صفحات سوريةغسان المفلح

الثورة السورية التي انتصرت/ غسان المفلح

 

 

سبع سنوات من عمر الثورة السورية، حيث لاتزال الحقائق تدار بطريقة الحاقد المنتصر او المنهزم المظلوم. بعد اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن القدس عاصمة لدولة إسرائيل. نجد هذه النسخة تتكرر في معارك السوريين اللفظية. هنالك بعض الحقائق، تغيب او تغيب في هذه المعارك الصوتية. في الحسابات السياسية، وايا كانت اللغة المستخدمة من اجلها. من اجل تسويقها، ما يؤخذ بعين الاعتبار، بشكل أساسي هو موازين القوى، لكل حركة سياسية او نقلة سياسية كالتي فعلها ترامب مثلا. حتى عندما قيل ان السياسة فن الممكن، انما تستند هذه المقولة الأكثر شيوعا في تعريف السياسة، على ان الممكن هو المستند والمستمد من ميزان القوى. حيث ان الميكافيلية، لا تعترف في مفاهيم الحق في انتاج السياسة. انما تستند على خبرة في العمل والممارسة المستندة لميزان قوى فعلي على الأرض. السياسة جعل غير الممكن ممكنا. “إن مواجهة ما يبدو في لحظة تاريخية مستحيلا هو الذي يجعل الممكن واقعًا”. هنالك من يقول أيضا أن السياسة “فن إدارة الصراع”، والأهم “فن التقدير الصحيح للموقف وموازين القوى”. مهما حاولنا الحديث والتفنن أيضا في إيجاد تعريف للسياسة، سنجدها مستندة الى ميزان القوى وقراءته وكيفية التعامل معه. هنا يأتي دور الحق في الصراعات الكبرى خاصة. بدون الحق في أي صراع نصير في شريعة غاب. الغلبة للاقوى خلدونيا. ترامب في قراره يستند على ميزان قوى كاسح. هكذا علينا فهم الامر. الثورة السورية أيضا، ليست خارج هذا الفهم. منذ فترة يردد بعض من المجتمع الدولي، بعض ممن يحسبون على المعارضة السورية، أن الثورة السورية هزمت وانتصر الأسد. من جهة أخرى هنالك من هم ناطقين باسم مؤسسات الثورة، يذيلون تواقعيهم في جنيف، بمقولة الواقعية السياسية. هذه الآراء ومنها ما اكتبه هنا يعبر عن انحياز سياسي ما. لكن أي انحياز يدير ظهره للحقيقة، هو انحياز اعمى للجريمة. الموضوعية التي يتشدقون بها، فقط من أجل تسويق الأسد كمنتصر. لن تخفي مواقفهم منذ بدء الثورة وحتى اللحظة. الثورة التي لم يهزمها الأسد، بل هي من هزمته. هي التي انتصرت. لو لم تنتصر هذه الثورة، لرأينا قوات الأسد هي المسيطرة عسكريا، لرأينا الأسد متحكم سياسيا بالبلد.

تحول الأسد إلى خادم صغير للدول التي احتلت سورية، روسيا ايران تركيا أمريكا وبعض دول التحالف. إسرائيل طيرانها بات جزء من السماء السورية. الثورة السورية هزمت النظام سلميا. بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى. لكن ما حدث بعد عام 2011 كان احتلالا للثورة السورية، احتلالا لسورية بكاملها. تم تثبيت هذا الاحتلال فيما سمي بمسار فيينا بين التحالف الغربي وبين روسيا وايران. حيث أضحت سورية مع القرار الاممي 2254 مرجعيتها دولية بالكامل. لم يعد الأسد ولا حتى المعارضة جزء من هذه المرجعية. طرفان تقنيان، أدوات لهذه الحمولة الدولية.

منذ سقوط دماء المتظاهرين السلميين في الشهر الاول للثورة في مارس 2011, تحدثت في اكثر من مقالة, عن سيناريو تحكمه معادلات دولية, عمادها ثلاث إسرائيل والنفط والموقع الجيبوليتيكي لسورية, حيث الموقفين الايراني والروسي, وتحدثت بما يشبه التفصيل عن السيناريو الاسرائيلي المطروح لسورية, إما أن يئد آل الأسد الثورة في مهدها أو يفنى البلد. وفي هذا ما وصفته آنذاك بسيناريو تزمين الثورة, وتحولها لثورة مزمنة كي يبقى آل الاسد طرفا في سورية مهما تدمرت, كما نبهت لاحقا من السيناريو السوداني حيث أن الرئيس عمر البشير ملاحق قضائيا من محكمة الجنايات الدولية بتهمة الابادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية, وبقرار من مجلس الامن أيضا, ومع ذلك اعادوه للحظيرة الدولية, وبشار الاسد لم يتم قانونيا تجاهه أي اجراء دولي, بالتالي اعادته للحظيرة الدولية اسهل بما لايقاس.تزمين الثورة يعني على الارض صوملة سورية, الطرف الوحيد الذي يردونه ان يخسر فيها هو الشعب السوري. الذي فاقت تضحياته من أجل حريته وكرامته تضحيات أي شعب آخر في المعمورة, مع ذلك حتى كتابة هذه المادة لايزال بشار الاسد تحت الحماية ليس الروسية والايرانية فقط بل الغربية. وعلى رأسهم أميركا, ليس لأنهم يخافون من البديل – اسلامي او علماني- هذا آخر همهم, بل لأن اميركا تريد ايضا ان تحقق خياراتها. نستطيع القول ببساطة، لو أن الثورة لم تنتصر، هل كان أوباما يسمح لإيران وروسيا وكل ميليشيات ايران الطائفية، بالدخول لسورية؟ هل كان يسمح بدخول مرتزقة القاعدة وداعش؟ انتصار الثورة هو الذي اريد احتلاله ماديا ورمزيا. هو الذي يريدون تعفيشه. اننا الان في سوق الثورة، كل يعرض بضاعته المنهوبة منها. تماما كما انتشر في مناطق سيطرة النظام ما عرف بسوق السنة. حيث جيش الأسد يعرض ما نهبه من بيوت الناس للبيع. كل هذه الأطراف والتيارات والأشخاص، الآن يقومون ببيع بضاعتهم التي عفشوها ماديا او رمزيا، بعد احتلال الدول للثورة السورية. لاحظوا الان: أمريكا تسيطر على غلة العملة الصعبة في سورية، الجزيرة السورية. روسيا وايران تسيطران على القرار السوري في المناطق التي تحت سيطرة الأسد!! وتركيا اخذت قسما من الشمال السوري. إضافة لمناطق داعش وجبهة النصرة. ومناطق خفض التصعيد التي يسيطر على معظمها الجيش السوري الحر. عن أي انتصار يتحدثون؟ من جهة أخرى الدول التي دخلت سورية لن تخرج، ابدا بعد اليوم. فعن أي انتصار للاسد تتحدثون؟ من المهم أيضا عرض جملة المساومات، والصفقات الرخيصة دوليا وإقليميا، بين الدول من اجل احتلال الثورة السورية. بدء باتفاق النووي الاوبامي وانتهاء بعودة سعد الحريري من الرياض والعدول عن استقالته. عموما هذه الصفقات لوحدها تحتاج لبحث خاص. هل كانت ستجري هذه الصفقات لولا الاحتلال الدولي للثورة السورية؟

ايلاف

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى