صفحات الرأي

الثقافة السياسية وجذور الثورات العربية


عباس طاهر

غداً لربما، سيُكتب في كتب التاريخ أنّ الثورات العربية، في بدايات القرن الواحد والعشرين، هي خاتمة تطور اقتصادي واجتماعي وثقافي طويل، جعل من الإنسان العربي مركز النظام والدولة، بدلاً من الزعيم المستبد وأعوانه، وبينما كانت للثورة الفرنسية أسباب اقتصادية واجتماعية، نتيجة صعود الطبقة البرجوازية، فإنّ للثورات العربية سبباً ثالثاً إضافياً، إذ إنّ العامل الثقافي، نتيجة تطوّر الحياة، ونتيجة العولمة وسهولة التواصل بين الشعوب، كان سبباً أساسياً ومحرّكاً فاعلاً لقيام الثورات العربية. فإذا ما تطوّرت معيشة الناس، وتغيرت نفوسهم، وتبدلت ثقافتهم السياسية، لا بد أن تتغير الأنظمة، ولو بعد قرنين من الزمن.

فخلال القرنين الماضيين، شهدت المجتمعات العربية تطوّرات هائلة على كافة الصعد المعيشية والتعليمية والصحية، والسفر والتواصل والخدمات الحكومية والبضائع المتوافرة، وغيرها من مظاهر وتسهيلات الحياة العصرية. فمن مجتمعات متخلفة، أصبحت اليوم مجتمعات متمدنة ومتعلمة، على طريق المدنية. لذا كان من الطبيعي أن تتطوّر طريقة تفكير وثقافة الشعوب العربية، وتتزايد حاجة الناس ومطالبتها الحثيثة بدولة مدنية عصرية، ترعى شؤونهم وتطبق مبادئ الحرية والعدل والمساواة وغيرها من مقومات الحضارة المعاصرة.

في المقابل، كان من غير الطبيعي أن تجري كل تلك التطورات الهائلة فيما التخلف والقهر متوارثان من جيل إلى جيل، على الصعيد السياسي وأنظمة الحكم وتطبيق المبادئ الإنسانية. والسبب الرئيسي لذلك ليس الاستبداد ووجود فئة متسلطة، بل لأنّ الشعوب العربية لم تكن قد بلورت تلك المبادئ على نحو كامل، لتصبح جزءاً من ثقافتها. فلو كانت قد بلورتها من قبل، لحصلت الثورة حينذاك على الاستبداد المستحكم منذ زمن طويل، لكنّها كانت في واقع الأمر تتبلور ببطء شديد (ولربما أكثر من اللازم)، من جيل إلى جيل، خلال القرنين الماضيين، حتى اكتمل الوعي اليوم مع الشباب الثائر. لذا أزهرت ورود الربيع العربي في 2011.

وإذا ما حاولنا تقصي تطوّر الثقافة السياسية، وتزايد الوعي بأهمية المبادئ الإنسانية السامية، تبيّن لنا أنّها مرت بمراحل ثلاث.

أولاً: عصر النهضة

بدأت المرحلة الأولى مع إرسال محمد علي البعثة الطلابية الأولى إلى إيطاليا في 1809، وانتهت مع سقوط الدولة العثمانية في 1918. وقد تميّزت هذه المرحلة بالتفاعل الفطري ما بين النخب العربية والمجتمعات الأوروبية، على كافة الصعد التعليمية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وغيرها. فعلى سبيل المثال، كان معظم رواد ذلك العصر ممن درس في مدارس الإرساليات، أو ممن قام برحلات دراسة أو هجرة قصرية إلى أوروبا، وذلك ابتداءً برفعت الطهطاوي، ومروراً بخير الدين التونسي وجرجي زيدان والأفغاني، وانتهاءً بمصطفى كامل ومحمد عبده وشبلي الشميل. لم تكن نظرة هؤلاء الرواد الأوائل إلى أهداف التغيير أو سبل الإصلاح موحدة، فمنهم المربي والسياسي والكاتب والإسلامي والثوري والقومي والعلماني. والمدقق في سيرة حياتهم يجد أنّهم جميعاً ـــــ كلّ من منظاره ـــــ حاولوا ردم الهوة القائمة بين واقع المجتمعات العربية آنذاك، وقيام دولة عصرية متقدمة، كما هي الحال في المجتمعات الأوروبية. كان همهم الأوحد الدخول في العصر الحديث. واليوم، حينما ننظر إلى ما قاموا به (وكان في معظمه إصدار صحف أو نشر مقالات أو كتب) نستطيع أن نفهم سبب محدودية تأثيرهم في المجتمع، فقد كانت الهوة كبيرة والمسافات شاسعة ما بين الواقع والرجاء، كما كان حراكهم محصوراً في إطار النخبة المتعلمة من الناس. فعند نهاية هذه المرحلة، لم تكن الشعوب العربية قد نضجت، حيث كانت بحاجة إلى مئة سنة أخرى.

ثانياً: عصر الاستعمار

أما المرحلة الثانية، فقد بدأت مع نهاية الحرب العالمية الأولى في 1918، لتنتهي في منتصف القرن الماضي، حينما نالت معظم الدول العربية استقلالها من الاستعمار. فرغم سيطرة المستعمر على البلاد من الناحية العسكرية والاقتصادية والسياسية، أتاح في بعض منها، كمصر وتونس ولبنان والعراق، هامشاً ضيقاً من الحرية والعمل الديموقراطي، لم يكن موجوداً في زمن السلطنة العثمانية. فساهم ذلك في إنعاش الحركة السياسية، وتقوية الشعور القومي، ونشوء أحزاب شعبية كبرى لأوّل مرة، كحزب الوفد والإخوان المسلمين في مصر، وحزب الدستور الجديد في تونس. وقد تميّزت تلك الحقبة بإنشاء الدساتير والحكومات والبرلمانات والمجالس والمحاكم، وانتشار التعليم في المدن، مما أسهم في إغناء الثقافة السياسية وبلورتها، أكثر من أي وقت مضى، كما أسهم ذلك في زيادة وعي الناس، واتساع دائرة المثقفين والمتعلمين إلى خارج دائرة النخبة.

وفي ظل مؤسسات حكومية جديدة أنشأها المستعمرون لإدارة البلاد، نشأت كذلك طبقة جديدة من موظفي الدولة والقضاة والمحامين والتجار، طبقة متعلمة ومثقفة ومتوسطة الدخل، كانت على احتكاك مباشر مع ثقافة المستعمر، ونظم الدولة الجديدة. وقد عملت بعض الشخصيات المنتمية إلى هذه الطبقة، وأخرى من خارجها ـــــ كرجال الدين ـــــ على إنشاء أحزاب مناهضة، وأخرى موالية للمستعمر، لكنّها كانت كلّها أحزاب تسعى إلى إصلاح البلاد أو إزالة الاستعمار، وتحقيق بعض ما عجز عنه أعلام الحقبة الأولى. ومن الشخصيات المعروفة في تلك الحقبة، سعد زغلول وحسن البنا ومحمد رشيد رضا وطه حسين في مصر، وشكيب أرسلان ورياض الصلح وأنطون سعادة في لبنان، وشكري القوتلي وميشيل عفلق وقسطنطين زريق في سوريا، والشيخ الثعالبي والحبيب بورقيبة في تونس، ورشيد عالي الكيلاني في العراق. وقد تميّزت هذه الفترة على نحو خاص بنشوء حركات فكرية وعقائدية، توزّعت ما بين العلمانية والإسلامية، مروراً بالاشتراكية والقومية. ويبدو لنا اليوم أنّ هذه الحقبة كانت شديدة الغنى على الصعيد الفكري والتنظيمي، أو على صعيد ممارسة الحكم والديموقراطية (بقدر ما كان مسموحاً به من قبل الانتداب). فلم يكن قد تسلّم الحكم حزب عربي واحد ذو قيادة خالدة تحت شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، ولم تكن الأنظمة العسكرية بلباس الاشتراكية قد وضعت يدها على شعوب البلاد بعد.

ثالثاً: عصر الانهزام

أما المرحلة الثالثة، فيمكن وصفها بأنّها كانت مرحلة هزيمة الشعوب وشبابها في ذلك الزمن، على مستوى الثقافة السياسية وتطبيق المبادئ الإنسانية الجامعة. وتعدّ تلك المرحلة الأسوأ على مستوى الحريات العامة وحقوق الإنسان وإقامة دولة القانون. فالشعوب العربية كانت تتطلع، مع بزوغ فجر الاستقلال والتحرر من الاستعمار، إلى بناء دول عصرية يحكمها القانون وأنظمة ومؤسسات ترعى شؤونهم كمواطنين، لكنّها انهزمت ولم تفلح لسببين. أولاً: لأنّ معظم حركات الاستقلال تحوّلت إلى انقلابات عسكرية، تديرها عصابات مسلحة أكثر مما هي حركات شعبية قام بها الناس (1). وثانياً: لأنّ الأحزاب العقائدية التي وصلت إلى السلطة أصبحت أكثر راديكالية بعد ممارستها للحكم، وعلى انقطاع تام مع نتاجها الفكري هي نفسها. فما كانت تنادي به من مبادئ أكله السوس في الكتب. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأحزاب لم تنتشر في بدايات الخمسينيات إلا لأنّها استطاعت أن تجذب شباب القرى والطبقات الفقيرة في المدن إلى خطابها «الجديد» الذي كانت قد بلورته خلال المرحلة السابقة.

وفي هذه الحقبة، صودر كل شيء، تحت حالة الطوارئ الدائمة. فاختفت الأحزاب واضمحلت الثقافة السياسية وخسر العرب التجربة الواقعية والممارسات الحزبية الشعبية التي طبعت مرحلة الاستعمار. فحينما تختفي التجارب الحزبية المتعددة والحياة السياسية، وتصبح الأبواب الوحيدة المفتوحة هي إما مقارّ الأحزاب الحاكمة أو أبواب السجون أو الطائرات للهجرة القسرية، تتحوّل طاقة الشباب نحو التطرف العقائدي (ديني أو إيديولوجي) أو النتاج الفكري النظري. فكان الاستقلال خطوة إلى الوراء، أرجعت الثقافة السياسية وإنتاجها إلى يد النخب، رغم ارتفاع مستوى التعليم لدى كافة فئات المجتمع. فاحتاج الأمر إلى ستين سنة أخرى لكي تنضج الشعوب العربية وتتحرك.

ومن سمات المرحلة الثالثة أنّ الخطاب والنتاج الفكري والثقافي ـــــ أكان ليبرالياً أو قومياً أو يسارياً أو إسلامياً أو إصلاحياً ـــــ كان بمعظمه نتاجاً تجريدياً محضاً، لا يمت إلى التجربة الإنسانية الواقعية بصلة. لذا فشل الخطاب في إحداث أيّ تغييرات في الرؤى الاجتماعية والسياسية والثقافية للشعوب. فمرت عقود طويلة، استُنزفت فيها طاقة جيل كامل ما بين الانعزالية والتقدمية أو الإسلام والغرب، أو ما بين الأزمة والمأزق أو الأصالة والحداثة، أو ما بين الهوية والعولمة. عقود مضت بلا فائدة، وبلا مردود على الشعوب العربية، فأصاب العربَ مرض الإرهاق الإيديولوجي والعمى النظري.

ونورد هنا موقفاً يختزل هذا الوضع، وهو مطالبة أحد المفكرين، طيّب تيزيني، في 2000 بضرورة «إعادة بناء الإنسان العربي عبر تحصينه بالقيم العقلانية والوطنية والقومية النقدية… وبتعبير آخر يجد المشروع النهضوي العربي غايته في إنتاج الإنسان العربي من ذلك النمط» (2). كيف يستطيع مفكر أن يدّعي هذه القدرة، ونحن كآباء وأمهات بالكاد ننجح في إقناع أبنائنا بأن يغيروا رأياً واحداً من آرائهم فيما يلبسون أو يأكلون. (لم تكن إعادة إنتاج الإنسان حكراً على النهضويين من العروبيين، بل كانت أيضاً من محاسن تفكير الإسلاميين، الذين طرحوا «إعادة تكوين العقل المسلم» في أدبياتهم ومؤتمراتهم (3)).

رابعاً: عصر الثورة: ثقافة سياسية جديدة

إذا كانت حال ما وصلنا إليه بعد قرنين هي هذه، فكيف قامت الشعوب بثورات سلمية وشبه مثالية ضد أعتى الدكتاتوريات في العالم؟ هل تغيّر العرب حقاً؟ وكيف أصبحت الشعوب العربية تنادي بدولة القانون والحرية والعدالة، ولها مطالب وشعارات واضحة كأنما صقلتها السنوات؟ فمن أين جاء الشباب فجأةً بهذه الثقافة التي لمسناها في تحركاتهم وتصريحاتهم وردود أفعالهم على الأحداث؟ وكيف استطاعوا في كل من مصر وتونس أن يثبتوا أنّهم أكثر مرونة وأكثر حيلة، وأكثر خيالاً وأكثر تصميماً من «الرجال ذوي الخبرة»، الذين يجلسون على الكراسي. ومن أين جاء وضوح الرؤية خلال الثورة، ومن ثم بعد سقوط رأس النظام؟

الجواب شديد البساطة: نعم لقد تغيّر العرب، وبالتحديد الشباب منه، كما أنّ الزمان تغير أيضاً. فمن ناحية، لم يشأ الشباب العربي أن ينهزم كما انهزم الجيل الذي سبقه. فلقد كانت النخب في أزمة، لا الشعوب كما كانت تُصوّر. إذ كانت الشعوب العربية تراكم أسباب الثورة ببطء شديد من جيل إلى جيل، حتى اكتمل الوعي والإرادة والعمل اليوم مع الشباب الثائر. شباب كان قد استوعب كلّ المبادئ الإنسانية وثقافة القرن الواحد والعشرين، في قلبه وعقله. «فالإنسان المعاصر بات يعرف عن نفسه أكثر مما كان يعرف أسلافه. كذلك عن مجتمعه وثقافته وأنظمته السياسية وتاريخه ومعتقداته. وبات يعرف أكثر حقوقه الطبيعية ككائن عاطفي لا يستطيع العيش بالطعام وحده، ولا يستطيع العيش من دون حقوق معنوية. لقد أدّى ظهور وسائل الاتصال الحديثة الى تعميم وعي إنساني رفيع هو ثمرة تراكمات كل الثورات عبر العصور» (5).

ومن ناحية أخرى، لقد تغيّر الزمان وأصبحنا نعيش في عصر العولمة والثقافة الكونية. عصر لا تستطيع أيّ من الشعوب إن هي أرادت أو أراد حاكمها المستبد أن تبقى خارجه، إذ أصبحت الأرض بحق، قرية واحدة تتمازج فيها الشعوب والثقافات وتتأثر وتتغير وتتعلم من بعضها البعض بسرعة، وبيسر وبلا حواجز. فكان من الطبيعي أن تنعكس هذه التطورات على نحو كبير على طريقة تفكير الشباب العرب، وتطلعهم إلى المستقبل. لذا، حينما لم يجدوا مصدراً ذاتياً وتجربة حالية لكي يستقوا منها أفكارههم وثقافتهم السياسية، لجأوا إلى غيرهم من الشعوب. فالشباب العربي كان محروماً منها، بينما تنعم بمحاسنها شعوب أخرى هو على احتكاك مباشر معها.

واليوم مع دخولنا زمن الثورة، بدأ عصر جديد يحمل ثقافة سياسية جديدة. وما الثورات الحاصلة اليوم إلا التجسيد الأولي لتلك الثقافة الجديدة التي يحملها الشباب من الخليج إلى المحيط. ومن سمات هذه الثقافة أنّها ليست بالفكر النخبوي أو السياسي النظري أو الإيديولوجي، كما أنّها شعبية وواقعية وعملية. فعلى سبيل المثال، كلّ المطالب الأساسية للثورة تشير إلى تمسك الثوار بتحقيق المبادئ الإنسانية الجامعة على أرض الواقع. فحينما يطالب الناس بإلغاء حالة الطوارئ وإلغاء أمن الدولة، فإنما يطالبون بالحرية من الأداة التي تسلبهم تلك الحرية. وحينما يطالبون بمحاسبة المفسدين في القضاء، فإنما يطالبون بالعدالة ودولة القانون، ولكي يكون المذنب مثالاً لمن سيأتي لسدة الحكم من بعده. وحينما يطالبون بحل المجالس السابقة (البرلمان والشورى) وحلّ الحزب الحاكم، فإنما يعلنون أن عهد التزوير والاستبداد قد أفل.

وفي هذا الإطار، تبدو لنا سلمية تحركات الشباب على نقيض تام مع تاريخ الشعوب العربية. فثقافة العنف والإرهاب التي تربّت عليها أجيال كثيرة، طوى الشباب صفحتها واستبدلوها بثقافة السلام. ففي مصر وتونس، لم يُعدَم رجل واحد من رموز العهد البائد في الساحات، بل سلكت الأمور مسلك السلم والقانون. أما في اليمن، فقد أصر شباب الثورة المعتصمون أمام جامعة صنعاء على سلمية تحركهم، رغم اختناقهم بالغاز القاتل من قبل «بلطجية» النظام؛ هذا مع العلم أن الشعب اليمني شعب قبلي مسلح «للعظم»، كما أن في اليمن أسواقاً مفتوحة لشراء وبيع السلاح لأيّ كان. لقد جرى كلّ ذلك من خلال ثورة شعبية سلمية، لا انقلاب عسكري دموي. فمن منا يحب أن يتذكر ما جرى في 1986، حينما جرت تصفية أعضاء مجلس قيادة الحزب الاشتراكي الحاكم في قاعة مجلس وزراء اليمن الجنوبي، من أجل الاستيلاء على الحكم.

وفي إطار آخر، برهن الشباب أنّهم على درجة كبيرة من النضج السياسي والذكاء الجماعي، كما يتبين في ظاهرة الضغوط المستمرة لتحقيق أهداف الثورة في كل من مصر وتونس. ومن الأمثلة، ما جرى من تهديد شباب ثورة مصر للمجلس العسكري «بجمعة الغضب» أو «التظاهرات المليونية»، من أجل إلقاء القبض على الرئيس السابق حسني مبارك في البداية، ومن ثم محاكمته حينما وجدوا تقاعساً عن الملاحقة. كذلك، ما حصل في اجتياح الثوار القادمين من الأرياف للعاصمة التونسية، واسقاطهم حكومة محمد الغنوشي المؤقتة، وذلك بعد أسابيع من تعيّنها من قبل الرئيس الهارب بن علي.

من هنا نستطيع أن نعيد القول وبكل ثقة: نعم، لقد تغيّر العرب والشباب منه على نحو خاص. لقد أصبح الشاب العربي مسالماً، حضارياً، واعياً، صبوراً، مخططاً، يتمسك بالمبادئ والقانون ويطالب بالمحاسبة. لذا لم يعد العرب خارج الزمن، وما ينطبق على الشعوب المتحضرة الأخرى أصبح ينطبق عليهم أيضاً. فكل ما جرى أيام الثورة وبعدها، يشير بدلالته إلى مدى استيعاب المواطن العربي للمبادئ الإنسانية، وليس فقط المطالبة الكلامية بتطبيقها، وهنا يكمن جوهر التغيير. وهو ما يبشر بتصدعات عظيمة وإيجابية، ستحصل في السنوات القادمة على المستوى الفكري والعقائدي والديني والاقتصادي والاجتماعي، وطبعاً السياسي لدى الشعوب العربية كافة.

هوامش

(1) حتى الجزائر التي كانت حركة التحرير فيها شعبية، نقلت عصابات المقاومة المسلحة ضد الفرنسيين عملها وعقليتها إلى داخل الدولة.

(2) «من الواقع العربي الراهن إلى مشروع نهضة تنويرية عربية»، طيّب تيزيني، شؤون عربية، ك1 ديسمبر 2000، ص 61.

(3) «إصلاح الفكر الإسلامي»، طه جابر العلوني، دار الهادي 2001 ص 102.

(4) «التحوّلات الديموقراطية في العالم العربي …»، د. فؤاد مرعي، جريدة السفير 5 أيار 2011 ـــــ عدد 11879، ص 18.

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى