صفحات المستقبل

التلامذة النازحون.. وعنصرية «الصغار»

 

 

نحن نحنٌ الى سوريا

هديل فرفور

كلما نرتفع في الصفوف وفي الأعمار، يرتفع «منسوب» معاناة التلامذة السوريين الهاربين إلى لبنان، فنتخطّى مسألة الحنين والغربة لنصل إلى المضايقات العنصرية التي يتعرضون لها، فقط لكونهم سوريين. «انتو من سوريا وسخين» تشكي نادرة (10 أعوام) إساءات الزملاء المستمرة. يعاني حاتم (7 أعوام) من إهانات مشابهة. أمّا وليد (11 عاما) فيستأذن الكلام ليذكر كمّاً من الشتائم التي تمسّه وتمس ضيعته في سوريا. لا أحد منهم يردّ على هذه المضايقات، وحده الصمت، مع ابتسامة أحيانا، يترجم تأقلمهم مع الواقع المرير وصبرهم على هجرتهم.

«بس يهدأ الوضع بحلب، ثانية واحدة ما بقعد مع اللبنانية»، يقول لؤي تلميذ الصف الرابع. لكن خالد (الصف الخامس) يقاطعه: «مش كل صابيعك متل بعضن»، في محاولة منه لعدم التعميم. لكنه يعود ليؤكد أن الأكثرية تتعمّد الإهانة، مستدلاً بنعت معظم زملائهم لهم بـ«السوري الأندبوري». أما محمد (9 أعوام) فيقول: «نحن مش فقرا يا آنسة، عنّا بيت طابقين بحلب وباخد 2000 ع المدرسة»، متخذا من هذه العبارة وسيلة للدفاع أمام «تباهي» البعض أمامه.

مع ارتفاع الصفوف، نجد أن «الكبار» أكثر ديبلوماسية وأكثر تحايلا في تمييزهم. يتجنبون السياسة ويكثرون المدح في تعاون البعض معهم. «في منن كتيير مناح معنا»، يضيف بشّار (16 عاما) ولا يعطي أهمية للمضايقات «العرضية»، منشغلاً بالحديث عن المشاكل الدراسية.

وللسياسة مع تلامذة الابتدائي «نكهةً» خاصة. منهم من يجد في الجيش السوري الحر بسالة الأبطال ومنهم من يبجّل «الدكتور». يتحدث وليد عن رحلة الموت التي قطعها من سوريا باتجاه الاراضي اللبنانية، يحنٌ لجدّته التي تركها وحيدة. حاله كحال غيره من زملائه الذين ما انفكوا عن ذكر القصف و«الارهابيين» على حدّ تعبير سناء. يختلفون في تسمية الجهة التي هربوا منها: فأحمد مثلا يصرّ على أن اسرائيل من كان يقصف، وليس الجيش السوري، ويجمعون على أنهم سئموا الحرب والتهجير، وبعد نقاش يطول يخلصون إلى أنهم يتخلون عن كل من الجيش الحر وبشار الأسد على السواء مقابل عودتهم إلى منازلهم: «ما بدنا حدا بقا، بس بدنا الله يحكمنا»، هي خلاصة توصلّت إليها صفاء (6 أعوام).

الواقع التعليمي

فعليا، لا توجد أرقام واضحة عن عدد التلامذة السوريين الملتحقين بالمدارس الرسمية في لبنان، وذلك لسببين: الأول عدم التمييز الدقيق بين التلامذة القدامى وبين النازحين قسرا، والثاني صعوبة إجراء إحصاء دقيق في ظل التدفق المستمر للاجئين.

ويتعذّر على الأهالي في بعض الأحيان تقديم مستندات تثبت التحاق أبنائهم بمدارس في سوريا، لذلك تستقبلهم المدارس الحكومية في لبنان بعد تعّهد الأهل تقديم الإثباتات في وقت لاحق، وتقوم بإخضاع التلامذة لامتحانات بمستويات مختلفة. وتقوم المدارس أحيانا بتوزيعهم وفقا لأعمارهم، لكن بعضها يتجنب ذلك، لما له من تداعيات سلبية على المستوى التعليمي نتيجة الاختلاف بين مدارس البلدين.

«متل الأطرش بالزفة» يصف حسين (الصف الخامس) نفسه في حصة الانكليزي. إذ يعاني التلامذة النازحون ضعفاً شديداً في اللغة، نظراً لعدم تلقيهم في سوريا حصص اللغة الأجنبية المكثفة، علما أن اللغة الانكليزية تتفوق على الفرنسية التي نادراً ما يتم تدريسها في سوريا. وهو ما تفسره أرقام مدرسة برج البراجنة الأولى الابتدائية (اللغة الفرنسية فقط) حيث لا يتجاوز عدد الطلاب السوريين في الصفوف «الفرنسية» العشرة طلاب وغالبيتهم من الروضات.

لكن في المقابل، يُسجل لغالبية التلامذة النازحين تميّز في اللغة العربية. كما يحقق هؤلاء نتائج جيدة في ما يخصّ المواد «الأدبية»، كالجغرافيا والتاريخ والتربية، إضافة إلى قدرتهم على القيام بعمليات حسابية بـ«مهارة»، بعدما يقوم المعلّم بترجمة بعض المصطلحات إلى العربية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى