صفحات سوريةعلي العائد

الثمن الباهظ لحرية السوريين/ علي العائد

 

 

قدم غياث مطر الورود والمياه في داريا لجنود الأمن السوريين، ومع ذلك كان جزاؤه الموت تعذيباً في أقبية النظام.

ليست ثقافة “غاندية” صرفة تلك التي أودت بغياث ورفقائه المجهولين المعلومين. إنها الثقة المسبقة برد فعل نظام أدمن القتل، ولكن في جرعة مضاعفة من الوحشية التي لا تقارن بما واجهه غاندي، والهند، من الاحتلال الإنجليزي لبلاده.

إنها معرفة بحجم الشر الذي يمكن للوحش إطلاقه في مواجهة شباب تجاوزوا حاجز الخوف دفعة واحدة، وبالنيابة عن جيل ونصف من السوريين الذين كبتوا شجاعتهم خلال أربعين سنة من حكم آل الأسد لسوريا، وحوالي خمسين سنة من حكم حزب البعث للبلاد.

إدمان الخوف من النظام كل تلك الفترة المديدة حولت الوحش إلى مدمن للقسوة وللقتل أيضاً.

الخوف الذي تجاوزه السوريون لم يعد بحاجة لدليل إثبات بعد كل الدمار والأرواح التي دفع ثمنها هؤلاء الناس، بل ويدفعونها دماً ونزوحاً ولجوءاً.

في شأن النزوح الداخلي، واللجوء، لم يصبح الأمر ظاهرة بهذا الحجم إلا مع ظهور داعش وأخواته، خاصة في المناطق التي خرجت من يد النظام. وتقاسم الطرفان، النظام والـ “دواعش” ترهيب “رعاياهم” وتهجيرهم، كلٌّ من المناطق التي يسيطر عليها.

وفي أوقات تتكرر، تقوم تشكيلات إسلامية صغيرة وكبيرة بالتقاتل في ما بينها، لتحل المنتصرة محل المهزومة، في استباق لمعارك متوقعة بعد سقوط النظام. هذه وحدها أطالت في عمر النظام أكثر مما فعلت إيران وروسيا من خلال دعمهما للنظام، بل وأكثر مما استفاد نظام بشار الأسد من تأجيل “المجتمع الدولي” لإسقاط نظام “فاقد للثقة”.

وحسب الأمم المتحدة، فإن 4.1 مليون سوري أصبحوا خارج البلاد حتى منتصف عام 2014. ربما يتقاسم النظام والدواعش سبب تهجيرهم مناصفة. الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، كون الأمم المتحدة تقدم الأرقام الموثقة فقط، فتركيا “تستضيف” مليونين (الرقم الموثق 1.6 مليون)، وعدد اللاجئين في لبنان يقترب من مليونين (الرقم الموثق 1.4 مليون). في الأردن ما يقرب من مليون لاجئ سوري، وفي العراق ومصر بضع عشرات الآلاف. أما النازحون في المناطق التي يسيطر عليها النظام فتتجاوز أعدادهم السبعة ملايين نسمة. يبقى اللاجئون في 44 دولة صناعية في العالم، وأغلبهم لجأ إلى دول الاتحاد الأوربي الـ 28. لكن الذين أصبحوا لاجئين بشكل رسمي لا يتجاوز عددهم 152913 لاجئاً حتى منتصف عام 2014. هذه الأرقام حسب مركز دراسات الجمهورية الديموقراطية. ومن المنطقي أن هذا العدد لا يشمل كل من وصل إلى تلك البلدان، فمنهم من ينتظر أن تبت السلطات هناك في طلب لجوئه.

هذه الأرقام تتقادم يوماً وراء يوم، وتتغير من مصدر إلى آخر، خاصة أن البحر المتوسط ابتلع رقماً تقديرياً من المهاجرين يقارب أربعة آلاف ممن حاولوا الوصول إلى شواطئ أوروبا.

خلع السوريون خوفهم من النظام، فوقعوا في خوف داعش وأخواته، ومن ثم حاولوا الهروب بأرواحهم فوقعوا في خطر وخوف البحر وسلطات الهجرة في كل البلدان التي حاولوا الوصول إليها.

كان “الناس من خوف الذل في ذل، ومن خوف الفقر في فقر”، على حد قول الإمام علي بن أبي طالب. الآن هم فوق الخوف من داعش، نظير النظام في إنتاج الخوف والذل، في خوف جديد، بين سياسات استضافة تركيا أردوغان لهم وفق معادلة “المهاجرين والأنصار”، وبين انتقائية بعض الدول الغربية المضيفة لأعداد متواضعة من “الأقليات” (كندا تنتقي اللاجئين المسيحيين، وهولندا تفكر في استخدام المعيار نفسه، وفرنسا أعلنت سلفاً عن استقبال اللاجئين من الطائفة الإيزيدية العراقية)؛ أما الدول العربية فتضع العراقيل الآن أمام اللاجئين السوريين (لبنان والجزائر وضعتا أخيراً شرط حصول السوريين على فيزا مسبقة للدخول إلى أراضيها).

لا شيء مما ذُكر وضع السوريين في ندم على تجاوز خوفهم، فبعد أن قدموا حوالي 250 ألف قتيل في ثورتهم التي بدأت قبل 46 شهراً، وما لا يقل عن 250 ألف معتقل ومفقود، يؤمن عدد كبير ممن قدم شهيداً، أو معتقلاً، أو كلاهما، أن تجاوز الخوف يستحق ذلك الثمن، وأن الفداء الشخصي يتحول بمجموعه إلى فداء للبلاد، وإلى ثمن لمستقبل أجيال لن تنسى أن الثورة المؤجلة على الخوف هي التي ضاعفت الثمن إلى هذه الدرجة المرعبة.

هذا دون أن ننكر أن عدداً غير قليل من السوريين، الذين آمنوا بالثورة، وضحُّوا في سبيلها، شعروا بطول فترة الآلام، وبفداحة الثمن الذي دفعه السوريون من أرواحهم وأرزاقهم، متمنين لو يعود الزمن إلى ما قبل 15 آذار/ مارس 2011، وألا تكون الثورة قامت.

كل تلك الأرقام لا تشمل السوريين من الطائفة العلوية الذين تقدر أعداد القتلى بينهم بين 40 ألفاً و80 ألفاً وفق مصادر متباينة.

الحرية تستحق أثماناً باهظة قد تدفعها أجيال متعاقبة. بدأ السوريون بدفع ذلك الثمن. ومن ينتظر أن تحقق الثورة أهدافها في يوم وليلة عليه أن يقرأ تاريخ الثورات التي حققت الحرية لشعوب كثيرة، ليعرف كم الضحايا والآلام خلال جيل، أو جيلين، أو حتى ثلاثة أجيال.

موقع 24

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى