صفحات سورية

التفاحة التي سقطت على رأس الرئيس السوري ..!!

 


خولة غازي

سقطت المظاهرات والإحتجاجات على رأس الرئيس السوري ، كما سقطت التفاحة على رأس نيوتن ، ليكتشف أن للتغيير جاذبية حتمية ، لا يمكن أن تصدها مدرعات الصمود والتصدي ولا شعارات الممانعة ، ولامحاولات تقليب المزاج العام الساكت عن حقه بفعل قبضة أمنية سلبت حق الإختيار وجعلت لكلمة (لا) طعماً اسطورياُ.

لا ينفع بعد اليوم الكلام عن مؤامرة خارجية وإن كان من المقبول وضعها ضمن خانة المستفيدين من زوال النظام السوري ، فالإحتقان الشعبي يعود إلى هدر كرامة الناس و ارتفاع معدل البطالة والفقر والفساد وتدني مستوى التعليم، والأهم هو الإحساس بضعف التمثيل بين الناس والسلطة التي أصبح بينها وبين الشعب واد يملئه الفساد والمفسدين .

شعب لم يأخذ حقه إلا من الشعارات والوعود ، لن يرد حين الأزمات إلا بالهتاف العالي بينما صوت الضمير يهتف كفى ظلماً .

من لم يعط شعبه حقه ، ولم يرفعه كما رفعوه ، عليه ألا يستغرب ، وان لا يدهش لكثافة المحتجين .

فالسوري الذي ظل منذ ولادته يردد : بالروح بالدم نفديك يا ( فلان )، لن يتردد إن سنحت له الفرصة في قول : الشعب يريد إسقاط النظام ، ليس لإن لها وقع السحر على الشعوب العربية ، بل لإنها أعادت هوية وتشكيل روح الفرد ، وقدرته على تحويل ما كان ثابتاَ ، الى متحول قابل للصرف والإنصراف .

وكما جميع الإحتجاجات التي تبدأ من مكان وزمان وحدث غير متوقع ، بدأت في سوريا في مدينة درعا وبيد النظام لا بفعل مؤامرة خارجية فقد أقدم عاطف نجيب أحد أقوى الأزرع الأمنية ،على جريمة لن يغفرها التاريخ ، حين قام بإعتقال مجموعة من الأطفال إثر كتابتهم على الجدران : الشعب يريد إسقاط النظام .

والسؤال :هل كان يتوقع صاحب الفكر الأمني المتوقد أن يسكت الأهالي عن اعتقال أطفالهم، في لحظة تاريخية تعاد فيها تشكيل هوية المجتمعات العربية، إن جبروت من استباح نكران الأخر وتغييبه، غاب عنه أن الزمان تحول، والظروف تغيرت، ومارد الغضب الذي ظل حبيس الأنفاس ، سوف يخرج .

لقد أفرزت العقلية الأمنية أخطاء في معالجة إحتجاج الأهالي ، فأريقت دماء خلقت دورة حياة بين عموم الناس، فشعب كان يثور لرؤية شهداء غزة والعراق وينزل بالملايين إلى الشارع ، لن يردعه الخوف من السير بإتجاه نداء دم أخيه، وفي كل مرة كان تصرف العقلية الأمنية أحمقاً فتراق الدماء، مما يعيد من جديد تشكيل حركة غضب مستندة بالأساس إلى مطالب بينيوية تجعل أي مواطن في أية بقعة بالعالم يثور .

إن نظام ينخره الفساد حكم السوريين لعقود لن يحصد سوى اتساع الاحتجاجات، فبعد عقود من تحكم الفساد وحصاد نتائجه التي أدت إلى عدم إحساس الناس بالمواطنة ، وضعف تأثير مؤسساته عليهم ، وانعدام الثقة به، وبما يعد به، وبما يقوله في وسائل إعلامه، ، لن يلجأ له المواطن حين الشدة ولن يصدقه!! .

إن حركة المحتجين أفرزت قيماً جديدة في المجتمع السوري ، وجعلت للشارع كلمته ، التي فرضها بتحدي خوفه وبدمائه.

هشاشة النظام وضعف تأثيره أفرز أيضاً طبقة مثقفة ومعارضة ( تقليدية ) تشبهه في طريقة التعاطي والإستعلاء على الأخر ، مما ترك الشارع أعزلاً في مواجهة جبروت النظام ، وجعله بالمقابل ينطق بمطالبات ( النخبة ) ويحمل شعارتها : إلغاء قانون الطوارئ ، اطلاق الحريات، وسراح المعتقلين، الحرية للإعلام ، إضافة إلى مطالبهم الحياتية اليومية، كان حقيقياً بمطالبه ، ولكنه أراد أن يكون أعم واشمل ويحمل عبء تقاعس النخبة.

واللافت في الإحتجاجات السورية هو بروز رجال الدين الذين استعان بهم النظام لتهدئة الرأي العام ، بعدما أيقن أن سنوات حكم البعث الطويلة ، لم تفرز إلا مجتمعاً يميل إلى الأسلمة أكثر منه إلى العلمانية، وهذا ناتج طبيعي في ظل تقلص الطبقة الطبقة الوسطى كناتج للفساد أولا وسوء التخطيط وإنكفاء المبادرات الفردية وروح الفريق الواحد . وإهمال كافة شؤون الناس مقابل الاهتمام باستباب “أمن” النظام .

بالمقابل عزز النظام السوري من قبضته الأمنية بشكل سافر في مواجهة مجتمع خمد طويلا أمام بعبع التخوين والعمالة وشعارات الصمود والمقاومة وما يتطلبه ذلك “كذريعة” من استباب و حماية أمن الوطن.

ومن اللافت أيضا عودة الجامع إلى الحياة السورية، الجامع الذي كان الحاضن الرئيسي لتلاقي مجموعات كبيرة، لديها متحد مهما كان صغيرا أو ضئيلاً، لذا كان يعمد النظام السوري إلى تلقين مريديه عبر مجموعة من الدعاة المرتبطين إرتباطاً وثيقاً بالاجهزة الأمنية ، وهذا كله لم يمنع من إحياء وتشكيل شكل جديد للجامع ويوم الجمعة في سوريا .

إن الحامل الأساسي لهذه التحركات هو عامة الشعب، محركهم أسباب عدة ، كان أحدها خطاب الرئيس السوري الأخير الذي سقط عليهم كما سقطت التفاحة على رأس نيوتن  فاستفاقوا من وهم عقود الوعود، ولم يعد أمامهم إلا خيار واحد هو إسقاط النظام، وأنهم أمام  اللحظة التاريخية بعدما ضاقوا ذرعاً بالفساد وباليد التي تكمم أفواهمهم .

لم يعد أمام النظام السوري خيار أخر إلا الرحيل، لم يعد الترقيع مجدياً، عليه أن يعترف أنه أمام مأزق صنعه هو لا الأشباح ، إن طال أم قصر الوقت، وعلى المجتمع السوري أن يعيد ترتيب نفسه ، وأن تفرز المرحلة الجديدة أسماء من قلب الحدث، لا متعيشة عليه، وأن يبرز شكل المجتمع السوري النهائي : المعتدل القابل للتعدد دون خوف ولا ترهيب ، وأن يأخذ السوري دوره في بناء مجتمعه ، بعد أن تعامل معه بحيادية لعقود .

فهل كثير على الشعب السوري أن ينعم بالحرية.. لا ليس كثيراً، وايام الاستبداد لا بد أنها زائلة.. فهل يشعر الآن النظام السوري بجاذبية حركة الشارع بعد أن اعتقد مخطئاً أنه هو مركز الجاذبية ، من الواضح أنه لم يشعر بها حتى الآن، فمزيد من الأخطاء والحماقات سوف يرتكبها ، ومهما كانت النتائج فإن الشعب السوري قد شعر بجاذبيته وهذا هو الأهم.

موقع جدار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى