صفحات العالم

الثورة السورية بين شريطي «يوتيوب»

ديانا مقلد

دندنت الشابة السورية من دون كثير تفكير الأغنية قبل أن تتنبه إلى أن بعض من كان يجالسها قد امتعض وتغير وجهه ونظر إليها باستغراب. استدركت الفتاة وقالت إنها تغني هذه الأغنية لتسخر منها وتحول سماعها إلى شأن عادي ولتسقط من وجدانها ذلك الخوف الذي اعتراها حين سمعتها وشاهدت من غناها للمرة الأولى.

والأغنية التي رددتها الشابة السورية هي تلك التي انتشرت عبر «يوتيوب» في الأسبوعين الأخيرين، ولاحقا بثها إعلام غربي وآخر عربي وجد في الشريط وثيقة إدانة بحق الثورة السورية.. إنها الأغنية التي أداها طفل سوري لم يتجاوز الثامنة، محمول على الأكتاف في مظاهرة لجبهة «النصرة» في مدينة بنش شمال سوريا وكرر فيها الطفل وهو يبتسم وسط حماسة حامليه والمتظاهرين حوله تهديدات طائفية ومديحا لزعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن. ذروة المشهد في أغنية الطفل كانت لحظة ناوله المتظاهرون سكينا أمسكها ومثل وهو ممسك بها كيف سيذبح «الخصوم» من العلويين والشيعة.

وللحقيقة فإن طفل بنش الذي أخذته الحماسة من هتافات حامليه خلف فينا حزنا وهلعا وحيرة. حقا أيهما أقسى، مشهد طفل مطعون بال على ثيابه من الخوف قبل أن يقتله شبيحة النظام، أم طفل لم تغادره ملامح الصغار يستدرج ليكون ذباحا؟ هل باتت المعادلة طفلا مذبوحا في مقابل طفل ذابح؟

نعم النظام فعل ما بوسعه ليصار إلى إنتاج مثل هذا الفيديو. ولا شك أن شريط طفل بنش يمثل لحظة فاصلة لدى من كان يتردد من المعارضة السورية في إعلان موقف واضح ضد جبهة النصرة التي تسدد ضرباتها ضد أهداف الثورة ومعانيها قبل أن تنال من النظام.

قبل شريط طفل بنش كان الصدام بين «النصرة» وطيف من معارضي الداخل يطفو عبر قصص صغيرة كثيرة في أكثر من بلدة ومنطق.. فمثلا، مظاهرة في بلدة سراقب شمال سوريا تدعو لسوريا إسلامية ترد عليها أخرى بأن سوريا مدنية. طردت «النصرة» صحافيات من سراقب فعمد ناشطو الثورة إلى مجابهة «النصرة» وتقويض تدخلها.

بعد ظهور شريط أغنية الطفل ظهر فيديو آخر لناشطين يسألون الطفل نفسه لماذا غنى ما قاله، فرد عليهم بأنه ردد ما كان يطلب منه أن يقوله. ما هي سوى أيام حتى ظهر فيديو جديد لشابة استخدمت نفس لحن وقافية أغنية طفل بنش ولكن بمعان نقيضة حول أخلاقية الثورة وعدالتها ورفض مبدأ الانتقام.. فالأغنية الطائفية قالت: «شرطة نصيرية صبرا يا علوية بالذبح جيناكم بلا اتفاقية.. قالوا لي إرهابي قلت الشرف لي إرهابنا محمود دعوة إلهية».

أما ناشطو الثورة فردوا «منعمر سوريا دولة مدنية.. الشعب السوري ثار بدو حرية.. العدالة مطلبنا لا حقد لا انتقام.. أخلاقنا نحنا رح تسقط النظام.. الثورة ثورتنا عن دربها ما منحيد».

تبدو الثورة السورية اليوم عالقة بين شريطي فيديو وأغنيتين!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى