صفحات سوريةعلي العائد

الثورة السورية بين لحية الإسلاموي والحذاء العسكري/ علي العائد

 

 

الآن، يبدو السوريون، عموماً، أمام أحد خيارين: إما الاصطفاف وراء لحية الإسلاموي الممثل في داعش في أبشع صور الذين يدعون الإسلام ويجزون الرقاب بشبهة “الحسبة” التي تخرج حتى السوري المسلم من دينه لمجرد لغو في اللسان؛ أو الاصطفاف وراء مؤلهي جزمة العسكري الذي يعتبر السوري داعشياً، أو “عرعورياً”، لمجرد قول “الله أكبر”.

كلا الخيارين مساق بدافع الخوف من كلا الطرفين، أو من قادم أعظم. ولا حظ للائتلاف في خيارات السوريين في هذا الخصوص.

منطق الخيارين بدأ بترويجه النظام السوري منذ مارس (آذار) 2001، ووصلت النظرية إلى داعش وطبقتها وفق رؤيتها.

في الحقيقة، منطق الطرفين واحد ينظر إلى الآخر لا كفرد، وإنما كقطيع، وكل من يخرج عن طاعة “الراعي” يجب ذبحه.

سيناريوهات الذبح لا تختلف، من حيث النتيجة، بين نظام بشار الأسد، ونظام داعش، سوى أن داعش فَجَر في التباهي بفيديوهات الذبح، بينما تهرَّب النظام في كل مرة من الاعتراف بمذابحه، بما فيها الإبادة الجماعية بالأسلحة الكيماوية، والبراميل المتفجرة، والصواريخ سيئة التوجيه.

وكما وزع النظام ظلمه بعدالة على السوريين جميعاً، تحاول داعش توزيع ظلمها بميزان العدالة نفسه، مع فارق الخبرة والأدوات التي يملكها كل منهما. فالنظام راكم خبرة ظلم خلال 44 سنة، مستفيداً في كل مرة من صفقات مع الغرب كلما انتقد الأخير النظام في مجال حقوق الإنسان. وفي كل صفقة، كان النظام يقدم تنازلاً ما، مقابل إطلاق يده في رقاب السوريين، واللبنانيين، ماراً بخبزهم وكرامتهم. وفي مرات أخرى، قدم الغرب تنازلات لنظامي الأسد الأب والابن في مقابل خدمات قدمها النظام للغرب، في عام تحرير الكويت من نظام صدام حسين عام 1991، وكذلك في عام 2008 بعد أن وجدت أميركا نفسها في أزمة خلال نمو بذور داعش في العراق.

وقتها، قدم النظام لأمريكا خدمات في مواجهة الإرهاب، فخففت أميركا، وخاصة فرنسا، من قبضتها على النظام في خصوص اتهامه باغتيال رئيس لبنان الأسبق، رفيق الحريري.

سوريا مثلت دائماً سرة منطقة شرق المتوسط، حتى في ما قبل استيلاء البعث على حكم البلاد، وخاصة مع سيطرة نظام حافظ الأسد المديدة على جغرافيا لبنان، منها تمر تجارة المخدرات من لبنان إلى تركيا، وإلى دول الخليج عبر تجارة الترانزيت، وعبرها مر الإرهابيون إلى العراق، بالمشاركة مع إيران التي مررت القاعدة عبر أراضيها من أفغانستان إلى العراق أيضاً. وعندما أمن النظام السوري من لبنان المتهم بتمرير انقلابات الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، لعبت دور تمرير المؤامرات إلى تركيا والعراق.

كانت الحرب الاستخباراتية متبادلة بين النظام وكل من الدولتين، على الأقل حتى انشغال نظام صدام حسين بحربه مع إيران، بل وإثنائها، وقبل أن يكشر رئيس الوزراء التركي، مسعود يلمظ، عن أنياب الدولة التركية ويتعهد باقتلاع عيني من يطمع بالأراضي التركية.

وقتها، بدا حافظ الأسد كالأرنب، ولعب الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك دوراً في نزع فتيل الأزمة مقابل تخلي النظام السوري عن استضافة عبدالله أوجلان ودعم حزب العمال الكردستاني في حربه المديدة مع تركيا. بعدها، لم يطل الأمر قبل قبض المخابرات التركية على أوجلان في كينيا في 15 فبراير (شباط) 1999 (تركيا أعلنت أن الولايات المتحدة ساعدتها، وإسرائيل أعلنت أنها قبضت على أوجلان خدمة لتركيا). حُكم على أوجلان بالإعدام في يونيو (حزيران) 1999، لكن الحكم تحول سنة 2002 إلى السجن مدى الحياة بعد إلغاء عقوبة الإعدام.

النظام السوري لم يتغير عن ذلك العهد في تعامله مع السوريين، ولا تغير كبيراً في معاملة الغرب له، لكن ظهور داعش وأخواتها جعل الغرب في تردد أكبر تجاهه، هذا إن كان الغرب متردداً تجاهه أصلاً، فمنطق المصالح يجعل الأخلاق في السياسية معادلة صفرية.

الآن، لا يحتاج السوريون، في العموم، إلى سحر الداهش لمعرفة ما مرت به ثورتهم السهلة الممتنعة قبل أن تدخل في صياغتها خوارزميات العرعور. ولن يحتاجوا في توقع مستقبلهم إلى مصفوفات داعش مستحيلة التطابق مع مزاج عموم السوريين الذين نادوا بالكرامة في ثورتهم قبل أن تتقاسم اختطافها لحية الإسلاموي والحذاء العسكري.

العرعور تاريخ مضى يمكن قراءته ونقده. أما داعش، فحاضر مظلم لا يملك السوريون تجاهه سوى الصبر، وكما جالت فصائل خلال الثورة ثم زالت، فإن لداعش جولة وسيزول.

وما بين الحدين الأكثر صعوبة، يحتار المراقب في بقاء معادلة النظام التي لا ترقى لمرتبة أكثر من معادلة من الدرجة الأولى، كأسهل المعادلات حلاً. على الرغم من ذلك، ما زال النظام صاحب الكلمة الأوضح في كل مآسي الثورة، وهو الأكثر تماسكاً، وتنظيماً، والأفضل تسليحاً وتمويلاً ودعاية، وهو – على علاته – الممثل القانوني للدولة السورية أمام العالم الذي يدعي أنه فقد الثقة فيه.

موقع 24

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى