رياض خليلصفحات مميزة

الثورة السورية العظمى

   رياض خليل

    1

    كثيرون يجمدون المشهد الدرامي/التراجيدي السوري عند لحظة محددة ، ويقيسون كامل المشهد من خلالها ، ويبنون عليها في تحليلاتهم وتوقعاتهم وتفاسيرهم . تلك نظرة تجزيئية /ستاتيكية عاجزة ومشوهة . تطمس الحقيقة بدل جلائها وإضاءتها .

    والمبدأ العلمي الأول والمفتاحي لرؤية المشهد السوري رؤية موضوعية واقعية : هو الانطلاق من كونه حركة جدلية متصاعدة لولبيا ، متنامية .. متغيرة في كليتها وتفاصيلها وآلياتها وصورها وتجلياتها في كل لحظة ويوم وأسبوع وشهر . واللحاق بالمتغيرات واتجاهاتها واحتمالاتها هو المطلوب علميا عند أية مقاربة تحليلية . ولايمكن القياس اعتمادا على الشكل السكوني الثابت المتجلي والمحدود في الزمان والمكان . لايمكن مثلا قياس أداء الثورة من خلال جزئية لحظوية . فالخط البياني العام لتطور الصراع هو المعول عليه . لاستشراف الاتجاهات ومستقبلها وأشكالها . إن الاستدلال بأشكال (معطيات) لحظوية .. عارضة .. عابرة .. غير ثابتة .. وقابلة للتبدل ، إن استدلالا كهذا غير علمي ، ولايركن إليه أو يعتد به في التحليل والدراسة والقياس والاستنتاج والاستقراء . لأن العبرة هي بالسياقات الميدانية الملموسة .. بالاحتمالات والمتغيرات والنتائج المترتبة عليها ، العبرة هي بما ستؤول إليه مجريات الحركة المركبة للصراع ، مابين القوى المتصارعة .. الفاعلة في العملية التاريخية الاجتماعية الجدلية الموضوعية .. الخاضعة لقوانين التطور الاجتماعي الموضوعية ، والتي لاتقل موضوعية عن القوانين المادية للطبيعة .. لأن المجتمع هو جزء خاص من الطبيعة ، مايعني أنه يخضع للقوانين العامة من جهة ، إضافة للقوانين الخاصة به من الجهة الثانية .

    والمبدأ الثاني : هو منهجية النظرة التركيبية التحليلية للعناصر والمكونات ، في سياق حركتها وتفاعلاتها وروابطها الداخلية/الذاتية ، والخارجية الموضوعية . في هذا الإطار والمنهج يمكن مقاربة ميزان القوى المتصارعة على الساحة السورية ، حيث المزيد تلو المزيد من الرجحان في كفة الثورة على العصابة الحاكمة . مع أن الثورة بدأت من تحت الصفر ، فيما النظام بدأ وباشر حربه وهو فوق المائة . وتغيرت المعادلة تدريجيا وانقلبت حتى لتكاد تصبح معكوسة ، وهي ستصبح بالمطلق كذلك مع مر الزمن وامتداد الصراع الميداني المحتدم بين الثوار من جهة .. والعصابة الأسدية الحاكمة من الجهة المقابلة .

    لايمكن قياس ميزان القوى من خلال تثبيت الصورة والعدسة على لحظة من لحظات سياقه . بل يجب قياسه من خلال تطوره في الزمان والمكان والصورة المتحركة . كان ميزان القوى بالمطلق لصالح النظام الأسدي ، فهل هو كذلك الآن ؟ هل هو كما كان عليه قبل سنة .. قبل أشهر .. قبل أسابيع .. وحتى أيام ؟ من يحقق الانتصارات الفعلية على الأرض .. في الميدان ؟ من يكسب الأرض ؟ ومن يكسب الناس ؟ ويربح المعارك بسهولة ويسر ؟ من يستولي على القطعات العسكرية والقواعد والمراكز الأمنية ؟ أوليس الثوار ؟ الثورة تتعاظم .. والنظام يتهالك ويضمحل ويضعف باستمرار .. لدرجة أنه عاجز عن إخضاع المناطق والناس ، أو السيطرة عليها ، إو إعادة تلك السيطرة ، أو حتى التجرؤ على الاقتراب منها .. النظام غير متماسك البنيان فعليا ، على الرغم من كونه يحاول أن يوهم نفسه والعالم من حوله بأنه متماسك وقوي وثابت ، والحقيقة هي عكس ذلك تماما . إنه لايثق بنفسه وعناصره ومكوناته ، وهو يقوم أساسا على الشك والشك بكل شيء .. حتى ولو كان من صنعه ، إنه يشك بأبنائه وشبيحته والموالين له ، ولايقيم وزنا للإنسان الذي يعمل معه ولصالحه . النظام فقد القدرة بالكامل على التكيف والتلاؤم والوفاق مع الواقع من حوله ، وهو عاجز عن التطبيع مع المجتمع ومع الذات ، عاجز عن التصالح مع نفسه ، ومع الواقع الاجتماعي والسياسي الذي صنعه بيده اللآثمة المجرمة ، النظام أكثر من شرير .. إنه مجرم مهووس مذعور من طيفه وخياله .. من نسمة الهواء التي تلفحه ، خائف حتى العظم من النظر في المرآة ، حتى لايرى قبحه ، وهو لن يصدق صورته الحقيقية التي يراها ويسمعها في مرآة الثورة . إنه لايرى سوى صورته كما يتوهمها ويعشقها ويدين بها ولها كالفصامي المنفصل عن الواقع تماما .. النظام دخل مرحلة الموت .. بل وصل إلى نهاياتها المفجعة .. واقترب من لحظة لفظ الأنفاس الأخيرة .. لكنه لن يقتنع ولن يصدق ، ولايريد أن يسلم أو يستسلم ، ولذلك استحق المصير البشع الذي واجهه الطغاة قبله هم ومن يدور في فلكهم من عبدة وغوغاء ورعاع ومرتزقة فاسدين .

    ميزان القوى متحرك ، باتجاه إسقاط النظام تماما .. الثورة ليست هي القوى التي نراها الآن ، بل هي القوى التي بدأت من تحت الصفر ، وتنامت ، وتعاظمت ، حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن ، ولن تتوقف ، وستستمر بالنمو والتعاظم ، وبشكل متسارع وبما يشبه المتوالية الحسابية ، حتى تسحق النظام ، وتنظف الساحة السورية منه ومن آثاره وتبعاته ، الثورة ستستمر وتستمرحتى بعد إسقاط النظام … وستنقلب المعادلة ، وتتحقق نظرية أو قانون التناسب المتعاكس مابين الثورة والنظام ، حيث كلما نمت وقويت الثورة ، ذبل وضعف واضمحل النظام حتي يبلغ ماتحت الصفر ، والثورة تتجاوز المائة . وتسيطر على كل شيء ، وتبدأ مرحلة انتقالية صعبة تتمثل بإعادة بناء سوريا الثورة الديمقراطية المدنية التعددية الجديدة ، وتطهيرها من رواسب وآثار وأمراض النظام الاستبدادي الأسدي الآثم .

    2

    بدأت الثورة من تحت الصفر ، حيث كانت سلمية بامتياز ، ولفترة ستة أشهر ، وكانت الطغمة والعصابة الحاكمة في ذروة قوتها ، ولم يكن لديها أي وازع أخلاقي ، ولا أي معيار حضاري يمنعها من استخدام أقصى ماتملكه للبطش بالثورة السلمية النظيفة والبريئة مما اتهمها النظام به من اختلاقات زائفة وملفقة . مارس النظام كل الشرور والأعمال الشنيعة من نصب واحتيال وكذب كأدوات في حربه القذرة ضد الشعب السوري ، وتعامل معه وكأنه العدو اللدود الأشد خطرا على حياته وبقائه في السلطة . كان النظام الأسدي الوحشي يرى في الوردة وغصن الزيتون والابتسامة والدعوة بالتي هي أحسن ، كان يرى بالمتظاهرين السلميين شياطين وقتلة ومجرمين وسفاحين . وكان يواجه الحب والوردة والابتسامة والورد بالرصاص والقذائف والنيران الحاقدة ، والعنصرية المطلقة ضد كل ماهو إنساني وعادل ، واجه الشعب بالغدر والخيانة والمراوغة والإنكار . واستخدم أوسخ الأساليب وأحطها للقضاء على الثورة والثوار والناشطين السلميين . كان النظام يدفع بكل قوته باتجاه عسكرة الثورة لتبرير ردود فعله الهمجية الهادفة إلى قمع الثورة والقضاء عليها تماما . ولم يتمكن من إخفاء أهدافه على الرغم من الكذب والتزوير للحقائق . وحصل أن الجيش السوري البطل لم يتمكن من الوقوف موقف المتفرج ، ولا المشاركة في ذبح أهله من المدنيين العزل . وبدأ الانشقاق تباعا ، وولد الجيش الحر من صميم الثورة والشعب ، وجعل رسالته ” حماية أهله ” من الجور والعسف والموت العبثي الجنوني الذي يمارسه النظام وأجهزته الأمنية ضدهم . ومن هذا المنطلق بدأ الجيش الحر بالانشقاقات وتشكيل قواه على الأرض التي انحازت له . وتنامت قوته بشكل متسارع وقياسي في كل أنحاء سوريا . وتمكن من السيطرة على القسم الأكبر من سوريا خلال سنة . مقابل فقدان النظام لسلطته وسيطرته عليها بالكامل . ووقع النظام في شر أعماله . حين انقلب السحر على الساحر . وتحول من مهاجم إلى مدافع . أصبح النظام خلال سنة محاصرا في ماتبقى من مواقعه وترسانته العسكرية المتآكلة والمهترئة . ولم يعد يملك سوى فائض القوة النارية التي يهدرها ويسرف في استخدامها سدى ، ويقامر بإفلاسها وخوائها وخسارتها ونضوبها على مر الزمن في سياق معركة لن يربحها . لأنها معركة ضد نفسه وذاته وبنيته وأدواته . النظام يحارب روحه وجسده ومؤسساته وعناصره ، إنه ينتحر بالمعنى الكامل للكلمة . إنه يخسر قواه العسكرية والأمنية والسياسية يوميا . إنه ينزف بلا توقف . ينزف جنودا بالانشقاق والموت والتسرب . ويفقد إلى حد كبير موارده وكوادره البشرية من احتياط وخدمة إلزامية ومتطوعين ومحترفين . وهذا يشمل بناه السياسية والحزبية والنقابية والمدنية وكل شيء . ولن ينجيه من الهلاك مايتلقاه من الدعم الاسعافي اللامحدود من قبل إيران وروسيا وحزب الله وسواهم من حلفاء الاستبداد والشر حول العالم .

    الثورة تكبر .. تتنامى .. تتعاظم .. تقوى ، مقابل نزف النظام ، واحتضاره ، ونضوب مقومات حياته وبقائه في سدة السلطة . الثورة تربح ، والنظام يخسر ، بكل المقاييس ، والخط البياني للصراع يشير ويؤكد أنه صاعد بالنسبة للثورة ، وهابط أو نازل بالنسبة للنظام . والنتيجة هي انتصار الثورة على النظام ، وقرب اجتثاثه من جذوره بكل رموزه ومرتكزاته ومقوماته وتجلياته في الحياة السورية الجديدة

    لم يعد أمام السوريين من خيار سوى استئصال هذا المرض الوبائي الخطير: أي النظام الأسدي . لأن في ذلك حياة للسوريين . وحماية لتلك الحياة ، وصونها ، وتصحيحها ، وتطبيعها ، عبر دمقرطتها . وهذا ما نضج أوانه ، وقريبا من التحقق . الثورة تنتصر ، والنظام إلى جهنم وبئس المصير في القريب العاجل لا الآجل .

    كل خطوة يخطوها النظام باتجاه إطفاء جذوة الثورة .. تزيدها اشتعالا ، وهي خطوة إلى الوراء ، على طريق الهاوية ، والسقوط المريع المدوي .. في اللحظة المناسبة ، حيث الانتقال من التراكم الكمي للثورة ، إلى الانقلاب النوعي والانعطاف الصاعق والسريع نحو الإجهاز على بنية العصابة الأسدية/القرداحية المجرمة ، التي تحشرج وتلفظ أنفاسها النتنة ، وتفوح منها رائحة الموت .

    مواقع النظام تتهاوى بسهول

    ة ، كل يوم يخسر وحدات وقطعات عسكرية وأمنية ، ومواقع استراتيجية . ليس هذا غريبا ! لأن النظام بغبائه أمر الجيش بإعلان الحرب على نفسه ومجتمعه وأهله ، وليس على العدو الإسرائيلي ! ومن الطبيعي أن يتمرد الجيش على تلك الأوامر المجنونة ، وينشق ، ويقف إلى جانب الشعب والأهل في المدن والقرى . ولن يقبل أن يخوض معركة ضد الوطن والشعب . والحد الأدنى من العقلانية والانسجام مع الغريزة الاجتماعية يتطلب هذا . وهو ما فرض ضرورة إسقاط النظام بالقوة العسكرة ، بسبب انعدام أي خيار أو حل سياسي سلمي .

    المعركة لن تطول أكثر . وموعد النصر اقترب جدا . وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون ,

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى