صفحات سوريةمعتز حيسو

التغيير في سوريا ( قراءة أولية)

 


معتز حيسو

بعد عقود من الصمت والخوف، نهض الشعب السوري،مخالفاً جميع التوقعات التي كانت تؤكد بأن من المبكر الحديث عن التغيير في سوريا،لأن السوريين كما كان ينظر إليهم،غير قادرين على إنجاز التغيير نتيجة لهيمنة القوة الأمنية التي جعلت من سوريا سجناً حدوده حدود الوطن،وبفعل الموقع الجيو سياسي لسوريا والنظام في آن.لكن ورغم ما كان يروّج عن الاستقرار الذي يتمتع به المواطن السوري،لكن من الواضح بأن هذا الاستقرار كان نتيجة لتغوّل الأجهزة الأمنية التي كانت تحصي أنفاس المواطن،ومع كل هذا،فإن المواطن السوري كان دائماً يوضع في خيارات صعبة:فإما الاستقرار المفروض بالقوة الأمنية،أو:الفوضى والفتنة الطائفية وانقلاب الإسلاميين على السلطة،مما يعني الارتكاس إلى أشد حالات التخلف والتشدد الأصولي والسلفية الدينية.لكن ثورة الشعبين التونسي والمصري،أسقطت هذه الفزاعة،وأثبتت للجميع بأن وعي الشعب العربي،وتحديداً الشباب، تجاوز كل هذه الأوهام وأثبت في سياق ثورته بأنه قادراً على تحقيق ما يريد وما يصبو إليه،ويستطيع بما يمتلكه من وعي وطني ديمقراطي اختيار الشكل السياسي الذي يناسبه،ويستطيع بذات الوقت التعامل بأشكال سياسية ودستورية مع الأطراف السلفية التي يمكن أن تحاول فرض سيطرتها على السلطة والمجتمع في لحظة معينة.لكن الأهم أن المجتمع السوري تفتح أخيراً عن تعبيراته الحقيقية،التي تجلت عن وعي متطور يتجلى بتمسكه بضرورة التغيير الوطني الديمقراطي السلمي،غير آبه بما قد يواجهه من صلف الأجهزة الأمنية وبطشها،متجاوزاً حدود الخوف،ليؤكد الشباب السوري مجدداً بأنه سيبقى دائماً في طليعة الشعب في قيادة التغيير الذي انتظر انبلاج فجره عقوداً من الزمن.

قد يكون من المبكر عرض تصور واضح عن سياق وأشكال التغيير في سوريا،لكننا نرى بأن من الضروري وضع تصورات أولية يمكن أن تساهم في توضيح أشكال ومستويات وسياقات التغيير بقيادة الشباب السوري الذي كان لأيام قريبة،يوصف بأنه سطحي بسيط وغير مهتم بقضايا التغيير والشأن العام،لكنه أثبت للجميع بأنه قادراً في لحظات الحسم،على الدفع بعجلة التغيير السياسي،وتحمل مسؤولياته الوطنية،حتى لو كانت القوى السياسية مترهلة وفاقدة لدورها السياسي والاجتماعي،وقد يكون هذا من أحد الأسباب التي ساهمت في بروز دور الشباب،هذا بالتأكيد إضافة إلى ما يعانيه من مشاكل سياسية واقتصادية.. .

بداية يجب علينا التوضيح بأن شكل تعامل الأجهزة الأمنية والقيادة السياسية العليا في الدولة،مع المواطن السوري يشكل المدخل الأولي الذي من خلاله يمكننا أن نستوضح شكل التغيير،أو ما ستؤول إليه الأوضاع. ويتقاطع مع هذا المستوى،الأساليب التي تتبعها بعض الأطراف المؤيدة التي تدافع عن السلطة السياسية، بطريقة وأسلوب يزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي،وبالتأكيد يشكّل(الشبيحة وأشباهها)طرفاً مهماً في هذه المعادلة،ويجب التأكيد بأنه من الممكن وجود بعض الأطراف الخارجية عربية كانت أو غير عربية لها مصلحة في تقويض الاستقرار والأمن الاجتماعي والسلم الأهلي الذي تقع مسؤولية الدفاع عنه على كافة فئات وشرائح الشعب السوري.لكن لرؤية اللوحة بشكل كامل وواضح يجب استعراض الطرف الآخر من المعادلة والذي تمثلّه القوى السياسية التي يتموضع بعضاً منها في (الجبهة الوطنية التقدمية) ودور هذه القوى لا يتعدى متابعة ما يجري في الشارع السوري،وتقوم بالدعم المباشر وغير المباشر للسياسات الحكومية في كافة المراحل السياسية بحكم تحالفها الجبهوي،لهذا فإن التغييرات التي يمكن أن تطرأ على مواقفها السياسية لو حدثت،لن تتوضح إلا متأخراً، وهذا مرتبط بسياق التحولات السياسية على الأرض.لكن ممارساتها السياسية الراهنة تجعلها بالنسبة للمواطن السوري التواق للتغيير خارج كافة الحسابات السياسية،فهي بنظره تقف الآن ضد مصالح الشعب السوري بحكم موقفها السياسي المحكوم بالمواقف العامة للجبهة.

أما فيما يتعلق بالقوى السياسية خارج نطاق(الجبهة الوطنية التقدمية)فإن دورها حتى اللحظة هامشي،هذا إضافة لكونها غير قادرة على أن تقود حركة الشارع الشعبي،لكن في حال تمكنها من استنهاض قواها الذاتية ومعالجة وتجاوز تناقضاتها الخاصة سريعاً في سياق العمل على تعزيز تحالفات مرحلية،فإنه من المكن أن يكون لها دوراً هاماً في عملية التغيير،وهذا هو الأمر الذي يجب العمل عليه وتأكيده باستمرار،لأن الزمن والجغرافية واللحظة والحركة ترفض الفراغ،وإذا لم تسارع القوى السياسية،وتحديداً اليسارية منها للقيام بمسؤولياتها،فإن الشارع السياسي الشعبي الذي يتملك ناصيته الشباب الثائر،سيوّلد من رحم حركته السياسية البدائل التي تتناسب مع حركته الميدانية،وستكون بالتأكيد المعبّر عن أهدافه في التغيير السياسي،ونستطيع أن نجزم بأن الشعب السوري ليس متخوفاً من دور القوى الإسلامية وتحديداً الإخوانية،لأنه مدركاً ومتيقظاً لمصالحه،ويستطيع تحديد من هي القوى السياسية القادرة على تأطير حركته وتمثيله.وضمانة ذلك،بلوغ وعي الشعب السوري مرحلة الشباب والنضج الذي يتجلى من خلال تأكيده على بناء الدولة المدنية الديمقراطية،لذا فإن وعيه الوطني الديمقراطي السلمي يجعله قادراً على الدفاع عن وحدته الوطنية وعن حقوقه في المواطنة وعن وطنه بذات الوقت.

بالعودة إلى شكل وأسلوب التعامل مع التحركات الشعبية،فإنه سيحدد سياق التحولات وأشكال التغيير.لذا يجب التأكيد بأن الأسلوب الأمني وتزايد دور الشبيحة وأشباههم،سيُدخل البلاد في دوامة العنف،أي سيكون على الشعب السوري المنادي بالحرية سلمياً،تقديم المزيد من الضحايا على مذبح الحرية،وهذا ما تحاول بعض الأطراف أن تدفع إليه باستخدامها الشكل الأمني بكونه بالنسبة لهم الطريقة الوحيدة التي تعيد المواطن السوري الذي بدأ يتحسس نسائم التغيير والحرية إلى عهد الخوف،(لكن هيهات أن يعود الزمن للوراء).إن إتباع هذا الأسلوب من قبل بعض الجهات المسؤولة،واعتباره الشكل الوحيد،ليس فقط سيقود البلاد إلى دوامة العنف المفتوحة والمجهولة النتائج،بل سيقود إلى تحلل كيانية الدولة،وهذا التحول شاهدناه في العراق ونلاحظه الآن في ليبيا،وهذا السبيل والشكل لن يصبّ في مصلحة أحد من الشعب السوري،لكنه بالتأكيد يفتح الطريق أمام تدخل بعض الجهات الخارجية،أو المدعومة من الخارج،والتي ترى في هذا التحول سبيلاً لتدخلها المباشر في الشأن السوري،وسيترك سوريا ساحة مفتوحة للصراعات بكافة أشكالها ومستوياتها،والضامن الوحيد لعدم الدخول في هذا السياق هو إدراك القيادة السياسية لدورها في ترسيخ الوحدة الوطنية،وسد الفجوة بين المواطن والدولة،والتحرك السريع لإيجاد الحول المناسبة والمدخل لهذه الحلول هو البوابة السياسية،التي كانت وستبقى السبيل الوحيد لإخراج المجتمع السوري من عنق الزجاجة،ومن أزمته العامة.

إن الحل السياسي يشكّل المدخل الوحيد لتجاوز الأزمة الراهنة، وهذا يستوجب وضع تصور واضح لآليات سياسية تساهم في إخراج سوريا من الأزمة العامة والبنيوية الراهنة.ويمكننا القول بداية بأن شكل الدولة الأمنية القائمة،يستوجب بداهة العمل على تحويل شكلها وبنيتها الداخلية إلى دولة مدنية عمادها الأساس القانون والدستور،وهذا التحول يستوجب إجراء دراسة جدية للدستور وإعادة صياغته من جديد لكن الحاجة الأولى وقبل كل شيء هي: إلغاء المادة الثامنة التي تنص على أن حزب البعث العربي الاشتراكي قائداً للدولة والمجتمع، وتعديل بعض مواد قانون العقوبات التي ترتبط بقانون الطوارئ، إضافة إلى إلغاء المادة التي تمنع محاسبة رجال الأمن على انتهاكاتهم للدستور وحقوق المواطن أثناء تأديتهم لمهامهم، ليُصار إلى وضع الأجهزة الأمنية في موضعها الطبيعي تحت القانون،إن إلغاء المادة الثامنة يشكّل مدخلاً لصياغة خارطة سياسية جديدة أساسها المشاركة من قبل كافة الطيف السياسي، وهذا يقود بداهة إلى التأكيد على حلّ(الجبهة الوطنية التقدمية) و تشكيل إطار سياسي جديد وفق معايير جديدة تضمن المشاركة الحقيقية من قبل كافة التشكيلات السياسية،وبالتأكيد سيكون هذا بعد إطلاق الحريات السياسية.ويتقاطع مع هذا التعديل إطلاق حرية العمل النقابي في سياق تحويلها من نقابات سياسية إلى نقابات مطلبيه مستقلة،لأنه ليس من المعقول إطلاق حرية رأس المال والمستثمرين وتحرير الأسواق مقابل تكبيل العمال في نقابات ملحقة بجهاز الدولة،ولا تستطيع الدفاع عن مصالح أعضائها.لذا فمن المؤكد بأن جملة من المواد في الدستور السوري بحاجة للتعديل أو التغيير، مما يعني طرح الدستور للدراسة من قبل لجان قضائية وطنية مستقلة ومشهود لها بالنزاهة والكفاءة.وهذا يستدعي التأكيد على ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، أي التخلي عن الدور المهيمن للسلطة التنفيذية.

بالعودة إلى شكل التغيير السياسي وآلياته،نرى من الضروري التأكيد على أن سياق التغيير يجب أن يتحدد بشكل واضح،لأن المدخل إليه لا يحتاج إلى لجان ودراسات،بقدر ما هو بحاجة لقرار حازم وجريء.معنى هذا أن المدخل للتغيير الحقيقي والذي يشكل الضامن من انزلاق الشعب السوري لحالات تساهم في تفككه وتحلله، يتحدد بالقيام بخطوات إنقاذية تتمثل في:إلغاء العمل بقانون الطوارئ،وهذه الخطوة تعيد الاعتبار للدستور السوري،ولدور الأجهزة القضائية المدنية،وتلغي المحاكم الاستثنائية(محكمة أمن الدولة العليا..)(لكن من المرجح أن يتم إصدار قانون إرهاب لا يختلف عن قانون الطوارئ،وهنا الطامة الكبرى).إطلاق جميع السجناء السياسيين،وعدم إحالتهم للمحاكم،إغلاق ملف السجناء السياسيين،إطلاق حرية التعبير والحريات السياسية والعامة،والسماح بحرية التظاهر السلمي،وهذا لا يتناقض مع الدستور السوري.فتح باب العودة لكافة المنفيين وتحديداً السياسيين والمثقفين،التوقف عن الاعتقال السياسي وعدم ملاحقة أصحاب الرأي والمثقفين.حل قضية الأكراد على أسس وقواعد وطنية وديمقراطية

إن ما أوردناه يشكّل مدخلاً وإطاراً عاماً للتغيير،وهذا بدوره يحتاج إلى آليات وأشكال عمل تفترض مشاركة كافة الأطراف.إن المدخل لحل القضايا العالقة هو تشكيل لجان وطنية متخصصة،أي يجب أن يكون تحديد المخارج وآليات العمل قائماً على المشاركة،ولا تحتكره القيادة القطرية أو أية جهة أخرى، لأنه بهذه الحالة سيكون شكل المشاريع السياسية يتناسب مع الجهة التي تصوغه.

إذاً بداية يجب تشكيل لجنة حوار وطني(وهذا لا يحتمل التأجيل)وظيفتها،دراسة قانون الأحزاب وإخراجه بما يتناسب مع الواقع السياسي الجديد ، ويجب أن يكون عنوانه العريض: إطلاق الحريات السياسية. ثانياً يقع على عاتق هذه اللجنة مسؤولية دراسة قانون مطبوعات جديد وقانون إعلام ينص على إطلاق حرية التعبير والرأي لكافة المواطنين السوريين،وكافة التشكيلات السياسية والمدنية على قاعدة المساواة.وبالتزامن مع عمل هذه اللجنة يجب أن تشكّل لجنان وطنية مستقلة تضم قضاة مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة للدراسة الدستور السوري وإجراء التعديلات اللازمة على بعض المواد ومنها:(المادة الثامنة وقانون الانتخاب الرئاسية والنيابية والوزارية بما يضمن حق المشاركة في والترشح والانتخاب لكافة المواطنين،وتحديد المدة الزمنية للولاية الرئاسية، وعددها على ألا تتجاوز دورتين متتاليتين….)

وباختصار فإن المخرج من مأزق الدخول في تحلل كيانية الدولة نتيجة لاستعمال الأسلوب الأمني، يتحدد في الإقرار بضرورة التحول الوطني الديمقراطي السلمي،وهذا يشكل المدخل الوحيد،الذي من خلاله وعلى أساسه يتم المحافظة على الوحدة الوطنية،وفي سياقه يتم التغيير السياسي الذي يتقاطع مع مطالب الجماهير.ولا نجافي الحقيقة عندما نقول وبعيداً عن التفكير بمنطق المؤامرات الخارجية، بأن التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا يسعى لفرض سيطرته على المنطقة العربية،ويعمل على إعادة تقسيم مناطق النفوذ من جديد،ونظراً لما تشكله المنطقة العربية من أهمية جيو سياسية واقتصادية فإنها تقع في عين المشروع الرأسمالي الجديد،وهذا يعبّر بالتأكيد عن المصالح الإمبريالية والصهيونية في المنطقة.ومن هنا نرى بأن المهمة التي تقع على عاتق المفكرين والسياسيين والشعب المنادي بالتغيير،كبيرة وكبيرة جداً،لأنها لا تقف عند حدود مواجهة الاستبداد الداخلي الذي فرّغ المجتمع من قواه الأساسية،وعمل على تحليل بناه الاجتماعية،واشتغل لعقود على تكريس مفهوم تقديس القائد ..،إضافة إلى تفكيك عرى المجتمع وخلاياه الأولية والأساسية وإلحاقها بأجهزته لتكون مجرد أبواق للسلطة،أي أنه ساهم في تكريس ثقافة ووعي مشوه ومضلل،ويتقاطع مع هذا توضيب وتنميط فئات اجتماعية مختلفة ومتباينة،وتوظيفها وفق درجات مدروسة ومحددة للدفاع عن أمن النظام وقت الحاجة،وهذا يرتبط مع دور الأجهزة الأمنية التي ينحصر دورها في الدفاع عن أمن النظام.لكن مهمة السياسي والمثقف وكافة المهتمين بالشأن العام تستوجب عدم إغفال المخططات الغربية والرأسمالية في المنطقة نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية،وهذا يعني بأن أحد أشكال تجاوز هذه الأزمة يتحدد في إعادة توضيب وتقسيم وإخضاع المنطقة،وبالتأكيد تتقاطع الأزمة الاقتصادية للنظم العربية الراهنة مع الأزمة البنيوية للنظام الرأسمالي العالمي..

وبالنظر إلى المستوى الثقافي والسياسي،فإن زمن الثورات يختلف بشكل كبير عن باقي المراحل التاريخية للشعوب، ففي زمن التحركات الثورية يتكثف الزمن وتتسارع وتتعمق وتيرة التحولات الاجتماعية على كافة المستويات لدرجة إن ما يتم إنجازه في لحظة الثورة،يحتاج لعقود في مراحل أخرى،وهذا ما شاهدناه ولمسناه في كافة الثورات العربية الراهنة،وهذا يقتضي من المثقفين والمفكرين إعمال الفكر ليتزامن إنتاجهم المعرفي مع وتيرة المتغيرات المتسارعة على الأرض،ولكي يكون تعبيراً دقيقاً وحقيقياً عن التغيرات الثورية التي ستساهم في إنتاج أشكال وأنماط ثقافية مختلفة عما هو سائد.وليس هذا فحسب بل يقع على عاتقهم استشراف مستقبل التطورات الاجتماعية من منظور الحراك الثوري ودراسته وقراءته وفق منظور استراتيجي يتحدد بموجبه كافة المهمات المرحلية في سياقها الاستراتيجي.

أما فيما يتعلق بالمستوى الاقتصادي،فإن المدخل السياسي يشكل بوابته الأساسية،ويأتي ملف الفساد المالي والإداري والقضائي…في مقدمة الأوليات التي يجب العمل على حلّها من خلال منظور وطني.إن المستوى الاقتصادي يشكل المستوى الأساسي في سياق العلاقة التبادلية بين المستويين السياسي والاقتصادي،معنى هذا إن التحولات السياسية تؤثر بشكل مباشر على المستوى الاقتصادي وعلى شكل العلاقة بين المستويين في إطار العلاقة الجدلية التي تحكمهما. لكن يحتاج الاشتغال على المستوى الاقتصادي وتغيير آلياته لفترات زمنية أطول، ومن هذا الزاوية نرى ضرورة التركيز على ضبط آليات التفكير الاقتصادي ووضع خطط إستراتيجية ترتقي بالمجتمع وتحقق العدالة والمساواة والرفاهية للجميع،وهذا يتحدد على قاعدة المشاريع التنموية التي يجب أن تنعكس نتائجها الإيجابية على المجتمع أفقياً ورأسياً، ولهذا يجب إعادة التفكير بنمط الاقتصاد وأشكاله الراهنة،وهذا يقتضي استعادة دور الدولة الوطني الديمقراطي في ضبط الاقتصاد والتنمية الوطنية وتحديد العلاقة مع رأس المال الخارجي وحركة الاستثمار والتشغيل والتوظيف وضبط حركة رأس المال ومجال اشتغاله.. بما يتناسب مع المصلحة الوطنية العليا.أي يجب إعادة النظر بالسياسات الاقتصادية الراهنة ونقضها:(تحرير حركة رأس المال و الأسواق والأسعار والسلع وحقوق ملكية المستثمر.التحول إلى أشكال اقتصادية ريعية ومالية وخدمية عقارية سياحية.. فتحت الأبواب أمام استثمارات خارجية لا تساهم في بناء التنمية،والأكثر من ذلك فإن ارتفاع معدلات النمو لم ينعكس إيجابياً على تحسين مستوى المعيشة، بل ساهم في زيادة تمركز الثروة بأيدي فئة قليلة من المستثمرين، وعزز التزاوج بين رأس المال والسلطة السياسية،وكان هذا أحد أسباب السياسات الاقتصادية الجديدة).وأيضاً يجب ضبط شكل التبادل التجاري مع الأسواق الخارجية،وإعادة النظر بسعر المحروقات لما له من تأثير على الصناعة والزراعة،وضع خطط إستراتيجية تمكن القطاع الزراعي من النهوض والتطور،تحديداً لأن سوريا دولة زراعية.وضع خطط إستراتيجية لمكافحة البطالة،والعمل على استيعاب الخريجين الجامعيين لكون الشباب هم أكثر من يعاني من مشكلة البطالة،الاهتمام بالصناعة كونها تشكل العمود الفقري للاقتصاد وللتطور الاجتماعي.العمل على تحسين المستوى المعاشي للمواطن بشكل مستمر وبما يتلائم مع حركة الأسعار والتضخم،والاهتمام بالتنمية البشرية واقتصاد المعرفة لكونهما يشكلان أساس تطور المجتمع..وبداهة يجب أن لا ننسى ضرورة التركيز على تطوير الواقع الخدمي.

إن ما تناولناه في الجانب الاقتصادي لا يتعدى الحدود الأولية،أي أن هذا المستوى بحاجة لدراسة موسعة ومعمقة،لذا يجب أن يتم الاشتغال عليه بشكل أكثر تركيزاً وتعميقاً،لكن سياق النص اقتضي تناوله باختصار. ويبقى علينا أن نركز بأن المرحلة الراهنة تقتضي التركيز على المستوى السياسي الذي من خلاله يمكننا الدخول على كافة المستويات الأخرى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى