صفحات العالم

التدخّل الدولي في سوريا فكرة ميتة

 


الطبيب والكاتب الفرنسي روني برومان هو ايضا رئيس جمعية “أطباء بلا حدود”. في مقابلة مع مجلة “ماريان” الفرنسية (24 حزيران 2011) يخالف روني برزمان الرأي السائد في بعض الاوساط الغربية حول ضرورة التدخل العسكري الغربي في الأحداث الجارية في سوريا الآن. هنا مقتطفات من هذه المقابلة:

اذا لم يقم المجتمع الدولي بشيء ضد نظام بشار الأسد، ألا يكون بذلك قد أفسد الفكرة الجميلة القائلة بوجوب التدخل الانساني؟

كنت اعتقد بأن فكرة التدخل هذه قد دفنت في الرمال المحيطة بنهري دجلة والفرات، أثناء التدخل الكارثي للجيش الأميركي في العراق ضد نظام صدام حسين. يبدو انني كنت مخطئا! طبعا في ليبيا، كما يشير عرّابو هذه الحرب، فان التدخل حصل بتكليف من الامم المتحدة. اما محامو هذا التدخل فقد استفاضوا في عرض الحجج الاخلاقية باعتمادهم على مبدأ حقوق الانسان…. من جهتي، فقد قررتُ من البداية تجاهل الحجج الأخلاقية، فهي، أي الحجج، يمكن توزيعها هناك وهناك وبالتساوي بين الخصوم، بحيث نصل الى النتيجة صفر… أنا أكثر ميلا الى الأخلاق “النهائية”.

“أخلاق نهائية”؟ ماذا تقصد بذلك؟ هل تعني أخلاق “المسؤولية” التي وضعها الفيلسوف ماكس فبر، والمتعارضة مع أخلاق “القناعة”؟

نعم تماماً. أنا مع أخلاق تهتم أكثر بنتائج العمل، بردود الفعل المتسلسلة عليه (…) . أفضلها على أخلاق تتحرك باثارتها للعواطف تجاه عشرات الآلاف من القتلى الليبيين: وهذه مفارقة لاذعة لتدخّل قيل لنا بأن غرضه حماية أرواح المدنيين. فعلى ضوء هذه الاخلاق “النهائية” تتحطّم ثوابت محامي هذه الحرب وقناعاتهم القائلة بأن الانتفاضة الليبية سوف تتقدم برعاية “الناتو” (…). ولا أحد بوسعه ان يتوقع اذا كانت البلاد سوف تأخذ طريق الديموقراطية في حال سقوط القذافي. وذلك لسبب بسيط: فأسباب هذه الحرب لم تكتفِ بعدم توضيح مقصدها، بل ان القيود التي رافقتها لم تكن يوما قليلة… ثم انني، اذا لم أكن من دعاة التدخل العسكري في سوريا، الشبيه بالتدخل في ليبيا، فذلك لأنني لا أتبنى الفكرة القائلة بأن المجتمع هو مثل لعبة “الميكانو” التركيبية، حيث يكفي ان تبدّل احدى قطعه أو أن تشدّ أحد براغيه حتى يتعافى نظامه… كما في المعجزات.

بالنسبة لك، فكرة “واجب التدخل” هي بطيبعتها مصطنعة؟

بالضبط، مصطنعة بكافة جوانبها. منبت هذه الفكرة هو الرؤية الميكانيكية للمجتمع. والسوابق التاريخية عديدة تدلّ على انعدام جدوى هذه الرؤية. عندما تدفق جنود الثورة الفرنسية على أوروبا لتصدير أفكارهم الثورية، كل ما تمكنوا من فعله هو زرع الفوضى فيها. مثلهم، خرّبت الجيوش البوشية العراق بادعائها انها حرّرته من ديكتاتور دموي.. والآن، انظر الى النتائج!

هل يمكنني الاعتراف لك بشيء؟ عندما أراقب ما يحصل في سوريا أقف مدهوشا من الاعجاب بالشجاعة الاستثنائية للمتظاهرين الخارجين بصدور عارية ضد العساكر الشرسين، ولكنني مقتنع بأمر محدّد، وهو ان قيام الغرب بخوض الحرب ضد هذا الاستبداد الدموي أسوأ من عدم قيامه بشيء… (…)

لنفترض أنك على حق. تاريخ أوروبا كلها يضجّ بملاحم كبرى هي عبارة عن حروب استقلالية…

نعم، ولكن ليس بالقدر الذي يُشاع! فهل تعتقد بأن ثورة 1848 أو كمونة باريس احتاجتا الى قوى خارجية لتنصرهما؟ ان سوريا وليبيا لا تحتاجان الى التدخل. ان فكرة التدخل فكرة ميتة ومدفونة. كلا… ان ما تحتاجه هذه المجتمعات هو تشكيل ديناميكية سياسية داخلية مستقلة عن آلهة الحرب المتمثلين بالضربة العسكرية الغربية.

أنا معك هنا أيضا. ولكن الوقت يضغط على سوريا كما على اليمن. كيف ننقذ الديناميكية الديموقراطية التي تجول في العالم العربي الآن؟

الحقيقة انه ليس بوسعنا الشيء الكثير. الأولوية هي في الرهان على الموارد الخاصة لكل بلد، على مجتمعاته المدنية الرائعة والديناميكية. “الخدمة” الخارجية لن تكون ذات نفع حقيقي، انها فقط تهويمة سياسية تعيدنا الى الرؤية الميكانيكية للمجتمع.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى