صفحات سوريةمحمد سيد رصاص

التصلب التركي – الفرنسي حيال الأزمة السورية:محاولة للمقاربة


محمد سيد رصاص

كان رجب طيب أردوغان لسبع سنوات سابقة،ونيقولا ساركوزي لمدة أربعة أعوام،في موقع آخر مناقض لماأبدياه من مواقف إثر بدء الأزمة السورية منذ نشوب أحداث درعا في يوم الجمعة 18آذارمارس2011.في تلك السنوات كان رئيس الوزراء التركي هو المفتاح لفك عزلة دمشق بعد الصدام الأميركي – السوري حول العراق المغزو والمحتل وماأعقب هذا الصدام من تداعيات في لبنان مابعد القرار1559(2أيلولسبتمبر2004)،فيماتحولت باريس ساركوزي لكي تكون بوابة العاصمة السورية إلى الغرب الأوروبي من جديد إثر تداعي مشاريع الشراكة السورية – الأوروبية في عام2004عقب تلاقى الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك مع واشنطن في صنع القرار1559.

لايمكن تفسير هذه التحولات التركية- الفرنسية من دون المناخات الجديدة التي أدى إليها”الربيع العربي”،وبالذات مع فصله المصري(25يناير-11فبراير2011)الذي أتى بعد أيام قليلة من انتهاء الفصل الأول التونسي.في تلك الفترة المصرية كان أردوغان أول الزعماء الأجانب الذين طالبوا تلفزيونياً بتنحي الرئيس مبارك،بينماأعطى وزير الخارجية الفرنسي الجديد ألان جوبيه،الذي ذهبت الوزيرة السابقة له (إليو ماري) ضحية أدائها في الأزمة التونسية(17ديسمبر2010-14جانفي2011)،صورة جديدة للسياسة الفرنسية التي كانت ،منذ دعمها لانقلاب عسكر الجزائر في11يناير1992ضد المسار الانتخابي البرلماني الذي كان يعطي الاسلاميين الفوز في الجولة الأولى، من أكبر المساندين لأنظمة هي في الضفة الأخرى للديموقراطية، مثل تلك التي لبن علي وحسني مبارك والتي كانت تقمع الحريات تحت شعار محاربة الاسلاميين. ظهرت سياسة باريس الجديدة في ليبيا مابعد ثورة17فبراير ضد القذافي لماكانت باريس هي القوة الدافعة لتدخل حلف الأطلسي قبل أن تتولى الطائرات الفرنسية في منتصف مارس قصف أرتال قوات القذافي التي كانت تتهيأ لاقتحام بنغازي.

في مرحلة مابعد سقوط باب العزيزية في 23أوغسطس،تكشًف اتفاق وقعه ،منذ مارس، (المجلس الانتقالي الليبي)مع شركة توتال الفرنسية يعطيها حصة الثلث من النفط الليبي . خلال أشهر مابعد حسني مبارك،ظهر أن مصر،وبرضا أميركي ، تتجه،ولوبتعثرات،نحو شيء شبيه بنموذج أردوغان في أنقرة الأتاتوركية،هو حصيلة تعايش ثالوث(الاسلاميون- العسكر- الإدارة)،وهو مابان أيضاً في تونس مع الانتخابات ،وكذلك يبدو أن ليبيا واليمن تسلكان طرقهما الخاصة نحو ذلك النموذج التركي .هذه المعطيات الأميركية الجديدة هي التي جعلت زيارة أردوغان للقاهرة وطرابلس الغرب وتونس في الخريف الماضي وكأنها استعادة،ولكن معنوية،للزمن الذي كانت فيه تلك المدن العربية الثلاث تدور في فلك اسطنبول.

كانت هذه التحولات التركية – الفرنسية متبلورة ومكتملة لما بدأت الأزمة السورية في يوم18مارس2011:منذ نيسانإبريل، كان كلام أردوغان عن “القضية السورية باعتبارها شأناً تركياً داخلياً” ايذاناً بطي صفحة2004-2010 بين أنقرة ودمشق ،ولتظهر سلسلة من المؤتمرات لمعارضين سوريين،يغلب عليهم اللون الاسلامي،بدءاً من ذلك الشهر في مدن تركية عدة،بالتزامن مع اتجاه(جماعة الاخوان المسلمين السوريين)إلى إقامة مقرها القيادي في اسطنبول.بالتوازي مع هذا،كانت مداخلات أردوغان في الشأن السوري تحوي الكثير من الأبوية وتميل إلى رسم خرائط طريق،ويقال بأنه بين نيسانإبريل وحتى زيارة وزير الخارجية التركي لدمشق في بداية آبأوغسطس،كانت المساعي التركية منصبة ومتركزة من أجل إقامة حكومة يشارك فيها(الاخوان المسلمون)بنسبة الثلث مع البعث،وهو مارفضته السلطة السورية.في تلك الأشهر الأربعة مالت السياسة التركية إلى التصلب والتشدد والضغط على دمشق. بالتوازي مع هذا وخلال نفس الأشهر،وبدءاً من الشهر الخامس من العام أبدت العاصمة الفرنسية تصلباً وتشدداً مع السلطة السورية،سبقت فيهما مواقف واشنطن ولندن حيث لم يتجاوز الرئيس أوباما ،وكذلك دافيد كاميرون، حدود الدعوة للإصلاحات،ثم التغيير،ولكن بقيادة الرئيس السوري،فيماكان وزير الخارجية الفرنسي أول من وصل للسقف الأعلى من خلال حديثه منذ يوم5تموزيوليو عن”أن الوضع اجتاز نقطة اللاعودة،وأصبحت قدرة الرئيس السوري على اجراء اصلاحات اليوم منعدمة في ضوء ماحدث”.

هنا،كانت محصلة هذا التصلب التركي – الفرنسي متجسدة في احتضانهما المشترك ل”المجلس الوطني السوري”الذي كان قيامه في 2تشرين أولأوكتوبرمبنياً على فرضية الاتجاه إلى تكرار سوري”ما”للمجلس الليبي ومارافق قيامه بعد أسابيع من تدخل ل(الناتو)،وقد ذكًر أحد قياديه،وهو سمير نشار،بماذا”كان سيحل بمدينة بنغازي لولم يتحرك الحلف الأطلسي؟”(جريدة”الحياة”،4أكتوبر2011)،وهو رئيس الأمانة العامة ل”اعلان دمشق”الذي يميل ليبراليوه المنضوين في(المجلس)،هم وبرهان غليون،للدوران في الفلك الفرنسي،فيمايميل اسلاميوه إلى وضع بيضهم في السلة التركية إلى حدود وصلت بالمراقب العام لجماعة الإخوان رياض الشقفة في تشرين الثاني للمطالبة ومن اسطنبول ب”تدخل عسكري تركي”.

لم تكن لندن في تلك الضفة التركية- الفرنسية، وهي التي قال وزير خارجيتها لوفد سوري معارض، في تشرين ثاني،أن”لاتكرار للسيناريو الليبي في سورية”،وهو على مايبدو كان موقف واشنطن أيضاً :هذا يطرح اشكالية هذا التصلب التركي- الفرنسي حيال الأزمة،والذي بدأت غيوم التوترالمتراكمة بين باريس وأنقرة،بسبب الموضوع الأرمني،تنعكس على أجواء”المجلس الوطني السوري”،وهو ماجعل رئيسه ضعيفاً أمام الاسلاميين في مؤتمر تونس وفي أيام عدة أعقبت توقيع ورقة اتفاق30ديسمبر مع (هيئة التنسيق).

أول عناصر هذه الاشكالية أن هذا التصلب يأتي من الدولتين المستعمرتين السابقتين لسوريا،وليس من غيرهما.ثاني عناصرها،هي وظيفية هذا التصلب عند كل من أنقرة وباريس،التي يبدو أنها عند الأتراك هو السعي إلى موازنة النفوذ الايراني في العراق من خلال الوصول عبر مجريات الأزمة السورية إلى جعل وضع زعيم (جماعة الإخوان المسلمين السوريين) في دمشق شبيهاً بوضعية نوري المالكي زعيم( حزب الدعوة) في بغداد،ولكي تكون دمشق مفتاحية في جعل النموذج التركي نموذجاً للمنطقة،كماكانت معركة مرج دابق عند السلطان سليم في عام1516 المدخل إلى عموم المنطقة العربية وأوصلت الدولة العثمانية إلى حدود الإمبراطورية . عند الفرنسيين،الذين أبدوا الكثير من الحمية في الأزمة الليبية،يظهر أن عقدة فقدان النفوذ الفرنسي في جزائر مابعد عام1999لصالح الأميركان لم يتم تسكينها ولملمة جراحها من خلال المكاسب الفرنسية في ليبيا مابعد القذافي وإنما هناك السعي لكي يكون ذلك عبر مكاسب في منطقة شرق المتوسط،بعد أن كانت عقود شركة توتال مع صدام حسين في أواسط التسعينيات،فيمايخص حقل مجنون النفطي العملاق في شرق مدينة العمارة،هي أحد الأسباب الكبرى لموقف جاك شيراك الرافض لمشاريع جورج بوش الإبن في غزو العراق،ثم كان التوافق بينهما على القرار1559،في يوم قمة النورماندي في 6حزيرانيونيو2004،بداية لانتهاء شهر عسل الرئيس شيراك مع الحكم السوري،وبداية لتفكيره،في أشهر مابعد اغتيال الرئيس الحريري،في “تغيير”يجري في دمشق وفقاً لكتاب فنسان نوزي:”في سر الرؤساء”الصادر بباريس عام2010.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى