صفحات سورية

الثورة السورية أعظم الثورات العربية

 


محمد الحاج صالح

هي الأعظم فعلاً. ليس فقط لأنها تقارع نظاماً دموياً لا يقارن إلا برديفه نظام القذافي، وإنما لأسباب عدة أخرى.

منها أنها تعمل ضد نظام تقوّى طويلاً بفيتامين القومية وقضية فلسطين. إذ مع الانهيارات المتوالية في المنطقة منذ 1967 تشبث النظام السوري بكنز فلسطين في الخطاب، حتى يمكن القول إنه وبعض الأصوليين الإسلاميين فقط مَنْ ظلوا دائبين على استثمار الحيازة الفلسطينية. لا يمكن الانكار أنّ عَقْد الاغتصاب هذا “لحيازة” فلسطين، كان وربما لا يزال من أنجح الاستثمارات السياسية في المنطقة. اسثمار لم يوازه أو يسبقْهُ أي استثمار يتعلق بالحريات أو تحسين مستوى المعيشة أوالتعليم أوبناء قضاء عادل ومستقل أو… أو.

لم يقتل الإسرائيليون فلسطينيين أكثر بكثير مما قتل النظام وحلفاؤه. فمن تل الزعتر إلى حرب المخيمات بين أمل والفلسطينيين، إلى حرب طرابلس، إلى معارك فلسطينية فلسطينية حرض عليها النظام ودعم أحد أطرافها عبر أبو نضال والقيادة العامة وفتح الانتفاضة، إلى تحريض حماس ضد فتح…

لم تنطل ديماغوجية النظام على الغالبية في الشعب السوري، إذ لطالما تبدتْ مظاهر التكذيب واضحة في مناسبات شعبية عدة. منها التدخل في لبنان، ومنها المشاركة في الحرب على العراق 1991 ثم دعم منظمات أصولية يفترض أنه ضدها في كل من العراق ولبنان، ومنها تحالفه المشبوه مع إيران. كان الشعب السوري يعي ويعرف أن ما يهم النظام هو البقاء في السلطة وليش شيء آخر، وكل الأمور الأخرى بما فيها “الحيازة الفلسطينية” والخطاب القومي ما هي إلا عدّة شغل.

لكن النظام السوري ومع الأسف استطاع بألاعيبه أن يكسب فئتين إحداهما خارجية والثانية داخلية. الفئة الخارجية تتنوع بين قوميين وإسلاميين مرضى بالعداء للغرب، لا يميزون بين غرب السياسة وغرب التكنوجيا والحريات والديمقراطية. أولاء كانوا وربما لا يزال البعض منهم ضيوفاً على فنادق “الخمس نجوم” السورية على حساب عذابات الشعب السوري، والأنكى أنهم لا يتورعون من كيل المديح على قدر مرضهم العدائي، وعلى قدر أيامهم في فنادقنا، وعلى قدر طعامنا وأموالنا التي تستقر في بطونهم وجيوبهم. مقدمين بذلك “شرعيةً” لنظام لا شرعي.

تتكون الفئة الداخلية مما هو أشد إثارة للأسف، أعني من السوريين الخائفين، ومن كل الطوائف، من أصولية قادمة لتحكم سورية. وعلى الرغم من أنْ لا حظَّ لأن تحكم الأصولية الإسلامية سورية، فإن الحيلة انطلتْ. وشرعت تكوينات سورية عديدة في التشكيك بكلّ شيء يضع النظامَ موضع المساءلة. مُعززةً بفعلها هذا دور الإعاقة والإحباط. وهي كانت وما تزال رديفاً للنظام تكاد قوتها الاجتماعية تطغى على قوة النظام المعزول. كثيراً ما نرى مثقفين أو وجهاء وازنين لا همّ لهم سوى التشكيك بأي اعتراض أو احتجاج، مستمدين شيئاً من المصداقية من كونهم ليسوا في السلطة السياسية، مُكرسين بذلك بقصد أو دون قصد ديمومة النظام، ومضعفين لأيّ حراك مؤسس.

إن ثورة تكسر هذه القشرة الصلبة المموِّهة، وتكشف عن لبّ النظام كنظام دموي قامع يستثمر القومية وفلسطين كورقتين للتسلط والقمع، لهي ثورة عظيمة.

محمد الحاج صالح

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى