صفحات مميزةماهر مسعود

الثورة السورية.. فعل التغيير “بضربات المطرقة”/ ماهر مسعود

 

 

 

باستخدام المصطلح “النيتشوي”، جاء التغيير الثوري “بضربات المطرقة”، أي أنه كان تغييراً عنيفاً، قاسياً، وشاملاً للحياة في سوريا، وهو تغيير طال الجميع، لكنه لا يشبه رغبات أحد أو آمال وتوقعات أحد. جذرية التغيير طالت كل شيء تقريباً، اُقتلعت الناس من بيوتها ومدنها وحيواتها، وتغيرت جغرافيا البلد وديمغرافيتها، انقلبت أحوال الناس من الأقصى إلى الأقصى، اقتصاد الحرب زاد الطلب على فاقدي الكرامة والأخلاق، والعنف اللامعقول غيّر من حساسية الناس لمعنى الحياة وقيمة الروابط الإنسانية.

في المقابل، يمكن القول إنه لا شيء تغير بعد سنوات أربع من الثورة، الفساد والرشوة والاستزلام والوساطة مازالت هي ذاتها عند النظام والمعارضة، المأسسة والقوننة والعمل الجماعي مازالت غائبة هنا وهناك، التغيير “بضربات المطرقة” غير كل شيء إلا الثقافة، فثقافة الخوف وانعدام الثقة وغياب المسؤولية مازالت هي ذاتها، أو هي ما حصده النظام من عسكرة الثورة والقضاء على سلميتها.

اشتداد الصراع على الهويات الدينية ليس سوى الصدى أو الظل لاشتداد الصراع على الهويات السياسية، أو الهوية السياسية لسوريا، فهناك من يريد سوريا إسلامية محكومة بالشريعة، وهناك من يريدها دولة ممانعة ومقاومة، وهناك “الأضعف حالياً” من يريدها دولة ديمقراطية تعددية مدنية. لكن صراع الإرادات المحلي هذا، بات مشكولاً بالصراع الاقليمي والدولي الذي يمزق هوية سوريا السياسية ويجعلها دولة بلا هوية، أو مجموعة دول في اللادولة.

من هنا يصبح الحديث عن أفق الثورة هو حديث مرتبط بقيمة ومعنى التغيير الثوري، وبما أن قيمة التغيير ما زالت مفتوحة على آفاق سياسية مجهولة، ومعناه ما زال ناقصاً وسلبياً في حيوات مجمل السوريين، فإن استشراف الآفاق سيكون نوعا من الأمل الخادع، أو تثبيط العزيمة الأكثر خداعاً. التغيير حصل ويحصل ولا رجعة عنه حتى لو أراد الجميع ذلك، أما بطولات السوريين الذين دفعوا أكثر من أي شعب في التاريخ الحديث ثمناً للتغيير، فهو ما ستكتب عنه الأجيال اللاحقة.

“إرهاب” سني وشيعي

ليس من الممكن، بل من الضروري أن طغيان العنف سيعيد انتاج الإسلام السياسي السوري، لكن هذه المسألة ستصبح مرتبطة أكثر بتحولات النظام العالمي الجديد، والتحولات الإقليمية المرتبطة به، فالانقسام الإسلامي الأكبر اليوم هو انقسام بين السنة والشيعة، لكن ارتباط الإسلام الشيعي بمرجعية دينية سياسية واحدة، وبدولة مركز إقليمية وقوية، يجعل من الإرهاب الشيعي الممارس اليوم، في سوريا والعراق واليمن ولبنان، إرهاباً مقبولاً من العالم ومتجانس معه، أما عدم ارتباط الإسلام السني بمرجعية دينية واحدة، ولا بدولة مركز واحدة في الإقليم، وتشرذمه بين دول تتنافس على الصدارة مثل السعودية وتركيا ومصر، فذلك يجعل من الإرهاب السني إرهاباً ما دون الدولة (إن استثنينا دولة الخلافة الداعشية) غير مسيطر عليه وغير مقبول عالمياً، قياساً بإرهاب الدولة، المسيطر عليه، والمقبول، والمُدار أميركياً.

ولذلك فإن الإسلام السياسي السوري سيعيد انتاج نفسه تبعاً لتموضعات إقليمية تطال الإسلام بشكل عام، وكلما اقترب الإسلام السياسي من الدولة، ومن التموضع في الحضارة الراهنة وموازين القوى العالمية، كلما أصبح أكثر اعتدالاً بالمقاييس إياها، وأكثر احتكاماً لمعاييرها.

الثورة والمعارضة

عجز الثورة عن انتاج كيانات سياسية فاعلة جاء نتيجة وقوعها بين فكي كماشة، فمن جهة أولى هناك التاريخ، حيث إنه لا تاريخ للحياة السياسية؛ بما تعنيه من برامج علنية، وتنافس مشروع، وتداول سلمي للسلطة في سوريا، منذ عقود أربعة. ومن جهة ثانية هناك المستقبل، حيث إنه لم يتم تبني أي كيان سياسي معارض من قبل “أصدقاء الشعب السوري”، والاعتراف به بشكل حقيقي لكي تتم صناعة مستقبل سوريا السياسي عبره، وبالبناء عليه. بل إن ما تم ومازال إلى الآن، هو بيع الكلام والأوهام والآمال الخادعة للمعارضة، مقابل العمل بشكل فعّال وواضح ضد كل ما يخدم مصلحة الشعب السوري وانتصار الحرية والديمقراطية في سوريا.

أما فشل المعارضة وأزماتها، فتعود لأسباب كثيرة، منها أولاً، قيام الثورة بالأصل على أرضية غير أيديولوجية، وعدم تقبل الشباب؛ صُنَّاع الثورات، للتحزب والأدلجة. ثانياً، تخلي المعارضة الوطنية السورية منذ السبعينيات؛ باستثناء الطليعة المقاتلة، عن فكرة السلاح والعمل المسلح، ما جعل فكرة موازين القوى المباشرة وغير المباشرة غائبة تماماً عن العمل المعارض. ثالثاً، سيطرة النزعة الثقافوية على العمل السياسي، وسيادة النزعة التطهرية الزاهدة في السلطة شكلاً، المهجوسة بها مضموناً. رابعاً، طول إقامة نموذج العمل السري خلال عقود أدى لأن تصبح المعارضة التقليدية ضليعة فقط في المعارضة ولا تفقه شيئاً في إدارة السلطة وأحوالها.

وأخيراً؛ لكن ليس آخراً، أدى ضعف المجتمع المدني السوري وغياب المأسسة والتنظيم، خلال العقود الماضية، إلى سيادة نوع من “الفردية المنحطّة” التي جعلت اجتماع أكثر من اثنين على مشروع واحد مسألة في غاية التعقيد، فكيف إن كان هذا المشروع هو قيادة موحدة للمعارضة؟

النظام لم يعد لاعباً إقليمياً

ليس هناك تحول بنيوي للنظام من الداخل، بل إن بنية النظام الداخلية ما زالت هي الأكثر تماسكاً بالقياس لما عداها، لكن التحول الكبير فعلاً، هو ما طرأ على بنية النظام من الخارج، فقد تحول النظام من لاعب إقليمي متشابك أمنياً واستراتيجياً في قضايا المنطقة، ولا يمكن لإيران أو السعودية أو مصر أو تركيا أو إسرائيل أن تمرر صغيرة أو كبيرة في المنطقة دون مشاركته أو مشاورته أو التعامل معه، إلى أداة صغرى في يد اللاعب الإيراني. وسوف يكون لذلك نتائج غاية في التعقيد في المراحل القادمة.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى