص معاناة الإسلام مع طائفةٍ من أهله، من قبيل شهادة فقهاء بغداد على جدوى فتح أبواب بغداد لهولاكو، وبعدها الشهادة على اعتناقه الدين القويم، وعدم التوقف عند هذا الحد بل الشهادة بإسلام كثير من ملوك وأمراء التتار الذين أشبعوا سيوفهم من دم المسلمين، في فذلكات وتمثيليات انطلت حتى على مؤرخي الإسلام، حتى يقول الإمام الذهبي عن سنة 694 هـ « وفيها دخل ملك التتار غازان ابن أرغون في الإسلام، وتلفظ بالشهادتين بإشارة من نائبه « نوروز «، ونثر الذهب واللؤلؤ على رأسه، وكان يوما مشهودا، ثم لقنه « نوروز « شيئا من القرآن، ودخل رمضان فصام ، لكن هذه الصورة التي قد تبدو جميلة ورومانسية جدا سرعان ما تتغير حين يتابع المرء الأحداث التي تمت في عهد هذا السلطان، فقد هاجم وجيشه الشام مرات ودارت بينهم وبين أهل الشام معارك كبيرة قتل فيها هذا السلطان المسلم الكثير من المسلمين!، حتى أن شيخ الإسلام ابن تيمية المعاصر للغزو المغولي كان يقول للمسلمين الذين صدقوا قصة إسلام الأمير المغولي:» إذا رأيتموني من ذلك الجانب – يعني الذي فيه المغول – وعلى رأسي مصحف فاقتلوني «.

بوتين والمسيح الدجال إسمان لمَهمة واحدة، كلاهما في الأرض قاتل وفي السماء أيضا قاتل، غير أن بوتين يتميز عن المسيح الدجال بخصالٍ كثيرة أولها بطبيعة الحال أنه يفوقه بعين واحدة، ثم بالتأكيد يفوقه في وحشية القتل وقساوته، لأن ما يفعله بوتين الآن من القضاء على احتياطي سوريا من البشر المعارضين لبشار وشبيحته لم نقرأ عنه في نصوصنا المقدسة عن الدجال وفتكه، فالطائرات الروسية في العراق كما في سوريا أمسى يظهر أن نصيبها من المدنيين هو أكبر من نصيبها من الدواعش الذين جاءت الطائرات الروسية لغرض حماية الجيش العربي السوري من شدتهم المرعبة، ومن رغبتهم الجموحة في التوسع على غير الترسيمة التي رسمتها لهم روسيا ونظام بشار أنفسهم، الطائرات الروسية إذن بدأت في تدمير كل شيء في الشام، تحطيم أسقف البيوت التي لم تنهدم، ولتتمم مهمة تدمير ما سلِم تدميره، وتبيد من لم تقتله بغازاتها الكيماوية التي سلّمتها من قبل لجنود بشار، فعلى على الأقل المسيح الدجال يقال ـ والله أعلم ـ أنه سيُبقي على من اتبعه، وسيُهلك من خالفه، أما طائرات بوتين فلا تريد أن تبقي على أحد أصلا، على يد قنابلها ستكتمل لائحة النساء والرجال والأطفال الذين سلموا من الموت بسبب أخطاء براميل طائرات بشار المتهالكة.

القدس العربي

 

 

 

 

المرشد و«القيصر» في «المغطس» السوري/ أسعد حيدر

«شمعة ع طوله فور دخوله «. هذا هو حال المرشد آية الله علي خامنئي بعد تقاسمه الارض السورية وفضاءها بينه وبين «القيصر« فلاديمير بوتين. لم تسقط طائرة سوخوي روسية حتى الآن، في حين سقط للمرشد الجنرال حسين همداني القائد الميداني في «فيلق القدس» الذي يرأسه الجنرال قاسم سليماني. من مآثر همداني انه قاد عملية قمع المتظاهرين في «الانتفاضة الخضراء» عام 2009 بعد ان جمع من مدينته همدان خمسة آلاف مقاتل. والجنرال فرشاد زاده والكولونيل حميد مختار بند وقائدان من «حزب الله» هما حسن الحاج «ابو محمد الإقليم» ومهدي حسن عبيد وخمسة من المقاتلين. من الصعب جدا ان يقتل كل هؤلاء القادة في معركة واحدة، مما يسمح بالتساؤل عن حقيقة ما جرى. لذلك يجوز الفصل بينهم استناداً الى معلومات مصادر متقاطعة:

[ حُمّل الجنرال همداني فشل الجنرال سليماني الذي أخذ القرار بتشكيل فيلق سوري على مثال الحرس الثوري الإيراني قبل عامين. وقد تبين أنه لا يمكن مقاتلة المجموعات المقاتلة من المعارضة بمجموعات مماثلة، خصوصا ان الجيش السوري قد انهك من القتال. المهم في كل ذلك ان النقاش وصل الى القمة في طهران خصوصا ان المرشد لم يتحمل الفشل في معركة «المربع الأخير» في سوريا. واستكمالا لذلك صب غضبه على الجنرال طائب مسؤول فرع الأمن في الحرس الذي كما يبدو لم يرضخ ورد على المرشد رافضا تحميله المسؤولية لأنه، اي المرشد، يتابع تفاصيل الحرب في سوريا بشكل مستمر، ولأنه من الصعب بل من المستحيل تحميل الجنرال سليماني المسؤولية فقد ألقيت على كاهل همداني. الباقي وهو كيفية مقتله وتفاصيل ذلك، لا يعود مهما. المهم ان ما حدث سيكون له ترددات ونتائج داخل الحرس، والاهم ان المرشد خامنئي ادرك هزيمة استراتيجيته في سوريا فأرسل سليماني الى «القيصر« حيث جرى تقاسم الارض والسماء بينهما، مع ما يعني ذلك من تقاسم للقرارات وللنتائج والنفوذ.

[ جنرالات ايران و«حزب الله« لم يقتلوا في المعركة، وإنما في عملية قصف مركزة على غرفة العمليات وهو أخطر وأهم لان معنى ذلك ان المجموعة التي قصفت كانت تملك احداثيات الموقع بدقة. السؤال كيف تم ذلك وبأي مدفعية جرى القصف المدمر؟ الجواب لاحقاً لأنه يحدد مساراً جديداً للمعارك القادمة، ورسالة قوية وواضحة موجهة للإيراني ان الميدان السوري مفتوح امام كل الاحتمالات، خصوصاً ان المصادفة نادرة في وقوع هكذا عملية.

في قلب الاتفاق الإيراني – الروسي تكمن خلافات متبادلة وداخلية . رغم النفي المتبادل فان نزول موسكو في «المغطس» السوري يضعف ايران وموقعها في التفاوض لان عليها القبول بالشراكة الروسية، والاخطر ان تقسيم سوريا الى دول او «كانتونات« او ولايات سيكون على حساب ايران التي كان مشروع المرشد الحفاظ على كامل سوريا تحت هيمنته، تحت عنوان فضفاض «الممانعة والمقاومة«. الى جانب ذلك فان تقسيم سوريا يحمل في طياته «قنبلة موقوتة«، لان التقسيم سيدفع الى انهيار «احجار الدومينو»، ذلك ان كل دولة وضمنها إيران وتركيا تتوافر كل الأسباب والشروط فيها للتقسيم. لذلك بدا لافتاً حديث المرشد و»مذياعه العسكري» الجنرال نقدي عن خطر «الحرب الناعمة« في الداخل الإيراني وعلى الحدود.

ان نزول ايران على الارض بعدة آلاف جندي من «الحرس« عبر مطار» الباسل» في اللاذقية، قد يكون بداية لا يمكن وقف تضخمها لأنه متى تدحرجت « كرة الثلج« لا يمكن وقف تدحرجها حتى وصولها الى الوادي، لذلك بدا النائب بروجردي مشككا تاركا امر وصول الجنود الإيرانيين معلقا على طلب سوري علما انه كان قد التقى الرئيس بشار الاسد قبل ذلك بقليل. ان مثل هذا القرار لن يمر بسهولة حتى لو بقي النقاش في الدواوين المغلقة ولو الى حين، ما يؤكد ذلك ان «القلعة« هاشمي رفسنجاني تحدث بإسهاب وباعتدال يؤكد فيه انه صوت العقل في السلطة عن «الحوار« مع السعودية وقد تبعه فورا الوزير جواد ظريف اذ قال «ليس من مصلحة ايران ان تخسر السعودية ولا تحقق مصلحة السعودية بخسارتنا». ظريف بهذا الكلام يصيغ معادلته المفضلة (وهي حكما معادلة الرئيس حسن روحاني) التي نفذها مع المفاوض الأميركي «ربح- ربح«.

سوريا القديمة انتهت حكماً. لا أحد يمكنه رسم سوريا الجديدة. من المؤكد ان الجميع اصبح يعرف ويلمس ان «النار» السورية بدأت تهدد العالم. حل «ربح – ربح» ما زال في إرهاصاته الاولى. أولى مظاهره القناعة الكاملة بعدم إمكان اي طرف فرض ارادته على الآخر خصوصاً اذا كان هو صاحب الارض.

الدليل الأكبر ان الفلسطينيين يقاتلون بالحجارة والسكاكين أقوى جيش دون ان يتراجعوا طلبا منهم لحقهم بالأرض والكرامة والحريّة.

المستقبل

 

 

 

روسيا أو “داعش”/ سميح صعب

لا يزال الارباك سمة الغرب في التعامل مع الدور العسكري الروسي في سوريا. الرئيس الأميركي باراك أوباما نسي أدبيات حربه المعلنة على “داعش” وبات ينتظر كيف سيتورط الروس في ما تورط فيه السوفيات في أفغانستان ولا يرى أن التدخل العسكري الروسي يعني أن الكرملين قادر على دور قيادي في سوريا ويقول لمنتقديه، انظروا الى الروس كيف سيتورطون في مكان رفضت أن أورط الولايات المتحدة فيه.

وينصب كل الاهتمام الاميركي الآن على احباط العملية العسكرية الروسية من خلال زيادة الدعم للمعارضة “المعتدلة” بأسلحة تمتص الهجوم الروسي، وتجعله مطابقاً لنبوءة أوباما منذ اليوم الأول للحشد الروسي ان مهمة موسكو في سوريا “محكوم عليها بالفشل”. وليس مصادفة ان ترفض أميركا اجراء تنسيق عسكري مع روسيا في سوريا وان تكتفي بمحادثات فنية لمنع “التصادم” في الجو السوري.

أما في ما عدا ذلك، فإن واشنطن لا تتمنى الآن سوى دخول موسكو في ورطة عسكرية، أكثر مما تتمنى أن تهزم “داعش” أو “القاعدة” في سوريا. وليس مستغرباً أن تنتقل الاستراتيجية الاميركية في سوريا الآن من شعار “تقويض داعش ثم تدميره” الى استراتيجية جديدة قائمة على توريط روسيا في المستنقع السوري تمهيداً لاضعافها وجعل الرئيس فلاديمير بوتين يدرك استحالة اعادة احياء دور الدولة العظمى المساوية في مكانتها لمكانة الولايات المتحدة.

وفي سبيل تحقيق هذه الاستراتيجية لن تتوانى أميركا عن التحالف مع أية قوّة في سوريا تتلاقى أهدافها مع أهداف واشنطن في الحاق الهزيمة بالروس. وليس ضرباً من الخيال ان تذهب أميركا مجدداً الى التحالف مع الجهاديين في سوريا من اجل اسقاط روسيا في تكرار لسيناريو التحالف الاميركي – الجهادي في أفغانستان الذي أدى الى هزيمة السوفيات في افغانستان ومن ثم زوال الاتحاد السوفياتي في ما بعد.

مثل هذا الخيار الاميركي سيكون انتحارياً بالنسبة الى اميركا قبل روسيا. لذا فان الأفضل للولايات المتحدة ان تقبل بالمعادلة الجيوسياسية الجديدة التي فرضها الدور المتصاعد لروسيا في سوريا أو في أنحاء أخرى من العالم وخصوصاً في أوروبا. وربما كان هذا الخيار أفضل لأميركا وللعالم من خيار التركيز على كيفية هزيمة روسيا وإثبات كون دورها محكوماً عليه بالفشل، وكأن الدور الاميركي منذ خمسة أعوام في سوريا كان يسير من نجاح الى نجاح ولم يتسبب بتدمير هذا البلد وجعل الجهاديين يسيطرون على أكثر من ثلاثة أرباعه باسم الاصلاح والديموقراطية والتخلص من الديكتاتورية.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى