صفحات العالم

الثورة السورية: إشكالية السياسي والعسكري

 

ماجد كيالي

 شهدت الثورة السورية، في الأشهر القليلة الماضية، نوعاً من الجدل بشأن دور المكون السياسي والمكون العسكري، وبشأن الحسم بالطريقة السياسية أو العسكرية.

المؤسف أن هذا الجدل في بعض جوانبه انطوى على التباسات وتناقضات فضلا عن مزايدات وتشكيكات، لسبب بسيط مفاده أنه لا يوجد شيء اسمه مكون عسكري أو حسم عسكري بالمعنى الخالص، لأن هذا يعني تقويض معنى الثورة، والدخول في دائرة العدمية، إذ الثورة بحد ذاتها هي تعبير عن قضية سياسية، في حين أن اتخاذ الثورة الشكل العنيف أو السلمي أو المختلط، مجرد طريقة لتحقيق الهدف المتعيّن، والمحدّد.

وفي الواقع فإن لجوء أية ثورة إلى العنف لتحقيق أهدافها في وضع يمكنها تحقيق ذلك بالوسائل السلمية إنما هو تعبير عن انحراف سياسي وأخلاقي فيها، لأنها بذلك تستهتر بحياة البشر ومعاشهم، ولأنها تبيّن لامبالاتها بالأكلاف البشرية والمادية الناجمة عن اللجوء إلى العنف، وهو وضع قد يفضي إلى التشكيك بمشروعية الثورة وبحقيقة مقاصد القائمين عليها. أيضا، وبالمقابل، فإن التمسّك بالطابع السلمي للثورة في واقع غير ملائم لا يفضي إلى مكان، ولا يفيد إلا بهدر الأرواح وتبديد الطاقات وبذل التضحيات من دون جدوى، لاسيما إذا كان الطرف الأخر لا يعترف بمشروعية الثورة، ولا التغيير السياسي، وبخاصة إذا كان لا يعترف بمشروعية الشعب من أصله. وفي هذه الحال قد يكون خيار إنهاء الثورة هو الأفضل، بدلا من ترك الناس فريسة للآلة العسكرية، من دون جدوى.

وفي الحقيقة فإن الثورة السورية تطرح هذه الإشكالية، لاسيما ونحن إزاء ثورة شعبية وعفوية، وجدت نفسها خلال سبعة أشهر من النضال السلمي الخالص في مواجهة عنف منقطع النظير من قبل النظام، وضمنه إقحام الجيش والأجهزة الأمنية في قتل السوريين.

على أية حال فإن الفكرة هنا تتعلق، أيضا، بنبذ المفاضلة بين الحسم السياسي والعسكري، لأن الصراع العسكري ليس غاية في ذاته، فالحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى. ولأن نضال السوريين لم يقتصر على الطريق العسكري، فثمة الكتل الشعبية التي خرجت، طوال العامين الماضيين، إلى الشوارع وواجهت عسف النظام ورصاصه، فهذه هي التي أعطت للثورة مشروعيتها وعمقها، كذلك ثمة النشطاء الميدانيون الذين نقلوا صورة الثورة إلى الخارج وأعطوها معناها، كما ثمة الأغلبية الشعبية التي دفعت الثمن الأكبر بتضحياتها ومعاناتها وصمودها.

هذا لا يقلّل من أهمية المكون العسكري لكنه ينصف باقي المكونات، السياسية والميدانية والشعبية، لأن كل منها قدّم ما عليه، وقام بدوره، في حدود إمكانياته، وبشكل متكامل، في سبيل ترسيخ هذه الثورة وضمان استمرارها لإسقاط النظام.

ثمة أيضا الفكرة التي تتحدّث عن الحل السياسي باعتباره بديلاً عن الحل العسكري، وهي فكرة ملتبسة، ومغلوطة، فلا يوجد شيء بديل عن شيء، والعمل العسكري، أتى كرد على انتهاج النظام الحل الأمني، ولكسر شوكته والتسريع برحيله، وهذه بحد ذاتها عملية سياسية متكاملة، بأدوات سياسية أو عسكرية، بهذا القدر أو ذاك.

على هذا الأساس فإن القضية هنا لا تتعلّق بالحل السياسي، وإنما بمفهومنا عنه، رغم أنني لا اعتقد بوجود طرف في الثورة يطرح فكرة الحوار مع النظام من اجل بقاء النظام، فالمطروح نوع من مفاوضة على رحيل النظام، لحقن الدماء وتخفيف المعاناة، لاسيما مع تعذر قدرة الثورة على حسم الأمور لصالحها بواسطة قواها الذاتية، وبأمد قريب، في ظل الحصار المفروض عليها، وفي ظل تخبّطاتها الراهنة.

عموما، فلقد انتهى نظام الأسد إلى الأبد، وما تبقّى هو مجرد تفاصيل، لكن هذه التفاصيل قد تكون اشد الفصول دموية في الثورة السورية، لذا فإذا كان ثمة طريق لرحيله، وتجنب مزيد من الأكلاف، فهذا أفضل لسوريا وشعبها.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى