صفحات سورية

الثورة السورية.. المخاطر والتحديات

 

أحمد العجيلي

تدخل الثورة السورية عامها الثالث في مواجهة نظامٍ شموليٍّ ديكتاتوري قلّ نظيره في تاريخ البشرية. قدّم السوريون خلال ما يربو على عامين أزيد من مئة ألف شهيد ثمناً لحريةٍ مبتغاة، وأكثر من مئتي ألف معتقل في سجون النظام، ناهيك عن ملايين المهجّرين والمشردين داخل وخارج سورية.

ولابدّ لنا إن أردنا الوقوف على حقيقة ما يجري في سورية، من الصدق أولاً مع الذات، والانطلاق من المعطيات الحقيقية على الأرض، وقراءة الواقع المعيش داخل سورية بشفافية وبعيداً عن العواطف بغية استظهار ما تعانيه هذه الثورة اليتيمة – إن صحّ التعبير.

فالمثل العربي يقول: ‘ما حكّ جلدك مثل ظفرك’. ولكن ما السبيل إلى تحقيق هذه المقولة إن كان ظفرك ينغرس في جلدك، ويُدمي جسدك ممزقاً إيّاه إرباً إرباً؟ فالواقع لا لبس فيه، والأحداث على الأرض قد تكون أكثر فظاعةً مما تنقله وسائل الإعلام، أو كلماتنا هذه.

والمتتبع للحراك السياسي للمعارضة لا يجد سوى تصريحات إعلامية، وبيانات على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تعدو كونها أكثر من استجداءاتٍ وطلبات استرحام واستعطاف لا ترقى إلى مستوى تمثيلها لشعب قام بأعظم ثورة عرفتها البشرية، ووقف بوجه آلة الدمار الفتّاكة على مدى عامين متواصلين. وكلّما وقعوا في مأزقٍ، أو صدمهم النظام بحركة خبيثة، وظهرت خلافاتهم ومناكفاتهم على الملأ، تجدهم يتخبطون ولا يجدون سوى شماعة التصحر السياسي الذي شهدته سورية خلال فترة حكم الأسد الأب والابن. أليس حرياً بهم ألا يقامروا ويغامروا بمستقبل هذا الشعب؟ ولكننا: نعيب زماننا والعيب فينا…

نحن في مواجهة أعتى نظام في العالم من حيث البطش والإجرام الممنهج الذي يمارسه بحقّ الشعب السوري، ولكننا أيضاً في مواجهة نظام اعتاش على الأزمات، وأجاد اللعب بأوراق المنطقة، وبرع في صناعة التحالفات التي ضمنت له استمرار حكمه طيلة أربعة عقود، حتى لو كان ثمن هذه التحالفات بيع الجولان وفلسطين وحتى درعا ودير الزور إن اضطرته الظروف إلى ذلك.

إذاً ما نحن بحاجة إليه هو قيادة سياسية حقيقية من رجالات مارسوا السياسة بشكلٍ عملي أكثر من قراءتهم لنظرياتها في كتب الجامعة. فضعف النخب السياسية وتمزقها، يؤثر سلباً بشكلٍ أو بآخر على أداء كتائب الجيش الحر على الأرض، ويؤدي إلى تشتتها وتمزقها تبعاً لتشرذم الممولين واختلاف رؤاهم، وما أكثرهم.

فلو أعدنا النظر إلى خريطة العمليات العسكرية بعيداً عن تحليلات قناتي الجزيرة والعربية، وما تمارسانه من دور كبير في رفع المعنويات، وإظهار انتصارات الجيش الحر على الأرض- التي لا يمكن إغفال حقيقة جزء كبير منها. إلا أنه وفي مقابل ما تحققه تلك الكتائب على الأرض من انتصارات، ومن تحرير لمواقع استراتيجية ومطارات ومدن، فإننا نواجه كثيراً من المعوقات على صعيد العمليات العسكرية، فضلاً عن تشرذم هذه الكتائب على الأرض، وتحوّل كثيرٍ من قادتها إلى أمراء حرب غرّتهم انتصاراتهم، لتغدو هذه الحقائق نتاجاً طبيعياً للترهل السياسي الذي تعاني منه المعارضة.

فلا يمكن لأحدٍ أن ينكر تلك الحوادث التي جرت في حلب، ودير الزور وحمص والرقة وإدلب، حيث تقاسم قادة بعض الكتائب مقدّرات الدولة، وباعوها بأبخس الأثمان بحجّة ‘الغاية تبرر الوسيلة’، وأنّها معارك جهاد في سبيل الله، والمجاهدين بحاجة إلى التمويل بعد أن تخلى المجتمع الدولي عنهم.

ولاشكّ أن الرقة تعدّ أنموذجاً حيّاً وقائماً على مثل هذه الممارسات، فبيع معدّات وآليات الدوائر الرسمية، وبيع مخزون السكر والقطن والاتجار المحلي بالنفط الخام، وكلّ هذه الأمور تديرها كتائب قامت بتحرير الرقة – على حدّ وصفهم – تجاهد في سبيل الله ، وتعتبر هذه المقدّرات غنائم يكفي أن تكبّر عليها لتكون حلالاً طيباً .

طبعاً هنا لا نبخس هؤلاء الثوار حقّهم، فهم من بذل دمه رخيصاً في سبيل تحقيق النصر، ولكن هذا لا ينبغي أن نسمح باستباحة الوطن، وأن نسكت عن مثل هذه الممارسات التي تضرّ بالثورة وأهدافها، كما أنه من شأنها أن تدمّر ما تبقى من البلد، وتهدمه وتقوّض مؤسساته.

من هنا نقول: إنّ المسارين السياسي والعسكري متلازمان، وإنّ تأخر أحدهما، وضعفه ينعكس بشكلٍ أو بآخر على المسار الثاني. والنتيجة هي تمزّق البلد وجعله عرضة للتقسيم والتشرذم، ودخول البلد في أتون حرب أهلية، مع صعود أسماء كثيرة شكّلت ميليشيات مسلحة ستحرق ما تبقى من البلد، وسرعان ما تنتشر هذه المعارك انتشار النار بالهشيم لتحرق كلّ ما حولها.

حينئذٍ ربما سيخطر ببـــال الولايات المتحدة والمجتمع الدولي التدخل لحماية ربيبــــتهم إسرائيــــل والحفاظ على أمنها بعد أن تكون سورية قد دمّـــرت بأكملـــها. وسيكون الثمن باهظاً ما سيدفعه السوريون الذين عانوا ولازالوا يعانون الويلات من طائرات الأسد وصواريخه، في ظل تلك الممارسات الصبيانية للمعارضة، وصولاً إلى تلك الاخطار المحدقة نتيجة فوضى السلاح وانتشار أمراء الحرب على امتداد البلاد.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى