صفحات العالم

الثورة السورية الراهنة وحساب الاحتمالات


كميل داغر

من الواضح أن الوعود التي كان قطعها رأس النظام ،في دمشق،قبل اسابيع ،للحكومة التركية،بخصوص طريقة التعامل مع انتفاضة الشعب السوري،لأجل الحرية،والكرامة والعدالة الاجتماعية،تكشَّفت عن المزيد من الإمعان في الكذب،ولكن ليس فقط على حكومة بلدٍ مجاور بدت تقيم،على مدى سنوات،أوثق العلاقات مع نظيرتها السورية،بل أيضاً على النفس،كما على الشعب السوري،بالذات،وأبعد من ذلك على العالم بأسره.

هكذا لم يتغيَّر شيء في ممارسات نظامٍ كان قد أقدم على العديد من الإجراءات،ولو الشكلية،بخصوص قانون إلغاء حالة الطوارىء ومحكمة أمن الدولة،وأكثر من إعلان عفو عام،وأعطى تعهدات متلاحقة بالإصلاح،والمضي في مسار ديمقراطي،ولكن من دون أن ينتقل أيٌّ من ذلك إلى أرض الواقع،بالفعل.إذ لا ينفكُّ الناس يسقطون، بالعشرات، برصاص أجهزة قمع النظام ،في شتى الأيام العادية ،ولا سيما الجُمَع،عدا الجرحى والمعتقلين، الأمر الذي يسلِّط المزيد من الضوء على الاحتمال الأقرب إلى التصديق، في فهم آفاق مأزق السلطة، القائمة في دمشق، منذ أكثر من 40 عاماً، وقد بلغ هذا المأزق ذروته الآن. ألا وهي عجز هذه السلطة عن تبني سيرورة إصلاحية حقيقية لم تنفكَّ تَعِد بها منذ مجيء الرئيس الحالي، بشار الأسد، إلى قمة الهرم فيها، في صيف العام 2000. مع نتائج ذلك المنطقية، المتمثلة في المضي في المجازر إلى النهاية، كما كان أوحى بذلك ابن خال الرئيس، رامي مخلوف، في حديثه إلى النيويورك تايمز، قبل أسابيع قلائل.

العجز المشار إليه أعلاه،سرعان ما تبدّى صراحةً،في خطاب الأسد ،يوم الإثنين ،20 الشهر الماضي،الذي من الواضح أنه جاء فضفاضاً للغاية في ما تضمَّنه من وعود،عدا كون الأسد عاد مجدداً إلى نغمة بالغة الابتذال،هي تلك التي ترى في ما يحدث على الأرض السورية، منذ أواسط آذار الماضي، مؤامرةً خارجيةً يضلع فيها أُناسٌ، في الداخل ،بحيث وصل الأمر بالرئيس المذكور إلى حد إطلاقه على هؤلاء الذين يسقطون برصاص شرطته وشبيحتهالصفة نفسها التي طالما كان يطلقها العدو الصهيوني على مقاومي احتلاله،صفة المخربين.لا بل تجاوز وصف القذافي لأبناء شعبه، المتمردين على طغيانه، بالجرذان،فاعتبر من ينتفضون على سلطته الجائرة مجرد جراثيم (!!)يجب السعي لاكتساب المناعة ضدها.

وعلى الرغم من التذكير ،في الخطاب ،بإلغاء حالة الطوارىء ومحكمة أمن الدولة،والسماح النظري بالتظاهر،وحديثٍ متجدد عن الإعداد لقوانين بخصوص الانتخابات وتأسيس الأحزاب،وبحث مسألة تعديل الدستور أو إصدار دستور جديد،كان المسيطر على خطاب الأسد الحديث عن مؤامرة خارجية يضلع فيها مخربون(كذا!!)،مع ما يستدعيه ذلك من استعداد للتعامل الصارم المناسب مع هؤلاء.ومع ما يعنيه هذا ،بالضبط،من إعلان صريح عن إرادة مواصلة القمع الدموي للمظاهرات الشعبية.

بين الغلاسنوست وتيان آن مين

وبالطبع، لا علاقة لكل ذلك بالنوايا الطيبة، المحتملة، للرأس الحالي لتلك السلطة، وكان عبَّر عنها منذ ارتقائه إلى سدّة الرئاسة، حين بادر إلى التقاء جمهرة واسعة من دعاة الإصلاح في الإنتليجنسيا السورية، والاستماع إلى أفكارهم واقتراحاتهم، وأتاح ظهور سلسلة من المنابر الحرة، نسبياً، ولو لبعض الوقت.ذلك أنه سرعان ما ستوضع خاتمة غير سارة لما سُمِّيَ ربيع دمشق،ويعاد فتح السجون للعديد من الرموز التي ظهرت من على تلك المنابر،أو لهذا أو ذاك ممن سبق أن استمع إليهم الرئيس الجديد.

في غضون ذلك ،ومنذ تلك الأيام، كانت طفت إلى السطح إشارات إلى التناقضات التي ظهرت،آنذاك، داخل الكتلة الحاكمة،والتي قيل إنها حُسمت لصالح فريق متشدد ضمنها حذَّر من تكرار شيء شبيه،في سوريا،بالغلاسنوست(أو سياسة الشفافية والحريات)الغورباتشوفية،التي أدت ،في نظره،إلى انهيار الاتحاد السوفياتي،ودعا إلى اعتماد سياسة أخرى قائمة على الحزم،تستلهم تلك التي اعتمدتها القيادة الصينية،في ظل دينغ هسياو بينغ،حيال نمو الاحتجاجات الشعبية. وهي سياسة أدت، بين ما أدت إليه، إلى مجازر ساحة تيان آن مين!!

وفي الواقع،هذا ما يحصل،عملياً، منذ الخامس عشر من آذار/مارس الماضي،وإن كان يتم تبريره،رسمياً،بأكذوبة باتت فاقعة،هي تلك المتعلقة بما يوصف بالعصابات المسلحة(وغيرها من التسميات)،التي تطلق النار،بحسب الرواية الرسمية،على المتظاهرين،كما على قوى الأمن،في التظاهرات الشعبية المناوئة للنظام جميعاً،وبلا استثناء.علماً بأنه في شتى المرار التي سيَّر فيها هذا الأخير مسيرات موالية له،لم تُطلق على الناس العاديين ،أو على رجال الأمن، رصاصة واحدة ،ومرَّت كلها بسلام. تبخَّر القناصة ،والشبيحة ،والسلفيون،والمسلحون،والمخربون،بصورة مطلقة!!

أكثر من ذلك،وبخصوص الجنود والضباط الذين سقطوا إلى الآن،وهم بالمئات،بحسب إحصاءات السلطة،ثمة إجماع لدى شهود العيان،في شتى المحافظات والمدن السورية،كما وسط الآلاف من المدنيين والجنود الذين لجأوا إلى تركيا أخيراً(وحتى في حالة من سبق أن لجأوا إلى شمالي لبنان)،حول أن هؤلاء قضوا برصاص رفاقهم ،الذين تلقوا الأوامر بتصفيتهم،لكونهم ترددوا في إطلاق النار على جموع المتظاهرين.وهو ما باتت تعرفه تماماً غالبية أبناء الشعب السوري،التي تنتقل بصورة متسارعة إلى صفوف الحراك الجماهيري الحالي،مضاعفة باستمرار أعداد الناس الذين باتوا مستعدين لمواجهة قَدَر من سبقوهم إلى امتلاك الشجاعة الكافية لارتياد الشوارع ،تحت شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية،وبوجه أخص ذلك الذي يختصرها بامتياز،شعار إسقاط النظام. أي ذلك الذي يطرح ،بالضبط،ما قضى رموز السلطة الأساسيون،في أعلى الهرم،عشرات السِّنين،وهم يفعلون المستحيل لأجل الحيلولة دون حدوثه. ومن ذلك،وباختصار شديد،في الموقف القمعي الشرس من شتى المعارضات،سواء منها الطائفية اليمينية(في حالة الإخوان المسلمين،ومجازر حماه وتدمر)أو اليسارية(حزب العمل الشيوعي،بصيغته الجذرية القديمة،والحزب الشيوعي-المكتب السياسي،وغيرهما)،أو الديمقراطية البحتة(كما في حالة المنابر الحرة،في أوائل عهد بشار الأسد،ومن ثم مع جماعة إعلان دمشق)،كما في الموقف المتخاذل الفعلي من استمرار احتلال الجولان،ومن عربدة الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية،وصولاً إلى تدمير المفاعل النووي ،في منطقة دير الزور.

في شتى هذه المواقف ،كان من الواضح (وهو ما يصبح الآن أكثر وضوحاً)أن الهاجس الأهم ،لدى الهرم السلطوي المسيطر،في دمشق،إنما هو حماية نظامٍ يؤمِّن له،عدا تأبيد السلطة،عبرالتغييب التام للحياة الديمقراطية الحقيقية،وصولاً إلى التوريث،السيطرةَََ المطلقةَ على الثروة العامة،وممارسة أقصى درجات الفساد والنهب المنظم لأموال الدولة،فضلاً عن فرض الخوات الكبرى على الشركات الخاصة.وهو ما يبدو الآن في مهب رياح شعبية عاتية أطلقتها السيرورة الثورية العربية ،التي بدأت في تونس ،في الشهر الأخير من العام الماضي. رياح يدرك القائمون على النظام في دمشق أنها تهدد جدياً باقتلاعه من جذوره،ولكنهم لا يزالون يراهنون على التمكن من إخمادها،بالمزيد من الوحشية، وبإطلاق العنان لمخيِّلةٍ مريضة حقاً في ابتداع ضروب متنوعة من البطش والإرهاب السلطوي،ليس آخرها خطف الجرحى من المشافي والمساجد والمستوصفات،والإجهاز عليهم،وخطف الفتيات واغتصابهن ،وتعذيب الأطفال وبتر أعضائهم ،قبل تسليم جثامينهم المشوهة إلى الأهل والأقرباء!!وهو ما يعطي فكرة عن الجانب الخرافي من وعود رأس النظام بالإصلاح،وبإعطاء الأولوية للحوار مع” كل أطياف الشعب”،بحسب خطاب الأسد الأخير،وما إلى ذلك مما يتناقض جذرياً مع “الثقافة” التاريخية للسلطة القائمة .علماً بأن المأزق الذي بات يواجهه النظام هو من الاستعصاء بحيث تبدو المخارج،التي تراود خيال العديد من القائمين عليه،شبه مسدودة،إذا لم تكن مسدودة تماماً.

هل من مخارج ممكنة؟

إذا استثنينا مخرجاً محتملاً وحيداً، ربما يطيل من عمر النظام ، نسبياً وبصورة مؤقتة جداً،ولكن بعد أن يُدخل عليه تعديلات جذرية ،لا يعود قادراً،في إثرها،على التعرف إلى نفسه،في حين يُفسح في المجال،ضمن سيرورة قصيرة الأمد،نسبياً،أمام تجاوزه بالكامل-هو ذلك الذي تنصح به الرئيس السوري الحالي،معظمُ الحكومات ،عبر العالم،فإن المخرجين المحتملين الآخرين لا تنطبق عليهما هذه التسمية، بالفعل،بسبب خطورتهما القصوى ،ليس فقط على النظام الراهن بالذات،بل أيضاً على كامل المجتمع والدولة،في واقعهما الحالي.

ونحن نبدأ استعراض هذه الاحتمالات، من الآخرَيْن بينهما،ألا وهما احتمالا الحرب الأهلية،من جهة،وإعلان الحرب على إسرائيل ،من جهة ثانية.

1-                   فبخصوص الاحتمال الأول،إن بنية النظام بالذات-الذي يزعم زورأً أنه علماني بامتياز- تُزَكِّي بالفعل إمكانية التحول بالصراع الراهن إلى حرب طائفية أهلية،إذا أخذنا بالاعتبار تأطير القوى الأمنية والعسكرية،الذي يعكس غلبة مذهبية فاضحة،مع ما يلازم ذلك من حساسيات حقيقية،في أوساط شعبية واسعة. علماً بأن أجهزة المخابرات الخاصة بالنظام حاولت، ولا تزال، تأجيج مشاعر الخوف والحذر والنقمة الطائفية والمذهبية. وهو ما بدا بشكل فاقع منذ بدايات الانتفاضة الشعبية ،في النصف الثاني من آذار الماضي،ولا سيما في الأحداث الدموية التي عرفتها آنذاك مدينة اللاذقية. وهو ما وعاه المتظاهرون، منذ البداية ،مشددين على اهتمامهم المكثَّف بالوحدة الشعبية،ولا سيما عبر الشعار الذي طالما رفعوه،خلال مسيراتهم،ألا وهو:

واحدْ واحدْ واحدْ

سوريا شعبْ واحدْ

وذلك فضلاًعن الهتاف بشعار”لا سَلَفِيِّي ولا إخوان”،الذي تردد كثيراً خلال تلك المسيرات ،ردّاً على أكاذيب إعلام النظام.

هذا مع العلم بأن احتمال الحرب الأهلية- الذي ينبغي أن يثير ،لدى لجان التنسيق، المفترض أنها توجِّه الحراك الثوري الراهن، بصورة أو بأخرى،أقصى درجات اليقظة والحيطة،لأجل وأده في المهد- هذا الاحتمال يشكل سيفاً ذا حدَّين. ويمكن هكذا أن ينقلب بالكامل لغير مصلحة النظام،في حال انتقاله إلى أرض الواقع،وبالتالي لصالح تسريع سقوطه،بنتيجة الواقع الديمغرافي المسيطر. بَيْدَ أن ذلك سيكون ،إذا قُيِّض له أن يحدث،لقاء كوارثَ وتداعياتٍ خطيرة جداً،على صعيد العلاقات بين أبناء الشعب الواحد،كما على صعيد وعيهم الوطني ،والقومي،والطبقي،في آن معاً.

2-أما الاحتمال الثاني،الذي لمَّح إليه أيضاً رامي مخلوف،في المقابلة المشار إليها أعلاه مع الصحيفة الأميركية،حين ربط الاستقرار في إسرائيل بمثيله في سوريا(!!)،فهو تفجير الحرب مع الدولة الصهيونية،ما يغيِّر عندئذ أولويات الصراع الداخلي تغييراً عميقاً.ويعتقد البعض أن هذه قد تصبح الطلقة الأخيرة للسلطة السورية ،في مسعاها اليائس لحماية نفسها من غضب شعبها،بحيث تضع العالم بأسره ،والشعب السوري أيضاً ،أمام احتمال انفجار إقليمي كبير ،غير معروفةٍ عواقبه ،يشمل الشرق الأوسط بمعظمه،ومن ضمنه إيران.وهو احتمالٌ، بالفعل،ولكنه يبقى ضئيلاً، بالتأكيد،إذا أخذنا بالاعتبار تاريخ السلطة المعنيَّة،في تعاملها مع الكيان الصهيوني،وعدم استعدادها، إطلاقاً ،لتحمُّل أعباء حرب كهذه غير مضمونة النتائج،لا بل قد تكون كارثية لجهة مصالح الشريحة المسيطرة ،في أعلى الهرم السلطوي ،في دمشق.

3-ويبقى الاحتمال الثالث،المتمثل في تمكُّن الرئيس الأسد من تنفيذ وعوده وتعهداته بالإصلاح وإطلاق الحريات،والإفراج عن المعتقلين ،فضلاً عن تلبية النداءات والمناشدات والتحذيرات الدولية،التي تحضُّه على الكف عن إراقة الدماء.وهو ما يقال إنه وعد به رئيس الوزراء التركي،الطيب أردوغان،حين أوفد إليه وإلى وزير خارجيته،قبل أسابيع قليلة ،مسؤولاً سورياً كبيراً،من أصل تركي ،بالمناسبة،هو العماد توركماني.علماً بأنه يدرك تماماً- ومعه باقي الواقفين معه على متن مركب السلطة نفسه،وسط الأمواج المتلاطمة لثورة الشعب السوري،التي توسعت ،بصورة نوعية،منذ جمعة صالح العلي ، لتشمل مدناً إضافية،على رأسها مدينة حلب- أن هكذا “تنازلات”،إذا جرى تطبيقها حقاً،وبحذافيرها،سوف تدق ،تلقائياً،المسامير الأولى والأهم،في نعش نظامٍ بدأ احتضاره بالفعل. ومن مصلحة الغالبية الكبرى من الشعب أن يصل هذا الاحتضار إلى نهاياته ،من دون إبطاء ومن دون المزيد من الأهوال. وهو أمر يمكن أن يفتح الأبواب واسعةً،ساعتئذٍ، أمام مستقبل مشرق ،ومليء بالوعود، لسوريا جديدة.

انتصاراً لسيرورة واعدة

في شتى الأحوال،ومع أخذنا بالاعتبار قتامة المشهد وغموضه،وتناقض الإشارات التي يصدرها،والتي قد لا تكون ترجِّح الاحتمال الأخير- على الرغم من بعض المؤشرات التي شهدتها العاصمة السورية ،قبل أيام ،وتمثلت باجتماع رموز من المعارضة،وإصدارهم بياناً لصالح زوال النظام الديكتاتوري الحالي،من دون أن يتعرَّض لهم بالقمع- ،فلقد بات محسوماً أن سيرورة جديدة تندفع الآن،على الأرجح،في الخط الصاعد للتاريخ،ولن تكون واردةً العودة، بأي شكل من الأشكال،إلى الوضع كما كان معروفاً قبل الخامس عشر من آذار. وهي سيرورة في حين يتمنى جميع المخلصين ،من أعماق قلوبهم، أن تتخلص من تعقيدات المخاض الدموي الراهن،لن تُحِلَّ محل النظام الحالي- المحسومة هويته الديكتاتورية ،المعادية لأبسط تطلعات الجماهير السورية إلى إبداع مصيرها والتحكم بمستقبلها،،بما فيه على صعيد القضية الوطنية ،الموضوعة منذ عقودٍ في ثلاجة انتظارٍ ممعنٍ في التخاذل والعقم- لن تُحِلَّ ،نقول،نظاماً معادياً،هو الآخر،لمصالح الشعب،ومستعداً للتفريط بقضاياه الوطنية ،كما يزعم نُصَراء السلطة الحالية المتحمسون،في الداخل السوري بالذات ،كما في لبنان وبلدان عربية عدة. وبين الأدلة الدامغة على ذلك الرفضُ المطلقُ من جانب الشعب السوري الثائر،المعبَّرُ عنه باستمرار، لأي تدخل خارجي .

والديمقراطية التي يطالب بها هذا الشعب،الذي وصل به فسادُ الشريحة الحاكمة،ونهبُها المفرط لثروات الوطن والناس،إلى وضع معيشي مأسوي حقاً،تجمع،بالضرورة،إلى الحريات السياسية، الديمقراطيةَ الاجتماعيةَ. ومع أن جزءاً وازناً من قوى اليسار التقليدي هناك لا يزال يجد موقعه إلى جانب الشريحة الطبقية الحاكمة ،فإن الحراك الثوري الراهن لا بد من أن يحرر نسبة عالية من الشبيبة،المغلقةِ أمامها بالكامل آفاق العمل ،وشروط إنتاج حياة كريمة ،وغيرَها من القوى الشعبية المشاركة في الحراك المذكور،من أوهامٍ كثيرة بخصوص الديمقراطية البرجوازية ،من جهة،كما بخصوص الإيديولوجيا الدينية،من جهة أخرى. ولا بدَّ،أيضاً، من أن يشجع على بلورة مطلب جمعية تأسيسية تضع دستوراً جديداً للبلد يتضمن نصاً صريحاً على الدمج بين الديمقراطيتين، السياسية والاجتماعية. ومن ضمن ذلك إعادة الاعتبار لكل المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي تخلى عن معظمها النظام الحالي،والتي كانت تحققت في الفترة ما بين حركة23 شباط1966 وانقلاب حافظ الأسد في خريف العام 1970. فضلاً عن ضرورة السعي الجدي لتعزيزها والارتقاء بها إلى مستوى أكثر جذرية.

وبمقدار ما قد يحصل ذلك،تصبح الأبواب موصدة ،بالتأكيد،أمام أن ينتقل إلى الواجهة ،لاحقاً،جزءٌ أساسي من المعارضة التقليدية الراهنة ،سواء منها تلك التي اجتمعت في أنطاليا التركية،أو تلك التي التقت في بلجيكا،في الأسابيع الماضيةً؛ويمكن أن تنتج السيرورةُ الثوريةُ المعقَّدة الراهنة ،في مدن سوريا وأريافها،مع الوقت،برنامجاً وقيادة متقدمَيْن ،يستلهمان تاريخاً من الانتفاضات والثورات الوطنية،في النصف الأول من القرن الماضي،كما من التوق الشعبي الجارف إلى الوحدة العربية، آنذاك ،جنباً إلى جنب مع مطلبي الحرية والاشتراكية. وهي المطالب التي لا بد من أن تعيدها إلى أعلى جدول الأعمال السيرورةُ الثورية الراهنة ،في العديد من بلدان المنطقة.

الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى