صفحات سورية

الثورة السورية تطور نفسها

 


محمد رشيد

الثورة السورية زهرة ثورات القرن الواحد والعشرين – ثورة شقايق النعمان –

بعيدا عن قانون التطور الاجتماعي والقانون الموضوعي الكلي ومفهوم الكم والكيف والطفرة والفهم المادي الجدلي للارتقاء والطفرة ( الثورة ) , والتي هي بمجملها صادقة في جميع عمليات التطور في الطبيعة والفكر والمجتمع , وذلك بحسب المفهوم العلمي بان العلم هو الحقيقة الموضوعية المستمدة من الملاحظة .

فالثورة السورية المعاصرة بقدرتها واقتدارها وطاقاتها وقواها الكامنة المتمثلة في عناصرها الفاعلة , تطور نفسها بنفسها تبعا لظروفها العملياتية الانية والتحرك بديناميكية فاعلة لايمكن لأي باحث او محلل استراتيجي رؤية افقها المنظور سوى الانتصار الحتمي , وبان الثوار يخلقون الظروف المادية الملموسة ويعتمدون على الايمان الروحي لاستمرارية الثورة , فالغاية والهدف من استمراريتها هو اسقاط النظام وايجاد البديل التعددي القائم على الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة التامة بين المواطنين على اختلاف مكوناتهم الاثنية والدينية والمذهبية والطائفية وتمتع الجميع بحقوقهم المشروعة .

فمن خلال متابعة التظاهرات التي تخرج في المدن والبلدات السورية وقيادة الشباب لطليعتها الصدامية , فان الامور بدأت تاخذ منحا ثوريا جديدا قلما تواجد في الانتفاضات والثورات الاخرى في العالم , فاذا كانت الثورات التاريخية السابقة منقادة من طليعة ثورية بزعامة نخب طليعية منظمة جهزت نفسها وعلى مدار سنوات عدة , مثل كومونة باريس والثورة البلشفية والثورة الكوبية ( التي اجتاح المقاتلون الكوبيون الجزيرة بخوض حرب العصابات ) او ثورة القرنفل في البرتغال في منتصف الثمانينات او الثورات الغير منظمة التي اجتاحت منظومة الدول الاشتراكية نهاية الثمانينات من القرن المنصرم , وثورتي تونس ومصر قبل عد اشهر , او الانقلابات العسكرية التي اطاحت بالانظمة واطلقت على نفسها تسمية ثورة , كأنقلاب الضباط الاحرار في مصر 1952 وفي سورية انقلاب البعث 1963 او في العراق انقلاب عبد الكريم قاسم عام 1958 .

فالثورة السورية لها مضمونها وشكلها ومظهرها السلمي وخصوصيتها وتطورها الذاتي الخاص بها في مواجهة نظام بوليسي عسكريتاري شرس لم يتواجد في اية دولة اخرى من دول العالم سوى نظام الخمير الحمر في كمبوتشيا من القرن المنصرم , اذ تم قتل اكثر من مليون ونصف مواطن كمبودي على يد بول بوت وكتائبه الهمجية وأحال البلد الى ثكنة عسكرية او ماعرف آنذاك بمجتمع الهندسة الاجتماعية .

وقود الثورة ومحركها هم الشباب الذين لم يكونوا منظمين وانما كان لديهم الايمان والعزيمة والعزم بانه سيكون اليوم المشهود في مقارعة النظام وأجهزته وآلتة الجهنمية التي يملكها , وبدافع من حس وطني بقضيتهم العادلة في الدرجة الاولى ونبوغهم في التضحية بأنفسهم باسم المستقبل, والاحتقان الذي اوجده النظام السادي القمعي في كبت الحريات والحجر على العقول بمنظومة فكرية منهجية جعل من ابناء وبنات الشعب السوري في مصاف العبيد والارقاء والأماء , كل هذا جعل من الشباب السوري بان يضعوا دماءهم فوق اكفهم ويواجهون الموت مؤمنين بعدالة تحرر ابناء شعبهم والخلاص من حكم نظام سادي جائر يحكمهم لاكثر من اربعة عقود , وبعدم الالتفات الى الوراء واقتحام غمار معركة سلمية ضارية , والاندفاع لخوض المنازلة والتحدي لاجل مصلحة الوطن والمواطن ولانتصار الثورة والوصول الى الهدف المبتغى , وهو اسقاط النظام ومن دون أي مشروع او مخطط لاستلام السلطة , سوى التمتع بالحرية والعزة والكرامة . كل هذا يستحق التوقف والدراسة لهذه الثورة الفريدة ومن جوانب متعددة .

ومن الاهمية ذكر بان النهج والالية التي يعتمد عليها الثوار في الاستمرار بثورتهم هو الاصرار والتحدي والحس الثوري في قيادة الاحتجاجات والتظاهرات ومن دون النظر الى عامل الوقت والذي لربما سيستغرق شهور عدة الى ان ينهك النظام .

ولعل من اهم النعم التي انعم الله بها على الشعب السوري وثورته هو عدم وجود احزاب وتنظيمات جماهيرية عربية كانت او كردية معارضة للنظام في مستوى قيادة الجماهير ممثلة له لتوقف او تكبح جماح الثوار وتطلعاتهم للاستمرار في طريق انجاح الثورة , ولهذا يلاحظ بان الثوار غير مكترثين او معنيين او مبالين لما يجري ويحدث لنخبه السياسية والثقافية الاجتماعية ولربما الفولكلورية والجمعيات والفعاليات الخيرية والرياضية والفنية ( الم يحاول الممثل السوري عباس النوري دخول فندق سمير اميس حيث كان اجتماع لتلك النخب , ولما لم يجد من يستقبله حمل ذيله وهرب) , ويبتكرون ويبتدعون الاساليب والادوات في مقارعة اجهزة النظام وادواته وازلامه وشبيحته والبعض من تلك الاساليب والانماط .

–                     توقيت الخروج في التظاهرات وهو ايام الجمعة , والاماكن هي الانطلاقة من المساجد , والتواصل يتم باستخدام الهواتف الجوالة والانترنيت , وحتى اذا اضطر النظام الى قطع الخطوط الهاتفية والانترنيت فان ايام الجمعة لايمكن ان تتغير , على الرغم من المحاولات المحمومة لتطويق الجوامع من قبل اجهزة النظام ومنع توافد المصلين الى خطبة يوم الجمعة فان الشباب يفرضون انفسهم بقوة اذ تحولت الجوامع الى تجمع ” كومونة ” لانطلاقة الاحتجاجات ( نموذج جامع قاسمو في الحي الغربي بالقامشلي ) .

–                     لجوء الثوار الى اسلوب جديد للخروج بالتظاهرات وهو الخروج بمظاهرات مضادة للمسيرات التي تسيرها اجهزة النظام في الايام العادية .

–                     التهديد والخروج بالاحتجاجات والتظاهرات في حال القاء القبض على النشطاء وهذه العملية بدأت تاتي أوكلها مثلما حدث مؤخرا في المناطق الكردية عامودا والدرباسية , اذ رضخت الاجهزة الامنية للمحتجين خوفا من هجوم المتظاهرين على الاماكن التي احتجز فيها النشطاء وبالتالي الخوف من ان تعم المظاهرات الايام الاخرى بالاضافة الى يوم الجمعة .

–                     تنظيم مسيرات ليلية ( مسيرة الشموع ) في الايام العادية من الاسبوع , اذ ان السلطات تتخوف من الاقتراب منها كون عتمة الليل تسدل ستارا مرعبا على عناصر اجهزة الامن والشبيحة , وهم وبدورهم يراقبون المسيرات عن بعد ولا يقتربون اليها .

–                     لجوء المجاميع الشبابية الى تنظيم نفسها بتشكيلة المنسقيات معتمدين على اسلوب عمل التنظيمات الافقية , اذ ان القاء القبض او تصفية احد النشطاء او خرق التنظيمات او حدوث خلافات في هرم المنسقيات لايؤثر على التنظيمات او المنسقيات الاخرى وهكذا يتم عدم السماح لاجهزة النظام بالاختراقات او باستعادة انفاسه وإعادة توطيد مواقعه.

–                     توسيع المظاهرات لتشمل المدن والبلدات الاخرى التي لم تتظاهر بالشكل الذي يراد لها من قبل النشطاء , اما بالنسبة للمدينتين الكبيرتين دمشق وحلب واللتين ستحسما المواجهة مع النظام , حيث تجري محاولات لتفعيل النشاط التظاهري لاطرافها وضواحيها ولكنها تقمع بشدة ولا تتمكن من الوصول الى مركز المدن , وهذا سيحسمه عامل الوقت بعد انهاك وارهاق الاجهزة والقوى الامنية والتي زجها النظام بكثافة في مركز المدينتين , وقد احتاط النظام لذلك بتجنيد عملاءه وازلامه وعيونه وشبكة من رجال الامن المتخفيين من باعة جوالين وزبالين ومقدمي الخدمات العامة وسائقي سيارات ( تكسي ) ومراقبين وقناصين فوق اسطح بنايات الدوائر الحكومية والدور وعلى مفارق الطرق الرئيسية وفي الازقة والاحياء السكنية ودوريات وحواجز ثابتة و طيارة للبحث والتفتيش والمراقبة .

–                     الاحترافية في ايصال الوثائق والتوثيق صوت وصورة الثورة الى العالم الخارجي , قهر الامكانيات الهائلة التي يتمتع بها النظام لتحريف وجهة الثورة السلمي , والتغلب على الحلقة الاضعف في العمل السري وهو حلقة الاتصال ( نموذج الاتصال بواسطة الهواتف الجوالة بالاعتماد على شبكة اتصالات دول الجوار والهواتف الذكية ) , وفضح ابواق النظام ودعايته الغوبلزية الصحافية ( نسبة الى وزير الاعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحاف ) , وكسب الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي للتضامن مع الثورة السورية السلمية , والتنديد بالجرائم البشعة التي يقترفها النظام وشبيحته , وامور عديدة لايتسع المقال لسرده .

طرق واساليب جديدة ومبتكرة من قبل الثوار وعلى مدار الايام , والاهم منها هو اتفاق جميع البلدات والمدن السورية على تسمية الخروج بالتظاهرات ايام الجمع بتسمية متفقة عليها من الجميع ( جمعة الحرية , جمعة آزادي , جمعة العشائر , جمعة الكرامة , جمعة الرحيل , جمعة الحرائر , جمعة الشهداء ….) , وهذ ما يربك النظام واجهزته في فك طلاسم هذا اللغز .

انها الثورة السورية المعاصرة زهرة الثورات , ثورة شقائق النعمان المخضبة بدم الشهداء , وقد قطع الثوار العهد على انفسهم بانهم سائرون مهما كانت التضحيات فاما سوريا الحرة الابية واما سورية الحرية الابية .

المجد كل المجد للشهداء الابرار .

•                    مسؤول منظمة الخارج لحزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا – استاذ في كلية القانون والسياسة , جامعة صلاح الدين , اربيل .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى