صفحات مميزة

التسوية السياسية في سورية ومؤتمراتها المتعددة –مقالات مختارة-

 مؤتمر شعوب الأسد/ عمر قدور

مع أن موسكو قررت تغيير اسم المؤتمر الذي تنوي استضافته في سوتشي، إلى مؤتمر «الحوار الوطني السوري» بدلاً من مؤتمر «شعوب سورية»، فإن الاسم المقترح بدايةً بقي طاغياً لجهة التداول، سواءً على سبيل استنكاره أو في معرض الإقرار بوجاهته. أما طموح موسكو من خلال توجيه هذا العدد الضخم من الدعوات فهو لم يتزحزح عما سبق، متعيناً بتفريغ معارضة النظام من أحقيتها، وإغراق الصراع الأساسي بتباينات وتفاصيل أصغر لمصلحة طمسه نهائياً.

صحيح أن وزير الخارجية الروسي صرح بأن المؤتمر المقبل لن ينافس جهود الأمم المتحدة، إلا أن حكومته لا توحي أدنى إيحاء بأنها في سبيل لجم طموحاتها لتتأقلم مع الدور المأمول منها. فالدور الروسي في حد ذاته لم يعد مثار خلاف دولي أو إقليمي، والنفوذ الروسي في سورية لا يلقى مقاومة من مجمل القوى الخارجية، بل هو نفوذ له زبائن كبار إذا أتى على حساب النفوذ الإيراني، وإذا أطاح عائلة الأسد بوصفها الوجه الأقبح الذي يصعب على تلك القوى تحمل مسؤولية بقائه.

لعل الدور المطلوب من موسكو يتطلب منها عقد مؤتمر «شعوب الأسد» بدل الذي تزمع عقده، هذا هو الدور المقبول بدل الإصرار الروسي على أسطوانة تشتت المعارضة وضرورة توحيدها. فهذه الأسطوانة فيها من الخبث ما يكفي ليفسد ما فيها من الحق. ثم أنها تضمر دائماً تماسك وصلابة مقلب الأسد، وهي نتيجة تؤخذ للدلالة على مقدماتها بخلاف المنطق الاستقرائي السليم، إذ لا تلحظ قوة القهر الاستثنائية التي لا يزال الأسد ممسكاً بها في مناطق سيطرته جراء تحكمه بكافة مفاصل السلطة.

بينما التسوية الدولية التي تحفظ ماء وجه الجميع تقوم أساساً على الفصل بين الأسد وكتل مؤيديه، مع الفصل بين الأسد ونظامه، أي انتشال الأخير بعد الانحطاط الذي وصل إليه ليصبح تنظيماً للشبيحة. موسكو هي الطرف الوحيد المرشّح للقيام بعملية الفصل هذه ضمن المعطيات الحالية، على رغم المقاومة الإيرانية المتوقعة، فهي القوة الوحيدة القادرة نظرياً على التفاوض مع الكتل الموالية، وعلى مساعدتها من أجل بلورة بدائل تضمن مصالحها في غياب الأسد.

التغيير، في حده الأدنى، لن يكون متاحاً من دون ذلك الفصل، أي من دون الاستغناء عن عائلة الأسد كرمز اضطراري لمصالح الموالاة. بهذا المعنى، هناك حاجة ليفاوض الموالون من أجل الحفاظ على مصالحهم، أو لتطويعها مستقبلاً مع مصالح سوريين آخرين، بالأصالة عن أنفسهم، وبلا خوف من سلطة الأسد الحالية، وبلا مخاوف متخيَّلة أو حقيقية من البديل. هذه حاجة سوريّة في الأساس، وهي في صلب التحول الديموقراطي المأمول على طرفي الصراع الذي أحدثته الثورة، والذي من دونه يصعب العبور إلى مستقبل سلمي وآمن.

ليست المسألة، كما يتم تصويرها طوال الوقت، في أن كتل الموالاة تجد مصلحتها مع الأسد بينما تخشى البديل. قد يصحّ ذلك على الكتلة المنخرطة بنشاط في جرائم الأسد خلال السنوات الأخيرة. وهذه شأنها شأن الأسد نفسه، مهددة بالمثول أمام العدالة وليست مهددة في مصالحها «المقبولة» اجتماعياً أو اقتصادياً. وضع جميع الموالين في سلة واحدة يمسك بها الأسد كان منذ البداية مصلحة للأخير، مثلما انزلق إليه بعض المعارضة الذي فهم تعبير «البيئة الحاضنة» على غرار فهم بشار عندما تحدث عن «مجتمعه» المتجانس.

لم تكن المسألة أيضاً كما جرى تبسيطها في مقولة «عجز الثورة عن تقديم تطمينات كافية للموالين»، لأن هذا التبســيط يتـــجاهل عوامل الارتياب بالآخر والخوف من المخاطرة والتغيير، وهي جميعاً تصب في مصلحة القوة المعروفة سلفاً والممسكة بالواقع. ربطاً بالانقسامات السابقة على الثورة واللاحقة، يجوز القول أن التطمينات المؤثرة ما كانت ممكنة إلا من طرف دولي تفوق قوتُه سلطةَ الأسد، وما حدث منذ التدخل الإيراني المبكر أن الأسد استمد مكانته لدى مواليه من اعتماده إيرانياً ثم روسياً، أي أنه لم يعد ذا قيمة يُعتد بها لذاتها، ويكفي رفع الغـــطاء عـــنه كوســـيط ليفكر الموالون بالبدائل المناسبة لمصالحهم.

تمكين الموالين على هذا النحو سيمنع تلقائياً بروز أسد جديد، لأنه سيكشف تباين المصالح في مقلب الموالاة، مثلما هي متباينة في المقلب الآخر. شعب الأسد «المتجانس» سيتكشف عن شعوب وفق المفهوم الروسي، والتحدي الذي يجدر بموسكو أن تضعه لنفسها ليس الحديث الذي تم تداوله سابقاً عن مؤتمر يُعقد في سورية، وتضمن فيه سلامة من قد يشارك من المعارضين، وإنما عقد مؤتمر تمثيلي لمجتمعات الموالاة في أي مكان، وتقديم ضمانات حقيقية للمشاركين، حيث لا ضمانة لها قيمة مثل إبلاغهم بأن حقبة الأسد انتهت، وبأنهم صاروا في حلٍّ من تكرار ما يريد منهم قوله.

قد يبدو هذا السيناريو بعيداً جداً عن الواقع، لكن تفاهماً مبدئياً شبيهاً به كان أُقرّ من قبل، تعمل بموجبه الدول الراعية للمعارضة على توحيدها وتأهيلها للتسوية، بينما تعمل موسكو على تأهيل «النظام»، وعلى القاعدة التي كانت تعلنها بالقول أنها معنية ببقاء مؤسسات الدولة السورية لا ببقاء أشخاص.

سلوك موسكو التوسعي في ما بعد جعلها تطمح إلى تأهيل معارضة على مقاسها، طالما أنها لا تُقابل بمقاومة من الطرف الآخر، جنب إلى جنب مع إهمال واجبها في تأهيل النظام الذي تعهدته. هي بالأحرى تحرص على وزنها كدولة احتلال تقليدي أكثر مما تعمل على نفوذ مستدام، إذا قلنا أن استدامة الأخير تتطلب تمثيلاً أفضل لطالبي حمايته.

إن التلطي الروسي الحالي وراء قسمة «منتصر ومهزوم» بين السوريين لن يكون فقط على حساب المعارضة وما تمثّل. هو استمرار لوعد الأسد مواليه بانتصارات جرّت عليهم الويلات بشرياً ومعيشياً. لا معنى لنصر لم يحقق من خلاله الموالون شراكة أكبر في السلطة، فضلاً عن الانحدار في المستوى المعيشي الذي طاول غالبيتهم. للمفارقة، النصر الممنوع عن الموالين من قبل النظام ثم حلفائه هو ذاته الذي ساهموا بمنعه عن سوريين في الطرف الآخر، الأمر الذي لا ينبغي أن يكون مدعاة للشماتة، إذ لم يكن منتظَراً في أي وقت ارتقاء تنظيم الأسد حتى إلى ديموقراطية الفصل العنصري.

الحياة

 

 

أربعة مؤتمرات حول سوريا/ د. رياض نعسان أغا

لم يحقق المؤتمر الأخير في آستانة في جولته السابعة أي تقدم يذكر، فقد أخفقت روسيا من جديد في معالجة ملف المعتقلين مع النظام، وهو الملف الأكثر أهمية في جدول أعمال المؤتمر، وكانت روسيا قد طلبت تأجيل بحثه مرات. ويبدو أن النظام السوري لا يريد الإفراج عن المعتقلين كي لا يواجه أسئلة عن عشرات وربما مئات الآلاف ممن قضوا تحت التعذيب، وقد رأى العالم نماذج قدمتها الصور الشهيرة التي سربها قيصر وتجاوزت خمسة وخمسين ألف صورة عن ضحايا التعذيب.

وكان وفد المعارضة قد شارك في لقاءات آستانة من منطلق الحرص على إيقاف شلال الدم، ورأى أن تخفيض التصعيد يمكن أن يكون مرحلة تمهيدية لوقف شامل لإطلاق النار، ولكن الخروقات اليومية في مناطق خفض التصعيد من قبل النظام جعلت الاتفاقيات بلا مصداقية ولا سيما في الغوطة حيث يشتد الحصار والقصف ويهدد المئات بالموت جوعاً ومرضاً.

ويبدو أن مؤتمر آستانة قد فقد أهميته ولن يجدي الاستمرار فيه وقد وصل إلى جدار مسدود، ولعل هذا ما دفع روسيا للتفكير في الدعوة إلى مؤتمر عام رغبت في البداية أن تعقده في سوريا باسم مؤتمر الشعوب السورية، ثم حولته إلى «سوتشي» باسم مؤتمر الحوار الوطني، وقد دعا إليه الروس العديد من التنظيمات التي تعلن أنها معارضة ولكنها في أهدافها وأدبياتها لا تختلف عن طروحات النظام. كما دعيت أيضاً تنظيمات معارضة جادة أعلن كثير منها رفضه الحضور لمؤتمر يقفز فوق قرارات الأمم المتحدة، ويجعل روسيا وحدها المتفردة بالحل النهائي للقضية السورية الدولية. ويتجاهل مبادئ جنيف 1 وعملية الانتقال السياسي التي اعتمدتها كل القرارات الأممية ليناقش الانتخابات والدستور، ومن المفترض أن تتم مناقشة هذه القضايا بعد الانتهاء من تأسيس هيئة حكم انتقالية، وبدء عهد جديد ينتهي فيه عهد الاستبداد والديكتاتورية ليبدأ بناء دولة سورية مدنية ديموقراطية غير طائفية عبر حكم ذي مصداقية، وهذه التعابير هي جوهر ما دعت إليه الشرعية الدولية في جميع قراراتها.

وترى المعارضة الوطنية السورية أن هدف روسيا من هذا المؤتمر هو إعادة تأهيل النظام، وربما هي تستعجل عقده، وتزاحم سواه من المؤتمرات لتعلن انتصاراً قبيل الانتخابات الرئاسية، ويبدو واهماً من يظن أن الشعب السوري الذي قدم تضحيات غير مسبوقة تاريخياً على مذبح الحرية سيقبل عودة ذليلة إلى حضن النظام، ولا سيما أنه يدرك أن النظام سينتقم بوحشية من كل من ثار عليه أو عارضه. وحسب النظام أنه فقد كل الشعارات الإنسانية وجعل البوط العسكري شعاراً له تأكيداً على سطوة الدولة الأمنية. واشترط قيادي في حزب «البعث» على كل من يفكر في العودة إلى وطنه سوريا أن يقبّـل بوط العسكري وليس جبهته مثلاً، وهذه غطرسة تكشف طبيعة النظام!

والسوريون يعرفون جيداً أن النظام غير قابل لتغيير سلوكه إطلاقاً، وأن المجرمين فيه غارقون في سلوك الجريمة المتوحشة، وقد فقد هؤلاء كل المشاعر الإنسانية، ويكفي النظر إلى الضحايا من الأطفال وحدهم دليلاً على حالة التوحش التي يعيشونها. وما تقترحه روسيا من مصالحات مع هؤلاء هو دعوة للرضوخ لمنطق الاستبداد وانتصار للديكتاتورية، وإذلال متعمد للملايين من الشعب السوري المضطهد، ومكان هؤلاء المجرمين هو المحاكم العادلة.

وأما المؤتمر الثالث الذي تترقبه المعارضة السورية وتدعو إليه فهو مؤتمر الرياض الثاني، وهي تطمئن فيه إلى رعاية المملكة العربية السعودية والعديد من دول أصدقاء سوريا، وتعلن المعارضة أنها تريد مزيداً من توحيد المعارضات التي تتوافق مع رؤية الشعب السوري وتعبر عن مبادئ ثورته، وتصر على أن الانتقال السياسي عبر بيان جنيف 1 والقرارات الدولية وبيان الرياض الذي أطلقه مؤتمر الرياض محدداً ثوابت الرؤية والهدف، هو الطريق إلى الحل السياسي النهائي برعاية الأمم المتحدة.

وأما المؤتمر الرابع المرتقب فهو الجولة الثامنة من مباحثات جنيف التي تحدث عنها دي مستورا ولم يحدد بعد موعداً رسمياً لها، وقد تكون في نهاية هذا الشهر نوفمبر (2017)، ونرجو أن يتمكن دي مستورا في هذه الجولة الجديدة من دخول جاد في بحث عملية الانتقال السياسي، فإن لم يفعل فستكون نتيجة الجولة مثل سابقاتها، فشلاً يتوج به دي مستورا مهمته التاريخية.

الاتحاد

 

 

 

 

مؤتمر الشعوب (لويا جيرغا) السورية/ غازي دحمان

في البداية، يتناهى للمستمع أن ما يقصده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من وراء مصطلح «مؤتمر شعوب سورية» أو «مؤتمر الحوار الوطني» لا يجب تحميله مضامين عدة يصل بعضها إلى حد التفسير المؤامراتي، ذلك أن بوتين هو ابن ثقافة سياسية أنتجت هذا المصطلح منذ عقود طويلة حين كان يجري وصف الاجتماع السوفياتي، وحتى بعد ظهور روسيا، استمر تفضيل هذا المصطلح لوصف الديموغرافيا الروسية ومكوناتها.

لكن أيضاً، يمتلك بوتين القدرة على التفريق بين المصطلحات ويعرف أن كل كلمة في السياسة لها معانيها الخاصة ويعرف حدود تأويلاتها وأحجام حمولتها، بدليل أنه يخوض صراعاً سياسياً وعسكرياً للمحافظة على نظامه السياسي من التأثيرات الغربية كما يدافع عن نمط الثقافة الروسي في مواجهة ثقافة الغرب ويدافع عن القيم الأرثوذكسية والسلافية، ونتيجة ذلك يدرك الفارق بين المصطلحات وبخاصة الديموقراطية والشفافية وتداول السلطة وحرية الإعلام.

لكن أيضاً، لماذا الاستنكار ما دام السوريون، واقعياً، ليسوا سوى شعوب مختلفة وقد أثبتت الأزمة هذه الحقيقة، فلماذا هذه المخاوف والهواجس المرافقة من مجرد مصطلح؟ هل المصطلحات والتوصيفات الخارجية هي ما يقرر مصير دولة وشعب؟

في تاريخ سورية قسمت فرنسا البلد إلى خمس دول، يعني أنها لم تكتف بالكلام بل صنعت واقعاً على الأرض سرعان ما اضطرت إلى التراجع عنه، سواء كان ذلك نتيجة حسابات سياسية أو بسبب عدم واقعية الفكرة في التطبيق أو حتى رضوخاً لمقاومة سورية، والمفارقة أن هذه المرحلة تشبه مرحلة قيام فرنسا بتقسيم سورية بعد ثورة مجهضة.

لكن ماذا لو استخدم بوتين بدل مصطلح «الشعوب» تسميات أخرى على شاكلة المكونات الدارجة في العراق، أو الكيانات والقوميات كما يرد في دساتير دول كثيرة، أو الإثنيات كما يصف الغرب شعوب المنطقة، أو حتى الأطياف، المصطلح الذي تستخدمه إسرائيل لوصف العرب داخل الخط الأخضر، فهل سيحظى بتفهم أكثر، وهل لا تنطوي تلك التسميات على حمولات تقسيمية، فيما مصطلح الشعوب يبدو وكأنه إعلان تأسيسي لولادة دول كثيرة في الحيز السوري؟

لا يوجد في سورية، سوى قوميتين بحجم دول، العرب وهم الغالبية الساحقة، والأكراد الذين يشكلون أقل من عشرة في المئة من السكان، ويشتركون مع العرب في أماكن إقامتهم بعكس الحال في العراق وإيران، أما بقية القوميات «الشعوب» كالأرمن والسريان والتركمان والشركس، فهي صغيرة الحجم لدرجة أنها لا تشكّل غالبيات عددية على المستوى الإقليمي، أما الطوائف، فهي جميعها لا تمتلك أراضي متواصلة يمكن من خلالها إقامة كيانات فعلية لها.

المسألة ليست مرتبطة بتسميات بقدر ما هي شديدة الصلة بالسياسات الممارسة على الأرض والتقديرات المستقبلية للتطورات السورية والفرص والأخطار التي تنطوي عليها، واللافت أن بوتين اختار مؤتمر فالداي لطرح جديده بخصوص سورية، والمعلوم أن هذا المؤتمر تحوّل إلى منبر للإعلان عن السياسات الروسية المستقبلية ومناسبة لإخبار دوائر صنع القرار الغربية بتوجهات السياسة الروسية واختبار ردود أفعالها.

وليس خافياً أن روسيا اتبعت، منذ تدخلها العسكري المباشر في سورية، سياسة واضحة تقوم على تدمير المعارضة السورية بكل أشكالها، العسكرية والسياسية، واعتمدت منهجية مرحلية لتحقيق هذا الهدف، وبالفعل استطاعت قلب موازين القوى لمصلحة نظام الأسد في مرحلة أولى، كما استطاعت تأسيس قواعد جديدة للحل السياسي نسفت من خلالها مبادئ جنيف-1 والقرارات الدولية التي تتحدث عن مرحلة انتقالية لا يكون للأسد دور فيها.

في هذا السياق، يأتي طرح «مؤتمر شعوب سورية»، وهو يشبه «اللويا جيرغا» الأفغانية، كمؤتمر مصالحة أكثر منه مؤتمر سياسي، كما أن مكوناته عبارة عن وجهاء عشائر ورجال دين، ولا شك أن أسماء الأعضاء حاضرة لدى الروس الذين شكلوا قاعدة بيانات ضخمة عن المجتمع السوري من خلال نشاط قاعدة حميميم ومئات المصالحات التي عقدوها مع مخاتير القرى وقبضايات الأحياء ووجهاء أفخاذ وبطون العشائر.

على ذلك فإن الدعوة الروسية لهذا المؤتمر، سواء كان لـ «شعوب سورية» أو للحوار الوطني، تبدو محاولة لاستنزاف المعارضة ودفعها إلى تقديم تنازلات أكبر لنظام الأسد، ذلك أن هذا المؤتمر يهدد وجودها بدرجة كبيرة، ففي حين أن مقعد نظام الأسد مضمون في أي شكل من أشكال التسويات في سورية، فإن المعارضة مهددة بخسارة موقعها، خصوصاً أن روسيا صنعت في السنتين الأخيرتين الكثير من المنابر والمنصات كبدائل على الأرض عن المعارضة السياسية، كما أنها احتوت بعض المعارضة العسكرية من طريق المصالحات المحلية في مختلف المناطق السورية.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

روسيا وهشاشة الحل في سوريا/ هوازن خداج

شكّل التدخل الروسي في سوريا انقلابا نوعيا في طبيعة إدارة الحرب والحلول. واستطاعت روسيا فرض شروطها عسكريا وسياسيا، عبر فرضها مباحثات أستانا التي تمخّضت عن مناطق خفض التصعيد التي لا تندرج تحت مفهوم وقف إطلاق النار أو مفهوم الهدنة، إنما تبريد الصراع في المناطق التي عجز النظام عن السيطرة عليها.

ما قدّمته روسيا في إدارة العملية السياسية بعد تفريغ مباحثات جنيف لصالح أستانا لم يصل إلى مرحلة إيجاد رؤية سياسية تنهي الصراع وتضمن استقرار سوريا، ومناطق خفض التصعيد لم تلغِ المخاطر من احتمال تقسيم سوريا وهو ما أورده الرئيس فلاديمير بوتين خلال مشاركته في منتدى فالداي الدولي في مدينة سوتشي الروسية بتاريخ 19 /10 /2017، مقترحا عقد مؤتمر “لشعوب سوريا” كخطوة تالية بعد إنشاء مناطق خفض التوتر في سوريا، وذلك لحل الأزمة بين أطراف النزاع وتحقيق السلام عبر جمع ممثلين عن الحكومة السورية والفصائل المعارضة، دون ذكر لا للمرحلة الانتقالية ولا للقرارات الدولية المعتمدة في جنيف1.

وكذلك عن جميع الطوائف العرقية والدينية في سوريا، ليشكّل صدمة للشارع السوري في دلالات الاسم وما يحتويه من مخالفة لطبيعة الواقع السوري فالتنوع السوري الديني هو تعدّد الطائفي والمذهبي، والتنوع العرقي يشكّل العرب نسبته العظمى في مقابل نسبة ضئيلة من الأكراد والأرمن والسريان والشركس والتركمان والآشوريين، وأن أي من هذه المكونات المختلفة لم تصل إلى أن تُصنَّف شعوبا، بسبب تداخل المعايير الدينية والعرقية بين المكونات، والواقع السوري رغم ما وصل إليه من مشكلات في الهوية والتشظي الاجتماعي نتيجة هشاشة الانتماء الوطني لم يصل بعد إلى انفراط عقد الشعب السوري الواحد وتحويله لشعوب، لكن هذا المصطلح يشكّل خطوة مريبة إضافية في طريقة الإدارة الروسية للمشكلة السورية والحلول السلمية الساعية إليها.

مؤتمر شعوب سوريا المزمع عقده بين 7 و10 الشهر المقبل تحت المظلة الروسية وضماناتها في قاعدة حميميم، الرمز الأقوى للوجود الروسي في إدارة العمليات العسكرية والنشاط السياسي، الذي يهدف إلى استكمال تطبيع الأوضاع في سوريا بطريقة مستدامة بحسب ما أورده بوتين، ويسعى للبحث عن صيغة لمنظومة الحكم المقبل التي أرادها الروس والأميركيون ولاستيعاب الأكراد وإشراكهم في العملية السياسية، إلا أنه يكرّس انقسام الشعب السوري.

فالتخوف من التقسيم لا يقف عند حدود مناطق خفض التصعيد التي تشمل منطقتين معزولتين جغرافيا ومحاصرتين “الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي” اللتين لا تمتلكان مقومات الانفصال أو الاستقلال كإدلب وجنوب سوريا المحاذيتين لـتركيا والأردن، إنما يأتي من طموحات بعض الأكراد، فما جرى في كردستان دفع الأمور باتجاه الواقعية السياسية وفتح المجال للتفاوض على حل فيدرالي اتحادي كمنظومة حكم سوريا الجديدة والضغط على أميركا لعقد صفقة سياسية تخص سوريا، بدعوة ممثلين عن مناطق سيطرة الأميركيين إلى حميميم، وهذا لا يتنافى مع الرؤية الروسية لمصير سوريا السياسي.

فالجانب الروسي يرى مستقبل سوريا اتحاديا مشابها “لروسيا الاتحادية” ولهذا فإطلاق تعبير شعوب سوريا يتماشى مع الخطوات المصيرية القادمة، وتضمين هذا الطرح ضمن الدستور المطلوب صياغته أثناء المرحلة الانتقالية بحيث يرضي الأطراف الدولية ومن خلفها المعارضة ويحفظ بقاء النظام.

روسيا التي وكّلت نفسها للإشراف على مجريات التغيرات في الواقع السوري وإدارة المراحل لم تصل إلى مسارات حلول مستدامة، وإن حلولها تزداد تعقيدا وتشابكا في هذه المرحلة التي بدأت فيها جميع الدول المشاركة في الحرب السورية في احتساب الخسائر والأرباح وصياغة التوافقات والاتفاقات.

لكنها في حال تمكنت من تنفيذ أجندتها بمساعدة الدول الضامنة والقوى الإقليمية الكبرى فإنه سيمثل خطوة إضافية تالية غاية في الأهمية في التسوية السياسية ثم صياغة الدستور الجديد على أساس التفتيت وفقا للطوائف أو القوميات التي تؤدي بالنهاية لتنفيذ مصالح القوى الخارجية وليس مصلحة السوريين كشعب، ولن تؤمّن انتقالا سياسيا نحو نظام ديمقراطي تعددي يحقق طموحات جميع السوريين في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، ويراعي ميزة التنوع والاختلاف في المجتمع السوري.

كاتبة سورية

العرب

 

 

 

خطوط متشابكة في سورية/ علي العبدالله

المشهد السياسي السوري في انتظار ثلاثة استحقاقات مهمة، اجتماع أستانة 7 (30 و31/ 10)، اجتماع “الشعوب” السورية في حميميم (يوم 18/ 11)، اجتماع جنيف 8 (28/ 11)، بالإضافة إلى مؤتمر الهيئة العليا للمفاوضات، أو الرياض 2، في العاصمة السعودية (10/ 11)، كل هذا مع إطلاق العنان للحديث عن دوران عجلة إعادة الإعمار، إن بتشكيل شركات ومجموعات استثمارية سورية لهذا الغرض، أو بالإعلان عن توزيع أدوار ومشاريع على الدول الحليفة للنظام، أو بدعوة دول العالم إلى المشاركة في العملية، والحصول على حصة من كعكة إعادة الإعمار الكبيرة (كلفتها بين 200 و350 مليار دولار)، لكن بشرط القبول بالتصور الروسي، ومنطلقه الانفتاح على النظام، في استغلال لإعادة الإعمار في تأهيل النظام وتسويقه، عبر التأثير على مواقف القوى الإقليمية والدولية، وإغوائها لإعادة النظر في مواقفها من الأخير.

لكن مواقف القوى الدولية والإقليمية والمحلية، بتصوراتها واقتراحاتها المتباينة إلى حد التناقض، أثارت أسئلة مشكّكة بشأن منطقية التلميحات والإعلانات المبكرة عن قرب الحل في سورية، ومن ذلك تصريح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إن بوادر السلام بدأت “تلوح” في البلاد. وفي حين تتابع روسيا تحرّكها لإنهاء مفاعيل الثورة السورية عبر استبعاد القرارات ذات الصلة، بدأت باستبعاد وثيقة جنيف 1، وقرار مجلس الأمن رقم 2118، عبر تشكيل “المجموعة الدولية لدعم سورية” وإصدار القرار 2254، لكي تسقط مطلب الهيئة الحاكمة كاملة الصلاحيات لإدارة المرحلة الانتقالية، وتعمل الآن على الإجهاز على مطالب الثورة بالكامل، باستبدال المصالحة بين النظام والمعارضة بالحكم الانتقالي التمثيلي الذي ورد في قرار مجلس الأمن 2254، وذلك عبر تنويع المقاربات والمداخل (أستانة، حميميم،

“النظام السوري، وفي تطابق واضح مع إيران، تابع قصف المناطق المشمولة بخفض التصعيد” والمصالحات المناطقية) لاستنزاف الخيارات وإسقاطها واحداً واحداً لصالح خيارها الوحيد: بقاء النظام، وتوزير طامحين من المعارضة، تركز الولايات المتحدة على مسار جنيف وتحقيق انتقال سياسي يحقق تطلعات الشعب السوري، عبر تجديد الدعوة إلى إنهاء “حكم الأسد وعائلته”، كما صرح وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، وربط المساهمة بإعادة الإعمار بتحقق الانتقال السياسي (أطلقت واشنطن ولندن وباريس، رداً على تصريحات موسكو حول إعادة إعمار سورية، إعلانات بالتبرع لإعادة إعمار الرقة)، ورفض أي حضور لإيران وحلفائها في سورية، والعمل على تحقيق ذلك على عدة أصعدة: السيطرة على مساحات شاسعة شرق سورية فيها النفط والغاز والمياه والكهرباء والإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية، الدعوة إلى خروج المليشيات الإيرانية من العراق، مدخلاً لقطع خطوط إيران باتجاه سورية، العمل على شل قدراتها وقدرات مليشياتها بفرض حزمة عقوبات جديدة على الحرس الثوري وحزب الله. فالغرض من تجديد الدعوة إلى إنهاء حكم الأسد والتمسك بمسار جنيف وضع العصي في عجلات المبادرات الروسية التي تسعى إلى تمرير حل يستجيب لمصالحها. ما يعني اتساع الهوة بين التوجهات الأميركية والروسية، واستبعاد تفاهم أميركي روسي، قبل إضعاف موقف موسكو عبر رفض الاقتراحات الروسية للتعاون، وعرقلة حركة الجيش السوري وحلفائه في مناطق محددة، وطرح اقتراحاتٍ بديلة لتلك الروسية. موقف لخصه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في بيانه بشأن تحرير الرّقة من “داعش”، إذ قال إن حملة بلاده ضد “داعش” ستدخل قريباً مرحلة جديدة، تدعم فيها واشنطن قوات الأمن المحلية، وتنهي تصعيد العنف عبر سورية، وتعزّز الظروف الملائمة لإحلال سلام دائم، “ومن ثم لا يمكن للإرهابيين العودة إلى تهديد أمننا المشترك مرة أخرى، معاً، أي مع حلفائنا وشركائنا، سندعم المفاوضات الدبلوماسية التي تنهي العنف، وتسمح للاجئين بالعودة بسلام إلى ديارهم، وتؤدي إلى تحول سياسي يحترم إرادة الشعب السوري”.

إقليمياً، تتحرّك إيران على عدة محاور، أولها العمل على استمرار الصراع لتحقيق خيارها بالنصر الكامل عبر سحق المعارضة، برز ذلك في أثناء زيارة رئيس الأركان، محمد باقري، إلى سورية بتوجيهه بشن هجوم منسق في مثلث حلب إدلب حماة، ومواصلة قصف قوات النظام والمليشيات الإيرانية لمناطق خاضعة للمعارضة، على الرغم من دخولها في اتفاقات خفض التوتر، ناهيك عن محاصرة تلك المناطق (الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي خصوصاً) ومنع دخول المواد الغذائية والأدوية إليها، وثانيها العمل على ملء الفراغ الذي ينجم عن هزيمة “داعش”، خصوصاً في شرق سورية، لتأمين تواصل جغرافي بين قواتها ومليشياتها في سورية والعراق، بالإضافة إلى تشكيل مليشيات مذهبية في كل المناطق التي سيطرت عليها، لتأمين أدوات الدفاع وحماية المصالح.

تركيا تعمل، هي الأخرى، على تكريس دورها، وتكبير حصتها من خلال الالتحام بالموقف الروسي، وتغطيته وترويجه. نقل مصدر معارض حضر اجتماعاً عن نائب مستشار وزير الخارجية التركي، سدات أونال، مع وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، دعوته إلى التعاطي الإيجابي مع مؤتمر الشعوب السورية في قاعدة حميميم، وتوظيفها التعاون والتنسيق المشترك مع روسيا، لتحقيق هدفها في محاصرة التحرك الكردي في سورية. إسرائيل التي واصلت قصف ما تعتبره تهديداً لأمنها، إن باستهداف مرابض المدفعية والدبابات، أو بقصف قوافل الشاحنات التي تقول إنها تنقل أسلحة إلى حزب الله في لبنان، أو بقصف ما تقول إنه مصنع إيراني لإنتاج الصواريخ، تهدّد بمواصلة القصف ما لم تُلبَّ طلباتها، بإبعاد المليشيات الإيرانية وحزب الله عن حدودها، وما لم يُنهَ دور إيران في سورية، ثمّة عاملٌ قد يدفعها إلى شن حرب في سورية ولبنان: إطاحة المصالحة الفلسطينية وتجنب ما سيحمله مشروع ترامب لتسوية إسرائيلية – فلسطينية من مطالب ويفرضه من “تنازلات”.

تحرّكت السعودية، على خلفية مواجهة التمدد الإيراني، وانعكاساته على أمنها الوطني، على

“تعمل إيران على تشكيل مليشيات مذهبية في كل المناطق التي سيطرت عليها، لتأمين أدوات الدفاع وحماية المصالح” مستويين. أول بالانفتاح على العراق والشخصيات والأحزاب الشيعية العراقية، بتشكيل لجنة تنسيق عليا، وعودة رحلات الخطوط السعودية إلى المطارات العراقية، وفتح قنصلية سعودية في النجف. وثان بتبني الموقف الأميركي في سورية، عبر المشاركة في إعادة إعمار الرقة، على الرغم من سيطرة قوات سورية الديمقراطية عليها، موقف ينطوي على تغطيةٍ للحضور الكردي في مدينة عربية، وهذا على الضد من موقفها من الكرد في إقليم كردستان، حيث تبنت موقف الحكومة العراقية من الاستفتاء، ورحبت بسيطرة قوات الحكومة على محافظة كركوك، وعلى الضغط على تركيا، باحتلال موطئ قدم على حدودها مع سورية.

النظام السوري، وفي تطابق واضح مع الموقف الإيراني، تابع قصف المناطق المشمولة بخفض التصعيد، على الرغم من اتهامه من لجنة التحقيق الدولية باستخدام غاز السارين في خان شيخون، ومطالبات بمعاقبته باستخدام البند السابع لميثاق الأمم المتحدة. وجدّد حديثه عن استعادة السيطرة على كل الأراضي السورية، وركز بشكل خاص على محافظتي إدلب والرقة، فقد اعتبر أن مدينة الرقة التي تمكّنت قوات سورية الديمقراطية من طرد تنظيم داعش منها قبل أسبوعين، ما زالت محتلة ما دام الجيش السوري لم يدخلها بعد. ونقلت وسائل إعلامية نبأ عرضه على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي حكماً ذاتياً في مقابل تسليمه الرقة والمناطق العربية الأخرى. هنا كان لافتاً تصريح رئيس منصة موسكو ضد الفيدرالية في سورية، قدري جميل، في موقف يتعارض مع موقف موسكو، اعتبر وسيلةً للضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، للموافقة على عرض النظام، وتسليمه الرقة.

العربي الجديد

 

 

ملف المعتقلين وأخطاء المعارضة السورية/ حسين عبد العزيز

لم يكن مفاجئاً أن ينتهي اجتماع “أستانة 7” السوري من دون إحراز تقدم في ملف المعتقلين، ليس لأن هذا الملف أكثر تعقيداً من الملفات الأخرى السياسية والعسكرية، وإنما لأنه ملفٌّ لا يلقى اهتماماً دولياً حقيقياً في هذه المرحلة، وبالتالي لن يكون النظام في وارد التخلي عن ملف سيكون ورقة تفاوضية مهمة في مرحلة الاستحقاق السياسي. ويبدو أن الروس أدركوا أن النظام السوري سيتلاعب في هذا الملف، ويحاول تمييعه، خصوصاً أنه غامض وفضفاض من جهة معرفة أعداد المعتقلين وهوياتهم والمفقودين، على عكس قضية وقف إطلاق النار، حيث الجغرافيا واضحة، وفرقاء الصراع معروفون، وحدود التماس محدّدة إلى حد كبير.

من هنا، حاولت موسكو في ختام اجتماع “أستانة 7” الهروب من هذا الفشل بالتعويض عنه بإبراز “مؤتمر الحوار السوري” المنوي عقده في مدينة سوتشي الروسية، وإبراز مسألة الدستور التي تعتبر، من وجهة نظر روسيا، مدخلاً رئيساً لفتح باب الحل في سورية. وبدا واضحاً أن السلوك الروسي في أستانة اعتمد مبدأ الحياد في هذه المسألة، على خلاف الجولات الست السابقة، حيث كانت موسكو تمارس ضغوطاً كبيرة على الطرفين (النظام والمعارضة) لتقديم تنازلاتٍ، والقبول بتخفيف حدة القتال، للوصول إلى نقطة الصفر العسكري. وقد كشف اجتماع أستانة بوضوح حقيقة الموقف الروسي، ومدى تلاعبه بالمعارضة، حيث لم يخرج الاجتماع بأي اتفاق، ولو مبدئي، حيال ملف المعتقلين، ما يدفع إلى القول إن موسكو فشلت فشلاً ذريعاً في أول اختبار حقيقي لها.

والملفت للانتباه أن الخطاب السياسي الروسي اعتمد مصطلح الأسرى، بدلاً من مصطلح المعتقلين، في دلالة واضحة على تبني موسكو رواية دمشق بالكامل، وعلى أن مسألة المسجونين لا تخرج عن مسألة أسرى حرب. ويخشى هنا أن تقع فصائل المعارضة المسلحة في فخ القبول بإطلاق الأسرى التابعين لها وترك الآخرين، خصوصاً معتقلي الرأي. وبالتالي اختزال هذه القضية التي تحمل أبعاداً إنسانية وسياسية في المقام الأول إلى مسألة محض عسكرية بين طرفين متقاتلين.

“تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على المعارضة السورية التي قبلت فصل ملف المعتقلين عن ملف خفض التوتر”

تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على المعارضة السورية التي قبلت فصل ملف المعتقلين عن ملف خفض التوتر، وكان عليها ربطهما معاً، والإصرار على ذلك، بحيث يتم الإفراج عن دفعات من المعتقلين مع كل تقدّم ينجز على الأرض، خصوصاً أن القرارات الدولية المعنية بالأزمة السورية تقدم سنداً قانونياً لهذا الربط، فقد دعا البند التاسع من قرار مجلس الأمن 2268 الصادر في فبراير/ شباط 2016، “جميع الدول إلى أن تستخدم نفوذها لدى الحكومة السورية والمعارضة السورية من أجل تعزيز عملية السلام وتدابير بناء الثقة، بما في ذلك الإفراج المبكر عن المحتجزين تعسفاً، ولا سيما النساء والأطفال”. كما دعا البند الثاني عشر من القرار 2254 “جميع أطراف الأزمة السورية، وفي مقدمتهم النظام، إلى الإفراج عن أي محتجزين تعسفياً، لا سيما النساء والأطفال”، ودعا القرار أيضاً الفريق الدولي لدعم سورية إلى استخدام نفوذه على الفور تحقيقاً لهذه الغايات.

سيمنح فصل الملفين عن بعضهما النظام فرصة كبيرة للتلاعب بهذه القضية على المستويين السياسي والإنساني، وبالتالي سيترك هذا الملف ورقة للتفاوض مع الغرب، وليس مع المعارضة السورية. وهذا لا يعني أنه سيضرب الجهود الروسية عرض الحائط، فهو لا يستطيع ذلك، لكنه سيقدّم تنازلاتٍ خفيفة في هذا المجال، ويفرج عن مئات وربما آلاف، لكن من هم الذين سيفرج عنهم؟ هناك مسجونون كثيرون ممن يجب أن يفرج عنهم، لكن النظام يؤخر ذلك، كي يستخدمهم ورقة تفاوضية، مثل الذين اتهمتهم محكمة الإرهاب بممارسة الإرهاب، وتتم محاكمتهم في سجن دمشق المركزي (عدرا)، ويطلق عليهم اسم الموقوفين، ثم قد يلجأ النظام إلى إدخال مرتكبي الجنح والجرائم ضمن صفقة المعتقلين. فضلاً عن ذلك كله، عمد النظام منذ نحو ثلاث سنوات إلى استخدام ملف المعتقلين في تنفيذ المصالحات الداخلية، بحيث يكون الإفراج عن معتقلين جزءاً من صفقة المصالحة.

وللمسألة بعد آخر، فهذا الملف يعتبر أكثر الملفات إدانة للنظام، ومن خلال المعتقلين، يمكن توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وهذا ما يفسر مطالب وفد النظام، قبيل اجتماع أستانة بضرورة الاتفاق على عدم رفع أية دعاوى قانونية في المحاكم الدولية من المعتقلين الذين سُيفرج عنهم. ولذلك، لن يفرج النظام في البداية عن أعداد كبيرة من المعتقلين، وإنما سيعمد إلى استخدام سياسة الخطوة خطوة، فتكون عملية الإفراج طويلة ومعقدة.

العربي الجديد

 

 

 

ترامب في الرقة.. وبوتين في المصيدة/ عمار ديوب

ساد رأيٌ لسنواتٍ خلت، أن أميركا أعطت روسيا الحق بالتصرّف بشؤون سورية، وتحديد مصير الحكم فيها؛ ولكن سيطرة أميركا عبر “قوات سورية الديمقراطية” على الرقة ومحيطها وشرق دير الزور ومدن الشمال، أي مساحات واسعة من سورية، أعادت النقاش لهذه المُسلّمة. رافق ذلك كلامٌ يتصاعد تباعاً عن إعمار الرّقة بالتحديد، الكلام هذا يقوله الأوروبيون والأميركان، وهناك وزير سعودي زار المدينة للسبب ذاته. الرسالة واضحة هنا، ليس من مشاريعٍ دوليّة لإعادة الإعمار في كل سورية، وفي “سورية المفيدة”، قبل الانتقال السياسي، وتحديد مصير الحكم، بشكلٍ يتجاوز الكلام المُسفّ عن نصرٍ يُحققه النظام من دون توقف، بل وتناول “المصير” النظام ذاته.

عكس تصريحات بوتين عن حشر ممثلي”شعوب سورية” في حميميم أو في مطار دمشق الدولي، هناك تصريحات أميركية تقول إن النظام السوري الحالي غير صالحٍ للحكم مستقبلاً؛ الحديث هذا يأتي على خلفية الانتهاء من “داعش” ولجم جبهة النصرة في إدلب والتخلص منها بالتدريج، أي يأتي في لحظةٍ حسّاسة، تتناول النقاش عن اجتماعات أستانة وموعدٍ لمؤتمر جنيف جديد في الشهر الجاري، ولقاءات جديدة يُجريها مسؤولون أميركان مع دي ميستورا، وكلام “هجومي” من وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، وهو ما يعكس رغبة أميركية لرؤية جديدة في الشأن السوري.

يمكن تفسير التصعيد الأميركي على خلفية استراتيجية ترامب ضد إيران، وضرورة فك

“الغضب الروسي من “الرقة أولاً” لا يُقدّم ولا يُؤخر شيئاً في الأمر” التحالف بين روسيا وإيران، وإعادة الأخيرة إلى حدودها السيادية، بل إن ترامب يُهدّد بالتراجع عن الاتفاق النووي، ووضع الحرس الثوري وحزب الله على قائمة الإرهاب. يدعم الرؤية الأميركية هذه تراجع “داعش” وقوى الإرهاب وسقوط الحجة الإيرانية بتشكيل الحشد الشعبي أو الوجود في سورية تحت هذا المسمى، وهي الذريعة نفسها التي شكلّت بها أميركا ائتلافها وتحالفها الدولي؛ وتحجيم إيران يتوافق مع مطالب إسرائيل والسعودية بخصوص سورية والمنطقة. إذاً، على روسيا التحرّك سريعاً لحسم قضية إيران، والتخلي عن “استهزائها” بالعالم، وتهميش جنيف، بل وأستانة، واستبدالهما بمسار حميميم، والعودة إلى رشدها، وأن أميركا ما زالت الدولة الأولى في العالم، ولن تمنح سورية لقمة سائغة لها من دون رضىً، وللرضى الأميركي هذا شروط.

ترفض أميركا الوجود الإيراني، وسيكون وجودها هناك داعماً للأكراد، ولقطع الطريق البرّي على إيران، وأن كل الحرب ضد “داعش” هي من أجل إعادة تموضعها مجدّداً في سورية والعراق؛ البدء بإعمار الرّقة سيُشكل نقلةً نوعية في السياسة الأميركية، حيث ستُحاصِر إيران وتركيا، وستمدّ الأكراد بأوهام كبيرة حول “الفيدرالية”، على الرغم من رفضها هذه الفيدرالية، وهذا سيساعدها في التخلص من “داعش” وتهميش إيران خصوصا، وستُجبر تركيا على توافقاتٍ سياسية، تهدّد علاقة الأخيرة بروسيا ووجودها في كل المنطقة، والنتيجة هنا تهميش تركيا!

مما لا يجوز توهمه، على الرغم من الخطوة الأميركية، أن الأكراد سينالون حقوقاً أكثر من حقوق المواطنة في سورية، وحكما ذاتيا موسعا في العراق، وأيضاً لن يحصل تغيير في الحدود القديمة للدول، لكن تهميش الدول أكثر فأكثر هدف أميركي بامتياز. ستسير أميركا بالعراق مجدّداً نحو إعادة “السنة” إلى الحكم مع الكرد والشيعة، وهي رسالتها إلى رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني أخيرا، إذ تركته وحيداً في الجبال. وفي سورية، ستعمل من أجل نظام يُشبه العراق، أي نظام طائفي، وهذا يتعارض مع الرؤية الروسية في إبقاء النظام، وإحداث تغييرات طفيفة في مؤسساته الأمنية والعسكرية، الأمر المرفوض أميركيا، فالتغيير يجب أن يشمل هذه المؤسسات، ولكن بما لا يحطّمها.

وستعتمد روسيا على الخليج وأوروبا في الإعمار، لكن أوروبا والخليج. وعلى الرغم من

“تهميش الدول أكثر فأكثر

هدف أميركي بامتياز” الخلافات البينية بين دول الأخير، فإنّهم يصطفون خلف أميركا بما يتعلق بالمرحلة التالية لدحر “داعش”، أي الاستقرار والانتقال السياسي، وحينها ستفتح “صنابير” المال من أجل إعادة الإعمار، أي المساهمة في نهب سورية بالمعنى الدقيق للكلمة. وبالتالي، تفرض أميركا، وبعد سيطرتها على مساحات واسعة من سورية، شروطها، وذلك من أجل حصة كبيرة لها في سورية.

الغضب الروسي من “الرقة أولاً” لا يُقدّم ولا يُؤخر شيئاً في الأمر، فما وراء ذلك قضايا يجب حسمها مباشرة، والتلكّؤُ فيها يعني أن روسيا ستغرق في سورية أكثر فأكثر، وإذا كانت فعلاً مهتمةً بالانتقال السياسي، وباحتلال سورية، فإنّ ذلك يمرُّ عبر جنيف، وإعادة تقاسم سورية، وليس المنطقة الشرقية فقط، وإعادة تقييم دورها العالمي ذاته، ولا سيما أن روسيا توهّمت أنّها ترسم السياسة العالمية برفضها التخلي عن القرم، وبدخولها العسكري إلى سورية، وبعقد صفقاتٍ عسكريةٍ كبيرة مع كل من تركيا وإيران ودول الخليج، وباستهتارها بالعقوبات المفروضة عليها، وبسياسات أوباما الانكفائية. روسيا غاضبة من التموضع الأميركي الجديد، لكن الأخير يتحرّك بهدوءٍ شديدٍ، وخطابات ترامب يجب أن تُؤخذ على محمل الجد.

شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري حافل باللقاءات، ويُفترض بهيئة التفاوض رفض “توصيات” موسكو، وإشراك “منصاتها” فيها، وإعادة التأكيد على أن جنيف هو الأساس في الشأن السوري، والتنديد الواسع بكل الممارسات المناقضة لاتفاقية تخفيض التوتر، والإصرار على تنفيذها واستكمال تشكيل مجالس محلية خاصة فيها. وفي الوقت عينه، رفض إلحاق الرّقة بالإدارة الذاتية في الحسكة، وكذلك يفترض بالأميركان أن يتدخلوا دبلوماسياً بشكل كبيرٍ، وبما يعيد إلى جنيف أهميته؛ الروس معنيون، كما أوضحنا، بتهميش الدور الإيراني الفاقد لمبرّراته، وكذلك بالتخلي عن أولويات حميميم، والعودة إلى مبادئ جنيف، ورفضُهم هذه الفكرة يعني استمرار الأميركان بالرّقة أولاً ومدن الشمال، وإغراق روسيا في سورية أكثر فأكثر.

العربي الجديد

 

 

 

مفاتيح زنازين السوريين في “أستانة 7″/ سميرة المسالمة

تحاول روسيا حشد التأييد الشعبي لاتفاقات أستانة بشأن سورية، وذلك بترويج عناوين الملفات التي تناقشها الجولة السابعة، وهي ملف الأسرى والمعتقلين والرهائن، حيث بقي هذا الملف معتقلاً نحو سبع سنين، بعيداً عن أي جهد دولي فعال، على الرغم من قرارات دولية، ومنها قرار مجلس الأمن 2254 في فقرته 12: “يدعو الأطراف إلى أن تسمح فوراً بدخول الوكالات الإنسانية السريع والآمن ومن دون عراقيل، على امتداد سورية من خلال أكثر المسارات مباشرة، والسماح بالمساعدات الإنسانية الفورية للوصول إلى كل الأشخاص المحتاجين إليها، ولا سيما في كل المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، وبالإفراج عن كل الأشخاص المحتجزين اعتباطياً ولا سيما النساء والأطفال، ويدعو الدول الأعضاء في المجموعة الدولية لدعم سورية لاستخدام نفوذها فوراً لتحقيق هذه الأهداف”. وعلى الرغم من أن روسيا كانت معنية بإلزام النظام السوري بتنفيذ القرار المذكور، إلا أنها مارست تعطيلا متعمداً لتنفيذ كل القرارات الدولية، بدءاً من بيان جنيف 1 مروراً بكل ما يتعلق بالصراع السوري الداخلي، والصراع الدولي على سورية.

ويأتي ترويج مباحثات أستانة 7 بشأن ملف المعتقلين في وقت تعرف روسيا مأزقا بشأن مصداقيتها في تنفيذ استحقاقات مناطق خفض التصعيد، فما زالت قوات النظام تستخدم سلاحها ضد الأهالي في هذه المناطق، من ريف دمشق إلى حوران إلى وسط البلاد وشمالها، بل، وتستعين بالطيران الروسي، كما تمنع دخول المساعدات الإنسانية، ما تسبب في استمرار مأساة الغوطة الإنسانية للسنة الرابعة على التوالي، على الرغم من توقيع “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن” (الفصيلين الأكبر في الغوطة) اتفاقيات ثنائية مع الجانب الروسي تنص على الانضمام إلى مناطق خفض التصعيد، ودخول المساعدات كان أحد البنود الأساسية حسب ما تم إعلانه من كل الجهات، إلا أن الغوطة لا تزال محاصرة من النظام، ويعيش أهلها واحدة من أسوأ المأسي إنسانية.

ولعل آمال المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، من جولة أستانة 7، والتي يتم فيها طرح

“طرح موضوع الأسرى والمعتقلين والمفقودين بجدية، في جولة أستانة 7 موضع ترحيب السوريين” موضوع الأسرى والمعتقلين والمفقودين بجدية، موضع ترحيب من السوريين، إذ يعلم المجتمع الدولي أن ما فات من نقاشات، سواء في مفاوضات أستانة، أو قبلها في جنيف منذ عام 2014، بشأن أهم ملفات القضية السورية، وربما هو أساس الثورة وسبب انطلاقتها، وهو ملف المعتقلين، لم يكن موضع مفاوضات جادة حتى أستانة 7 المأمولة، ما يعني أن كل ما يحدث داخل السجون والمعتقلات، وما تسرب من صور عن مقتل 11 ألفا منهم تحت التعذيب، لم يسهم في وضع هذه القضايا على طاولة مباحثات جدية، على الرغم من وجود قرارات دولية، ما يجعل التساؤل مشروعاً بشأن مصداقية طرح الملف بغرض المعالجة الصادقة، وفتح الزنازين لإطلاق سراح المعتقلين ومعرفة مصير المغيبين.

التعاطي مع ملف المعتقلين كحالة تسويقية شعبية، تطرحها موسكو في هذه الجولة التي تسبق مؤتمر حميميم الذي تروجّه روسيا، ولم يتجاهله الوسيط الأممي في تصريحاته في جنيف الأسبوع الماضي، ما يستدعي أن تقف عنده كل أطياف المعارضة، والتي يمكن أن تقاد من جديد لحملة توسيع وفدها، بحيث يستوفي تمثيل هذا المؤتمر أيضاً، في خطوة روسية استباقية ليست جديدة عليها، فقد اختبرتها المعارضة سابقاً عند ترويج قرار مجلس الأمن 2254، بيد أن هذه المرة تقدمها موسكو في إطار زمني، تستعد فيه المعارضة لتوحيد صفوفها في مؤتمر الرياض 2، لإطلاق جولة جديدة من مباحثات جنيف نهاية الشهر المقبل، وهو ما يمكن أن يكون أكثر من تلويح لتخريب هذه الجهود، في حال سارت الأمور داخل أروقة المؤتمر في العاصمة السعودية خلافاً للرغبة الروسية، في الوصول إلى وفد تفاوضي بكامل المرونة المطلوبة دولياً.

وعلى الرغم من ذلك، ما يعني الشارع السوري اليوم هو أن تكون مفاتيح زنزانات المعتقلين

“ما يعني الشارع السوري اليوم هو أن تكون مفاتيح زنزانات المعتقلين فعلياً موجودة في أستانة 7” فعلياً موجودة في أستانة 7، وأن القدرة على إدارتها داخل أقفالها موجودة عند الدول الضامنة للمباحثات، بيد أن التفاؤل بهذا الأمر مرهون بمجريات المباحثات الروسية الأميركية التي لا تزال طي الكتمان، فيما يتعلق بالصراع على سورية، وتوزيع الغنائم بما يتوافق وتصريحات واشنطن عن سورية ما بعد عائلة الأسد، وعن محاسبة المسؤولين عن مجازر الكيميائي في خان شيخون وغيرها.

ليس من باب التفاؤل القول إن الوصول إلى حل في ملف المعتقلين وإطلاق سراحهم، ومعرفة مصائر الآلاف من السوريين، يعني تمهيد الطريق نحو واقع تفاوضي مبني على جسور من الثقة بأن نهاية عهد الاستبداد بدأت، سواء كان النظام يعي ذلك، ويتفهم ما عليه من مسؤوليات، أم أنه يعتبر كل ما يجري فرصة لاستمهال المجتمع الدولي، بينما يعيد مناطق خفض التصعيد إلى سيطرته، ويعيد سورية إلى ما قبل رياح التغيير والحرية التي عصفت بها، وتحمّل السوريون من أجلها أثمن التضحيات، ولا يزالون.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

 

مشكلة السوريين مع روسيا/ برهان غليون

اعتدت أن أقول لمحاوريّ الدوليين، منذ تأسيس المجلس الوطني السوري في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، إن القضية ليست مشاركة المعارضة في الحكم، مع الأسد أو من دونه، وإنما الرد على تطلعات الشعب، والانتقال به نحو حياة ديمقراطية حرة وعادلة. وإذا أمكن هذا الانتقال من دون مشاركة المعارضة، فالمعارضة في غنى عنها. المهم أن تتغير قواعد الحكم الاستبدادي المدمر السائد التي صممت لوضع الدولة والمجتمع معا، ومواردهما في خدمة سلطة الحزب الواحد، ثم سلطة أسرة الأسد، والقائمة بكل بساطة، رسميا وقانونيا، على الإقصاء العلني الكامل للشعب والتعقيم السياسي الكلي، للمجتمع والفرد وحكم الإرهاب والإهانة والإذلال المتعمد لتحقير الفرد في نظر نفسه، وانتزاع روح السيادة منه، وتدجينه وتطويعه على قبول العبودية والتسليم للقوة الغاشمة. دور المعارضة التي لا تريد شيئا لنفسها، ولا ينبغي أن تفعل، لا بوجود الأسد ولا بغيابه، هي اليوم أن تضمن للشعب توفير شروط ممارسته حقه في تقرير مصيره بنفسه. وهذا يعني إيصاله إلى انتخابات حرة ونزيهة، تسمح له باختيار ممثليه، وإرساء قاعدة قوية للحكم التمثيلي والديمقراطي في البلاد.

(1)

وهذا يعني أن المعارضة ليست الموضوع، وليست الطرف المهم في المباحثات والمفاوضات القائمة التي قبلت المعارضة الدخول فيها، منذ تأييدها مبادرة جامعة الدول العربية وبيان جنيف 1 في يونيو/ حزيران 2012، وبعثة كوفي أنان العربية الدولية. الموضوع والطرف هو الشعب السوري وتطلعاته وحقوقه ومكانته، ودوره في النظام السياسي المطلوب إنشاؤه على أنقاض حكم الديكتاتورية الدموية. ومسؤولية المعارضة هي أن تواكب ثورة شعبها، وتثمر تضحياته الغزيرة، والتي لم تتوقف منذ سبع سنوات، من أجل الخلاص والتحرّر من نير سلطةٍ تحولت إلى نظام احتلال داخلي، وواجبها أن تسعى إلى تأمين الدعم العربي والدولي، في سبيل تسريع عملية الانتقال والتحول نحو نظام جديد، يضع حدا للحرب وسفك الدماء، ويرد على تطلعات السوريين نحو الحرية، ويليق بتضحياتهم وكفاحهم.

ولذلك، لم يكن هدف المفاوضات مع النظام، واليوم بالأحرى مع أسياده الروس، المساومة على حق الشعب السوري في الانتقال إلى نظام ديمقراطي، يساوي بين جميع أبنائه، ويعترف بالمواطنة وحقوقها الواحدة للجميع، وإنما التفاهم على آليات وصيغ مرحلة الانتقال التي تنتهي مع تنظيم أول انتخابات تشريعية. وعندئذٍ، يكون الشعب حرا في تقرير مصيره، وانتخاب من يمثله، ومن خلالهم، تحديد مضمون النظام الجديد النهائي، والتعديلات الدستورية، والتسويات السياسية، والتفاهمات الاجتماعية المطلوبة بالتأكيد لمعالجة آثار الحرب، وتطمين الأطراف والجماعات، أقليات قومية ومذهبية ونوعية ومهنية وغيرها، على مصيرها وضمان حقوقها وأمنها.

ولكن هدف الروس كان ولا يزال أن يضحّوا بقضية الشعب، في الخروج من حكم الطغيان،

“مسؤولية المعارضة السورية أن تواكب ثورة شعبها، وتثمر تضحياته الغزيرة التي لم تتوقف منذ سبع سنوات” لصالح فكرة حكومة وحدة وطنية، تحافظ على النظام مع بعض الإصلاحات الدستورية، في الوقت الذي لا يعني الدستور شيئا في مثل هذا النظام القائم على الهوى والعصبية والعلاقات الشخصية والسلطة الفردية المطلقة والمقدسة. ولذلك، لا توجد هناك أي إمكانية للتسوية أو للحل الوسط بين منطقي الحفاظ على النظام بمشاركة المعارضة وتلبية مطالب الشعب وتطلعاته نحو السيادة والحرية.

منذ أول لقاء مطول في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، برز الخلاف العميق في التحليل والخيارات. وبدل أن يحاول التقرّب من موقفنا، أو يتفهمه، جاء رده تهكما بالثورة نفسها التي قال إنه هو الأكثر خبرةً بما تعنيه. وعلى الأغلب كان صادقا في مشاعره ورؤيته السلبية لأي حركة احتجاجية، وبالأحرى ثورية، تهدف إلى التغيير الجذري لنظام قائم على العنف والإكراه والقهر. لم يفهم الروس معنى تطلعات الشعب وحقوقه، أو لم يريدوا أن يفهموا. وأرادوا إقناعنا بأن الغرب هو المسؤول عن كل شرور العالم. وربما اعتقدوا بالفعل أن ما يحصل في سورية يشبه ما حصل في العراق في العام 2003، أو في أحسن الأحوال في ليبيا في 2011، وراهنوا على أن تدخلا قويا منهم في مجلس الأمن والأمم المتحدة سوف يردع القوى الغربية الراغبة في التدخل في سورية على حساب النفوذ الروسي.

وفي خطوةٍ لاحقة، اعتقدت الدبلوماسية الروسية أن في وسعها، من خلال الرهان على التدخل العسكري الإيراني من جهة، ومغازلة المعارضة أو بعض أطرافها لتقريبها من موسكو من جهة ثانية، التوصل إلى تسوية سياسية سريعة للأزمة السورية، وتذليل تعنت الأسد الذي أصبح مدينا لها في الدفاع عن وجوده. وهكذا تستطيع موسكو أن تحقق النجاح الدبلوماسي الذي تحتاجه، لتعيد تأهيل نفسها، وتسترجع صدقيتها ومكانتها الدولية، ما كانت بأمس الحاجة إليه لمواجهة الضغوط الأوروبية والأميركية المستمرة عليها، سواء ما تعلق منها بالعقوبات الاقتصادية القاسية أو بالضغوط العسكرية والاستراتيجية في مجال نفوذها. وعندما شعرت بداية عام 2015 أن النظام يكاد ينهار، تدخلت هي ذاتها، وحاولت أن تضع كل ثقلها العسكري لحسم الصراع بأي ثمن وبأسرع وقت ممكن. وأتذكّر أنه بعد أيام من دخول القوات الروسية سورية، التقيت ميخائيل بوغدانوف، الممثل الشخصي للرئيس الروسي بوتين ونائب وزير الخارجية، بدعوة منه، في مقر سفارة روسيا الاتحادية في باريس، لينقل لي رسالة مفادها بأن بلاده لا تريد التدخل العسكري في سورية، لكنها دخلت فقط للقضاء على الإرهابيين الروس المشاركين في الحرب مع المتطرفين، ولن تقبل بعودتهم أحياء إلى بلادهم، ولن تزيد فترة تدخلها عن شهرين. ضحكت طبعا من فترة الشهرين، لكن بوغدانوف لم يتردد في التأكيد عليها، بينما كانت الصحافة الرسمية تتحدث عن ثلاثة أشهر. وها هم الروس يخططون للبقاء في سورية نصف قرن، بعد انقضاء سنتين على تدخلهم القاتل في الحرب الدولية على السوريين.

(2)

أخطأ الروس أخطاء كبيرة، ولا يزالون يخطئون، بحق السوريين أولا، لكن تجاه مصالح روسيا أيضا والعلاقات الروسية السورية في المستقبل، ولأسباب عديدة. أولها إنكارهم، مثل الأسد

“هدف الروس كان ولا يزال أن يضحّوا بقضية الشعب، في الخروج من حكم الطغيان، لصالح فكرة حكومة وحدة وطنية” وطهران، حقيقة الثورة السورية وعمق تجذّرها في وسط قطاعات واسعة من الشعب السوري، وهذا خطأ بنيوي نابع من رفضهم فكرة الثورة والتغيير نفسها، وامتناع منهج تفكيرهم عن استيعاب هذا الأمر، حتى على مستوى الاحتمال. وهكذا تصرّفوا بالفعل على أساس أنهم يواجهون تدخلا غربيا واسعا ضدهم في سورية، لا حركة شعبية عميقة الجذور.

وأخطأوا ثانيا عندما عطّلوا، بشلهم مجلس الأمن، أي تسوية سياسية سورية، وغطوا على تدخل المليشيات الإيرانية الطائفية، وهم يتحملون اليوم مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية أساسية في المجازر وعمليات التهجير القسري والتجويع واستهداف المدنيين والإبادة الجماعية التي نجمت عن هذا التدخل تحت حمايتهم وبرعايتهم. وقد حرمهم غضهم النظر عن هذه الأعمال الإجرامية التي دانتها تقارير المنظمات الدولية جميعا من أي أملٍ في كسب ثقة الشعب السوري، أو بعض قطاعاته، حتى القريبة منهم، والتي راهنت، في فترة ما، على روسيا، لتحجيم التدخل الإيراني، وعقلنة سياسة الأسد الانتحارية.

وأخطأ الروس ثالثا، عندما احتقروا المعارضة، واستضعفوها واستهزأوا بها، واعتقدوا أن في وسعهم تدجينها والالتفاف عليها واستغباءها لتحقيق مخططاتٍ مكشوفة، الغاية الواضحة منها تصفية مطالب الثورة السورية، وإخفاء وجهها ومعالمها، حتى تتحقق أطروحتهم الأولية المطابقة أطروحة الأسد، أي إنكار أي حركة شعبية داخلية والتمسك بأطروحة المؤامرة الخارجية.

وأخطأ الروس رابعا، عندما كذبوا على السوريين، وربما على أنفسهم، وأعلنوا أن هدفهم المشاركة في القضاء على المنظمات الإرهابية، والإرهابيين الروس خصوصا، ولم يلبثوا حتى نصبوا أنفسهم سلطة انتداب شبة رسمي على سورية وشعبها، يستفردون بقرارها، ويجمعون رجالها ومعارضاتها، ويفرقونهم منصات ومجالس، حسب الطلب والحاجة، ما جعلهم يتماهون في سياساتهم مع سياسات الأسد، ويصادقون على تكتيكاته الإجرامية في الإبادة الجماعية والتجويع والترويع والتهجير القسري لتعديل البنية الديمغرافية، ويغطّون على خروقاته، ونكثه بعهوده بعد التوقيع على اتفاقات خفض التصعيد والمصالحات الزائفة الأخرى. وهذا ما حوّلهم، في نظر السوريين، بسرعة، من قوةٍ يمكن المراهنة عليها وسيطا دوليا للمساعدة على ضبط المليشيات الإيرانية وعقلنة السياسة الأسدية، والوصول إلى تسوية جزئية، إلى قوة احتلال.

وأخطأ الروس خامسا، عندما ورّطوا أنفسهم في تبني قضية الأسد شخصيا، والمبالغة في الدفاع عن بقائه في الحكم، وحقه في الترشح لأي انتخابات رئاسية مقبلة، وتبرئته من التهم التي كبلته بها المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية، ولجان التحقيق الأممية، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي، متحدّين بذلك مشاعر ملايين السوريين الذين فقدوا أبناءهم، وقضى الأسد على مستقبلهم، وخرّب وطنهم.

وسيخطئ الروس، سادسا وأخيرا، إذا اعتقدوا أن الأمر قد استتب لهم في سورية، وأن شعبها

“أخطأ الروس أخطاء كبيرة، ولا يزالون يخطئون، بحق السوريين أولا، لكن تجاه مصالح روسيا أيضا والعلاقات الروسية السورية في المستقبل” فقد نوابض المقاومة والقوة، أو أن العالم سحب يده منها، وسلم بسيطرة روسيا وإيران عليها، أو قبل بتقاسمها بين القوى الإقليمية. ولعل بوادر الحرب المعلنة على الوجود الإيراني المليشياتي في سورية، منذ أسابيع فقط، تظهر هشاشة الوضع الروسي في الشرق الأوسط أيضا، في غياب قوة برية مستقلة، على الرغم من المواقع الجديدة التي اكتسبتها. ولا يوجد شك في أن خشية موسكو من تقويض الغرب الموقع الاستثنائي الذي احتلته في هذه المنطقة هو الذي يدفعها إلى الاستعجال في فرض تسوية سياسية بأسرع وقت، تضمن بقاءها في المستقبل. وربما كان هذا هو الدافع إلى الاستعجال في الدعوة إلى مؤتمر الشعوب، ثم الشعب السوري، في حميميم، ثم في سوتشي، وسبب ولادته ميتا أيضا، بعد رفض أطراف المعارضة الرئيسية حضوره والمشاركة فيه.

وستفشل المبادرات الروسية القادمة جميعا أيضا إذا استمر الروس في التفكير بالقضية السورية على هذا المنوال. فلم يقدم الشعب السوري مليون ضحية، وملايين المشرّدين واللاجئين وعشرات بل مئات المدن المدمرة والمسواة بالأرض، من أجل أن يحصل بعض المعارضين، كما يتوهمون، مهما كانت مواهبهم ومقدراتهم وتاريخهم، على بعض المناصب الحكومية في وزارة الأسد أو أي وزارة أخرى. لقد قدّم السوريون شهداءهم من أجل أن يسترجع أي سوري، صغيرا أو كبيرا، مسلما أو غير مسلم، عربيا أو كرديا او غيرهما، فقيرا أو غنيا، حاكما أو محكوما، كرامته، أي أن يكون سيدا، حرا، وليا على أمره، حيا بضميره، ومشاركا في تقرير مصير وطنه. أي أيضا من أجل أن يكون للسوريين وطن، ولا تكون سورية مزرعة لأحد، لا للأسد وجلاوزته ومخابراته، ولا للروس، ولا لغيرهم مهما كانوا. وجوهر الكرامة وقوامها هو الاعتراف بالذات والآخر والاحترام المتبادل.

والحال، بسياستها التصفوية الراهنة، لا تجرّد الدبلوماسية الروسية المعارضة من احترامها نفسها واحترام شعبها لها فحسب، وإنما تهين جميع السوريين الذين تتعامل معهم، كما لو كانوا لا يزالون في المزرعة العبودية ذاتها التي يحاول الأسد، بحرب الإبادة والدمار الشامل، من دون نتيجة، منذ سبع سنوات، إعادتهم إليها.

لهذه الأسباب، فشلت روسيا في مبادرتها لجمع السوريين ومصالحتهم، ولا يمكن لها إلا أن تفشل. ولن بفيد فشلها أحدا، ولكنه، بمقدار ما يقود إلى الاستيطان في النزاع والحرب، سوف يزيد من عذاباتنا وآلامنا. وتلك هي مشكلتنا مع روسيا وخياراتها.

العربي الجديد

 

 

روسيا تحاصر المعارضة السورية في سوتشي والرياض/ عدنان علي

مع خروج الخطط الروسية بشأن عقد مؤتمر لـ”المصالحة” السورية في منتجع سوتشي على البحر الأسود في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، إلى العلن، والذي سيسبقه اجتماع “الهيئة العليا للمفاوضات” المعارضة في الرياض، تبدو المعارضة السورية في وضع دفاعي إزاء هجوم روسي – دولي مزدوج، يستهدف لي ذراعها، ودفعها إلى القبول بتغيير المرجعيات المعتمدة للحل السياسي في سورية، والمبنية على مبادئ جنيف والمرجعيات الدولية ذات الصلة. كما تشير الخطط الروسية لعقد مؤتمر سوتشي إلى مضي موسكو في سعيها لقطف ثمار استثمارها العسكري لصالح النظام السوري على مدار العامين الماضيين، والذي أسفر حتى الآن عن استعادة قوات النظام لأكثر من نصف مساحة البلاد.

ومما له دلالاته على طبيعة التفكير الروسي بشأن الحل في سورية، في ظل تراجع دور القوى الإقليمية والدولية الأخرى، نوعية التشكيلات السياسية التي وجهت إليها الدعوة لحضور مؤتمر سوتشي، والذي رأى البعض أنه أقرب إلى اجتماع لـ”أهل البيت”، أي النظام السوري وأزلامه ومواليه من أحزاب وشخصيات من تصنيع أجهزته الأمنية، أو أنها توالي موسكو نفسها، بينما تقلص تمثيل المعارضة “المعتمدة” حتى الآن من جانب المجتمع الدولي إلى نسبة ضئيلة، أرادت موسكو أن يضيع صوتها في زحمة “المعارضات الأخرى” التي يعمل جلها لصالحها ولصالح النظام السوري. ودفع هذا الأمر مجمل قوى تلك المعارضة إلى رفض مؤتمر سوتشي، واعتباره محاولة روسية مكشوفة للخروج عن مرجعيات جنيف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

ونشرت وزارة الخارجية الروسية قائمة بالمنظمات والجماعات التي تمت دعوتها للمشاركة بما سمي “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في سوتشي، وهو نفسه الذي كانت تخطط روسيا لعقده في قاعدة حميميم باسم “مؤتمر شعوب سورية”، لكنها عادت وعدلت اسم المؤتمر ومكان انعقاده بعد اعتراضات مبكرة عليه من جانب العديد من القوى الداخلية والخارجية. ويظهر من اللائحة أن هناك 20 حزباً من بين 33 ورد اسمها في قائمة المدعوين مقرها في دمشق، أي تحت سلطة النظام. ولعل أبرز ما يلفت النظر هو هيمنة “أحزاب قدري جميل” على قائمة المدعوين، إذ يبرز اسم “رجل موسكو” في أكثر من حزب وهيئة منفردة ومؤتلفة. وعلى سبيل المثال، ورد في قائمة المدعوين اسم “الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير”، التي تأسست في القاهرة في 9 يوليو/ تموز 2011 برئاسة قدري جميل، وتضم حزبه المسمى “اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين” مع شخصيات أخرى، مثل مسؤول الحزب السوري القومي الاجتماعي علي حيدر، ومجموعة من الشخصيات المستقلة، مثل الباحث حسني العظمة والنقابي إبراهيم اللوزة، والناشط السياسي عادل النعيسة. كما تضم قائمة المدعوين مجموعة من الأحزاب التي تشكلت تحت عباءة النظام في السنوات الأخيرة بعد اندلاع الثورة السورية، وعادة ما توصف بأنها من صنع الاستخبارات السورية، لأن مواقفها تتطابق تماماً تقريباً مع مواقف النظام، وهي أحزاب شكلية من الناحية التنظيمية، وكثير منها لا يتعدى عدد أعضائه أصابع اليد الواحدة. كما تضم القائمة مجموعة من الأحزاب الكردية، مثل “الاتحاد الديمقراطي” ومقره في القامشلي، و”الاتحاد الديمقراطي” ومقره في عين العرب (كوباني) بريف حلب، و”الاتحاد السوري” في القامشلي، و”المجلس الوطني الكردي” في القامشلي أيضاً.

وقال المتحدث باسم وفد المعارضة السورية إلى أستانة، يحيى العريضي، إن “روسيا تتصرف في سورية كدولة احتلال”. وأضاف العريضي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المؤتمر خارج إطار الأمم المتحدة، وحتى لو قالت روسيا إنّها ستنسق مع الأمم المتحدة، فإنّه كلام غير مقبول، لأن هذا الأمر لو كان صحيحاً، لكانت روسيا طبّقت بيان جنيف والقرارات التي شاركت هي في صياغتها”. وتساءل العريضي “ما المبرّر من هذه المجموعة الجديدة، سواء كانت في حميميم أو سوتشي، ما دام هناك مسار سابق في جنيف؟”. واعتبر أن “نوعية من سيحضرون يشبهون النظام، ما يعني أن النظام السوري سيحاور نفسه في سوتشي”، موضحاً أن “الجهات التي ستحضر هي إمّا أُجبرت على المصالحة تحت الحصار والدمار والتجويع، أو من الأحزاب التي أفرزتها أفرع الاستخبارات”.

من جهته، قال رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري، أحمد رمضان، إن “الائتلاف لن يشارك في أي مفاوضات مع النظام خارج إطار جنيف ووفق قرارات مجلس الأمن، ومن دون رعاية الأمم المتحدة”. واعتبر رمضان، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “دعوة روسيا لعقد مؤتمر للسوريين في سوتشي محاولة للالتفاف على جنيف والإرادة الدولية في الانتقال السياسي في سورية وفق قرارات مجلس الأمن وتحت رعاية الأمم المتحدة”. وأوضح أنه إذا كانت القيادة الروسية جادة في دعم العملية السياسية، فإن “عليها الضغط على نظام الأسد للمشاركة في جنيف والالتزام بقرارات مجلس الأمن والدخول في مفاوضات مباشرة وجدية”، معتبراً أن “روسيا ليست طرفاً محايداً في القضية السورية، بل طرف منحاز إلى جانب نظام (بشار) الأسد، ودافعت عنه عسكرياً وسياسياً، بما في ذلك استخدامها حق النقض (الفيتو) 9 مرات في مجلس الأمن لتمكين مجرمي الحرب من الإفلات من العقاب”. وأكّد رمضان أن روسيا “تتحمّل المسؤولية المباشرة عن جرائم الحرب التي ارتكبتها في سورية منذ تدخلها العسكري في سبتمبر/ أيلول 2015، ما تسبب في مقتل آلاف السوريين، إضافة إلى مسؤوليتها عن جرائم الإبادة واستخدام الأسلحة الكيميائية والمحرمة من قبل نظام الأسد والمليشيات الإرهابية الإيرانية، وتهجير عشرات آلاف المدنيين من بيوتهم تحت القصف والتدمير”. ولفت إلى أنّه “بعد 7 جولات من أستانة، ما زالت ملفات المعتقلين وفك الحصار وإدخال المساعدات معلَّقة، وتقع على عاتق روسيا المسؤولية الرئيسة في ذلك، إلى جانب نظام الأسد”.

وفي السياق ذاته، قال رئيس “المجلس الوطني الكردي”، عثمان مسلم، إنه حتى الآن لم “نتبلّغ الدعوة بشكل رسمي، وفي حال تلقيها سنحولها على الأمانة العامة لتتم مناقشتها”. وأضاف مسلم، في تصريح لـ”العربي الجديد”: “كموقف مبدئي نحن جزء من قوى الثورة والمعارضة وجزء من الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات”، مضيفاً: “من بين العدد الكبير للوفود المدعوة للمؤتمر، نحن لا نعرف سوى 5 أو 6 جهات ممثّلة للسوريين على الأرض”. واعتبر أن “الدعوة الروسية للأطراف السورية ميتة قبل أن تولد، بسبب إشراك أطراف غير أساسية، كالأحزاب الـ18 الموجودة قرب القصر الجمهوري في حي المهاجرين بدمشق”. ورأى أن الدعوة يجب أن توجه إلى “أهالي حمص وحلب ودرعا البلد والقامشلي وعامودا، الذين هُجّر منهم أكثر من 250 ألف مدني نتيجة ضغوطات حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري”. وتابع مسلم “نحن لا نرى الخير بهذه الدعوة، خصوصاً أنّها جاءت من طرف يقصف الشعب السوري والمدن السورية يومياً، لكن روسيا دولة فاعلة، وفي حال اتخذنا قرار الرفض فسنقوم بذلك بشكل سياسي ودبلوماسي”. واعتبر أنّ “المؤتمر عبارة عن طريقة ضغط روسية جديدة على السوريين للوصول إلى تسوية تخدم النظام السوري ولا تخدم السوريين”. وكان عضو الهيئة العليا للمفاوضات والقيادي في “جيش الإسلام”، محمد علوش، قال، في تصريحات صحافية، إن “الثورة ترفض هذا المؤتمر، وهو بين النظام والنظام”. ونقلت وكالة “رويترز” عن علوش قوله إن “الهيئة العليا فوجئت بذكر اسمها في قائمة الدعوة، وهي بصدد إصدار بيان مع قوى أخرى يحدد الموقف العام الرافض لهذا المؤتمر”. من جهته، رحب رئيس “تيار الغد” السوري المعارض، أحمد الجربا، بعقد مؤتمر للحوار الوطني للأطراف السورية في روسيا، معرباً عن تأييده لهذا المؤتمر. وقال الجربا، في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”، إن “مؤتمر الحوار الوطني السوري سيكون داعماً لمفاوضات جنيف”، معتبراً أن “كل مكونات الشعب السوري ستشارك فيه”، على حد تعبيره.

ويسبق مؤتمر سوتشي المقرر في 18 نوفمبر الحالي، عقد اجتماع مهم للهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض، وسط توقعات أن تمارس ضغوطاً على الهيئة من أجل “إعادة هيكلة” نفسها لتكون توجهاتها منسجمة مع “المزاج” الدولي والإقليمي الجديد الذي يميل للقبول بوجود نظام بشار الأسد، والتخلي عن مبادئ الحل السياسي الواردة في اجتماعات جنيف. وفي هذا السياق، اعتبر رئيس هيئة التنسيق السورية المعارضة، عضو الهيئة العليا للمفاوضات، حسن عبد العظيم، أن الأولوية في الوقت الراهن هي محاربة الإرهاب وليس إزاحة بشار الأسد. وقال عبد العظيم، في تصريح لوكالة “سبوتنيك”، إن هذا الموقف ينطبق على الموقف “السعودي، كما الأميركي والفرنسي والبريطاني والأمم المتحدة وتركيا وروسيا وكل الدول، لأن الأولوية لديها الآن هي مكافحة الإرهاب”. وسبق لعبد العظيم أن توقع تشكيل كيان مفاوض جديد بديلاً للهيئة العليا للمفاوضات بعد اجتماع الرياض، المقرر أن يعقد بين 10 و15 نوفمبر الحالي. من جهتها، نقلت صحيفة “الوطن”، المقربة من النظام السوري، عن المتحدث باسم “هيئة التنسيق الوطنية – حركة التغيير الديمقراطي”، منذر خدام، قوله إن السعودية هددت بسحب دعمها للفريق المقرب منها داخل “الهيئة” ما لم يتخلصوا من الأعضاء المتشددين. ورأى أن “ثمة مشكلات عديدة لا تزال تحول دون عقده، خصوصاً لجهة هيمنة المتشددين عليه”، مشيراً بشكل خاص إلى “جماعة الإخوان وبقايا إعلان دمشق وبعض المنشقين عن السلطة، مثل رياض حجاب وغيره”. يذكر أن المشاورات التي أجرتها الهيئة العليا للمفاوضات مع منصتي القاهرة وموسكو في أغسطس/ آب الماضي، فشلت في تشكيل وفد موحد للتفاوض مع النظام السوري. يأتي ذلك في وقت أعلن فيه المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أن الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف حول سورية ستعقد في 28 نوفمبر الحالي، وستركز على الانتخابات ودستور جديد لسورية.

العربي الجديد

 

 

 

 

ولكن ألسنا حقا «شعوبا» متعددة في سوريا؟/ بكر صدقي

أثارت دعوة موسكو لعقد مؤتمر لـ»شعوب سوريا»، في قاعدة حميميم الروسية في سوريا أو في سوتشي على البحر الأسود، جدلاً واسعاً بين السوريين بمختلف مشاربهم، غلب عليه الرفض والاستنكار. وإذا كان رفض معارضي نظام الكيماوي ينطلق أساساً من اعتبارهم للجهة الداعية، روسيا، قوة احتلال أجنبية تدعم بقاء النظام في السلطة وتعمل على التفرد بتقرير مصير بلادهم، فاعتراضهم على اسم المؤتمر أيضاً لم يكن هامشياً.

وفي غياب حرية التعبير لدى مؤيدي النظام يمكن الافتراض أنهم سيرفضون المؤتمر أيضاً، شكلاً ومضموناً، سواء بدعاوى «الوحدة الوطنية» التي لا تقبل النظر إلى المجتمع السوري بوصفه تجمعاً لشعوب مختلفة الثقافات والميول والتطلعات، أو بدعوى «التجانس» التي تباهى رأس النظام الكيماوي، قبل حين، بأن الحرب أدت إليه، أو من منطلق شيطنة وتخوين كل من هو خارج دائرة الولاء المطلق التي تتبناها القاعدة الاجتماعية الصلبة للنظام.

هذا في الشكل، أما في مضمون المؤتمر فهو، في أحسن تقديرات الموالاة، سيعني الاعتراف بشرعية «شعوب» أخرى غير شعب النظام الأسدي المتجانس المختار، والجلوس مع ممثليها على طاولة واحدة للتباحث في مصير البلاد. وفي أسوأها السماح بمشاركة تلك «الشعوب» في صياغة دستور لسوريا يأخذ بعين الاعتبار وجودها وتنوعها. ما قد يخفف من هذا الرفض هو ثقة الموالين النسبية بروسيا، وبأن كل مبادراتها السياسية بشأن سوريا قد لا تعدو كونها طبخة بحص، الغاية منها تمرير الوقت وتمييع مسار التسوية السياسية في جنيف والتغطية على الهدف الروسي الحقيقي في إعادة تأهيل نظامهم.

أما في ضفة معارضي النظام، فيقوم رفض فكرة وجود شعوب سورية، على أساس أيديولوجي يلخصه شعار من الأيام المبكرة للثورة السلمية هو شعار «الشعب السوري واحد»، وينضوي في إطار ما يسمى بدولة المواطنة المتساوية التي تواجه فكرة «المكونات» من أساسها. وإذا حدث واعترفت بوجودها، فهي لا تعترف بوجوب الاعتراف بحقوق للجماعات، بموازاة الحقوق المعترف بها للأفراد. وكلاهما، بالطبع، في الإطار النظري المحض، أي هي مجرد تصورات لتيارات سياسية معينة، يصدف أنها الأضعف، فوق ذلك، في الحراك الثوري العريض، وعنيت بها التيارات غير الإسلامية.

اللافت، بين هذه التيارات، هو التيار القومي العربي الذي يستخدم ورقة «دولة المواطنة المتساوية» بصورة أداتية لرفض أي اقتراح يتعلق بحقوق الجماعة الكردية في سوريا. ذلك لأن هذه الورقة تتعارض جبهياً مع الأشكال المعروفة للإيديولوجية القومية العربية القائمة على إنكار التنوع الاجتماعي العرقي والثقافي وعابرة للحدود الوطنية المرذولة بوصفها «حدوداً قطرية».

غير أن الأمر لا يقتصر على النتوء الكردي المزعج للتيار القومي، بل يشمل كذلك رفض النظر إلى جماعات أخرى، عرقية أو دينية أو مذهبية، بوصفها جماعات سياسية لها هواجس وتطلعات خاصة بها نابعة من هويتها الجمعية، أي من نظرتها إلى نفسها ونظرة الجماعات الأخرى إليها، الأمر الذي ينطبق، بأشكال ودرجات مختلفة على المسيحيين والعلويين والدروز والمسلمين السنة وغيرها من الجماعات الأصغر حجماً. نتذكر بهذا الصدد النقد العنيف الذي ووجه به المفكر الراحل صادق جلال العظم حين تحدث عن «العلوية السياسية».

إذا كانت شعارات الثورة في بداياتها السلمية قد عبرت عما يمكن أن يشكل تطلعات مشتركة للسوريين بمختلف انتماءاتهم الأهلية والسياسية والطبقية، فلم يمض وقت طويل حتى أخذ السوريون يكتشفون أن معنى الحرية يختلف باختلاف من يتحدثون عنها أو يطالبون بها، وكذا فيما يتعلق بمعاني الكرامة والأمان والرفاه الاجتماعي والشفافية وغيرها مما انتفضوا من أجل الوصول إليها. بل يتعدى أمر اختلاف السوريين هذه المفاهيم المجردة إلى المفاهيم السياسية نفسها، كالديمقراطية ودولة المؤسسات والمركزية / اللامركزية الإداريتين وغيرها. حتى شعار إسقاط النظام نفسه، وهو مفهوم سالب أساساً لا يقول شيئاً عما بعد إسقاط النظام، تم الخلاف حول صياغته بين كياني المعارضة الرئيسيين، في ذلك الوقت، المجلس الوطني وهيئة التنسيق، إضافة إلى الأحزاب الكردية التي تعاملت بدورها بحساسية خاصة مع هذا الشعار.

لكن كل هذه التباينات باتت خلفنا منذ زمن بعيد، وظهرت تباينات أكثر خطورة بكثير مع انتشار التسلح الأهلي وصعود التيارات الإسلامية التي أخذت الثورة في اتجاهات بعيدة عن منطلقاتها «البريئة». ومع غياب أي أفق لانتصار حاسم لأحد طرفي الصراع، وكذا لأي حل سياسي يوقف شلال الدم، وتدويل القضية السورية وصولاً إلى إلغاء داخلها الوطني، اندفعت الأمور بسرعة نحو تفكك اجتماعي استعاد التنوع الأصلي لمكونات موجودة، ودفع بها إلى استقطابات سياسية حادة (لها وجه عسكري غالب) لا تقبل التعايش في كيان سياسي واحد، وإن ادعت جميعاً عكس ذلك. الغريب في الأمر أن الثقافة الاجتماعية السورية المشبعة بفكرة تآمر القوى الدولية لتقسيم سوريا، ما زالت راسخة على رغم أن القوى الدولية الفاعلة أظهرت، في مناسبات كثيرة، تمسكها بالحدود القائمة منذ سايكس بيكو. في حين أن الديناميات الاجتماعية للصراع في سوريا دفعت باتجاه التفكك العملي للمكونات، سياسية كانت أو أهلية.

أي أننا في الواقع أمام شيئين متناقضين: تفكك فعلي للمكونات، مقابل هواجس التقسيم التي لا أساس يبررها. نعم، نحن شعوب، حتى لو قالها المحتل الروسي، ولسنا شعباً واحداً. لكن «المجتمع الدولي» ما زال مصراً على تسييجنا في إطار واحد محدد بحدود سايكس بيكو المتقادمة.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

 

سباق الأرنب والسلحفاة نحو ‘كرزاي سوري’ بعد سوتشي/ علي العائد

تعكس كثافة جولات محادثات أستانة في كازاخستان الهادفة إلى وضع حد للحرب على سوريا من وجهة النظر الروسية سباق موسكو مع نفسها قبل أن تتدخل أميركا وتُفشل كل جهود موسكو الدبلوماسية خلال سبع سنوات من عمر الدعم الروسي للنظام الأسدي، وجهودها العسكرية منذ نهاية سبتمبر 2015.

في عشرة أشهر فقط من العام الجاري، حققت أستانة سبع جولات، مقارنة مع سبع مماثلة لجنيف، ولكن منذ عام 2011، أي في سبع سنوات.

هذا الاستعجال الروسي الذي بدأ بالتزامن مع إنشاء مناطق تخفيف التوتر الأربع في الأشهر الأولى من هذا العام، وتحديدا بعد أقل من شهر من حسم معركة حلب لمصلحة النظام وحلفائه من الميليشيات، يجد تبريره في محاولة استباق نتائج الجهد الأميركي الواضح لإنهاء ظاهرة داعش في الموصل، ومن ثم الرقة، التي بدأت في خريف العام الماضي.

أنهت أميركا الآن أول معركتين ضد داعش، بتدمير الحواضن البيتونية والتاريخية للمدينتين، وأمامها خارطة طريق واضحة لجهة إنهاء داعش في محافظة دير الزور، وفي غرب الأنبار، بالتعاون مع حلفائها على الأرض في سوريا والعراق.

وحتى دون نظريات مؤامرة مفترضة، أنهى داعش مهمته، ويقوم الآن بتسليم حقول نفط شرق دير الزور دون مقاومة تذكر لقوات سوريا الديمقراطية، أو لقوات النظام وميليشياته، حفاظا على الثروة النفطية من عنف السلاح الذي يخربها، أو ربما إدراكا منه لقرب عودته سالما إلى حقوله السالمة.

لكن مسار الأحداث يدل على تماس أميركي مع قوات النظام، وشبه اتفاق على عدم وقوع حوادث قتالية بينهما، وحرص من روسيا على عدم التدخل في منطقة النفوذ الأميركي، مع ترجيح أن يتحجم داعش إلى الحد الأدنى المطلوب عموما من صانعيه بالرعاية أو الإهمال.

أمام هذا الاحتمال، كانت الدبلوماسية الروسية رشيقة في تكثيف طرح الأفكار، لكن نجاحها في سَوْق الفصائل المعارضة إلى أستانة بعد فرض منطق “مناطق تخفيف التوتر” لم يكتمل بنجاح حتى اليوم، وكأنها لا تزال في مرحلة التجريب وجس النبض، خاصة بعد ذيوع فكرة جمع “الشعوب السورية” في منتجع “سوتشي” الروسي على البحر الأسود.

في الواقع “الشعوب السورية” بلا حول ولا قوة، شأنها شأن الفصائل المساقة إلى أستانة، وشأن الائتلاف، والهيئة العليا للمفاوضات. وهؤلاء، وإن رفضوا فكرة الاجتماع في قاعدة حميميم العسكرية، واعترضوا على استخدام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للمصطلح الجديد والمستفز، قد يذهب بعضهم إلى سوتشي، لكن للسياحة فقط هذه المرة أيضا، دون أدنى احتمال في تحقيق أي نتيجة سياسية، ليس لأنهم أمناء على الثورة السورية الأولى، بل لأنهم “لا يمونون” على أحد من السوريين.

المدعوون إلى مؤتمر “الحوار الوطني” في سوتشي هم مبدئيا 33 هيئة وحزب لم يسمع بنصفهم حتى أكثر المطلعين من السوريين على فوضى السنوات الأخيرة، ناهيك عن الخطأ المقصود في تسمية بعض الهيئات المدعوة بـ”أحزاب” بالمعنى القانوني، فصفحات الفيسبوك لا تكفي وحدها لتشكل إطارا قانونيا ومجالا لإشهار حزب، عدا عن الضوابط المتعلقة بعدد الأعضاء، والنشاط المعلن، وكلها مفقودة بالنسبة لمعظم تلك الهيئات.

لكن قبل ذلك، قد يتابع السوريون اجتماع توسعة الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض يوم 10 نوفمبر الجاري، و”مؤتمر شعوب سورية” في حميميم في 18 منه، قبل جنيف 8 في 28 من نوفمبر أيضا.

غير أن الوصف الروسي لمؤتمر سوتشي المرجح عقده هذا الشهر أيضا بـ”كونغرس الشعب السوري”، بعد الإضراب عن استعمال “زلة لسان” الرئيس الروسي بوتين، خطف الأضواء حتى من اجتماع الرياض الذي تزداد التكهنات في شأنه، خاصة لجهة عدد المدعوين الذي قد يصل إلى 1300 سوري سيمثلون جهات سياسية معارضة وموالية، ووفد النظام الأسدي، وممثلين للطوائف الدينية. هذا بالإضافة إلى ممثلين لـ”فيدرالية الإدارة الذاتية” الكردية، وفقا للرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، إلهام أحمد.

الشك قائم حول دعوة ممثلي الفيدرالية الكردية لمؤتمر سوتشي، ابتداء من تكتيك الاعتراض الإيراني على ذلك، والقابل للتفاوض بين روسيا وإيران، إلى الرفض التركي القاطع. ولا يخفف من هذا الشك دعوة أميركا إلى عدم التشدد في رفض الحضور الكردي، فالقطيعة السياسية في الملف السوري قائمة بين تركيا وأميركا، على خلفية الدعم الأميركي لأكراد سوريا، والتحدي التركي للإرادة الأميركية خاصة في محافظة إدلب ومحيط مدينة عفرين المهددة حاليا باجتياح تركي في منطقة تنتمي إلى النفوذ الروسي المتوافق مع تركيا إلى حد بعيد، في هذه المرحلة على الأقل.

وفيما يلف الغموض عبارة الخارجية الأميركية عن توحيد المعارضة بـ”طريقة خلاقة”، ويتجه بعض المحللين إلى تفسيرها بتخلي أميركا عن الهيئة العليا للمفاوضات، لا يتضح موقف السعودية من هذه الهيئة التي لا تزال تتمسك بمسار جنيف وحده، حتى لو ظل جنيف مجرد محادثات لم تبلغ بعدُ درجة المفاوضات مع النظام.

عمليا، لم تصدر عن أستانة 7 أي نتائج، عدا الإعلان عن انتهاء الجولة، فليست هنالك مقررات ولا مناطق تخفيف توتر جديدة ولا إطلاق لسراح المعتقلين لدى النظام الأسدي. وبالإجمال، لم ينتج عن هذه الجولة حتى إعلان حسن نوايا في قضية المغيبين قسريا، ومجهولي المصير، في سجون النظام.

وعلى الأرجح، سيكون ارتفاع أسهم عقد “مؤتمر الكونغرس السوري” في سوتشي مؤشرا على نهاية جولات أستانة، ليبدأ العد في سوتشي، بينما لا يتضح اتجاه جنيف، إن كان سيتوقف عند الرقم 8 آخر هذا الشهر، ليندمج في مسار سوتشي.

ولأن مسار جنيف تحت الرعاية الأممية، خلافا لمساري أستانة وسوتشي الروسيين، يبدو ستيفان دي ميستورا كمن يضع رجلا هنا ورجلا هناك، مع استمرار عجزه عن تحقيق أي تقدم قبل تقاعده وكتابة مذكرات فشله في وضع حد للحرب على سوريا، على خطى أسلافه: كوفي عنان، والأخضر الإبراهيمي، ومبعوث الجامعة العربية محمد أحمد مصطفى الدابي. فالسيد دي ميستورا لا يستطيع التقدم في مهمته من دون أنياب الولايات المتحدة، والولايات المتحدة تبدو مستمرة على نهج أوباما، فهي ليست جائعة للسياسة، وتركز في عهد ترامب على الصفة الانسحابية في دبلوماسيتها، حفاظا على تقدمها في محو آثار أزمة الرهن العقاري، بأداء مثالي للدولار في تذبذبه يصب في مصلحة بريطانيا والاتحاد الأوروبي واليابان، مع نفط رخيص، وتوازن في سعر الذهب، ترجمه ارتفاع ثقة المستهلك الأميركي إلى أعلى مستوى منذ نهاية عام 2000.

في ظل هذه الجعجعة السياسية الروسية والأميركية والقفز في الفراغ السوري، يمكن ترجمة التسابق الدبلوماسي الروسي الأميركي، الظاهر منه على الأقل، بأنه تمهيد لانسحاب وزارتي دفاع البلدين من الساحة السورية، وتنازع صفحات الملف بين وزارتي خارجية البلدين، على الرغم من الحضور الكبير لوزارة الخارجية الروسية في سوريا في الفترات الماضية.

وعودة الملف الشائك إلى خارجيتي البلدين، على فرض حصوله قريبا، وبالرغم مما يبدو أن الأرنب الروسي سبق السلحفاة الأميركية بمسافة طويلة، يفسح المجال للتفكير في تعويم شخصية “كرزاي سوري” يقود وفد السياحة السورية في سوتشي، بين مناف طلاس أو أحمد الجربا، أو أيّا يكن، ممن قد تتفق عليه موسكو وواشنطن، ويستمر تنازع السوريين على رفضه في “كونغرس سوتشي الافتراضي السوري”، أو فضاءات السياسة السورية التي تشتتت إلى عالم افتراضي يفرقه فيسبوك، ولا يجمعه سوى دمار مدن سوريا ومجتمعاتها.

كاتب سوري

العرب

 

 

 

سورية بين سوتشي والتحايل على العقوبات/ وليد شقير

حملت الدعوة الروسية إلى مؤتمر «الشعوب السورية»، كما سماه الرئيس فلاديمير بوتين، في سوتشي في روسيا، في 18 الجاري، بذور فشلها في طياتها نفسها، حين اختارت موسكو جدول الأعمال وأسماء القوى المدعوة، كأنها ترمي إلى خلق مرجعية جديدة للتجمعات السورية المعنية بالأزمة السورية وبالحلول المفترضة لها.

يكفي أن يكون عدد الأحزاب أو المجموعات المدعوة من دمشق نفسها، أكثر من19 تنظيماً من أصل 33 «حزباً» وجّهت إليها الدعوة، لإثارة الشكوك حول الأمر. فقلة قليلة من هذه المجموعات مصنفة في المعارضة مثل «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي» التي بقي معظم قادتها في العاصمة السورية وتعرض بعضهم للاضطهاد والسجن… أما البقية فهي تنظيمات ومجموعات، إما موالية، يشارك بعضها في تركيبة النظام الحاكم ومنضوية في ما يسمى حيلة «الجبهة الوطنية» ولها وزراء، أو أنها من «تفريخ» أجهزة الاستخبارات التابعة له. هذا فضلاً عن أن بعض المجموعات التي دعيت من الخارج هي الأخرى من تفريخ خارجي غير بعيد من نظام بشار الأسد أو من دول تتعاون معه أبرزها روسيا نفسها.

ومع أن موسكو أبلغت قوى في المعارضة أن اللائحة قابلة للزيادة، كان من الطبيعي أن تصف المعارضة الحقيقية التي أعلنت مقاطعتها هذا المؤتمر بأنه «حوار بين النظام ونفسه».

لم يقتصر فشل موسكو على إجهاضها إمكان لعبها دوراً رئيساً في الحل السياسي السوري، عبر هذه الدعوة، بل هي كشفت المناورة التي تلجأ إليها في كل مرة تدعو إلى اجتماعات آستانة لبحث وقف النار وتوسيع مناطق خفض التوتر، والهادفة إلى تقزيم مسار جنيف والبحث في تطبيق القرار الدولي 2254، لاستبعاد بحث الانتقال السياسي.

لكن على المرء أن يفترض أن موسكو ليست بهذه السذاجة، لكي تلعب تلك الورقة المكشوفة، على رغم أن هدفها المرحلي تعويم بشار الأسد. وباتت خططها في سورية تحتاج إلى قراءة أخرى على رغم القول إن الكرملين مثل قوى دولية أخرى ينتظر «تعب الشعب السوري» حتى يسعى إلى فرض الحل. وهو تعب فعلاً، والقرار لم يعد في يده بسبب كثرة التدخلات الخارجية، والمجتمع الدولي لم يصل إلى مرحلة التعب من الأزمة السورية، طالما أن لا وفاق أميركياً روسياً بعد على إنهاء هذه الحرب، بل على العكس هناك حرب بالواسطة تخوضها الدولتان الكبريان في الميدان السوري وغيره من الميادين في المنطقة والعالم.

وفي انتظار توافق الدولتين، يبدو اللعب في الوقت الضائع سمة المرحلة. وأحد أوجه الإفادة منه هو استخدام الميدان السوري في الصراع بين الدولتين، وبين الولايات المتحدة وبين إيران في المرحلة الجديدة من العقوبات المتصاعدة ضد الأخيرة. فرهان بعض العرب وإدارة دونالد ترامب على أن تبعد موسكو طهران عن سورية، بحجة تعارض أهدافهما ومصالحهما، أثبت اجتماع القمة بين روسيا وطهران وأذربيجان في طهران أول من أمس، أن ما يربطهما يتقدم على ما يفرقهما. فالرئيس حسن روحاني اقترح أن يتم التبادل التجاري بين الدول الثلاث بالعملات الوطنية، وعبر البنك المركزي لكل منها مباشرة، بعد أن ارتفع التبادل بين موسكو وطهران 7 أضعاف. وهي وسيلة للدولتين كي تتجنبا العقوبات المالية الأميركية و (الأوروبية بالنسبة إلى موسكو حول أوكرانيا) ولتصمدا حيالها.

والحال هذه، لماذا لا تكون سورية ميداناً للتحايل على العقوبات، بموازاة تحولها ميداناً لتجربة الأسلحة على اختلافها؟ ففي هذا الميدان نشأ في أكثر من 6 سنوات، اقتصاد الحرب، وانتشر أمراؤها بدءاً بالموالين للنظام، مكافأة لهم من الأمير الأول على وقوف ميليشياتهم المناطقية والطائفية معه، كما ترعرعوا في مناطق المعارضة أيضاً. ومن الطبيعي أن يصبح هذا الميدان وسيلة لغسل أموال العقوبات مقابل «الخدمات» العسكرية والسياسية. تحوّل اقتصاد الحرب السورية، الذي يشمل تصنيع المخدرات والكبتاغون في العديد من المدن التي «حرّرها» النظام والميليشيات الخارجية الحليفة تحت شعار «محور الممانعة»، إلى اقتصاد دولي تدخل عبره وتخرج منه بلايين الدولارات. وهناك من يهيّء لتوسيع هذا الاقتصاد الموازي، عبر «كذبة» إعادة إعمار سورية، بحجة اتساع مناطق خفض التوتر، إلى وسيلة لغسل الأموال هذا، عن طريق نشوء شركات في دول الغرب قد تحظى بعقود بمبالغ يسهل التلاعب بأرقامها.

في انتظار التوافق الروسي الأميركي، يقود مؤتمر»الشعوب السورية» إلى مزيد من التفتيت والتفكيك. وما الطريقة التي دعت فيها موسكو 33 كياناً سياسياً إلا وسيلة لمزيد من الخلافات بين المكوّنات. وبعض المدعوّين من رموز اقتصاد الحرب.

الحياة

 

 

 

لماذا يستعجل بوتين «إغلاق» الملف السوري؟/ حسان حيدر

تبدو تصريحات المسؤولين الروس حول الوضع في سورية شديدة التفاؤل، إذا ما أخذنا في الاعتبار حقيقة أن المعركة على الإرهاب لم تنته بعد، على رغم التراجع الكبير في قدرات «داعش»، وأن المفاوضات في جنيف وآستانة لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن، وأن إيران، بطلة التخريب الإقليمي، لا تزال ناشطة بقوة على الأرض السورية، ولا يزال الأميركيون يعلنون رفضهم دوراً لبشار الأسد في مستقبل بلاده، بينما تتمسك موسكو وطهران بالدفاع عنه وعن نظامه.

فخلال يومين فقط، أكدت موسكو، أولاً، أن المهمات الرئيسة لجيشها في سورية أُنجزت وأن الحرب على «داعش» ستنتهي بحلول نهاية العام، لكنها ستُبقي هناك على قوة عسكرية كافية «لمنع الإرهابيين من العودة»، وقالت، ثانياً، إن اجتماعات آستانة فاعلة وتؤدي الدور المطلوب منها، وإن «التوصل إلى تسوية سياسية في سورية بات ممكناً مع استعداد الأسد لإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية على أساسه»، وأعلنت، ثالثاً، أن «مؤتمر شعوب سورية» الذي طرحت فكرته قبل فترة وجيزة سيُعقد في غضون أقل من ثلاثة أسابيع في سوتشي، وأن المدعوين، بمن فيهم الأكراد، يعتزمون مناقشة الدستور السوري الجديد.

هكذا، بسحر ساحر، صار الحل في سورية «على الأبواب»، والجميع «متفق» على أن روسيا هي الضامن والراعي والقادر على فرض أي اتفاق يتوصل إليه السوريون بمختلف انتماءاتهم، وأن «شعوب سورية» تنتظر على أحرّ من الجمر لقاء سوتشي لتتبادل العناق والتهاني، وتمسح في ساعات قليلة سبع سنوات من العنف والقتل أوقعت أكثر من نصف مليون قتيل وثلاثة ملايين جريح، وهجّرت أكثر من عشرة ملايين آخرين من بيوتهم وقراهم ومدنهم التي أزالت بعضها عن وجه الأرض، ودمّرت بنية تحتية تحتاج عقوداً طويلة لإعادة بنائها ومئات بلايين الدولارات لتعويضها.

وبات بوتين ورجاله ومساعدوه مثل أهل العروس والعريس معاً، منهمكين في التوفيق بين الرغبات واسترضاء مختلف المدعوين، وفي الوقت نفسه، إظهار عضلات القصف الصاروخي من الغواصات والقصف المدمر من الطائرات، بالتزامن مع توزيع الابتسامات والمصافحات الحارة.

لكن لماذا الاستعجال والرغبة في لفلفة سريعة لوضع ملتهب، حتى قبل أن تبرد المدافع والقلوب قليلاً، وقبل أن تتضح ملامح التسوية المقترحة؟ ولماذا تتصرف موسكو كأنها الطرف الوحيد الذي يمسك بكل خيوط «اللعبة» في سورية، وأنها قادرة على إقناع المختلفين أياً كانت تبايناتهم، وجمع المتنابذين مهما كانت مآربهم متباعدة؟

الجواب يكمن في ملفات ومناطق أخرى لا يمكن مقاربتها بنجاح ما لم يثبت بوتين فعلاً دوره الحاسم في الشرق الأوسط، وقدرته على فرض الحلول التي تنال رضا كل من نظام الأسد والمعارضة ورعاتهما الإقليميين والدوليين، بما في ذلك روسيا نفسها والولايات المتحدة، وكذلك إيران وتركيا وإسرائيل والصين والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة… وفي مقدم هذه الملفات بالطبع، أوكرانيا وحدود تمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً.

فهل فعلت موسكو وقدّمت ما يكفي لإقناع العالم بأنها تملك وحدها مفاتيح الحل في المنطقة، وأنها قد تقبل مشاركة أطراف آخرين، مقابل صفقات في مناطق أخرى؟

الفرق بالتأكيد واسع بين تفاؤل روسيا والحقائق الميدانية. صحيح أنها نجحت، بفضل جهدها العسكري، في إنقاذ نظام الأسد من السقوط، لكنها ليست وحدها في سورية، إذ لا تزال المعارضة السورية موجودة ومسلحة وقادرة، ولا يزال الأكراد يسيطرون على أجزاء واسعة من شمال البلاد وشمالها الشرقي، ولا تزال لدى «داعش» القدرة على التخريب.

ولا تزال إيران التي قدمت الإسناد البشري بميليشياتها المتعددة وساهمت بالسلاح والمال في الحرب منذ بدايتها، تشكل عقبة لا يمكن للروس تجاوزها بسهولة. لكنهم يحاولون بالطبع استغلال الاستدارة الهائلة في السياسة الأميركية إزاء طهران لدفعها إلى تفويضهم وحدهم بإيجاد الحل، بما قد يسمح لهم بإجراء مقايضة يتوقون إليها بشدة في جبهتهم الغربية. ولعل هذا ما ذهب بوتين لمناقشته في طهران أمس.

الحياة

 

 

 

 

 

الأزمة السورية: المسار الشائك من جنيف إلى سوتشي/ د. خطار أبودياب

إذا كان النزاع الدائر في سوريا وحولها منذ 2011، أول نزاع إقليمي- دولي متعدد القطب في القرن الحادي والعشرين، فإن المناورات الدبلوماسية حول الأزمة السورية تخطت حدود الإقليم وطافت المؤتمرات الكثير من العواصم والأمكنة حول العالم من دون نتيجة ملموسة.

بعد الدوران في الحلقة المفرغة قي جنيف وفي سبع جولات لهذا المسار الذي انطلق في 2012 تحت مظلة الأمم المتحدة، إلى مسار أستانة “الأمني” بعد منعطف حلب أواخر 2016 وتوزيعه مناطق نفوذ الأمر الواقع، وبعد طي فكرة “مؤتمر شعوب سوريا” في قاعدة حميميم، يتركز الاهتمام على إمكانية انعقاد مؤتمر تحت مسمى “الحوار السوري” في منتجع سوتشي لتكريس ” الحل الروسي” وقطع الطريق على مؤتمر جنيف 8 في الثامن والعشرين من هذا الشهر.

ومما لا شك فيه أن لعبة إغراق المعارضة بالمنصات المتعددة ولعبة الرقص على المسارات أتقنت روسيا قيادتها في موازاة تدخلها العسكري. لكن موسكو التي تمكنت من التحكم في الورقة السورية عسكرياً إلى درجة كبيرة، سيصعب عليها الوصول إلى التحكم السياسي والتسليم بتأهيل النظام في عملية تجميل سياسي من دون مضمون وأفق.

منذ حقبة الاتحاد السوفييتي، إلى حقبة روسيا الاتحادية لم يكن لدبلوماسية القوة الناعمة من مكان مميز في سجلات موسكو. ولذا برع سيرجي لافروف في مفاوضات التعطيل مستغلاً “تواطؤ” أو ضعف موقف جون كيري الذي لم يكن يحظى بغطاء باراك أوباما في بعض المحطات.

عبر “الغموض غير البناء” في وثيقة جنيف 1 (وبعد ذلك في القرار الدولي 2254) تمكن الجانب الروسي من جعل العملية السياسية مرتبطة بالإجماع السوري الداخلي وبالوفاق الدولي، مما يمنحه حق النقض (الفيتو) تماماً كما كان يستخدمه في مجلس الأمن الدولي لحماية النظام السوري.

ومنذ 30 سبتمبر 2015 وبدء التدخل العسكري الكثيف أصبح الملف السوري في روسيا مسألة داخلية حيوية يشرف عليها الكرملين بشكل مباشر مع توزيع الأدوار بين وزارتي الدفاع والخارجية. وبرزت هذه الإدارة المشتركة في مسار أستانة وكذلك على أرض الميدان عبر ما يسمى مركز المصالحات وتسيير الأمور من خلال قاعدة حميميم.

وكان ملفتاً ذاك التخبط الروسي في الدعوة إلى مؤتمر «الشعوب السورية»، كما سماه الرئيس فلاديمير بوتين، في حميميم ومن ثم إلغاء ذلك بعد اعتراضات على عنوانه ومكان انعقاده، وجرى استبداله على عجل بالدعوة إلى مؤتمر سوتشي ويبدو أن هناك تجاذبا أو تباينا بين الجنرالات والدبلوماسيين الروس حول التفاصيل والآليات المتبعة خاصة أن الانعقاد غير مضمون إلى حدّ الساعة والنجاح بعيد المنال إذا تم تجاوز المصاعب.

ومن البديهي أن يعبر اختيار موسكو جدول الأعمال ولائحة المدعوين عن نزعة فيها تقليد للأساليب الاستعمارية الغابرة تهدف إلى خلق مرجعية جديدة للحل السوري تلتف على المرجعية الدولية. ولذا بدل تكريس جنيف 8 للانتقال السياسي مع بندي الدستور والانتخابات، تسعى موسكو عبر مسار سوتشي البديل لتركيب حكومة “وحدة سورية” تحت مظلة الرئيس بشار الأسد وتغليف ذلك بإصلاحات سياسية طفيفة لتغييب أو محو المرحلة الانتقالية.

بيد أن اختزال المرجعيات الأخرى وفرض الحل الروسي أمامه عقبات جمة وأولها على ما يبدو رفض القوى الأساسية في المعارضة للحضور، وثانيها الاعتراض التركي على حضور الحزب الكردي الاتحاد الديمقراطي للمؤتمر، وثالثها تمسك واشنطن ولندن وباريس بالمسار الأممي وبمرور قطار الحل أو السلام عبر جنيف، ورابعها عدم وجود روسيا وإيران على نفس الخط بالنسبة إلى تصور مرحلة ما بعد داعش.

من أجل فهم دواعي الاستعجال الروسي تستند قراءة موسكو إلى المناخ الدولي الملائم بسبب انهماك البيت الأبيض في لفلفة انعكاسات “روسيا غيت” والاكتفاء بالاستراتيجية إزاء إيران من دون بلورة سياسة متماسكة حيال مستقبل الوضع السوري.

وتحث موسكو الخطى بسبب الغياب الأوروبي اللافت وعدم قدرة إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون تمرير اقتراحه عن إنشاء مجموعة اتصال حول سوريا. وتعتبر الدبلوماسية الروسية أنها بسبب وجودها الميداني وقدراتها السياسية قادرة على احتواء أي معارضة داخلية أو إقليمية فاعلة لخططها.

لكن عند التطبيق العملي جاءت الأصداء مخالفة للتوقعات الروسية إذ أعربت فصائل عديدة من المعارضة السورية عن رفضها تعدد مسارات التسوية خارج إطار الأمم المتحدة.

وتخشى هذه الفصائل أن يهدف مؤتمر «الحوار الوطني السوري» في سوتشي برعاية موسكو إلى “إعادة تأهيل النظام»، مشددة على أن «مأساة السوريين الكبرى لا يمكن أن تحلّ عبر تشكيل حكومة موسّعة تحت مظلة الأسد الذي تسبب في معاناة الشعب”.

وعلى نفس الخط أفادت فرنسا بأن الخطوات الروسية لدفع محادثات السلام “يجب أن تندرج في إطار جهود الأمم المتحدة وأن عملية جنيف هي المنتدى الوحيد الملائم والمتفق عليه دولياً للبحث في أبعاد الأزمة السورية السياسية بخاصة في ما يتعلق بالعملية الانتخابية والدستور الجديد”.

على الصعيد الميداني لا تعد المهمة يسيرة نظراً لصعوبات التوافق مع واشنطن في إدارة الوضع السوري بعد انهيار داعش ولأن التقاطعات التي تشرف عليها روسيا بين المصالح الإقليمية الإيرانية- التركية- الإسرائيلية المتناقضة والمتكاملة، مرشحة للاهتزاز لأسباب عدة.

في الوقت الذي تحاول فيه روسيا جذب الجانب الكردي الأكثر تمثيلاً إلى مفاوضات سوتشي مع الاغراء بإقناع النظام لاعتماد الفيدرالية كنظام حكم مستقبلي، تتحكم واشنطن في تواجد قوات سوريا الديمقراطية (نواتها الأساسية كردية) على حوالي ربع الأراضي السورية.

لكن ترتيب التقاطعات الأخرى يزداد صعوبة مع استمرار الغارات الإسرائيلية على مخازن أو شحنات سلاح لحزب الله والاعتراض على الوجود الإيراني العسكري من جوار دمشق إلى الجنوب السوري.

وفي مواجهة ذلك تعزز إيران من وجودها مع نقل القوات البرية الإيرانية إلى سوريا خلال الأسبوع الماضي عناصر من ” اللواء 65 المحمول جواً”. وفي هذا الوقت يستمر التغلغل التركي عبر منطقة تخفيض التصعيد الرابعة للتمركز في إدلب وبعض محافظتي حماة وحلب.

هكذا يبدو أن هدف إنهاء مسار جنيف وإغراق تمثيل المعارضة بتعددية وهمية لن يتحققا بهذه البساطة ولن يحل السحر فجأة في منتجع سوتشي الحالم على ضفاف البحر الأسود لتسهيل صناعة الحل الروسي على أراضي سوريا المنهكة والمدمرة.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العرب

 

 

 

المنهج الروسي في سورية: تسوية من أسفل؟/ وحيد عبدالمجيد

تتجه الأزمة السورية ببطء وصعوبة نحو طريق قد تُفضي في النهاية إلى تسوية سياسية. روسيا، التي تمسك بأهم أوراق الأزمة الآن، تحاول شق هذه الطريق منذ مطلع العام الجاري، خشية أن تتورط أكثر، وطمعاً في جني ثمار انخراطها السياسي العميق، وتدخلها العسكري الكثيف، ونجاحها في قلب موازين الأزمة، بعدما أنقذت نظام بشار الأسد الذي كان مُهدَّداً بالانهيار.

تمكنت روسيا من تحريك الأزمة، وتجاوز مسار جنيف المغلق والمتعذر فتحه، عبر خلق مسار آستانة. وحققت، بنظرة واقعية محضة، شيئاً من التقدم في إنشاء مناطق خفض التصعيد. استثمرت شبكة علاقات واسعة نسجتها، انطلاقاً من قاعدة حميميم، في مناطق كانت محاصرة بسبب انتفاضها ضد النظام، وأسست لجان مصالحة وهيئات محلية، وأقامت جسوراً مع فصائل محسوبة على الثورة. ويبدو أن الوقت حان، وفق الاستراتيجية الروسية، لخطوة جديدة تُبنى على تراكمات التحرك السياسي الذي انطلق من حميميم، ونتائج مسار آستانة. ولذا بات ضرورياً قراءة منهج موسكو في تسوية الأزمة في ضوء الواقع الراهن الذي ابتعد كثيراً عن أهداف الانتفاضة السورية التي أجهضت، ولكنها لم تذهب كلها سدى.

وأول ما تسهل ملاحظته وجود فرق كبير بين استراتيجية روسية تقوم على رؤية واضحة في إدارة الأزمة، وسياسة أميركية مرتبكة ومتخبطة، ومخادعة أيضاً. تذكر الأميركيون قبل أيام مسار جنيف، وتحمسوا لدعوة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لعقد مؤتمر ثامن في نهاية الشهر الجاري، بعدما بدأ الروس الإعداد للمؤتمر الذي كان بوتين تحدث عنه في منتدى فالداي في سوتشي 19 في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وأسماه يومها مؤتمر شعوب سورية، ثم غُير اسمه إلى مؤتمر الحوار الوطني للشعب السوري.

بدأت الاستراتيجية الروسية الراهنة في إدارة الأزمة تتبلور منذ الحسم العسكري في حلب نهاية العام الماضي، وفق منهج قد يجوز اختزاله بأنه يرمي إلى بناء تسوية متدرجة من أسفل إلى أعلى، اعتماداً على تسويات محلية متنوعة، وليس على صفقة سياسية شاملة أظهرت تجربة مسار جنيف مدى صعوبتها. استغلت موسكو موازين القوى الجديدة المترتبة على تدخلها العسكري في فرض أمر واقع جعلها مقبولة على نطاق واسع، حتى في أوساط المعارضة. ومضت في مسار آستانة بمشاركة إيران وتركيا رسمياً. وصارت الولايات المتحدة شريكاً فعلياً بصورة ضمنية في هذا المسار، عندما قبلت خطة مؤتمر آستانة 4 الذي عُقد أول أيار (مايو) الماضي، لخفض التصعيد في أربع مناطق، وشاركت في صوغ الاتفاق الأول في جنوب غربي سورية، وفي إعلانه خلال لقاء الرئيسين الأميركي والروسي على هامش قمة هامبورغ في 7 تموز (يوليو) الماضي.

تضع اتفاقات خفض التصعيد خطوطاً أولى في خريطة التسوية وفق المنهج الروسي، وربما ترسم حدوداً أولية لمناطق قد تصبح أقاليم في نظام اتحادي «فيديرالي»، إلى جانب المناطق الشمالية التي أقام حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي إدارة ذاتية فيها، وأخرى توجد فيها بعض فصائل الجيش السوري الحر، وتمارس تركيا نفوذاً قوياً فيها. كما توجد إدارات محلية في مناطق تخضع لسيطرة النظام، لكن النفوذ الأقوى فيها لروسيا أو إيران.

وربما فتح المؤتمر الجديد، الذي سيعُقد في سوتشي بعد أيام، باباً جديداً في هذا الاتجاه الذي يقود المضي فيه إلى بقاء سورية كياناً واحداً، وإقامة نظام جديد يمتزج فيه تقاسم النفوذ بين قوى دولية وإقليمية بصيغة اتحادية تكون السلطة المركزية فيها مقيدة، سواء في الفترة التي قد يبقى الأسد على رأسها، أو بعدها.

والأرجح أن يصبح النفوذ الفعلي للسلطة المركزية أقل مما كان في إمكان نظام الأسد أن يحتفظ به لو استجاب إلى نداءات التغيير في بداية الثورة، وتفاوض مع المحتجين لإجراء إصلاحات سياسية واجتماعية من أعلى، وحافظ بالتالي على بلد صار حطاماً.

ولذا يبدو حديث النظام عن انتصاره خادعاً للنفس، وليس للغير فقط، خصوصاً بعدما ابتعد احتمال التقسيم الجغرافي الذي كان سبيلاً وحيداً لإعادة إنتاج جبروته في دويلة يُحكم سيطرته عليها.

والحال أن أركان نظام الأسد لا يستطيعون أن يضعوا خطاً مهماً في خريطة التسوية التي تسعى روسيا إلى رسمها الآن على نحو يختلط فيه تقاسم النفوذ وترتيبات يمكن أن تُفضي إلى صيغة اتحادية هشة في مركزها، كما في كثير من وحداتها، لأنها لا تقوم على عقد اجتماعي يحظى برضا أطرافه، بل ستنتج عن أمر واقع مرشح لأن يستمر لفترة من الزمن.

غير أن هذه الصيغة يمكن أن تصبح أقوى في حال توصل روسيا إلى تفاهمات في شأنها مع الولايات المتحدة، ووضع مظلة سياسية لها وفق ما نصح به «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» في ورقة طرحها في أيلول (سبتمبر) الماضي، وتضمنت تصوراً لحل يقوم على تقليص صلاحيات السلطة المركزية، وتعزيز دور المجالس المحلية والإدارات الذاتية.

وفي هذه الحال، ربما يمكن تحقيق تقدم تدريجي باتجاه صيغة اتحادية أكثر تماسكاً وقابلية للاستمرار إذا نضجت المعارضة السورية، وفهمت معنى «الفيديرالية» والوظيفة التاريخية التي يمكن أن تؤديها في بلد مزق الطغيان المركزي نسيجه الاجتماعي وأرضه في آن معاً، على رغم الصعوبات الناتجة عن تقاسم النفوذ بين دول مختلفة مصالحها، وتداعيات تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة وإيران.

لكن التقدم في هذا الاتجاه يبقى صعباً من دون التفاهم بين الدول التي تتقاسم النفوذ في سورية على أمرين. الأول إخراج المقاتلين الأجانب، وإعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية، ودمج مقاتلي فصائل الجيش السوري الحر، وغيرها من المجموعات المعتدلة، فيها لتعمل وفق عقيدة جديدة تجعلها حامية للوطن وأمن الشعب، وليست حارسة للنظام.

والثاني عملية إعادة إعمار لا تقتصر على بناء منازل وطرق وجسور مهدَّمة، ولا تكافىء الموالين للنظام وحلفائه على حساب معارضيه الذين هُجر ملايين منهم أو نزحوا من مناطقهم، بل تشمل ترميم النسيج الاجتماعي الممزق من جراء طغيان أخذ في الازدياد منذ نهاية الخمسينات، وبناء الثقة المفقودة بين فئات المجتمع ليكتسب مناعة في مواجهة تعصب وتطرف يخلقان بيئات حاضنة للعنف والإرهاب.

الحياة

 

هل تصلح تجارب موسكو بالقوقاز لحل الأزمة السورية؟/ سامر إلياس

موسكو بين تجربتين

بديل عن جنيف

مصالحة دونها عقبات

تكشف تصريحات وتحركات المسؤولين الروس عن سعي الكرملين الحثيث لتحقيق استثمار سياسي لنتائج التدخل العسكري الروسي في سوريا المتواصل منذ أكثر من عامين. وبدا واضحا التخبط والتعجل في التعامل مع الفكرة التي طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في “منتدى فالداي” الأخير للحوار، والقاضية بالدعوة إلى “مؤتمر شعوب سوريا” في قاعدة حميميم العسكرية بسوريا.

وقد أجبر سيلُ الاعتراضات على مصطلح “شعوب سوريا” -من جانب المعارضة والنظام على حد سواء- الجانبَ الروسي على تغيير الاسم إلى “مؤتمر الحوار الوطني السوري”. وبرز إلى العلن خلاف بين روسيا من جهة والنظام السوري وإيران -من جهة أخرى- بشأن النقاط التي من المقرر أن تطرح للنقاش في المؤتمر.

ومؤكد أن روسيا تطمح إلى الاستفادة من التفاهمات التي توصلت إليها مع الأطراف الإقليمية المنخرطة في الأزمة السورية، من أجل الانتقال إلى هندسة الأوضاع الداخلية في سوريا بما يروق لها، وذلك بالبناء على الاختلال الكبير في التوازن لمصلحة النظام على حساب المعارضة.

ومع نجاح تجربة جولات أستانا في فرض مناطق خفض التصعيد بضمانات إقليمية، وقرب دحر تنظيم الدولة الإسلامية؛ تنخرط روسيا بجدية واضحة في الترويج لعملية سياسية تهدف أساسا إلى تهميش -أو حتى نسف- عملية جنيف بمرجعياتها الدولية، والاستعاضة عنها بمؤتمر أو سلسلة مؤتمرات تضم المكونات العرقية والطائفية والحكومة والمعارضة.

وتطمح موسكو من خلال “مؤتمر شعوب سوريا” الذي طرح فكرته الرئيس فلاديمير بوتين؛ إلى إعادة تسويق نظام بشار الأسد عبر إصلاحات سياسية بدلا عن الانتقال السياسي، واستغلال ضعف المعارضة ومعاناة السوريين لفرض بقاء الأسد باعتباره الضامن لمصالح موسكو الجيوسياسية في سوريا وشرق المتوسط.

الرئيس بوتين أرفق الدعوة إلى “مؤتمر شعوب سوريا” بتحذير من تقسيم البلاد، وأبقى الباب مواربا أمام فرص نجاح المؤتمر وجعله رهنا برغبة البلدان الإقليمية والولايات المتحدة، وجديتها في محاربة الإرهاب والمحافظة على سوريا موحدة.

وأشار إلى أن مناطق خفض التصعيد تصب في مصلحة الأردن وإسرائيل وتركيا وإيران، وتحظى بدعم من الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر، وهو ما يضع هذه الأطراف جميعا أمام مسؤولية عدم تحول هذه المناطق إلى حدود دائمة للتقسيم.

موسكو بين تجربتين

اختارت روسيا في خريف 2015 التدخل العسكري المباشر لإنقاذ نظام الأسد الآيل للسقوط حينها، بعد أكثر من أربع سنوات من الدعم الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والسياسي. ويتباهى المسؤولون الروس بأن النظام بات الآن يسيطر على معظم الأراضي السورية التي فقدها.

وتكشف فكرة المؤتمر عن رؤية روسيا المستقبلية للحل السياسي وطبيعة النظام المقبل الذي تروج له. ويبدو أنها طورت إستراتيجيتها في سوريا بالاعتماد على تجربتين سابقتين في جورجيا والشيشان.

فقد اختارت موسكو في حرب الأيام الخمسة على جورجيا عام 2008 شعار “الإرغام على السلام”، لتبرير تدخلها العسكري في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وفي الشيشان استخدمت سياسة الأرض المحروقة، وأتبعتها بتصفية جميع الشخصيات السياسية الشيشانية المعتدلة الراغبة والقادرة على التوصل إلى حل سياسي وسط وتسويقه للشعب الشيشاني.

ثم انتهت إلى فرض شخصيات محسوبة عليها في الشيشان، وعقد “مؤتمر شعوب القوقاز” في ربيع 2007 لتشجيع الحوار الوطني بين القوميات في القوقاز، وحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، بمشاركة ممثلين عن المجتمع والحكومات المحلية في القوقاز.

طبقت روسيا عمليا شعار “الإرغام على السلام” في سوريا منذ بداية عمليتها العسكرية بتركيزها على استهداف البيئة الحاضنة للمعارضة، والجيش الحر والتشكيلات العسكرية غير المرتبطة بجبهة النصرة (سابقا) وتنظيم الدولة الإسلامية.

وفي محاكاة للتجربة الشيشانية؛ استخدمت موسكو سياسة الأرض المحروقة لتسهيل تقدم جيش النظام ومليشيات إيران وحزب الله اللبناني والفصائل العراقية والأفغانية. ولم تلتفت روسيا إلى محاربة تنظيم الدولة إلا مؤخرا، وذلك لموازنة تقدم مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” -المدعومة من التحالف الدولي- في مناطق واسعة شمالي شرق البلاد.

بديل عن جنيف

بعد السيطرة على حلب؛ دعت روسيا إلى مؤتمر أستانا بضمانة تركية توسعت لاحقا لتضم إيران، وأجبرت الأطرافُ الثلاثةُ كلا من النظام والمعارضة على تبني فكرة مناطق خفض التصعيد المبتكرة من حيث التسمية والتطبيق من قبل روسيا.

ولاحقا أشركت موسكو كلا من الأردن والولايات المتحدة بالتنسيق -الكامل مع إسرائيل- في الاشراف على منطقة خفض التصعيد في الجنوب. وفي المرحلة الأخيرة أقحمت مصر عبر اتفاق غوطة دمشق الشرقية. وواضح أن مؤتمر أستانا بدأ يستنفد غاياته الأساسية، خاصة في ظل الفيتو الأميركي والغربي على مناقشة القضايا السياسية في جولاته.

ومع نجاح جمع الأطراف الإقليمية على هدف خفض التصعيد، والحديث عن توسيع قائمة البلدان الضامنة؛ بدأت موسكو التفكير في فتح مسار جديد يعنى بالحلول السياسية بعيدا عن مرجعية جنيف، ولا يتناقض مع حديثها العلني المتكرر عن أن حل الأزمة يجب أن يكون سورياً.

وتراهن موسكو على أن المعارضة السورية في أضعف مراحلها، وأن الأطراف الإقليمية ستساعدها في تحقيق الاستقرار في سوريا. وإضافة إلى إنجازاتها على الأرض؛ تنطلق رؤية روسيا -في الدعوة إلى “مؤتمر الحوار الوطني السوري”- من معرفتها العميقة بتوازن القوى داخل سوريا.

فمثلا، فإن ميخائيل بوغدانوف -نائب وزير الخارجية الذي انهالت عليه الانتقادات منذ نحو أربع سنوات عندما صرح لدبلوماسيين بأن المعارضة السورية تسيطر على قرابة 60% من البلاد- التقى بعدة آلاف من السياسيين والصحفيين والخبراء وحتى شيوخ العشائر، وعقد لقاءات مع ممثلي الحكومة والأكراد، ومع المعارضة بمختلف تلاوينها.

كما تستغل روسيا عدم وجود تغيرات جدية في الموقف الأميركي في ظل إدارة دونالد ترمب، والتزام سياسة أوباما المتحفظة.

أُوسِعت فكرةُ المؤتمر العتيد نقاشاً رغم عدم وجود تصور كامل لها، وتسعى موسكو إلى فرضه ضمن جدول زمني مزدحم يضم جولة جديدة في أستانا، ومؤتمر المعارضة في الرياض، وجولة مفاوضات جنيف 8.

وواضح أن روسيا تسعى إلى استباق مرحلة القضاء النهائي على تنظيم الدولة بفتحها مسارا لمناقشة مستقبل سوريا بعد الانتهاء من محاربة الإرهاب، وضمان دور أساسي لها في رسم مستقبل البلاد وتوزيع “الغنائم”.

وتنطلق موسكو من أنها انتصرت -مع النظام وحلفائه- على المعارضة، وأنها ساهمت في تجميد ما تسميه “حربا أهلية” بمكونات إثنية وطائفية وتدخلات خارجية. ومن هنا، فإنها تطمح إلى تثبيت النظام الحالي مع بعض الترتيبات التجميلية، من قبيل صياغة دستور جديد وإشراك أطراف من المعارضة في حكومة موسعة.

وبدأت أولى المشكلات الجدية في الظهور فور الإعلان عن ترتيبات المؤتمر في ختام  جولة أستانة الأخيرة، ورغم التهديد بالتهميش فإن الهيئة العليا في المفاوضات في المعارضة  السورية رفضت حضور المؤتمر مع أن المسؤولين الروس أكدوا أن المؤتمر سوف يتطرق إلى الدستور، وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية.

كما بدا أن قائمة حضور المؤتمر أعدت بعجالة ولم يتم التشاور مع الأطراف المدعوة، وتضمنت مزيجا غريبا بين أحزاب وهيئات كبيرة إضافة إلى فصائل ومنظمات مغمورة يشكك في وجود حضور قوي لها على الأرض.

مصالحة دونها عقبات

حسب الدعوة الروسية الأولية؛ فإن المؤتمر سيعقد في سوتشي على البحر الأسود في 18 من الشهر الجاري، بعدما كان الحديث يدور عن انعقاده في قاعدة حميميم العسكرية بسوريا، وقد يضم حتى 1500 شخصية منها نحو 700 محسوبة على النظام بمؤسساته العسكرية والمدنية، ومثلها من المعارضين ولجان المصالحة، والإدارات المحلية، مع تمثيل وازن للمكون الكردي.

وستتم فيه مناقشة تشكيل جمعية تأسيسية، ويُتبع بمؤتمرات -في مطار دمشق أو قاعدة حميميم ذاتها- لمناقشة الدستور والانتخابات البرلمانية، دون الحديث عن مصير رأس النظام.

وتبدو فكرة المؤتمر محاولة روسية لمساعدة السوريين على إيجاد حل سياسي دون تدخل خارجي، كما أنه محاولة لتوظيف القوة العسكرية المفرطة وسياسة الأرض المحروقة لفرض حل على السوريين، أشبه ما يكون بمصالحة واسعة تشمل بقاء النظام مع تجميله على مبدأ عفا الله عما سلف. وهو ما يفسر هجوم روسيا القوي على التقرير الأممي الأخير بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية ورفضها التمديد لعمل اللجنة التي أصدرته.

نجحت روسيا -نوعا ما- في توظيف آلتها الإعلامية لإفراغ الثورة من محتواها كحركة شعب يريد إزاحة دكتاتور وطاغية، وتصوير الاحتجاجات التي بدأت سلمية لأشهر -باعتراف الروس أنفسهم- وكأنها حرب أهلية بمكونات إثنية وطائفية وحروب وكالة بين أطراف إقليمية.

كما دمرت آلتها العسكرية مدنا، وأجبرت مجموعات كثيرة على الاستسلام؛ لكنها لن تستطيع فرض حل دائم على السوريين يشمل بقاء نظام الأسد المسؤول عن القتل منذ اليوم الأول للثورة في درعا.

وفي العامين الأخيرين؛ فتحت روسيا حوارا مع أكراد سوريا، وأرسلت -في الآونة الأخيرة- ممثلين عنها لإقناعهم بالمشاركة في “مؤتمر شعوب سوريا”. ورغم سيطرتهم على نحو ربع الأراضي السورية التي تضم أهم الثروات المائية والزراعية إضافة إلى النفط؛ فإن تطورات قضية كردستان العراق ستساهم نوعا ما في عقلنة وتخفيض سقف أكراد سوريا.

لكن مشاركة الأكراد في المؤتمر تظل معتمدة على الموقف التركي الرافض لتمثيل الأكراد، والأهم من ذلك ربما يكون موقف واشنطن التي استثمرت كثيرا في الأكراد، وبنت قواعد عسكرية لها في سوريا.

ومن العوامل التي ستضعف فرص نجاح الفكرة الروسية؛ الحاجةُ الماسة إلى الدعم المادي لعملية إعادة البناء، وأن الجانب الغربي حتى الآن يريد انتقالا سياسيا كاملا وليس مجرد إصلاحات سياسية تبقي الأسد وتتغاضى عن جرائمه، كما أنه يرغب في استمرار مسار جنيف التفاوضي، ويكرر مطالبته روسيا بالضغط على النظام لينخرط في قضايا الانتقال السياسي والحوكمة.

ناهيك عن أن خروج المؤتمر بنتائج جيدة رهن بقدرة روسيا على المحافظة على التوازنات الدقيقة بين مختلف الأطراف الإقليمية، التي تتضارب تصوراتها ومصالحها بشأن مستقبل سوريا.

لقد استطاعت روسيا توظيف خبرتها في القوقاز لبسط سيطرتها وتثبيت أقدامها في سوريا، واستغلت انحسار الدور الأميركي والأوضاع الإقليمية للعب دور المنسق بين مصالح هذه الدول، لكن محاكاة تجارب القوقاز لا تكفي لفرض الاستسلام على الثائرين ضد الأسد، وإحلال السلم المجتمعي في بلد فقد مئات الألوف من الشهداء وشُرّد نحو نصف سكانه، ويحتاج إعماره أكثر من مئتي مليار دولار لا تستطيع روسيا وحلفاؤها دفعها.

ويبدو أن استعجال موسكو لاستثمار نتائج التدخل العسكري في سوريا -مع اقتراب نهاية تنظيم الدولة- أوقعها في مشكلات كبيرة مع النظام والأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة بقوة في الأزمة السورية، مما قد يدفعها إلى إعادة النظر في القضايا التي ستُطرح في المؤتمر وطبيعة الأطراف المدعوة، أو حتى تأجيل المؤتمر إلى أجل غير مسمى في ظل تضارب مصالح اللاعبين الأساسيين، وعدم قدرة روسيا أو غيرها على فرض حل سياسي يحظى بإجماع داخلي ودولي ودعم إقليمي في المستقبل المنظور.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2017

 

 

 

الكونغرس أو الدوما السوري؟/ راجح الخوري

عندما طرح فلاديمير بوتين في منتدى فالداي يوم 17 الشهر الماضي، فكرة الدعوة إلى «مؤتمر الشعوب السورية»، لم يكن بصدد جسّ النبض حيال مدى المقبولية لهذه الفكرة، بل كان يعرف جيداً أن تفاهمه مع الأميركيين على هذا يكفي بذاته لإطلاق المبادرة!

الدليل، أن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، دعا بعد أربعة أيام على كلام بوتين، إلى ما سمّاه «ضبط الحماسة» حيال هذه الفكرة؛ لأنه من المبكّر الحديث عن كيفية وموعد عقد هذا المؤتمر، ثم فجأة كرّت سبحة التأكيدات والمواعيد دفعة واحدة وبسرعة قياسية في الأيام القليلة الماضية؛ ما يؤكد وفق التقارير الدبلوماسية أن كل شيء يبدو معداً وراء الأبواب الأميركية الروسية المغلقة، منذ الاتفاق على الخطوط العريضة في قمتي هامبورغ بين بوتين ودونالد ترمب.

وهكذا حددت موسكو يوم 18 الشهر الحالي موعداً لانطلاق المؤتمر في سوتشي، على أن ينتقل بعد ذلك إلى حميميم في مراحله المتتابعة، ثم وجّهت يوم الأربعاء الماضي الدعوة إلى 33 منظمة وحزباً لحضور ما سمّته «مؤتمر الحوار الوطني السوري»، بعدما كان تعبير «الشعوب السورية»، قد أثار علامات استفهام واستغراب في سوريا والمنطقة، رغم أن هذه التسمية تتطابق مع الفكرة الأساسية التي ترسخت في ذهن بوتين منذ اليوم الأول لتدخله في سوريا نهاية سبتمبر (أيلول) 2015، وسبق أن أعلنها تكراراً، وهي أن لا حل في سوريا إلا عن طريق الفيدرالية، وفي خلفية أي فيدرالية تبرز ملامح شعوب في سياق دستور وحدة مفدرلة!

ولم تكتفِ موسكو بنشر أسماء المدعوين على موقع وزارة الخارجية، بل بدت كمن يحدد جدول أعمال المؤتمر، عندما أعلنت أنها «تأمل» في أن يدرس المؤتمر ملامح الدستور الجديد لسوريا، وأن يبحث في الإصلاحات السياسية المحتملة، وقد يكون من الضروري أن نُذكّر هنا بأنه سبق أن وضع سيرغي لافروف مسودة لمشروع دستور جديد لسوريا، سيشكل في رأيي منطلق النص الذي سيجري النقاش فيه!

استعمال تعريف «الشعوب السورية» ربما يفتح الأبواب في نظر موسكو، لشمولية تجمع كل مكونات الشعب السوري، وهو ما يمكن أن يسهّل التفاهم على حل تتفق عليه كل مكونات الشعب السوري، لكن التعابير الروسية ذات الإيحاءات المقصودة طبعاً، لم تتوقف عند «الشعوب السورية»، بل وصلت إلى قول بيسكوف في 21 الشهر الماضي إنه من السابق لأوانه الحديث عن متى وكيف سيتمّ تشكيل «كونغرس» الشعوب السورية… ثم إنه في وجود «مجلس الشعب السوري»، هل يعني «الكونغرس السوري» شيئاً بعيداً عن الانتقال إلى النظام الفيدرالي؟

وإذا كان من المعروف أن موسكو تمسكّت دائماً بمشاركة كل المكونات السورية في تحديد مستقبل سوريا وفي إطار من التوافق العام، إلا أن المثير كان في إعلان بوتين في فالداي، أنه لا يطرح فكرة جديدة، بل على العكس كشف أن نقاشاً جدياً يدور حول تلك الفكرة، ويتناول تفاصيلها ومضمونها وخطوطها العامة، وكرر قوله إنه مقتنع بأن المؤتمر الشامل، الذي يجمع المكونات السورية يساعد في عملية خفض العنف والتهدئة، ويمهد الطريق للاتفاق على حل دائم في سوريا!

مع من يجري النقاش الذي أشار إليه بوتين، النظام وافق فوراً، والأتراك والإيرانيون الذين يشاركون في «آستانة» وافقوا أيضاً، لكن أهم من كل هذا الموافقة الأميركية التي أُعلنت مداورة من خلال محاولة الوفد الأميركي في «آستانة»، دفع معارضي المؤتمر إلى تغيير موقفهم والمشاركة في الاجتماع، وذلك في خلال لقاء جانبي معهم، حيث جرى حضّهم على «الموضوعية» والانخراط في العملية السياسية، والمشاركة بفاعلية في النقاشات، واتخاذ قرارات مصيرية ومهمة للتوصل إلى الحل السياسي.

الموضوعية؟

يبدو الأمر صادماً للمعارضين، ويزيد من صدمته عندما يقال لهم ضمناً تعالوا إلى التفاوض من دون شروط مسبقة، وهو ما يعكس موقف النظام الذي أعلن دائماً أنه يرفض أي شروط مسبقة في أي حوار؛ لأنه من الواضح أنه يحرص على أن يقرر هو نتائجه، وفي هذا السياق أكدت قناة «RT» الروسية، أن الوفد الأميركي أبلغهم أن واشنطن لم تعد تضع رحيل الأسد شرطاً لبدء العملية السياسية، لكنه على سبيل الإيحاء بالتطمين، أبلغهم أن المجتمع الدولي لن يعترف بمنتصر في سوريا، ولن تقوم أي عملية إعمار من دون عملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة؟

هل السوريون إذن أمام حل على الطريقة اللبنانية المضحكة المبكية، أي «لا غالب ولا مغلوب»، بعد ستة أعوام من الدم والدمار ولجوء الملايين في الداخل والخارج؟

لا داعي إلى الجواب، لكن دعونا نتوقف قليلاً أمام إيحاءات سيرغي لافروف، الذي يقول إن «مؤتمر الشعوب السورية» يلتقي عملياً مع قرار مجلس الأمن 2254، الذي يدعو إلى مفاوضات شاملة بين الحكومة وكل أطياف المعارضة والمجموعات السياسية والعرقية، بما يعني راوح مكانك حول نقطة ربط مصير الأسد بقرار الشعوب السورية، التي ليس من الواضح كيف ستتم لملمة شظاياها، وإن كان القرار 2254 يعني ضمناً عملية انتقال سياسي عبر انتخابات بإشراف الأمم المتحدة تنهي حكم الأسد، الذي قال ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي قبل يومين بعد اجتماعه مع ستيفان دي ميستورا العائد من «آستانة»: «إن حكم أسرة الأسد في طريقه إلى النهاية»!

لكن كيف؟ والسؤال الثاني كيف سيتفق 1500 شخص، يقول وائل ميرزا، عضو «مجلس سوريا الديمقراطية» إنهم سيحضرون مؤتمر الشعوب السورية، من أين وكيف سينبثق «الكونغرس السوري»، وهل سيكون على طراز الكونغرس الأميركي أو الدوما الروسي، وكلاهما في المناسبة يشكلان صيغة في الدستور الفيدرالي السائد في أميركا وروسيا، وفي هذه الحال ماذا سيحلّ بشعار «الأسد رئيسنا إلى الأبد»؟

أيضاً وأيضاً، من المبكر الجواب عن هذه الأسئلة، لكن الواضح أن موسكو وواشنطن متفقتان على أن «داعش» سيُهزم ويخسر كل مواقعه قبل آخر السنة، وأن مؤتمر الشعوب السورية هو محاولة لوضع بداية الحيثية السياسية لقرار مناطق خفض التوتر الأربع، التي من الواضح أيضاً أنها تؤسس للفيدرالية: الجنوب الغربي، ودولة الساحل، حيث «المجتمع الصحي الأكثر تجانساً» كما سبق أن أعلن الأسد، وإدلب، حيث يجتهد رجب طيب إردوغان لفرض شريط في وجه الأكراد المسيطرين تقريباً من كوباني إلى الرقة ودير الزور، ويريدهم الأميركيون أن يسيطروا على معبر البوكمال لقطع الممر الحدودي الإيراني إلى لبنان، حيث يتقدّم الحشد الشعبي إلى القائم على الحدود العراقية السورية… وكل ذلك ينسجم مع رغبة واشنطن في اقتلاع النفوذ الإيراني من سوريا والعراق، وهذا ما يسرّ قلب بوتين المرتاح في سوريا في غياب «الضُرّة الإيرانية» التي زارها.

الشرق الأوسط

 

 

 

مؤتمر موسكو دلالة أزمة أم سيطرة روسية في سوريا؟/ محمد زاهد غول

من المؤكد أن الدعوة إلى أي مؤتمر دولي يسبقه إعداد كبير مع الأطراف المدعوة والمشاركة فيه، ويعتبر التفكير بعقد مؤتمر ما رؤية جماعية للأطراف الأساسية المشاركة، باعتبار أنها توصلت إلى تفاهمات أولية جانبية وتحتاج إلى المؤتمر العام لجمع كافة الأطراف في مجلس واحد اولاً، بحيث يكون اجتماعها خاتمة لتلك المشاورات والمفاوضات الجانبية ثانياً، ولإعلان نتائج تلك التفاهمات السابقة في مؤتمر عام يصدر عنه بيان ختامي يمثل خلاصة النقاط التي تم الاتفاق عليها بين جميع الأطراف.

ولكن هذه الأسس العامة لم تنطبق على كل المؤتمرات الدولية التي تناولت المسألة السورية، وبالأخص الدعوة الأخيرة من روسيا لعقد مؤتمر دولي لكل الأطراف المتنازعة في سوريا في مدينة سوتشي الروسية، وقد دعت روسيا ثلاثة وثلاثين حزبا أو جماعة سورية إليه، في الثامن عشر من شهر نوفمبر الحالي.

لقد جاءت أولى الردود من المعارضة السورية تقول بأنها لن تحضر المؤتمر تحت رعاية روسيا فقط، ولا تقبل بأي مؤتمر دولي بديل عن جنيف، لا يحظى برعاية أممية، وقالت إن مؤتمر سوتشي المقبل سيكون مؤتمر النظام السوري وأتباعه فقط ليتفاوض مع نفسه، فهل هذه مناورة من المعارضة السورية؟ أم روسيا خطت خطوة غير محسوبة العواقب؟ أم أن روسيا في أزمة حقيقة في سوريا؟ وتسعى لعمل أي شيء للخلاص من هذه الورطة، التي لم ينفع معها قصف الطائرات الحربية الروسية فوق رؤوس السوريين منذ سنوات، ولم تنفع معها الصواريخ البالستية العابرة لآلاف الأمتار وهي تقصف المواقع السورية من الأراضي الروسية أو من البحار الدولية؟ وما هي مشكلة روسيا مع مؤتمر جنيف؟ فقد حاولت روسيا التحايل عليه من خلال مؤتمر أستانة، بعد خضوعها لمفاوضة المعارضة السورية بوساطة تركية لعام كامل، ولكنها فشلت بعد أن حولته أمريكا لمؤتمر وقف إطلاق نار، أو خفض التصعيد وغير ذلك.

وما حاجة روسيا لهذا المؤتمر في سوتشي الروسية، وهي تعلم أن مؤتمر جنيف وبعد خمس سنوات من انعقاده المتكرر لم يصدر عنه أي شيء ينهي الأزمة، فقد كان مؤتمر جنيف المؤتمر الدولي الأول لإيجاد حل للأزمة السورية، وعلى الرغم من توافق جميع الأطراف على حضوره، وتعلق كافة الآمال الدولية عليه، إلا أنه تم إفشاله بعد أيام من صدور بيانه الأول في منتصف يونيو 2012، بعد أن حظي المؤتمر بتحضير كبير برعاية وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في ذلك الوقت، وبقي مؤتمر جنيف بدوراته السابقة كلها يراوح مكانه، وكأنه ملهاة للشعب السوري، وكذلك كان حال مؤتمرات دول أصدقاء سوريا، ومؤتمرات أستانة السبعة، التي انتهى آخرها قبل أيام بفشل ذريع في التوصل لحل بشأن المعتقلين، أو إيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين، وهي مسائل ينبغي أن تكون من أسهل المسائل في حالة التوصل لحل سياسي حقيقي، ولكن الضغوط الإيرانية أفشلت المؤتمر، بحسب مصادر عديدة.

من هنا قد تكون دعوة روسيا لمؤتمر سوتشي قبل زيارة الرئيس الروسي بوتين لإيران بيوم واحد، محاولة روسية للضغط على إيران لتخفيف موقفها الممانع لإيجاد حل في سوريا، بحسب شروطها التعجيزية، فإيران لا تستطيع أن تنتصر ولا تستطيع أن تعترف بالهزيمة، وبالتالي فهي أمام أزمة إيرانية اسمها أزمة الملف السوري، وإيران في الوقت نفسه مدينة لروسيا بوعود كاذبة أو فاشلة، بأنها تستطيع إنهاء موضوع الفصائل السورية المعارضة المسلحة خلال أسابيع، إذا تدخلت روسيا بطائراتها لقصف مواقع الفصائل السورية المسلحة، بحسب وعود الجنرال قاسم سليماني لبوتين في يوليو 2015، وقد أدى بوتين ما عليه، وبقي يقصف الفصائل السورية المعارضة من تاريخ 30 سبتمبر 2015 وحتى اليوم، ومن دون إمكانية القضاء على تلك الفصائل، التي تمثل الثقل الأكبر من الشعب السوري، وبالتالي فإن لبوتين حقا على قاسم سليماني وقائده خامنئي، فالنصر العسكري مستحيل ولو أتى بوتين بكل الجيش الروسي لاحتلال سوريا، وبالتالي فإن زيارة بوتين لإيران لا بد أن تضع حلا لعناد إيران.

أما رد خامنئي فهو يفيد بمزيد من العناد والتحريض لبوتين على الحرب الخاسرة، بقوله له: إن معركتهم المشتركة في سوريا هي لوضع حد لأطماع أمريكا في المنطقة، بل إخراجها منها أيضاً، وهذا أمر مضحك لبوتين بالتأكيد، لأن اتفاقياته الاستراتيجية مع أمريكا وإسرائيل أولى له من عناد خامنئي وحرسه الثوري، ولذلك جاء بوتين يحمل أطماع المساعدة لإيران اقتصاديا وافتخارا فارغاً، ببناء مفاعلين نووين جديدين مقابل أن تقبل إيران وجهة النظر الروسية لحل الأزمة السورية، التي تفاهم عليها بوتين مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزير قبل أسبوع في موسكو، في أول زيارة تاريخية لملك سعودي لروسيا الاتحادية.

لذلك جاء الرد الروسي على رفض المعارضة السورية لحضور المؤتمر المقبل في روسيا بأنه رد أولي وليس نهائيا، أي أن لدى القيادة الروسية علما بأن المعارضة السورية سوف تحضر مؤتمر سوتشي المقبل، إما بضغوط سعودية أو ضغوط تركية أو ضغوط قطرية أو كويتية أو غيرها، وعليه فإن مؤتمر سوتشي المقبل سوف يعقد، بدليل التهديدات التي أطلقتها روسيا للمدعوين الثلاثة والثلاثين، بأن من لا يحضر المؤتمر فلن يجد له مكانا في الحل السياسي المقبل، أي لن يجد له حصة في تقاسم المناصب في الحكومة السورية المقبلة، ولا في المشاركة بوضع حقوقه وحقوق طائفته على طاولة المفاوضات للدستور السوري المقبل.

لا شك في أن هذا التهديد الروسي له خلفيته السياسية مع أكثر الدول الإقليمية المعنية بالأزمة السورية، وهي ايران والسعودية وتركيا، بدليل أن الرئيس الروسي التقى جميع زعماء هذه الدول في الأسابيع القليلة الماضية، وهذا يؤكد جدية روسيا لحل الأزمة، بإيجاد أرضية مشتركة للحل، فلا يكون هناك منتصر ولا مهزوم، وإنما تقاسم سوريا بأي طريقة ترضي جميع الأطراف كرها لا طوعا، سواء بسوريا فيدرالية، أو سوريا برئاسات جمهورية متعددة، أو حكم ذاتي لكل الكيانات الطائفية والقومية والإثنية والعرقية، مع بقاء ضمانات لهذه الدول الثلاث على الأرض السورية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فدخول الجيش التركي إلى سوريا أولاً في عملية «درع الفرات»، ثم دخوله إلى أدلب وما بعدها، من دون قتال هو دليل على أن روسيا تفرض أو تقايض على الحل السياسي والعسكري الذي تريده مع الأطراف الإقليمية الكبرى، وما على هذه الأطراف إلا أن تجري مقارباتها الإقليمية مع بعضها بعضاً، لتسهيل إبرام هذا الحل، وحيث أن الاتصالات التركية قوية مع إيران والسعودية، فما بقي هو تقوية الاتصالات السعودية الإيرانية، وهي التي سوف تؤثر على تفاهمات سعودية لبنانية أيضاً.

بقي أن يقال إن إنشغال أمريكا بوضعها الداخلي وأزمتها مع رئيسها الجديد رونالد ترامب، هو ظرف مناسب وذهبي بالنسبة للرئيس الروسي بوتين، لإنهاء أزمته في سوريا بأقل الخسائر أولاً، وبأقل الأرباح ثانياً، وقد ثبت عملياً أنه لا يمكن إلغاء مصالح الدول الإقليمية الثلاث، ولكن لا بد من تحرير مواقفها من الضغوط الأمريكية التي تعمل لإطالة عمر الأزمة، وبالأخص أن الأطراف الثلاثة تعارض المشاريع الأمريكية مع الأكراد في سوريا والعراق، بل في تركيا وإيران أيضاً، وما يهم الدولة الإسرائيلية هو إنهاء الصراع في سوريا بما يضمن أمنها وحدودها كالسابق، وهو ما سوف تضمنه الدول الأربع الضامنة، بعد أن تصبح السعودية طرفا ضامنا مثل تركيا وإيران، وستكون مباركة مصر لهذا الاتفاق تحصيلا ضروريا وغير مستحيل، مع ضعف إمكانياتها على عرقلته في ما لو طلب منها عرقلته من إحدى الدول الكبرى.

كاتب تركي

القدس العربي

 

 

 

مع من ستتقاسم روسيا الكعكة السورية؟/ سمير صالحة

يقال أن التحركات الروسية المتسارعة في التعامل مع الملف السوري هي مقدمة للاعلان عن رؤية جديدة للكرملين هدفها تحقيق أكثر من انجاز يكرس النفوذ والهيمنة الروسية في صناعة صيغة الحل والتفاهمات المحلية والاقليمية هناك بعدما نجح الرئيس فلاديمير بوتين في تسجيل اكثر من هدف في مرمى جميع اللاعبين دون استثناء .

موسكو وكما يرى العديد من المعنيين والمتابعين استطاعت في الاشهر الاخيرة :

-حرق الكثير من اوراق المعارضة والنظام في سوريا والزامها بالجلوس أمام طاولة الحوار التي فرضتها في الاستانة ،

-الامساك بزمام الامور في جنيف والاستانة وتحويلهما نحو خدمة مشروعها الجديد البديل في ” مؤتمر الحوار الوطني ” تحت شعار جلب الجميع الى سوتشي واشراكهم في المصالحة الوطنية واتفاقيات مواصفات المرحلة الانتقالية ،

-والاعلان بالفم الملان انها استعادت مكانتها كدولة عظمى في العالم، وأنها جاهزة لعقد الصفقات مع الكبار والمساومة على شكل النظام الدولي الجديد، وابلاغ واشنطن انها فشلت في خطط محاصرتها بورقة استخدام العقوبات ضدها ، والاعلان أن الرد الروسي على واشنطن سيكون مباشرة عبر لعب اوراق من تعتبرهم الادارة الاميركية حلفاء لها في المنطقة مثل تركيا والسعودية واسرائيل بعد صفقات السلاح وخطط الطاقة الاستراتيجية والاسواق المشتركة مع هذه الدول .

موسكو بعد الان تريد :

-تضييق هامش النفوذ التركي والايراني في سوريا ،

-المساومة مع واشنطن على لعب الورقتين التركية والايرانية لصالحها في المشهد السوري ،

-وضع كافة اللاعبين المحليين في الحكم والمعارضة السورية تحت جناحيها والزامهم بقبول ما تقول ،

فرض رسم خريطة مستقبل سوريا السياسية والدستورية والعرقية كما تريدها هي على طاولة المفاوضات والصفقات المرتقبة مع واشنطن ،

-والانخراط في مساومات اقليمية أوسع مع الادارة الاميركية حول ايران والعراق وتركيا والملفات الكردية والحرب على الارهاب .

بوتين على يقين  :

أنه قادر على اقناع انقرة وطهران بتبني الطروحات والحلول الروسية في سوريا كونها ستخرج البلدين من حالة احتقان وتوتر دائم وتنقذهما من صرف مليارات الدولارات على هذا الملف ،

وأنه بات من حقه الحصول على جائزة ترضية اميركية ثمينة وهو يساوم على تقديم الوجبة الايرانية لواشنطن باتجاه تضييق الخناق على طهران وتقليم اظافرها الاقليمية في سوريا والعراق ولبنان ،

وأنه يتطلع صوب جائزة ترضية اكبر وهو يفاوض ترامب على سياسة تركية اقليمية جديدة تاخذ بعين الاعتبار ما تقوله موسكو وتتجنب اغضابها بعد حادثة اسقاط المقاتلة الروسية وعودة انقرة الى الحضن الروسي طالما ان واشنطن اختارت لنفسها حلفاء محليين واقليميين جدداً .

التحرك العسكري التركي  في محافظة إدلب شمالي سوريا في إطار تفاهمات الأستانة ، لا يمكن فصله عن الخطة الروسية في موضوع وضع خريطة الانتشار والحلول في مسار الازمة السورية اذا لم نشأ تبني مقولة أن انقرة قبلت صيغة الحل هذه تحت المظلة الروسية في سوريا،

كما أن اطلاق جولة جديدة من مفاوضات السلام الهادفة لإنهاء النزاع السوري في جنيف اعتباراً من 28 تشرين الثاني / نوفمبر المقبل ، وتأكيد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قرب انتهاء عهد أسرة الأسد في سورية رسائل يمكن تفسيرها بمنطق واحد لا بديل له حول أن التفاهمات الاميركية الروسية قائمة وهي ستظهر الى العلن في القريب العاجل

تفهم المبعوث الدولي دي ميستورا للحراك الروسي وتقدير جهود موسكو المبذولة على كافة الصعد ودعوته المتكررة لقيادات المعارضة السورية لتكون اكثر واقعية وعملية امام طاولات الحوار والتفاوض، وظهور بريت ماكغورك المـوفد الرئاسي الأميركي إلى التحالف الدولي لمكافحة داعش بصحبة رجل المهمات الاستثنائية في السعودية الوزير ثامر السبهان على مرأى ومسمع عبد الله اوجلان الذي كان حاضرا في احتفالات تحرير الرقة بصورته العملاقة التي اختيرت بدقة واحتراف اميركي روسي لتسهل لانقرة وطهران قراءة معالم المرحلة المقبلة في سوريا . كلها مؤشرات تلتقي حول قناعة تكاد تقول ان الخطة الروسية الاميركية تقوم على وضع  كل الحلول والقرارات في سلة واحدة وامام منصة موحدة تجمع جنيف والاستانة ومؤتمر الحوار الوطني معا ضمن تفاهم ثنائي على تقاسم خرائط الطاقة وخطط مواجهة الارهاب بمعالمه الجديدة واعداد مشاريع وشكل طاولات حلول الازمة السورية سياسيا ودستوريا .

في الجانب الاخر وردا على قناعة ان روسيا احرقت اوراق الجميع في سوريا نرى :

الائتلاف الوطني السوري المعارض والهيئة العليا للمفاوضات يقولان انهما لن يشاركا في مؤتمر سوتشي ، ويعتبران أن أي مفاوضات مع النظام خارج إطار جنيف أو دون رعاية الأمم المتحدة ستكون حوارا بين النظام ونفسه ،

ويبرز موقف تركي جديد يردد ان انقرة ترحب بلقاء الحوار السوري الذي تريده موسكو لكنها تعلن عن تحفظها على دعوة موسكو لممثلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي للمشاركة في المؤتمر ، مصحوباً بحقيقة أن تركيا لن تفرط بما تملكه من نفوذ وعلاقات مع قوى المعارضة السياسية والعسكرية ومنها الائتلاف السوري  والجيش الحر ارضاء لموسكو ،

وتظهر مواقف غربية عديدة تقول انها مع الحوار في المسألة السورية لكن في اطار تفاهمات واضحة مبنية على قرارات الامم المتحدة المعروفة حول الازمة السورية بعيدا عما تقوله موسكو حول ان التوصل إلى تسوية سياسية في سورية بات ممكناً مع استعداد الأسد لإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية باشرافه ،

وتكشف طهران النقاب عن انها تدعم التحرك الروسي طالما انه لا يمس سياستها السورية ويتحول الى مساومة على مصالحها ومصالح حلفائها المحليين هناك ،

وتعلن اصوات اميركية كثيرة ان الاستعجال الروسي في سوريا قد يتحول الى تسرع ولا يمكن تهميش ادوار وقمم ومؤتمرات وقرارات اممية بهذا الشكل وانه على الكرملين ان يقبل في نهاية الامر ان اميركا ما زالت الدولة الأولى والأقوى في العالم . روسيا تريد المساومة على التموضع الاميركي الاقليمي وهذا ما تعرفه واشنطن جيدا لذلك هي تريد العودة الى المشهد السوري ببطء وهدوء ودون الكثير من عرض العضلات والتحدي والاستفزاز .

روسيا تريد كل شيء في سوريا واهم ما تريده هو فرض  شرعية النظام بعد تلميعها . الن يتحمل احد مسؤولية تدمير سوريا ومقتل مئات الالاف وتشريد الملايين ؟ ثم هل سيخيف الاسلوب الفوقي الروسي ” من لا يحضر إلى سوتشي سيجد نفسه مهمّشا ” ، الذين غامروا بكل شيء من اجل حريتهم وضحوا بالكثير مقابل عيش ابنائهم بكرامة في سوريا الجديدة ؟

روسيا تريد اشراك حزب الاتحاد الديمقراطي في الحوار وتقول للأتراك انها مسألة سورية بحتة ، لكنها ستجد صعوبة في اقناع تركيا بقبول ذلك طالما ان هذا الحزب يتباهى بفكر وعقيدة اوجلان الذي تعتبره العواصم الغربية قبل انقرة نفسها رجلا قاد عمليات القتل والارهاب ضد الاف المواطنين الاتراك.  خيارات روسيا باتت شبه محدودة في سوريا وهي تحتاج للخروج من مازقها إلى دعم اميركي واوروبي وتريد الحصول عليه بالقوة وعرض العضلات والتحدي فهل يكون لها ذلك ؟

حملت واشنطن مؤخرا روسيا باستخدامها حق النقض في مجلس  الامن مسؤولية حماية النظام السوري وهي بذلك تكون مرة أخرى قد انحازت إلى جانب ” الديكتاتوريين والإرهابيين الذين يستخدمون الأسلحة المحظرة دوليا ضد المدنيين السوريين في خان شيخون . هل يمكن  للادارة الاميركية ان تطلق يد موسكو على هذا النحو في سوريا وهي توجه لها اتهامات من هذا النوع؟” .

من الأفضل أن نحاول أيضا قراءة ما يجري بطريقة مغايرة تعكس حجم الورطة الروسية في الملف السوري ووصولها الى طريق مسدود يدفع موسكو للقفز الى الامام في عملية انتحارية تحرق اوراقها واوراق الجميع في سوريا على طريقة ” علي وعلى أعدائي ” . ابتلاع الكعكة السورية ليس بمثل هذه البساطة لا روسيا ولا اميركيا كما يبدو .

المدن

 

 

 

ما جدوى جنيف – 8 طالما حرب أمريكا على سوريا مستمرة؟/ د. عصام نعمان

الحرب في سوريا وعليها مستمرة. هي عنوان حرب أمريكا و»إسرائيل» على المقاومة أينما تكون وكيفما تكون. كل أنواع العقوبات على سوريا وحزب الله و»حماس» وإيران هي فعل حربٍ على المقاومة.

الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، بأي شكلٍ وبأي ذريعةٍ، هو حرب على المقاومة. طالما أمريكا موجودة في سوريا، فإن الحرب على المقاومة مستمرة. طالما العقوبات على سوريا وإيران وحزب الله و»حماس» مستمرة، فإن الحرب على المقاومة مستمرة.

المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا دعا الأطراف المعنيين إلى عقد مؤتمر جنيف- 8 يوم 28 نوفمبر المقبل. قال إن الغاية المتوخاة هي البحث في إجراء انتخابات في سوريا وفي دستور جديد لها. هل الأطراف المدعوون إلى جنيف معنيون حقاً بوقف الحرب وبإحلال السلام في سوريا؟

نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي جوان بولاشيك قال: «أمريكا ستنسحب من سوريا بعد إنهاء الإرهاب». هل انتهى الإرهاب في سوريا؟ متى ينتهي؟ مَن يقرر أن الإرهاب انتهى في سوريا لتكون أمريكا ملزمة بإنهاء وجودها العسكري فيها؟

لا قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز لأمريكا نشر قوات في سوريا. لا موافقة من سوريا على نشر قوات أمريكية في اراضيها. لا قرار من الأمم المتحدة يجيز لما يُسمّى «التحالف الدولي ضد الإرهاب» نشر قوات امريكية او غير أمريكية في سوريا. روسيا شدّدت على هذه المخالفة وحذّرت من التمادي فيها. لكن تركيا حذت حذو أمريكا فنشرت قوات لها في محافظة ادلب السورية.

سوريا تعتبر الوجود العسكري الأمريكي كما الوجود العسكري التركي احتلالاً مكشوفاً ومخالفاً لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. أليس من المنطقي، بل الضروري والحال هذه، أن يكون البند الاول في جدول أعمال مؤتمر جنيف- 8 البحث في إنهاء الاحتلال الأمريكي والاحتلال التركي لسوريا؟

في المقابل، يتجّه الجيشان السوري والعراقي إلى السيطرة على الشطر الأكبر من الحدود السورية – العراقية. الجيش السوري حرر محطة T-2 وفتح سبيلاً صحراوياً مؤدياً إلى مدينة البوكمال الحدودية. الجيش العراقي بات في محيط مدينة القائم الحدودية. ثمة تخطيط ضمني، على ما يبدو، ليلتقي الجيشان على طول الحدود من معبر ربيعة في الشمال إلى معبر البوكمال في الوسط. ماذا ستفعل القوات الأمريكية المتمركزة على مقربة من معبر التنف في الجنوب الشرقي؟ هل ستمنع بالقوة تواصل الجيشين والبلدين وتعاونهما؟ هل ستمنع بالقوة، وبدعم «قوات سوريا الديمقراطية -قسد» المتقدمة من الرقة، إقامةَ جسر بري لوجيستي يمتد من طهران إلى بيروت عبر بلاد الرافدين وبلاد الشام؟

«إسرائيل» تعتبر دعم إيران لسوريا في حربها على الإرهاب تدخلاً يهدد أمنها القومي. في خطابه أمام الكنيست يوم الاثنين الماضي، «صنّف نتنياهو التدخل الإيراني في سوريا خطراً واضحاً ومباشراً على إسرائيل أكبرَ من التهديد النووي» (صحيفة «هآرتس» 2017/10/24). هذا الموقف يعني ويستتبع، بالضرورة، أن «إسرائيل» وأمريكا ستثابران على ممارسة شتى أشكال الحرب في سوريا وعليها بدعوى محاربة الإرهاب. ذلك أن إيران وحزب الله هما، في نظرهما، جهتان إرهابيتان تهددان أمنهما القومي.

ما العمل؟

الجواب: الدفاع المشروع عن النفس. استمرار الحرب في سوريا وعليها يتطلّب استمرار الدفاع عن النفس. هذا يتطلّب بدوره تفعيلاً وتوسيعاً للمقاومة لغاية استعادة سوريا جميع مناطقها الواقعة تحت سيطرة «داعش» و»النصرة» وأخواتهما، أو تحت سيطرة أمريكا في التنف ومحافظتي الحسكة والرقة، أو تحت سيطرة تركيا في أدلب وشمال سوريا، أو تحت سيطرة «إسرائيل» في جوار الجولان المحتل وفي جنوب لبنان (تلال شبعا ومزارعها المحتلة).

الدفاع عن النفس يتطلّب تعزيز المقاومة والتحالف مع تنظيماتها في مواجهة الإرهاب والاحتلال. العراق وسوريا مدعوان إلى تنسيق قواهما الحكومية والشعبية والتحالف المتين في هذه المرحلة العصيبة لمواجهة تحديات أمريكا واسرائيل والمجموعات المحلية الوكيلة لهما. وإذا كان العراق وسوريا وإيران قد اتفقت ونجحت في إحباط استفتاء بارزاني في كردستان العراق، وأنهت مساعيه لقضم كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها في شمال البلاد وشرقها، فإنها مطالَبَة كذلك بالاتفاق على إحباط اي مشروع اداري- سياسي لامركزي تتولاّه «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية الموالية لأمريكا، الناشطة بمعزل عن قرار الحكومة المركزية في دمشق، قبل تفاهم الاطراف السورية المتصارعة، خارج مؤتمر جنيف أو داخله، على تسوية سياسية تاريخية لإعادة بناء سوريا الموحدة دولةً مدنية ديمقراطية.

من هنا يستقيم الاستنتاج أن لا جدوى لجنيف- 8 طالما حرب أمريكا و»اسرائيل» وتنظيمات الإرهاب الموالية لهما على سوريا مستمرة. وإذا ما ارتأت روسيا، بالتفاهم مع تركيا وبتأييد ضمني من أمريكا، الضغط على سوريا للمشاركة في جنيف- 8 قبل تحرير جميع مناطقها المحتلة او الخارجة عن سيادتها، فإن في مقدور سوريا الامتناع عن المشاركة سندا إلى حجة مشروعة هي أن اطرافاً دولية مدعوة إلى المؤتمر تشارك في الحرب المستمرة عليها، بل ضالعة في احتلال مناطق حيوية من البلاد.

حتى لو تنامى الضغط، عربياً واسلامياً ودولياً، على سوريا كي تشارك في جنيف- 8، فإن في وسعها أن ترتضي المشاركة دونما شروط، وبالتالي أن تستمر، بلا هوادة، في الدفاع عن نفسها مدنياً وميدانياً وبمشاركة وازنة من حلفائها، وفي مقدمهم قوى المقاومة العربية بغية تحرير مناطقها المحتلة واستعادة سيادتها عليها. ألم يثابر ثوار فيتنام على المقاومة في اثناء مراحل المفاوضة مع أمريكا لغاية انتهاء الحرب وإحراز النصر؟

الحرب المستمرة في سوريا وعليها تتطلّب استمرار المقاومة ضد صانعي الحرب ومستغليها. المفاوضة من أجل تسوية سياسية لائقة للصراع مُهمةٌ مشروعة، لكنها ليست أكثر مشروعية من المقاومة في سياق الدفاع عن النفس، ومن أجل تحرير البلاد واستعادة وحدتها وسيادتها وبناء دولتها المدنية الديمقراطية.

المفاوضة مطلب محق ومهم. المقاومة نهج أفعل وأهم.

كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

من «وعد بلفور» الى مؤتمر «الشعوب السورية»!/ أسعد حيدر

.. وفي الذكرى المئوية لوعد بلفور، وما نتج عنه من ولادة الكيان الإسرائيلي، تُحضّر موسكو لانعقاد مؤتمر «الشعوب السورية» في قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية أو في سوتشي في روسيا. طوال القرن الذي يمتد من وعد بلفور الى اليوم، كانت الوحدة شعاراً والانفصال خيانة، والتمزق مؤامرة يجب إسقاطها، فإذا بسوريا «قلب العروبة النابض» في حالة الكوما، والشعب السوري العربي الذي اقترع لأول وحدة عربية حيّة مع مصر وبقيادة جمال عبد الناصر، بنسبة حقيقية اجماعية وواقعية تقريباً، يصبح طموحه المحافظة على وحدته ولو في صيغة تعددية كريهة من نوع «الشعوب السورية».

هذا الانحدار الى الهاوية، لم يحصل لولا التناحر بين نظام مستأسد من أجل البقاء في السلطة مهما بلغت كلفة الحروب التي يخوضها، و«معارضات» متزاحمة على أبواب القوى الخارجية، يكفي لتقدير حجم التنافس، أنّ المسعي الروسي لانعقاد مؤتمر «الشعوب السورية»، أن عدد ممثلي المعارضة (وليس جميعهم) يصل الى 1200 ممثل.

هذا التمزق السوري، يوازيه وربما يزيد عليه التمزق الخارجي. روسيا تسعى ضمن مفاهيمها ومعلوماتها لاستعادة سوريا حتى ولو أعادت تشكيلها على قاعدة خلق «سوريا فرانكشتانية» (من فرانكشتاين) وواشنطن سلّمت لموسكو المهمة وتتولى وضع «العصي في دواليبها» في كل مرة تجد أن مصالحها غير مضمونة أو معرضة للإهمال.

الجديد، أنّ إسرائيل التي كان ذكرها دون الإشارة الى كونها «الكيان المغتصب» خيانة، هي اليوم وبعد مائة عام على «وعد بلفور»، طرف أساسي في إعادة تشكيل سوريا. كانت إسرائيل وحتى وقت قريب «حاملة الطائرات الأميركية» الثابتة. وكانت مصر وسوريا ومعها دول عربية عديدة حليفة لموسكو

والمعسكر الاشتراكي في حين أنّ العلاقات الروسية – الإسرائيلية محدودة جداً في العلن. ربما في السرّ كانت توجد علاقات لكن من دون تعاون عسكري وأمني. أما الآن وفي هذه الذكرى الأليمة، فإن إسرائيل تتمتع بالتحالف الوثيق مع موسكو كما مع واشنطن. حالياً يقال في إسرائيل إن العلاقات مع روسيا هي رصيد استراتيجي لبلادهم.

إسرائيل تتحرك في سوريا تحت المظلّة الروسية. يدها «الطويلة» تطال الكثير من المواقع السورية، لكنها وهي تقوم بذلك، تضع موسكو في أجواء عملياتها. هذا التفاهم، ليس خوفاً ولا قلقاً من الموقف السوري. وإنما لأنها: لا تريد إحراج «الحليف الجديد» الذي حصلت عليه بعد نصف قرن من العداء ووقوف موسكو خصوصاً في مجال التسليح والتدريب مع سوريا ومصر والجزائر والعراق. إسرائيل تعمل وتتحرك على قاعدة التوفيق بين مصالحها ومصالح روسيا تماماً كما فعلت وتفعل مع الحليف الاستراتيجي التاريخي الولايات المتحدة الأميركية.

*إسرائيل لا يمكنها إحراج موسكو كثيراً في مواجهة إيران. روسيا عليها التوفيق أيضاً بين المصالح الإسرائيلية والمطامع الإيرانية في سوريا. لا يمكن لإسرائيل التحرك بمفردها في سوريا لأن في ذلك اقتراباً من «الخطوط الحمر» المتعارضة والمتنافسة لكل من واشنطن وموسكو وطهران.

*إسرائيل تعتمد الغموض المبرمج حول مستقبل سوريا. كل ما تؤكد عليه وجوب إخراج «حزب الله» وإيران. لكنها تكتفي حالياً بنجاحها في تثبيت خط فاصل «نظيف» من الحزب والميلشيات الشيعية الإيرانية عمقه أربعين كلم عن حدودها. لكن إسرائيل التي تقف منذ خمس سنوات مع الأسد ونظامه ضمناً، فإنها حالياً تؤكد على بقاء نظام مركزي في سوريا كما تريد وتعمل طهران، أي إن الوفاق بينهما قائم على الهدف رغم المواجهة على التفاصيل والوسائل للوصول الى ذلك بعكس موسكو التي وهي تنادي بوحدة «الشعوب السورية» تتّجه نحو النظام الفيدرالي وبالتالي نحو رئيس سلطاته محدودة ومحدّدة بهذا النظام ا.

في العمق واشنطن وموسكو ستأخذان في النهاية في حساباتهما بوجهة الموقف الإسرائيلي وفي هذا كلّه يكمن عمق المأساة السورية التي تنعكس حكماً على كل ما كنا نطلق عليه الوطن العربي. الذي أصبح العالم العربي وحالياً الدول العربية الموزعة على منطقة الشرق الأوسط.

هذا العالم لا يحترم سوى الأقوياء. واشنطن (التي تظهر العداء ضد إيران) وموسكو معاً، احترمتا وتقيّدتا عملياً بموقفهما من «الدولة الكردية» فقبلتا ودعمتا بصمتهما عملية إسقاط مشروع «الدولة الكردية» في كردستان العراق. وقوف تركيا وإيران معاً ضد «الدولة الكردية»، على قاعدة أنّ أمنهما القومي والاستراتيجي سيتعرضان للخطر، أجبر (خصوصاً واشنطن) على التعامل مع موقفهما بتفهم كامل. ضعف العرب وتمزقهم وتحاربهم فتح ويفتح الطريق، نحو المزيد من التشرذم والتمزّق، والسماح لإيران وتركيا بالتدخل العسكري في سوريا والعراق من جهة والانخراط الإيراني في حرب اليمن والعمل على صياغة يمنية لتجربة «حزب الله» في لبنان و«الحشد» في العراق.

استمرار الوضع العربي على هذه الحال، يدفع للتساؤل الجدي. إذا كانت إسرائيل بعد مائة عام من «وعد بلفور»، أصبحت «شريكة» في صياغة مستقبل سوريا، وقبل ذلك وحالياً قوة فاعلة في إنتاج السلطة الفلسطينية فماذا سيكون الوضع وأين ستكون إسرائيل حاضرة في السنوات العشر المقبلة ليس أكثر؟

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى