صفحات العالم

التردد الأميركي يثير إحباطاً واسعاً

والانكفاء يهدّد بمضاعفات على دول الجوار

    روزانا بومنصف

يستمر اداء الادارة الاميركية في موضوع الازمة السورية في اثارة استياء شديد لا بل غضب لدى دول غربية وعربية عدة لديها اقتناع بأن واشنطن لم تفعل حتى الآن ما هو ضروري في شكل ملح للمساعدة على ايجاد حل للازمة السورية. ولا يخفي ديبلوماسيون رفيعون في هذه الدول مخاوفهم من الانعكاسات المترتبة على التردد الاميركي وتضاؤل الاهتمام في ظل اطمئنان اميركي كلي طويل الامد في شأن امن اسرائيل ومتانة موقعها ازاء ما يحدث في دول الجوار المباشر لها وفي المنطقة العربية عموما. ويرى هؤلاء ان ضعف هذا الاداء يترجمه وزير الخارجية الاميركي جون كيري فيما يبدو نظيره الروسي سيرغي لافروف متحكما بادارة اللعبة الديبلوماسية في شأن الاعداد لمؤتمر جنيف 2 في حال نجحت الجهود في عقده خلال الشهر المقبل في مقابل تناقضات في مواقف رئيس الديبلوماسية الاميركية تظهر استعدادا لمرونة اكبر من جهة الغرب ازاء التشدد الروسي. فمن جهة يعتبر هؤلاء ان خيار اوباما بالانصراف عن المنطقة والالتفات الى آسيا في شكل كلي هو في غير محله وفي غير توقيته راهنا نظرا الى الحسابات الخطيرة التي تترتب على التراجع واللامبالاة الاميركية ازاء ما يحدث في المنطقة وتحديدا في سوريا. وهو اداء لا يتناغم على الاطلاق وصفة الدولة العظمى او اقوى دولة في العالم تنأى بنفسها عن الاضطلاع بما يتعين عليها القيام به انطلاقا من هذا الموقع. كما ان هذا الاداء ادى حتى الآن الى فوضى في سوريا تهدد دول الجوار وتنذر بتفجير المنطقة انطلاقا من لبنان على الاقل الذي لم تلفحه الحرب في سوريا فحسب بل استدرجته ايران قسرا الى ان يكون جزءا من هذه الحرب وبات مهددا بأن يكون جزءا منها وسط احتمالات خطيرة على مصيره ومستقبله بعد تقدم كان احرزه نسبيا في الاعوام القليلة الماضية. اذ انه ليس بريئا بالنسبة الى هؤلاء الديبلوماسيين توريط او تورط “حزب الله” علنا في الحرب السورية، الامر الذي يشي بوضع ايران ثقلها في المعركة من خلال استخدام اوراق وقوى جديدة نتيجة استشعارها بمخاطر كبيرة على النظام السوري. وقد بات هم لبنان راهنا على كل مستوياته الرسمية وغير الرسمية مناهضة هذه الهيمنة او السيطرة الايرانية التي حلت محل النظام السوري وتحاول ان ترث وصايته من خلال رفض اخذه الى حرب مدمرة بالنسبة اليه. والامر نفسه ينسحب على العراق الذي تطرق الحرب السنية الشيعية ابوابه اكثر من اي وقت مضى مع توسيع هامش الصراع الاقليمي في سوريا وعليها تماما كما هي الحال بالنسبة الى لبنان بالنسبة الى ادوات الصراع وان اختلفت بعض الشيء الظروف والاطار.

 فالرئيس اوباما يبدو وكأنه احبط الدول العربية لا سيما مع انطلاق ولايته الثانية والتي لم يظهر فيها اهتماما اكبر له بالمنطقة على رغم زيارات وزير خارجيته المتكررة الى المنطقة في الاشهر القليلة الماضية. ومن جهة اخرى يرى هؤلاء الديبلوماسيون حنكة اكبر لرئيس الديبلوماسية الروسية في مواجهة نظيره الاميركي الذي ينطلق من موقع ضعيف اصلا مع رغبة الرئيس الاميركي في اشراك الروس في كل شاردة وواردة في شأن سوريا وعدم رغبته في الابتعاد عن التنسيق الوثيق مع روسيا اضافة الى تردد واضح بدا اكثر وضوحا في ولايته الثانية مما ادى الى تشدد اكبر لدى روسيا ازاء الشروط التي تضعها على الطاولة من اجل تأمين مصالحها. كما ان كيري يظهر طواعية اكبر في التعامل مع الروس في موضوع سوريا الى حد تجد معه الدول العربية صعوبة في مجاراة الاميركيين في الذهاب الى مؤتمر جنيف 2 بعناوين مفخخة او غير محسومة. ذلك علما ان خيار التوجه الى جنيف 2 يبدو امرا لا بد منه ولا مفر منه ايضا نظرا الى ان لا بديل منه في الوقت الراهن للعمل عليه بين الافرقاء وان تكن هناك عقبات كبيرة ترجح عدم نجاحه. وبحسب هؤلاء فانه لم يكن مطلوبا من الادارة الاميركية لا تدخلا مباشرا ولا تورطا غير مباشر بل صلابة في المواقف يستعين بها الحلفاء في اوروبا والمنطقة على المضي قدما في مواقف او اجراءات مختلفة ازاء سوريا. لكن التردد في الادارة الاميركية والذي بات على ما يبدو صفة ملازمة للرئيس اوباما، يجعل هؤلاء لا يقيمون وزنا كبيرا لبعض المؤشرات التي تكتسب في العادة معاني كبيرة كما كانت الحال مع عبور السناتور جون ماكين الحدود التركية السورية الى مناطق سيطرة المعارضة في سوريا بعلم الادارة الاميركية. او كما هي الحال مع مشروع قانون امام الكونغرس الاميركي من اجل تسليح المعارضة السورية نظرا الى آلية قد تستغرق وقتا في حين ان روسيا ترسل صواريخ اس 300 الى النظام السوري في مقابل التهديدات الاميركية فقط. حتى ان اللوم يطاول عدم دعم الولايات المتحدة جهود الوسيط الاممي الاخضر الابرهيمي في شكل كاف من دون ان يعني ذلك ان هذه المهمة لم تتعثر لاسباب اخرى تتصل بواقع رفض النظام من جهة والمعارضة من جهة اخرى لوساطة حل لا تبدو جاهزة. لكن الاميركيين لم يكونوا افضل حالا من الروس ازاء هذه المهمة ايضا.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى