صفحات العالم

التفتيت بالحصار والأمن بديلاً من العمل العسكري


ابراهيم الأمين

إليكم سيناريو وكلاء أميركا في ملف سوريا:

العرب، أو من يتحدث باسم مجموعة غير صغيرة من حكوماتهم، يطلبون من بشار الأسد التنازل عن السلطة. ليس من خلال الشارع، بل من خلال حلّ نفسه بنفسه. وبعد كل ما مضى من وقت على المواجهات، المشروعة أو غير المشروعة، بين السلطة في دمشق ومحتجّين، أو متعاونين مع الخارج القريب والبعيد، يريد عرب الولايات المتحدة من بشار الأسد الآتي: اسحب الأمن والجيش من الشارع، أطلق سراح المعتقلين جميعاً، السياسيين والأمنيين، اترك الجمهور ينزل إلى الطرقات للمطالبة بسقوطك، اعمل على إقالة كل فريقك في الدولة ومؤسساتها، وعدّل الدستور الآن، وأبعد حزبك عن كل مواقع الدولة، ثم ابدأ الحوار مع المجلس الوطني السوري الذي قرر العالم أنه الممثل الشرعي والوحيد للمعارضين السوريين، والتزم الحوار في مقر الجامعة العربية؛ لأنه لا ضمانات في أنك ستلتزم ما هو مطلوب منك، واعمل على إقرار برنامج انتخابات نيابية مبكرة وفق شروط يحددها الخبراء المحلّفون في الانتخابات من دول الخليج خصوصاً، وهيّئ نفسك للخروج السريع من الحكم.

أما إذا رفضت ما نأمرك به، وأنت غير مؤهل الآن إلا للاستماع إلى ما نطلبه منك، فستتحمل مسؤولية أفعالك، وهذا يعني أننا سنعاقبك، وسيكون ذلك من خلال خطوات كثيرة: سنعزلك عربياً (ألم تجرب ذلك في عام 2005؟)، وسنسحب من بقي من السفراء العرب في عاصمتك، وسنطرد بعثاتك الدبلوماسية المعتمدة لدينا، وسنعلن رسمياً أن المجلس الوطني هو الممثل الوحيد للشعب السوري. وكما فعلنا مع ليبيا، سنعطي المجلس السفارات ومقار البعثات السورية، ونسلم رضوان زيادة منصب وزارة الخارجية السورية، حتى لو قرر أن مكتبه الآن موجود في غرفة السكرتيرة الخاصة بالمساعد الثالث عشر للمؤهل الخامس عشر في المكتب الخلفي لهيلاري كيلنتون، فهو ـــــ أصلاً ـــــ لن يكون مطلوباً منه إلا إطلاق التصريحات التي تكتب له بحيث يتدرب على النطق بها. وسيحظى برهان غليون بالمراسم والتشريفات الرئاسية فتفتح له أجنحة في الفنادق الكبرى ويعطى المواكب الأمنية وغير ذلك، ويترك له اختيار من يريد في وفود يترأسها لتسلم السفارات السورية في العالم.

بعد ذلك، سنعلن قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع سوريا. ستتوقف رحلاتنا الجوية المدنية من سوريا وإليها. سنكتفي برحلات غير معلنة لمن يرغب في الانضمام إلى جيش الثوار. سنقطع المساعدات، إذا وجدت أصلاً، عن أي مؤسسة لا تعلن اعترافها بالمجلس الوطني. أما لائحة المغضوب عليهم من الضالّين، فستطول إلى أكثر مما يعتقد الآخرون، وستكون هناك شرعية لكل من يتمرد، مدنياً كان أو أمنياً أو عسكرياً، وسيُشرّع كل عمل ضد النظام وأدواته على اختلافها؛ لأنه يقع في باب الدفاع المشروع عن النفس، وستدعم فكرة العصيان المدني. أكثر من ذلك، ستدعم كل حركة تمرد عسكرية في الجيش النظامي، أو حتى لو قرّر معارضون إعلان أنهم تحولوا الآن إلى عسكريين، وأنهم يريدون تأليف قوة عسكرية من الثوار… ألا تستحق تجربة ليبيا الدرس؟ وستعمل القوى العربية والعالمية التي عملت في ليبيا على تفادي الأخطاء التنظيمية واللوجستية التي وقعت في مدن الجماهيرية السابقة قبل تدميرها.

ولكي لا يطول الوقت، ستنظم حملة حصار وعقوبات دولية، وستلجأ الدول من تلقاء نفسها إلى خطوات إذا تعذر الحصول على قرار من مجلس الأمن. الاتحاد الأوروبي ومنظمات المجتمع المدني، ما غيره، سترفع قوائم اتهام أمام كل المحاكم الوطنية أو الدولية أو التي قد تقام خصيصاً من أجل سوريا، وسيُشهّر بكل من يبقى على صلة بالنظام. سيخرج العلماء ورجال الدين والمفكرون، من أتباع مؤسسة فورد الأميركية وأخواتها، ليضعوا الحرم على كل من له صلة بالنظام الحاكم في سوريا. وخلال أسابيع، لن يكون على اتصال بالنظام إلا المارقون، من إيران وحزب الله وحماس وكوريا وكوبا وفنزويلا وبوليفيا، وبعض المتخلفين من مناصري تيار المقاومة الذي صار سخيفاً، بحسب المفكر التقدمي وريث السلالة الجنبلاطية، الذي أرجأ تقاعده ليشرف شخصياً على تحقق الثورة العربية الكبرى في بلاد الشام.

مع ذلك، سيُعكَّر صفو ومزاج من بقي في المنازل ولم يخرج إلى الشوارع ليضحي بنفسه وعائلته كرمى لعيون بسمة قضماني ورياض الشقفة ورفاقه. سيجري ذلك من خلال ما تيسّر من عمليات اغتيال يجري العمل على ترتيب أدواتها وأهدافها أيضاً، وعبر ما لم يُستخدَم حتى الآن من سيارات مفخخة أعدت للعراق، وتقرر نقل عملها ــــ نعم تقرر نقل عملها ــــ إلى سوريا ولبنان. ذلك أن من يقف إلى جانب النظام في لبنان، عليه أن يدفع الثمن أيضاً. ولا بأس إن سقط مزيد من القتلى، فستعلن وسائل الإعلام ـــــ نقلاً عن ناشطين أو مراقبين أو شهود عيان مكتومي الأسماء والوجوه ـــــ أن النظام هو من يقف خلف هذه الأعمال الإرهابية لإنقاذ نفسه من الأزمة.

كل ذلك سيعوّض العجز القائم حالياً عن شن حرب عسكرية مباشرة، أو بالواسطة كما حصل في ليبيا. وإذا كانت الحسابات الميدانية لا تتيح عملاً كهذا الآن في سوريا، فهذا لا يعني أنه لا توجد بدائل لمن يهمه الأمر. وستأتي اللحظة التي يحضر الغرب فيها ملقياً الباقة الأخيرة من الألعاب النارية، على شكل هجوم هدفه قتل من يجب قتله، ونفي من يجب نفيه، وتهديم ما لم يهدم في بلد يراد له أن يكون على شاكلة لم يعرفها العرب في العراق ولا في ليبيا ولا في فلسطين… حتى يكون عبرة لغيره، وبعدها فليسأل العالم عن حقوق الناس في بلاد الشام.

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى