صفحات العالم

التفاهم الضمني بين الإخوان المسلمين وأميركا هل يؤجج الأوضاع في سوريا أم يهدئها؟

 


سامي كليب

اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في 23 شباط الماضي بأن بلادها لا تعارض وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر. ويحكى الكثير منذ اندلاع أولى الثورات العربية الحديثة في تونس عن تيار رسمي أميركي ينحو صوب عقد صفقة حقيقية مع حركات الإخوان المسلمين في العالم العربي لإدارة المرحلة المقبلة بالتعاون مع الجيش، فهل ذلك ممكن؟ وماذا عن سوريا؟

حين حددت كلينتون شروط وصول أي حزب للسلطة في مصر اكتفت في حديثها لموقع «مصراوي» الالكتروني بالقول إن «أي حزب يلتزم بنبذ العنف والديموقراطية وحقوق كل المصريين، يجب أن تكون لديه الفرصة للمنافسة على أصوات المصريين»، وكانت بذلك ترد على سؤال حول احتمال وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة.

وسبقها إلى ذلك بيان من «الإخوان» يؤكد عدم الرغبة في ترشيح أي مسؤول إخواني لرئاسة مصر، أو في الحصول على الأغلبية البرلمانية. وأريد لذلك البيان الاخواني التخفيف من القلق الدولي لمرحلة ما بعد الرئيس حسني مبارك، حيث كانت الآلة الدعائية تقول إن سقوط الأنظمة الحليفة لواشنطن سيفتح الطريق أمام وصول الإسلاميين إلى الحكم.

وقد تكون مصلحة أميركا كبيرة في التفاهم، أو في عقد صفقة مع الإخوان المسلمين، فهي من جهة تضمن بذلك علاقة فعلية مع شعوب المنطقة، خصوصا أن قسما كبيرا من هذه الشعوب تدور في فلك الإسلاميين المعتدلين، وتعزز من جهة ثانية التيار المناهض للتدخل الإيراني في عدد من الدول، وتضعف ما تصفه بالخطر الشيعي.

وفي هذا السياق، تبدو خريطة المنطقة لافتة، فأمور «الإخوان» تسير على نحو جيد، لا بل ممتاز، في مصر منذ سقوط مبارك، فهم شاركوا بقوة في صياغة الدستور ولعلهم من أكثر المستفيدين من التعديلات، ويقول خصومهم انه لو جرت الانتخابات غدا فقد يكتسحونها لو شاؤوا ذلك، وهم انتقلوا من مرحلة الجماعة المحظورة إلى حزب علني، وثمة تنسيق حثيث بينهم وبين المؤسسة العسكرية منذ الأيام الأخيرة للثورة المصرية التي أطاحت مبارك وعائلته والمقربين منه.

وأمور الإخوان المسلمين ممتازة في تونس منذ عودة زعيم النهضة الشيخ راشد الغنوشي، و«الإخوان» في ليبيا يوسعون قاعدة مشاركتهم في الثورة ضد الرئيس معمر القذافي، وممثلوهم حاضرون على معظم الشاشات العربية بحيث يتم تقديمهم على أنهم المحركون الفعليون للشارع، وفي الأردن تتحرك جماعة «الإخوان» بقوة وتحرك الشارع، لا بل تصدر بيانات تتعلق بالواقع السوري وتحث الرئيس بشار الأسد على تلبية مطالب شعبه.

ولو ذهبنا إلى اليمن، فسنجد أن تيار الإخوان المسلمين بأجنحته المختلفة، أي المعتدل عبر الشيخ حميد الأحمر (أبرز واخطر شيوخ قبيلة حاشد التي ينتمي اليها الرئيس علي عبد الله صالح) والمتشدد عبر الشيخ الداعية عبد المجيد الزنداني، والعسكري من خلال اللواء المنشق علي محسن الاحمر، إضافة إلى حزب الاصلاح، قد ضيّق الطوق كثيرا على رقبة الرئيس، ولم تجد أميركا بداً من التخلي عن دعمها لصالح والقول انه بات عليه التنحي، وهو موقف يخالف بشدة المواقف التي صدرت سابقا، وخصوصا عن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، ذلك ان اليمن كان لعب دورا أمنيا كبيرا في السنوات الماضية الى جانب واشنطن في ضرب تنظيم القاعدة. ولو تمت آخر بنود الصفقة بين التيار الإسلامي اليمني وواشنطن فإن الرئيس سيسقط خلال أيام قليلة.

ونصل إلى سوريا، لنجد ان جماعة الاخوان المسلمين بدأت تتحرك على نحو لافت من خلال البيانات والتصريحات والمشاركة في التظاهرات وتحريك مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وغيرها) بغية الضغط على النظام السوري.

ويتخلل الملف السوري أمران بالغا الأهمية، أولهما الخلاف العلني بين دمشق (وخصوصا المفتي الشيخ أحمد بدر الدين حسّون) والشيخ الداعية يوسف القرضاوي (الذي ينظر اليه على انه احد ابرز المرشدين الروحيين والسياسيين لتيار الاخوان في العالم العربي) ما اضطر المستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان للرد على القرضاوي بعد ما يشبه الفتوى التي أصدرها دعما لمناهضي الاسد، وثانيهما المؤتمر الصحافي الذي عقده المراقب العام للاخوان المسلمين السوريين رياض الشقفة في اسطنبول، حيث اكد ان جماعته هي التي تدير التظاهرات في سوريا.

واذا كانت تركيا قد سعت عبر بيان وزارة خارجيتها او تصريحاتها لابعاد مسؤوليتها عما ادلى به الشقفة من أراضيها، إلا أن مجمل الموقف التركي بالنسبة لسوريا وايران يثير منذ فترة اكثر من سؤال، فالبعض يفسره على انه سعي تركي للمساهمة الفعلية بتهدئة الوضع الداخلي في سوريا، بناء على تفاهمات دقيقة بين الجانبين، والبعض الآخر يرى فيه استراتيجية تركية أوسع وأشمل يراد لها ان تضع أنقرة في موقع المشارك بفعالية في ادارة المرحلة المقبلة في المنطقة، نظرا لما لها من علاقات ممتازة مع هذه الدول، ولمرجعيتها السنية المعروفة، وذلك لمواجهة المد الايراني.

بناء على ما تقدم، يصبح السؤال مشروعا حول مستقبل التفاهم بين جماعة الإخوان المسلمين وأميركا في ما يتعلق بمجمل الدول العربية وسوريا، فهل ستقبل واشنطن بسيطرة تيار إسلامي على دول محيطة بإسرائيل، خصوصا ان هذا التيار مناهض في فكره وأدبياته لإسرائيل واميركا؟

الأكيد ان الخارجية الاميركية كانت قد عرفت منذ سنوات ظهور تيار يريد التقرب من «الإخوان» في العالم العربي، وجرت بالفعل لقاءات مع ممثليهم، وسيقت آنذاك مقولة تفيد بأن العالم العربي غارق بين ديكتاتوريات فاسدة وفاقدة للشعبية وبين تيارات أصولية خطيرة، وان الحالة الشعبية الوحيدة والمعتدلة والقابلة للضبط والتفاهم هي حالة «الاخوان»، ولكن الاتصالات انقطعت ثم استؤنفت بعد الثورات العربية.

واذا كانت وثائق «ويكيليكس» قد كشفت عن اتصالات بين بعض قادة الاخوان المسلمين والاميركيين (خصوصا اخوان تونس)، فإن المسؤول السابق في الاستخبارات الاميركية في الشرق الاوسط روبيرت بيير (الذي عمل في لبنان لفترة غير قصيرة)، يؤكد في كتاب له عن «سقوط السي آي أيه» ان الاخوان المسلمين السوريين كانوا قد عرضوا صفقة على واشنطن في خلال عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد تقضي بأن تبلغ واشنطن «الاخوان» عن موعد إقلاع طائرة الاسد لكي يقصفوها بصاروخ خبأوه قرب المطار، مقابل فتح صفحة تعاون واسعة بين الجانبين في حال سقوطه.

فماذا عن الحاضر؟

الواضح أن أميركا تتعاطى مع الدول العربية في اتجاهين: إما تغيير الأنظمة أو تغيير السياسات، فهي أرادت مثلا ان تتم تغيير السياسة في اليمن لا النظام، بحيث يقود صالح نفسه الاصلاحات، وتريد الشيء ذاته للبحرين، ولعل هذا ما تريده حتى الآن بالنسبة لسوريا، حيث تقتصر مطالبها على ضرورة ان يطبق الاسد إصلاحاته.

ومن المنطقي القول إن أميركا تفضل بقاء نظام الاسد على تولي السلطة من قبل تيار إسلامي، وذلك لمنع حدوث تغيير استراتيجي في محيط إسرائيل، ولكنها في الوقت ذاته تجد في حركة الشارع السوري حاليا فرصة للضغط على النظام بغية الحصول منه على تنازلات عديدة، وفي مقدمها ما يتعلق بإيران واسرائيل والعراق.

ولكن ماذا لو تسارعت وتيرة الشارع السوري؟ ماذا لو تبين فعلا ان لحركة الاخوان المسلمين القدرة على تحريك هذا الشارع بوتيرة أكبر في الأسابيع المقبلة؟ كيف ستتعاطى واشنطن مع الأمر؟ وما الذي سيمنع عقد صفقة بين «الاخوان» وواشنطن برعاية تركية ورضى خليجي كبير؟

لعل في الأمر ما يسترعي أكثر من الانتباه، خصوصا اذا ما تأخرت القيادة السورية في تطبيق الإصلاحات المعلنة، وفي مقدمها رفع قانون الطوارئ.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى