صفحات العالم

التغيير في سوريا

 


شفيق الغبرا

ساهم رد النظام السوري على التظاهرات التي بدأت في أواسط مارس الماضي في تعميق وعي الشعب السوري وكشف طبيعة الموقف الحقيقي للسلطة إزاء حقوق هذا الشعب ومستقبله. لهذا يدخل السوريون الآن، بعد أن كسروا حاجز الخوف، في مرحلة جديدة. ولا يوجد شيء يستطيع النظام عمله لمنع التغيير سوى تسهيله وتبنيه سلمياً، فقد تغيرت صورة النظام في وعي وعقول السوريين قبل أي شيء آخر. إن التغيير في سوريا نحو الديمقراطية والدولة المدنية مسألة وقت، وقد أصبح أمراً حتمياً. وإصرار النظام على استخدام القوة وزج الجيش الوطني في معركة ضد الشارع، يعكس مدى الاستماتة في صفوف النظام. لهذا أبقى السجناء في سجونه أو ضاعف أعدادهم، فالمتظاهرون يكتشفون كل يوم أن الشعب السوري يمزّق السجن الأكبر وهو السجن المعنوي والنفسي. وهذا يعني أن المحتجين لن يتراجعوا، وأن البقاء في الشارع وتعميق الاحتجاجات هو منبع الطاقة الشمولية الصادقة التي تحرك الناس وتوجه بوصلتهم. إن شعارات السوريين تتجذر كل يوم، كما أن مؤتمر المعارضة السورية في تركيا يمثل نقطة تحول باتجاه التفاعل مع الشعب وتبنّي مطالبه. السوريون سائرون الآن باتجاه التغيير السلمي، وهدفهم إقامة دولة ديمقراطية.

إن سوريا في هذه اللحظة أقرب إلى دول أوروبا الشرقية عام 1989، فما يقع فيها فيه الكثير من نسيم الثورات الديمقراطية في مجتمعات أخرى. فشعارات مثل: «سورية وبس»، «الشعب السوري ما بينذل»… تعكس وعياً جديداً لدى الشعب السوري. سوريا اليوم ليست سوريا 1982، وسوريا اليوم ليست المجر عام 1957، بل إن الشعب السوري وصل إلى ذات الخلاصات والنتائج والوعي الديمقراطي الإنساني الذي وصلت إليه شعوب عربية وغير عربية.

ويدفع الشعب السوري ثمناً كبيراً لتحرره، فصور البراءة والطفولة لسوريين وقعوا ضحايا تعذيب الأجهزة لن تمحى من الأذهان لسنوات طوال. ممارسات الأجهزة في سوريا تكشف عن نظرة النظام إلى الشعب. إن القتل والاعتقال والتعذيب ممارسات ستؤدي بدمشق وحماة في لحظة خاصة إلى الاحتجاج الشامل. هذا هو المناخ الذي يتطور في سوريا، فكل حالة قتل تضم إلى الحركة الاحتجاجية مزيداً من المؤيدين والمناصرين.

لقد مهدت للاحتجاجات السورية وعود الإصلاح التي قدمها وأوحى بها بشار الأسد في بداية حكمه، لكن الوعود التي لا تتحقق تتحول هي الأخرى إلى نقمة وخيبة أمل.

واليوم يبدو أن الحرب بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية تستنزف النظام كما تدمر اقتصاده في الوقت نفسه. كما يتطور الوضع الدولي بصورة ملموسة لمصلحة المتظاهرين.

لذلك يبقى إيقاف القتل ضد المتظاهرين بمثابة الخيار الأفضل والأكثر حكمة من جانب النظام. فلو وقع عشرة في المائة مما يقع في سوريا في دولة ديمقراطية لتنازل الرئيس ولسقطت الحكومة وتم التحضير لانتخابات جديدة، أما في سوريا فقد قتل حتى الآن أكثر من ألف متظاهر، وهناك آلاف المعتقلين، بينما الرئيس والمسؤولون الآخرون يتمسكون بمواقعهم حتى النهاية.

 

لكن الحكمة تقتضي من قادة سوريا اليوم البحث عن مخارج تحمي الشعب وتؤمن الحماية للرئيس وأعوانه بأقل ثمن ممكن. هذا الاتفاق على التغيير ممكن الآن، لكنه لن يكون ممكناً بعد أسابيع، فكلما ازدادت خسائر المجتمع السوري أصبح التسامح أقل قابلية للتحقق.

كاتب كويتي

ينشر بترتيب مع مشروع “منبر الحرية”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى