صفحات العالم

التسوية أو الموت للجميع

حـازم صـاغيـّة

عشيّة احتفال حزب الله بالذكرى السابعة لـ”نصره الإلهيّ” في حرب تمّوز 2006، انفجرت عبوة في سيّارة كانت مركونة في أحد أحياء الضاحية الجنوبيّة من بيروت.

العبوة المجرمة أتت تذكّر بعبوات مجرمة أخرى سبق أن خبرها اللبنانيّون في تجارب وسنوات فائتة. وهي، مثل العبوات القديمة، دلّت إلى تحوّلات لا بدّ من التوقّف عند أهمّها:

فأوّلاً، حصل الانفجار في زمن وصل معه الانقسام والتنازع اللبنانيّان إلى سويّة الارتكاب الجرميّ المفتوح.

وثانياً، جاء الانفجار يقول بالفم الملآن إنّ سلاح حزب الله ليس عائقاً دون تعرّض أمنه الذاتيّ للخطر والاختراق.

وثالثاً، تبيّن أنّ حزب الله لم يعد وحده يحتكر السلاح غير الشرعيّ في لبنان، أو أقلّه هذا النوع من السلاح اللئيم.

لا شكّ أنّ معارك سوريّا ومشاركة الحزب فيها هي التي تُدخلنا في الطور الجديد الذي افتتحته عبوة بئر العبد. وقد تبدّى بوضوح كيف آلت العلاقات الأهليّة المسمومة بين اللبنانيّين إلى تبادل البقلاوة التي لا تقلّ سمّاً. فحين يوزّع طرف لبنانيّ البقلاوة احتفالاً بمأساة تنزل بطرف آخر، فهذا معناه أنّ اللبنانيّ اليوم لا يطرح على اللبنانيّ الآخر إلاّ النحر والانتحار.

وهذا، في عمومه، يلحّ على ضرورة تسوية بين “أبناء الشعب الواحد”، تسويةٍ توقف الوجهة التي ربّما ابتدأتها العبوة الأخيرة كي لا يصبح بلدنا حقلاً مفتوحاً للقتل. وبالطبع فإنّ المدخل إلى تسوية كهذه لا بدّ أن يكون الامتناع عن التدخّل في الحرب السوريّة بوصفه مصدر التجديد الأقوى والأعنف للتنازع اللبنانيّ.

لقد أريد لحرب تمّوز 2006 أن تكون أساساً لتسوية بين غالب ومغلوب: غالب يستثمر مقتل رفيق الحريري ثمّ “النصر” في الحرب مع إسرائيل ودعوة اللبنانيّين إلى تصديق هذه الرواية والعمل بموجبها، ومغلوب ينسى مقتل رفيق الحريري وينضمّ صاغراً لحزب “النصر” في حرب تمّوز.

وها هي الذكرى السابعة لتلك الحرب تعلن عن فشل تسوية الإذعان، وعن الحاجة إلى تسوية أخرى متوازنة وعادلة. بغير ذلك لا يلوح في أفقنا غير احتمال عراقيّ آخر تتجمّع المؤشّرات التي تدلّ إليه.

والحال أنّه بدلاً من عقد تلك التسوية مع حصول الانسحاب الإسرائيليّ من لبنان في 2000، تمّ التحايل على هذه الحاجة الملحّة بأحداث التفافيّة كبرى: من مصرع الحريري إلى استجلاب حرب تمّوز وصولاً إلى التورّط في سوريّا. وها نحن نكتشف أنّ مواجهة الانقسام والتغلّب عليه، بعيداً من التشاطر واختراع القضايا “المقدّسة”، خير ألف مرّة من هذا التحايل الذي يفاقم الانقسام ويجعله أخطر وأمرّ.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى