صفحات الناس

التفاح السوري: ضحية الحرب.. والمنافسة الإيرانية/ مروان أبو خالد

 

 

يشهد شهر آب الجاري بدء تسويق بعض أصناف التفاح المحلي، والذي يستمر خلال شهري أيلول وتشرين أول المقبلين. وتعتبر شجرة التفاح من أهم الأشجار المثمرة في سوريا، إذ احتلت، قبل الحرب، المركز الخامس على صعيد المساحة المزروعة، بنحو 15 مليون شجرة تفاح مثمرة. وصنفت سوريا في المرتبة الـ33 عالميا والثالثة عربيا في إنتاج التفاح بحسب منظمة “الفاو”.

هذه الميزات النسبية في إنتاج التفاح خسرتها سوريا تماماً خلال سنوات الحرب، ولم تجد حكومة الحرب إلا نشر الأكاذيب لتغطية واقع الخسارة هذا. فبحسب ما روجته جريدة “الوطن” الموالية للنظام نقلاً عن إياد محمد عضو اتحاد المصدرين، فإن إنتاج سوريا من التفاح للموسم الجاري سيتجاوز الحد الطبيعي، إذ أن الإنتاج سيتضاعف فالشجرة الواحدة التي كان وسطي إنتاجها يراوح بين 40 و50 كيلوغراماً، خلال الموسم الحالي سيصل وسطي إنتاجها إلى 100 كيلوغرام.

لا يُستغرب هذا الكلام، فلطالما مارست الحكومة السورية ما يمكن تسميته بفنتازيا اقتصادية مفصولة عن الواقع. فالقول بتضاعف إنتاج سوريا من التفاح يعني أن الإنتاج للموسم الحالي سيبلغ قرابة 700 ألف طن بالنظر لإنتاج العام الماضي المقدر بـ350 ألف طن. هذا الكلام الدعائي يستند نظرياً إلى اعتبار تطور عمر الأشجار التي امتلكتها سوريا قبل الحرب، ولكن في الواقع الأمر يختلف كثيراً، بعد أن دمرت الحرب التي أشعلها النظام مختلف فروع الزراعة، وجعلت من مناطق كثيرة كانت متخصصة بزراعة التفاح مسرحاً للعمليات العسكرية. فأبرز مناطق زراعة التفاح في سوريا هي ريف دمشق الذي ينتج ما بين 20 و32 في المئة من الإنتاج الكلي للبلاد، إضافة إلى ريف اللاذقية وريف حمص. وهذه مناطق يعرف الجميع أنها مشتعلة بالحرب، وأن معظم بساتينها قد تلفت بفعل القصف بمختلف أنواع الأسلحة، وبالتالي فإن إنتاج هذه المناطق خارج الحسابات حتماً.

صعوبات

أما المزارعون في المناطق المسماة آمنة كطرطوس والسويداء، فيعانون من صعوبات إنتاجية جمة لعل أبرزها في توفير تكاليف الرش التي ارتفعت بما لا يقل عن 300 في المئة، إضافة للمشاكل المتعلقة بتخزين الإنتاج في البرادات، إذ دفع انقطاع الكهرباء لساعات طويلة أصحاب البرادات لرفع أسعارهم، وهذا ما يرهق الفلاحين الذين يفضل معظمهم ترك تفاحهم يموت على الأغصان لأن ثمن بيعه للتجار لا يكاد يكفي تكاليف الإنتاج والتخزين. وهذا ما دفع بأعداد كبيرة من المزارعين لاقتلاع أشجار التفاح واستبدالها بأشجار وزراعات أخرى كما حدث في طرطوس خلال الموسم الحالي.

وليس حال مزارعي التفاح في الجولان السوري المحتل بأفضل حالاً، فتسويق إنتاجهم في الداخل السوري كان بمثابة تعبيرهم عن الالتزام بوطنهم الأم، وهذا الأمر بات أمراً مستحيلاً بفعل الحرب ونتائجها، علماً أن الإنتاج السنوي للجولان يتراوح ما بين 50 و60 ألف طن، وقد سوق في الداخل السوري عام 2011 نحو 12 ألف طن من التفاح الجولاني.

نفاق الحكومة وتدجيلها على السوريين يتضح في سماحها خلال الشهرين الماضيين باستيراد التفاح الإيراني. فما المبرر لاستيراد التفاح إن كان الإنتاج السوري تضاعف حقاً خلال الموسم الجاري، وإن كان متوسط صادرات التفاح خلال الثلاث سنوات الماضية بلغ نحو 38% من الإنتاج، وما تبقى من الإنتاج هو بمتناول السوق المحلي؟ مفارقة عجيبة تفضح دعاية الحكومة تماماً، فالإنتاج المحلي من التفاح في تراجع مستمر، ومطالب ما تبقى من مزارعي التفاح هو آخر ما يمكن أن تصغي له حكومة الحرب التي بدلاً من دعم المزارعين وتوفير التفاح بأسعار مقبولة للمواطنين بعد ارتفاع سعره لأكثر من 225 ليرة للكيلوغرام الواحد (قرابة 1.3 دولار)، تقوم بالسماح لإيران التي تحتل المركز 8 عالمياً في إنتاج التفاح، بتصريف جزء من فائض إنتاجها على حساب المنتج المحلي، لتطلق بذلك رصاصة الرحمة على ما تبقى من زراعة التفاح.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى