صفحات سوريةوائل السواح

التنظيمات الاسلامية لن تلقي السلاح/ وائل السوّاح

 حمل الرجل المبتسم والمتباهي بلحيته الشائكة تمثال السيدة العذراء، ورطن بعبارات غريبة عن اللهجة السورية، ثم رمى التمثال بقوة فحطمه. الفيديو انتشر بسرعة النار. بعد يوم واحد، انتشر شريط لجندي سوري نظامي وهو يحمل أجزاء محطمة من التثمال أو تمثال يشابهه، وهو يُبدي تعاطفه وتأسيه.

لا أدري إن كانت تلك هي الرسالة التي يريد أمراء الحرب الإسلاميين القادمين إلى سوريا من كل حدب وصوب إرسالها إلى السوريين عموما وإلى العالم في الخارج: انتهى عصر التسامح والعيش المشترك؛ وبدأ عصر الدين الواحد والمذهب الواحد والتفسير الواحد. هذه الرسالة من شأنها أن تعزز صورة النظام السوري باعتباره النظام العلماني وحامي الأقليات السورية.

حادثة تحطيم التمثال ليست أول حادثة، فقد سبقها تحطيم تماثيل أخرى من بينها تمثال أبي العلاء المعري، وهو في آخر مرة تأكدت منها لم يكن مسيحيا. وأبدت التنظيمات الإسلامية المتشددة بوضوح أنها لا تريد أي رأي مغاير لرأيها أو تفسير مفارق لتفسيرها. ولذلك اعتقلت وقتلت وهجَّرت مثقفين وصحفيين وسياسيين وناشطين في المجتمع المدني، ومعظمهم –  بسبب انتمائهم العالئلي– من المسلمين السنة .

على أن لحادثة تحطيم التمثال بعدا آخر، فهي حدثت في مدينة يبرود، وهي المدينة المعروفة على مدى قرون بأنها مدينة تعايش بين المسيحيين و المسلمين، وهي المدينة الوحيدة التي يلقي فيها الكهنة عظاتهم في المساجد ويلقي المشايخ خطبهم في الكنائس.

وترافقت العملية أيضا مع قصف مركز لقوات النظام على المدينة، طال مبان وبيوتا وأماكن عبادة بينها كنائس ومساجد، كما بينت المعارضة السورية.

وهي وقعت أيضا في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن معركة القلمون الكبرى التي يخطط لها النظام. وقد بدأ النظام بالفعل في حشد قوات معدّة للقتال الجبلي في أكثر من منطقة. وإذا صدقنا جريدة “الأخبار” الموالية للنظام السوري فإنه سيعمل على تقطيع أوصال المنطقة والاستفادة من العوامل المناخية التي تبدأ بالاشتداد أواخر تشرين الثاني/نوفمبر في هذه المنطقة المرتفعة، فيتكفل الثلج بقطع 70% من طرق الإمداد للثوار، بينما “يتكفّل الطيران السوري ومرابض المدفعية وبطاريات الصواريخ بقطع الباقي، ما يوقع المسلحين تحت حصار الثلج والجيش، ويبقيهم في القرى”.

في هذا الوقت بالذات يظهر الملتحي بابتسامة ماكرة، ليقول بصوت ماسخ: “بإذن الله سبحانه وتعالى لن يعبد في أرض الشام غير الله، ولن يَقم (كذا) إلا حكم الله، ولن يعبد الرجس والطاغوت في بلاد الشام بإذن الله”.

هذه المرة انتبهت المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة إلى ذلك، وأصدرت بيانا في وقت مناسب، عبرت فيه عن “إدانتها الكاملة لأي سلوك يسيء إلى حرمة الأديان والمقدسات، أياً تكن هوية فاعله”، معتبرة أن هذا الفعل “إنما يصب في إطار تكريس سياسة النظام وأنصاره، فيستفيد من حالة الفوضى التي زرعها بنفسه لارتكاب أعمال تخريبية ينسبها للثورة”.

واعتبر فيه أن اعتداءات النظام وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) “تكررت على الأماكن المقدسة بشكل متواز ويكاد يكون منسقاً بشكل كبير، بهدف التغطية على مجازر النظام من جانب وتشويه صورة الثورة السورية من جانب آخر”.

هذه خطوة صحيحة، ولكنها ليست كافية. وليس كافيا بالتأكيد أن نقول إن النظام وداعش وجهان لعملة واحدة، وإنهما ينسقان لما فيه خدمة مصالح النظام. المهم أن ينعكس ذلك في سلوك المعارضة السورية من خلال إعادة النظر في برامجها وتحالفاتها على صعيد الداخل السوري والمنطقة بأسرها.

القوى الإسلامية الراديكالية تنمو في الظروف الاستثنائية، وتناسبها الحروب والكوارث التي تمكنها من تحقيق تقدم على الأرض تماما في الوقت الذي تتراجع فيه القوى السلمية والمدنية والديمقراطية. لذلك، فإن استمرار الحرب في سوري سيعني في نهاية المطاف هزيمة الثورة السورية باعتبارها ثورة مدنية ديمقراطية، وانتصار أحد الجانبين العسكريين القويين: النظام أو القوى الإسلامية.

فإذا كانت التنظيمات الإسلامية المتطرفة هي صنو النظام ومكافئه ورديفه، فعلى المعارضة أن تبين أنها نقيض ذلك كله، من خلال ترسيخ فكرة المواطنة والتأكيد على مبادئ الديمقراطية-المدنية وحكم القانون والفصل بين الدين ومؤسسات الدولة.

وليس صحيحا أن الوقت الآن ليس مناسبا طرح هذه الأفكار، فكل الأوقات مناسبة. وغدا سيكون الوقت قد تأخر كثيرا.

عندما بدأت جبهة النصرة بعملياتها على الأرض، وأثار المعارضون الديمقراطيون مخاوفهم من امتداد هيمنتها، قال معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السابق إن كون بعض المجموعات تتحرك بسبب الدافع الديني “لا يعيبها بشيء”، وإن هذه الفصائل سوف “تضع السلاح لتنخرط في الحياة وتدعو إلى ما تعتقده من أفكار بالحجة والتفاهم”.

بات واضحا اليوم أن هذه التنظيمات لن تلقي السلاح حال سقوط النظام، وأنها سوف تستخدمه ضد السوريين الذين يرفضون تفسيرها للدين وطريقة عيشها وتكفيرها لكل من لا يوافق هواها.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى