زين الشاميصفحات سورية

الثورة السورية … تختنق

زين الشامي
في الخامس عشر من آذار الماضي كانت الذكرى السنوية الاولى للثورة السورية، ففي ذلك اليوم من عام 2011 خرج المئات من الشبان والشابات في سوق الحميدية وسط العاصمة دمشق وتظاهروا هاتفين للحرية والكرامة، حينها أيقن الكثيرون ان رياح التغيير وموجة الربيع العربي قد وصلت سورية، رغم أن الكثير من المراقبين توقعوا ألا يحدث شيء في هذا البلد نظرا لقوة النظام وبطشه، أو ربما لاختلاف سياساته الداخلية والاقليمية والعربية والدولية عن بقية الانظمة التي تهاوت قبله في تونس ومصر.
لكن ما حصل قد حصل، وها هي الثورة السورية تقطع عامها الاول وتدخل مسارات ومنعطفات ومدة زمنية واعداد ضحايا- مرشح للزيادة- لم يكن ليتوقعها احد من قبل.
هذا ان دل على شيء فإنما يدل على صعوبة الحالة السورية عن غيرها، ويبرهن اختلاف النظام السوري عن غيره من الانظمة التي سقطت وتهاوت او تركت السلطة منحنية امام موجة التغيير التي هبت على العالم العربي.
ورغم انها كانت الثورة «الأكثر ادهاشا» على حد تعبير احد الكتاب والمثقفين السوريين لأن السوريين تحدوا «المستحيل»، فإن ذلك لا يعفي من نقد بعض مسارات الثورة والاتجاهات التي مضت اليها لأسباب منها ما هو يتعلق بالنظام السوري، ومنها يخص المعارضة السورية نفسها، واخرى تخص طريقة تعاطي المجتمعين الاقليمي والدولي مع ما يحصل في سورية.
نحن نعرف والعالم كله رأى كيف ان النظام السوري، ونتيجة لاتباعه خيار القمع الوحشي ضد المنتفضين، هو من اجبر المححتجين الى اللجوء الى خيار الدفاع عن النفس وبالتالي التفكير بحمل السلاح لمقاومة عناصر الجيش السوري والقوات الامنية، وبالتالي تراجع الخيار السلمي و اللجوء الى السلاح. فالنظام السوري ومنذ بداية احداث درعا، اقحم الجيش وارسل الدبابات لمحاصرة القرى والبلدات وقتل المتظاهرين وعاث فسادا في قلب مدينة درعا وجامعها «العمري» وارتكب مجازر بحق العديد من العائلات هناك، ما اضطر الالاف من اهل «حوران» الى الهروب نحو الاردن خوفا من بطش النظام والموت.
لقد اثبت الاحداث اللاحقة، مع كل أسف وحزن، ان «غياث مطر» الناشط الذي عرف بتقديمه الورود وزجاجات المياه للجنود السوريين خلال محاصرتهم بلدته «داريا» قرب دمشق، كان شابا رومانسيا وحالما ولا يعرف شيئا عن حقيقة النظام وحقيقة الجنود والضباط الذين كان يتعامل معهم، فهذا الشاب نفسه، قتل بعد ايام قليلة على اعتقاله تحت التعذيب، كما قتل الآخرون من الشبان امثاله الحالمين بثورة نظيفة وسلمية.
اسلوب النظام في درعا وداريا تكرر لاحقا في بانياس وقرية «البيضة» واللاذقية ودوما وحرستا والقابون وداريا وتلبيسة والقصير وكل احياء حمص ودير الزور وحماه وادلب وجسر الشغور ورنكوس وغالبية المناطق المشتعلة. فمدينة حماه على سبيل المثال التي خرج فيها مئات الالاف للتظاهر كل يوم جمعة حاملين الورود فقط، ووجهوا لاحقا بعملية اقتحام مروعة للجيش والقوات الامنية والشبيحة بددت كل اوهامهم عن «السلمية». خلال عملية الاقتحام تلك قتل المئات ودفن الحمويون قتلاهم و«الحالمين» منهم في حدائق البيوت، لأن الطريق الى المقابر كانت غير سالكة بسبب انتشار القناصة وآلة القتل «الأسدية» في كل مكان.
هذا كله نعرفه، نقصد، ان النظام تعامل بوحشية مريعة مع الشبان المنتفضين، لكن في الوقت نفسه ليس هو وحده الخطر الذي يمكن ان يهدد الثورة السورية بالاختناق او ربما التراجع والنكسة او الفشل.
احد اهم الاسباب التي أوصلت للمأزق الذي تعيشه الثورة السورية يتعلق بآلية تعاطي المجتمع الدولي مع ما يحدث، لقد رأينا نوعا من «العجز» وربما «التواطؤ» غير المعلن بين جميع القوى الكبرى على خنق هذه الثورة، فعلى سبيل المثال، و بعد مرور نحو خمسة أشهر على بداية حركة الاحتجاج ومقتل نحو ألفين من السوريين، اتت مطالبة الرئيس الاميركي باراك اوباما الرئيس السوري بالتنحي.
بدورها وقفت روسيا وايران بكل قواها الاقتصادية والعسكرية والاعلامية والديبلوماسية مع النظام السوري، فيما فضلت دول كبرى ومهمة ومؤثرة مثل البرازيل والهند وجنوب افريقيا تصديق رواية النظام السوري عن الاحداث التي تجري. على المستوى العربي كان مؤسفا ومريبا ان تختار دولا مثل العراق ولبنان والجزائر، وكل لأسبابه، الانحياز الضمني للنظام السوري والوقوف في صفه. بالتأكيد نحن نتحدث هنا عن المواقف الحكومية والرسمية وليس الشعبية لتلك الدول. أما تركيا فمثّلت الى اليوم «ظاهرة صوتية» على الصعيد السياسي والعملي اكثر من كونها دولة تقف مع الثوار وتدعمهم، واثبتت تطورات الاحداث ان لها الكثير من الحسابات الاقليمية والهواجس الداخلية، كما انها لن تستطيع ان تتخذ مواقف عملية لصالح المنتفضين اذا لم تحصل على تغطية كاملة من المجتمع الغربي والولايات المتحدة تحديدا.
بدروها أثبتت كل مجموعات المعارضة السورية انها «منخورة» من الداخل، ومعطوبة وعاجزة عن مجاراة ما يجري على الارض ومواكبته سياسيا وتنظيميا، لقد كشفت الاحداث عن حقيقة الخراب الذي يعم داخل كل مجموعات المعارضة السورية سواء منها من تتواجد في الداخل او الخارج. ففي حين كان المتظاهرون يسقطون في «بابا عمرو» وادلب، ودرعا وغيرها من المناطق، كان «نجوم» المعارضة على شاشات التلفزيونات وصفحات «الفيس بوك» ينهشون ببعضهم متناسين ان معركتهم الاساسية مع النظام السوري وليس مع بعضهم البعض..
فرض التسلم على المحتجين بسبب عنف النظام، وأداء المعارضة السورية، ثم الأداء الدولي وطريقة تعاطي الدول الكبرى البطيئة والباردة مع الثورة السورية، بطش النظام وازدياد اعداد الضحايا وتدهور الحالة المعيشية للمحتجين، كلها اسباب اساسية سيكون لها أكبر الاثر على استمرار وانتصار الثورة السورية. نقول ذلك رغم ايماننا العميق ان النظام السوري اضعف من ان يستمر او يحكم او ان يقبله السوريون في قادم الايام.
الراي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى